إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٨

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٧

(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (١٨٠)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة التاسعة والخمسين بعد المائة. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ في محل جر بالإضافة. رب العزة : بدل من «ربك» وقد أضيف «الرب» إلى «العزة» لاختصاصه سبحانه بها بمعنى ذو العزة.

(وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (١٨١)

(وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) : الواو استئنافية. سلام : خبر مبتدأ محذوف بتقدير : هو سلام مرفوع بالضمة المنونة أو أمري سلام أو يكون مبتدأ لأنه نكرة موصوفة على المعنى وحذفت صفته بمعنى : سلام من الله. على المرسلين : جار ومجرور متعلق بخبر المبتدأ وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته «المرسل» وهو اسم مفعول.

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٢)

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) : الواو عاطفة. الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة. لله : جار ومجرور للتعظيم في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ. أي الحمد مختص لله.

(رَبِّ الْعالَمِينَ) : صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة أو بدل منه سبحانه مجرور بالكسرة. العالمين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

***

٤٦١

سورة ص

معنى السورة : هذه السورة وأمثالها من السور الشريفة التي تبدأ بالحرف الواحد أو الأحرف المتقطعة أو المقطعة سبق شرحها .. وفيما يتعلق بمعنى «صاد» في قراءتها بالكسر هو من المصادة وهي المعارضة والمعادلة .. ومنها الصدى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة والمقصود بقراءة الكسر على معنى المصاداة هو صادي القرآن بعملك أي اتله وتعرض لقراءته واعمل بأوامره وانته عن نواهيه. و «الصدى» هو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها ونحوه : أصدى الجبل فهو صادي «صاد» تحذف ياؤه لأنه اسم منقوص نكرة وجمع «الصدى» هو أصداء ومنه قولهم : أسرع من رجع الصدى.

تسمية السورة : سميت هذه السورة الشريفة بسورة «صاد» تبعا لمطلع آيتها الكريمة الأولى التي يقول تعالى فيها : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) صدق الله العظيم. أي أقسم سبحانه بحق القرآن الكريم الحافل بالذكر والمواعظ. والشرف الرفيع لما فيه من تبيان كل شيء .. والحلف بالقرآن الكريم ومن قبل رب العزة هو تنويه برفعة قدر هذا الكتاب الكريم .. وقيل : إن صاد هو أحد الحروف الهجائية للتنبيه والتحدي كما قيل في سور أخرى وشرح ذلك في سورة «يوسف» وفي هذه السورة الشريفة وردت إحدى قصص النبي داود ـ عليه‌السلام ـ تقول الحكاية : إن النبي «داود» هوي امرأة فاستنزل زوجها عنها وتزوجها وكان له تسع وتسعون زوجة وقيل : أخذ يكثر من إرسال زوجها إلى الحروب ويقدمه فيها حتى قتل. فأرسل الله تعالى له ملكين يتحاكمان إليه ليتنبه إلى ما صنع كما تروي ذلك الآيات الشريفة من الآية العشرين إلى الآية الخامسة والعشرين .. ولما دخل الملكان على «داود» خاف منهما إذ هبطا إليه من فوق فذكرا له أنهما خصمان .. وقص عليه أحد الملكين أمر النعاج المائة فتنبه داود ـ عليه‌السلام ـ لذنبه فاستغفر ربه وسقط راكعا ورجع إلى ربه فغفر الله ـ جلت قدرته ـ ذنبه.

٤٦٢

فضل قراءة السورة : قال الرسول المنير ـ محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «ص» كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات وعصمه أن يصر عن ذنب صغير أو كبير» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١)

(ص) : في هذا الحرف الكريم قراءات ومعان عديدة ومذاهب مختلفة فهو إضافة لما شرح في سورة «يوسف» عن هذه الحروف الكريمة الواردة في أوائل السور الشريفة فقد قيل : أكثر القراءة على الوقف .. وقرئ بالكسر والفتح لالتقاء الساكنين ويجوز أن ينتصب بحذف حرف القسم وايصال فعله كقولهم : الله لأفعلن كذا بالنصب .. أو بإضمار حرف القسم والفتح في موضع الجر كقولهم الله لأفعلن .. بالجر. وامتناع الصرف للتعريف والتأنيث لأنها بمعنى السورة. وقد صرفها من قرأ «ص» بالجر والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل. والقراءة بالفتح أي اتل صاد.

(وَالْقُرْآنِ) : الواو واو القسم حرف جر القرآن : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. وواو القسم بدل من الباء لأن التقدير : أقسم بالقرآن.

(ذِي الذِّكْرِ) : صفة ـ نعت ـ للقرآن مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف و «الذكر» مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وجواب القسم محذوف دل عليه ما قبله .. وقيل إن جواب القسم تقديره : إن محمدا لصادق. وقيل : يجوز أن تكون «ص» خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة بتقدير : هذه «ص» يعني هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر أي هي صاد. أما إذا جعلت «ص» مقسما بها و «القرآن ذي الذكر» معطوفا عليها فيجوز أن يراد بالقرآن : التنزيل كله ويراد بالسورة بعينها بمعنى : أقسم بالسورة الشريفة .. والقرآن

٤٦٣

ذي الذكر .. أي ذي الشرف والشهرة أو ذي الذكرى والموعظة أو يكون جواب القسم في الآية التالية.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) (٢)

(بَلِ الَّذِينَ) : حرف استئناف للاضراب وكسر آخره لالتقاء الساكنين. قال الأخفش : بل هنا : بمعنى «إن» فلذلك صار القسم عليها. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

(كَفَرُوا) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة أي بالله ورسوله أو هم في خلاف لله ورسوله.

(فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ «الذين». وشقاق : معطوف بالواو على «عزة» ويعرب إعرابها بمعنى إن الكافرين لم يصدوا عن هذا القرآن لعلة فيه بل في عزة واستكبار عن الإذعان له .. والشقاق : هو الخلاف والعداوة بمعنى في استكبار وهو عزة الجاهلية أي أنفتها.

** (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) : أي التقدير في هذه الآية الكريمة الأولى هو وحق القرآن .. فحذف المقسم به المضاف «حق» وأقيم المضاف إليه «القرآن» مقامه.

** (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) : هذا القول الكريم ورد في الآية الكريمة الثالثة وحذف مفعول «نادوا» اختصارا لأنه معلوم أي فنادوا ربهم ليغيثهم بعد أن رأوا العذاب وليس الحين أو الوقت وقت مناص أي مخلص بمعنى وقت خلاص وفرار ونجاة وهذا وعيد للكافرين على كفرهم واستكبارهم وعلى هذا التفسير أي ولما رأوا العذاب تكون الفاء في «فنادوا» عاطفة على فعل محذوف .. ويقال ناص ـ ينوص ـ نوصا ومناصا أيضا من باب «قال» بمعنى فر وراغ. المعنى : وليس وقت تأخر وفرار. وفي الآية الكريمة السابقة ـ أي الثانية نكرت الكلمتان «عزة وشقاق» دلالة على شدتهما وتفاقمهما.

** (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. وفيه حذف المشار إليه البدل أو الصفة من اسم الإشارة «هذا» أي هذا الرجل يريدون به محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ساحر ببيانه كثير الكذب بزعمه أنه رسول الله .. ويقال عجبت وتعجبت من هذا الشيء .. من باب «طرب» ومثله أيضا استعجبت .. وقيل الفعل الثلاثي «عجب» يعبر به عن الذم والإنكار كما في الآية الكريمة والفعل الرباعي «أعجب» يعبر به عن الاستحسان نحو : أعجبني هذا القول بمعنى : راقني .. ولا نقول : راق لي هذا الكتاب لأن الفعل «راق» يتعدى إلى مفعوله بنفسه وليس بحرف جر فالكتاب رائق ـ اسم فاعل ـ وأما مروق فهو ـ اسم مفعول ـ.

٤٦٤

** (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. المعنى : إن هذا الأمر لشيء بليغ في العجب. أو لأمر متناه في العجب وقد حذف المشار إليه أيضا اختصارا لأنه معلوم والمشار إليه «الأمر» بدل أو صفة لاسم الإشارة. و «العجب» و «العجاب» هو الأمر الذي يتعجب منه. قال الجوهري : والعجاب ـ بتشديد الجيم ـ وهو أكثر وكذا الأعجوبة ولا يجمع «عجيب» ولا «عجب» وقيل : جمع «عجيب» هو «عجائب» وقولهم : أعاجيب كأنه جمع «أعجوبة» مثل «أحدوثة» وأحاديث. ومعنى قولهم في الآية الكريمة المذكورة آنفا : كيف صير محمد الآلهة إلها واحدا؟ تعجبوا لأنه لكل قبيلة إله.

** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة حينما تعجبت قريش من دعوة محمد وقالوا : إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب.

** (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة .. أي إن هذا الأمر هائل يراد بكم .. فحذف المشار إليه «الأمر» أي صفة اسم الإشارة أو بدل منه كما حذف في الآية الكريمة التالية (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) وفي بداية هذه الآية أيضا (ما سَمِعْنا بِهذا) أي بهذا الأمر أو على معنى ما سمعنا بهذا التوحيد في الديانة الأخيرة التي كان عليها آباؤنا.

** (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. المعنى : فلا تكترث بقولهم يا محمد فهناك كفار مكة المقاومون لدعوتك هم جند مهزوم أو محكوم عليهم بالهزيمة والانكسار والمراد بالأحزاب : الذين تحزبوا على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهم من أحزاب إبليس. وجاءت الكلمة «مهزوم» وهي لفظة مفردة على لفظ «جند» لا على معناها لأن معناها جمع أي بمعنى جيش من الكفار .. وقد خسأهم الله بقوله الكريم هذا.

** (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة .. وقد أنث الفعل «كذبت» مع الفاعل «قوم» على معنى «الجماعة» ولفصله عن فعله. و «ذو الأوتاد» معناه : ذو الملك المثبت بالأوتاد وأصله : من ثبات البيت المطنب بأوتاده فاستعير لثبات العز واستقامه الأمر وحذف مفعول «كذبت» دل عليه في الآية الكريمة الرابعة عشرة بقوله (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ) ولقد ذكر سبحانه تكذيبهم أولا في الجملة الخبرية على وجه الإبهام ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضح فيها بأن كل واحد من الأحزاب كذب الرسل أو جميعهم لأنهم إذا كذبوا واحدا منهم فقد كذبوهم جميعا. وفي تكرار التكذيب وايضاحه بعد إبهامه والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا وبالاستثنائية ثانيا وما في الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد والتخصيص أنواع من المبالغة المسجلة عليهم باستحقاق أشد العذاب وأبلغه. وعاد : أي بنو عاد. وبعد حذف المضاف «بنو» ارتفع المضاف إليه «عاد».

** (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة عشرة .. المعنى : واذكر قصة عبدنا داود ذي القوة : أي الصلابة في الدين وبعد حذف المفعول المضاف «قصة» حل المضاف إليه «عبدنا» محله فانتصب انتصابه .. و «ذا الأيد» أي ذا القوة .. ومنه القول : أيده : بمعنى قواه. وقد اختلف حول كلمة «الأيد» فقد قيل : إنها جمع «يد» بحذف الياء من الجمع «أيدي» واليد هي القوة. وقد قيل : هي مصدر من الفعل : آد ـ يئيد ـ أيدا .. إذا قوي وليس جمع «يد» وقد أجمع علماء اللغة والتفسير على القول الثاني أي على القوة.

٤٦٥

** (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. أي ذللنا الجبال معه يسبحن أي ينزهن الله مع تسبيحه عند طلوع الشمس وعند غروبها وكان داود ـ عليه‌السلام ـ يفهم تسبيحها بمعنى : مسبحات. قال الزمخشري : فإن قلت : هل من فرق بين «يسبحن» و «مسبحات» قلت : نعم. وما اختير «يسبحن» على «مسبحات» إلا لذلك وهو الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال شيئا بعد شيء وحالا بعد حال وكأن السامع محاضر تلك الحال يسمعها تسبح. ومثله قول الأعشى : إلى ضوء نار في يفاع تحرق. ولو قال : محرقة لم يكن شيئا. أما قوله تعالى : «الإشراق» بدلا من «الشروق» فلأن «الإشراق» هو الوقت : أي وقت الإشراق : وهو حين تشرق الشمس : أي تضيء ويصفو شعاعها أو نورها .. وهي وقت الضحى وأما «شروقها» فهو طلوعها. يقال : شرقت الشمس ولما تشرق. فالعشي : ظرف فلو حمل «الإشراق» على الدخول في وقت الشروق لكان مصدرا مع أن المراد به الظرف لأنه فعل الشمس وصفتها التي تستعمل ظرفا كالطلوع والغروب وشبههما.

** (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. وقوله «محشورة» في مقابل «يسبحن» لأنه لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئا فشيئا أي شيئا بعد شيء. وعقب الإمام أحمد بقوله : ولهذه النكتة ـ أي النقطة أو المسألة الدقيقة التي أخرجت بدقة ونظر وإمعان فكر ـ فرق سحنون ـ عبد السلام سحنون ـ وهو فقيه مالكي بين «أنا محرم يوم أفعل كذا بصيغة اسم الفاعل» وبين «أحرم» بصيغة المضارع .. فرأى أن المعلق بصيغة اسم الفاعل يكون محرما بوجود صيغة التعليق .. ولا كذلك المعلق بصيغة الفعل المضارع فإنه لا يكون محرما حتى يحرم ويقال له : أحرم .. فكأنه رأى أن صيغة الفعل خصوصية في الدلالة على حدوثه ولا كذلك اسم الفاعل وإن كان متأخرا وقال : واختلفوا في معنى هذا القول ـ قول سحنون ـ في اسم الفاعل يكون محرما يوم يفعل. فمنهم من قال : أراد النور فينشئ إحراما ومنهم من قال : يكون محرما في الحال بالتعليق الأول ولا يجدد شيئا. ومذهب «مالك» هو التسوية بين صيغتي اسم الفاعل والفعل في هذا المقام وحقق الزمخشري في هذا القول الفرق بين اسم الفاعل والفعل فقال : لما كان الواقع حشر الطير دفعة واحدة وكان ذلك أدل على القدرة لم يكن لاستعمال الفعل الدال على الحدوث شيئا فشيئا معنى فاستعمل فيه اسم المفعول على خلاف استعمال الفعل في الأول «والطير محشورة» وقوله «محشورة» في مقابلة «يسبحن» إلا أنه لما لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح جيء به اسما لا فعلا وذلك أنه لو قيل : وسخرنا الطير يحشرن على أنه الحشر يوجد من حاشرها شيئا بعد شيء. والحاشر هو الله عزوجل لكان خلفا لأن حشرها جملة واحدة أدل على القدرة. و «العشي» في الآية الكريمة الثامنة عشرة .. جمع «عشية» وهي من بعد الظهر إلى المغرب والكلمة تدل على الظرفية و «الإشراق» أي وقت الاشراق وهو وقت أي حين تشرق الشمس .. بمعنى : تضيء ويصفو نورها وذلك وقت الضحى .. والمراد بالإشراق في الآية الكريمة : الظرف مثل «العشي» لأن الإشراق هو فعل الشمس وصفتها التي تستعمل ظرفا كالطلوع والغروب ونحوهما ويكون وقت المغرب بعد ظهور الشفق وهو الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء إلا ما يروى عن أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ في إحدى الروايتين أنه البياض. وروي عن أسد بن عمرو بذلك لرقته. ومنه : الشفقة على الانسان : أي رقة القلب عليه.

٤٦٦

(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (٣)

(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) : هذا القول الكريم أعرب في كثير من السور تراجع الآية السادسة من سورة «الأنعام» والآية الحادية والثلاثون من سورة «يس» وفي القول الكريم وعيد لذوي العزة والشقاق.

(فَنادَوْا) : الفاء استئنافية أو عاطفة على محذوف بمعنى : وقد رأوا العذاب فنادوا بالتوبة أو فدعوا واستغاثوا أي نادوا ربهم ليغيثهم. نادوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين واتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) : الواو استئنافية. لات : حرف نفي يعمل عمل «ليس» واسمها ضمير مستتر يدل عليه الخبر أو يكون اسمها محذوفا تقديره : الحين. وقيل : هي «لا» المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على «رب» و «ثم» للتوكيد فتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها أما الاسم وأما الخبر وامتنع بروزهما جميعا وهذا مذهب الخليل وسيبويه وهي عند الأخفش «لا» النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان واضمروا فيها اسم الفاعل. والمعنى : ليس وقت تأخر وفرار. حين : خبر «لات» منصوب بالفتحة. مناص : مضاف إليه مجرور بالكسرة المنونة وهي بمعنى الملجأ والفرار. وقيل : الأصل : حين مناصهم وقد نزل قطع المضاف إليه من «مناص» منزلة قطعة من «حين» لاتحاد المضاف والمضاف إليه وجعل تنوينه عوضا من الضمير المحذوف ثم بني «الحين» لكونه مضافا إلى غير متمكن. ويوقف على «لات» بالتاء كما يوقف على الفعل الذي يتصل به تاء التأنيث. أما «الكسائي» فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة.

(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) (٤)

(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) : الواو استئنافية. عجبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف

٤٦٧

فارقة. أن : حرف مصدري. جاء : فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به مقدم. والجملة الفعلية «جاءهم منذر» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف. التقدير : وعجبوا من مجيء منذر منهم والجار والمجرور متعلق بعجبوا بمعنى رسول منهم.

(مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) : فاعل مرفوع بالضمة المنونة. من : حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «منذر» بمعنى : ورسول من أنفسهم.

(وَقالَ الْكافِرُونَ) : الواو عاطفة. قال : فعل ماض مبني على الفتح. الكافرون : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة الاسمية بعده «هذا ساحر» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ساحر : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. كذاب : صفة ـ نعت ـ لساحر مرفوع بالضمة المنونة و «كذاب» من صيغ المبالغة ـ فعال بمعنى فاعل ـ.

(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥)

(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ) : الهمزة إنكار وتعجيب بلفظ استفهام. جعل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. الآلهة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(إِلهاً واحِداً) : مفعول «جعل» الثاني منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. واحدا : توكيد للمؤكد «إلها» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(إِنَّ هذا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» أي إن هذا الأمر.

٤٦٨

(لَشَيْءٌ عُجابٌ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ شيء : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة. عجاب : صفة ـ نعت ـ للموصوف «شيء» مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى : لشيء بليغ في العجب.

(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) (٦)

(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) : الواو استئنافية. انطلق : فعل ماض مبني على الفتح. الملأ : فاعل مرفوع بالضمة. من : حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من «الملأ» التقدير حال كونهم منهم.

(أَنِ امْشُوا) : حرف تفسير لا عمل لها لأنها مخففة هنا بمعنى أي. وكسر نونه لالتقاء الساكنين. امشوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية «امشوا» تفسيرية لا محل لها ويجوز أن تكون «أن» مصدرية بعد تقدير حرف جر قبلها لو كانت مسبوقة بأمر أو نهي والمعنى هنا انطلقت ألسنة الملأ قائلين بعضهم لبعض امشوا وأن وما بعدها في محل نصب مفعول به بفعل القول المقدر على المعنى أي قائلين : امشوا واصبروا فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد.

(وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «امشوا» وتعرب إعرابها. على آلهة : جار ومجرور متعلق باصبروا. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ في محل جر بالإضافة والميم علامة جمع الذكور أي اثبتوا وحافظوا.

(إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة. يراد : الجملة الفعلية في محل رفع صفة للموصوف «شيء» وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى إن هذا الأمر الذي يدعو إليه محمد شيء يريده الله أو ما يريده محمد بنا وبآلهتنا لشيء مطلوب أن نكون أتباعه.

٤٦٩

(ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (٧)

(ما سَمِعْنا بِهذا) : نافية لا عمل لها. سمع : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بهذا : جار ومجرور متعلق بفعل «سمعنا» و «هذا» اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالباء أي بهذا الأمر والفعل «سمع» يتعدى بنفسه نحو سمعنا هذا. ويتعدى بالحرف أي بهذا الأمر.

(فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من اسم الإشارة «هذا» التقدير : كائنا في الملة الآخرة. الآخرة : صفة ـ نعت ـ للملة مجرورة مثلها وعلامة جرهما الكسرة بمعنى في ديانة آبائنا الأولين.

(إِنْ هذا) : مخففة من «إن» مهملة بمعنى «ما» النافية. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

(إِلَّا اخْتِلاقٌ) : أداة حصر لا عمل لها. اختلاق : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى إن ما دعا إليه محمد افتعال وكذب.

(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) (٨)

(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) : الهمزة همزة تعجب بلفظ استفهام. أنزل : فعل ماض مبني على الفتح مبني للمجهول. عليه : جار ومجرور متعلق بأنزل. الذكر : نائب فاعل مرفوع بالضمة بمعنى أأنزل القرآن على محمد.

(مِنْ بَيْنِنا) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من ضمير «عليه» بتقدير : مختارا من بيننا أي من وسطنا وفينا من هو أجدر منه في الملأ و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة.

(بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) : حرف إضراب للاستئناف. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. في شك : جار ومجرور متعلق بخبر «هم».

(مِنْ ذِكْرِي بَلْ) : جار ومجرور متعلق بشك والياء ضمير الواحد المطاع في محل جر بالإضافة أي من القرآن. بل : أعرب.

٤٧٠

(لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) : حرف نفي وجزم وقلب. يذوقوا : فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ووردت «لما» في موقع الجواب. عذاب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء المناسبة والياء المحذوفة خطا واختصارا ومراعاة لفواصل الآيات ـ رأس آية ـ ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر بالإضافة وبقيت الكسرة دالة عليها بمعنى : لم يذوقوا عذابي بعد.

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (٩)

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ) : حرف عطف بمعنى «بل» للاضراب أم المنقطعة. عند : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة في محل رفع متعلق بخبر مقدم وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. خزائن : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ولم ينون آخر اللفظة لأنها ممنوعة من الصرف. التقدير : بل أعندهم خزائن بمعنى : ما هم بمالكي خزائن الرحمة أي مفاتيح نعم ربك.

(رَحْمَةِ رَبِّكَ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. ربك : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة لأنه مضاف إليه ثان وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ في محل جر مضاف إليه ثالث.

(الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) : صفتان ـ نعتان ـ متتابعان للرب سبحانه مجروران وعلامة جرهما الكسرة.

(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) (١٠)

(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ) : يعرب إعراب «أم عندهم خزائن الرحمة» في الآية الكريمة السابقة و «لهم» جار ومجرور متعلق بالخبر المقدم.

(وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها بمعنى أم عندهم هذه الأشياء حتى يتكلموا في الأمور الربانية. الواو

٤٧١

عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر معطوف على السموات والأرض. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بصفة محذوفة تقديره استقر وهو مضاف. الهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة و «ما» علامة التثنية لا محل لها والجملة الفعلية «استقر بينهما» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. والأسباب جمع «سبب» وهو الوصلة التي يوصل بها الحبل.

(فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) : الفاء واقعة في جواب شرط مقدر أي إن كان لهم ملك هذا الوجود فليرتقوا بمعنى فليصعدوا فيما يوصلهم إلى الارتقاء في أعالي السموات ليتدبروا أمر الكون. اللام لام الأمر. يرتقوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. في الأسباب : جار ومجرور متعلق بيرتقوا بمعنى في الوسائل التي ترتقي بهم إلى السماء لينزلوا الوحي على من يريدون ويختارون.

(جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) (١١)

(جُنْدٌ ما) : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة وجاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة. ما : مزيدة فيها معنى الاستعظام إلا أنه على سبيل الهزؤ بمعنى : ما هم إلا جيش من الكفار .. أو تكون «ما» للتوكيد.

(هُنالِكَ مَهْزُومٌ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بخبر المبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب والإشارة إلى حيث وضعوا أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله. لست هناك. مهزوم : صفة ـ نعت ـ لجند مرفوعة مثلها بالضمة المنونة.

(مِنَ الْأَحْزابِ) : جار ومجرور متعلق بصفة ثانية محذوفة من «جند» بمعنى المتحزبين.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) (١٢)

٤٧٢

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. قبل : ظرف زمان على المعنى منصوب على الظرفية متعلق بكذبت وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بالإضافة.

(قَوْمُ نُوحٍ) : فاعل «كذبت» مرفوع بالضمة. نوح : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) : الاسمان معطوفان بواوي العطف على «قوم» مرفوعان وعلامة رفع الأول الضمة المنونة وصرف «عاد» أي لم يمنع من الصرف لأنه بتأويل الأهل والقوم وليس القبيلة وعلامة رفع الثاني «فرعون» الضمة ومنع من الصرف لأنه اسم ممنوع من الصرف للعجمة والمعرفة وأصله قوم عاد وفرعون وبعد حذف المضاف «قوم» اختصارا اكتفاء بذكره أول مرة ارتفع المضاف إليه «عاد» و «فرعون» فاعلين للفعل «كذبت» وصرف «نوح» رغم عجمته لخفته ولأنه ثلاثي أوسطه ساكن.

(ذُو الْأَوْتادِ) : صفة ـ نعت ـ لفرعون مرفوع مثله وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف و «الأوتاد» مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ) (١٣)

(وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) : هذا القول الكريم معطوف بواوات العطف على ما ورد في الآية الكريمة السابقة. الأيكة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة و «أصحاب الأيكة» هم قوم شعيب.

(أُولئِكَ الْأَحْزابُ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. والكاف حرف خطاب. الأحزاب : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم مرفوع بالضمة والجملة الاسمية «هم الأحزاب» في محل رفع خبر «أولئك» بمعنى إن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وإنهم هم الذين وجد منهم التكذيب و «ثمود» أي بنو ثمود.

(إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ) (١٤)

٤٧٣

(إِنْ كُلٌّ إِلَّا) : مخففة مهملة بمعنى «ما». كل : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة. إلا : أداة حصر لا عمل لها.

(كَذَّبَ الرُّسُلَ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الرسل : مفعول به منصوب بالفتحة.

(فَحَقَّ عِقابِ) : الفاء سببية. حق : فعل ماض مبني على الفتح بمعنى : فثبت أو فوجب. عقاب : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء المحذوفة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الياء المناسبة والياء المحذوفة خطا واختصارا ومراعاة لفواصل الآي ـ رأس آية ـ ضمير الواحد المطاع في محل جر بالإضافة وبقيت الكسرة دالة على الياء المحذوفة.

(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) (١٥)

(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) : الواو استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. ينظر : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الهاء للتنبيه. أولاء : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل. والإشارة إلى جميع الأحزاب بمعنى وما ينتظر هؤلاء.

(إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) : أداة حصر لا عمل لها. صيحة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. واحدة : صفة ـ نعت ـ لصيحة منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة المنونة بمعنى إلا نفخة غاضبة واحدة.

(ما لَها مِنْ فَواقٍ) : الجملة في محل نصب صفة ثانية لصيحة أو في محل نصب حال من «صيحة» بعد أن وصفت و «ما» نافية لا عمل لها. لها : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. من : حرف جر زائد للتوكيد. فواق : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر بمعنى ما لهم نظرة وراحة وإفاقة و «فواق» هو ما بين الحلبتين.

(وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) (١٦)

(وَقالُوا رَبَّنا) : الواو استئنافية. قالوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

٤٧٤

رب : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر بالإضافة. أصله : يا ربنا. حذفت أداة النداء توقيرا لمكانته سبحانه.

(عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ وهي فعل تضرع ودعاء بصيغة طلب مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. اللام حرف جر و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بعجل. قط : مفعول به منصوب بالفتحة و «نا» أعرب في «ربنا».

(قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بعجل. يوم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الحساب : مضاف إليه ثان مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى عجل لنا نصيبنا من العذاب.

(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١٧)

(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والمخاطب هو الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على : حرف جر. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق باصبر والجملة الفعلية «يقولون» صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والعائد ـ الراجع ـ إلى الموصول ضمير محذوف خطا واختصارا منصوب محلا لأنه مفعول به. التقدير : على ما يقولونه أو تكون «ما» مصدرية فتكون «يقولون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق باصبر التقدير : اصبر يا محمد على قولهم.

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «اصبر» وتعرب إعرابها. عبد : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير

٤٧٥

الواحد المطاع مبني على السكون في محل جر بالإضافة. داود : عطف بيان لعبدنا منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف للعجمة والمعرفة.

(ذَا الْأَيْدِ) : صفة ـ نعت ـ لداود منصوب مثله وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة وهو مضاف. الأيد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(إِنَّهُ أَوَّابٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد هنا التعليل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل نصب اسم «إن». أواب : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى إنه تواب رجاع إلى الله تعالى أو هو تعليل لذي الأيد.

(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) (١٨)

(إِنَّا سَخَّرْنَا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير الواحد المطاع مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». سخر : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.

(الْجِبالَ مَعَهُ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. والجملة الفعلية (سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) في محل رفع خبر «إن» معه : اسم منصوب على الظرفية المكانية متعلق بفعل «سخرنا» يدل على الاجتماع والمصاحبة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر بالإضافة ويجوز أن يكون حرف جر والهاء ضمير متصل في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلق أيضا بفعل «سخرنا».

(يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «الجبال» بمعنى : مسبحات وهي فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بضمير الإناث والنون ضمير الإناث الغائبات يعود على لفظ الجبال لا على معناها وهي جمع «جبل» في محل رفع فاعل. بالعشي : جار ومجرور متعلق بيسبحن. والإشراق : معطوف بالواو على «العشي» ويعرب إعرابه.

٤٧٦

(وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (١٩)

(وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) : معطوف بالواو على «الجبال» منصوب أيضا بمعنى : وسخرنا الطير وعلامة نصبه الفتحة. محشورة : حال من «الطير» منصوبة وعلامة نصبها الفتحة المنونة بمعنى : مجموعة.

(كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة لانقطاعه عن الإضافة لأن أصله : كل واحد من الجبال والطير. له : جار ومجرور متعلق بأواب بمعنى لأجل تسبيحه مسبح أي كل من داود والجبال والطير لله أواب ووضع «أواب» موضع «مسبح». أواب : خبر «كل» مرفوع بالضمة المنونة أي تواب رجاع إلى الله تعالى.

(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠)

(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) : الواو عاطفة. شدد : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل. ملكه : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر بالإضافة بمعنى وقوينا ملكه.

(وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على «شددنا ملكه» وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل نصب مفعول به أول. الحكمة : مفعول به ثان منصوب بآتى وعلامة نصبه الفتحة.

(وَفَصْلَ الْخِطابِ) : معطوف بالواو على «الحكمة» وهو منصوب مثلها بالفتحة. الخطاب : مضاف إليه مجرور بالكسرة أي فصل الخصام.

(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١)

(وَهَلْ أَتاكَ) : الواو استئنافية. هل : حرف استفهام لا عمل له ولا محل له وقيل : ظاهرها الاستفهام ومعناها الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة التي يتشوق إلى استماعها. أتاك : فعل ماض مبني على الفتح

٤٧٧

المقدر على الألف للتعذر والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم.

(نَبَأُ الْخَصْمِ) : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. الخصم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بمعنى «حين» متعلق بالخصم لما فيه من معنى الخصومة. أو متعلق بمحذوف تقديره : نبأ تحاكم الخصوم ولا يتعلق بأتاك لأن إتيان النبأ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يقع إلا في عهده لا في عهد داود ولا يتعلق بالنبإ لأن النبأ الواقع في عهد داود لا يصح إتيانه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. تسوروا : الجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لوقوعها بعد الظرف «إذ» وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. المحراب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى حين تصعدوا سور نزلوا إليه.

** (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والعشرين .. المعنى : هل أتاك نبأ الخصوم أو الخصماء حين تسلقوا سور غرفته .. أي المتخاصمين لأن «الخصم» يقع على المفرد والجمع لأنه في أصله مصدر .. نقول خصمه ـ يخصمه ـ خصما .. من باب «ضرب» وخاصمه فخصمه : بمعنى غلبه في الخصومة وهو شاذ وقياسه أن يكون من باب «نصر» لما يعرف في الأصل ويقال أيضا : اختصم القوم وتخاصموا : أي تنازعوا. و «الخصم» يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع لأنه مصدر .. ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول : خصمان وخصوم. ويؤكد هذا القول ورود اللفظة في الآية الكريمة التالية : (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ ..) و «الخصم» كالضيف يقع على المفرد والجمع .. فإن قيل : هذا جمع في الآية الكريمة المذكورة (نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) وهو مثنى في الآية الكريمة التالية (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) فكيف استقام ذلك؟ الجواب هو أن كلمة «خصمان» معناها : فريقان خصمان والدليل عليه قراءة من قرأ : خصمان بغى بعضهم على بعض. ونحوه قوله تعالى في سورة «الحج» : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) وقال الزجاج : عنى المؤمنين والكافرين وكل واحد من الفريقين خصم .. و «الخصم» صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل : هذان فريقان أو فوجان وقوله سبحانه (هذانِ) للفظ و «اختصموا» للمعنى كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا) ولو قيل : هؤلاء خصمان أو اختصما لجاز ذلك لأنه يراد : المؤمنون والكافرون : أي فريق مؤمن وفريق كافر. وعن زينب بنت أم سلمة «أن أمها ـ أم سلمة ـ أخبرتها عن رسول الله

٤٧٨

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم فقال : إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك. وكلمة «أبلغ» معناها : أفصح ببيان حجته. ويقال : بلغ بلاغة فهو بليغ ـ فعيل بمعنى فاعل ـ وقال الزجاج : أي كان يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه. وقال غيره : البلاغة : إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ. وقال آخر : البليغ : هو أسهلهم لفظا وأحسنهم بديهة. وقال الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده. و «خصمان» في الآية الكريمة المذكورة آنفا هما في الحقيقة ملكان أي المشهور أنهما ملكان وقيل : الأقرب أنهما بشران عاديان.

** (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية والعشرين .. المعنى : ولا تجر في الحكم .. من أشط : أي جار .. وشط ـ يشط ـ شطا مثله والمصدر أيضا .. شططا وشطوطا والفعل من بابي «ضرب» و «قتل» وكلاهما مشتق من «الشطط» وهو البعد عن الحقيقة. أما الفعل «هدى» في «اهدنا» فقد تعدى هنا إلى مفعوله بحرف الجر وفي آيات أخرى تعدى بنفسه إلى المفعول وفي بعض منها تعدى باللام. كان الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول عند قيامه من فراشه : رب اغفر لي وارحم واهد للسبيل الأقوم. من هذا يتبين أن حرف الجر «إلى» يسقط في آية ويذكر في أخرى وأن الفعل «هدى» يتعدى إلى مفعولين .. وأنه يتعدى إلى المفعول الثاني منهما : إلى .. واللام. قالت العرب : إنك لا تهدي المتضال ومعناه : من ركب الضلال على عمد لم تقدر على هدايته وصار هذا القول مثلا يضرب لمن أتى أمرا على عمد وهو يعلم أن الرشاد في غيره. قال الشاعر :

وما لي فيه سوى أنني

أراه هدى وافق المقصدا

وأرجو الثواب يكتب الصلاة

على السيد المصطفى أحمدا

وكان داود ـ عليه‌السلام ـ يسرد الدرع : أي ينسجها .. وقد لين الله له الحديد كالطين. وصادف أن يدخل عليه لقمان الحكيم فأراد أن يسأل داود ـ عليه‌السلام ـ عما يصنع فأدركته الحكمة .. فسكت وهو المشهور ـ أي لقمان ـ بعدم التدخل فيما لا يعنيه وهو الذي سأله رجل : ألست الذي ترعى معي في مكان كذا؟ قال لقمان : بلى. قال : ما بلغ ما أرى؟ قال لقمان : صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني. وهذا الذي حدا به أن يمسك نفسه عن سؤال داود : ما ذا يصنع؟ فلما أتم داود نسج الدرع لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت. فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله. فقال له داود : بحق ما سميت حكيما. وعلى ذكر حكمة «لقمان» روي أن مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها أطيب مضغتين فأخرج اللسان والقلب .. ثم أمره بمثل ذلك بعد أيام وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب .. فسأله عن ذلك فقال : هما أطيب ما فيها إذا طابا وأخبث ما فيها إذا خبثا.

** (وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الرابعة والعشرين وفيه «ما» زائدة للإبهام أي مبهمة والتعجب من قلتهم أما الفعل «ظن» فمعناه : علم .. أيقن .. وقد استعيرت لفظة «ظن» لمعنى «علم» لأن «الظن» الغالب يداني العلم أو تكون «ما» لتأكيد قلتهم لأن المعنى : وقليل هؤلاء. قال ابن مسعود : من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم. فإن من علم الرجل أن يقول لشيء لا يعلمه : الله أعلم. ويقال في المدح والإعجاب والاستحسان : ما أعلمه وما أصوب رأيه! ويقابله في الدعاء على الشخص بصيغة المدح قولهم : هبلته أمه .. وثكلته أمه ومثله : قاتله الله ما أشجعه!

٤٧٩

** (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والثلاثين .. أي اغفر لي ما صدر عني من الذنب. ومن عادة الأنبياء والصالحين أنهم يقدمون أمر دينهم على أمور دنياهم كما في الآية الكريمة .. قدم الاستغفار على استيهاب الملك.

(إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) (٢٢)

(إِذْ دَخَلُوا) : بدل من «إذ» الأولى .. وتعربان إعراب «إذ تسوروا» الواردة في الآية الكريمة السابقة.

(عَلى داوُدَ) : جار ومجرور متعلق بدخلوا وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف.

(فَفَزِعَ مِنْهُمْ) : الفاء سببية. فزع : أي ذعر أو خاف فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. من : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بفزع.

(قالُوا لا تَخَفْ) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية بعده «لا تخف» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ لا : ناهية جازمة. تخف : فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. وحذفت الألف ـ أصله : تخاف ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين.

(خَصْمانِ بَغى) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : نحن مرفوع بالألف لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. أو يكون فاعلا لفعل محذوف تقديره : يقول خصمان. بغى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المقصورة للتعذر والجملة الفعلية (بَغى بَعْضُنا) في محل رفع صفة لخصمين.

(بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) : فاعل مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بالإضافة. على بعض : جار ومجرور متعلق ببغى بمعنى ظلم وجار بعضنا على بعضنا فحذف ضمير

٤٨٠