السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥
لم يجزه حتى يصوم شهراً تامّاً » (١) ونحوه الثاني (٢).
وقصور السند بموسى بن بكر بالشهرة منجبر ، مع أنّه قيل بحسنه (٣) ، وروى عنه في الأوّل فضالة ، وقد حكي على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (٤) ، ومنشأ التعدية إلى فرض العبد عدم القول بالفرق.
وربما قيل بالمنع ؛ للأصل ، وضعف الروايتين (٥). ويجابان بما مرّ ، فإذاً ما عليه الأكثر أظهر ، وإن كان العدم أحوط.
( و ) يستفاد من هذه المعتبرة أنّه ( لو أفطر قبل ذلك ) ولو بعد تمام الشهر الأوّل ، واليوم الرابع عشر في الفرض الأخير ( أعاد ) ولا خلاف فيه على الظاهر ، المصرّح به في السرائر (٦) ، وفي الغنية والخلاف والتحرير عليه الإجماع (٧) ، وعن المنتهي أنّه قول علماء الإسلام (٨) ، ولا شبهة يعتريه ؛ لعدم الامتثال ، مضافاً إلى الإجماع وما مرّ من الأخبار الواضحة المنار.
وفي حكمه الأخذ في الصيام في الزمان الذي لا يحصل معه التتابع
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٦ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ذيل حديث ١.
(٢) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٧ / ٤٣٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٦ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ح ١.
(٣) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٣٤٧ ، وفيه : فيما ذكر شهادة واضحة على وثاقته وجلالته.
(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.
(٥) انظر المدارك ٦ : ٢٥٢.
(٦) انظر السرائر ٣ : ٧٦ ، فإنّه لم يصرّح فيه بنفي الخلاف.
(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، الخلاف ٤ : ٥٥٣ ، التحرير ٢ : ١١٢.
(٨) المنتهى ٢ : ٦٢١.
ولو كان صائماً بعده ، بلا خلاف ، وللصحيح : في رجل صام في ظهارٍ شعبان ثم أدركه شهر رمضان ، قال : « يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيته » (١).
ولا فرق في الإفطار بين المستند إلى الاختيار والمأمور به من جهة الشرع بسبب ، كالعيد ، وأيّام التشريق ، فلا يجوز له أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه.
( إلاّ ) إذا كان عدم السلامة ( لعذرٍ ، كالحيض ، والنفاس ، والإغماء ، والمرض ، والجنون ) فيجزئ حينئذٍ ، بلا خلاف ؛ للصحاح ، منها : عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين ، فصام شهراً ومرض؟ قال : « يبني عليه ، الله حبسه » قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين ، فصامت فأفطرت أيّام حيضها؟ قال : « تقضيها » قلت : فإنّها تقضيها ثم يئست من المحيض؟ قال : « لا تعيدها ، قد أجزأها ذلك » (٢).
وفي رواية : « هذا ممّا غلب الله تعالى عليه ، وليس على ما غلب الله تعالى عليه شيء » (٣).
ويستفاد من التعليلين انسحاب الحكم فيما عدا المذكورات من الأعذار التي لم يعلم عروضها في الأثناء ، كالسفر الضروري.
وإنّما اعتبرنا عدم العلم بالعروض ؛ لأنّه معه يكون في ترك التتابع
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٤٣٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٥ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٤ ح ١.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٠.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠١ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٢.
كالمختار ؛ لتمكّنه من الإتيان في زمان يحصل فيه.
وليس ذلك شرطاً في الحيض ؛ للزومه في الطبيعة عادة ، والصبر إلى سنّ اليأس تعزير بالواجب وإضرار بالمكلّف ، نعم يمكن اعتباره فيه فيما إذا اعتادته فيما زاد على شهرين ، مع احتمال العدم ؛ لإطلاق النصوص كالعبارات بعدم الضرر في عروضه ، إلاّ أنّ في شموله لمحل الفرض إشكالاً ؛ لندرته المانع عن حمل الإطلاق عليه ، فتدبّر.
ومنه يظهر الوجه في اعتبار ما مرّ في النفاس ، فلا يجوز للمرأة الابتداء في زمان تقطع بعدم السلامة فيه ، بل احتماله هنا أقوى ؛ لعدم الإطلاق المتقدّم فيه وإن أطلقت العبارات ، مع احتمال أن يراد منها صورة ما إذا ابتدأت بالصوم في زمان لا تعلم بحدوثه فيه وإن احتمل ؛ لعدم ضرره ؛ لأصالة التأخّر والعدم.
ثمّ إنّ الأصحّ وجوب المبادرة بعد زوال العذر ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل الدال على لزوم التتابع على محلّ العذر.
خلافاً للدروس ، فلا يجب الفور (١). وهو ضعيف.
والمراد بالوجوب هنا هو الشرطي ، بمعنى توقّف التتابع عليه ، وإلاّ فالشرعي لا دليل عليه ، عدا ما ربما يقال من أنّ الإخلال به ملازم لفساد العبادة المنهي عنه في الآية.
وفيه نظر ، فإنّ العبادة هي الصوم ، لا تتابعه ، والإخلال مفسد له دون الصوم ، فتدبّر.
( وأمّا الإطعام : فيتعيّن في المرتّبة مع العجز عن الصيام ) بالمرض
__________________
(١) الدروس ١ : ٢٧٧.
المانع منه ، وما حصل به مشقّة شديدة وإن رجا برءه ، وما خاف به عن زيادته ، ونحو ذلك ، لا السفر إلاّ مع تعذّر الإقامة ، وحيث انتقل الفرض إليه يتخيّر فيه بين التسليم إلى المستحق ، وبين أن يطعمه ، بلا خلاف أجده.
( و ) على الأوّل : ففي مقدار ما ( يجب إطعام العدد ) به أقوال ، أظهرها وأشهرها سيّما بين المتأخّرين أنّه يعطى ( لكلّ واحد مدّ ) اقتصاراً فيما خالف الأصل على أقلّ ما يتحقّق به الامتثال ، وهو ذلك غالباً.
وهو وإن تحقق بالأقلّ ، إلاّ أنّه مندفع بالإجماع ؛ مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (١) المماثل لها في الاستفاضة ، لكن أكثرها مروي في كفّارة اليمين ، ويتعدّى الحكم منه إلى كفّارة رمضان وقتل الخطأ بالإجماع.
مضافاً إلى الصحيح في الأوّل : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مدّ » (٢) ونحوه غيره ، كحديث الأعرابي المشهور المروي فيه (٣).
والصحيح في الثاني : « فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً » (٤).
ومن الأخبار الأوّلة الصحيح : « يطعم عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ » (٥).
__________________
(١) الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨. وج ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٠.
(٣) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، المقنع : ٦١ ، معاني الأخبار : ٣٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.
(٤) التهذيب ٨ : ٣٣٢ / ١١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٤ أبواب الكفارات ب ١٠ ح ١.
(٥) الكافي ٧ : ٤٥١ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩١ ، الإستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٥ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ١.
والصحيح : عمّن قال : والله ، ثم لم يفِ؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « كفّارته إطعام عشرة مساكين مدّاً مدّاً » (١) ونحوهما صحيحان آخران (٢) ، مرويان هما كالأوّلين وباقي المعتبرة المستفيضة في الكافي وغيره.
مضافاً إلى روايات ثلاث ، مروية في تفسير العيّاشي ، كما حكي منها : « يجزئ لكلّ إنسان مدّ » (٣).
ولا معارض لهذه الأخبار ، مع كثرتها ، واستفاضة كلّ من الصحيح والمعتبرة منها ، مع اعتضادها بالأُصول والشهرة العظيمة ، فيجب المصير إليها البتّة.
خلافاً للخلاف (٤) ، فمدّان ؛ للإجماع ، والاحتياط.
وهما ممنوعان في مقابلة ما مرّ ، ولا شاهد له من الأخبار سوى الصحيح الوارد في الظهار (٥) ، وحمله على الاستحباب متعيّن.
واحتمال العمل به مع تخصيصه بمورده كما وقع لبعض المتأخّرين ـ (٦) مع كونه خرقاً للإجماع ضعيف ، كضعف حمله على صورة الاختيار وما مرّ على صورة الاضطرار جمعاً ؛ لعدم الشاهد عليه ، وإن حكي القول بذلك عن النهاية والمبسوط (٧) ، وتبعه ابن حمزة (٨) ، وإليه أشار
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٢٢٩ / ١٠٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٤.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٥ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٢ ، ٥.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٣٦ / ١٦٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٢ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٧.
(٤) الخلاف ٤ : ٥٦٠.
(٥) التهذيب ٨ : ٢٣ / ٧٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٢ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٦.
(٦) كصاحب الكفاية : ٢١٦.
(٧) النهاية : ٥٦٩ ، المبسوط ٥ : ١٧٧ و ١ : ٢٧١.
(٨) الوسيلة : ٣٥٣.
بقوله : ( وقيل : مدّان مع القدرة ) وواحد مع الضرورة.
نعم يستحبّ أن يزيد على المدّ حفنةً لمئونة نحو طحنه وخبزه إن توقف على ذلك ، كما في الصحيح (١) وغيره المروي عن تفسير العيّاشي (٢).
وأوجبه الإسكافي (٣) ؛ لظاهرهما. ويندفع بالأصل ، وصدق الامتثال ، وما مرّ من الأخبار ؛ لخلوّها عنه مع ورودها في مقام الحاجة.
وعلى الثاني : قُدّر في المشهور بالإشباع ولو مرّةً ، كأن يطعموا ضحى أو عشيّة ؛ للأصل ، وصدق الامتثال ، وفحوى ما مرّ من الأخبار ، وخصوص الصحيح : « يشبعهم مرّة واحدة » (٤).
خلافاً للمفيد والديلمي والقاضي (٥) فقدّروه بإشباع يوم ، وهو ظاهر في المرّتين ، وبه صرّح الإسكافي (٦). ولا دليل عليه.
( و ) اعلم أنّه لا خلاف في أنّه ( لا يجوز إعطاؤه لما دون العدد ) لتعلّق الأمر بذلك ، فكما لا يحصل الامتثال في الدفع إلى غير المساكين كذا لا يحصل بالدفع إلى ما دون الستّين.
( ولا يجوز التكرار في الكفّارة الواحدة مع التمكّن ) لتبادر الغير ؛ إذ لا يسمّى المسكين الواحد المُطعَم ستّين مرّة ستّين مسكيناً ، وهو واضح ،
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٩ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦١ / ١٢٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٤.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٣ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ١٠.
(٣) حكاه عنه في المختلف : ٦٦٦.
(٤) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٥.
(٥) المفيد في المقنعة : ٥٦٨ ، الديلمي في المراسم : ١٨٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١٥.
(٦) حكاه عنه في المختلف : ٦٦٦.
ولا خلاف فيه بيننا ، وبه صريح بعض المعتبرة من أخبارنا كالموثّق : عن إطعام عشرة مساكين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال : « لا ، ولكن يعطى إنساناً إنساناً كما قال الله تعالى » (١) وقريب منه الخبر الآتي مفهوماً.
( و ) هل ( يجوز مع العذر ) لفقد العدد في البلد ، مع تعذّر الإيصال إليه من غيره؟ قولان ، أظهرهما وأشهرهما ذلك ، بل لم نقف على مخالف هنا ، وبه اعترف جماعة من أصحابنا (٢) ؛ للخبر ، بل القوي : « إن لم يوجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غداً » (٣).
وقصور السند منجبر بالشهرة العظيمة.
واحتمال التقية بوروده موافقاً لمذهب أبي حنيفة ، مع كون الراوي من قضاة العامة مدفوع بأنّ مذهبه الإطلاق ، وفيه اشتراط الحكم بالضرورة. وكون الراوي من قضاتهم محلّ مناقشة لجماعة ، وادّعوا كونه من الإماميّة (٤) ، فاللازم أن يقيّد به الأُصول ، والرواية السابقة ، بحملها على حالة التمكّن دون الضرورة ، مع كونها من الأفراد النادرة فلا تحمل عليها
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٢٩٨ / ١١٠٣ ، الاستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٥ ، تفسير العياشي ١ : ٣٣٦ / ١٦٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٦ أبواب الكفارات ب ١٦ ح ٢.
(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٩٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٨.
(٣) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ١٠ ، التهذيب ٨ : ٢٩٨ / ١١٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٦ أبواب الكفارات ب ١٦ ح ١.
(٤) كالمولى محمد تقي المجلسي في روضة المتقين ١٤ : ٥٩ ، والسيّد بحر العلوم في رجاله ٢ : ١٢١.
إطلاق الرواية.
فاندفع بذلك حجج من ظن وجوب المصير إلى التمكّن من العدد.
واحترز بالواحدة عن المتعدّدة ؛ لجواز التكرار فيها بقدرها ، وبه صرّح في الدروس (١) ، ولعلّه لا خلاف فيه.
( و ) الواجب في الجنس أن ( يطعم ما يغلب على قوته ) وفاقاً للمبسوط وجماعة (٢) ؛ حملاً للإطلاق عليه.
خلافاً للخلاف (٣) ، فكلّ ما يسمّى طعاماً ، مدّعياً عليه الوفاق.
ولا بأس به ؛ لموافقته للّغة المترجّح هنا على العرف والعادة ؛ لحكاية الإجماع المزبورة ، مع أنّه لم يثبت منه الحكم بكون إطلاق الطعام على غير الغالب بعنوان المجازية دون الحقيقة ، والإجماع المزبور هو المستند في التعميم ، حتى في كفّارة اليمين.
خلافاً للحلّي (٤) فيها خاصّة ، فأوجب فيها الإطعام من أوسط ما يطعم به الأهل ؛ تمسّكاً بظاهر الآية ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) (٥).
وهو محمول على الاستحباب ؛ لما مرّ من الإجماع المحكي في الباب ، المعتضد بالشهرة بين الأصحاب ، مع احتماله الورود مورد الغالب ، فلا تعارض بينه وبين الإطلاق.
واستقرب في المختلف إيجاب الحنطة ، والشعير ، والدقيق ،
__________________
(١) الدروس ٢ : ١٨٧.
(٢) المبسوط ٥ : ١٧٧ ؛ وانظر الوسيلة : ٣٥٣ ، والمسالك ٢ : ٩٨ ، والمفاتيح ١ : ٢٧١.
(٣) الخلاف ٤ : ٥٦٣.
(٤) السرائر ٣ : ٧٠.
(٥) المائدة : ٨٩.
والخبز (١). وجزم الشهيدان بإجزاء التمر والزبيب (٢). والأولى الاقتصار على إطعام المدّ من الحنطة والدقيق ، كما في الصحيح وغيره (٣).
( ويستحب أن يضمّ إليه إداماً ) ولا يجب ، وفاقاً للأكثر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ للأصل ، وصدق الامتثال بدونه ، وخلوّ أخبار المدّ والمدّين عنه ، ولصريح الصحيح : « وإن شئت جعلت لهم أُدُماً » (٤).
خلافاً للمفيد والديلمي كما حكي (٥) ، فيجب ؛ للخبرين ، أحدهما الصحيح : عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، فقال : « ما تقوتون به من عيالكم من أوسط ذلك » قلت : وما أوسط ذلك؟ فقال : « الخلّ والزيت والتمر والزبيب » الحديث (٦) ، ونحوه الخبر (٧).
لكنّه مع قصور السند قاصر هو كالأوّل عن إفادة الوجوب صريحاً ، ومع ذلك مفسِّران للأوسط المأمور به بالإدام الخاص ، المشعر بل الظاهر في عدم إجزاء غيره ، ولم يقولا به ؛ مضافاً الى عدم مكافأتهما لما مرّ ، وظهور الأمر فيهما في الاستحباب ؛ لما ظهر.
والمراد بالإدام ما جرت العادة بأكله مع الخبز ، مائعاً كان كالزيت
__________________
(١) المختلف : ٦٦٩.
(٢) الأول في الدروس ٢ : ١٨٦ ، والثاني في المسالك ٢ : ٩٨.
(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ١ ، ٤.
(٤) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٣.
(٥) حكاه عنهما في الدروس ٢ : ١٨٦ ، وهو في المقنعة : ٥٦٨ ، والمراسم : ١٨٦.
(٦) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٥.
(٧) الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٢.
والدبس ، أو جامداً كالجبن واللحم ، وهو بحسب الجنس مختلف نفاسةً ورداءةً و ( أعلاه اللحم وأوسطه الخلّ ) والزيت ( وأدناه الملح ) للصحيح : « والأُدُم أدناه ملح ، وأوسطه الخلّ والزيت ، وأرفعه اللحم » (١).
وفي الخبر : « والوسط الخلّ والزيت ، وأرفعه الخبز واللحم » (٢).
( و ) اعلم أنّه ( لا يجزئ إطعام الصغار ) إذا كانوا ( منفردين ) بعدد الستّين ، بلا خلاف أجده إلاّ من بعض المتأخّرين ، فقال بالإجزاء ؛ للإطلاق (٣). وهو كما ترى ؛ لعدم انصرافه إليهم عند الإطلاق.
نعم ربما يستفاد من بعض المعتبرة الآتية الإجزاء فيما عدا كفّارة اليمين ، لكنّها مع قصور أسانيدها غير صريحة في الانفراد ، فيحتمل الانضمام.
( و ) قد حكم الماتن تبعاً للشيخ في النهاية (٤) بأنّه ( يجوز ) إطعامهم إذا كانوا ( منضمّين ) مع الكبار ، واحتسابهم من العدد بلا زيادة ، لكنّهم لم يفرقوا بين كفّارة اليمين وغيرها ، ونفى عنه في المبسوط والخلاف (٥) الخلاف ، وهو الحجّة فيه إن تمّ ، لا الصحيح : أيعطي الصغار والكبار سواء ، والرجال والنساء ، أو يفضّل الكبار على الصغار ، والرجال على النساء؟ فقال : « كلّهم سواء » (٦) لأنّه ظاهر في صورة التسليم
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٣.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٢.
(٣) انظر المفاتيح ١ : ٢٧٠.
(٤) النهاية : ٥٦٩.
(٥) المبسوط ٥ : ١٧٨ ، الخلاف ٤ : ٥٦٤.
(٦) التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١١٠١ ، وفيه : أيطعم الصغار .. ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧ ح ٣.
لا الإشباع ، ولا خلاف فيه كما في المسالك (١) ، وهو ظاهر غيره (٢).
نعم في الصحيح : « يكون في البيت من يأكل أكثر من المدّ ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ ، فبيّن ذلك بقوله تعالى ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) » (٣) وهو ظاهر فيما ذكروه وإن ردّ بأنّ الاختلاف في الأكل يتحقق في الكبار أيضاً ـ (٤) لكفاية الإطلاق ، مع كون الاختلاف بالصغر والكبر من أظهر الأفراد.
لكن في الموثق : « لا يجوز إطعام الصغير في كفّارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير » (٥) وهو مطلق لصورتي الانفراد والاجتماع ، بل أظهر في الثاني جدّاً ، وأظهر منه القوي الآتي ، إلاّ أنّهم حملوه على الاولى ، فقالوا : ( ولو انفردوا احتسب الاثنين بواحد ) جمعاً بينه وبين الصحيح المتقدّم الظاهر في الثاني.
وهو حسن ، إلاّ أنّ العمل بإطلاق الموثق أحوط وأولى ، فيعدّ الصغيران بكبير مطلقاً ولو مجتمعاً ، وفاقاً لابن حمزة (٦) ، وهو ظاهر إطلاق الإسكافي والصدوق (٧) في المقنع ، لكن في كفّارة اليمين خاصّة ، وظاهرهما جواز إطعام الصغار فيما عداها ، وأنّهم كالرجال ؛ لمفهوم الموثقة المزبورة
__________________
(١) المسالك ٢ : ٩٨.
(٢) انظر المفاتيح ١ : ٢٧٠.
(٣) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨١ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٣.
(٤) كما في المسالك ٢ : ٩٨.
(٥) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٢ ، التهذيب ٨ : ٢٩٧ / ١١٠٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٣ / ١٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧ ح ١ ، وفي الجميع : لا يجزئ.
(٦) الوسيلة : ٣٥٣.
(٧) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٦٨ ، الصدوق في المقنع : ١٣٦.
وغيرها من المعتبرة ، كالقوي : « من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً ، فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير » (١) فتدبّر ، لكن الأحوط الإطلاق.
ومن جميع ما مرّ يظهر اشتهار جواز إطعام الصغير في الكفّارة ولو في الجملة ، بل مرّ عن المبسوط والخلاف نفي الخلاف عنه.
خلافاً للمفيد (٢) ، فمنع عن إطعامهم مطلقاً ، منفردين كانوا أو مجتمعين ، عدّ واحد منهم باثنين أم لا.
وهو شاذّ ، وإن كان أحوط ، ولكن ليس بذلك اللازم ، بل هو ما قدّمناه من عدّ اثنين منهم بكبير في كلّ من صورتي الانفراد والاجتماع ، سيّما في كفّارة اليمين ، وإن كان المصير إلى ما عليه الأكثر غير بعيد.
( مسائل : )
( الاولى : ) مرّ أنّ كفّارة اليمين مخيّرة ابتداءً بين أُمور ثلاثة : العتق ، والإطعام ، والكسوة ، ومرّ ما يتعلق بالأوّلين.
وأمّا الثالث : فـ ( كسوة الفقير ثوبان مع القدرة ) وواحد مع الضرورة ، وفاقاً للشيخ والقاضي والحلبي (٣) ، واختاره الفاضل في القواعد وولده في شرحه (٤) ؛ جمعاً بين النصوص المطلقة في الأمرين.
ولا شاهد له ، بل ظاهر نصوص التعدّد يدفعه ، فلا بُدّ من المصير إمّا
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٣٠٠ / ١١١٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧ ح ٢.
(٢) المقنعة : ٥٦٨.
(٣) الشيخ في النهاية : ٥٧٠ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١٥ ، الحلبي في الكافي : ٢٢٧.
(٤) القواعد ٢ : ١٤٨ ، الإيضاح ٤ : ١٠٧.
إلى الأوّل ، كما عن المفيد والديلمي والصدوق (١) ، وفي المعتبرة دلالة عليه ، منها الصحيح : « أو كسوتهم ، لكلّ إنسان منهم ثوبان » (٢) ونحوه الخبران : « والكسوة ثوبان » (٣) لكنّهما ضعيفان ، إلاّ أنّ في أحدهما المجمع على تصحيح رواياته.
وإمّا إلى الثاني كما عن الحلّي ووالد الصدوق (٤) ، واختاره المحقّق وأكثر من تأخّر عنه ، كالفاضل في قوله الثاني ، والشهيدين والفاضل المقداد في شرح الكتاب ؛ كالسيّد فيه ، والمفلح الصيمري وكثير من المتأخّرين (٥) ؛ للأصل ، والإطلاق.
( و ) ما ( في رواية ) صحيحة ، بل روايات مستفيضة : من أنّه ( يجزئ الثوب الواحد ) منها الصحيحان ، في أحدهما : قلت : كسوتهم؟
قال : « ثوب واحد » (٦) وفي الثاني : قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : « ثوب
__________________
(١) المفيد في المقنعة : ٥٦٨ ، الديلمي في المراسم : ١٨٦ ، الصدوق في المقنع : ١٣٧.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ١٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٣ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ١٠.
(٣) أحدهما في : تفسير العياشي ١ : ٣٣٨ / ١٧٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٢ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٩.
والآخر في : الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٢.
(٤) الحلّي في السرائر ٣ : ٧٠ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٦٦٦.
(٥) المحقق في الشرائع ٣ : ٧٧ ، والفاضل في المختلف : ٦٦٦ ، والشهيدان في اللمعة والروضة ٣ : ٢٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤١١ ، والسيد صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢١٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٧.
(٦) الكافي ٧ : ٤٥٤ / ١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٦ / ١٠٩٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٧٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ٥.
يواري عورته » (١).
ونحوه الخبر (٢) المحتمل للصحة ؛ لوجود مَعمر بن يحيى ، بدل : ابن عثمان في بعض النسخ ، ومع ذلك في سنده كالثاني المجمع على تصحيح رواياته ، كابن أبي نصر وابن محبوب.
ولا اشتراك في راوي الصحيحين كما ظنّ (٣) ، مع وجود القرينة على الثقة في أحدهما ، والمجمع على تصحيح رواياته في الثاني ، فإذاً الأسانيد في غاية الاعتماد ، معتضدة بما مرّ ، مع الشهرة المتأخّرة ، ( و ) لذا كان هذا القول ( هو الأشبه ) وإن كان الأوّل أحوط.
واحتاط الإسكافي (٤) بدرع وخمار للمرأة ، وثوب واحد ممّا يجزئ فيه الصلاة للرجل ؛ حملاً على عرف الشرع في الصلاة ، وجمعاً بين النصوص. ولا شاهد له.
والأجود الجمع بحمل الأوّلة على الفضيلة ، أو ما إذا لم يحصل بالواحد ستر العورة ، ولذا قيّد بالستر في أكثر ما مرّ من المعتبرة ، بخلاف الأخبار الأوّلة ، وهذا أولى.
فيكون المعيار في الكسوة ما يحصل به ستر العورة مع صدق الكسوة
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٠ أبواب الكفارات ب ١٤ ح ١.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٩٥ / ١٠٩٤ ، الاستبصار ٤ : ٥١ / ١٧٧ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦١ / ١٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٣٨٤ أبواب الكفارات ب ١٥ ح ٢.
(٣) راجع المسالك ٢ : ٩٩.
(٤) حكاه عنه في المختلف : ٦٦٦.
عرفاً وعادةً ، كالجبّة ، والقميص ، والسراويل ، دون الخفّ والقلنسوة.
بلا خلاف ولا إشكال في شيء من ذلك ، إلاّ في الأخير ، ففيه إشكال وقول بالعدم ، كما عن المبسوط (١) ؛ لعدم صدق الكسوة عليه عرفاً ، وهو متّجه ، إلاّ مع إعطاء قميص أو جبّة معه ؛ لصدق الكسوة حينئذٍ جزماً.
ومن هنا يظهر الحكم في نحو الإزار والرداء وإن جزم بهما كالأوّل الشهيدان وغيرهما (٢).
وظاهر الأصحاب هنا جواز إعطاء الكسوة للصغار مطلقاً ، والنصوص خالية عن ذكر ذلك ، بل المتبادر منها كالآية الكبار ، لكن اتفاق الفتاوى على العموم هنا كافٍ في الخروج عن العهدة.
ويستحب الجديد ، بلا خلاف ، خاماً كان أو مقصوراً ، ويجزئ غيره إذا لم يكن منخرقاً ولا منسحقاً ، وهما لا يجزئان ؛ للأصل ، وعدم انصراف الإطلاق إليهما.
وجنسه ما اعتيد لبسه ، كالقطن ، والكتّان ، والصوف والحرير الممتزج والمحض للنساء والصغار دون الخناثى والكبار ، والفرو والجلد المعتادين ، والقنَّب (٣) والشعر إن اعتيد لبسهما.
( وكفّارة الإيلاء مثل كفّارة اليمين ) بلا خلاف ؛ تمسّكاً بالإطلاق ؛ لأنّه يمين خاصّ فيترتّب عليه أحكامه.
__________________
(١) المبسوط ٦ : ٢١٢.
(٢) الأول في : الدروس ٢ : ١٨٨ ، الثاني في : الروضة ٣ : ٢٩ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٣ : ٤١١.
(٣) نبات يؤخذ لحاؤه ثمّ يفتّل حبالا. المصباح المنير : ٥١٧ ، مجمع البحرين ٢ : ١٥٠.
( الثانية : من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثمّ تمكّن من العتق لم يلزمه العود ) مطلقا ( وإن كان أفضل ) على الأشهر الأقوى ؛ للصحيح المروي في التهذيب بسندين صحيحين ، أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، وفيه : « وإن صام وأصاب مالاً فليمض الذي ابتدأ فيه » (١).
خلافاً للإسكافي (٢) فيما إذا لم يتجاوز النصف ، فأوجب العتق ؛ للمرسل كالصحيح : في رجل صام شهراً من كفّارة الظهار ، ثمّ وجد نسمة ، قال : « يعتقها ، ولا يعتدّ بالصوم » (٣).
ولقصوره عن المقاومة لما مرّ سنداً وعدداً واشتهاراً حمله الأصحاب على الاستحباب ، ولا ريب فيه ، مع اعتضاده في جانب نفي الوجوب بصدق الفاقد عند الشروع ، وسقوط الأعلى ، وتحقّق البدليّة ، فيستصحب.
وهو وإن أمكن فيه المعارضة باستصحاب شغل الذمّة ، إلاّ أنّ اعتضاد الأوّل بالشهرة يقتضي المصير إليه البتّة.
ومنه يظهر الوجه في انسحاب الحكم إلى الأخذ في الإطعام للعجز عن الصيام القادر عليه بعد ذلك ؛ مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ، وفقد المعارض للأصل من جهة النص ، وإن خلا عنه من أصله.
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ٣٤٣ / ١٦٤٨ ، التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٣ و ٣٢٢ / ١١٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٦٧ / ٩٥٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٤ أبواب الكفارات ب ٤ ح ١.
(٢) حكاه عنه في المسالك ٢ : ١٠٠.
(٣) التهذيب ٨ : ١٧ / ٥٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٦٨ / ٩٥٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٦ أبواب الكفارات ب ٥ ح ٢.
ثم إنّه يتحقق الشروع بصوم جزء من اليوم في الصوم ولو لحظةً ، وبتسليم مدّ أو أخذ في أكل الطعام في الإطعام ؛ لإطلاق الدليل.
( الثالثة : كلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين ) في نذر أو كفّارة مطلقاً ، مرتّبةً كانت أو مخيّرةً ، كما يقتضيه عموم العبارة ( فعجز ) عنهما ( صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر تصدّق عن كل يوم بمدٍّ من الطعام ، فإن لم يستطع استغفر الله سبحانه ) كما عن الشيخ وجماعة (١) ، بل ادّعى في المسالك (٢) الشهرة في كلّ من الأحكام الثلاثة ، ولم نقف على ما يدل عليها من آية ، أو أصل ، أو رواية.
والأجود التفصيل بين الظهار ورمضان والنذر ، فيرتضى الحكم الأوّل في الأوّلين ، لكن بعد العجز عن الخصال الثلاث ، وفاقاً للنهاية والقاضي وابن حمزة (٣) في الأوّل ، وللمفيد والمرتضى والحلّي (٤) في الثاني ؛ للموثق في الأوّل : عن رجل ظاهر من امرأته ، فلم يجد ما يعتق ، ولا ما يتصدّق ، ولا يقوى على الصيام؟ قال : « يصوم ثمانية عشر يوماً » (٥).
وللخبر المنجبر ضعفه بالشهرة في الثاني أيضاً : عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ، فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ،
__________________
(١) الشيخ في النهاية : ٥٧٠ ؛ وانظر القواعد ٢ : ١٤٩ ، واللمعة والروضة ٣ : ٣٠ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٥٠.
(٢) المسالك ٢ : ١٠٢.
(٣) النهاية : ٥٢٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٣٠٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٥٤.
(٤) المفيد في المقنعة : ٣٤٦ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤١٣.
(٥) التهذيب ٨ : ٢٣ / ٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٢ أبواب الكفارات ب ٨ ح ١.
ولم يقدر على الصدقة ، قال : « فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام » (١) على إشكال فيه دون الأوّل ؛ لخلوصه عن المعارض دون هذا ؛ لما يأتي.
خلافاً للمفيد والإسكافي (٢) في الأوّل ، فلم يجعلا له بعد الخصال بدلاً ؛ تمسّكاً بالأصل. ويندفع بما مرّ.
وللصدوقين (٣) فيه أيضاً ، فجعلا البدل التصدّق بما يطيق. ولا شاهد لهما سوى التمسك بما يأتي من النص أو القاعدة ، ولكن الأوّل قياس ، والثاني حسن لولا ما مرّ من الموثّقة المعتضدة بالشهرة.
ولهما ولجماعة من المتأخّرين (٤) في الثاني ، فجعلوا البدل هو التصدّق بما يطيق ؛ للصحيحين : في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذرٍ ، قال : « يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق » (٥).
وهو ظاهر الكليني ؛ لاقتصاره بنقل أحدهما ، والتهذيبين (٦) ؛ للفتوى بهما صريحاً ، مع ذكره رواية الثمانية عشر بلفظة « روي » في الاستبصار ،
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٨١ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٩ ح ١.
(٢) المفيد في المقنعة : ٥٢٤ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٠٢.
(٣) الصدوق في الهداية : ٧١ ، ونقله عن والده في المختلف : ٦٠٢.
(٤) الصدوق في المقنع : ٦١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٢٦ ؛ وانظر نهاية المرام ٢ : ٢١٨ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٧٥ ، والذخيرة : ٥٣٥.
(٥) الكافي ٤ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ / ٥٩٤ و ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ / ٣١٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.
(٦) الاستبصار ٢ : ٩٦ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ، ٢٠٧.
ولفظة « قيل » في التهذيب ، المشعرتين بالتمريض.
ولا يخلو عن قوة ؛ لذلك ، ولموافقة قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور في الجملة (١) ، بملاحظة أنّ الواجب عليه أحد الأُمور الثلاثة التي منها التصدّق والإطعام ، فإذا اختاره ولم يمكنه التمام اجتزأ بالممكن منه ؛ للقاعدة.
وللدروس تبعاً للفاضل في المختلف (٢) فيه أيضاً ، فخيّرا بين الأمرين ؛ جمعاً ، والتفاتاً إلى ثبوت التخيير بين نوعيهما في المبدل فكذا في البدل.
وللثاني في قوله الآخر مطلقاً ، فأوجب الإتيان بالممكن من الصوم والصدقة إن تجاوز الثمانية عشر ؛ لعموم : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » (٣) حتى لو أمكن الشهران متفرّقين وجب مقدّماً على الثمانية عشر (٤).
وهو حسن فيما عدا مورد ما مرّ من النص المعتبر ، وهو النذر الذي هو القسم الثالث ، ومنه يظهر دفع الحكم الأوّل فيه ، والرواية المتقدمة بالثمانية عشر مشعرة بحكم السياق صدراً وذيلاً باختصاص الحكم بصيامها بصورة العجز عن الخصال الثلاث التي هي في الكفّارة خاصّة ، فهذا القسم
__________________
(١) هذا القيد تنبيه على أنّ القاعدة لا تدلّ على وجوب المصير إلى الصدقة ، بل غايتها الدلالة على جواز التصدّق بما يطيق ، لا تعيّنه ، فلو صام ما يطيق لأجزأ بمقتضاها ، فموافقة هذا القول للقاعدة إنما هي موافقة في الجملة. منه عفي عنه.
(٢) الدروس ١ : ٢٧٧ ، المختلف : ٢٢٦.
(٣) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٦.
(٤) قاله في التحرير ١ : ٨٠.
خارج عن موردها البتّة ، فيذبّ عن هذا الحكم فيه.
كما يذبّ عن الحكمين الأخيرين فيه وفي صوم رمضان وفي كفّارة الظهار ؛ لعدم الدليل عليهما فيها ، مع تصريح بعض المعتبرة (١) المعتضدة بالشهرة ، كما مرّت إليه الإشارة ـ (٢) بنفي الثالث في الثالث ، وإن عورض بالموثق ؛ لضعفه بما مرّ (٣).
وعن أوّلهما فيما عداها أيضاً ؛ لما مرّ ، ويرتضى ثانيهما فيه ؛ للمعتبر الذي مرّ في بحث الظهار ، النافي له فيها من دون معارض له هنا.
مضافاً إلى الاتفاق عليه في الظاهر ، والموثق في كفّارة اليمين : قلت : فإن عجز عن ذلك؟ قال : « فليستغفر الله عزّ وجلّ ، ولا يعود » (٤).
والمعتبرة منه مرّة واحدة بالنيّة عن الكفّارة ، مضافاً إلى اللفظ الدالّ على الندم على ما فعل ، والعزم على عدم العود إن كان عن ذنب.
وفي وجوب الكفّارة مع تجدّد القدرة وجهان ، وفي الموثّق في المظاهر أنّه يستغفر ويطأ ، فإذا وجد الكفّارة كفّر (٥).
وعمل به الشيخ في التهذيبين.
ثمّ في وجوب التتابع في الثمانية عشر حيث قلنا بوجوبه قولان ، والأحوط ذلك ؛ لخبر : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٦) وإن كان النص
__________________
(١ و ٣) ٣٩٧ ، ٣٩٨.
(٤) الكافي ٧ : ٤٥٣ / ١١ ، التهذيب ٨ : ٢٩٨ / ١١٠٤ ، الإستبصار ٤ : ٥٢ / ١٨٠ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٦.
(٥) الكافي ٧ : ٤٦١ / ٦ ، التهذيب ٨ : ٣٢٠ / ١١٩٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٦ / ١٩٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٨ أبواب الكفارات ب ٦ ح ٤.
(٦) عوالي اللئلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.