الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ٢

مجير الدين الحنبلي العليمي

الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ج ٢

المؤلف:

مجير الدين الحنبلي العليمي


المحقق: محمود عودة الكعابنة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨
الجزء ١ الجزء ٢

كبير ، ومن ظاهر الشباك على المصطبة (١) الأمير يشبك الدوادار ، والقاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف ، وكان يوما مشهودا (٢) وحضر مع السلطان جماعة من أركان الدولة ، منهم الأمير خشقدم الطواشي الوزير ، والقاضي تاج الدين المفتي ناظر الخواص الشريفة ، والقاضي شرف الدين الأنصاري ، والقاضي برهان الدين بن ثابت وغيرهم ، وشكا الناس على الأمير جارقطلي نائب القدس (٣) ، ورفعت فيه القصص بسبب ما اعتمده من الظلم والجور ، فطلبه وسمع فيه الشكوى (٤) ، وأنصف الناس فيه ، وأمره أن يدفع إليهم ما أخذه منهم وشكا الناس (٥) على القاضي غرس الدين خليل أخي بن العباس ، وأنه يجتمع بالنائب ، ويتكلم في حق الناس فطلبه السلطان وانتهره ، ووضعه إلى الأرض ليضربه فشفع فيه الأمير يشبك الدوادار ، ورسم بعدم إقامته بالقدس فسافر منه ، فكان يقيم تارة بغزة وتارة ببلده المجدل (٦) ، ولم يزل على ذلك إلى أن توجه إلى مكة ، وتوفي بها وفي شهور سنة ٨٩٨ ه‍ (٧).

ثم بعد (٨) فراغ السلطان من فصل الخصومات في اليوم الذي دخل فيه إلى القدس ، ثم صلى المغرب بقبة الصخرة المشرفة خلف الإمام سعد الله الحنفي ، ثم نزل إلى الجامع الأقصى ، وقد أوقدت القناديل على العادة التي تكون في ليلة نصف شعبان ، وكذلك قبة الصخرة الشريفة ، وكانت ليلة مشهودة ، وجلس في محراب المسجد (٩) الأقصى وإلى جانبه الأمير أزبك أمير كبير ، والأمير يشبك الدوادار الكبير وغيرهما من أركان الدولة ، وجلس معه شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف ، وشيخ الإسلام النجمي بن جماعة ، والقضاة والخاص والعام ، وقرأت ختمات شريفة ، وكان مع السلطان ثلاثة أنفار من رؤساء القراء بالقاهرة ، فقرأوا وحصل بهم البهجة والأنس ، ثم قرأ بعدهم القراء ببيت المقدس ، وصلى السلطان عشاء الآخرة

__________________

(١) المصطبة ج د ه : المسطبة أب / / الدوادار ب ه : الدويدار أج د.

(٢) وكان يوما مشهودا ... برهان الدين بن ثابت وغيرهم أب ه : ـ د ح.

(٣) نائب القدس ... بسبب أب ه : ـ ج د.

(٤) الشكوى أب : الدعوى ج د ه.

(٥) وشكا الناس على القاضي غرس الدين ... إلى القدس أب ج ه : ـ د / / على أج : من ب ه : ـ د.

(٦) المجدل : بلدة تقع إلى الشمال من غزة على مسيرة ٢٥ كم ، وهي ليست على الشاطئ بل قريبة منه ، ينظر : الدباغ ٨ / ١٤٧ ؛ أبو حمود ١٨٨.

(٧) ٨٩٨ ه‍ / ١٤٩٢ م.

(٨) بعد ب ج : ـ أد ه / / الخصومات ه : الحكومات أب ج / / ثم ج ه : ـ أب د.

(٩) المسجد ب : ـ أج د ه.

٤٤١

خلف الشيخ نجم الدين بن جماعة ، ثم انصرف ولم يسمع قراءة المعراج الشريف لعدم وجود من يقرأه ، فإن الشيخ شهاب الدين العميري كان غائبا بالقاهرة ، ثم حضر الشيخ أبو مدين وقراء المعراج بحضور (١) أركان الدولة ، ثم في يوم الثلاثاء من عشري رجب ، خرج السلطان إلى مخيمه بظاهر القدس ، وطلب النائب وأمره أن يصالح جميع من شكا عليه فصالحهم ، ودفع لكل من أخذ منه شيئا على جريمة نصف ما أخذه منه ، ومن له ديّن (٢) شرعي دفعه له بكماله ، ثم أعلم الدوادار الكبير السلطان أن النائب أرضى جميع خصومه (٣) ، فقال له السلطان : «أحسن إلى الناس واحكم بينهم بالعدل والانصاف بالشرع الشريف ، وإن شكا (٤) أحد عليك بعد اليوم قطعتك نصفين» ، ثم قدّم (٥) النائب خدمته للسلطان ، فألبسه خلعة الاستمرار ، وتوجه السلطان في ليلة الأربعاء إلى الرملة ، وكان زمن الشتاء ، ووقع مطر كثير وهو بالمخيم على قبة الجاموس ، ومما اتفق أن شخصا (٦) من اللصوص دخل على السلطان وهو نائم في المخيم في الليل ، وسرق بقجة قماش من عند رأسه ، فأصبح السلطان قبض على الشيخ حرب شيخ جبل نابلس بسبب ذلك ، وقصد قتله وأغرمه مالا ، ثم توجه (٧) السلطان إلى مدينة غزة ، وعاد إلى القاهرة ودخل إليها في يوم الخميس الثاني والعشرين (٨) من شعبان ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وقدر أن اللص الذي دخل على السلطان قبض عليه وجهز إلى السلطان ووقف بين يديه ، واعترف بدخوله عليه (٩) فطلب منه السلطان فرس من طائفة العرب من بني لام ، وأوعده ، فتوجه ذلك اللص إلى إحضار الفرس المذكورة ، فوقع من التقدير أن صاحب الفرس أراد المسير في تلك الليلة من عند أهله إلى أمر له ، فقال لزوجته عن مفتاح قيد تلك الفرس ، فسمع اللص بذلك المقال ، فصبر إلى دخول الليل ، وأخذ الفرس وأحضرها إلى السلطان ، فأمر بسجنه في المقشرة ولم يقتله (١٠).

__________________

(١) بحضور أب : بحضرة ج د ه / / الثلاثا ب : الثلثا أ: ـ ج د ه.

(٢) دين أب : جريمة ج د : حق ه / / الدوادار أب ج : الدوايدار ه : ـ د.

(٣) خصومة أج : خصائمه ب : أخصامة ه.

(٤) شكا أ: شكي ب ج ه : ـ د.

(٥) قدم أب ج ه : ـ د.

(٦) شخصا أب : إنسانا ج د ه.

(٧) توجه أب د ه : عاد ج / / مدينة غزة أب : ـ ج د ه.

(٨) الثاني والعشرين أب : ثاني عشري ج د ه.

(٩) عليه ب ج ه : ـ أد / / فطلب منه السلطان ... فأمر بسجنه في المقشرة ولم يقتله أ: ـ ب ج د ه.

(١٠) قصد سرقة الفرس ، وتكليف السلطان للص بذلك ، أمر مستغرب من سلطان الزمان!.

٤٤٢

وفيها وقعت حادثة بالقدس الشريف ، وهي أن شخصا نصرانيا وقع في حق سيدنا أمير المؤمنين / / علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، والسيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقذف ، ورفع أمره للقاضي علاء الدين بن المزوار المالكي ، وعقد مجلس بدار (١) النيابة بحضور الأمير جار قطلي نائب السلطنة ، وحضر بالمجلس شيخ الإسلام الكمالي ابن أبي شريف ، وثبت ما نسب إلى النصراني عند القاضي علاء الدين المالكي ، وحكم بسفك دمه وضرب عنقه بحضور الجماعة بدار النيابة.

ثم دخلت سنة ٨٨١ ه‍ (٢)

فيها في مستهل المحرم حضر (٣) هجان من القاهرة بمرسوم شريف بقبض الإفرنج المقيمين بدير صهيون وبيت لحم وكنيسة قمامة ، وتجهزهم إلى الأبواب الشريفة ، بمقتضى أن الإفرنج أسروا أربعين (٤) من إسكندرية وغدروا بهم ، وأخذوهم إلى بلاد الإفرنج.

وفيها استقر القاضي فتح الدين أبو الفتح محمد بن داود الأسيل الشافعي في قضاء الشافعية بالقدس الشريف والرملة ونابلس ، عوضا عن القاضي شمس بن يونس ، وورد عليه المرسوم الشريف بذلك في نهار الاثنين سابع ربيع الآخر ، وفي يوم الخميس ثاني جمادى الأولى ، ألبس التشريف الوارد عليه (٥) من الأبواب الشريفة ، وألبس القاضي شمس الدين الديري خلعة الاستمرار بقضاء الحنفية ، وهي كاملية صوف مرسيني بفرو (٦) سمور ، وألبس جمال الدين يوسف بن ربيع خلعة الاستمرار (٧) في وظيفة إمامة الحكم ووكالة الغياب ، وهي فوقاني حرير بوجهين وطراز (٨) ، وقرئ توقيع الشافعي في يوم الجمعة ثاني يوم لبسه ، ولم يقدر بعد ذلك لابن يونس ولاية قضاء بيت المقدس إلى أن حج إلى بيت الله الحرام في سنة سبع

__________________

(١) بدار ب ج د ه : ـ أ.

(٢) ٨٨١ ه‍ / ١٤٧٦ م.

(٣) حضر أب : ورد ج ه : ـ د.

(٤) أربعين د ه : أربعة أب ج.

(٥) عليه ب ج ه : ـ أد.

(٦) بفرو أب : بفزو ب : ـ ج د ه / / سمور أب : ـ ج د ه.

(٧) الاستمرار أج د ه : لاستقراره ب / / وهي فوقاني ... دخوله إليها في أوائل رجب أب ه : ـ ج د.

(٨) طراز : كلمة معربة عن الفارسية وتعني التطريز الذي يكون على الرداء المزين بالأشرطة المطرزة ، وتدل كذلك على المصنع الذي يصنع تلك الأردية ، ينظر : الجواليقي ٤٤١ ؛ ماير ٦٢.

٤٤٣

وسبعين (١) ، وتوفي بعد خروجه من مكة بمنزلة (٢) بطن مر ، وحمل إلى مكة فدفن بها رحمه الله.

وفيها أعني سنة إحدى وثمانين فى يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة ، رحل شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف من القدس بأولاده وعائلته إلى القاهرة المحروسة واستوطنها ، وكان دخوله إليها في أوائل رجب.

وفيها دخل الوباء بالطاعون حتى عم جميع المملكة ، وكان دخوله إليها في أوائل رجب ، واستمر مدة طويلة ، ولم يزل الطاعون بالقدس إلى مستهل ربيع الأول سنة ٨٨٢ ه‍ ، وأفنى خلقا كثيرا من الشباب والنساء وأهل الذمة ، ولم يكن طال ببلدة من البلاد أكثر من القدس ، فسبحان القادر على ما يشاء.

ثم دخلت سنة ٨٨٢ ه

وفيها وصل (٣) إلى القدس الشريف الأمير جانم الخاصكي قريب السلطان وناظر الحرم بعد عوده من المملكة الشامية ، وكان دخوله إلى القدس الشريف في يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى ، فإنه توجه إلى بلاد الشام لكشف الأوقاف ، وحضر إلى القدس بسبب ذلك ، وأوقد له المسجد الأقصى في ليلة السبت ، وقبة الصخرة في ليلة الأحد ، ومدرسته السلطانية في ليلة الاثنين ، وفي كل ليلة كان يقرأ له ختمات شريفة ، بحضرة جمع من المسلمين ، وجمع له من جهة الأوقاف بالقدس الشريف تسعمائة دينار ، وقيل ألف دينار ، ومن أهل الذمة ثلاثمائة (٤) دينار ، فلم يقبل شيئا من جهة الأوقاف ، وأعاد المبلغ بكامله لمستحقيه ، وأخذ ما جمع له من أهل الذمة ، وحصل للمسلمين من مستحقي الأوقاف الخير بذلك ، وتضاعف له الدعاء (٥) في صحائفه ، وسافر من القدس ليلة الاثنين ثالث عشري جمادى الأولى.

ذكر سفر السلطان إلى المملكة الشامية

وفيها سافر السلطان الملك الأشرف من القاهرة قاصدا المملكة الشامية ، فوصل إلى غزة في يوم الأربعاء تاسع شهر جمادى الآخرة ، في جمع قليل دون مائة

__________________

(١) سبع وسبعين أ: سبع وتسعين ب : ٨٩٨ ه‍ : ـ ج د.

(٢) بمنزلة أب ه : ـ ج د.

(٣) وفيها وصل إلى القدس ... وسافر من القدس ليلة الاثنين ثالث عشري جمادى الأولى أب ج ه : ـ د.

(٤) ثلاثمائة ج : ثلثماية أب ه : ـ د.

(٥) له الدعاء ج ه : ـ أب د.

٤٤٤

نفس ، وولي الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نيابة القدس الشريف ، وهو بغزة عوضا (١) عن جار قطلي وألبسه كاملية خضراء بفرو سمور ، ودخل إلى القدس في نهار الجمعة حادي عشر الشهر المذكور ، وعلى يده المرسوم الشريف التحقت بولاية بخط قاضي القضاة قطب الدين الخضيري (٢) الشافعي قاضي دمشق ، ووصل السلطان إلى مدينة حلب ، وتوجه للفرات ، وحصل له توعك في السفر ، وعاد إلى دمشق وهو متوعك ، ثم عوفي وعاد إلى القاهرة ، ولم يقدر له دخول بيت المقدس ، وكان دخوله إلى القاهرة في يوم الخميس رابع شهر شوال ، وكان يوما مشهودا لدخوله.

وفيها استقر الخطيب / / أبو الحرم محمد شيخ الإسلام تقي الدين أبي بكر بن القلقشندي في نصف خطابة المسجد الأقصى الشريف ، عوضا عن الخطيب محب الدين بن جماعة ، وهو النصف الذي كان استقر فيه ، ووقع فيه ما تقدم شرحه في حوادث سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ، وخطب بالمسجد الأقصى في يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة وقرأ في أول (٣) ركعة (٤) : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ)(٥) وقرئ توقيعه ، وتوجه إلى منزله وأعلام المسجد حوله ، ومشى الناس في خدمته ، وكان يوما مشهودا ، واستقر الشيخ جمال الدين عبد الله بن غانم شيخ في مشيخة الحرم وفي جميع مشيخة الخانقاه الصلاحية (٦) ، عوضا عن القاضي برهان الدين بن ثابت ، وكيل السلطان بحكم وفاته ، وعن الخطيب (٧) محب الدين بن جماعة بحكم عزله ، فإن ابن ثابت هو الذي كان قائما بنظام الخطيب محب الدين بن جماعة ، وعضده في تولية نصف الخطابة ونصف مشيخة الخانقاه.

ثم استقر ابن ثابت في النصف الثاني من مشيخة الخانقاه كما تقدم ذكره ، فلما توفي في أوائل سنة ٨٨٢ ه‍ (٨) بعد محن حصلت له ، سعى الخطيب أبي الحرم في نصف الخطابة وشيخ الحرم في جميع مشيخة الخانقاه (٩) الصلاحية ، وأعانهما

__________________

(١) عوضا عن جارقطلي ... ووصل إلى مدينة حلب أب ج ه : ـ د.

(٢) الخضيري أج ه : الخضري ب : ـ د.

(٣) في أول ب ج ه : ـ أ.

(٤) ركعة أب ج د : الركعة ه.

(٥) يوسف ، الآية : [٦٥].

(٦) الصلاحية ب ج د ه : الصلاحي أ.

(٧) وعن الخطيب محب الدين بحكم عزله ... بمقتضى ثبوت عزل مستخلفه أب ج ه : ـ د.

(٨) ٨٨٢ ه‍ / ١٤٧٧ م.

(٩) الخانقاه أب ه : ـ ج د / / وأعانهما أب ه : وأعادتها ج د.

٤٤٥

القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف ، فاستقر (١) في ذلك شهر جمادى الآخرة.

وفيها في جمادى الآخرة عزل القاضي كمال الدين النابلسي الحنبلي من قضاء الحنابلة بالقدس الشريف والرملة ونابلس ، عزله القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف ، وهو بمنزلة قاقون (٢)(٣) صحبة السلطان ، ووقع في عزله ما لم يقع لغيره ، فإن العادة جرت إذا عزل القاضي يكتب مرسوم السلطان ومطالعة القاضي كاتب السر بعزله ، وهذا القاضي إنما ثبت عزله ببينة شهدت عند القاضي كاتب السر أنه عزل من القضاء ، فصرح القاضي الشافعي بثبوت عزله ، وكان الحنبلي غائبا بالقاهرة لأنه توجه إليها في جمادى الأولى ، وكتب القاضي الشافعي إلى نائبه بالرملة بمنع (٤) نائب الحنبلي بها من الحكم بمقتضى ثبوت عزل مستخلفه.

وفيها في يوم الأحد (٥) حادي عشري رجب توفي الأمير غرس الدين خليل بن أبي والي ، أحد أعيان بيت المقدس ، وكان رئيسا كريما ، وفيه الخير والإحسان إلى الخاص والعام ، وكان الناس يردون (٦) إليه من الأعيان وغيرهم ، ويأكلون على سماطه في كل وقت ، وكان يطعم من عرف ومن لا يعرف في جميع السنة ، وأما في شهر رمضان فمن العجائب في إطعام الطعام ، وكان ذلك (٧) عن طيب نفس منه لا يتكره من ذلك ، بل يفرح له ، وكان قد اعتراه السمن وتزايد حتى كان لا يستطيع القيام إلا بمشقة ، وكان من محاسن بيت المقدس ، ومن أعظم محاسنه مع ما هو عليه من هذه المناقب الحسنة سلامة الناس من يده ولسانه ، ولم يبق بعده منه هو في معناه ، رحمه الله وعفا عنه.

ثم دخلت سنة ٨٨٣ ه‍ (٨)

فيها في شهر ربيع الأول (٩) توجه المباشرون بالقدس الشريف إلى القاهرة

__________________

(١) فاستقر أج ه : فاستقل ب : ـ د.

(٢) قاقون : قرية فلسطينية من قرى طولكرم ، ينظر : الدومينيكي ١٨٥ ؛ أبو حمود ١٦٥.

(٣) قاقون أج ه : قانون ب : ـ د.

(٤) بمنع أج : أنه يمنع ب : منع ه : ـ د / / بها ب ج د ه : لها أ.

(٥) الأحد أب : ـ ج ه / / خليل ب : ـ أج د ه.

(٦) يردون أب : يترددون د : تترد ج ه د.

(٧) وكان ذلك أب : ـ ج د ه / / منه لا يتكره ... له وكان أب : ـ ج د ه.

(٨) ٨٨٣ ه‍ / ١٤٧٨ م.

(٩) الأول أب ج : الآخر ه : ـ د / / المباشرون أب د ه : المباشرين ج / / المحروسة أب ج : ـ د ه.

٤٤٦

المحروسة ، بمرسوم شريف ورد في ذلك ، فأقاموا بمشهد الحسين بالقاهرة في ترسيم القاضي علاء الدين ابن الصابوني (١) وكيل المقام الشريف ، ثم أفرج عنهم وعادوا إلى القدس.

فيها طلب (٢) الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نائب القدس الشريف بسبب ما وقع عليه من الشكوى للسلطان ، ثم خلع عليه بالاستمرار ، وعاد إلى محل (٣) ولايته ، وكان ذلك في جمادى الأولى.

وفيها في شهر رجب توفي الأمير جاني بك الفقيه ، أمير سلاح بالمدرسة الخاتونية بعد حضوره إلى القدس من شهر المحرم ، حين عوده (٤) من الحجاز الشريف ، ودفن بالقلندرية بماملا عفا الله عنه.

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وثمانمائة (٥)

وفيها في المحرم برز الأمر الشريف بطلب القاضي فتح الدين بن الأسيل الشافعي إلى الأبواب الشريفة ، فتوجه إلى القاهرة ونزل عند الأمير جاني (٦) بك قرا الدوادار الثاني ، وغرم مالا وعاد بعد (٧) الإنعام عليه بالاستمرار في وظيفته ، ودخل إلى القدس الشريف في يوم السبت رابع عشر ربيع الأول بخلعة السلطان.

وفيها حضر قاصد من الأبواب الشريفة بطلب المباشرين بالقدس الشريف ، فتوجهوا في شهر ربيع الأول كما تقدم في السنة الماضية ، ورسم عليهم من باب القاضي علاء الدين بن الصابوني ، ثم أفرج عنهم ، وعادوا إلى القدس.

وفيها توفي أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن محمد العباسي واستقر / / بعده في الخلافة مولانا (٨) الأعظم والخليفة المكرم ، أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين ووارث الخلفاء الراشدين ، المتوكل على الله أبو العز (٩) عبد

__________________

(١) ينظر : ابن الصيرفي ٢٢.

(٢) فيها طلب الأمير ناصر الدين محمد ... عوده من الحجاز الشريف ودفن بالقلندرية بماملا ، عفا الله عنه أب ج ه : ـ د.

(٣) محل أب ج ه : ـ د.

(٤) عوده أب ج ه : ـ د.

(٥) ٨٨٤ ه‍ / ١٤٧٩ م.

(٦) جاني أج ه : أبو بكر ب : ثاني ه : ـ د.

(٧) بعد ب ج ه : ـ أد.

(٨) مولانا أب : الإمام : ج : ـ د ه / / أمير المؤمنين ... الخلفاء الراشدين أب ه : ـ ح.

(٩) أبو العز أب : ـ ج ه / / بن يعقوب ... الإسلام والمسلمين أب ج ه : ـ د.

٤٤٧

العزيز بن يعقوب أعز الله به الدين ، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين ، ودعي له على منبر بيت المقدس ، وغيره من منابر الإسلام.

وفيها جدد عمل الرصاص على ظاهر الجامع الأقصى ، وفك الرصاص القديم ، ثم ركب ولم يكن كالأول في حسن الصناعة والاتقان ، وكان الصانع له رجلا من الروم ، ثم قصد ناظر الحرمين ناصر الدين محمد بن النشاشيبي أن يفك الرصاص من ظاهر قبة (١) الصخرة ويجدده كما فعل بالجامع الأقصى ، فمنعه الشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم ، وقام في ذلك أعظم قيام ، وكان توفيقا من الله تعالى ، فإن الرصاص القديم الموجود إلى الآن أولى وأحسن من المستجد الذي عمل بالأقصى.

وفيها استقر الأمير سنطباي (٢) البجاسي بنيابة السلطنة الشريفة بالقدس الشريف ، عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب ، ودخل متسلمه إلى القدس في يوم السبت سادس عشر رجب ، وقرئ توقيعه يوم الجمعة.

وفيها توجه القاضي (٣) فتح الدين بن الأسيل الشافعي قاضي القدس إلى الحجاز الشريف خفية من حيث لم يعلم الناس بحاله ، فإنه أظهر أنه متوجه إلى نابلس في شهر رمضان ، فتوجه إليها ، ثم توجه من نابلس إلى بلد الخليل ، عليه السلام ، وسافر صحبة الحجاج وهو مستمر على الولاية ، وشغرت الوظيفة عنه من شهر رمضان سنة ٨٨٤ ه‍ إلى آخر سنة ٨٨٥ ه‍ ، ولم يكن بالقدس إذ ذاك حاكم مالكي ولا حنبلي ، وانفرد القاضي شمس الدين الديري الحنفي بالحكم في مدينة القدس ، مدة سنة كاملة إلى أن ولي الحنبلي ، ودخل إلى القدس في ثامن عشر (٤) شهر شعبان سنة ٨٨٥ ه‍ ، وكان القاضي الحنفي كلما احتاج الأمر (٥) إلى مسألة خلافية استخلف فيها من أهل ذلك المذهب.

وفيها ـ أعني سنة ٨٤ ه‍ ـ حج السلطان الملك الأشرف قايتباي إلى بيت الله الحرام ، وزار قبر (٦) النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في الذهاب ، وأقام بالمدينة الشريفة أربعة أيام ، ثم

__________________

(١) قبة ب ج د ه : القبة أ.

(٢) سنطباي البجاسي أب ج د : النجاشي د : ـ ه.

(٣) وفيها توجه القاضي فتح الدين ابن الأسيل الشافعي ... استخلف فيها من أجل ذلك المذهب أب ج ه : ـ د.

(٤) ثامن عشر أب : ثاني عشر ج ه.

(٥) كلما احتاج ب ج ه : كما الاحتاح أ.

(٦) قبر أ: ـ ه ب ج د.

٤٤٨

توجه منها إلى مكة المشرفة ، وقضى (١) مناسكه وعاد إلى محل سلطنته بالديار المصرية ، والله الموفق.

ثم دخلت سنة ٨٨٥ (٢)

فيها في المحرم وردت البشرى إلى القدس الشريف بوصول السلطان (٣) من مكة المشرفة ، وكان دخوله إلى القاهرة في يوم الاثنين ثاني عشر المحرم ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وزينت مدينة القدس وغيرها من البلاد.

وفيها بعد قدوم السلطان (٤) من الحجاز الشريف أنعم السلطان على الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب باستقراره في نيابة السلطنة بالقدس الشريف ، عوضا عن الأمير سنطباي البجاسي (٥) ، ووصل متسلمه هو وأخوه الشهابي أحمد إلى القدس الشريف في يوم الأحد خامس صفر سنة ٨٥ ه‍ منها.

وفيها ورد مرسوم شريف بطلب ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي ، والمباشرين إلى الأبواب الشريفة ، فتوجهوا في نهار الثلاثاء سادس ربيع الأول ، ثم توجه القاضي فخر الدين بن نسيبة الخزرجي في نهار الاثنين عاشر ربيع الآخر ، بمرسوم شريف ورد بحضوره ، وفي يوم السبت ثاني عشري ربيع الآخر ، دخل الأمير ناصر الدين بن أيوب إلى القدس بخلعة السلطان ، وكان يوما حافلا ، وفي يوم الاثنين تاسع جمادى الأولى ، دخل الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي ، ناظر الحرمين الشريفين ، إلى القدس الشريف عائدا من الأبواب الشريفة ، وكان يوما مشهودا لدخوله ، وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة ، كبس عمرو بن غانم البدوي (٦) ومن معه من العرب الأمير ناصر الدين محمد بن أيوب نائب القدس الشريف بأريحا الغور ، وحصلت (٧) فتنة قتل فيها جماعة ، وفي يوم الثلاثاء سابع رجب توجه الأمير ناصر الدين بن أيوب إلى حلب قاصدا الأمير يشبك الدوادار الكبير ، وفي يوم الأحد ثاني عشر رجب ، حضر ملك الأمراء سيباي نائب غزة إلى

__________________

(١) وقضى ب ج د : قضا أ: ـ ه.

(٢) ٨٨٥ ه‍ / ١٤٨٠ م.

(٣) السلطان أب ج : ـ د ه.

(٤) السلطان أب ج : ـ د ه.

(٥) البجاسي ه : النحاسي أب ج : ـ د.

(٦) البدوي أج د ه : البدري ب / / ومن معه من العرب أب : وعربة ج ه : وغيره د.

(٧) وحصلت ب ج د ه : خلصة أ.

٤٤٩

بركة المرجيع ونصب مخيمه هناك لعمارة (١) البرك ، فأشرع في العمل بنفسه وعسكره ، وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان ، حضر الأمير ناصر الدين بن أيوب من مدينة حلب إلى القدس الشريف.

وفيها استقر القاضي زين الدين عبد الباسط بن القاضي بدر الدين محمد الجعفري النابلسي الحنبلي في قضاء الحنابلة بالقدس الشريف ، بلد سيدنا الخليل ، عليه السلام ، والرملة ونابلس ، بعد شغور قضاء القدس عن أخيه القاضي كمال الدين من سنة ٨٨٢ ه‍ كما تقدم ، وألبس القاضي فخر الدين بن نسيبة كاملية على فرو (٢) سمور ، وأذن له في السفر ، فتوجه هو والقاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي من القاهرة ودخل إلى القدس الشريف في يوم الاثنين ثامن (٣) / / شعبان وكل منهما لابس خلعة ، وقرئ توقيع القاضي في يوم الجمعة ثاني عشر شعبان.

وفيها في شهر رمضان ورد الخبر إلى القدس الشريف أن الأمير يشبك الدوادار (٤) الكبير قتل في التجريدة في مملكة الشرق ، وأشاع ذلك رجل اسمه يحيى ابن جرار الفطايس (٥) ، فبلغ النائب الأمير محمد بن أيوب ذلك فطلب يحيى المذكور وضربه بالمقارع لكونه أشاع ذلك ، ثم تواترت (٦) الأخبار بقتله وصحت ، وأرّخ يوم قتله فكان في ذلك اليوم الذي تحدث فيه الناس بالقدس الشريف ، فكان قتله في أرض الرها (٧) من ملك العجم.

وفيها وقعت فتنة بالقدس الشريف سببها أن الأمير ناصر الدين بن أيوب نائب القدس الشريف قبض على جماعة من بني زيد وقتلهم ، فحضر إلى القدس جمع كبير من جماعة المقتولين وعصبتهم ، وهجموا على المدينة في يوم الاثنين ثاني عشر (٨) شوال ، فعلم بهم النائب فركب من منزله وتوجه إلى نحو باب الأسباط فأدركه القوم وقصدوه ، فدخل وهو راكب إلى المسجد الأقصى من باب الأسباط واستمر راكبا إلى أن خرج من باب المغاربة ، وكسر باب السجن ، وهجم العشير إلى داخل

__________________

(١) لعمارة ج ه : بعمارة أب : ـ د / / العمل أب : العمارة ه : ـ ج د.

(٢) فرو ج ه : ـ أب د.

(٣) ثامن أ: ثاني ب : ثامن عشر ج ه : ـ د.

(٤) الدوادار أج : الدويدار ب ه : ـ د.

(٥) الفطايس أب ج د : الغطات ه.

(٦) تواترت ب ج د ه : تواتر أ.

(٧) الرها : مدينة بالجزيرة بين الموصل ودمشق بينهما ستة فراسخ ، ينظر : الحموي ، معجم البلدان ٣ / ١٢٠ ؛ الحميري ٢٧٣.

(٨) ثاني عشر أد : ثاني عشري ب ج ه.

٤٥٠

المسجد والسلاح المشهور بأيديهم لقصد قتله ، فنجا منهم بإسراعه بالخروج من باب المغاربة ، وبادر التجار بتوزيع ما في حوانيتهم ، وقتل ثلاث أنفار وجرح جماعة ، وشرع العرب في قطع الطريق (١) وأذى الناس ، وحصل الإرجاف في الناس ، وأغلقت الأسواق والمنازل خشية النهب ، وكانت فتنة فاحشة.

ذكر بناء (٢) المدرسة الأشرفية

المنسوبة لملك العصر والزمان ، مولانا السلطان

الملك الأشرف ، أبي النصر قايتباي نصره الله تعالى

قد تقدم أن الأمير حسن الظاهري كان قد بنى المدرسة القديمة للملك الظاهر خشقدم ، ثم بعد وفاته سأل السلطان الملك الأشرف في قبولها فقبلها منه ، ونسبت إليه ، ورتب لها شيخا وصوفية وفقهاء وصرف لهم (٣) المعاليم ، ثم حضر السلطان إلى القدس الشريف في سنة ٨٨٠ ه‍ (٤) فلم تعجبه ، فلما كان في سنة ٨٨٤ ه‍ (٥) توجه (٦) القاضي أبو البقاء بن الجيعان من القاهرة إلى دمشق (٧) لضبط تركة ملك الأمراء جاني بك قجماس نائب دمشق ، ودخل إلى بيت المقدس في يوم الأربعاء ثالث ربيع الآخر وصحبته خاصكي لهدم المدرسة المشار إليها ، وتوسيعها بما يضاف إليها من العمارة ، وسافر القاضي أبو البقاء في يوم الخميس ثاني يوم دخوله ، ولم تهدم في ذلك التاريخ ، فلما كان في يوم الأحد رابع عشري شعبان سنة ٨٥ ه‍ ، كان الابتداء في حفر الأساس لعمارة (٨) المدرسة ، وهدم البناء القديم الذي علو رواق المسجد ، وشرع المهندسون في العمل ، فبنى المجمع السفلي الملاصق لرواق المسجد من جهة الشرق ثم توجه الشيخ شهاب الدين العميري إلى الديار المصرية بسبب عمارة المدرسة ، ليحرض السلطان على الاجتهاد في أمرها والاعتناء بالإسراع في عمارتها.

وفيها استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن مبارك شاه في نيابة السلطنة بالقدس

__________________

(١) الطريق أج د ه : الطرق ب / / وأذى أج ه : ايذا ب : ـ د / / الإرجاف أب ج ه : ـ د.

(٢) بناء أه : بنى ب : نبا ج.

(٣) لهم ب ج ه : ـ أد.

(٤) ٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م.

(٥) ٨٨٤ ه‍ / ١٤٧٩ م.

(٦) توجه أب : حضر ج ه / / من القاهرة أب : ـ ج د ه.

(٧) إلى دمشق أب : إلى القدس ج ه : ـ د.

(٨) لعمارة د ه : عمارة أب : عمارتها ج.

٤٥١

الشريف ، عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد (١) بن أيوب ، ودخل متسلمه إلى القدس في تاسع عشر ذي الحجة ، ثم دخل هو إلى القدس في يوم الثلاثاء ثاني عشري المحرم (٢) وصحبته جمع كبير من العرب والعشير ، وكان يوما مشهودا ، وقرئ توقيعه بعد الجمعة ، وغضب السلطان على الأمير ناصر الدين بن أيوب وقبض عليه وامتحنه.

ثم دخلت سنة ٨٨٦ ه‍ (٣)

في يوم الخميس رابع عشر المحرم ، دخل قاضي القضاة محيي الدين أبو الفضل عبد القادر بن جبريل الغزي الشافعي إلى القدس الشريف متوليا قضاء الشافعية بالقدس والرملة ونابلس ، عوضا عن فتح الدين بن الأسيل بعد شغورها لغيبته من شهر رمضان سنة ٨٨٤ ه‍ ، وكانت ولاية القاضي محيى الدين من أواخر سنة ٨٨٥ ه‍ ، وقرئ توقيعه في يوم الجمعة ثاني يوم دخوله. سير السلطان إلى القدس الشريف من القاهرة جماعة من المعمارية والمهندسين والحجارين لعمارة مدرسته ، فحضر معهم شخص نصراني من المهندسين بالقاهرة ، له حذق في الهندسة ، فلما رأى المجمع السفلي المبني بالمسجد بلصق (٤) الرواق لم تعجبه ، فقصد هدمه بكامله ، ثم اقتضى الحال هدم بعضه من القبلة ، فهدم وهدم أيضا ثلاثة قناطر من الرواق مما (٥) هو ملاصق للباب المتوصل منه إلى المنارة ، واجتهد المهندسون والصناع من المصريين في العمارة ، وكان المتولي لذلك القاضي فخر الدين بن نسيبة الخزرجي (٦).

وفيها في يوم الأربعاء ثامن عشري شهر صفر ورد إلى القدس قاصد (٧) سلطان الحبشة ، وكان زمن عيد النصارى المسمى بسبت النور على يده مرسوم شريف بأن يمكن جميع النصارى من الدخول إلى قمامة ، فمنعه المباشرون وخزندار / / نائب الشام ، والأمير قجماس (٨) وسمحو له بالدخول هو وجماعته فامتنع من ذلك ، ثم

__________________

(١) محمد ب ج د ه : ـ أ.

(٢) المحرم أب : ذي القعدة ج د ه.

(٣) ٨٨٦ ه‍ / ١٤٨١ م.

(٤) بلصق ب ج ه : للصق أ: ـ د / / فقصد أب ج ه : ففضل د.

(٥) مما أب ج ه : ـ د.

(٦) الخزرجي ب ج د ه : ـ أ.

(٧) قاصد ب ج ه : ـ أد.

(٨) قجماس أب ج : محماز أ: قمحاس ه : ـ د.

٤٥٢

سلموه مفاتيح قمامة ، ودخل هو وجماعته وجميع طوائف النصارى بغير كلفة ولا بذل.

وفيها يوم السبت رابع عشر رجب ، دخل إلى القدس الشريف السلطان (١) جم محمد بن عثمان ملك الروم ، ودخل في خدمته ناظر الحرمين ، ونائب السلطنة والجم الغفير.

وفيها يوم الخميس رابع عشري (٢) شعبان ، حضر إلى القدس الشريف نائب غزة سيباي (٣)(٤) وخليل بن إسماعيل شيخ جبل نابلس ، ومعهما خاصكي بسبب العرب وكبسهم ، وانصرفوا عن غير شيء.

وفيها توجه الخطيب محب الدين بن جماعة إلى القاهرة ، للسعي فيما كان بيده من مشيخة الخانقاه الصلاحية ، ونصف خطابة المسجد الأقصى الشريف ، وحضر إلى القاهرة الشيخ جمال الدين بن غانم شيخ الحرم القدسي ، والخطيب فتح الدين أبو العزم القلقشندي ، واتصل الأمر بالسلطان وأركان الدولة ، وحصل بينهم تشاجر وتنازع (٥) ، وطال الخصام بينهم ، وكانوا بالقاهرة في شهر رجب ، وآخر الأمر وقع الصلح بينهم بأن يكون الخطيب محب الدين ابن جماعة بيده نصف مشيخة الخانقاه الصلاحية على عادته بمشاركة شيخ الحرم بالنصف الباقي ، وأن يكون نصف الخطابة المنازع فيه وهو الذي كان بيد الخطيب إبراهيم القلقشندي لكل منهما الربع ، وحصل الرضى على ذلك وتصادقوا عليه ، وكتب لكل منهم توقيع شريف بما استقر فيه من ذلك ، وعادوا إلى أوطانهم.

وفيها حضر إلى القدس الشريف الأمير قانصوه اليحياوي نائب الشام بعد أن عاد من الأسر في بلاد العجم ، فإنه كان قبض عليه مع يندور باش عسكر يعقوب بك بن حسن بك ببلاد العجم (٦) ، لما توجه للتجريدة مع يشبك الدوادار الكبير ، وانطلق من الأسر وحضر صحبته الأمير أزبك أمير كبير ، فلما وصل إلى الرملة ، ورد مرسوم السلطان بالقبض عليه وتجهيزه إلى القدس الشريف ، فحضر إلى القدس في شهر شوال ، وأقام بالمدرسة الخاتونية.

__________________

(١) السلطان ب د : ـ أج ه / / جم ب : جمجمه أج ه.

(٢) رابع عشري أب : ثاني عشري ه : ـ ج د.

(٣) تولى نيابة غزة ، وتوفي سنة ٨٩٣ ه‍ / ١٤٨٧ م ، ينظر : السخاوي ، الضوء ٣ / ٢٨٨ ؛ عطا الله ٣٠٩.

(٤) سيباي أد ه : سنباي ج : برسباي ب.

(٥) وتنازع ج د ه : المنازع أ: المتنازع ب.

(٦) ببلاد العجم ب ج ه : في بلاد العجم أ: ـ ج / / وانطلق أ: اطلق ب ه : ـ ج د.

٤٥٣

وفيها في يوم الثلاثاء ثالث عشري ذي الحجة ثار جماعة مشايخ الفقهاء بمساعدة شيخ الصلاحية على نائب القدس ، أحمد بن مبارك شاه بسبب جماعة قبض عليهم ليجهزهم إلى خليل بن إسماعيل (١) بن شيخ جبل نابلس ، وحملوا عليه الأعلام وخلصوا منه الجماعة الذين قبض عليهم.

ثم دخلت سنة ٨٨٧ ه‍ (٢)

فيها تكاملت عمارة المدرسة الأشرفية التي أنشأها مولانا السلطان الملك الأشرف ، بالمسجد الأقصى الشريف بجوار باب السلسلة وصارت قائمة البناء ، وكان الفراغ من بنائها في شهر رجب الفرد ، وشرع المرخمون (٣) في عمل الرخام لها إلى أن انتهت عمارتها.

صفة المدرسة الأشرفية (٤)

قد تقدم ذكر بناء المدرسة القديمة ، وتقدم ذكر أوصافها التي كانت عليه أولا (٥) ، وبرز أمر السلطان بهدمها وبنائها وتجهز لها الصناع من القاهرة لعمارتها ، وما وقع في ذلك من الاهتمام إلى أن صارت قائمة البناء وتكامل الرخام بها ، وركبت الأبواب الخشب وصارت تشمل على الأوصاف التي هي الآن عليها من البناء السفلي والعلوي ، فالسفلي منها هو المجمع الملاصق لرواق المسجد من جهة الشرق المقابل لثلاث قناطر من الرواق ، ولهذا المجمع باب الأول من جهة الشمال وبجواره شباك مطل على الرواق الذي هو أسفل (٦) المدرسة العثمانية ، والباب الثاني من جهة الشرق ، وإلى جانبه شباكان عن يمينه وشماله ، وبصدر (٧) المجمع محراب مما يلي الغرب ، وشباك مطل إلى القبلة مما يلي الشرق ، وبلصق هذا المجمع (٨) من جهة القبلة دركاه (٩) محكمة البناء ، بصدرها من جهة الغرب الباب المتوصل منه إلى

__________________

(١) بن إسماعيل ب ج د ه : ـ أ.

(٢) ٨٨٧ ه‍ / ١٤٨٢ م.

(٣) المورخون ب ج د ه : المرخون أ/ / عمل الرخام ... من المدرسة البلدية أب د ه : ـ ج.

(٤) صفة المدرسة الأشرفية ... من المدرسة البلدية أب : ـ ج د ه.

(٥) أولا ب : ـ أج د ه.

(٦) أسفل : سفل أب ج د ه.

(٧) وبصدر أ: بصدرها ب : ـ ج د ه.

(٨) المجمع أ: المجمع ب : ـ ج د ه.

(٩) الدركاه : أو در قائم فارسية ، تعني صحن يتقدم البناء أو يتوسطه ، ويقع بين البابين الخارجي والداخلي ، سقفه أعلى من مستوي سائر أجزاء البناء ومقبب ، أرضه أقل انخفاضا مبلطة بالرخام ، ينظر : غالب ١٩٧.

٤٥٤

المدرسة العلوية ، ويدخل هذا الباب إلى دركاه ثانية مفروشة بالرخام بها عن يمنة الداخل خلوة (١) صغيرة ، وبصدر الدركاه مصطبة مرخمة ، عن يسرة الداخل باب يدخل يصعد منه إلى سلم متسع البناء ، يتوصل منه إلى المدرسة العلوية إلى منارة باب السلسلة (٢) ، وعند انتهاء السلم باب يدخل منه إلى ساحة سماوية مفروشة الأرض بالبلاط الأبيض ، وبصدر هذه الساحة من جهة الشمال باب مربع يدخل منه إلى دركاه لطيفة ، بها بيمنة الداخل دهليز يتوصل منه إلى المدرسة الراكبة على ظهر المجمع السفلي المبنية عليه أولا ، وهذه المدرسة العلوية تشتمل على أربعة أواوين متقابلة ، القبلي (٣) منها وهو الأكبر بصدره محراب ، وإلى جانب المحراب من جهة الشرق شباكان مطلان على المسجد الشريف ، ومن جهة الغرب شباكان مطلان على السلم المتوصل منه إلى المدرسة ، وبالإيوان المذكور / / من جهة الشرق ثلاث شبابيك مطلة على المسجد إلى جهة صحن الصخرة الشريفة ، ويقابلها ثلاث شبابيك على صحن المدرسة ، والإيوان الشمالي به شباكان مطلان على المسجد الشريف من جهة الشمال ، وشباكان من جهة الشرق ، الإيوان الشرقي وهو الطارمة (٤) به ثلاثة قناطر على عمودين من الرخام وعلوها قمريات (٥) من الزجاج الإفرنجي في غاية البهجة والاتقان ، ويقابله الإيوان الغربي ، وبه شباك مطل على صحن المدرسة مفروش أرض جميع ذلك بالرخام الملون ، وحيطان ذلك مستدير عليها الرخام والسقف على جميع ذلك من الخشب المدهون بورق الذهب واللازورد (٦) ، وهو في غاية الإحكام والاتقان والارتفاع ، وبجوار الإيوان الشمالي بيت (٧) معقود يدخل إليه من الدركاه المتقدم ذكرها ، بابه عن يسرة الداخل ، وهو مفروض الأرض بالرخام الملون وحيطانه مستدير عليها الرخام بشباكان مطلان على داخل الإيوان الشمالي من المدرسة ، وعلى ظهر هذا البيت طبقة لطيفة بها شباك مطل على المدرسة ، وشباك

__________________

(١) خلوة : جمعها خلوات من غرف الحمام العام ، وهي كذلك مكان عزله العقال من الدروز ، ينظر : غالب ١٨٠.

(٢) السلسلة أ: السلام ب : ـ ج د ه.

(٣) القبلي ب : القبلة أ: ـ ج د ه / / وإلى جانب أ: وبجانب ب : ـ ج د ه.

(٤) الطارمة : جمعها طوارم وهي عبارة عن صفة ظلة ، قبة بيت من خشب مقبب ، أو خزنة ثابتة في الحائط ، أو بيت الأرض ملحق بالدار ، ينظر : غالب ٢٦٠.

(٥) قمريات : منور ضيق يفتتح فوق الأبواب أو النوافذ أو في أعلى الجدران ، ولعلها نسبة إلى قمر إذ أن النور الذي يتخللها يكون خافتا ، ينظر : غالب ٢١٩.

(٦) واللازورد : لون أزرق يستعمل كثيرا في دهن الزخارف الإسلامية وبشكل خاص الخزف الفارسي والمسجد الأموي مسقوف بالبطائن المعمولة بالذهب واللازورد ، ينظر : غالب ٣٣٠.

(٧) الإيوان الشمالي بيت معقود ... شباك مطل ب : ـ أج د ه.

٤٥٥

مطل على الساحة السماوية ، وبالساحة المذكورة السماوية باب يدخل منه إلى ساحة أخرى بها الخلاوي المعقودة والمتوضأ (١) والمنافع ، ركب جميع ذلك على الإيوانين القبلي والشرقي وغيرها من المدرسة البلدية ، وبالمدرسة المشار إليها من آلات البسط والقناديل ما هو في غاية الحسن مما لا يوجد في غيرها ، وعلى ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد الأقصى الشريف ، ومن أعظم محاسنها كونها في هذه البقعة الشريفة ، ولو بنيت في غير هذا المحل لم يكن لها الرونق الموجود عليها (٢) ببنائها ، فإن الناس كانوا يقولون قديما : مسجد بيت المقدس به جوهرتان ، هما قبة الجامع الأقصى وقبة الصخرة الشريفة ، قلت وهذه المدرسة صارت جوهرة ثالثة ، فإنها من العجائب في حسن المنظر ولطف الهيئة ، والله الموفق.

ومن جملة ما عمّره السلطان حين عمارة (٣) المدرسة ، السبيل المقابل لها من داخل المسجد فوق البئر المقابل لدرج الصخرة الغربي ، وكان قديما على البئر المذكور قبة مبنية بالحجارة (٤) كغيره من الآبار الموجودة بالمسجد ، فأزيلت تلك القبة وبني السبيل المقابل لها بداخل المسجد ، وفرش أرضه بالرخام وصار (٥) في هيئة لطيفة وكذلك الفسقية (٦) التي بالقرب منه قبلي المصطبة المجاورة للسبيل ، والفسقية التي هي بين باب السلسلة وباب السكينة ، وكان قديما مكانها حوانيت ، ويقابلها من جهة القبلة حوانيت أخرى ، فأزيلت الحوانيت من الجانبين وعمرت الفسقية المذكورة والتي هي بداخل المسجد ، فانتفع الناس بها في تيسير الوضوء ، ولم يقع لنا في هذه السنة ما يصلح أن نؤرخ غير ذلك ، وبالله التوفيق.

ثم دخلت سنة ٨٨٨ ه‍ (٧)

فيها استقر الأمير جانم الأشرفي في نيابة القدس ، وحضر متسلمه خضر بك الذي (٨) ولي النيابة فيما بعد ، في يوم الجمعة ثالث عشر المحرم ، فتسحب أحمد بن

__________________

(١) والمتوضأ ب : المتوضي أ: ـ ج د ه.

(٢) عليها ب ج ه : عليه أ: ـ د.

(٣) عمارة أب : عمر ج ه : ـ د / / لها من داخل ... البير المقابل أب : ـ ج د ه / / من داخل ج د ه : يدخل أب.

(٤) بالحجار ج : بالأحجار أب ه : ـ د.

(٥) وصار ... وكذلك ب ه : ـ أج د / / بالقرب ... التي هي ب ج ه : ـ أد.

(٦) الفسقية : جمعها فساقي حوض صغير تتوسطه نافورة مائية ، ينظر : غالب ٢٩٩.

(٧) ٨٨٨ ه‍ / ١٤٨٣ م.

(٨) الذي ب ج ه : ـ ى د.

٤٥٦

مبارك شاه المنفصل وضبط موجوده (١) ، وفي يوم السبت رابع عشر المحرم ، توجه قاضي القضاة محيي الدين بن جبريل الشافعي إلى القاهرة بمطالعة (٢) القاضي زين الدين بن مزهر ، كاتب السر الشريف ، ووردت عليه مراسيم (٣) بالحضور ، وأن يكون طيب النفس منشرح الصدر ، والسبب في طلبه أنه سعى عليه القاضي بدر الدين بن جماعة ، فتوقف الأمر على طلبه فتوجه إلى القاهرة فقبض عليه الأمير أقبردي الدوادار (٤) الكبير ووضعه في الترسيم ، ثم دخل القدس قانصوه في حادي عشر ربيع الآخر.

وفيها ورد مرسوم شريف إلى الأمير قانصوه اليحياوي بعمارة قناة (٥) العروب (٦) ، وعمارة بركة المرجيع ، وجهز له من الخزائن الشريفة خمسة آلاف دينار ، ومنها نفقة الأمير قانصوه ألف دينار ، وأربعة آلاف دينار للعمارة ، فتوجه في عاشر صفر للعمارة وصحبته مئتا فاعل ، ونصب مخيمه وشرع في العمارة إلى أن أكملها ، وتوجه إليه أعيان بيت المقدس وأكابرها ، وكل من توجه إليه يصحب معه شيئا من أنواع المأكول (٧) كالعسل والسمن والغنم وغير ذلك.

وفيها استقر القاضي بدر الدين أبو البركات حسن بن علي الحمامي الرملي الشافعي في وظيفة قضاء الشافعية بالقدس الشريف ، والرملة ونابلس عوضا (٨) عن القاضي محيى الدين بن جبريل الغزي ، وألبس التشريف من حضرة السلطان في ثامن صفر ، ودخل إلى القدس في يوم الاثنين سابع ربيع الأول ، وقرىء (٩) توقيعه بالمسجد الأقصى في يوم الجمعة حادي عشر شهر ربيع الأول.

وفي يوم الأحد رابع ربيع الآخر دخل الأمير جانم (١٠) نائب مدينة القدس الشريف إليها بخلعة السلطان وأوقد له السوق ، وكان يوما حافلا ، وقرئ توقيعه في

__________________

(١) موجوده أب : متروكه ج ه : ـ د.

(٢) بمطالعة أ: بمطالبة ب ج ه : ـ د.

(٣) مراسيم ه : ـ أب ج د.

(٤) الدوادار أ: الدويدار ب ج ه : ـ د / / ثم دخل القدس ... ربيع الآخر ج ه : ـ أب د.

(٥) قناة ب ج ه : قنات أ/ / العروب أب : السبيل د ج ه.

(٦) قناة العروب : قناة عمرها السلطان برقوق ووصل الماء من العروب إلى القدس سنة ٧٨٥ ه‍ / ١٣٨٣ م ، ينظر : المقريزي ، السلوك ٣ : ٢ / ٥١٠.

(٧) المأكول ب ج د ه : الماكيل أ/ / كالعسل أب : من العسل ج ه : ـ د / / والغنم أب د : ـ ج ه.

(٨) عوضا عن القاضي محيى الدين ابن جبريل ... ووصل إليه في شهر شوال أب ه : ـ ج د.

(٩) وقرئ توقيعه ... شهر ربيع الأول أب : ـ ج د ه.

(١٠) جانم ب ه : جانب أ: ـ ج د / / نائب ب : ـ أج د ه.

٤٥٧

يوم الجمعة تاسع الشهر بحضور ناظر الحرمين الشريفين وشيخ / / الصلاحية والقضاة ، وهو مؤرخ في ثاني المحرم.

وفيها في نهاية الأحد خامس عشري ربيع الآخر ورد مثال القاضي زين الدين بن مزهر كاتب السر الشريف إلى ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي ، بمنع القاضي زين الدين عبد الباسط الحنبلي من تعاطي الأحكام الشرعية ، فخالف أمره واستمر يحكم أياما فأنكر عليه ذلك ، فامتنع من الحكم ، واستمر معزولا إلى أن تشفع (١) بناظر الحرمين الأمير ناصر الدين النشاشيبي ، والقاضي فخر الدين بن نسيبة ، وكتب له توقيع شريف بالاستمرار ، ووصل إليه في شهر شوال.

وفيها في عشرين من شهر رجب دخلت عين العروب إلى القدس الشريف ، وخلع الأمير قانصوه اليحياوي على المعلمين ، وزينت المدينة ثلاثة أيام ، وكتب الأمير قانصوه محاضر وعليها خطوط العلماء (٢) والأعيان ، لتعرض على المسامع الشريفة ، وجهزها على يد ولده الشهابي أحمد ودواداره ، وكانت مدة عمارتها خمسة أشهر وخمسة عشر يوما ، وقد أنفق السلطان في عمارتها مبلغا كبيرا.

وفيها في شهر شوال قدم شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف من القاهرة المحروسة إلى القدس الشريف ، لقصد الزيارة بعد غيبة عنه في سنة إحدى وثمانين كما تقدم ذكره.

ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثمانمائة (٣)

في يوم السبت ، خامس عشر شهر صفر ، دخل إلى القدس الشريف قاضي القضاة شرف الدين يحيى بن محمد الأندلسي الأنصاري المالكي ، متوليا قضاء المالكية (٤) بعد شغوره عن القاضي علاء الدين بن المزوار نحو سبع سنين ، فإن ابن المزوار (٥) سافر من القدس في جمادى الأولى سنة اثنين وثمانين وثمانمائة ، وأقام بالقاهرة وهو باق على الولاية إلى أن توفي في آخر جمادى الأولى (٦) سنة ٨٨٥ ه‍.

واستمرت الوظيفة شاغرة إلى أن ولي القاضي شرف الدين يحيى ، المشار

__________________

(١) تشفع أب : شفع ه : ـ ج د / / الأمير ناصر الدين النشاشيبي أ: بناظر الحرمين ب ه : ـ ج د.

(٢) العلماء ه : ـ أب ج د.

(٣) ٨٨٩ ه‍ / ١٤٨٤ م.

(٤) المالكية أب ه : القدس أج / / بعد شغوره ... يذهب ويعود أب ه : ـ ج د.

(٥) ابن المزاور ه : المزوار أب : ـ ج د / / سنين أب : شعبان ه : ـ ج د.

(٦) الأولى أب : الآخرة ه : ـ ج د.

٤٥٨

إليه ، في أواخر ذي الحجة سنة ٨٨٥ ه‍ ، ودخل إلى القدس في التاريخ المذكور.

وفي يوم السبت خامس عشر شهر صفر أيضا ، توفي أمين الدين محمد بن أحمد الحنبلي (١) ، المشهور بابن قطيا مباشر الأوقاف ، ومولده في سنة ٨١٦ ه‍ ، وكانت له معرفة تامة بمصطلح المباشرة والحساب ، وكان منور الشيبة ، حسن الشكل.

وفيها في مستهل جمادى الأولى ، ورد جراد كثير على بيت المقدس ، فأكل غالب ثمر الكروم والزروع والخضروات ، واستمر يذهب ويعود.

وفيها (٢) عاد شيخ الإسلام الكمالي بن أبي شريف من القدس إلى القاهرة فوصل إليها في جمادى الآخرة.

وفيها كان ابتداء الفتنة بين السلطان (٣) الملك الأشرف قايتباي وبين السلطان بايزيد بن عثمان ، ملك الروم ، وجهز السلطان التجريد لقتال (٤) ابن عثمان ، وكان المقدم على العسكر الأمير تمراز (٥) أمير سلاح (٦) ، وكان سفره من القاهرة في جمادى الأولى ، فلما وصل إلى الرملة توجه إليه الأمير جانم نائب القدس الشريف ، وصحبته العشير (٧) المجتمع من جبل القدس ، بعد أن عرض الرجال في يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة ، وتوجهوا في يوم السبت.

وفيها توجه ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين محمد بن النشاشيبي وصحبته جماعة المباشرين إلى القاهرة المحروسة بمرسوم شريف ورد بطلبهم وحصل لبعض المباشرين محنة من السلطان في شهر شعبان ، ثم لطف الله (٨) بهم ، وعادوا إلى القدس الشريف ودخل ناظر الحرمين بخلعة السلطان في يوم الخميس (٩) رابع عشري رمضان ، وكان يوما مشهودا.

__________________

(١) الحنبلي ه : الحلبي أب ج د / / وكانت له ... حسن الشكل ب ه : ـ أج د.

(٢) وفيها عاد شيخ الإسلام الكمالي ... جمادى الآخرة ب ه : ـ أج د.

(٣) السلطان بايزيد ب ه : أبي يزيد أ: ـ ج د.

(٤) لقتال أب : للقتال ه : ج د / / ابن عثمان أب ج د : ـ ه.

(٥) تمراز أ: تموراز ب : ـ ج د ه : فلما وصل ... وتوجهوا في يوم السبت أب ه : ـ ج د.

(٦) تمراز الشمسي الأشرفي برسباي الغريزي ، نسبة إلى العزيز بن الأشرف ، حضر مع جالبه في سنة ٨٣٦ ه‍ / ١٤٣٢ م ، وهو قريب من المراهقة ، وتقلب حتى أصبح أمير السلاح ، ينظر : السخاوي ، الضوء ٣ / ٣٧ ؛ ابن إياس ٣ / ١٩٧ ، ٢٢١.

(٧) العشير ه : العشر أ: ـ ب ج د.

(٨) الله ب ه : ـ ى ج د.

(٩) في يوم الخميس أب : ـ ج د ه / / وكان يوما مشهودا أب : ـ ج د ه.

٤٥٩

ثم دخلت سنة ٨٩٠ ه‍ (١)(٢)

فيها توفي الشيخ شهاب الدين العميري ، في شهر ربيع الأول كما تقدم في ترجمته ، وكان قد حصل له السرور بعمارة المدرسة الأشرفية ، لأنه اجتهد في عمارتها وراجع السلطان فيها ، واحتفل بأمرها فلما انتهت عمارتها أدركته المنية قبل بلوغ أمله ، فسبحان من يتصرف في عباده بما شاء.

وفيها توفي الشيخ سعد الله الحنفي إمام الصخرة الشريفة ، وترك ولدا صغيرا ، فحمل الولد إلى السلطان وساعده جماعة في استقراره في إمامة الصخرة الشريفة عوضا عن والده ، وتوجه ناصر الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حبشني ، المشهور بابن الشنتير للسعي في الإمامة ، وساعده الأمير تمراز أمير سلاح ، فاقتضى الحال المشاركة بينهما ، فاستقر ناصر الدين بن حبشني في نصف الإمامة ، وهو الذي كان قرره والده فيه الأمير ناصر الدين ابن النشاشيبي ، كما تقدم ذكره في حوادث سنة ٨٧٦ ه‍ (٣) ، واستقر إمام الدين محمد بن الشيخ سعد الله ، في النصف وكتب لكل منهما توقيع شريف بما استقر فيه.

وفيها توجه القاضي شهاب الدين (٤) يحيى المالكي قاضي القدس إلى الديار المصرية ليشكو حاله من جماعة القدس الشريف ، فرسم له باستمراره في الوظيفة ، وتقوية يده وشد عضده ، وكتب له مرسوم شريف بذلك.

ذكر إقامة نظام المدرسة الأشرفية

وفيها عين السلطان لمشيخة مدرسته في القدس الشريف شيخ الإسلام الكمالي ابن أبي شريف / / بحكم وفاة الشيخ شهاب الدين العميري ، وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية وسأله في القبول فأجاب لذلك ، وألبسه كامليه ، وتوجه من القاهرة المحروسة إلى القدس الشريف وصحبته القاضي بدر الدين أبو البقاء بن الجيعان (٥) ، والأمير (٦) جان بلاط ، ومامي والمهتار رمضان ، وجماعة من القراء السلطانية ،

__________________

(١) ٨٩٠ ه‍ / ١٤٨٥ م.

(٢) ثم دخلت سنة ٨٩٠ ... بمرسوم شريف ورد بطلبه أب : ـ ج د ه.

(٣) ه / ١٤٧١ م.

(٤) شهاب الدين أ: شرف الدين ب : ـ ج د ه.

(٥) أبو البقاء بن الجيعان (ت ٩٣٠ ه‍ / ١٥٢٤ م) ، قاض مصري ، له مؤلفات منها التحفة السنية ، ينظر : البغدادي ، إيضاح ٢ / ٨٨ ؛ كحالة ، معجم المؤلفين ١ / ١٨٥.

(٦) والأمير أ: الأميران ب : ـ ج د ه.

٤٦٠