السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-274-1
الصفحات: ٥٣٥
خلافاً لجماعة من أصحابنا (١) ، فألحقوها بالأُولى. فإن كان إجماع ، وإلاّ فيأتي فيه ما مضى ؛ مضافاً إلى احتمال كون الصدق عليها مجازاً ، بل هو الظاهر من الأُصول ، كما مرّ مراراً ، إلاّ أن يستدل عليه بالفحوى.
ومنه يظهر الوجه في عدم إلحاق الأمة الموطوءة بالملك بها مطلقاً ، وإن كانت سُرِّيّةً أو أمّ ولد ، بل بطريق أولى ، إلاّ أن يتمسّك في الإلحاق بالفحوى ، لكن المنع هنا هو المفتي به قولاً واحداً.
ثمّ مقتضى الأصل المستفاد من الأدلّة القاطعة حرمة شقّ الثوب مطلقاً ولو على الأب والأخ ؛ لما فيه من إضاعة المال المحترم المحرّمة جدّاً.
خلافاً لجماعة (٢) ، فأجازوه فيهما ؛ لما ينقل من شقّ بعض الأنبياء والأئمة عليهمالسلام فيهما (٣) ، والأحوط تركه جدّاً.
ثم لا كفّارة في شقّ المرأة على الميت مطلقاً ، زوجاً كان أو ولداً ، وإن حرم ، قولاً واحداً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النصّ والفتوى ، مع حرمة القياس عندنا.
( الثالثة : من نذر صوم يوم ) معيّن ( فعجز عنه تصدّق بإطعام مسكينٍ مدّين من طعام ) وفاقاً للشيخ في النهاية (٤) ؛ للخبر : في رجل يجعل عليه صياماً في نذر ولا يقوى ، قال : « يعطي من يصوم عنه كل يوم مدّين » (٥).
__________________
(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ١٠٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٠٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ١٦.
(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٥٧٣ ، والحلّي في السرائر ٣ : ٧٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٠٠.
(٣) انظر الوسائل ٣ : ٢٧٣ ٢٧٥ أبواب الدفن ب ٨٤ الأحاديث ٣ ٩ ، وكذا الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ أبواب الكفارات ب ٣١.
(٤) النهاية : ٥٧١.
(٥) الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٥ ، الفقيه ٣ : ٢٣٥ / ١١١١ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٢ أبواب النذر والعهد ب ١٢ ح ١.
وفي سنده جهالة ، وفي المتن شذوذ بحسب الدلالة ، ومع ذلك مخالف للقواعد المقرّرة من عدم لزوم النذر مع العجز المستلزم لعدم الكفّارة.
ومنه يظهر الجواب عن رواية أُخرى في المسألة : عن رجل نذر صياماً : فثقل عليه الصوم؟ قال : « تصدّق عن كل يوم بمدٍّ من حنطة » (١).
ويأتي فيها أيضاً ما في السابقة من الضعف والشذوذ ، ولو من غير تلك الجهة.
ونحوهما في الشذوذ ما مرّ من الصحيح ، أنّ « من عجز عن نذر نذره فعليه كفّارة يمين » (٢) مع أنّ الأصحاب حملوه على خلاف ظاهره كما عرفت ، فإذاً الأقوى عدم وجوب هذه الكفّارة ، بل هي مستحبّة ، وفاقاً لجماعة (٣).
وعلى تقدير الوجوب ( فإن عجز عنها ) أيضاً ( تصدّق بما استطاع ) فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ( فإن عجز ) أصلاً ( استغفر الله ) تعالى ، ولم أقف على مستنده ، مع كون الإفطار عن عجز مرخّص ، ولا معنى للزوم الاستغفار حينئذٍ ، فهو غريب.
وأغرب منه ما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى المحقّق الشيخ علي من الأمر به ثلاثاً ، ولعلّ لهم مستنداً في ذلك لم نظفر به ، وكيف كان فالاستحباب لا بأس به.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٣٤ / ١١٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٣١٢ أبواب النذر والعهد ب ١٢ ح ٢.
(٢) راجع ص ٤٢٥.
(٣) منهم ابن فهد في المهذب البارع ٣ : ٥٧٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٤٠١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨٩.
( المقصد الثاني )
( في ) بيان ( خصال الكفّارة ) وأحكامها.
( وهي ) كثيرة ، إلاّ أنّ المهم الذي يجب التعرض لذكره في المقام هو الخصال الأربع المشهورة ( العتق ، والإطعام ، والكسوة ، والصيام ) فنقول :
( أمّا العتق : فيتعيّن على الواجد في المرتّبة ) دون المخيّرة ( ويتحقّق ذلك ) الوجدان المعلّق عليه بالأصل ومفهوم الآية (١) ( بملك الرقبة ) مع عدم الاحتياج إليها لضرورة كالخدمة ( أو الثمن ) كذلك ( مع إمكان الابتياع ) لصدق الوجدان بذلك لغةً وعرفاً ، بخلاف حال الضرورة ، أمّا لانتفاء الصدق فيها ، أو لاستثنائها معها في الدين الذي هو حق الناس المستلزم للاستثناء هنا بطريق أولى.
( ولا بدّ من كونها مؤمنة أو مسلمة ) إذا كانت كفّارة عن القتل مطلقا ، ولو كان عمداً ، إجماعاً ، كما حكاه جماعة (٢) مستفيضاً ، وهو الحجّة فيه ، مع الاحتياط اللازم المراعاة في نحو المقام.
مضافاً إلى الآية الكريمة (٣) ، وإن وردت في الخطأ خاصّة ، إلاّ أنّهم حملوا عليه العمد من غير خلاف ، بل حكي عليه الإجماع (٤) ؛ لاتحاد جنس السبب ، مع احتمال الأولوية.
__________________
(١) النساء : ٩٢.
(٢) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٦٩ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١١٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨٩.
(٣) النساء : ٩٢.
(٤) كما في نهاية المرام ٢ : ٢٠٠.
وإطلاق النصوص ، منها الصحيحان ، والمرسل كالصحيح على الصحيح ؛ لكون الإرسال بالرجال الظاهر وجود ثقة فيهم ولو واحداً في ظاهر الحال ، وفي اثنين منها : « كلّ العتق يجوز له المولود إلاّ في كفّارة القتل ، فإنّ الله تعالى قال ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١) يعني بذلك : مقرّة قد بلغت الحَنث » (٢) فتأمّل.
وفي الثالث ، وهو صحيح : « لا يجوز في القتل إلاّ رجل ، ويجوز في الظهار وكفّارة اليمين صبي » (٣).
والأكثر على اشتراط الإسلام في سائر الكفّارات أيضاً ، بل في الانتصار وكشف الصدق (٤) للفاضل الإجماع عليه ؛ حملاً للمطلق على المقيّد وإن لم يتّحد السبب. وفيه نظر.
وللخبر : أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكاً مشركاً؟ قال : « لا » (٥) وأُجيب (٦) بضعف السند ، والقصور عن تمام المدّعى ، والمعارضة بالمثل ، وفيه : « إنّ عليّاً عليهالسلام أعتق عبداً له نصرانيّاً ، ثم أسلم حين أعتقه » (٧).
__________________
(١) النساء : ٩٢.
(٢) الكافي ٧ : ٤٦٢ / ١٥ ، التهذيب ٨ : ٣٢٠ / ١١٨٧ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٧ / ١٣٩ ، تفسير العياشي ١ : ٢٦٣ / ٢١٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٠ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٦. والحَنث : الإثم والذنب ، وبلغ الغلام الحنث أي المعصية والطاعة. الصحاح ١ : ٢٨٠.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢١ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٢ / ١٢٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٠ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٤.
(٤) الانتصار : ١٦٩ ، كشف الصدق : لم نعثر عليه.
(٥) الفقيه ٣ : ٨٥ / ٣١٠ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨٢ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٥ أبواب العتق ب ١٧ ح ٥.
(٦) انظر المسالك ٢ : ٨٩.
(٧) الكافي ٦ : ١٨٢ / ١ ، التهذيب ٨ : ٢١٩ / ٧٨٣ ، الإستبصار ٤ : ٢ / ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤ أبواب العتق ب ١٧ ح ٢.
ولقوله سبحانه ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١).
وأُجيب (٢) بمنع صدق الإنفاق على التكفير ؛ مضافاً إلى خروجه عن محلّ النزاع بملاحظة ما ذكره فيه أهل التفسير (٣).
وفي الجميع نظر ؛ لأنّ ضعف الأوّل بالشهرة منجبر ، كانجبار قصور الدلالة بها ، وبعدم القائل بالفرق فيمن تقدّم وتأخّر.
ومنه يظهر ضعف المعارضة بتلك الرواية ؛ لقصورها ولو كانت صحيحة ، مع أنّها ضعيفة بالبديهة عن المقاومة له وهو بهذه المثابة.
وأمّا الجواب عن الآية فمدفوع بقسميه بأنّ فيها نوع تعليق للحكم على الوصف المشعر بالعليّة ، والظاهر أنّها الخباثة من حيث هي هي مطلقا ، كانت لرداءة المال وقلّته أو لفساد العقيدة ، بل ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى بالعليّة في نحو المسألة ، المعتبر فيها قصد القربة بالإجماع والمعتبرة ، وأيّ قربة في عتق رقبة محادّة لجنابة سبحانه؟! فإنّه موادّة صرفة منعت عنها الآية الشريفة (٤) ، إلاّ أنّها في المشرك خاصّة ؛ لتصريح الآية الأُخرى (٥) بالجواز في أهل الذمّة ، المؤيّدة هنا بفعل عليّ عليهالسلام ، كما تضمّنته الرواية.
لكن يمكن الذبّ عن الاختصاص بعدم القائل بالفرق ، فإنّ كل من منع عن المشرك منع عن غيره أيضاً.
والمعارضة بالمثل هنا وإن أمكن ، إلاّ أنّ دفعها ممكن هنا جدّاً بعد
__________________
(١) البقرة : ٢٦٧.
(٢) كما في المسالك ٢ : ٨٩.
(٣) مجمع البيان ١ : ٣٨١ ، الصافي ١ : ٢٥٧ ، الكشّاف ١ : ٣١٤.
(٤) المجادلة : ٢٢ ، الممتحنة : ١.
(٥) الممتحنة : ٧.
اشتهار الأخذ بالآية الأُولى ، وهذا من أقوى المرجّحات نصّاً واعتباراً ، هذا.
ويدلُّ على اعتبار الإسلام في كفّارة الظهار صريحاً الصحيح الوارد فيه ، وفيه : « والرقبة يجزئ عنه صبي ممّن ولد في الإسلام » (١) ولو لا اعتباره لكان التقييد بمن ولد في الإسلام لغواً ، ولا قائل بالفرق جدّاً.
مضافاً إلى الخبر المعتبر الوارد في كفّارة الإفطار في رمضان ، وفيه : « من أفطر يوماً من شهر رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة » (٢).
والمعتبرين المتقدّمين في كفّارة المفطر يوماً نذره على التعيين من غير عذر ، وفيهما : « وتحرير رقبة مؤمنة » (٣).
فإذاً القول بالاشتراط أقوى ؛ مضافاً إلى التأيّد بلزوم تحصيل البراءة اليقينيّة في نحو المسألة ، وبما في الانتصار من أنّ في جعل الكافر حرّا تسليطاً له على مكاره أهل الدين والإيمان ، قال : وذلك لا يجوز (٤).
خلافاً للخلاف والمبسوط والإسكافي (٥) ، فلا يشترط ؛ للأصل والإطلاق. ويندفعان بما مر.
كما يندفع به ما مرّ من النصوص في صدر البحث (٦) ، وإن استدل بها ؛ لخروجها عن محلّه ، فإنّ غايتها إجزاء المولود فيما عدا القتل ، وهو
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٥٨ / ٢٢ ، التهذيب ٨ : ١٥ / ٤٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٩ أبواب الكفارات ب ٧ ح ١.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.
(٣) راجع ص ٤٢١ ، ٤٢٢.
(٤) الانتصار : ١٦٩.
(٥) الخلاف ٤ : ٥٤٣ ، المبسوط ٦ : ٢١٢ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٦٧.
(٦) راجع ص ٤٤٣.
غير إجزاء عتق الكافر ، فقد يكون المراد به المتولّد من المسلِميَن ، أو أحدهما ، وهو مجزٍ فيما عدا القتل قولاً واحداً في الظاهر ؛ لتلك النصوص ، ومطلقا على الأشهر.
خلافاً للإسكافي (١) فيه ، فالبالغ ؛ لظاهرها ، ويظهر من جماعة الميل إليه (٢).
ولا ريب أنّه أحوط ، بل ولا يبعد كونه أقرب ؛ للاحتياط ، واعتبار سند النصوص واستفاضتها ، ففي الخبر زيادة على ما مرّ في قول الله عزّ وجلّ ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٣) قال : « يعني مقرّة » (٤) المؤيد بظاهر الكتاب ؛ فإنّ المؤمن حقيقة فيمن صدر عنه الإيمان بنفسه ، لا من حكم بإيمانه للتبعيّة ، فالمصير إليه لا بدّ له من القرينة ، وهي في المقام مفقودة ، سوى الشهرة ، ولعلّها بمجرّدها لذلك غير كافية.
ولم نقف للمشهور على دلالة سوى ما في الخلاف من إطلاق الإيمان عليه ؛ لأنّه محكوم بإيمانه (٥).
وهو كما ترى ، فإنّ أقلّ ما فيه أنّ غايته الاستعمال ، وهو أعمّ من الحقيقة جدّاً ، مع أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر ، فلا عبرة به أصلا.
نعم في الخبر : الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجد ، كيف
__________________
(١) على ما نقله عنه في المختلف : ٦٦٧.
(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٨٩ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٥ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٠١.
(٣) النساء : ٩٢.
(٤) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٦٢ / ١٢٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧١ أبواب الكفارات ب ٧ ح ١٠.
(٥) الخلاف ٤ : ٥٤٤.
يصنع؟ فقال : « عليكم بالأطفال فأعتقوهم ، فإن خرجت مؤمنة فذاك ، وإلاّ فليس عليكم شيء » (١).
وفي سنده ضعف ، وفي الدلالة قصور ؛ لاختصاصه بحال الضرورة ، ومع ذلك قاصر عن المقاومة لما مرّ ، لكن لجبر جميع ذلك بالشهرة وجه ؛ مضافاً إلى عدم القائل بالفرق بين حالتي الاختيار والضرورة ، وليس في الرواية نفي الجواز في غيرها ، والأحوط ما ذكرناه.
ثم من النهي عن إنفاق الخبيث يظهر اشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ هنا ، وقوّاه في القواعد (٢) ، وولده في شرحه حاكياً ذلك عن الحلّي وعلم الهدى (٣) ، وخطّأه في الحكاية الفاضل الصيمري مدّعياً الإجماع على عدم الاشتراط ، وأنّ فتواهما باعتبار الإيمان إنّما هو لكفر المخالف عندهما بالكفر المقابل للإسلام ، مؤيّداً ذلك بشهادة سياق عبارتهما به.
وهو حسن ، إلاّ أنّ لفخر الإسلام كالفاضل المقداد (٤) المشارك له في الحكاية الاعتراض باستفادتها من الدليل الذي أثبتا به اشتراط الإيمان ولو بالمعنى الذي عندهما ، وهو النهي عن إنفاق الخبيث والاحتياط ، ولا ريب في جريانه هنا ولو قالا بإسلامه ؛ لخبثه إجماعاً ، وتحقق الاحتياط بحصول الشبهة فيه من الخلاف أو الأدلّة والأمارات جدّاً ، فلا اعتراض له عليهما أصلاً ، ولذا صار اعتباره قويّاً وإن كان خلاف ما عليه أكثر أصحابنا ، إلاّ أن يتمّ ما ادّعي من الإجماع.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٩٣ / ٣٤٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٩ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٣.
(٢) القواعد ٢ : ١٤٥.
(٣) إيضاح الفوائد ٤ : ٨٥ ، وهو في السرائر ٣ : ٧٣ ، وانظر الانتصار : ١٦٩.
(٤) التنقيح الرائع ٣ : ٤٠١.
نعم في الصحيح : الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال : « نعم » (١) لكنه غير صريح في المستضعف من العامة ، فيحتمل كونه من الشيعة خاصّة ، ولا في كونها في الكفّارة ، فيحتمل العتق المطلق.
وكيف كان فلا ريب أنّ ما ذكرناه أحوط ، إن لم يكن أقوى.
وممّا ذكر يظهر عدم إجزاء عتق المسبيّ من أطفال الكفّار ، وإن انفرد به السابي المسلم عن أبويه ، وفاقاً للتحرير (٢) ، وفي المسالك أنّه المشهور (٣) ، خلافاً للشهيد وجماعة (٤) ، بناءً على حكمهم بإسلامه بالتبعية ، كحكمهم بإسلام ولد الزناء بها.
وفيه بعد تسليمه أنّه لا يلازم جواز التكفير ؛ لاعتبار الإيمان فيه حقيقةً لا تبعاً ، كما مضى ، خرج عنه صبيّ المسلم بما مرّ ، ويبقى الباقي.
مضافاً إلى الصحيح المتقدّم في الظهار (٥) ، المعتَبر في عتق الولد الولادة في الإسلام ، وهي غير حاصلة في أولاد الكفّار.
كلّ ذا فيما عدا الحمل ، وأمّا فيه فلا يجوز مطلقا قولاً واحداً ؛ لعدم إطلاق المولود والصبي عليه جدّاً ، فيقتصر فيما خالف الأصل على المتيقن.
( و ) يعتبر ( أن تكون سليمة من العيوب التي تعتق بها ) وهي
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٨٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨١ ، الوسائل ٢٣ : ٣٣ أبواب العتق ب ١٧ ح ١.
(٢) التحرير ٢ : ١١٠.
(٣) المسالك ٢ : ٩٠.
(٤) الدروس ٢ : ١٨٢ ؛ وانظر المبسوط ٢ : ٢٣ ، و ٦ : ٢١٢ ، حكاه عنهما في المسالك ٢ : ٩٠.
(٥) راجع ص ٤٤٥.
العمى ، والإقعاد والجذام ، والتنكيل الصادر من المولى ، بلا خلاف ، وبه صرّح في المبسوط والخلاف (١) في العمى.
ولا شبهة فيه ؛ لانعتاقه بمجرّد حصول هذه الأسباب ، على المشهور ، فلا يتصوّر إيقاع العتق عليه ثانياً.
وللخبر ، بل الموثق : « لا يجزئ الأعمى في الرقبة ، ويجزئ ما كان منه مثل الأقطع ، والأشلّ ، والأعرج ، والأعور ، ولا يجزئ المقعد » (٢) ونحوه آخر (٣) في سنده وهب بن وهب. ويلحق الباقي بعدم القائل بالفرق.
ويستفاد منهما ومن العبارة كغيرها ظاهراً عدم اشتراط السلامة من غيرها من العيوب ، فيجزئ الأعور ، والأعرج ، والأقرع ، والخصيّ ، والأصمّ ، ومقطوع إحدى الأُذنين واليدين ، ولو مع إحدى الرجلين ، والمريض وإن مات في مرضه ، وهو المشهور ، بل في المبسوط والخلاف (٤) في الأعور عليه الإجماع صريحاً ، وفي المسالك (٥) كالأوّل في المجموع ظاهراً ، إلاّ أنّ الشيخ في الكتاب المزبور نفي الخلاف عن المنع أوّلاً ، ولذا عدّ منه الاختلاف المزبور غريباً (٦) ، وليس في محلّه ؛ لتصريحه أخيراً بأنّ نفي الخلاف الذي ادّعاه سابقاً إنّما هو بين الناس
__________________
(١) المبسوط ٦ : ٢١٢ ، الخلاف ٤ : ٥٥١.
(٢) التهذيب ٨ : ٣١٩ / ١١٨٦ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٧ أبواب الكفارات ب ٢٧ ح ٢.
(٣) الكافي ٦ : ١٩٦ / ١١ ، الفقيه ٣ : ٨٥ / ٣١١ ، التهذيب ٨ : ٢٣٠ / ٨٣٢ ، قرب الإسناد : ١٥٨ / ٥٧٩ ، المقنع : ١٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٩٧ أبواب الكفارات ب ٢٧ ح ١.
(٤) المبسوط ٦ : ٢١٢ ، الخلاف ٤ : ٥٥١.
(٥) المسالك ٢ : ٩٠.
(٦) نهاية المرام ٢ : ٢٠٢.
لا عندنا.
وكيف كان فالجواز مطلقا هو المذهب ؛ لما مرّ من الإطلاق.
خلافاً للإسكافي (١) في الناقص في الخلقة (٢) ببطلان الجارحة إذا لم تكن في البدن سواها ، كالخصي والأصمّ والأخرس ، دون الأشلّ من يد واحدة ، والأقطع منها. وهو شاذّ ، ومستنده غير واضح ، هذا.
وفي المسالك الإجماع على الجواز إن لم تنقص ماليّته ولا تخلّ باكتسابه ، كقطع بعض أنامله ، ونقصان إصبع من أصابعه ، ونحو ذلك (٣).
( وهل يجزئ المدبّر؟ قال ) الشيخ ( في النهاية : لا ) (٤) للصحيح : في رجل جعل لعبده العتق إن حدث به حدث ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفّارة يمين أو ظهار ، أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة عليه؟ قال : « لا » (٥) ونحوه الموثق ، إلاّ أنّ فيه بدل أيجزئ عنه « أله أن يعتق عبده » الخبر (٦).
( و ) قال ( في غيرها ) وهو المبسوط (٧) ، وربما أشعرت العبارة بجميع كتبه ، وهو ظاهر في الرجوع عن المنع إلى القول ( بالجواز ، وهو أشبه ) وأشهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر ؛ للإطلاق ، مع عدم المانع
__________________
(١) كما نقله عنه في المختلف : ٦٧٠.
(٢) في الأصل زيادة : و ، والأنسب ما أثبتناه من المصدر.
(٣) المسالك ٢ : ٩٠.
(٤) النهاية : ٥٦٩.
(٥) التهذيب ٨ : ٢٥ / ٨١ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٣ أبواب الكفارات ب ٩ ح ٢.
(٦) الفقيه ٣ : ٧٢ / ٢٥٢ ، التهذيب ٨ : ٢٦٥ / ٩٦٧ ، الوسائل ٢٣ : ١٣١ أبواب التدبير ب ١٢ ح ١.
(٧) المبسوط ٦ : ٢١٣.
صريحاً ؛ لاحتمال الخبرين المتقدمين الإعتاق عنه بعد الموت ، ولا خلاف حينئذٍ ؛ للصحيح : عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث لسيّده حدث الموت ، فمات السيّد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفّارة ، أيجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان السيّد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ قال : « لا » (١) هذا.
مع استفاضة المعتبرة بكون التدبير وصيّة يجوز التصرف فيها بنحو البيع والعتق ، ففي الصحيحين « هو مملوكه ، إن شاء باعه ، وإن شاء أمسكه حتى يموت ، فإذا مات السيد فحرٌّ من ثلثه » (٢) وهما نصّ في المطلوب.
وفي الانتصار الإجماع على جواز بيعه (٣) ، وعليه يدل الخبران أيضاً وكثير من المعتبرة ، وبفحوى ذلك يستدل على جواز الإعتاق بالأولوية ، كيف لا؟! وهو إحسان محض ، بخلاف البيع.
كلّ ذا مع عدم نقض التدبير أوّلاً ، وأمّا بعده فله الإعتاق قولاً واحداً.
ومن بعض ما مرّ ينقدح الوجه فيما عليه الأكثر من إلحاق المكاتب المشروط قبل الإيفاء ، والمطلق الذي لم يؤدّ شيئاً ، بالمدبّر.
خلافاً للخلاف (٤) فجعل المنع أظهر. ومستنده بعدُ لم يظهر ، سوى
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٩٤ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٣١ / ٧٣٧ ، الوسائل ٢٢ : ٣٧٢ أبواب الكفارات ب ٩ ح ١.
(٢) الأول في : الكافي ٦ : ١٨٥ / ٩ ، التهذيب ٨ : ٢٥٩ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٧ / ٩٠ ، الوسائل ٢٣ : ١١٥ أبواب التدبير ب ١ ح ١.
والآخر في : الكافي ٦ : ١٨٤ / ٧ ، التهذيب ٨ : ٢٥٩ / ٩٤٢ ، الإستبصار ٤ : ٣٠ / ١٠٢ ، الوسائل ٢٣ : ١٢٦ أبواب التدبير ب ٨ ح ٣.
(٣) الانتصار : ١٧٢.
(٤) الخلاف ٤ : ٥٤٤.
ما ذكر له الماتن في الشرائع (١) من نقصان الرقّ. وضعفه أظهر من أن يسطر ، فالأوّل أظهر.
أمّا المطلق المؤدّي لوجه الكتابة ولو بعضاً فلا يجوز قولاً واحداً.
( و ) كذا ( يجزئ الآبق ما لم يعلم موته ) وفاقاً للنهاية (٢) ، وتبعه الأكثر ، بل عن الحلّي الإجماع عليه (٣) ؛ للصحيح : عن رجل أبق منه مملوكه ، يجوز له أن يعتقه في كفّارة الظهار؟ قال : « لا بأس به ما لم يعرف منه موتاً » (٤).
وفي الاستدلال به نظر ؛ لوجود : « ما علم أنّه حيّ مرزوق » بدل « ما لم يعرف » في لفظ آخر مروي في الكافي (٥) ، وهو أضبط ، إلاّ أن يرجّح الأوّل بالشهرة وما ذكره الحلّي تبعاً للشيخ من أنّه يدل على ذلك أخبار أصحابنا المتواترة. مع أنّه بنفسه حجّة مستقلّة.
ويمكن الاستدلال عليه بأصالة البقاء ، ولذا يجري عليه وعلى أمثاله أحكام الأحياء ، وهو وإن أمكن فيه المناقشة بالمعارضة بأصالة بقاء شغل الذمّة ، لكنّها بالإضافة إلى الأصالة الاولى مرجوحة من حيث اعتضاد تلك بالشهرة ، مع أنّها مجمع عليها ولو في الجملة.
خلافاً للخلاف (٦) ، فقيّد الجواز بالعلم بالحياة. وحجّته من الأصل
__________________
(١) الشرائع ٣ : ٧١.
(٢) النهاية : ٥٦٩.
(٣) السرائر ٢ : ٧١٨.
(٤) الكافي ٦ : ١٩٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٨٦ / ٣١٤ ، التهذيب ٨ : ٢٤٧ / ٨٩٠ ، الوسائل ٢٣ : ٨٣ أبواب العتق ب ٤٨ ح ١.
(٥) لم نعثر على هذا اللفظ الآخر في الكافي ، نعم قد أُشير في هامش الوسائل إلى أنّه يوجد في هامش المخطوط : في نسخة : « ما علم أنّه حيّ مرزوق ».
(٦) الخلاف ٤ : ٥٤٧.
والصحيحة بتقدير النسخة الثانية بما ذكرناه مردودة.
ولثالث ، ففصّل بين صورتي الظن بالبقاء فالأوّل ، والشك فيه فالثاني ، اختاره الفاضل المقداد في التنقيح (١) ، تبعاً لشيخنا في المختلف (٢).
ويأتي فيه ما مرّ في طرف الشك وزيادة في طرف الظن ؛ إذ لا دليل على اعتباره في نحو المقام من الموضوعات ، فلا وجه لتخصيص أدلّة المنع والجواز مع عمومها للصورتين.
( و ) كذا ( أُمّ الولد ) مطلقا ، مات ولدها أم لا ، إجماعاً في الأوّل ، وبلا خلاف إلاّ من الإسكافي (٣) في الثاني ؛ للخبر : « أُمّ الولد تجزئ في الظهار » (٤) ولا قائل بالفصل.
ولبقاء الملك وإن امتنع البيع على بعض الوجوه ، وهو غير ملازم لانتفائه رأساً ، ولذا صحّ بيعها في وجه إجماعاً ، وعتقها تبرّعاً كذلك ، كما حكي (٥).
وكذا ولد الزناء بعد بلوغه وإسلامه ، وفاقاً للأكثر ، بل إجماعاً ، كما عن الشيخ في المختلف (٦) ، وهو الحجّة فيه.
مضافاً إلى الخبر : « لا بأس أن يعتق ولد الزناء » (٧) وهو عام في
__________________
(١) التنقيح ٣ : ٤٠٤.
(٢) المختلف : ٦٠٤.
(٣) حكاه عنه في التنقيح ٣ : ٤٠٤.
(٤) الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٦٩ أبواب الكفارات ب ٧ ح ٢ وفيه : الولد يجزئ ..
(٥) انظر المسالك ٢ : ٩١.
(٦) المختلف : ٦٦٩ ، وانظر الخلاف ٤ : ٥٥٢.
(٧) الكافي ٦ : ١٨٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٨٦ / ٣١٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٨ / ٧٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٢ أبواب العتق ب ١٦ ح ١.
الكفّارات وغيرها.
خلافاً للإسكافي والسيّد (١) ؛ للإجماع. وهو موهون بمصير الأكثر إلى الخلاف ، ومعارض بالإجماع المتقدّم الذي هو أرجح منه بلا ارتياب.
وللنهي عن إنفاق الخبيث. وهو حسن إن سلّم الخباثة ، لكنّها بعد الإسلام محلّ مناقشة.
( وأمّا الصيام : فيتعيّن مع العجز عن الرقبة ) ولو أدناها ( في المرتّبة ) ويتحقق بفقد ما مرّ من أسباب القدرة ، ومنه الاحتياج إلى الثمن للنفقة والكسوة له ولعياله الواجبي النفقة ، ووفاء دينه وإن لم يطالب به.
وهل المعتبر في النفقة الكفاية على الدوام ، بأن يملك ما يحصل من نمائه ما يقوم بكفايته في كلّ سنة ، أو قوت السنة ، أو اليوم والليلة فاضلاً عمّا يحتاج إليه في الوقت الحاضر من الكسوة والأمتعة؟ أوجه.
واستوجه الأخير جماعة (٢) ، وفاقاً للدروس (٣) ، ولعلّه لصدق الوجدان لغةً.
ويعارض بعدم الصدق عرفاً وعادةً ، وهو الأرجح حيثما حصل بينهما معارضة ، مع التأيّد بأصالة البراءة ، والأولوية المستفادة من نفي الزكاة التي هي أعظم الفرائض بعد الصلاة عن مثله بالإجماع والأدلّة.
مع منافاة الوجوب حينئذٍ للملّة السهلة السمحة ، واستلزامه العسر والحرج في الشريعة المحمّديّة ، على المتصدّع بها ألف صلاة وسلام
__________________
(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٧٠ ، السيد في الانتصار : ١٦٦.
(٢) منهم الشهيد في المسالك ٢ : ٩٦ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٠٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٦٦.
(٣) الدروس ٢ : ١٨٠.
وتحيّة ، فالقول بذلك بعيد غايته ، كالقول الأوّل.
فإذاً الأوسط أوجه ، وإن كان الأخير أحوط ؛ للاتفاق في الظاهر على صحة العتق من المتكلّف العادم إلاّ في بعض الوجوه المستلزم للنهي عنه ، المفسد له لكونه عبادة ، ومثّل (١) بما إذا كان له دين طولب به ، وهو حسن إن وجد نهي عن العتق من الخارج ، وإلاّ فالمطالبة بمجرّدها وإن أُمر بها غير صالحة للنهي عنه ؛ لما تقرّر من أنّ الأمر بالشيء لا يستلزم النهي عن ضدّه ، والممثِّل معترف به.
( ولا تباع ثياب البدن ولا المسكن في الكفّارة إذا كان ) كل منهما ( قدر الكفاية ) اللائقة بحاله ( و ) كذا ( لا ) تباع ( الخادم ) إذا كان كذلك ، بلا خلاف أجده ، وهو الحجّة فيه ، مع بعض ما مرّ.
مضافاً إلى الأولوية المستفادة من استثنائها في الدين بلا خلاف ، فإنّ ثبوته فيه مع كونه حقّ الناس الذي هو أعظم من حقّ الله سبحانه مستلزم لثبوته في حقه تعالى كما هنا بطريق أولى ، كما هو واضح لا يخفى.
مضافاً إلى التأيّد بالصحيح : عن الرجل له دار أو خادم أو عبد ، يقبل الزكاة؟ قال : « نعم ، إنّ الدار والخادم ليسا بمال » (٢) فتدبّر.
( ويلزم الحرّ في كفّارة قتل الخطاء والظهار ) بعد العجز عن العتق ( صوم شهرين متتابعين ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع كما في كلام جماعة (٣) ، وهو الحجّة ؛ مضافاً إلى صريح الكتاب والسنّة.
__________________
(١) انظر المسالك ٢ : ٩٦.
(٢) الكافي ٣ : ٥٦١ / ٧ ، الفقيه ٢ : ١٧ / ٥٦ ، التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٢.
(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٩٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٢١٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٦.
ثم إن ابتدأ في الصوم من الهلال اعتبر الشهر الهلالي وإن نقص ، بلا خلاف ؛ لأنّه المراد شرعاً ، بل وعرفاً عند الإطلاق ، إلاّ أن يمنع مانع من حمله عليه.
وإن شرع فيه في الأثناء أتمّ العدد ثلاثين يوماً ؛ لعدم إمكان حمله على الهلالي ، فلو وجب عليه شهران وشرع في الأثناء احتسب الثاني بالهلال ، وأكمل الأوّل من الثالث ثلاثين يوماً.
وقيل : بل يكمله منه بقدر ما فات من أوّله ؛ لإمكان اعتبار الهلال فيه (١).
وقيل : مع انكسار الأوّل ينكسر الجميع ، ويبطل اعتبار الأهلّة ؛ لأنّ الثاني لا يدخل حتى يكمل الأوّل (٢). وهو أحوط ، وإن كان الأوّل أشهر ، والثاني أظهر ؛ لظواهر النصوص.
ومظهر الثمرة ما لو صام من آخر رجب يوماً وهو ناقص ، ثم أتبعه بشعبان وهو كذلك ، فيقضي تسعة وعشرين على الأوّل ، وناقصاً منه بواحد على الثاني ، وينتفي التتابع على الثالث في محلّ الفرض ؛ لكون الذي صامه ثلاثين ، وهو نصف ما عليه ، وفي غيره بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان صحّ التتابع إن صام بعد العدد يوماً ، ولكن يصوم معه ثلاثين ، وذلك واضح.
( و ) أمّا ( المملوك ) فالأشهر الأظهر ، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر أنّ عليه ( صوم شهر ) التفاتاً إلى الأصل ، وقاعدة التنصيف الثابتة بالاستقراء ، واستناداً إلى المعتبرة في الظهار ، مع عدم القائل بالفرق ، منها
__________________
(١) المبسوط ٥ : ١٧٣.
(٢) حكاه في المختلف : ٦١٦ عن بعض الشافعية.
الصحيح : « الحرّ والمملوك سواء ، غير أنّ على المملوك نصف ما على الحرّ من الكفّارة ، وليس عليه صدقة ولا عتق ، إنّما عليه صيام شهر » (١).
ونحوه بعينه خبران آخران (٢) ، إلاّ أنّ في سند أحدهما محمّد بن حمران ، وفي الآخر سهل بن زياد ، والأوّل وإن اشترك بين الثقة والضعيف ، إلاّ أنّ الراوي عنه في سند الفقيه ابن أبي عمير ، والثاني وإن ضعف على المشهور ، إلاّ أنّه سهل ، مع أنّه عند جمع من المحققين ثقة (٣).
ومع ذلك قصورهما بالشهرة وما قدّمناه من الأصلين منجبر ، فيخصّ بهما مع الصحيح المتقدّم عموم الكتاب لو كان ، مع أنّه محلّ نظر عند جمع من الأعيان (٤) ، وهو ظاهر لا يحتاج إلى بيان.
ومن هنا يظهر ضعف المحكي عن الحلبي وابن زهرة والحلّي (٥) من اتحاده مع الحرّ ، وحجّتهم.
ثم إنّ التتابع هنا ليس المراد منه معناه المفهوم منه لغةً وعرفاً ( فإذا صام الحرّ شهراً ومن الثاني شيئاً ولو يوماً أتمّ ) إجماعاً منّا ، حكاه جماعة
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٥٥ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٤٣ / ١٦٤٧ ، التهذيب ٨ : ٩ / ٢٨ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٣ أبواب كتاب الظهار ب ١٢ ح ٢.
(٢) أحدهما في : الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٣ ، الفقيه ٣ : ٣٤٦ / ١٦٦١ ، التهذيب ٨ : ٢٤ / ٧٩ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٣ أبواب كتاب الظهار ب ١٢ ح ١.
والآخر في : الكافي ٦ : ١٥٦ / ١٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢٤ أبواب كتاب الظهار ب ١٢ ح ٣.
(٣) كالشيخ في رجاله : ٤١٦ ؛ وانظر الوسائل ٣٠ : ٣٨٩.
(٤) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام ٢ : ٢٠٧ ، وصاحب الكفاية : ٢١٦.
(٥) الحلبي في الكافي : ٣٠٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٣ ، الحلي في السرائر ٣ : ٧٤.
من أصحابنا (١) ، للصحاح ، منها : « التتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر أيّاماً أو شيئاً منه ، فإن عرض له شيء يفطر منه أفطر ، ثم قضى ما بقي عليه ، وإن صام شهراً ثم عرض له شيء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئاً فلم يتابع فليُعِد الصوم كلّه » الخبر (٢).
والأكثر على جواز التفريق بعد ذلك اختياراً من دون إثم ؛ للأصل ، وظاهر الصحيح المعرب عن كون التتابع المأمور به هو ذلك.
خلافاً للمفيد والحلّي وابن زهرة في الغنية والمرتضى في الانتصار (٣) ، مدّعيين عليه الإجماع ، وحكي عن الحلبي (٤) ، فيأثم ، ولعلّهم نظروا إلى اشتراط عروض الشيء في الرخصة في الإفطار في الصحيح المزبور ، الكاشف عن كون المراد من التتابع المعرَّف فيه بصوم شهر ويوم من الثاني : التتابع المجزئ ، وهو غير ملازم لجواز التفريق بعده ، وإلاّ لما كان لاشتراط العروض في رخصة الإفطار وجه.
وأظهر منه الموثّق كالصحيح : الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرّق بين الأيّام؟ فقال : « إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٩٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٤٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٦٦.
(٢) الكافي ٤ : ١٣٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٨٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٩.
(٣) المفيد في المقنعة : ٥٦٩ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٧٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، المرتضى في الانتصار : ١٦٧.
(٤) الكافي في الفقه : ١٨٩.
الصيام » (١).
ويمكن الجواب بأنّ الظاهر من العارضة فيهما ما لم يبلغ حدّ الضرورة المرخّصة لترك الواجب ، وإلاّ فلا فرق بين صورتي الإفطار قبل التتابع بالمعنى المتقدّم وبعده معها ، إجماعاً ونصّاً ، والحال أنّهما فرّقا بينهما.
فعلى هذا يجب حمل البأس المستفاد من مفهومهما على الكراهة ، أو استحباب المتابعة ، مع أنّ البأس المفهوم في الثانية أعمّ من الحرمة ، فيرجع في مثله إلى أصالة البراءة النافية لها ، فما عليه الأكثر أقوى لولا ما مرّ من الإجماعين المتقدّمين المعتضدين بفتاوى كثير من القدماء.
وكيف كان الاحتياط لا يخفى ، سيّما لمن لا يرى العمل بأخبار الآحاد ؛ لظهور الآية (٢) في الأمر بالمتابعة العرفية الظاهر في الوجوب ، ولا معارض سوى الإجماع على إجزاء التتابع بالمعنى المتقدّم ، وهو غير ملازم للرخصة في ترك المتابعة المأمور بها في الآية ، ولعلّ ذلك هو المنشأ لفتوى الحلّي بالوجوب (٣) ، وهو حسن على أصله الغير الحسن.
وفي تحقّق التتابع بخمسة عشر يوماً في الشهر الواحد كفرض العبد والناذر قولان ، أشهرهما ذلك ؛ لخبرين وردا في الأخير ، ففي أحدهما : في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوماً ثم عرض له أمر ، فقال : « جائز له أن يقضي ما بقي عليه ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٣٨ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ / ٨٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٣ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٥.
(٢) النساء : ٩٢ ، المجادلة : ٤.
(٣) السرائر ٣ : ٧٦.