صالح الظالمي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦
فتح
أنتِ يا فتحُ يا صدى كبريائي |
|
يا شموخاً يُعيدُ لي خُيلائي |
يا شهاباً معانداً يحفرُ الليلَ |
|
لينهلَّ فجرُنا بالضياءِ |
ووقوداً لثورةٍ شبَّها العزمُ |
|
يشدُّ الخُطى ، وعُنْفُ الإباءِ |
حوّلينا من عالمٍ خطّهُ اليأسُ |
|
لدنياً مضيئةٍ بالرجاءِ |
وأزيحي عن جبهةِ الشمسِ ظلّاً |
|
نسَجَتْهُ براعةُ الظلماءِ |
واجرحي غضبةَ الرمالِ لتضرى |
|
حاقداتٍ على خطى الأعداءِ |
هذه الأرضُ أرضُنا والبساتينُ |
|
وما أبدَعَتْ رُبى سيناءِ! |
عادتْ اليومَ كلّ شبرٍ عليها |
|
يتعالى منه هديرُ فدائي |
لِمَ لا أنحني؟ أماميَ طودٌ |
|
يتسامى على الذرى الشمّاءِ |
وأنا هاهنا أُمِدُّك بالشعرِ |
|
نجوماً دفّاقةَ الآلاء .. |
أتحرّى مناجمَ الكلمِ المترفِ |
|
يزهو بمرفأِ الشعراءِ |
وبكفّيكِ فوق ما يُبدعُ الفنُّ |
|
قوافٍ منسوجةٌ من دماءِ |
يحتسي المجدُ ريَّها فتُعاطيهِ |
|
كؤوساً مشغوفةً بالعطاءِ |
وتحيل الجدْبَ الملحَّ ربيعاً |
|
يتهادى شبابُهُ بالرواءِ |
جَلَّ هذا العطاءُ يكتبُ تأريخي |
|
جديداً يُعيدُ زهوَ بِنائي |
يحشدُ الدّربَ بالضُحى ، بالأزاهيرِ |
|
فتعدو قوافلُ الشهداءِ |
وأنا هاهُنا أشدُ على المذياعِ |
|
قلبي ـ دمايَ للإِصغاءِ |
كلّما دوّت البلاغاتُ هاجتْ |
|
في عروقي نوازعُ الإنتشاءِ |
وأمدُّ الجناحَ منّي على (يافا) |
|
وأستافُ مهبطَ الأنبياءِ |
وكأنّي اُعانقُ الفجرَ من (حيفا) |
|
وأختالُ في الرُبى الخضراءِ |
وأُحسُّ الجراحَ تغفرُ للثأرِ |
|
تدوّي مسعورةَ الأصداءِ |
ثمّ أعدو بين الصخورِ مع |
|
الرشّاشِ رهنَ السواعدِ السمراءِ |
أسمعُ الهمسَ والمناجاةَ فيَّ |
|
ووقعَ الخُطى على الصحراءِ .. |
يتراءى لديَّ كلّ كَمِىٍّ |
|
في رُبانا يُقِلُّ عيدَ جلاءِ |
يا احبّايَ ربّما لوّحَ السِلمُ |
|
علينا بومضةٍ من رِياءِ |
واستُعيدَ الذي تلاقَفهُ الغزوُ |
|
ورُدّتْ جحافلُ الإعتداءِ |
ثم ماذا؟ وهذه الأكَمُ الخضراءُ |
|
تبقى لوطأةِ الدُّخلاءِ |
(دير ياسين) يستحيلُ أنيناً |
|
كُلّما مرَّ طيفُكم في المساءِ |
وعيونُ (الجليلِ) مزّقها الشوقُ |
|
فلمْ تكتحِلْ بطيفِ لقاءِ |
كلّ دربٍ على الرمالِ تنزّى |
|
منهُ جرحٌ مُزَمْجرٌ بالنداءِ |
لن تعودَ المأساةُ فينا هي |
|
المأساةُ لكنّها بغيرِ طلاءِ |
قُتلَ السلمُ بل قُتِلنا إذا لمْ |
|
يتحدّى الفناءَ وهجُ الدماءِ! |
قَسماُ بالشهيدِ بالثأرِ |
|
بالأطفالِ غرثى .. بالخيمةِ الخرقاءِ |
بن يشبَّ الزيتونُ في (قُدسِنا) |
|
المجروحِ غصّاً إلا على الأشلاءِ |
أمام المرآة
مرّتْ على مِرآتِها وانحنَتْ |
|
أمامها مطرقةً حائره |
وساءَها أنْ لا ترى رونقاً |
|
ملتبهاً وفتنةً ساحره |
ولا ابتساماً كائتلاقِ السنا |
|
مزدهراً .. ومقلةً فاتره |
كلاً ولا في وجنتيْها الضحى |
|
يصبُّ من أنفاسِه الفائره |
ثمّ انثنتْ مرتاعةً وارتمتْ |
|
تجرحُ عيْنيها الرؤى النافره |
* * * *
قلتُ لها يا ليلُ لا تحزني |
|
يكفيكِ حُسناً روحُكِ الطاهره |
ودفقةُ النورِ التي خبّئت |
|
ما بينَ جنبيكِ دنىً زاهره |
تحرّكي تهْمِ على رسلِها |
|
منكِ ينابيعٌ لها زاخره |
تجهّمَ الليلُ فهزَّ السنا |
|
منهُ فشعّتْ أنجمٌ سافره |
لا تحزني كم غادةٍ شوَّهتْ |
|
صورتَها أفكارُها العاثره |
ما قيمةُ الزهرةِ هشّاشةً |
|
إنْ لم تفُحْ أنفاسُها العاطره |
وما الجمالُ الفذُّ نشتاقٌهٌ |
|
إلا جمالَ الأنفسِ الشاعره |
بغداد الثورة
هدرَتْ ثورتي فيا صبحُ لمْلِمْ |
|
في طريقي خُطايَ نضّرْ جراحي |
أنا ما عدتُ دُميةً من رماد |
|
أسلمتْ كفَّها لعصفِ الرياحِ |
لن يعودَ الظلامُ يستلُّ أهدابي |
|
ويختارُ أوجهاً لصباحي |
عدتُ نسراً مع الضحى عربيّاً |
|
موكبُ الشمسِ يرتمي بجناحي |
عدتُ والحرفُ جمرةٌ تتلوّى |
|
في عروقي تُثيرُ فيَّ طِماحي |
ليَ بغدادُ عرسُها ورؤاها |
|
كلّ زهوِ النجومِ من أقداحي |
نَفَرتْ من يدي القيودُ وأذكتْ |
|
بسمةُ المستحيلِ من أفراحي |
للذرى جبهتي تنامُ المقاديرُ |
|
وتصحو على هديرِ كِفاحي |
* * * *
إيهِ بغدادُ يا شهاباً فتيّاً |
|
يعبرُ الليلَ للغدِ الوضّاحِ |
تتجلّى عيناكِ فجرَ تباشيرٍ |
|
فينساقُ للشموخِ صداحي |
يورقُ اليأس في يديكِ وتنْدى |
|
قسوةُ الجدْبِ من خطاكِ الفِساحِ |
لأغانيكِ يرقصُ النجمُ نشواناً |
|
وتُطوى حناجرٌ للنُواحِ |
أنتِ يا ثورتي تخطّي على جُرحي |
|
ليستافَ من دمي مِصباحي |
وأعيدي أغنيَّة الفتحِ بركاناً |
|
تشدُّ اللهيبَ فوقَ الرماحِ |
هاكِ شعري تدفُّقَ الزيتُ في أرضٍ |
|
ضي أحيليهِ نخوةً في السلاحِ |
فالفجاءاتُ في يديكِ ينابيعُ |
|
عطاءِ مشغوفةً بالسماحِ |
وإذا جُنَّت العواصفُ في اليمِّ |
|
فعيناكِ مرفأُ الملّاحِ |
* * * *