الحدائق الناضرة - ج ١٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

الا أنه قد روى في التهذيب في الموثق عن محمد بن قيس (١) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «قضى علي (عليه‌السلام) أنه ليس في إباق العبد عهدة الا أن يشترط المبتاع».

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن قيس (٢) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «ليس في الإباق عهدة».

والظاهر أن المراد بالعهدة هنا الخيار ، لما في حديث يونس (٣) ان العهدة في الحيوان وحده إلى سنة وفي حديث عبد الله بن سنان (٤) «وعهدته يعني الرقيق السنة»

وحينئذ فمقتضى الخبرين المذكورين بعد الجمع بينهما لحمل مطلقهما على مقيدهما هو أنه لا خيار في الإباق الا أن يشترط المشترى عدم ذلك وهو مشكل ، لما عرفت من كلام الأصحاب مما ظاهرهم الاتفاق عليه ، مع الصحيحة المتقدمة ، ولم أطلع على من تعرض لذكر هذين الخبرين في المقام ، فضلا عن الجواب عنهما ، قالوا ولو تجدد عند المشترى في الثلاثة فهو كما لو وقع عند البائع.

السابعة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، أنه إذا اشترى زيتا أو بذرا (٥) أو نحوهما فوجد فيه ثفلا فان كان مما جرت العادة بمثله لم يكن له رد ولا أرش ، وكذا لو كان كثيرا وعلم به قبل البيع. وفي حسنة ميسر. المتقدمة في قسم العيب التفصيل بنحو آخر.

قال : ان كان المشترى يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب العيوب.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العيوب الرقم ـ ٥.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٧٢.

(٥) البذر هو دهن الكتان وهو على حذف مضاف أى دهن البذر والثفل بالضم والسافل ما استقر تحت الشي‌ء من الكدر ـ منه رحمه‌الله.

١٠١

وان لم يكن يعلم فله أن يرده ، ويمكن إرجاع الرواية الى ما ذكروه بمعنى أنه ان كان يعلم أن هذا بحسب العادة مما يكون في الزيت ونحوه لم يكن له الرد ، والا فله ، الا أنه يبقى فرد آخر وهو ما إذا لم يعلم ذلك وظن أنه خالص من الثفل.

والأقرب أن الحكم فيه ما ذكره الأصحاب ، تنزيلا للعادة منزلة العلم بذلك ، كما في كثير من المواضع ، ونظرا الى ان مثل ذلك هنا ليس عيبا ، لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالبا.

الا انه ربما أشكل ذلك فيما لو كان كثيرا وعلم به ، باعتبار الجهل بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر ، والمشاهدة في مثل ذلك غير كافية.

ويمكن اندفاع ذلك بان معرفة مقدار الجميع كافية ، كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل ، ونحوه التراب في الحنطة والشعير ونحوهما والتبن في الأولين ، وأما ما عدا ذلك فلا إشكال في كونه عيبا يترتب عليه أحكامه.

الثامنة ـ إذا قال المشترى : هذا العيب كان عند البائع ، وأنكر البائع ذلك فالقول قول البائع مع يمينه عملا بالقاعدة المنصوصة ، ولأصالة عدم التقدم الا ان يكون للمشتري بينة أو شاهد حال.

والمراد بشاهد الحال نحو زيادة الإصبع واندمال الجرح مع قصر زمان البيع ، بحيث لا يحتمل تأخره عادة.

ويعتبر في شاهد الحال هنا كونه مفيدا للقطع ، فيقدم قول المشتري حينئذ بغير يمين ، ولو شهد الحال للبائع كذلك ، كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع فلا يمين عليه ايضا ، وحيث يفتقر البائع إلى اليمين ، فلا بد أن يحلف على القطع بعدم العيب ، لا على عدم العلم ، ان كان اختبر المبيع قبل البيع ، واطلع على خفايا أمره ، كما يشهد بالقطع على الاعتبار ، وبالعدالة وغيرهما مما يكتفى فيه بالاختبار ، الظاهر ، ولو لم يكن اختبره ففي جواز حلفه على القطع ، عملا بأصالة

١٠٢

العدم واعتمادا على ظاهر السلامة نظر ، واستقرب في التذكرة هنا الاكتفاء بالحلف على نفى العلم ، واستحسنه في المسالك لاعتضاده بأصالة عدم التقدم ، فيحتاج المشترى الى إثباته.

التاسعة قالوا إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ومثلها تحيض كان ذلك عيبا ، لانه لا يكون الا لعارض غير طبيعي.

أقول : هذا قول الأكثر ، وعليه تدل

رواية داود بن فرقد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل ، فقال : ان كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه».

وأنت خبير بأنه وان اشتمل السؤال على تأخر الحيض ستة أشهر ، الا أن الجواب لم يتقيد به ، فإنه (عليه‌السلام) انما علق الحكم على حيض مثلها ، وأراد به نفى الصغر واليأس ، وان كان ذلك مستفادا من الإدراك ، فإن من المعلوم ان من كانت كذلك فان مثلها تحيض في تلك المدة ، وحينئذ فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد من غير تقييد بالستة الأشهر كان حسنا.

ويظهر من ابن إدريس على ما نقله عنه في المسالك نفى الحكم رأسا ، وإنكار كون عدم الحيض عيبا ، والرواية به صريحة في رده كما عرفت.

ثم ان ما دل عليه الخبر ، من جواز الرد بعد ستة أشهر مما لا اشكال فيه إذا لم يتصرف تصرفا موجبا لسقوط الخيار كما تقدم ، وأما مع التصرف فظاهر الخبر كونه كذلك أيضا ، فإن عدم التفصيل دليل على العموم ، في أمثال هذا المقام ، ويؤيده أن العادة قاضية بأنه لا تمضى على المملوك قدر هذه المدة من غير تصرف ، بأن يأمره مولاه افعل كذا وافعل كذا من الأغراض والمطالب التي تتعلق غرض السيد بها وهو مشكل ، لقيام الأدلة كما عرفت سابقا على أن التصرف مسقط للخيار ، الا أن يقال :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢١٣.

١٠٣

باستثناء هذا العيب للرواية المذكورة.

العاشر ـ قد صرح الأصحاب وبه نطقت الأخبار بأنه يرد المملوك من أحداث السنة ، بمعنى أن هذه الأمراض إذا حدثت ما بين الوقت البيع الى تمام السنة كان للمشتري رد المملوك بها ، وان لم يكن الرد في السنة ، لأن خيار العيب ليس على الفور.

ويؤيده رواية أسباط الاتية ، وعدها بعضهم بالجنون والجذام والبرص ، وزاد بعض القرن ، والذي وقفت عليه من الاخبار هنا صحيحة أبي همام (١) المتقدمة قريبا في المسألة السادسة ، وقد تضمنت الثلاثة المتقدمة.

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن على (٢) وهو مجهول ، وان احتمل بعض مشايخنا كونه الحلبي قال : «سمعت الرضا ـ (عليه‌السلام) يقول : يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص والقرن ، قال : فقلت : وكيف يرد من أحداث السنة؟ قال : فقال : هذا أول السنة ـ يعني المحرم ـ فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي (٣) والشيخ في التهذيب (٤) عن ابن فضال عن أبى الحسن الرضا (عليه‌السلام) «أنه قال : ترد الجارية من أربع خصال : من الجنون والجذام والبرص والقرن والحدبة» كذا في التهذيب ، وفي الكافي ـ والقرن الحدبة الا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج الصدر».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٦٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢١٦.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٦٤.

١٠٤

وما رواه في الكافي عن على بن أسباط عن أبى الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يتفرقا واحداث السنة ترد بعد السنة ، قلت : وما أحداث السنة؟ قال الجنون والجذام والبرص والقرن ، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد صاحبه الى تمام السنة من يوم اشتراه».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال في الموثق عن ابن فضال (١) عن أبى الحسن (عليه‌السلام) قال : «في أربعة أشياء خيار سنة ، الجنون والجذام والبرص والقرن». وأكثر هذه الاخبار قد اشتمل على هذه الأربعة ، فيجب حمل ما عداها عليها.

بقي الكلام هنا في مواضع : الأول ـ ذكر الحدبة في رواية ابن فضال على تقدير رواية الكافي الظاهر أنه تفسير للقرن ، وهو خلاف المعروف ، لان القرن كما هو المشهور بين الفقهاء واللغويين هو شي‌ء كالسن يكون في باطن الفرج يمنع من الجماع ، وعلى تقدير رواية التهذيب يكون معطوفة على الأربع المذكورة ، وهو بعيد أيضا ، لخلو الأخبار المذكورة في المسألة عن ذلك : سيما مع اختلاف الكتابين في ذلك.

وقيل : ان المراد به أن القرن والحدبة يشتر كان في كونهما بمعنى النسق ، لكن أحدهما في الفرج والأخر في الصدر ، ولا يخفى ما فيه ، وبالجملة فإنه يشكل الاعتماد على هذه الرواية في عد الحدبة.

الثاني ظاهر المحقق الأردبيلي هنا الاستشكال في عد القرن في جملة هذه العيوب ، لعدم عده في صحيحة أبي همام المقطوع بصحتها ، وعدم ظهور القول به.

وأنت خبير بما فيه ، فان روايات المسألة كلها عدا الصحيحة المذكورة قد اشتملت عليه ، ورد هذه الاخبار كلها باعتبار خلو تلك الرواية عنه مع إمكان تقييدها

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العيوب الرقم ـ ٧.

١٠٥

بهذه الاخبار بعيد ، فإن غاية الأمر أنها مطلقة ، لا أن فيها ما يدل على نفيه ، لتحصل المخالفة الموجبة لترجيحها لصحتها ، بناء على هذا الاصطلاح الذي بنى عليه.

وأما قوله لعدم ظهور القول به ، فان فيه أن الشهيد في الدروس قد عده في جملة هذه الأربعة ، بل قال في المسالك والمشهور ثبوت الحكم للأربعة المذكورة في رواية على بن أسباط ، مع أن منها القرن كما عرفت.

ثم ان المحقق المذكور استشكل أيضا في عد البرص هنا ، لورود أن العهدة فيه ثلاثة أيام في حسنة عبد الله بن سنان ، (١) وهي ما رواه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام ان كان بها خبل أو برص أو نحو هذا ، وعهدته السنة من الجنون فما بعد السنة فليس بشي‌ء».

وأقول : والاشكال هنا ظاهر ، الا أن الأظهر هو العمل بهذه الأخبار الكثيرة التي فيها الصحيح باصطلاحهم ، سيما مع اعتضادها باتفاق الأصحاب على عد البرص منها ، ويحتمل وان بعد ان لفظ البرص في الحسنة المذكورة تحريف «مرض» من بعض الرواة ، فإن قرب التحريف بين أحد هذين اللفظين إلى الأخر مما لا ينكر.

الثالث ـ ظاهر هذه الاخبار الرد في المدة المذكورة وان تصرف ، إذ يبعد كل البعد أن يشترى الإنسان مملوكا ويبقى مدة سنة لا يأمره بفعل ولا يكلفه بشي‌ء يوجب التصرف ، مع ما علم علما يقينا من أن اشتراء المماليك انما هو للخدمة والانتفاع بهم في وجوه المنافع المترتبة عليهم ، والمفهوم من كلام الأصحاب هنا تقييد الخيار في هذه المدة بعدم التصرف ، فلو تصرف فليس له الأرش عملا بالقاعدة المتقدمة في العيب (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٧٢.

(٢) قال في الدروس بعد عد الأربعة المذكورة ، وهذه الأربعة يرد بها الرق ، ولو تجددت ما بين العقد والسنة ما لم يتصرف والا فالأرش. انتهى ونحوه العلامة في القواعد والإرشاد وغيرهما منه رحمه‌الله.

١٠٦

وأنت خبير بما فيه من البعد ، بالنظر الى ظواهر هذه الاخبار ، بالتقريب الذي ذكرناه ، وليس في شي‌ء من هذه الاخبار إشارة فضلا عن التصريح الى التقييد بعدم التصرف ، ضمن هذه المدة المذكورة ، وحينئذ فلا يبعد استثناء هذه العيوب من قاعدة عدم جواز الرد مع التصرف ، وليس تقييد هذه الاخبار بعدم التصرف كما هو ظاهر كلامهم بأولى من تقييد الأردبيلي تلك بعدم هذه العيوب والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق الأردبيلي قدس‌سره.

الرابع ـ قد استشكل شيخنا الشهيد الثاني هنا في حكم الجذام ، حيث قال بعد أن ذكر أن المشهور ثبوت الحكم للأربعة : ولكن يبقى في حكم الجذام إشكال ، فإنه يوجب العتق على المالك قهرا كما سيأتي ، وحينئذ فإن كان حدوثه في السنة دليلا على تقدمه على البيع ، لما قيل في تعليل الرد بهذه الأحداث : ان وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل البيع ، لأنها تكن في البدن سنة ، ثم تخرج ، فيكون عتقه على البائع ، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع ، فلا يتجه الخيار.

وان حمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشترى موجبا لعتقه قبل أن يختار الفسخ ، إذ ليس له اختيار حتى يتحققه ، ومتى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ فيشكل جوازه بعد العتق ، وقد تقدم نظيره.

ويمكن حله بان الحكم بعتقه بالجذام مشروط بالفعل ، كما هو ظاهر النص ، ولا يكتفى بوجوده في نفس الأمر ، فلا يعتق على البائع قبل بيعه ، لعدم ظهوره ، ولا بعده قبل الفسخ ، لعدم ملكه ، وعتقه على المشترى موقوف أيضا على ظهوره ، وهو متأخر عن سبب الخيار ، فيكون السابق مقدما ، فيتخير ، فان فسخ عتق على البائع بعده ، وان اختار الإمضاء عتق على المشترى بعده ، فينبغي تأمل ذلك. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) في تعليل عدم انعتاقه على البائع جيد لما ذكره ، وانما الإشكال فيما ذكره من عدم عتقه على المشترى ، وتعليله ذلك بأن انعتاقه على المشترى موقوف على ظهوره ، وهو متأخر عن سبب الخيار ، فانى لا أعرف له

١٠٧

وجها وجيها ، إذ لا يخفى أن سبب الخيار انما هو ظهور هذه العيوب المذكورة ، كما تنادي به الاخبار المتقدمة (١) ولا أعرف له سببا غير الظهور ، فكيف يتم قوله ، ان الظهور متأخر عن سبب الخيار ، ويترتب على ذلك ما ذكره من حصول الخيار له ، لتقدم سببه على سبب العتق ، وبالجملة فإني لا أعرف لما ذكره (قدس‌سره) وجها ولعله لضعف فهمي القاصر.

ويمكن أن يجاب بأن الانعتاق بالجذام ونحوه ، انما هو في الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار ولا فسخ ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فإنه مراعى بمضي السنة سالما من العيوب المذكورة ، إذ مع ظهورها في هذه المدة فله رده ، فهو غير مستقر ، وملخص البحث أن هذه الروايات مع كثرتها وصحة بعضها صريحة في الرد بهذه العيوب التي من جملتها الجذام ، وقد اتفقت على الرد به ، على أن ما ذكروه من الخيار في الصورة المذكورة سيأتي إنشاء الله تعالى في المقام ما فيه.

ما روى في الانعتاق بالجذام انما هو رواية السكوني (٢) وان كان ظاهرهم الاتفاق على القول بها ، وهي تضعف عن معارضة هذه الاخبار لو ثبتت المعارضة والمنافاة ، فالواجب هو العمل بهذه الاخبار وحمل رواية السكوني على استقرار الملك.

__________________

(١) لقوله (عليه‌السلام) في بعضها «فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته». وفي آخر «فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرده على صاحبه الى تمام السنة». وهي كما ترى ظاهرة في أن سبب الرد هو ظهور شي‌ء من ذلك كما ذكرناه منه رحمه‌الله.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٨٩ الفقيه ج ٣ ص ٨٤ الوسائل الباب ٢٣ من أبواب العتق الرقم ٢.

١٠٨

وبذلك يظهر ما في قوله تفريعا على ما قدمه ، فان فسخ عتق على البائع بعده ، وان اختار الإمضاء عتق على المشترى بعده ، وأين هذا التفصيل من ظاهر الاخبار المذكورة ، وهي انما تضمنت الرد بظهور أحد هذه العيوب خاصة ، وبالجملة فالمسألة غير خالية عن شوب الاشكال.

الخامس ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو أنه بظهور أحد هذه العيوب ضمن السنة فإنه يتخير بين الرد والأخذ بالأرش ، كما هو قضية خيار العيب ، والروايات المذكورة على كثرتها انما تضمنت للرد خاصة ، وهي موافقة للروايات التي قدمناها في خيار العيب حيث انها تضمنت الرد خاصة ، وأما الأرش فإنما هو في صورة التصرف المانع من الرد.

ويظهر من التحقق الأردبيلي (قدس‌سره) الموافقة لنا هنا ـ فيما فهمناه من أخبار المسألة حيث قال هنا في تقييد المصنف الرد بعدم التصرف ومعه الأرش خاصة ـ ما لفظه : وأما انه إذا تصرف فليس له الا الأرش فلا يجوز الرد ، وقبله كان مخيرا ، فلما تقدم وثبت عندهم ان الرد يسقط مع التصرف في العيب مطلقا دون الأرش ، إلا ما استثنى ، وليس هذا منه.

وقد مر الإشارة الى أنى ما رأيت دليلا صحيحا صريحا في التخيير مطلقا ، ولكن يظهر عدم الخلاف منهم ، وهم أعرف. انتهى.

وأشار بقوله وقد مر الإشارة الى آخره الى ما ذكره سابقا في خيار العيب من المناقشة في عدم دليل يدل على الخيار بين الرد والقبول مع الأرش بعد ظهور العيب ، وعدم وجوب شي‌ء من مسقطات الخيار.

حيث قال ـ بعد المناقشة لهم في المقام بما يطول به الكلام ـ ما لفظه : نعم يوجد في الاخبار ما يدل على الرد بالعيب قبل الحدث ، والتصرف والأرش بعده ، مع عدم البراءة من العيوب. انتهى.

وهو جيد كما أسلفناه ذكره ثمة ، إلا أنك قد عرفت مما قدمنا في خيار العيب

١٠٩

دلالة ظاهر عبارة كتاب الفقه الرضوي (١) على ما ذكره الأصحاب ، فلعلها كانت هي المستند ، وان غفل عنها المتأخرون ، لعدم وصول الكتاب إليهم ، وقد ذكرنا في غير موضع من كتب العبادات نظائر لذلك تدفع الاستبعاد.

وأنت خبير بان هذا الكلام وان كان الأنسب به بحث خيار العيب ، إلا انا لم نقف عليه في كلام المحقق المذكور الا بعد الوصول الى هذا المكان ، فذكرناه هنا مؤيدا لما فهمناه من الاخبار الواردة في المسألة ما سبق ، وما هنا ، والله العالم.

الحادي عشر ـ إذا حدث في الحيوان عيب بعد القبض من غير جهة المشترى ، وقبل انقضاء الثلاثة ، فالأقرب أنه يجتمع الخياران للمشتري ، وان بقي خيار العيب بعد الثلاثة ، إذ لا يتقيد خيار العيب بالثلاثة.

والمنقول عن المحقق ـ في الدرس على ما نقله في الدروس ـ أنه ليس له الرد إلا بأصل الخيار ، لا بالعيب ، ويشير اليه قوله ـ في الشرائع ، ـ وما يحدث في ـ الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار ، فلا يمنع الرد في الثلاثة (٢).

قال في المسالك : المفهوم من قوله لا يمنع الرد وجعل الثلاثة ظرفا له ، ـ أن الرد بخيار الثلاثة لا بهذا العيب الحادث ، ووجه عدم منعه من ذلك ظاهر ، لان العيب الحادث في الثلاثة من غير جهة المشتري مضمون على البائع كالعيب السابق ، فلا يكون مؤثرا في رفع الخيار ، وهذا هو المنقول من مذهب المصنف

__________________

(١) ص ٦٤.

(٢) قال في الدروس ولو حدث في المبيع عيب غير مضمون على المشترى لم يمنع من الرد ، وان كان قبل القبض أو في مدة خيار المشترى المشروط أو الأصل فله الرد ما دام الخيار ، ولو خرج الخيار ففي الرد خلاف بين ابن نما وتلميذه المحقق ، فجوزه ابن نما ، لانه من ضمان البائع ، ومنعه المحقق ، لان الرد لمكان الخيار ، وقد زال. انتهى والناقل ذلك ـ في الدرس ـ الشهيد (رحمه‌الله) ـ في اللمعة ، منه رحمه‌الله.

١١٠

في المسألة ، (١) والمنقول عن ابن نما وهو شيخ المحقق أن الخيار في المسألة المذكورة بالعيب الحادث بالتقريب المذكور آنفا ، وهو كون هذا العيب الحادث كالعيب السابق مضمونا على البائع ، فكما يتخير المشترى ، بالسابق يتخير بهذا أيضا بين الرد والأخذ بالأرش.

وتظهر فائدة الخلاف في ثبوت الخيار بعد تمام الثلاثة وعدمه ، فعلى الأول يرتفع ، دون الثاني ، لما عرفت من ان خيار العيب لا يتقيد بالثلاثة ، وغاية ما يلزم حصول الخيار في الثلاثة بعلتين من العيب ، وكون المبيع حيوانا ، وهو غير مانع ، فان علل الشرع ليست عللا حقيقية يمتنع اجتماعهما ، وانما هي معرفات كما في اجتماع خيار المجلس والحيوان ، والشرط والغبن والعيب ، فإنه يمكن اجتماعها على عين واحدة.

وكذا تظهر الفائدة هنا فيما لو شرط إسقاط بعضها ، فلو أسقط الخيار الأصلي أو المشترط فله الرد بالعيب على قول ابن نما دون قول المحقق ، قال في المسالك : وقول ابن نما هنا أوجه.

وقال في الروضة والأقوى التخيير بين الرد والأرش كالمتقدم ، لاشتراكهما

__________________

(١) أقول : ويزيده إيضاحا أنه قد منع في هذا الموضع أنه ليس له الرد الا بالخيار دون العيب ، مع أنه صرح في الشرائع بأن الحدث الموجب لنقص الحيوان في الثلاثة من مال البائع وكذا التلف مع حكمه بعد ذلك بلا فصل بعدم الأرش فيه ، وهذا مما ينافي كلامه المتقدم ، فان مقتضاه إسقاط ما يترتب على العيب بالكلية ، وهذا الكلام يقتضي أنه بالعيب والتلف مضمون على البائع ، كالجملة ، لزم منه الحكم بالأرش ، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا الا ثبوت أرشه ، لأن الأرش عوض الجزء الفائت أو التخيير بينه وبين الرد كما أن ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع عوضها ، وهو الثمن. منه رحمه‌الله.

١١١

في ضمان البائع وعدم المانعية من الرد ، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين ابن نما. انتهى.

ومنه يعلم وجه الا وجهية الذي ذكره في المسالك.

ثم ان ظاهر عبارة القواعد هنا الموافقة لما ذكره المحقق ، حيث قال : وكل عيب يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة قال المحقق الشيخ على : والخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان ، وكذا كل خيار مختص بالمشتري انتهى. ولم ينقل هنا في المسألة خلافا ، ولعله لعدم الوقوف على ما نقل عن ابن نما هنا.

الثانية عشر ـ عد العلامة في القواعد العيوب في هذا المقام ، فقال : وحقيقته ـ يعنى العيب ـ هو الخروج عن المجرى الطبيعي ، لزيادة أو نقصان موجب لنقص المالية ، كالجنون ، والجذام ، والبرص ، والعمى ، والعور ، والعرج ، والقرن ، والفتق ، والرتق ، والقرع ، والصمم ، والخرس ، وأنواع المرض سواء استمر ، كما في الممراض ، أولا كالعارض ولو حمى يوم ، والإصبع الزائدة ، والحول ، والخوص ، والسبل ، وهو زيادة في الأجفان ، والتخنيث ، وكونه خنثى. والجب والخصاء وان زادت بهما قيمته ، وبول الكبير في الفراش ، والإباق ، وانقطاع الحيض ستة أشهر وهي في سن من تحيض ، والثفل الخارج عن العادة في الزيت أو البزر ، واعتياد الزنا والسرقة ، والبخر والضناء (١) الذي لا يقبل العلاج ، وكون الضيعة منزل الجنود ، وثقيل الخراج ، واستحقاق القتل بالردة أو القصاص ، والقطع بالسرقة أو الجناية ، والاستسعاء في الدين ، وعدم الختان في الكبير دون الصغير والأمة ، والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشترى بجلبه.

__________________

(١) قال في مصباح المنير : ضني من باب تعب مرض مرضا ملازما حتى أشرف على الموت فهو ضن بالنقص ، والضناء بالفتح والمد اسم منه على آخوندى.

١١٢

والثيوبة ليست عيبا ، ولا الصيام ولا الإحرام ، ولا الاعتداد ، ولا التزويج ولا معرفة الغناء والنوح ، ولا العسر على اشكال ، ولا الكفر ، ولا كونه ولد زنا وان كان جارية ، ولا عدم المعرفة بالطبخ أو الخبز ، وغيرهما ، انتهى.

وزاد في الدروس الحدب في الظهر والصدر ، والسلع ، وعدم شعر الركب قال : وهي قضية ابن أبى ليلى مع محمد بن مسلم ، والحبل في الأمة ، دون الدابة ، والخيانة ، والحمق البين ، وشرب المسكر ، والنجاسة في غير قابل التطهير ، أو فيه إذا احتاج زوالها الى مؤنة واقتضى نقصا في المبيع ، وكونه لزنية ، وكونه أعس على الأقرب.

ثم قال : أما الكفر والغناء وعدم معرفة الصنائع ، وكونه محرما أو صائما ، أو حجاما أو حائكا فليس بعيب ، ثم قوى كون الكفر عيبا ، وفاقا لابن الجنيد والشيخ في أحد قوليه.

ونقل في الدروس عن الشيخ أنه لم يجعل البخر في الرقيق ، ولا بول الكبير في الفراش ولا الزنا عيبا ، وكذا عدم الختان مطلقا.

أقول : والمراد بالخروج عن المجرى الطبيعي : أي كل ما يزيد أو ينقص عن أصل الخلقة التي خلق عليها أكثر ذلك النوع وأغلبه ، وفي اندراج ثقيل الخراج ومنزل الجنود الذي عده هنا في ذلك محل اشكال ، لاختصاص ما ذكره بالحيوان الا أن يراد بعبارته ما هو أعم مما ذكر ، ومما جرى به العادة الغالبة ، ليكون على نهج مقتضى الطبيعة.

ثم ان في تقييده بكونه موجبا لنقص المالية كما ذكره في التذكرة أيضا إشكال لانتقاض ذلك بالخنثى والمجبوب وعدم الشعر على العانة فإنها عيوب ، مع أنها موجبة لزيادة المالية ، فكان الأظهر أن يقيد العبارة بقوله غالبا ، ولهذا ان جملة من الأصحاب لم يذكروا هذا القيد ، كالمحقق في الشرائع ، وهو (قدس‌سره) في القواعد وغيره ، ومن ثم استشكل جملة منهم في الأرش في هذه العيوب الثلاثة ،

١١٣

حيث أن العلة في الأرش النقصان ، وهو منتف هنا.

والقرن ـ في نهاية ابن الأثير ـ بسكون الراء : شي‌ء يكون في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطي ، ويقال له : العفل ، وفي كتاب الجمهرة لابن دريد بالتحريك قال : وامرأة قرناء ، وهي التي يظهر قرنة رحمها من فرجها ، وهو عيب ، والاسم القرن ، وضبطها ضبطا معتمدا محركة.

والفتق : بالتحريك على ما ذكره في النهاية قال : الفتق بالتحريك انفتاق المثانة ، وقيل : انفتاق الصفاق إذا دخل في فراق البطن ، وقيل هو أن ينقطع اللحم الذي على الأنثيين.

قال بعض المحققين : وضبطه في الغريبين بالتحريك أيضا ، قال : هكذا أقرأنيه الأزهري ، وعلى حاشية الفائق بخط بعض الأفاضل ان هذا وهم وافتراء على الأزهري ، وأنه وجد بخطه بالإسكان وعليه صح انتهى.

والرتق : على ما ذكره جملة من أهل اللغة بالتحريك ـ هو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه للذكر مدخل ، ورتقت المرأة رتقا من باب تعب ، فهي رتقاء إذا انسد مدخل الذكر من فرجها ، فلا يستطاع جماعها.

والقرع : بالتحريك قال في الجمهرة : وقرع رأس الإنسان يقرع : إذا انحات شعره. الذكر أقرع ، والمرأة قرعاء.

والحرض (١) : قال في كتاب المصباح المنير : حرض حرضا من باب تعب أشرف على الهلاك فهو حرض تسميه بالمصدر مبالغة.

والحول قال في القاموس : الحول محركة ظهور البياض في مواخر العين ، ويكون السواد من قبل الماق ، أو إقبال الحدقة على الأنف ، أو ذهاب حدقتها قبل

__________________

(١) لم يذكر هذا في صدر المسألة في كلام العلامة ، وكأنه سقط هناك من النسخ التي عندنا والله اعلم. منه رحمه‌الله.

١١٤

مؤخرها ، أو أن تكون العين كأنما تنظر الى الحجاج ، أو ان تميل الحدقة إلى اللحاظ وفي كتاب الجمهرة حول الرجل حولا إذا كان أحد سواد عينيه في موقه ، والأخر في لحاظه. وفي كتاب مجمع البحرين : ورجل أحول العين وحولت عينه ، واحولت ايضا بالتشديد.

والخوص بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، قال في كتاب مصباح المنير : (الخوص) مصدر من باب تعب ، وهو ضيق العين وغورها ، وفي القاموس الخوص بالخاء المعجمة. محركة غؤور العينين ، حوص كفرح فهو أخوص ، وبالمهملة محركة : ضيق في مؤخر العين أو في إحداهما. حوص كفرح فهو أحوص.

والسبل : وقد فسره المصنف بأنه زيادة في الأجفان ، وقال في القاموس والسبل غشاوة العين من انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة ، وظهور انتساج شي‌ء فيما بينهما كالدخان.

والتخنيث : أى كونه مخنثا ممكنا من نفسه ، وهو من أقبح العيوب.

والجب : قال في القاموس : الجب القطع كالجباب ، والاجتباب واستئصال الخصية.

والخصاء قال في القاموس : وخصاه خصا سل خصيتيه ، فهو خصى ومخصي ، وفي الصحاح : خصيت الفحل خصاء ممدودا إذا سللت خصيتيه.

والسلعة : قال في كتاب المصباح المنير : السلعة خراج كهيئة الغدة يتحرك بالتحريك ، قال الأطباء : هي ورم غليظ غير ملتزق باللحم ، يتحرك عند تحريكه ، ولها غلاف وتقبل التزايد ، لأنها خارجة عن اللحم. ولهذا قال الفقهاء : يجوز قطعها عند الأمن. انتهى.

والعس والاعس : هو قوة اليد اليسرى على ما تقوى عليه اليمنى مع ضعف اليمنى ، ووجه الإشكال في كلام العلامة المشار إليه بالأقربية في عبارة الدروس ،

١١٥

من أن المطلوب من المنافع حاصل ، ومن خروجه عن المجرى الطبيعي الذي تضمنته رواية محمد بن مسلم ، ووجه الأقربية التي ذكرها في الدروس ظاهر لدخوله تحت الرواية المذكورة.

أقول : والأصل في هذه المسألة قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في رواية محمد بن مسلم المتقدمة في خيار العيب (١) «كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب». مضافا الى ما ورد في النكاح من ذكر بعض هذه العيوب الا انه يشكل الحكم في كثير مما عدوه هنا مع عدم دخوله تحت الكلية المذكورة ، سيما مع كون بعضه عيبا في العرف مثل المخنث ، وما ذكر من حكم الضيعة في كلام العلامة ، ومن ثم اعترض بعضهم على عد الكفر عيبا بأنه ليس خروجا عن المجرى الطبيعي ، الا أن يقال : ان قوله (عليه‌السلام) (٢) «كل مولود يولد على الفطرة». قد يدل على خروجه عنه ، وفيه ما لا يخفى.

وبالجملة فالمسألة في جملة من الموارد لا تخلو من الاشكال ، لعدم الدليل العام الشامل لجميع ما ذكروه ، وما ذكره هنا في عبارة القواعد من تقييد الزنا والسرقة بالاعتياد ، خلاف ما صرح به في التذكرة والتحرير ، فإنه صرح بالحكمين خاليا من قيد الاعتياد ، وهو الذي صرح به في الدروس ايضا.

قال المحقق الشيخ على (رحمه‌الله) في شرح الكتاب : وظني أن الاعتياد غير شرط ، لأن الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرأة ، ولترتب وجوب الحد الذي لا يؤمن معه الهلاك عليها ، ثم قال : فعلى هذا يكون شرب الخمر عيبا ، ومال في التذكرة إلى عدمه.

أقول : وفي اندراج الزنا والسرقة تحت كلية العيوب المذكورة في الخبر

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٦٥ ح ٢٦.

(٢) البحار ج ٣ ص ٢٧٩.

١١٦

اشكال ، لما عرفت ، مع أنهما عيب عرفا ، ثم قال المحقق المذكور على اثر الكلام المتقدم : ولو حصلت التوبة الخالصة المعلوم صدقها بالقرائن القوية في هذه المواضع بعد تحقق العيب ، ففي زوال الحكم نظر ، انتهى.

أقول : الظاهر أنه لا إشكال في زوال الحكم ، لتصريح الاخبار (١) «بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له». سيما إذا كانت توبة نصوحا كما فرضه ، وكيف لا وبالتوبة النصوح يزول الفسق ، وتثبت العدالة الموجبة للأمانة ، وقبول الشهادة ، وأى عيب يبقى حينئذ بعد ذلك ، حتى أنه (قدس‌سره) تنظر في زوال العيب.

وما اختاره في كفارات القواعد من أن التولد من الزنا ليس عيبا هو أحد القولين ، وفي الدروس اختار كونه عيبا ، واحتمل في حواشي القواعد كونه عيبا لحصول النقص في نسب الولد.

وفيه أولا أن هذا ليس فيه خروج عن المجرى الطبيعي الذي بنوه عليه ثبوت العيب ، وثانيا أن المقصود من الجارية ، المالية لا الاستيلاد ، نظير ما صرحوا به في المتعة.

الثالثة عشر ـ المعروف من مذهب الأصحاب ـ من غير خلاف يعرف ـ انه إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ، ولو تطاولت المدة. نعم جعله في التذكرة أقرب ، وربما أشعر ذلك بخلاف في المسألة ، الا أنه لم ينقل ، ويحتمل كون ذلك في مقام الرد على الشافعي ، حيث نقل عنه الفورية في هذا الخيار ، قال : في المسالك وهو محتمل ان لم يثبت الإجماع بالتقريب السابق في نظائره ، انتهى.

ولا فرق عندهم بين أن يكون الغريم حاضرا أو غائبا ، خلافا لأبي حنيفة حيث شرط حضور الغريم في جواز الفسخ.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٦ من أبواب جهاد النفس الرقم ـ ٨ ـ ١٤.

١١٧

الفصل الرابع في أحكام العقود

والبحث هنا يقع في مطالب أربعة ، الأول ـ في النقد والنسيئة ، أي البيع الحال والمؤجل ، سمي الأول نقدا باعتبار كون الثمن منقودا ولو بالقوة ، والثاني مأخوذ من النسي‌ء وهو تأخير الشي‌ء ، تقول : أنسأت الشي‌ء إنساء : أى أخرته ، والنسيئة اسم : وضع موضع المصدر.

قال شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) : واعلم أن البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق ، أربعة أقسام : فالأول النقد ، والثاني بيع الكالئ بالكالئ بالهمز اسم فاعل أو مفعول من المراقبة ، لأن كلا من الغريمين يرتقب صاحبه لأجل دينه ، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن هو النسيئة ، وبالعكس السلف ، وكلها صحيحة عدا الثاني ، وقد ورد النهى عنه (١) وانعقد الإجماع على فساده.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٩١ وفي الحديث نهى (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن بيع الكالئ بالكالئ بالهمزة وبدونه ، ومعناه بيع النسيئة بالنسيئة ، وذلك كان يسلم الرجل الدراهم في طعام إلى أجل فإذا حل الأجل ، يقول الذي حل عليه الطعام ليس عندي طعام ، ولكن بعني إياه إلى أجل ، فهذه نسيئة انقلب إلى نسيئة نعم لو قبض الطعام وباعه إياه لم يكن كاليا بالكالئ «منه رحمه‌الله».

١١٨

أقول : الظاهر أن النهى عن بيع الكالي بالكالي ما هو من من طريق العامة (١) والذي في أخبارنا انما هو النهى عن بيع الدين بالدين كما في رواية طلحة بن زيد (٢) وفي الصحيح (٣) في بيع الدين قال : «لا يبيعه نسيئا ، فلما نقدا فليبعه بما شاء».

ويظهر من التذكرة ان بيع الكالئ بالكالئ هو أن يبيع الدين بالدين ، سواء كان مؤجلا أم لا (٤) وظاهرهم تحريم الأمرين كليهما وسيجي‌ء تحقيق المسألة إنشاء الله تعالى في كتاب الدين.

وفي هذا المقام مسائل.

(الاولى) ـ من اشترى مطلقا كان الثمن حالا من غير خلاف ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن عمار بن موسى في الموثق (٥) عن أبى عبد الله (ع) «في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمى ثم افترقا؟ قال : وجب البيع ، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد».

أقول : يعني إذا لم يشترطا التأخير ، ولو اشترطا التعجيل أفاد التأكيد ، لما عرفت من أن الإطلاق يقتضي التعجيل.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٩٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الدين الرقم ١ ـ الكافي ج ٥ ص ١٠٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٨.

(٤) قال ابن الأثير في النهاية : نهى عن الكالي بالكالي أى النسيئة بالنسيئة ، وذلك أن يشترى الرجل شيئا الى أجل ، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضى به ، فيقول بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شي‌ء فيبيعه منه ، ولا يجرى بينهما تقابض. انتهى منه.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام العقود الرقم ٢.

١١٩

قال في الدروس : فان شرطه تأكد ، وأفاد التسلط على الفسخ إذا عين زمان النقد وأخل المشترى به ، أقول : هذا مبنى على مذهبه في المسألة (١).

وأما على القول الأخر فإن الشرط لازم يجب الوفاء به ، ويجبر على ذلك ، وقد تقدم ذكر المسألة في المسألة الاولى من المقام الثاني في أحكام الخيار (٢) وان اشترط تأجيل الثمن ، وجب أن تكون المدة معينة مضبوطة لا تقبل الزيادة والنقصان (٣) فلو شرط التأجيل ولم يعين ، أو عين أجلا يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج وإدراك الغلة ، أو عين ما هو مشترك بين أمرين أو أمور ـ كالنفر من منى فإنه مشترك بين أمرين ، وشهر ربيع فإنه مشترك بين شهرين ـ لا يصح ، هذا هو المشهور ، وقيل : يصح ، ويحمل على الاولى في الجميع ، لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق بالأول ، لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد ، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط.

أقول : والمستفاد من الاخبار (٤) انما هو الأول ، وهو الذي عليه العمل ، ولا فرق في المدة بين كونها قصيرة أو طويلة ، بل قال في المسالك : «فلو شرطا ها ألف سنة ـ ونحوها ـ صح وان علما أنهما لا يعيشان إليها عادة ، للعموم ، ولان الوارث يقوم مقامهما.

__________________

(١) حيث انه قال في بحث الشرط : يجوز اشتراط سائغ في البيع ، فيلزم الشرط عليه من طرف المشترط عليه ، فان أخل به فللمشترط الفسخ ، وهل يملك إجباره عليه فيه نظر انتهى منه قدس‌سره.

(٢) ص ٦٥.

(٣) ومن أصرح الاخبار في ذلك قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في رواية غياث بن إبراهيم «لا بأس بالسلف كيلا معلوما إلى أجل معلوم ، ولا تسلمه الى دياس ولا الى حصاد» اى لا يكون الأجل دق الطعام أو حصاده ، وهو صريح في المدعى منه قدس‌سره.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السلف الرقم ـ ٥.

١٢٠