الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

فقد أحب ان يعصى الله تعالى ، ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين ، فقال (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١).

وعن أبي حمزة عن على بن الحسين عليه‌السلام في حديث ، قال : إياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين (٢).

وعن محمد بن عذافر ، عن أبيه ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : نبئت أنك تعامل أبا أيوب والربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟! قال فوجم ابى ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام لما رأى ما أصابه : أي عذافر ، إني إنما خوفتك بما خوفني الله عزوجل. قال محمد : فقدم ابى ، فما زال مغموما مكروبا حتى مات (٣).

الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع ، وهي صريحة في تحريم معونة الظالمين بالأمور المحللة ، على أبلغ وجه وآكده. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المذكور تبعا للمشهور ـ والكل ناش عن الغفلة عن تتبع الاخبار والوقوف عليها من مظانها.

نعم يجب ان يستثني من ذلك ما إذا ألجأته ضرورة التقية والخوف ، فان الضرورات تبيح المحظورات.

* * *

واما معونة الظالمين بما كان ظلما ومحرما فيدل على تحريمه : العقل والنقل ، كتابا وسنة.

ومنه : قوله عزوجل «وَلا تَرْكَنُوا ... الاية.

قيل : والركون هو الميل القليل. وقال في مجمع البحرين في تفسير الآية : اى لا تطمئنوا إليهم ، ولا تسكنوا الى قولهم ، والرضا بأفعالهم ، ومصاحبتهم ومصادقتهم

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ٥٠١ حديث : ٥.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٢٨ حديث : ١.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٢٧ حديث : ٣.

١٢١

ومداهنتهم انتهى.

وحينئذ فإذا كان هذا القدر من الميل إليهم موجبا لدخول النار ، فبالطريق الأولى إعانتهم على الظلم ومشاركتهم فيه.

وقد تقدم في مرسلة سهل : ان الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه الى ان يدخل يده في كيسه فيعطيه (١). وفي باب جمل من مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذكور في الفقيه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مدح سلطانا جائرا أو تخفف وتضعضع له طمعا فيه ، كان قرينه في النار ، قال الله عزوجل (وَلا تَرْكَنُوا). الاية (٢).

وظاهر الخبرين المذكورين : الدلالة على ان الميل اليه لتحصيل شي‌ء من دنياه وحب بقائه ووجوده لذلك ، داخل تحت الآية.

ثم ان الظاهر ان المراد من هذا التشديد والتأكيد في هذه الاخبار الواردة في هذا المقام ، مما تقدم ويأتي ، انما هو سلاطين الجور المدعين للإمامة ، من الأموية والعباسية ومن حذا حذوهم ، كما هو ظاهر من سياقها ، ومصرح به في بعضها لا مطلق الظالم والفاسق وان كان الظلم والفسق محرما مطلقا.

وعلى هذا فلو أحب أحد بقاء حاكم جور من المؤمنين والشيعة ، لحبه المؤمنين وحفظه بيضة الدين من الأعداء والمخالفين ، فالظاهر انه غير داخل في الآية ، ولا الاخبار المذكورة.

ويعضد ذلك ما رواه في الكافي عن الوليد بن صبيح في الصحيح ، قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فاستقلنى زرارة ، خارجا من عنده. فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا وليد ، اما تعجب من زرارة ، سألني عن اعمال هؤلاء ، أي شي‌ء كان يريد؟ أيريد أن أقول له : لا ، فيروى ذلك على؟! ثم قال يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ، انما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم؟ ويشرب من شرابهم؟ ويستظل

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٣ حديث :.

(٢) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٦.

١٢٢

بظلهم؟ متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟!.

وفي الخبر المذكور ذم لزرارة ، (١) ولكن جلالة قدره تقتضي صرفه عن ظاهره والحمل على ما يقتضيه مقامات الحال يومئذ.

* * *

إذا عرفت ذلك فاعلم : ان الاخبار قد اختلفت في جواز الدخول في أعمالهم ، والولاية من قبلهم.

فمنها : ما دل على المنع من ذلك. ومنها : ما ظاهره الجواز ، لكن بشرط إمكان الخروج مما يجب عليه ويحرم. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

فاما ما يدل على الأول من الاخبار ، فمنها : ما رواه في الكافي عن إبراهيم بن مهاجر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فلان يقرؤك السلام ، وفلان وفلان. فقال : وعليهم‌السلام. فقلت : يسألونك الدعاء ، قال : وما لهم؟ قلت : حبسهم أبو جعفر ، فقال : ماله ومالهم؟ قلت : استعملهم فحبسهم ، فقال : مالهم ولهذا؟ ألم أنههم ألم أنههم ألم أنههم؟ هم النار هم النار هم النار. ثم قال : اللهم أجدع عنهم سلطانهم. قال فانصرفت من مكة ، فسألت عنهم ، فإذا هم قد خرجوا بعد هذا الكلام بثلاثة أيام (٢).

وعن داود بن زربي في الصحيح ، قال : أخبرني مولى لعلى بن الحسين عليه‌السلام ، قال : كنت بالكوفة ، فقدم أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ الحيرة فأتيته ، فقلت له : جعلت فداك ، لو كلمت داود بن على أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ، فانصرفت إلى منزلي ، فتفكرت فقلت ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور. والله لاتينه واعطينه الطلاق والعتاق والايمان المغلظة. ان لا اظلمن أحدا ولا أجور ، ولأعدلن. قال : فأتيته فقلت جعلت فداك ، انى فكرت في ابائك على ، فظننت أنك إنما منعتني وكرهت ذلك ، مخافة ان أجور

__________________

(١ و ٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٥ حديث ١ و ٣.

١٢٣

أو أظلم ، وان كل امرأة لي طالق ، وكل مملوك لي حر ، وعلى وعلى ان ظلمت أحدا أو جرت على أحد أو ان لم اعدل ، قال : فكيف قلت؟ فأعدت عليه الايمان ، فرفع رأسه الى السماء فقال : تنال السماء أيسر عليك من ذلك (١).

وعن جهم بن حميد ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اما تغشى سلطان هؤلاء؟ قال : قلت : لا. قال : ولم؟ قلت : فرارا بديني ، قال : وعزمت على ذلك؟ قلت : نعم. قال لي : الان سلم لك دينك (٢).

وعن حميد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى وليت عملا ، فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال : ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه! قلت : فما ترى؟ قال : ان تتقي الله تعالى ولا تعود (٣).

وما رواه في التهذيب عن ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي ، عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : من سود اسمه في ديوان ولد سابع ، حشره الله تعالى يوم القيامة خنزيرا (٤).

أقول : «سابع» مقلوب «عباس» كنى به تقية ، كما يقال : رمع مقلوب عمر.

وما رواه على بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة ابن صدقة ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم من الشيعة ، يدخلون في اعمال السلطان ، يعملون لهم ويجبون لهم ، ويوالونهم؟ قال ليس هم من الشيعة ، ولكنهم من أولئك. ثم قرأ أبو عبد الله عليه‌السلام هذه الآية «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٦ حديث : ٤ الظاهر ان المراد انه لا يمكنك الوفاء بتلك الايمان لما يعلمه من حال الرجل المذكور والا فيشكل الجمع بينه وبين ما يأتي من الاخبار في المقام مما يدل على الجواز لمن قام بذلك (منه قدس‌سره).

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٢٩ حديث : ٧.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٦ حديث : ٥.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٠ حديث : ٩.

١٢٤

لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ـ الى قوله ـ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ» قال : الخنازير على لسان داود ، والقردة على لسان عيسى ، «كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ» كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمور ، ويأتون النساء أيام حيضهن ، ثم احتج الله تعالى على المؤمنين الموالين للكفار فقال «تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ـ إلى قوله ـ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ» فنهى الله عزوجل ان يوالي المؤمن الكافر الا عند التقية (١).

وما رواه العياشي في تفسيره عن سليمان الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : ما تقول في عمال السلطان؟ فقال : يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم والسعى في حوائجهم ، عديل الكفر ، والنظر إليهم على العمد ، من الكبائر التي يستحق بها النار (٢). الى غير ذلك من الاخبار التي تجري هذا المجرى.

ثم ان الواجب على الداخل في أعمالهم رد ما اكتسبه في عملهم على أصحابه ، ومع عدم معرفتهم فالواجب الصدقة به عنهم ، كما صرح به الأصحاب. والتوبة النصوح في هذا الباب.

ويدل على ذلك خبر على بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كتاب بنى أمية ، فقال لي : استأذن لي على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فاستأذنت له ، فلما ان دخل سلم وجلس ، ثم قال : جعلت فداك ، انى كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا ، وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لولا ان بنى أمية وجدوا من يكتب لهم ، ويجبى لهم الفي‌ء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، ما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ، ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم.

قال : فقال الفتى : جعلت فداك ، فهل لي مخرج منه؟ قال : ان قلت لك تفعل؟ قال : افعل. قال له : فاخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ، ومن لم تعرف تصدقت له ، وانا أضمن لك على الله تعالى الجنة. فأطرق الفتى

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٨ حديث : ١٠ والآية في سورة المائدة : ٨٠.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٨ حديث : ١٢.

١٢٥

طويلا ، ثم قال : قد فعلت ، جعلت فداك.

قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض الا خرج منه ، حتى ثيابه التي كانت على بدنه. قال : فقسمت له قسمة ، واشتريت له ثيابا ، وبعثت إليه نفقة ، قال : فما اتى عليه الا أشهر قلائل حتى مرض ، فكنا نعوده قال : فدخلت يوما وهو في السوق ، قال : ففتح عينيه ، ثم قال : يا على ، وفي لي والله صاحبك ثم مات فتولينا أمره ، فخرجت حتى دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فلما نظر الى ، قال : يا على وفينا والله لصاحبك.

قال : فقلت : صدقت ، جعلت فداك ، هكذا والله قال لي عند موته (١).

واما ما يدل من الاخبار على الجواز بالقيد المتقدم ذكره ، فجملة من الاخبار ، الا ان جملة من الأصحاب عبروا هنا ـ مع الأمن من الدخول بالحرام ، والتمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ـ بالجواز. وعبر بعضهم بالاستحباب. وقال بعضهم : ان مقتضى الشرط المذكور هو الوجوب ، لان القادر على الأمر بالمعروف يجب عليه وان لم يوله الجائر. وهو جيد.

قال في المسالك : ومقتضى هذا الشرط وجوب التولية ، لأن القادر على الأمر بالمعروف يجب عليه ، وان لم يوله الظالم.

ولعل الوجه في عدم الوجوب ، كونه بصورة النائب عن الظالم ، وعموم النهى عن الدخول معهم وتسويد الاسم في ديوانهم ، فإذا لم يبلغ حد المنع ، فلا أقل من الحكم بعدم الوجوب ، ولا يخفى ما في هذا الوجه. انتهى.

وما ذكره من ان مقتضى الشرط المذكور الوجوب جيد ، لكن على تفصيل سنذكره إنشاء الله تعالى ، بعد نقل الاخبار.

فنقول : من الاخبار في المقام ما رواه في الكافي عن زياد بن أبي سلمة ، قال : دخلت على ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، فقال لي : يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٤ ـ ١٤٥. والسوق : شدة نزع الروح.

١٢٦

قلت : أجل. قال لي : ولم؟ قلت : انى رجل لي مروة ، وعلى عيال ، وليس وراء ظهري شي‌ء ، قال : فقال لي : يا زياد ، لأن أسقط من حالق فانقطع قطعة قطعة أحب الى من ان أتولى لأحد منهم عملا ، أو أطأ بساط رجل منهم ، الا ، لما ذا؟ قلت : لا أدرى جعلت فداك ، فقال : الا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه. يا زياد إن أهون ما يصنع الله تعالى بمن تولى لهم عملا ان يضرب عليه سرادق من النار ، الى ان يفرغ الله سبحانه من حساب الخلائق. يا زياد ، فان وليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك ، فواحدة بواحدة ، والله من وراء ذلك. يا زياد ، أيما رجل منكم تولى لأحد منهم عملا ثم ساوى بينكم وبينهم ، فقولوا له : أنت منتحل كذاب. يا زياد ، إذا ذكرت مقدرتك على الناس ، فاذكر مقدرة الله عليك غدا ، ونفاد ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء ما أبقيت إليهم عليك (١).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية ، فقال : كيف صنيعه إلى إخوانه؟ قال : قلت : ليس عنده خير. قال : أف ، يدخلون فيما لا ينبغي لهم ، ولا يصنعون إلى إخوانهم خيرا (٢).

ومنها : ما رواه على بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول في اعمال هؤلاء؟ قال : ان كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة ، قال : فأخبرني على ، انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر (٣).

وعن الحسن بن الحسين الأنباري ، عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : كتبت إليه : أربع عشرة سنة أستأذنه في اعمال السلطان ، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه ، أذكره انى أخاف على خيط عنقي ، وان السلطان يقول لي : انك رافضي ، ولسنا نشك في أنك تركت عمل السلطان للرفض ، فكتب الى أبو الحسن عليه‌السلام : قد فهمت كتابك

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٠ حديث : ٩.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٤١ حديث : ١٠.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٠ حديث : ٨.

١٢٧

وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فان كنت تعلم انك إذا وليت ، عملت في عملك بما أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك (١) ، وإذا صار إليك شي‌ء وواسيت به فقراء المؤمنين ، حتى تكون واحدا منهم ، كان ذا بذا ، وو الا فلا (٢).

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : ما من جبار الا ومعه مؤمن يدفع الله تعالى به عن المؤمنين ، وهو أقلهم حظا في الآخرة ، يعني أقل المؤمنين حظا لصحبة الجبار (٣).

وما في التهذيب عن عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : لا الا ان لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء ، فليبعث بخمسه الى أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ (٤).

وما رواه في الكافي عن يونس بن عمار ، قال : وصفت لأبي عبد الله عليه‌السلام من يقول بهذا الأمر ممن يعمل عمل السلطان ، وقال : إذا ولوكم يدخلون عليكم الرفق وينفعونكم في حوائجكم؟ قال : قلت : منهم من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعل. قال : من لا يفعل ذلك منهم فابرؤا منه ، براء الله منه (٥).

وما رواه في الكافي والفقيه عن على بن يقطين ، قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : ان لله عزوجل مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه (٦).

__________________

(١) قوله : «تصير» من باب التفعيل ، اى تجعل وتختار عمالك من أهل ملتك.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٥ حديث : ١ باب : ٤٨ أبواب ما يكتسب به.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٤ حديث : ٤.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٦ حديث : ٣.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٢ حديث : ١٢.

(٦) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٩ حديث : ١.

١٢٨

قال في الفقيه : وفي خبر آخر : أولئك عتقاء الله من النار. قال : وقال الصادق ـ عليه‌السلام ـ : كفارة عمل السلطان ، قضاء حوائج الاخوان (١).

وروى الكشي في الرجال في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : كان محمد بن إسماعيل من رجال ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، وأدرك أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ، وقال حمدويه عن أشياخه : انه واحمد بن حمزة كانا في عداد الوزراء. قال : وفي رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع «قال الرضا عليه‌السلام : ان لله تعالى بأبواب الظالمين من نور الله تعالى له البرهان ، ومكن له في البلاد ، ليدفع بهم عن أوليائه ، ويصلح الله تعالى به أمور المسلمين ، إليهم ملجأ المؤمنين من الضر ، وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا ، وبهم يؤمن الله تعالى روعة المؤمن في دار الظلم ، أولئك المؤمنون حقا ، أولئك أمناء الله في أرضه ، أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة ، ويزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الدرية لأهل الأرض ، أولئك من نورهم يوم القيامة تضي‌ء منه القيامة ، خلقوا والله للجنة ، وخلقت الجنة لهم ، فهنيئا لهم ، ما على أحدكم ان لو شاء لنال هذا كله. قال : قلت : بماذا ـ جعلني الله فداك ـ؟. قال : يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد (٢).

وروى الكشي في الكتاب المذكور قال : لما قدم أبو إبراهيم موسى عليه‌السلام العراق ، قال على بن يقطين : اما ترى حالي وما انا فيه؟ فقال له : يا على ان لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا على (٣).

وروى في قرب الاسناد بسنده عن على بن يقطين انه كتب الى ابى الحسن

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٩ حديث : ٢ و ٣.

(٢) قاموس الرجال ج ٨ ص ٥٩ ـ ٦٠ وتنقيح المقال ج ٢ رقم : ١٠٣٩٣ نقلا عن الكشي ؛ وقد سقط من المطبوع في النجف.

(٣) رجال الكشي ص ٣٦٧ في ترجمة «على بن يقطين». وروى صدره صاحب الوسائل في ج ١٢ ص ١٣٩ حديث : ١.

١٢٩

عليه‌السلام ان قلبي يضيق مما انا عليه من عمل السلطان ، وكان وزيرا لهارون ، فإن أذنت ـ جعلني الله فداك ـ هربت منه. فرجع الجواب : لا آذن لك بالخروج من عملهم (١).

وروى في مستطرفات السرائر مما استطرفه من كتاب «مسائل الرجال ومكاتباتهم الى مولانا ابى الحسن على بن محمد الهادي عليه‌السلام» قال : وكتبت إليه أسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما أتمكن من أموالهم ، هل فيه رخصة. وكيف المذهب في ذلك؟ فقال : ما كان الداخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه ، ولا محالة قليله خير من كثيره ، وما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه ويسبب على يديه ما يسر له فينا وفي موالينا. قال : وكتبت إليه في جواب ذلك ، أعلمه أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوه وانبساط اليد في التشفي منهم ، بشي‌ء ان أتقرب به إليهم ، فأجاب : من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل اجرا وثوابا (٢).

وروى في المقنع قال : روى عن الرضا عليه‌السلام : انه قال : ان لله تعالى مع السلطان أولياء ، يدفع بهم عن أوليائه. قال : وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل يحب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رايتهم ، فقال : يحشره الله على نيته (٣).

وروى في الأمالي عن زيد الشحام في الصحيح ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : من تولى امرا من أمور الناس فعدل ، وفتح بابه ، ورفع ستره ، ونظر في أمور الناس ، كان حقا على الله عزوجل ان يؤمن روعته يوم القيامة ، ويدخله الجنة (٤).

وروى في الكافي والتهذيب عن محمد بن جمهور وغيره ، من أصحابنا قال : كان النجاشي ـ وهو رجل من الدهاقين ـ عاملا على الأهواز وفارس ، فقال بعض

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٣ حديث : ١٦.

(٢) مستطرفات السرائر ص ٤٧٩.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٩ حديث : ٥ و ٦.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٠ حديث : ٧.

١٣٠

أهل عمله لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان في ديوان النجاشي علىّ خراجا ، وهو ممن يدين بطاعتك ، فإن رأيت ان تكتب لي إليه كتابا؟ فكتب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، سر اخاك يسرك الله تعالى».

قال : فلما ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه فلما خلا ، ناوله الكتاب ، فقال :

هذا كتاب ابى عبد الله عليه‌السلام؟ فقبله ووضعه على عينيه ، قال : ما حاجتك؟ فقال ، على خراج في ديوانك. قال له : كم هو؟ قال : عشرة آلاف درهم. قال ، فدعى كاتبه فأمره بأدائها عنه ، ثم اخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل. ثم قال له : هل سررتك؟ قال : نعم. قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم اخرى ، فقال له ، هل سررتك؟ فقال : نعم جعلت فداك فأمر له بمركب ثم أمر له بجارية وغلام وتخت ثياب ، في كل ذلك يقول : هل سررتك؟ فكلما قال : نعم ، زاده ، حتى فرغ. قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه ، حين دفعت الى كتاب مولاي ، وارفع الى جميع حوائجك ، قال ففعل وخرج الرجل ، فصار الى ابى عبد الله عليه‌السلام بعد ذلك فحدثه بالحديث ، على وجهه ، فجعل يستبشر بما فعل. فقال له الرجل : يا ابن رسول الله ، كأنه قد سرك ما فعل بي؟ قال : اى والله ، لقد سر الله تعالى ورسوله (١).

أقول : لا يخفى ما في هذه الاخبار ، باعتبار ضم بعضها الى بعض ، من التدافع والتمانع.

ومجمل القول فيها : انه لا شك أنه قد علم من الاخبار المتقدمة حرمة الدخول في أعمالهم على أوكد وجه ، بل مجرد محبتهم والركون إليهم وحب بقائهم ، فضلا عن مساعدتهم وإعانتهم بالأعمال ، الا ان الاخبار الدالة على الجواز ظاهرة فيه بالقيود المذكورة فيها ، لكنها ظاهرة الاختلاف ، فان منها ما يدل على انه بالإتيان بتلك الشروط انما تحصل له بها الكفارة ، بأن تكون هذه الشروط كفارة لدخوله في العمل ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٢ حديث : ١٣.

١٣١

كما يشير اليه قوله ـ في حديث ابى بصير المتقدم ـ : وهو أقلهم حظا في الآخرة (١). أي أقل المؤمنين. وقوله ـ في خبر الحسن بن الحسين الأنباري ـ : كان ذا بذا (٢). وفي خبر زياد بن أبي سلمة : فواحدة بواحدة (٣).

ولعله عليه‌السلام ـ في رواية الأنباري ـ كان يعلم عدم حصول القتل عليه بعدم دخوله ، والا فمنعه عن الدخول ـ والحال هذه ـ خروج عن الأدلة القطعية ، آية ورواية في العمل بالتقية ، كما لا يخفى.

ومنها : ما يدل على انه ينال بذلك الحظ الأوفر والمنزلة العليا ، كما يدل عليه كلام الرضا عليه‌السلام في رواية الكشي (٤). واخبار على بن يقطين وعلو مرتبته عند الكاظم عليه‌السلام (٥). وخبر النجاشي وما قاله الصادق عليه‌السلام في حقه (٦).

ويؤيده خبر منع الكاظم عليه‌السلام لعلى بن يقطين عن الخروج من أعمالهم.

* * *

والتحقيق في ذلك : ان هنا مقامات ثلاثة :

(الأول) : ان يدخل في أعمالهم لحب الدنيا ، وتحصيل لذة الرئاسة ، والأمر والنهى. وهو الذي يحمل عليه اخبار المنع.

(الثاني) : ان يكون كذلك ، ولكن يمزجه بفعل الطاعات وقضاء حوائج المؤمنين وفعل الخيرات. وهذا هو الذي أشير إليه في الاخبار المتقدمة ، كما عرفت من قوله عليه‌السلام : ذا بذا. وقوله : واحدة بواحدة. وقوله : وهو أقلهم حظا.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٣٤ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٥ حديث : ١.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٠ حديث : ٩.

(٤) تقدم نقلا عن قاموس الرجال ج ٨ ص ٥٩ ـ ٦٠.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٠ حديث : ٨.

(٦) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٢ حديث : ١٣.

١٣٢

ونحو ذلك.

(الثالث) : ان يكون قصده من الدخول فيها ، انما هو محض فعل الخير ، ودفع الأذى عن المؤمنين ، واصطناع المعروف إليهم ، وهو الفرد النادر وأقل قليل ، حتى قيل انه من قبيل إخراج اللبن الخالص من بين فرث ودم.

ويشير الى هذا الفرد عجز حديث السرائر المتقدم (١) وعلى هذا يحمل دخول مثل الثقة الجليل على بن يقطين ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ، وأمثالهما من أجلاء الرواة عنهم ، والنجاشي المتقدم ذكره ، وكذلك جملة من علمائنا الأعلام ، كالمرتضى والمحقق الخواجة نصير الدين والملة ، وآية الله العلامة الحلي ، ومن المتأخرين المحقق الثاني في سلطنة الشاه إسماعيل ، وشيخنا البهائي ، وشيخنا المجلسي ، ونحوهم عطر الله مراقدهم. مع تسليم دعوى العموم. وبذلك يزول الاشكال والله العالم.

__________________

(١) تقدم عن مستطرفات السرائر ص ٤٧٩.

١٣٣

تتمة مهمة

أقول : ومن هنا يعلم الكلام في جواز الدخول في أعمالهم وعدمه ، والأصحاب قد صرحوا هنا بأنه لا يجوز الدخول في أعمالهم إلا مع التمكن من القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقسمة الصدقات والأخماس على مستحقيها ، وصلة الاخوان ، ولا يرتكب في ذلك المآثم ، علما أو ظنا ، والا فلا يجوز الولاية بلا خلاف ، كما نقله في المنتهى.

وعلى الأول تحمل الأخبار الدالة على رضا الأئمة عليهم‌السلام ببعض الولاة ، كمن أشرنا إليهم في آخر البحث.

وعلى الثاني تحمل الأخبار المانعة من الدخول كما تقدم.

والظاهر ان القسم الثاني الذي قدمنا ذكره داخل في الأول من هذين القسمين ، كما تقدم في رواية الأنباري (١) ، فهو أعم منهما.

والفرق بينهما حينئذ ـ مع اشتراكهما في الاذن والقيام بالأمور المذكورة ـ من جهة ما قدمنا ذكره ، من قصد أمر زائد في الدخول على هذه الأمور المذكورة ، وهو حب الرئاسة والأمر والنهى ونحو ذلك ، وعدمه. فمع قصده يكون من القسم

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ١٤٥ حديث : ١.

١٣٤

الثاني المتقدم ذكره ، ومع عدمه يكون من القسم الثالث الذي هو أقل قليل : واما لو أكرهه الجائر على الدخول فإنه يجوز له الولاية دفعا للضرر عن نفسه ، ولا يجوز له ان يتعدى الحق ما أمكنه ، فإن أكره على استعمال مالا يجوز شرعا جاز له ، ما لم يبلغ الى الدماء ، فإنه لا تجوز التقية فيها على حال.

* * *

بقي الكلام في الدماء التي لا تقية فيها ، هل هي أعم من القتل والجرح أو مخصوصة بالقتل ، قولان.

والمدعى للعموم ادعى ورود رواية بأنه لا تقية في الدماء.

والمدعى للتخصيص نقل رواية بأنه لا تقية في القتل.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ، ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية (١).

وروى الشيخ في الموثق عن أبي حمزة الثمالي ، قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : انما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية (٢).

وأنت خبير بما فيهما من الإجمال ، لاحتمال حمل الدم على ظاهره الشامل للجرح ، واحتمال ارادة القتل خاصة ، فإنه مما يعبر عنه بهذه العبارة غالبا.

وبالجملة فالمسألة لأجل ذلك محل اشكال والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ج ١١ ص ٤٨٣ حديث : ١ باب : ١٣ أبواب الأمر والنهى.

(٢) الوسائل ج ١١ ص ٤٨٣ حديث : ٢.

١٣٥

المسألة الرابعة

نوح النائح بالباطل

بان تذكر مالا يجوز ذكره ، كالكذب. فلو كان بحق فإنه لا بأس به ، ونحوه مع عدم سماع الأجانب صوتها ، على القول بتحريمه ، وحينئذ فالمنع منه انما هو لاشتماله على المحرم ، والا فإنه في نفسه جائز على المشهور.

وعلى ذلك تدل الاخبار :

ومنها : ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال لي أبي : يا جعفر ، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى ، أيام منى (١).

قيل : الندب ان تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه وأفعاله ، والبكاء عليه. والاسم : الندبة ـ بالضم.

قال بعض مشايخنا : يدل الخبر على رجحان الندبة عليهم واقامة مأتم لهم ، لما فيه من تشييد حبهم وبغض ظالميهم في القلوب ، وهما العمدة في الايمان.

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٨٨ حديث : ١.

١٣٦

فالظاهر : اختصاصه بهم ـ عليهم‌السلام ـ لما ذكرنا. انتهى.

ومنها : ما روياه ـ أيضا ـ في الكتابين المذكورين ، عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : مات الوليد بن المغيرة ، فقالت أم سلمة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم؟ فأذن لها ، فلبست ثيابها وتهيأت ، وكانت من حسنها كأنها جان ، وكانت إذا قامت وأرخت شعرها جلل جسدها ، وعقدت طرفه بخلخالها ، فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت :

أنعى الوليد ، ابن الوليد

أبا الوليد ، فتى العشيرة

حامى الحقيقة ، ماجدا

يسمو الى طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين

وجعفرا غدقا وميرة

فما عاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها ذلك ولا قال شيئا (١).

والجعفر : النهر الواسع والملان. والغدق : الماء الكثير ، ومنه الآية «ماءً غَدَقاً». والميرة : الطعام.

وعن حنان بن سدير ، قال : كانت امرأة معنا في الحي ، ولها جارية نائحة ، فجاءت الى ابى ، فقالت : يا عم ، كنت تعلم أن معيشتي من الله ثم من هذه الجارية ، فأحب أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فان كان حلالا والا بعتها وأكلت ثمنها حتى يأتي الله بالفرج ، فقال لها ابى : والله انى لأعظم أبا عبد الله عليه‌السلام ان أسأله عن هذه المسألة. قال : فلما قدمنا عليه ـ ع ـ أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أتشارط؟ قلت : والله ما أدرى تشارط أم لا! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قل لها : لا تشارط وتقبل ما أعطيت (٢).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٨٩ حديث : ٢.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٨٩ حديث : ٣.

١٣٧

وظاهر هذا الخبر كراهته مع الاشتراط ، أو زيادة الكراهة به ، لما سيأتي من الاخبار الدالة على الكراهة.

وما رواه في الكافي عن عذافر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كسب النائحة ، فقال : تستحله بضرب احدى يديها على الأخرى (١).

قيل : لعل المراد انها تعمل أعمالا شاقة تستحق الأجرة فيها ، أو إشارة إلى انه لا ينبغي ان تأخذ الأجرة على النياحة ، بل على ما يضم إليها من الأعمال. انتهى.

وقيل : هو كناية عن عدم اشتراط الأجرة. ولا يخفى ما فيه.

أقول : لعل الأقرب : ان المراد بيان أقل ما تستحق الأجرة ، وهو ضرب احدى اليدين على الأخرى.

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن ابى بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت.

وروى في الفقيه مرسلا ، قال : وسئل الصادق عليه‌السلام عن أجر النائحة؟ فقال : لا بأس به ، قد نيح على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : وقال عليه‌السلام لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا (٢).

أقول : الظاهر ان هذه الرواية هي ما ذكره عليه‌السلام في الفقه الرضوي ، حيث قال : ولا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا ثم قال عليه‌السلام ، ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط الى آخر كلامه عليه‌السلام (٣).

وما رواه في التهذيب عن سماعة في الموثق ، قال : سألته عن كسب المغنية

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٩٠ حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٩٠ ـ ٩١ حديث : ٧ و ١٠ و ٩.

(٣) مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ٤٣١ باب : ١٥ حديث : ١٧ حديث ، ١.

١٣٨

والنائحة؟ فكرهه (١).

أقول : يجب حمل الكراهة في المغنية على التحريم البتة ، لما تقدم في مسألة الغناء. واما في النائحة فعلى ما يأتي. فأما ما رواه في الكافي عن عمرو والزعفراني ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : من أنعم الله عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها ، ومن أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها (٢).

وما رواه في الفقيه في حديث المناهي عن الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه نهى عن الرنة عند المصيبة ، ونهى عن النياحة والاستماع إليها ، ونهى عن تصفيق الوجه (٣).

وما رواه في الخصال عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن على عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه ، عن على عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة ، الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستقساء بالنجوم ، والنياحة على الميت : وان النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب (٤).

وما رواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه ، قال : سألته عن النوح على الميت ، أيصلح؟ قال : يكره (٥).

وما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى ، قال : سألته عن النوح ، فكرهه (٦).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٩٠ حديث : ٨.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٩٠ حديث : ٥.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٩١ حديث : ١١.

(٤) الوسائل ج ١٢ ص ٩١ حديث : ١٢.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٩٢ حديث : ١٣.

(٦) الوسائل ج ١٢ ص ٩٢ حديث : ١٤.

١٣٩

وبظاهر هذه الاخبار قال في المبسوط ، وابن حمزة ، بل ادعى الشيخ عليه الإجماع فهي محمولة على ما اشتمل على معصية ومحرم ، من النوح بالباطل ونحوه ، مع احتمال الحمل على التقية ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام ، وذكر الخلاف بين الأصحاب في المسألة أيضا في الجلد الثاني من كتاب الطهارة ، في بحث غسل الميت (١) فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه ، وتحقيق الحال بما ينكشف به غشاوة الاشكال ، والله العالم.

__________________

(١) راجع : الجزء الرابع ص ١٦٥ ـ ١٦٩ من هذه الطبعة.

١٤٠