هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

اللّغة ، بل قيل لم يستعمل في القرآن الكريم

______________________________________________________

الإيجاب ، وهو من الأضداد أيضا. ففي المصباح : «شريت المتاع أشريه : إذا أخذته بثمن أو أعطيته بثمن ، فهو من الأضداد» (١).

وفي المجمع : «شراء : يمدّ ويقصر ، وهو الأشهر. يقال : شرت الشي‌ء أشريه ، وشرى شراء : إذا بعته وإذا اشتريته أيضا ، وهو من الأضداد» (٢).

__________________

أحدهما : عدم مدخلية مجرّد الشهرة في أحد معاني المشترك في ترجيحه.

وثانيهما : معارضة الشهرة في المجاز المشهور بأصالة الحقيقة (٣).

وفي كليهما ما لا يخفى. أمّا الأوّل فلأنّ الشهرة وإن لم تكن مرجّحة بنفسها ، لعدم دليل على الترجيح بها ، لكنّها تكون مرجّحة ، لإيجابها الظهور العرفي.

وأمّا الثاني ، فلأنّ الشهرة في المجاز غير الشهرة في اللفظ المشترك ، إذ المفروض كون المعنى المشهور حقيقيا ، بخلاف المجاز المشهور ، فإنّ المعنى المشهور غير الحقيقي ، فيعارضه أصالة الحقيقة.

وعليه فلا بأس بما في المتن من قرينيّة كثرة الاستعمال على تعيّن «بعت» للإيجاب.

مضافا إلى ما تقدم من : أنّ المدار على الظهور العرفي من أيّ سبب حصل ، هذا.

واستند صاحب الجواهر قدس‌سره إلى قرينتين أخريين :

الأولى : أنّ الابتداء بالمعاملة بحسب الطبع والغلبة يكون من الموجب ، فهذا قرينة مقاميّة على إرادة الإيجاب بلفظ البيع.

__________________

(١) : المصباح المنير ، ص ٣١٢

(٢) مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٢٤٥

(٣) قوانين الأصول ، ج ١ ، ص ٢٢٠

٣٨١

إلّا في البيع (١). وعن القاموس «شراه يشريه ملكه بالبيع ، وباعه كاشتراه ، فهما ضدّ» وعنه أيضا «كل من ترك شيئا وتمسّك بغيره فقد اشتراه (٢)» (١).

______________________________________________________

(١) وفي الجواهر أيضا : «بل قيل : إنّه لم يرد في الكتاب العزيز غيره ..» (٢) ولم أظفر بالقائل به.

وكيف كان فقد ورد في قوله تعالى (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) (٣) أيّ : باعوا به أنفسهم.

وقوله تعالى (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) (٤) أي : باعوه.

وقوله تعالى (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٥).

وقوله تعالى (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) (٦) أي : يبيعونها.

(٢) مقتضى هذه العبارة كون «الاشتراء» مشتركا معنويا بين إيجاب البائع وقبول المشتري ، لصدق «ترك شي‌ء وأخذ شي‌ء آخر مكانه» على فعل كليهما.

ومقتضى عبارته الأولى ـ وهي كون «الشراء» من الأضداد ـ هو اشتراكه اللفظي وتعدّد الوضع.

__________________

الثانية : كيفية ذكر المتعلّقات ، فإنّ «بعت» في الإيجاب يتعدّى إلى مفعولين ، فيقول : «بعتك الدار» مثلا ، وفي القبول إلى مفعول واحد (٧).

__________________

(١) : القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٤٧ و٣٤٨

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٤

(٣) البقرة ، الآية : ١٠٢

(٤) يوسف ، الآية : ٢٠

(٥) البقرة ، الآية : ٢٠٧

(٦) النساء ، الآية : ٧٤

(٧) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٥

٣٨٢

وربما يستشكل فيه (١) بقلّة استعماله عرفا في البيع ، وكونه محتاجا إلى القرينة المعيّنة ، وعدم نقل الإيجاب به في الأخبار وكلام القدماء (٢).

______________________________________________________

(١) أي : يستشكل في وقوع البيع بلفظ «شريت» بوجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ «شريت» وإن كان من الأضداد ، ومقتضاه جواز إنشاء كل من البيع والشراء به ، إلّا أنّ قلة استعماله ـ عند العرف العام ـ في البيع توهن ظهوره فيه ، ومن المعلوم إناطة صحة الإنشاء بالظهور العرفي في المراد.

الثاني : توقف استعمال المشترك في أحد معنييه أو معانيه على القرينة المعيّنة.

الثالث : عدم ورود إنشاء البيع بلفظ الشراء في الأخبار ، ولا في كلام القدماء ، وعليه فلا يكون لفظ «شريت» مأثورا عن الشارع في مقام إيجاب البيع.

(٢) اختلفوا في جواز الإيجاب ب «شريت» فأجازه العلّامة قدس‌سره في التذكرة (١). وفي الجواهر : «ويتحقق إيجابه ببعت قطعا ، بل وبشريت على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. بل لعلّها كذلك ، لاشتراك كلّ من لفظي البيع والشراء بين المعنيين ، فهما من الأضداد .. إلى أن قال : فيصح استعمال كل منهما حينئذ في الإيجاب على الحقيقة. ولا يقدح الاشتراك ، وإلّا لامتنع الإيجاب بالبيع. ولا ظهورهما في أشهرهما ، لوضوح القرينة المعيّنة لغيره ، وهي وقوع البيع من المشتري والشراء من البائع. على أنّ استعمال الشراء في البيع كثير .. إلى أن قال : فلا بأس باستعمال كلّ منهما حينئذ في الإيجاب والقبول على الحقيقة» (٢).

ومحصل كلامه ـ زيد في علوّ مقامه ـ الاستدلال بأنّ المقتضي موجود وهو الوضع ، والمانع مفقود ، لأنّ المانع المتصوّر في المقام إنّما هو الإجمال الناشئ من الاشتراك.

ولكن فيه أوّلا : أنّه غير صالح للمنع ، وإلّا لمنع من استعمال البيع أيضا.

وثانيا : أنّ الإجمال مرتفع بوجود القرينة المعيّنة.

__________________

(١) : تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٤

٣٨٣

ولا يخلو عن وجه (١).

______________________________________________________

(١) ولعلّه لتوقيفية ألفاظ العقود ، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ليس إلّا «بعت» إذ لا نصّ ولا إجماع على غيره ، كما عن المصابيح ، هذا (*).

__________________

(١) لكن يمكن أن يقال : إنّه لا وجه لما استوجهه المصنف قدس‌سره من المنع ، إذ القرينة المعينة للمشترك إن كانت لفظيّة حقيقية فلا مانع منه عنده قدس‌سره. وقاعدة التوقيفية قد وجّهها المصنف قدس‌سره عند نقل عبارة الفخر بما هذا نصّه : «ثم إنّه ربما يدّعى أنّ العقود المؤثّرة في النقل والانتقال أسباب شرعية توقيفية كما حكي عن الإيضاح من : أن كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة بالاستقراء ، فلا بد من الاقتصار على المتيقن» إلى أن قال المصنف «وأمّا ما ذكره الفخر فلعلّ المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها على العنوان المعبّر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع ، فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرّجل والمرأة معبّرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة فلا بد من اشتمال عقدها على هذه العناوين ، فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك».

وهذا التوجيه لا يقتضي أزيد من اعتبار كون اللّفظ الذي ينشأ به العقد موضوعا لعنوان العقد ، ولا يقتضي اعتبار شيوع استعماله في الإيجاب حتى تكون أقليّة استعمال لفظ «شريت» في إيجاب البيع من استعمال لفظ «بعت» فيه مانعة عن إنشاء الإيجاب.

فالمتحصل : أنّه لا وجه للمنع الذي استوجهه المصنف قدس‌سره.

نعم يمكن توجيه المنع بوجه آخر ، وهو : أنّ لفظ «الشراء» وإن استعمل في قديم الزمان في إنشاء إيجاب البيع ، لكنه مهجور في هذه الأزمنة ، وإنشاء الإيجاب به خارج عن المتعارف عند أبناء المحاورة ، ولا بد أن لا يكون لفظ العقد من الألفاظ المهجورة عندهم ، ولذا اختار بعض المتأخرين المنع استنادا إلى هذا الوجه ، فتدبّر.

٣٨٤

ومنها (١) : لفظ «ملّكت» بالتشديد. والأكثر (٢) على وقوع البيع به ،

______________________________________________________

(١) أي : ومن ألفاظ إيجاب البيع لفظ «ملّكت» وهذا ثالث صيغ البيع.

(٢) قال في الجواهر : «وأمّا ملّكت فالأكثر ـ بل المشهور ـ على تحقق الإيجاب بها ، بل عن جامع المقاصد في تعريف البيع ما يشعر بالإجماع على صحة الإيجاب به في البيع» (١).

ولكن في دلالة كلام جامع المقاصد على الإجماع بل الإشعار به تأمّل ، بل منع.

ومقابل الأكثر ما عن الجامع للشرائع ـ لابن سعيد الحلّي ـ من «أنّه لا يصح إلّا بلفظ الماضي ، وهو : بعت أو شريت».

وكيف كان ففي صحة إنشاء إيجاب البيع بلفظ «ملّكت» أقوال :

أحدها : ما عن الأكثر ، وهو وقوع البيع بلفظ ملّكت.

ثانيها : عدم وقوعه به ، وهو المحكي عن جامع ابن سعيد.

ثالثها : ما نسب إلى العلّامة الطباطبائي قدس‌سره من التفصيل بين تقييد «ملّكت» بالبيع وعدمه ، بالوقوع في الأوّل ، وعدمه في الثاني. وتبعه على ذلك صاحب الجواهر قدس‌سره.

واختار المصنف قدس‌سره القول الأوّل ، لوجهين :

أحدهما : الاتّفاق المنقول في غاية المراد ، ويؤيّده الإجماع المستشعر من جامع المقاصد.

ثانيهما : أنّ التمليك بالعوض ـ المنحلّ إلى مبادلة العين بالمال ـ هو المرادف للبيع ، وأنّه إذا اتّصل بها ذكر العوض أفاد المجموع المركّب ـ بمقتضى الوضع التركيبي ـ البيع خاصة ، فيكون صريحا. ويؤيّد هذا الوجه ما حكي عن فخر المحققين قدس‌سره من كون «ملّكت» مرادفا في لغة العرب ل «بعت».

فإن قلت : إنّ «التمليك» ليس مرادفا للبيع ، لاستعماله في الهبة بحيث لا يتبادر

__________________

(١) : جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٦

٣٨٥

بل ظاهر نكت الإرشاد الاتفاق (١) ، حيث قال : «إنّه لا يقع البيع بغير اللفظ المتّفق عليه كبعت وملّكت» (١).

ويدل عليه (٢) ما سبق في تعريف (٣) البيع من أنّ التمليك بالعوض ـ المنحل

______________________________________________________

عند الإطلاق غيرها ، ومن المعلوم أنّ تبادر الهبة من لفظ «ملّكت» يمنع عن ظهوره في البيع. وعليه فلا يصح إنشاء البيع به ، لأنّه حينئذ يكون من الإنشاء بالمجازات ، وهو غير جائز عندهم ، على ما تقدم تفصيله في المبحث الأوّل من مباحث موادّ صيغ العقود.

قلت : ليس التمليك مرادفا للهبة ، وإنّما تفهم من تجريد اللفظ عن العوض ، لا من مادة «التمليك» حتّى يقال : إن انسباق الهبة منه إلى الذهن يمنع عن ظهوره في البيع كي يمنع من إنشائه به. بل التبادر مستند إلى القرينة ، وهي التجريد عن العوض ، فالتمليك مشترك معنى بين ما يتضمّن المقابلة وبين ما يتجرّد عنها ، فإن احتفّ الكلام بذكر العوض أفاد المجموع ـ بمقتضى وضعه التركيبي ـ البيع. وهذا هو مفهوم البيع حقيقة ، فصحة إرادة الهبة المعوّضة أو المصالحة من التمليك المحفوف بذكر العوض منوطة بصحة العقد بلفظ غيره مع النية.

فالمتحصّل : أنّه يصحّ إنشاء البيع بلفظ «ملّكت» للترادف.

(١) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل على صحة إنشاء البيع بلفظ «ملّكت» وهو الإجماع المنقول عن الشهيد قدس‌سره.

(٢) أي : على وقوع البيع ب «ملّكت» وهذا هو الدليل الثاني ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «ثانيهما : أن التمليك بالعوض .. إلخ».

(٣) حيث قال في ردّ أصالة البيع في تمليك الأعيان ـ وأعميّته منه ومن الهبة والصلح ـ ما لفظه : «إن حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلّا البيع ، فلو قال : ملّكتك

__________________

(١) : غاية المراد ، ص ٨١

٣٨٦

إلى مبادلة العين بالمال ـ هو المرادف للبيع عرفا ولغة كما صرّح به فخر الدين ، حيث قال : «إنّ معنى بعت في لغة العرب : ملّكت غيري» (١).

وما قيل (١) : «من أنّ التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها» فيه (٢) : أنّ الهبة إنّما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض ، لا من مادة التمليك (٣) ، فهي مشتركة معنى بين ما يتضمّن المقابلة (٤) وبين المجرّد عنها ،

______________________________________________________

كذا بكذا كان بيعا ، ولا يصحّ صلحا ولا هبة معوّضة وإن قصدهما ..» (٢).

(١) لم أظفر بقائله ، وحكاه في الجواهر أيضا بقوله : «ودعوى ..» ولعلّ المقصود ما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره في بيع السلف بقوله : «لأنّه ـ أي التمليك ـ شائع في الهبة ، فإذا انعقد بالأبعد فبالأقرب أولى» (٣).

وكيف كان فغرض القائل منع مرادفة التمليك والبيع ، فيمنع إنشاؤه به ، وقد أوضحناه بقولنا : «فان قلت ..».

(٢) خبر و «ما قيل» وهذا جواب الإشكال ، وقد أوضحناه بقولنا : «قلت :

ليس التمليك مرادفا للهبة ..».

(٣) حتى تكون مادة «التمليك» موضوعة لحصّة من طبيعة التمليك ، وهي خصوص التمليك المجّاني كي يكون البيع ـ وهو التمليك بالعوض ـ معنى مجازيا له ، بل هذه المادة مشتركة معنوية بين التمليك المعوّض والمجرّد عنه ، فإرادة كل واحدة من الحصّتين تتوقف على قرينة.

(٤) يعني : المقابلة بين المالين ، لا مطلق المبادلة ولو كانت بين تمليك الواهب وتمليك المتهب ، كما هو حال الهبة المعوضة.

__________________

(١) : حكاه السيد الفقيه العاملي عن شرح الإرشاد لفخر المحققين ـ وهو مخطوط ـ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥١

(٢) راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح ، ص ٢٤٦ و٢٤٧

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٢٠٧

٣٨٧

فإن اتّصل (١) بالكلام ذكر العوض أفاد المجموع المركّب بمقتضى الوضع التركيبي البيع. وإن تجرّد عن ذكر العوض اقتضى تجريده الملكية المجّانية.

وقد عرفت سابقا (٢) أنّ تعريف البيع بذلك (٣) تعريف بمفهومه الحقيقي ،

______________________________________________________

وبعبارة أخرى : إن كان التمليك مجرّدا عن العوض أفاد الهبة غير المعوّضة.

وإن كان متضمنا للعوض فهو على قسمين :

أحدهما : أن يكون العوض عوضا عن تمليك الأوّل ، فالمقابلة تقع بين تمليك وتمليك ، وهذا هو الهبة المعوّضة.

ثانيهما : أن يكون العوض عوضا عن المال وهو العين التي ملّكها الأوّل للثاني ، فالمقابلة تقع بين نفس المالين في إضافة الملكية ، وهذا هو البيع.

ومقصود المصنف قدس‌سره من «التمليك المتضمن للمقابلة الذي هو البيع» هو القسم الأخير كما أفاده في ردّ انتقاض تعريف البيع بالصلح والهبة المعوّضة. وعليه لا يتوهم أنّ المقابلة موجودة في الهبة المعوضة أيضا لما عرفت من أنّ التقابل في الهبة ليس بين المالين بل بين الفعلين. وإن شئت توضيح هذا المطلب أزيد ممّا هنا فراجع الجزء الأوّل من هذا الشرح ص (٢٤١ ـ ٢٤٨).

(١) هذا متفرع على كون مادة «التمليك» مشتركا معنويا بين البيع والهبة ، فيلحقها حكمه ، وهو توقف إرادة كل واحدة من الحصّتين على القرينة ، فقرينة الهبة التجرّد عن ذكر العوض ، وقرينة البيع ذكر العوض.

(٢) يعني : في رد ما أفاده كاشف الغطاء قدس‌سره من حمل التمليك بعوض على البيع ، لكونه الأصل في تمليك الأعيان.

(٣) أي : أن تعريف البيع ب «التمليك المتضمن للمقابلة على وجه العوض» تعريف للبيع بمفهومه الحقيقي ، وليس مشتركا بينه وبين الهبة المعوّضة والصلح على عين بعوض.

وعليه فالمشترك بين البيع والهبة هو طبيعي تمليك العين بعوض. وأمّا تمليك

٣٨٨

فلو أراد منه (١) الهبة المعوضة أو قصد المصالحة بنى صحة العقد به على صحة عقد بلفظ غيره (٢) مع النّية.

ويشهد لما ذكرنا (٣) قول فخر الدين في شرح الإرشاد : «انّ معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري (٤)».

______________________________________________________

عين في قبال عين أخرى فليس إلّا البيع.

(١) أي : فلو أراد الموجب بقوله : «ملّكتك الكتاب بدينار» غير البيع ، بأن أراد الهبة المعوّضة أو المصالحة توقّف صحته على انعقاد الهبة والصلح بالألفاظ المجازية. ووجه المجازية : أنّ «تمليك عين بإزاء عين أخرى» هو البيع خاصّة ، فإرادة غيره مجاز.

(٢) كإنشاء البيع بغير لفظ «بعت» مثل «نقلته إليك وأدخلته في ملكك» ونحوهما من المجاز والكناية.

(٣) من كون البيع هو التمليك بالعوض ، وأنّ إنشاءه به صحيح.

(٤) وبهذا قد وفى المصنف قدس‌سره بما وعد به في أوّل كتاب البيع في تعريفه بإنشاء التمليك ، وجوازه به ، حيث قال : «وفيه : أنه الحق كما سيجي‌ء» (*).

__________________

(*) وقد يستدلّ أيضا على جواز إنشاء البيع بلفظ «ملّكت» بما في الجواهر من قوله : «ولعلّه لكونها حقيقة فيما يشمل البيع ، فاستعمالها فيه حينئذ حقيقة ، إذا لم يكن على جهة الخصوصية التي يكون استعمال الكلّي فيها مجازا» (١).

وكذا بما مرّ من كلام كاشف الغطاء قدس‌سره من «أن الأصل في تمليك الأعيان بالعوض هو البيع ، وفي تمليك المنافع هي الإجارة».

وفي الكل ما لا يخفى. أمّا الاتفاق الذي نقله المصنف قدس‌سره عن غاية المراد ففيه أوّلا : عدم دلالته على الإجماع كما يظهر للمراجع. وكذا لا إشعار به في كلام المحقق الثاني.

__________________

(١) : جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٦

٣٨٩

.................................................................................................

__________________

وثانيا : عدم إجماع قطعا مع هذا الخلاف.

وثالثا : عدم اعتباره بعد تسليم تحققه ، لعدم حجية الإجماع المنقول.

وأمّا ما استدلّ به في المتن ـ من : أنّ التمليك بالعوض المنحل إلى «مبادلة عين بمال» هو المرادف للبيع إذا اتّصل به ذكر العوض فيكون صريحا ـ ففيه : أنّ المراد بالصريح في كلامهم ليس ذلك ، وإلّا لجرى في «نقلته إليك وأدخلته في ملكك وجعلته لك» والمفروض عدمه كما لا يخفى على من لاحظ التذكرة.

والاستشهاد بكلام فخر المحققين على ترادف البيع والتمليك ممنوع أيضا ، لأنّه إن أراد الترادف لغة توجّه عليه أعمية التمليك من البيع ، لاشتراكه بينه وبين العطيّة والهبة كما نسب إلى الفقهاء وأهل اللغة. بل في المسالك ـ في مسألة انعقاد البيع بلفظ السلم ـ ما نصّه : «ولا ريب أنّ السّلم أقرب الى حقيقة البيع من التمليك المستعمل شرعا استعمالا شائعا في الهبة ، فإذا انعقد بالأبعد لتأدية المعنى المراد ، فالأقرب إذا أدّاه أولى» وهو قريب من كلام جامع المقاصد المتقدم في التوضيح.

وإن أراد التفسير بالأعم لم يجد في الدلالة على المطلوب وهو جواز إنشاء البيع به ، لعدم دلالة العام على الخاص.

وأمّا ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره فيردّه : أنّه مع إرادة الخصوصية ـ أي التمليك المتخصص بخصوصية البيعيّة ـ يصير استعمال لفظ «ملّكت» فيه مجازا ، واستعمال المجازات في إنشاء العقود ممنوع عند الجماعة. ومع إرادة الكلّي لا يجوز أيضا ، لأنّ معناه أعم من التمليك البيعي ، لشموله له وللصلح والهبة بعوض.

وأمّا ما حكي عن كاشف الغطاء ـ من أصالة البيع في تمليك الأعيان ـ ففيه : أنّ دعوى الأصالة ممنوعة جدّا ، إذ الجامع بين التمليكات المتشخصة هو نفس التمليك ، لأنّه القدر المشترك بين جميع حصص التمليك التي منها البيع والصلح والهبة ، نظير

٣٩٠

.................................................................................................

__________________

تحصّص الحيوان بحصص عديدة متفصّلة بفصول متشتتة ، ولذا لا يكون أحد أنواع الحيوان مثلا أصلا لسائر أنواعه.

وعليه فلا معنى لكون البيع أصلا في مقام الثبوت لسائر حصص التمليك.

هذا إذا أريد بالأصل الأصالة الثبوتية. وإن أريد به الأصالة الإثباتية ـ بمعنى كون غالب التمليكات في الخارج هو البيع ـ فلا تجدي في إثبات صحة إنشاء البيع ب «ملّكت» لأنّ هذا راجع إلى مقام الثبوت الذي هو أجنبي عن الغلبة الراجعة إلى مقام الإثبات ، هذا.

بقي التعرض لدليل القولين الآخرين.

أمّا دليل القول الثاني ـ وهو المنع عن وقوع البيع بلفظ التمليك ـ فوجوه :

أحدها : توقيفية صيغ العقود ، وعدم معهودية تجويز العقد عنهم بلفظ «ملكت» فتبقى أصالة الفساد سليمة عن المانع.

وفيه : عدم ثبوت توقيفيتها ، وإلّا كان اللازم على الشارع تعيين لفظ أو ألفاظ لإنشاء العقود ، لئلّا يتجاوز عن تلك الألفاظ إلى غيرها.

ثانيها : ما حكاه المصنف قدس‌سره بقوله : «وما قيل من أنّ التمليك يستعمل في الهبة».

وفيه : ما أجاب به في المتن بقوله : «إنّ الهبة إنّما يفهم من تجريده اللفظ .. إلخ».

ثالثها : أنّ التمليك حقيقة في القدر المشترك بين البيع والعطية والهبة ، فإن أريدت خصوصية البيع من لفظه صار مجازا ، واستعمال الألفاظ المجازية في العقود غير جائز. وإن لم ترد الخصوصية من اللفظ كان عنوانا عامّا غير منطبق على المقصود وهو البيع ، فإنشاء إيجاب البيع بلفظ «ملّكت» غير جائز.

وفيه : أنّ هذا مبني على القول باشتراط كون الصيغة بنفسها صريحة. وأمّا على القول بالاكتفاء بكون المجموع المركّب صريحا ـ كما يظهر من الأكثر ـ فلا يتم ، إذ المجموع المركّب من لفظي التمليك والعوض المنضم إليه يصير صريحا في عنوان

٣٩١

.................................................................................................

__________________

البيع ، فيكون نفس «ملّكت» دالّا على طبيعة التمليك ، والقيد دالّا على التمليك البيعي من باب تعدّد الدال والمدلول ، نظير «أعتق رقبة مؤمنة».

وأمّا دليل القول الثالث فهو ما أفاده في محكي المصابيح من : «أنّه يشكل الإيجاب بلفظة ـ ملّكت ـ لاحتمالها لغير البيع وإن كانت نصّا في الإيجاب. ولا يجدي ذكر العين والعوض ، لأنّ تمليكها به قد يكون بالهبة والصلح ، فلا يتعيّن بيعا ، إلّا إذا قيّده البائع به ، فقال : ملّكتك بالبيع. ومنه يظهر وجه المنع كما هو ظاهر الجامع ، مع ضعف إطلاقه ، كإطلاق غيره. ولو حمل المنع فيه على المجرّد عن القيد ، والجواز في غيره على المقيّد زال الإشكال» انتهى.

ونسج على منواله صاحب الجواهر قدس‌سره بزيادة احتمال حمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا ، بملاحظة الخصوصية ، والمجاز لا ينعقد به العقد. والجواز على استعماله على جهة الحقيقة وإن استفيدت الخصوصية من قيد آخر (١).

وفيه : أنّ التمليك المقرون بذكر العوض هو البيع حقيقة ، فقوله قدس‌سره : «ولا يجدي ذكر العين والعوض .. إلخ» في غاية الإشكال ، لأنّ الصلح والهبة المعوّضة ليسا من التمليك بالعوض على وجه المقابلة ، فلا حاجة في تعيّن «ملّكت» في إنشاء إيجاب البيع إلى تقييده بذكر البيع ، بأن يقال : ملّكتك بالبيع ، هذا.

وأمّا ما أفاده الجواهر من «حمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا .. إلخ» ففيه : أنّ المجاز ـ بعد فرض الظهور العرفي للفظ في المعنى المقصود ـ ممّا لا مانع عنه ، فلا فرق في الجواز بين كون الاستعمال على وجه الحقيقة وبين كونه على وجه المجاز.

__________________

(١) : جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٦

٣٩٢

وأمّا الإيجاب ب «اشتريت» (١) (*) ففي مفتاح الكرامة «أنّه قد يقال بصحّته كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة (٢) ، والمنقول عنها في نسختين من

______________________________________________________

(١) هذا رابع ألفاظ الإيجاب بناء على صحة إنشاء البيع به.

(٢) ظاهر العبارة أنّ السيد الفقيه العامليّ ظفر ببعض نسخ التذكرة وبنسختين

__________________

(*) قال الفقيه المامقاني قدس‌سره : «الظاهر أنه تصحيف ـ شريت ـ كما هو الموجود في النسخة التي رأيناها ، لبعد الاقتصار عليها دون شريت. ويؤيّده : أنّه لم يذكر ـ اشتريت ـ بالخصوص أحد من الفقهاء في عداد ألفاظ إيجاب البيع ، وإن كان بعض أهل اللغة ذكر استعماله في معنى الإيجاب وقبوله. ففي شرح القاموس يقال : اشتراه إذا ملكه بالبيع ، ويقال : اشتراه إذا باعه» (١).

ولكن قد يتّجه عليه أوّلا : أنّ الظاهر صحة ما في المتن ووقوع السهو في النسخة التي رآها قدس‌سره ، ضرورة أنّ المصنف قدس‌سره لم يقتصر في صيغ الإيجاب على «اشتريت» حتى يستبعد منه إهمال «شريت» بل قد جعلها في عداد صيغ الإيجاب ، حيث قال قبل أسطر بعد ذكر صيغة «بعت» ما لفظه : «ومنها : لفظ شريت ، فلا إشكال في وقوع البيع به لوضعه له .. إلخ».

وعليه فلو قال المصنف هنا : «وأمّا الإيجاب بشريت» لكان تكرارا مخلّا بنظام المطلب.

مضافا إلى قوله في المتن : «ولكن الاشكال المتقدم في شريت أولى بالجريان هنا».

وثانيا : أنّ المصنف قدس‌سره اقتصر في أوّل كلامه على نقل عبارة مفتاح الكرامة ، والموجود فيه في هذا المقام : «اشتريت» كما في المتن ، فراجع.

وثالثا : أنّ المصنف لم يدّع ذكر خصوص صيغة «اشتريت» في شي‌ء من الكتب الفقهيّة ، بل ادّعى ذكرها في التذكرة ، ثم استفادتها من عطف «ما أشبههما ، وما يقوم مقامهما» على قولهم : «بعت وملّكت».

والإنصاف أنّه لم يتّضح لنا مراده قدس‌سره وهو أعلم بما قال.

__________________

(١) : غاية الآمال ، ص ٢٣٣

٣٩٣

تعليق الإرشاد (١).

______________________________________________________

من تعليق الإرشاد للمحقق الثاني قدس‌سره ، وظفر بتجويز العلّامة قدس‌سره إيجاب البيع بصيغة «اشتريت».

وقال السيد بعد العبارة المنقولة في المتن تأييدا لصحة الإيجاب بها : «وفي القاموس : شراه يشريه إذا ملكه بالبيع ، وباعه كاشترى ، فهما ضدّ. وفيه أيضا : كل من ترك شيئا وتمسّك بغيره فقد اشتراه».

وعليه يسهل الأمر في الإنشاء ب «اشتريت» بعد كونه مشتركا بين الإيجاب والقبول.

وهذا لا ينافي ذكر صيغ ثلاث في كثير من كتب الأصحاب ، وهي «بعت وشريت وملّكت» كما حكاه السيد العاملي قدس‌سره (٢) عن التذكرة ونهاية الأحكام والدروس والتنقيح وصيغ العقود وتعليق الإرشاد.

وجه عدم التنافي : أنّه يحتمل أن يكون ذكر الصيغ الثلاث للمثال ، كما يحتمل أن يكون للحصر ، فلا سبيل للجزم بالحصر حتى يكون ذكر «اشتريت» في بعض نسخ التذكرة منافيا للمشهور أو للمتّفق عليه بينهم.

نعم المستفاد من عبارة العلامة في القواعد الحصر في الثلاث ، حيث قال : «ولا بدّ من الصيغة الدالة على الرّضا الباطني ، وهي الإيجاب كقوله : بعت وشريت وملّكت» (٣).

ولكن استظهر صاحب الجواهر (٤) منها عدم الحصر ، لأنّ العلّامة ذكر أوّلا لزوم الصيغة الدالة على الرّضا الباطني ، وهي عنوان كلّي ، ثم حكم بأنّه الإيجاب والقبول ، وأدخل «الكاف» على ألفاظ الإيجاب ، وهي ظاهرة في التمثيل.

__________________

(١) أ : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٠ و١٥١

(٢) ب : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٠ و١٥١

(٣) قواعد الأحكام ، ص ٤٧ (الطبعة الحجرية).

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٤٧

٣٩٤

أقول : قد يستظهر (١) من عبارة كلّ من عطف على بعت وملّكت «شبههما» أو «ما يقوم مقامهما» إذ إرادة خصوص لفظ «شريت» من هذا بعيد جدّا.

______________________________________________________

وإن كان هذا الاستظهار لا يخلو من تأمّل ، إذ لا ظهور لعبارة العلّامة في عدم الحصر.

(١) يعني : قد يستظهر صحة الإيجاب بلفظ «اشتريت» من عبارة غير العلّامة ـ في التذكرة ـ أيضا ، لأنّ جمعا بعد أن ذكروا صيغتي «بعت وملّكت» عطفوا عليهما : «وما أشبههما أو ما قام مقامهما».

فعن حواشي الشهيد على القواعد : «مثل قارضتك وسلّمت إليك وما أشبه ذلك».

وعن التحرير : «الإيجاب اللفظ الدال على النقل مثل : بعتك وملّكتك أو ما يقوم مقامهما». ومن المعلوم أنّ المراد ممّا أشبه الصيغتين أو مما قام مقامهما ليس خصوص «شريت» لعدم الدليل على هذا الحصر ، بل المراد كل ما يدلّ على الرضا بالبيع ، فيشمل «اشتريت» الذي هو من ألفاظ الأضداد ، ويكون استعماله في الإيجاب حقيقة لا مجازا.

ويؤيّد هذا الاستظهار ما اختاره الفاضل الآبي ، ونسبه إلى المحقق من عدم اعتبار لفظ خاص في البيع (١).

والحاصل : أنّ مراد المصنف قدس‌سره أن يكون «اشتريت» بمعنى «بعت» بأن يراد منه إيجاب البيع ، فيكون قول الموجب : «اشتريت مالي بمالك» بمعنى «بعت مالي بمالك». لا أن يكون «اشتريت» بمعنى قبول البيع ، وكان من تقديم القبول على الإيجاب ، لأنّه بهذا المعنى يخرج عن مورد النزاع.

__________________

(١) : كشف الرموز ، ج ١ ، ص ٤٤٦

٣٩٥

وحمله (١) على إرادة «ما يقوم مقامهما» في اللّغات الأخر للعاجز عن العربية أبعد ، فيتعيّن (٢) إرادة ما يرادفهما لغة أو عرفا ، فيشمل «شريت» و «اشتريت».

لكن الإشكال المتقدّم (٣) في «شريت» أولى بالجريان هنا (٤) ، لأنّ «شريت» استعمل في القرآن الكريم في البيع ، بل لم يستعمل فيه إلّا فيه (٥). بخلاف

______________________________________________________

(١) أي : وحمل العطف على إرادة .. إلخ. وغرضه بيان توهّم ودفعه. أما التوهم فتقريبه : أنّه يمكن أن يراد من كلمتي «شبههما ، يقوم مقامهما» أمر آخر غير ما استظهره المصنف ، بل المراد ما يدلّ على معنى «بعت وملّكت» في سائر اللغات ، بأن يقول بالفارسية «فروختم ، مال تو قرار دادم» وهكذا ترجمة الصيغتين في اللّغات الأخرى.

وعلى هذا فلا يمكن أن ينسب إلى الفقهاء إرادة صيغة «اشتريت» من كلمة «أو ما أشبه أو ما يقوم» ونتيجة ذلك منع قول المصنف : «قد يستظهر».

وأمّا الدفع فهو : أنّ حمل «ما أشبههما» على ترجمة «بعت» بالنسبة إلى العاجز عن العربية في غاية البعد ، إذ لو كان مرادهم مدلول خصوص صيغتي «بعت وملّكت» في سائر اللغات لزم أن يقولوا : «إيجاب البيع : بعت وملّكت للقادر على العربية ، ومرادفهما من سائر اللغات ، أو : ما يقوم مقامهما من سائر اللغات» مع أنّهم قالوا : «إيجاب البيع : بعت وملّكت وما أشبههما» ولا مجال إلّا لأن يراد من «الشّبه» سائر الألفاظ الدالّة على إيجاب البيع مثل «شريت ، اشتريت».

(٢) هذا متفرع على أبعدية حمل العطف على المرادف من سائر اللغات.

(٣) وهو قلّة استعماله عرفا في البيع ، واحتياجه إلى القرينة المعيّنة.

(٤) يعني : في لفظ «اشتريت» وجه الأولوية هو اشتمال «اشتريت» على تاء المطاوعة.

(٥) أي : لم يستعمل ـ في القرآن ـ إلّا في البيع.

٣٩٦

«اشتريت» (١) (*).

______________________________________________________

(١) فإنّه لم يستعمل في إنشاء الإيجاب ، بل اقتصر في محكي التذكرة ـ من ألفاظ القبول ـ على خصوص «اشتريت» (١).

__________________

(*) قال سيدنا الأستاذ قدس‌سره : «وينبغي أن يكون جواز الإيجاب به مبنيّا على جواز الإيجاب بالمجاز ، لأنّ استعمال اشتريت بمعنى بعت وشريت مجاز» (٢).

وفيه ما عرفت من أنّ الاشتراء ـ كما تقدّم عن شرح القاموس ـ من الأضداد ، فاستعمال «اشتريت» في إيجاب البيع ليس مجازا ، بل هو حقيقة بقرينة معيّنة. وعلى تقدير المجازية لا بأس بها ، لما مرّ من جواز الإنشاء ، بكلّ ما يكون ظاهرا عرفا في المعني المقصود ، وعدم دليل تعبّدي على اعتبار الإنشاء بما يكون دلالته على المقصود بالوضع ، هذا.

ثم إنّه مع الغض عن كون «اشتريت» من الأضداد يمكن إثبات جواز الإيجاب به أيضا ، لأنّ الاشتراء كما عن القاموس «ترك الشي‌ء والتمسك بغيره» ومنه (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) وعليه فالإشتراء يستعمل حقيقة في الإيجاب.

وقد يقال : إنّ «اشتريت» متمحضة في القبول حقيقة ، لكون هيئة الافتعال والتفعّل لمطاوعة فعل الغير ، كما يظهر من تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدس‌سره.

لكنّه ليس كذلك ، لأنّ هذه المطاوعة عبارة عن اتخاذ الذات للمبدأ مطلقا سواء أكان المبدأ صادرا من نفسه كالاكتساب والاحتطاب والاحتشاش ونحوها ، وكما في التعمم والتقمص والتّسربل والتكبر ونحوها ، أم من غيره.

وعليه فإن تعلّقت المطاوعة بمال نفسه كان معناه اتخاذ المبدأ من نفسه ، وهو تمليك مال نفسه بعوض. وإن تعلّقت بمال الغير كان معناه اتخاذ البيع من الغير ، وحينئذ يكون مصداقا للقبول والمطاوعة الحقيقة.

ومنه يظهر أنّ وقوعه موقع الإيجاب يناسب مفهومه ، لا أنه يبتني على كون «الشراء والاشتراء» من الأضداد ، فلاحظ وتدبّر.

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ١٥٢

(٢) نهج الفقاهة ، ص ٩٦

٣٩٧

ودفع (١) الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة (٢) تقديمه الدّال على كونه إيجابا ، إمّا بناء على لزوم تقديم الإيجاب على القبول ، وإمّا لغلبة ذلك ، غير (٣) صحيح ، لأنّ الاعتماد على القرينة غير اللفظية في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت (٤) ما فيه.

______________________________________________________

(١) مبتدأ ، خبره «غير صحيح» والمراد بالإشكال هو قوله : «لكن الإشكال المتقدم في شريت أولى بالجريان هنا» ومقصود الدافع تصحيح إيجاب البيع ب «اشتريت» فالإشكال الوارد على «شريت» لا يجري في «اشتريت».

وحاصل وجه الدفع هو : أنّ إنشاء الإيجاب بلفظ «اشتريت» إن كان مع القرينة الموجبة لظهوره في إنشاء الإيجاب فلا بأس به. ثم إنّ القرينة عبارة عن لزوم تقديم الإيجاب على القبول ، أو غلبة ذلك الموجبة لظهور «اشتريت» مع التقديم في إنشاء الإيجاب.

(٢) متعلق ب «دفع» وبيان له ، وضمير «تقديمه» راجع إلى «اشتريت».

(٣) خبر «ودفع» وحاصل الإشكال على هذا الدفع عدم صلاحية القرينة ـ غير اللفظية ـ على تعيين المراد من ألفاظ العقود ، فلا يصلح لزوم تقديم الإيجاب على القبول ـ أو غلبته ـ لتعيين المراد ، وهو الإيجاب من لفظ «اشتريت».

(٤) حيث قال : «والأحسن منه أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة الوضعية .. الى أن قال : وهذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد» لاحظ (ص ٣٥٨).

وحاصله : اعتبار الدلالة الوضعية في العقود ، سواء أكان اللفظ الدال على إنشاء العقد بنفسه موضوعا له ، أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ آخر موضوع له ، ليرجع الإفادة بالأخرة إلى الوضع ، إلى آخر ما أفاده.

٣٩٨

إلّا (١) أن يدّعى أنّ ما ذكر سابقا ـ من اعتبار الصراحة ـ مختصّ بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد وتميّزه عمّا عداه من العقود. وأمّا تميّز إيجاب عقد معيّن عن قبوله ـ الراجع إلى تميز البائع عن المشتري ـ فلا يعتبر فيه الصراحة ، بل يكفي استفادة المراد ولو بقرينة المقام ، أو غلبته ، ونحوهما.

وفيه إشكال (٢) (*).

______________________________________________________

(١) غرضه تصحيح الاعتماد على القرينة غير اللفظية كغلبة تقديم الإيجاب على القبول ـ أو لزومه ـ في الدلالة على تعيين المراد من ألفاظ العقود.

ومحصّله : أنّ اعتبار صراحة الدلالة إنّما هو في تشخيص عنوان العقد كالبيع وتمييزه عمّا عداه من سائر العقود ، لا في تمييز الإيجاب عن القبول في عقد قد تميّز عنوانه عن غيره من العقود. والمفروض في المقام تميّز العقد ـ وهو البيع ـ عن سائر العقود ، فلا تعتبر الصراحة في الدلالة على الإيجاب ، بل تكفي الدلالة عليه بالقرينة المقامية.

(٢) أي : في عدم اعتبار الصراحة في لفظ الإيجاب ـ وتردّده بين الإيجاب والقبول ، وتعيّن أحدهما بالقرينة ـ إشكال. وجه الإشكال : ظهور كلماتهم في عموم المنع لذلك ، وعدم اختصاص اعتبار الصراحة بعنوان العقد ، فالصراحة معتبرة في تميّز العقد عمّا عداه من العقود ، وفي تميّز إيجاب عقد معيّن عن قبوله أيضا ، فتوجيه إنشاء الإيجاب بغير ما يكون صريحا فيه بقوله : «إلّا أن يدّعى أن ما ذكر سابقا .. إلخ» مشكل.

__________________

(*) وقد ظهر مما قدّمناه سابقا عدم اعتبار الصراحة أصلا ، لا في تمييز عنوان العقد عمّا عداه من العقود ، ولا في تمييز الإيجاب عن القبول.

نعم إذا استند في اعتبار الصراحة إلى الإجماع فالمتيقن منه هو اعتبار الصّراحة في الدلالة على تعيين عقد خاص ، لا في تمييز الإيجاب عن القبول. لكن في الإجماع ما لا يخفى.

٣٩٩

وأمّا القبول (١) فلا ينبغي (*) الإشكال في وقوعه بلفظ : قبلت ورضيت واشتريت وشريت (٢) وابتعت وتملّكت وملكت مخفّفا. وأمّا «بعت» فلم ينقل إلّا من الجامع ، مع أنّ المحكيّ عن جماعة من أهل اللغة (٣) اشتراكه بين البيع والشراء.

______________________________________________________

ب : ألفاظ القبول

(١) هذا المقام الثاني من مبحث ألفاظ الإيجاب والقبول ، ومحصّل هذا المبحث على ما أفاده المصنف قدس‌سره هو : أنّه لا ينبغي الإشكال في وقوع القبول بلفظ «قبلت» إلى آخر ما في المتن. واشتراك بعضها لفظيّا أو معنويا غير قادح بعد الاحتفاف بالقرينة المقالية أو الحالية على تعيين المعنى المقصود كما تقدم.

(٢) الأوّل مأخوذ من «شريت» بمعنى «بعت» فيكون بمعنى «ابتعت» ، والثاني مقابل «بعت» لفرض كون «شريت» من الأضداد.

(٣) قال في مجمع البحرين : «والبيع الإيجاب والقبول» (١) ومقصود المصنف قدس‌سره أنه مع قول جماعة من اللغويين باشتراك لفظ «البيع» بين البيع والشراء كيف لم يذكر لفظ «بعت» من ألفاظ القبول إلّا يحيى بن سعيد في جامعه ، على ما حكاه السيد العاملي من قوله : «والقبول : قبلت أو شريت ، أو بعت» (٢).

لكن الموجود في النسخة المطبوعة من الجامع «ابتعت» بدل «بعت» فراجع (٣).

__________________

(*) نفي الإشكال مبنيّ على مذهبه قدس‌سره من عدم اعتبار ألفاظ خاصة في إنشاء عقد البيع. وأمّا مع اعتبارها فلا يخلو نفي الإشكال عن الغموض كما لا يخفى.

وكيف كان فالبحث فيما أفاده من ألفاظ القبول يقع في ناحيتين :

إحداهما : في انحصار الألفاظ الدالة على القبول وعدمه.

__________________

(١) : مجمع البحرين ، ج ٤ ، ص ٣٠٤

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٢

(٣) الجامع للشرائع ، ص ٢٤٦

٤٠٠