هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

بالقبول. وكذا (١) القابل إذا لم يقبل إلّا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك ، فإنّه يجب على الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة ، فتأمّل (٢).

______________________________________________________

القبول أيضا لغوا ، فلا يتم العقد الذي هو موضوع الأثر.

(١) المفروض في مثال الموالاة اعتقاد الموجب باعتبارها ، واعتقاد القابل بعدمها ، فإنّه إذا تخلّل الفصل بين الإيجاب والقبول لم يجز للموجب ترتيب الأثر على هذا العقد ، لعدم تحقق عنوان المعاهدة بنظره.

(٢) لعلّه إشارة إلى المناقشات التي ذكرناها في التعليقة في قسم الشروط فراجعها (*).

__________________

(*) تنقيح البحث في هذا الفرع منوط ببيان الوجوه والاحتمالات المتصورة في اختلافهما في الشروط ، فنقول وبه نستعين : إنّ الشرط المختلف فيه تارة يكون عرفيّا بمعنى اختلافهما في كونه دخيلا في مفهوم العقد عرفا كالقصد إلى مدلول العقد ، والموالاة والتنجيز بناء على كونهما من الشرائط المقوّمة لمفهوم العقد العرفي ، بأن يكون القائل باعتبارهما مدّعيا لتقوّم العقد العرفي بهما ، والقائل بعدم اعتبارهما منكرا لذلك. وأخرى يكون شرعيّا.

وعلى الأوّل قد يكون دليل الشرط المختلف فيه لبّيّا ، وقد يكون لفظيّا.

وثالثة قد يكون العقد الفاقد للشرط المختلف فيه فاسدا عند الكل ، كما إذا فرضنا عدم القائل بسببية العقد المركّب من الإيجاب العربي المتأخر ، والقبول الفارسي المتقدّم. وقد يكون صحيحا بنظر أحدهما دون الآخر كالعقد الملتئم من الإيجاب العربي المتقدم ، والقبول الفارسي المتأخّر ، فإنّه صحيح عند القائل منهما بعدم اعتبار العربية.

ورابعة قد يكون بطلان رأي الطرف معلوما للطرف الآخر ، وقد يكون مظنونا له بالظن الاجتهادي. فإن كان بطلان العربية مثلا معلوما للطرف الآخر صحّ العقد ،

٦٢١

.................................................................................................

__________________

وإن كان مظنونا بطل.

وخامسة قد يكون المستند في نفي شرطيّة ما رآه أحد المتعاقدين شرطا أمارة ، وقد يكون المستند فيه أصلا.

وسادسة : أنّ اختلاف المتعاقدين قد يكون موجبا لفساد الجزئين كالتعليق ، فإنّ قبول الإيجاب المعلّق قبول تعليقي ، وكالترتيب القائم بكلا الجزئين. فصور المسألة كثيرة.

الأولى : ما إذا كان الاختلاف في الشرط العرفي كالتنجيز والموالاة. وحكمها الرجوع إلى العرف في أنّه هل يصدق عليه مفهوم العقد عرفا أم لا. فعلى تقدير الصدق يكون صحيحا ، لأنّه عقد عرفي يشمله مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وعلى فرض عدم الصدق أو الشّك فيه لا وجه للصحة ، لعدم شمول دليل الصحة له ، إمّا للقطع بعدم موضوعه ، أو الشّك فيه ، ومقتضى أصالة الفساد عدم الصحة.

الثانية : ما إذا كان دليل الشرط لبّيّا كالإجماع ، فإنّ المتيقن من الإجماع هو غير صورة الاختلاف الناشئ عن الاجتهاد كاعتبار العربية ، فإنّ الوجه فيه ـ كما قيل ـ هو الإجماع ، فيقتصر على المتيقن المزبور ، ويرجع في صورة الاختلاف إلى عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد ، فيحكم بصحّته.

ومثل الدليل اللّبّي الدليل اللّفظي المجمل ، فإنّ المتيقن منه هو غير صورة اختلاف المتعاقدين اجتهادا أو تقليدا. نعم إذا كان للدليل إطلاق فيبتني على اعتباره حتى في صورة الاختلاف.

الثالثة : ما إذا كان العقد فاسدا عند الكل ، كالعقد المركّب من الإيجاب العربي المتأخّر والقبول الفارسي المتقدّم ، وفرضنا عدم قائل بصحته ، لأنّ كلّا من القائلين باعتبار العربية وعدمه يقول بفساد هذا العقد. أمّا القائل باعتبار العربيّة فلفقدان العربية. وأمّا القائل بعدم اعتبارها فلفقدان الترتيب ، هذا.

٦٢٢

.................................................................................................

__________________

ونظير ذلك ما ذكره جمع من محشّي العروة من أنّه إذا كان هناك مجتهدان متساويان ، وكان أحدهما يرى عدم وجوب السورة ، ولا يرى الاجتزاء بمرّة واحدة في التسبيحات الأربع. والآخر يرى الاكتفاء بها ، ولكنّه يرى وجوب السورة ، فقلّد العامي كلّا منهما في فتواه فصلّى بغير السورة مقتصرا على المرّة الواحدة في التسبيحات الأربع ، فإنّ هذه الصلاة ـ بعد فرض انحصار المجتهد في الدنيا بهما ـ باطلة عند الكل.

ولكن فيه : أن مثل هذا الإجماع لا يصلح للاستناد إليه لعدم توارد أقوال المجمعين على عنوان واحد ، بل كلّ أفتى بعنوان غير العنوان الذي أفتى به صاحبه ، ويخطّئ كلّ من المفتيين صاحبه في الفتوى ، فمورد الإجماع عنوان انتزاعي ، لأنّه ينتزع عن كل واحدة من الفتويين المتعلّقتين بعنوانين مختلفين كالعربية والترتيب ، فالمرجع هو عموم دليل الصحة بعد وضوح استناد كل من المتعاقدين إلى حجّة.

والمصنف قدس‌سره جعل الفساد في هذا العقد ـ الذي لا قائل بصحّته ـ أردء الوجوه ، ولعلّه لما عرفته آنفا.

وكذا الحال في نظيره المتقدّم عن جمع ، وأنّ الصحيح ما ذهب إليه السيّد قدس‌سره في العروة (١) ، من أن المقلّد يجتزئ بالصلاة المذكورة ، لاستناده ـ في كلا عملية ـ إلى حجّة شرعية ، وهي فتوى من يقلّده.

والمقام أيضا كذلك ، لأنّ كلّا من المتعاقدين مستند إلى حجة شرعية سواء أكان هناك قائل بصحة العقد المركّب أم لا.

وأمّا إذا كان العقد صحيحا بنظر أحدهما دون الآخر كالعقد الملتئم من الإيجاب العربي المتقدم والقبول الفارسي المتأخر ـ حيث إنّه صحيح عند القابل المنكر لاعتبار العربية ، وفاسد عند الموجب القائل باعتبارها ـ فابتنى المصنف قدس‌سره صحّة العقد وفساده على كون الأحكام الظاهرية أعذارا صرفة أو أحكاما واقعية ثانوية اضطرارية ، كإشارة

__________________

(١) : العروة الوثقى ، ج ١ ، ص ٢٤ ، المسألة : ٦٥ من مسائل التقليد.

٦٢٣

.................................................................................................

__________________

الأخرس ، والعاجز عن العربية ، وتيمّم المعذور عن الطهارة المائية.

فعلى الأوّل يختص الحكم الظاهري بمن قامت عنده الأمارة دون غيره ، فيبطل العمل بالنسبة إلى غيره الذي لا يقول بالصحة. فمن لا يعتبر العربية ـ ولذا ينشئ الإيجاب بالفارسية ـ لا يترتب عليه أثر عند القابل الذي يعتبر العربية ، ولا يجوز له أن يجتزئ بالإيجاب الفارسي ، فيكون العقد فاسدا.

وعلى الثاني لا يختصّ به ، بل يكون نافذا في حق غير من قامت عنده الأمارة أيضا ، فإجتهاد كل مجتهد نافذ بالنسبة إلى مجتهد آخر أيضا. وعليه فيصح العقد المؤلّف من الإيجاب الفارسي والقبول العربي ، لنفوذ الاجتهاد المؤدّي إلى عدم اعتبار العربية بالنسبة إلى من لم يؤدّ اجتهاده إلى اعتبارها.

وبالجملة : فبناء على الموضوعية في الأمارات يصح العقد المزبور ، وبناء على الطريقية لا يصح ، هذا.

ولكن فيه : أنّ مجرّد البناء على السببية والطريقيّة لا يوجب صحّة العقد في الأوّل وفساده في الثاني ، بل لا بدّ من ملاحظة دليل الاعتبار. فإن كان مقتضاه عموم تنزيل مؤدّيات الأمارات منزلة الأحكام الواقعية لغير من قامت عنده الأمارة ، أو عموم العذر كذلك اقتضى ذلك صحّة العقد. وإن لم يكن لدليل الأمارة عموم أو إطلاق اختصّ الحكم أو العذر بمن قامت عنده الأمارة ، فلا يصحّ العقد المزبور مطلقا وإن قلنا بسببية الأمارات لا طريقيتها.

والحاصل : أنّ مجرّد السببيّة لا يستلزم صحة العقد ـ الملتئم من الإيجاب الفارسي والقبول العربي ـ عند القابل القائل باعتبار العربية في العقد. وكذا لا يستلزم مجرّد الطريقية فساد العقد المذكور.

فالحقّ أن يقال : إنّ دليل اعتبار الأمارة إن أحرز عمومه لغير من قامت لديه فلا إشكال في الإجزاء كإمامة المتيمّم للمتوضئ مثلا وإن أحرز عدم عمومه له

٦٢٤

.................................................................................................

__________________

فلا ينبغي الإشكال في عدم الاجتزاء. وإن كان مجملا فمقتضى الأصل عدم الاكتفاء ، إذ المتيقن اختصاص مؤدّى الأمارة على كلّ من السببية والطريقية بمن قامت عنده.

وعليه فمقتضى أصالة الفساد فساد العقد المزبور ، إلّا إذا قام دليل خاص على جواز اجتزاء غير من قامت عنده الأمارة به ، كصحة ايتمام المتطهّر المائي بالمتطهّر الترابي ، للنصوص الدالة على ذلك ، كموثق ابن بكير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب ثم تيمّم فأمّنا ونحن طهور؟ فقال : لا بأس به» (١) وقريب منه غيره.

وكحرمة تزويج المعقودة بالفارسي على من يرى فساد العقد بالفارسي ، لما دلّ على «أنّ لكلّ قوم نكاحا» حيث إنّه يشمل نكاح المؤمن المعتقد لصحّة العقد الفارسي بالأولويّة ، بعد أن شمل نكاح أهل الأديان الفاسدة.

مضافا إلى : صدق ذات البعل عرفا عليها. والبعد عن مذاق الشارع من أن يجوّز تزويج زوجة الغير بمجرّد اجتهاده ، هذا.

الرابعة : التفصيل بين القطع بالخلاف والظن المعتبر ، كما إذا قطع مجتهد بفساد العقد الفارسي ، فلا يصح العقد المؤلف من الإيجاب العربي والقبول الفارسي ، ويصحّ إن كان ظانّا بفساده.

وقد ذكره السيّد قدس‌سره في حاشيته على المتن في مسألة تبدل الرأي ، حيث قال في صورة العلم بمخالفة الأحكام الاجتهادية للواقع ما لفظه : «لا يجوز ترتيب الأثر ، بل يجب النقض لو رتّب ، سواء أكان ذلك بالنسبة إلى نفسه ، كما إذا تبدّل رأيه بالانكشاف العلمي ، أو بالنسبة إلى غيره ممّن علم خطائه في إصابة الواقع ، وهو الذي عنونوه في الأصول هو : أنّه هل هي أحكام شرعية أو عذرية .. إلخ» (٢).

ومحصل ما أفاده قدس‌سره بطوله هو التفصيل بين العلم بالخلاف والظنّ به ، بالإجزاء

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٠١ ، الباب ١٧ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث : ٢

(٢) حاشية المكاسب ، ص ٩٣

٦٢٥

.................................................................................................

__________________

والصحة في الثاني ، والعدم في الأوّل. ففي المقام إن كان أحد المتعاقدين عالما باعتبار العربية كان العقد فاسدا ، لأنّ القبول الفارسي مقطوع الفساد عنده ، فلا ينضمّ إلى الإيجاب العربي. وإن كان ظانّا باعتبارها الموجب للظّن بفساد العقد المزبور كان العقد صحيحا ، لأنّ دليل اعتبار الظن متساوي النسبة إلى الظنين.

والظاهر أنّ مقصوده قدس‌سره عدم كون الاجتهاد الثاني هادما للاجتهاد الأوّل بحيث يجب تدارك الأعمال السابقة المأتيّ بها على طبقه ، لأنّ كلّا من الاجتهادين ظنّي ، ودليل اعتبار الظن متساوي النسبة إليهما ، فالظن الثاني لا يهدم الأوّل رأسا ، بل يهدمه بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة.

وقوله قدس‌سره : «وكذا لو كان رأيه عدم وجوب السورة .. إلى قوله : لأنّه كان مطابقا للظن الذي هو حجة في ذلك الزمان كهذا الظن اللّاحق» كالصريح في صحة العمل السابق ، لكونه مطابقا للظن الذي كان حجة في ذلك الزمان. فعلى تقدير مخالفة العمل السابق للواقع لا تجب إعادته لموافقته للطريق المعتبرة في ظرف الإتيان به.

وغرضه قدس‌سره من قوله : «لأنّ دليل حجية الظن متساوي النسبة إلى الظنين» هو ظنّ المجتهدين ، كما إذا ظنّ أحدهما اجتهادا بجواز العقد الفارسي ، والآخر كذلك بعدمه ، فإنّ دليل اعتبار الظن متساوي النسبة إلى الظنين. وأمّا بالنسبة إلى تبدّل الرأي فلا معنى لتساوي الدليل الى الظنين ، إذ المفروض زوال الظّن بعدم وجوب السورة ، وتبدّل الظن به بوجوبها ، فلا ظنّ بعدم وجوبها بعد تبدّله.

والحاصل : أن دعوى حجية الظن السابق وكونه عذرا بالنسبة إلى الأعمال السابقة في محلّها ، فإنّها ثابتة بالسيرة الجارية على عدم قضاء الأعمال السابقة الواقعة على طبق الآراء المعدول عنها ، أو الفتاوى التي مات المفتون بها. بل لا يخطر ببال أحد احتمال وجوب القضاء بعد العدول عن الرأي ، أو بعد موت المجتهد ، والرجوع الى الحي. فبهذا التسالم العملي المسمّى بالسيرة يثبت اعتبار الظّن الاجتهادي ما دام موجودا ، كدوران كل

٦٢٦

.................................................................................................

__________________

حكم مدار وجود موضوعه.

نعم بعد زوال الاجتهاد الأوّل يجب تطبيق العمل على الاجتهاد الثاني ، إذ لا موضوع لدليل الاجتهاد الأوّل.

فما أفاده بعض أجلّة العصر من قوله : «وفيه أنّ الطرق الاجتهادية الظنيّة إذا قامت على خلاف اجتهاده الأوّل أو اجتهاد مجتهد آخر يكشف منها فعلا بطلان الاجتهاد السابق وخطاؤه. ومع قيام الأمارة المعتبرة على بطلانه أو بطلان كل اجتهاد يخالفه لا يكون دليل الحجية متساوي النسبة إليهما ، بل يختص الاجتهاد الفعلي بالحجيّة دون غيره ، فلو دلّ دليل على طهارة الغسالة ، وكان في طريقه ضعف ، وكان مقتضى اجتهاده الأوّل وثاقة الراوي ، ثم تبدّل رأيه إلى عدم الوثاقة ، فلا شبهة في هدم اجتهاده الثاني الأوّل ، لقيام الطريق الفعلي على بطلانه. ولا وجه لانطباق دليل حجية الظن عليه».

لا يخلو من غموض ، لأنّ في قوله : «يكشف منها فعلا بطلان الاجتهاد السابق .. إلخ» أنّ المراد بالبطلان إن كان مطلقا حتّى فيما مضى ، ففيه : ما عرفت من قيام السيرة على خلافه. وإن كان بالإضافة إلى خصوص الأعمال اللاحقة فهو صحيح. لكن السّيد صاحب العروة لم يذكر هذا ، بل قوله : «كهذا الظن اللّاحق» كالصريح في الاعتراف بحجية الاجتهاد الثاني في الزمان اللّاحق.

فقول السيّد قدس‌سره : «لأنّ دليل حجية ظن المجتهد متساوي النسبة إلى الظّنين» ناظر إلى كل واحد من الظّنين الحاصلين لكلّ من المجتهدين ، لأنّ الظنين الموجودين فعلا هما موجودان لهما ، حيث إنّ أحدهما ظانّ بصحة العقد الفارسي ، والآخر ظانّ بفساده. ولا مانع من حجية كلّ واحد من الظنين في حق صاحبه. ومقتضاه وإن كان جواز تزويج المرأة المعقودة بالعقد الفارسي لمن يرى بطلان العقد الفارسي ، وعدم حصول النكاح بذلك ، إلّا أنّ الدليل الخاص كقولهم : «لكل قوم نكاح» أو وجوب الاحتياط في الفروج أو «صدق ذات البعل عرفا عليها» يقتضي عدم الجواز.

٦٢٧

.................................................................................................

__________________

وبالجملة : فلا مانع من انطباق دليل اعتبار الظن على كلا الظنين الحاصلين للمجتهدين ، غاية الأمر أنّ لزوم ترتيب الأثر على كل واحد منهما بالنسبة إلى ظنّ الآخر منوط بالدليل ، وقد قام في موارد تقدّمت الإشارة إلى بعضها.

فالمتحصل : أنه مع العلم بشرطيّة أو مانعية شي‌ء للعقد لا يكون ظنّ غيره على خلافه حجّة عليه. إلّا فيما قام الدليل على وجوب اتّباع ظنّ الغير وترتيب الأثر عليه كموارد النكاح ، لأنّ لكلّ قوم نكاحا. ومع الظن بالشرطيّة أو المانعية يجب ترتيب الأثر عليه ، فلو ظنّ عدم شرطية العربية في العقد لم يجز لمن يظنّ اعتبارها تزويج المرأة المعقودة بالفارسيّة كما تقدّم.

ويمكن أن يصحّح العقد بأن يقال : إنّ الفتويين المتعارضتين في شروط العقد تسقطان عن الاعتبار ، ويرجع إلى عموم دليل نفوذ العقود ، بعد وضوح صدق العقد العرفي عليه.

الخامسة : التفصيل في نفي الشرطية بين كون مستنده الأصول العمليّة كأصالتي الحلّ والطهارة وكحديث الرفع ، وبين كونه الأمارات العقلائية أو الشرعية ، بالصحّة في الأوّل ، والبطلان في الثاني.

توضيحه : أنّ مفاد الأصول بالنسبة إلى الشّاك كالحكم الواقعي في ترتيب الآثار ، فالإيجاب الفارسي من الشّاك في اعتبار العربية استنادا إلى حديث الرفع في نفي اعتبارها إيجاب واقعي عند الشارع ، فبضمّ القبول إليه يتمّ ركنا المعاملة التي هي متقوّمة بإيجاب صحيح واقعي ، وقبول كذلك ، والمفروض تحققهما. ولا معنى لبطلان ما هو وظيفة الشّاك الّذي يرجع إلى الأصول العملية ، إذ لا واقع له حتى يكون خلافه باطلا ، فلا محالة يكون مقتضى الأصل العملي صحيحا أي مقرّرا شرعيّا للشّاكّ. فإذا كان الإيجاب الفارسي من الشّاك صحيحا ، فلا ينبغي الشّك في تمامية المعاملة حينئذ بانضمام القبول العربي إليه.

٦٢٨

.................................................................................................

__________________

وهذا بخلاف ما إذا كان مستند عدم الشرطية الأمارة كإطلاق دليل نفوذ العقود ، بتقريب : أنّ إطلاقه ينفي كلّ شكّ في شرط أو مانع ، فيفتي لأجل ذلك بعدم اعتبار العربية مثلا. والمجتهد الآخر يرى عدم الإطلاق ، وأنّ استفادة إطلاق هذا الدليل خطأ ومخالف للواقع ، فيعتقد بطلان الإيجاب الفارسي ، ومع هذا الاعتقاد كيف ينضمّ القبول العربي إليه حتّى يتمّ ركنا العقد.

وبالجملة : يكون نفي الشرطية والمانعية بالأصول العملية في المعاملات كنفيهما بها في العبادات ، ولذا يصح الاقتداء بمن يكون اجتهاده مخالفا لاجتهاد إمامه في مانعية شي‌ء ، مع استناد الإمام في عدم المانعية إلى حديث الرفع الحاكم على أدلّة اعتبار الشرائط والموانع. فصلاة الإمام عند المأموم صحيحة واقعا ، لأنّ الشّاك في المانعية وظيفته نفي المانعية بحديث الرفع.

فما أفاده الفقيه الطباطبائي في العروة في بطلان العقد من قوله : «لأنّه ـ أي البيع ـ متقوم بطرفين» (١) لا يخلو إطلاقه من غموض ، لما عرفت من أنّ البطلان إنّما يتمّ إذا كان المستند في نفي الشرطية إطلاق الدليل الاجتهادي ، لأنّ المثبت للشرطية يخطّئه. وأمّا إذا كان مستنده مثل حديث الرفع فلا وجه للبطلان كما لا يخفى.

السادسة : ما أفاده المصنف قدس‌سره من التفصيل بين الشروط التي يسري فسادها إلى إنشاء الآخر ، بحيث يبطل مجموع الإيجاب والقبول ، كالموالاة والتنجيز وبقاء المتعاقدين على صفات صحّة الإنشاء إلى آخر العقد ، وبين الشروط التي لا يسري فسادها إلى إنشاء الآخر كالصراحة والعربية ونحوهما ، ببطلان العقد في الأوّل وصحته في الثاني ، فلا يجدي في الصحة كون الأحكام الظاهرية أعذارا ، أو بمنزلة الواقعية الاضطرارية الّتي بنى المصنف قدس‌سره صحة العقد وفساده عليها ، بل العقد باطل على كلا التقديرين ، لعدم تحقق العقد العرفي مع اختلال أحد الشروط المزبورة كالموالاة

__________________

(١) : العروة الوثقى ، ج ١ ، ص ٢٠ ، المسألة : ٥٥ من مسائل التقليد.

٦٢٩

.................................................................................................

__________________

والتنجيز وبقاء أهلية المتعاقدين إلى آخر العقد ، هذا.

ولا يخفى أن هذا التفصيل بحسب الكبرى صحيح ، لكن الإشكال كلّه في الصغريات ، فإنّ عدّ التنجيز من الشروط المقوّمة لمفهوم العقد عرفا ممنوع ، لما مرّ سابقا من عدم الدليل على اعتبار التنجيز ، لا في حقيقة العقد ، ولا في صحّته وتأثيره.

أمّا الأوّل فواضح ، لما عرفت من صحة الإنشاء المعلّق عرفا ، وعدم توقف صدق العقد على التنجيز.

وأمّا الثاني فلأنّ الموجب إن كان قائلا باعتباره وأنشأ الإيجاب منجّزا بقوله : «بعتك هذا الكتاب بدينار» وقال القابل : «إن طلعت الشمس قبلت» فلا يسري التعليق إلى الإيجاب ، لأنّ الإيجاب الذي هو فعل الموجب دون القابل قد وجد متشخّصا ، وبعد وجوده يمتنع تعليق وجوده على شي‌ء ، نظير تعليق الضرب الواقع على شخص بأن يكون ذلك واقعا إن كان المضروب يهوديّا دون ما إذا كان مسلما ، فإنّ هذا التعليق في غاية البشاعة ، فلا يكون العقد من هذه الجهة فاسدا.

وتوهّم فساده لأجل عدم التطابق بين الإيجاب والقبول فاسد ، لعدم دليل على اعتبار هذا المقدار من التطابق بين الإنشائين ، فيصح العقد مطلقا ، أمّا مع طلوع الشمس فلتحقّق الشرط وفعليّته. وأمّا بدونه فلما مرّ أيضا من أنّ الموجب ـ الذي هو موجد البيع ـ لا يملك التمليك الحالي ، إذ الحال ظرف للإيجاب وإنشائه ، فالمنشأ نفس التمليك ، وبضمّ القبول إليه يتمّ السبب سواء لحق به في الحال أو الاستقبال.

وإن كان القابل قائلا باعتبار التنجيز والموجب قائلا بعدم اعتباره فأنشأ الموجب معلّقا ، وقال : «بعتك هذا الكتاب بدينار إن طلعت الشمس» فقبل القابل وقال : «قبلت» صحّ العقد أيضا ، لعدم كون القبول معلّقا ، وإنّما هو قبول إيجاب معلّق. ففرق واضح بين تعليق القبول على شي‌ء ، بأن يقول : «قبلت إن جاء زيد» وبين قوله عقيب : ـ بعتك إن جاء زيد ـ : «قبلت هذا الإيجاب المعلّق» إذ القبول في الأوّل معلّق دون الثاني ، لكونه قبولا

٦٣٠

.................................................................................................

__________________

منجّزا لهذا المعلّق.

فالمتحصل : أنّ التنجيز ليس ممّا يوجب انتفاؤه فساد مجموع العقد ، فلا ينبغي عده ممّا يسري فساده إلى جزئي العقد ، كما لا يخفى.

وأمّا الموالاة فإن كان معتبرها هو القابل فلا يصحّ إنشاء القبول مع الفصل المخلّ بالموالاة ، فمع الفصل كذلك لا ينضمّ القبول إلى الإيجاب ، ويسري فساد القبول المتأخر كذلك إلى الإيجاب ، فيفسد كلا جزئي العقد.

وإن كان القائل باعتبارها هو الموجب ، فأوجب ، ولم يقبل المشتري إلّا مع الفصل المفوّت للموالاة ، فسد الإيجاب بنظر الموجب ، لأنّه يرى سقوط الإيجاب عن صلوحه لضمّ القبول إليه ، فقبل تحقق القبول خرج إيجابه عن الصحة التأهّليّة بنظر الموجب.

وكذا الكلام في بقاء الأهلية ، فإن اعتبره الموجب خرج إيجابه ـ المتعقب بالحجر ـ عن الصحّة التأهّلية ، فلا ينضم إليه القبول في نظره. وإن اعتبره القابل كان الإيجاب المتعقب بالحجر كلا إيجاب ، فلا ينضمّ إليه القبول.

فالمتحصل : أنّ العقد الفاقد للأهلية والموالاة فاسد بكلا جزئية ، بخلاف الفاقد للعربية والماضوية والصراحة. هذا على مذاق المصنف قدس‌سره. وقد تقدم الإشكال في اعتبار الموالاة وبقاء الأهلية إلى آخر العقد ، فيسقط ما فرّعوه عليهما ، فلاحظ وتدبّر.

وأمّا الترتيب فقد جعله المصنف أيضا مما لا يسري فساده إلى الجزء الآخر كالصراحة والعربية. لكن أورد عليه في تقرير سيدنا الخويي : «بأنّه مثل الموالاة والتنجيز ممّا يسري فساده إلى الجزء الآخر ، نظرا إلى أنّ التقدم والتأخر متضايفان ، فإذا تقدّم القبول على الإيجاب فقد تأخّر الإيجاب عن القبول ، فيسري فساد القبول المتقدّم إلى الإيجاب المتأخر» (١) هذا.

__________________

(١) : مصباح الفقاهة ، ج ٣ ، ص ٨١

٦٣١

.................................................................................................

__________________

وفيه : أنّه لا يعتبر عنده قدس‌سره تقدم الإيجاب وتأخر القبول من حيث التقدّم والتأخر ، بل قادحية تقدم القبول إنّما هي لأجل عدم تضمّنه للنقل في الحال ، ومن المعلوم عدم سراية هذه الخصوصية إلى الإيجاب ، لأنّه متضمّن للنقل في الحال مطلقا تقدّم أو تأخّر.

نعم بناء على كون تقدم الإيجاب على القبول لأجل الاقتصار على ما هو المتداول في العقود ، فيكون الإيجاب المتأخر فاقدا للصفة المعتبرة فيه ، وهي التداول الذي يجب الاقتصار عليه.

لكن هذا الوجه مبنى على انصراف العقود إلى خصوص المتداولة والمتعارفة وقد تقدم منعه ، وأنّ الحق خلافه. كما أنّ مقتضى التحقيق عدم تضمن الإيجاب وكذا القبول للتمليك والتملك في الحال ، بل الحال ظرف لهما. وانصراف العقود إلى المتعارفة قد عرفت سابقا ما فيها ، مع الغضّ عن كون كلّ من تقدم الإيجاب والقبول على الآخر متداولا عند العرف.

تتمة فيها مطلبان :

الأوّل : أنّ السيد قدس‌سره ذكر في حاشيته وجها لفساد العقد مع اختلاف المتعاقدين في الشروط. ومحصّل ذلك الوجه : أن العقد متقوّم بطرفين ، ويجب على كلّ من المتبايعين إيجاد عقد البيع ، وهو عبارة عن الإيجاب والقبول ، فلا يجوز لواحد منهما الأكل إلّا بعد ذلك ، فمع اعتقاد أحدهما ببطلانه ـ ولو لأجل بطلان أحد جزئية ـ لا يجوز له ترتيب الأثر. وإنّما يتم ما ذكره المصنف قدس‌سره لو كان المؤثر في حق البائع في جواز الأكل الإيجاب الصحيح ، وبالنسبة إلى المشتري القبول الصحيح. وليس كذلك ، إذ المؤثر المجموع ، وهو فعل كل واحد منهما.

وبعبارة أخرى : ليس جواز القبول معلّقا على وجود إيجاب صحيح من الغير حتى يقال : إنّ المفروض أنّه محكوم بالصحة عند الموجب ، بل البيع فعل واحد تشريكي. ولا بدّ من كونه صحيحا في مذهب كلّ منهما ليمكن ترتيب الأثر عليه ، وهذا

٦٣٢

.................................................................................................

__________________

بخلاف مسألة النكاح ، فإنّ الفعل للأوّل ، والثاني مرتّب عليه أثره (١).

وحاصل كلامه ـ بعد أن قال : إنّ ترتب الأثر على ظن المجتهد الآخر إنّما يجوز فيما إذا كان فعله قائما مقام فعله موضوعا للأثر بالنسبة إليه كالنكاح وغيره ، دون ما كان فعله قائما مقام فعله ، كاستيجار الوليّ للقضاء عن الميّت من يعتقد بطلان صلاته ، فإنّ فعل الأجير فعل المستأجر ـ هو : أن ما نحن فيه أعني اختلاف المتعاقدين في الشروط من هذا القبيل ، لتقوّمه بطرفين. فلا بدّ أن يكون صحيحا في مذهب كلّ منهما ، لما أفاده في تقليد العروة ، فالبيع فعل واحد صادر منهما ، فلا بد من كونه صحيحا عندهما معا ، هذا.

وفيه أوّلا : أنّ فعل الأجير ليس فعل المستأجر ، لأنّه نائب عن الميّت لا عن المستأجر ، ولذا قال في العروة بوجوب عمل الأجير على مقتضى تكليف الميّت اجتهادا أو تقليدا.

وثانيا : ـ بعد الغضّ عن ذلك ـ أنّ تنزيل المقام منزلة فعل الأجير غير وجيه ، إذ لا يعقل أن يكون فعل كلّ من المتعاقدين فعل الآخر ، ضرورة أنّه لا يعقل أن يكون الإيجاب قبولا والقبول إيجابا ، إذ الإيجاب فعل الموجب ، والقبول فعل القابل كما هو ظاهر قوله قدس‌سره في الحاشية : «ويجب على كل من المتبايعين إيجاد عقد البيع ، وهو عبارة عن الإيجاب والقبول» الى آخر ما تقدّم ، حيث إنّ ظاهره أنّ العقد ـ الذي هو الإيجاب والقبول ـ يوجده كل من المتعاقدين. مع أنّه لا يعقل أن يكون العقد بهذا المعنى فعلا لكلّ واحد منهما ، بل كلّ منهما يوجد جزءا من العقد الذي هو موضوع الأثر ، وإن كان اعتبار القبول اعتبار الإمضاء والتنفيذ لما أوجبه الموجب كما تقدم سابقا.

والحاصل : أنّ كون البيع فعلا واحدا تشريكيّا غير وجيه ، كيف؟ والإيجاب والقبول عرضان لمحلّين ، ويمتنع اتّحادهما وجودا ، ولذا ينطبق على العرضين لمحلّين ضابط التركيب ، لا التقييد.

__________________

(١) : حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٩٣

٦٣٣

.................................................................................................

__________________

فاللازم حينئذ أن يكون كل واحد من الإيجاب والقبول مطابقا للحجّة عند موجده ، فالإيجاب الصحيح عند الموجب وكذا القبول المقبول عند القابل كاف في صحة العقد وترتّب الأثر عليه. نظير الصلاة الفاقدة للسورة استنادا الى فتوى من لا يرى جزئيّتها ، والمشتملة على المرة الواحدة في التسبيحات الأربع ، اعتمادا على فتوى من يكتفي بالواحدة ، فإنّ هذه الصلاة صحيحة ، لأنّ كلّا من فقدانها للسّورة وللثلاث من التسبيحات ممّا يستند إلى الحجة ، فإنّ مجموع الصلاة لم يقع عن تقليد أحد المجتهدين حتى يقال : إنّه لم يقل أحد منهم بصحتها ، بل وقع بعضها عن تقليد واحد ، وبعضها الآخر عن تقليد آخر.

فإذا كانت الصلاة التي هي أهمّ الارتباطيّات كذلك كانت البيع ونحوه من العقود ـ التي هي من المركبات الارتباطيّة ـ أولى.

فالتحقيق أن يقال : إن المرجع في المقام هو عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود. توضيحه : أنّ الشّك في اعتبار صحة مجموع الإيجاب والقبول عند كلّ منهما يرجع إلى الشّك في شرطيّة ذلك شرعا ، بعد صدق العقد العرفي على العقد المركّب من الإيجاب العربي والقبول الفارسي مثلا. والمرجع حينئذ هو العموم المزبور ، ومع هذا الوجه الواضح لا حاجة إلى جعل مبنى المسألة كون الأحكام الظاهرية اضطرارية أو عذريّة ، فلاحظ وتدبّر ، والله العالم.

المطلب الثاني : أنّه قد أورد المحقق الخراساني على ما أفاده المصنف قدس‌سرهما ـ من الصحة بناء على كون الأحكام الاجتهادية واقعية اضطرارية ـ بما حاصله : أنّ مجرد ذلك لا يجدي في الصحة إلّا إذا ثبت كونها اضطراريّة بالنسبة إلى الغير الذي له مساس بالعقد ، وإلّا فمجرّد كونه حكما حقيقيا في حقّ نفس الموجب أو القابل لا يجدي في الصحة.

والحاصل : أنّه لا بد من تقييد إطلاق الصحة ـ على القول بكون الأحكام الظاهرية

٦٣٤

.................................................................................................

__________________

بمنزلة الاضطرارية ـ بما إذا كانت كذلك حتى في حق الغير ، هذا (١).

وقد ناقش فيه المحقق الأصفهاني قدس‌سره بما محصله : أن الاشكال مبني على كون الملكية من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، إذ بناء على حجية الأمارة على الموضوعية يتجه البحث عن إطلاق التعبد بالآثار وتقييده بخصوص من قامت عنده ، فإذا كانت الملكية متوقفة واقعا على العقد بالعربية وأنشأ الموجب بالفارسي وهو يرى صحته ، فتصرفه وإن كان في مال الغير حقيقة ، لكنه جائز حقيقة ، لحدوث مصلحة في التعبد بالأمارة ـ كإطلاق وجوب الوفاء بالعقود ـ غالبة على مفسدة التصرف في مال الغير ، والتعبد بالملكية تعبد بآثارها ، وحينئذ يمكن الإطلاق والتقييد. فبناء على الإطلاق يجوز للمعتقد جميع التصرفات المترتبة على الملك ، ولا يجوز لغيره التصرف فيه بدون رضاه ، وإن لم يعتقد سببية ما يراه المعتقد سببا. وبناء على التقييد يجوز لخصوص المعتقد التصرف فيه ، ولا يحرم على الطرف الآخر ـ الذي لا يرى سببية الإنشاء بالفارسي ـ التصرف فيه بدون رضا الموجب.

وأما بناء على ما هو الحق من كون الملكية من الاعتبارات الوضعية يشكل ما أفاده المحقق الخراساني قدس‌سره ، إذ كما تكون الملكية مجعولة شرعا فكذا سببها مجعول أيضا ، فالعقد الفارسي الذي قامت الحجة على سببيته شرعا يصير ذا مصلحة مقتضية لاعتبار الملكية شرعا ، فهو سبب تام في التأثير يقتضي ترتيب الملك عليه ولو في حق الطرف الآخر الذي لا يرى سببية الإنشاء الفارسي.

وهذا بخلاف الأحكام التكليفية ، فإنّ مجرد قيام الأمارة على خلاف الواقع لا يوجب بدلية مصلحة المؤدى عن مصلحة الواقع ، ولذا يجب التدارك ، هذا (٢).

أقول : الظاهر ورود الاشكال على المحقق الخراساني قدس‌سره القائل بأن الملكية

__________________

(١) : حاشية المكاسب ، ص ٢٩

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٧٤

٦٣٥

.................................................................................................

__________________

اعتبار شرعي وضعي كما صرّح به في بحث الأحكام الوضعية من الكفاية وحاشية الرسائل. الا أنه يبقى سؤال الفرق بين التكليف والوضع ، فإنّ لسان التعبد بالأمارة سواء على الطريقية أو الموضوعية هو وجوب تصديق العادل مثلا ، فلو كان مدلوله حدوث مصلحة بقيامها يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع لزم التعبد بها سواء أكان المضمون إنشاء المعاملة بالفارسي أم وجوب صلاة الجمعة ، ولم يظهر وجه التفصيل بين البابين ، هذا.

بل لا حاجة الى التدارك ، لأنّه على السببية يكون من تبدل الموضوع كصيرورة المسافر حاضرا ، لا من انكشاف الخلاف.

وعليك بملاحظة ما اختاره هذا المحقّق في بحث الإجزاء من حاشية الكفاية ، لعلّك تستفيد منه ومما أفاده هنا أمرا آخر.

وكيف كان فالمختار ما ذكرناه في المسألة الثالثة (في ص ٦٢٢) والله هو الهادي للصواب.

هذا آخر ما أوردناه في هذا الجزء ، وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في

الجزء الثالث في المقبوض بالعقد الفاسد ، والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلى الله على

سيّد المرسلين وآله الغرّ الميامين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

٦٣٦

الفهرست

٦٣٧
٦٣٨

تنبيهات المعاططاة....................................................... ٥ ـ ٣٠٣

التنبيه الأول : اشتراط صحة المعاطاة بشرائط البيع اللفظي وجريان احكامه فيها..... ٥ ـ ٤٧

المعاطاة المقصود بها الملك بيع طروء الملزِم............................................ ٦

عدم إشتراط المعاطاة المقصود بها الاباجة بشرائط البيع................................ ٩

تطرق احتمالات ثلاثة في اشتراط المعاطاة المقصود بها الملك بشرائط البيع......... ١٤ ـ ٢٤

ترجيح الاحتمال الأول......................................................... ٢٥

كلام الشهيد في نفي شرائط البيع اللفظي عن المعاطاة ، وتوجيهه..................... ٢٧

أ : حرمة الرّيا في البيع المعاطاتي.............................................. ٣٥

ب : جريان الخيارات في المعاطاة............................................. ٣٩

احتمال التفصيل بين الخيارات المختصة بالبيع وغيرها ، والمناقشة فيه.................. ٤٢

التنبيه الثاني : إنشاء المعاطاة بوجوه أربع.................................. ٤٨ ـ ٦٣

الأول : إنشاؤها بالتعاطي من الطرفين............................................ ٤٨

٦٣٩

الثاني : إنشاؤها باعطاء أحدهما وأخذ الآخر....................................... ٥٠

الثالث : إنشاؤها بايصال الثمن وأخذ المثمن...................................... ٥٣

الرابع : إنشاؤها بالصيغة الملحونة................................................ ٥٥

مناقشة المحقق الإيرواني في اعتبار التعاطي من الطرفين............................... ٥٧

مناقشة المحقق النائيني والإيرواني في تحقق المعاطاة باعطاء أحدهما....................... ٥٨

تحقيق الوجه الثالث............................................................ ٦٠

التنبيه الثالث : تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة....................... ٦٤ ـ ٧٥

إذا كان العوضان عروضا تطرق في تمييز البائع وجوه................................. ٦٥

ترجيح احتمال كون الدافع أولا هو البائع.......................................... ٧٢

بيان المختار في المسألة.......................................................... ٧٣

التنبيه الرابع : أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين................... ٧٦ ـ ١٤٦

القسم الأول : تمليك المال بإزاء مال الآخر........................................ ٧٧

القسم الثاني : تمليك المال بإزاء تمليك مال الآخر................................... ٨١

عدم كونه بيعا ، واحتمال كونه هبة معوضة ، والمناقشة فيه........................... ٨٣

تصحيحه بجعل تمليك الثاني داعيا لا شرطا........................................ ٨٤

عدم كونه بيعاً ، وإحتمال كونه هبةً معوضة ، والمناقشة فيه.......................... ٨٣

تصحيحه بجعل تمليك الثاني داعياً لاشرطاً......................................... ٨٤

تصحيحه بجعلع صلحاً......................................................... ٨٦

القسم الثالث : إباحة أحدهما بازارء تمليك الآخر................................... ٨٦

القسم الرابع : قصد كل منهما إباحة مالة......................................... ٨٦

مناقشة المحقق النائيني والأصفهاني في القسم الثاني............................. ٨٩ ـ ٩٢

الاشكال في القسم الثالث والرابع بوجهين......................................... ٩٣

الاشكال في قسم الثالث ورابع بمنع إباحة مطلق التصرف........................... ٩٣

٦٤٠