الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]
المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨
المسألة الأولى :
طواف النساء واجب في الحج بأنواعه والعمرة المفردة ، وقد تقدم في باب العمرة المفردة ما يخصها من الأحكام وبيان وجوب هذا الطواف فيها ، وحيث انا الآن بسياق الحج فلا بد من التعرض لبيان ما يدل على وجوبه فيه وما يتعلق بذلك.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار (منها) ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد (١) والظاهر أنه ابن أبي نصر قال : «قال أبو الحسن (عليهالسلام) في قول الله عزوجل (٢) (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، قال : طواف الفريضة طواف النساء».
وعن حماد بن عثگمان (٣) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل (٤) «وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال : «طواف النساء».
وعن حماد الناب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل (٦) (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، قال : هو طواف النساء».
ومنها صحيحة معاوية بن عمار (٧) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت ، وسعيان بين الصفا والمروة ، فعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل : هذا للعمرة ، وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ويصلي عند كل
__________________
(١ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤ ـ ٥.
(٢ و ٤ و ٦) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٢٩.
(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥ راجع التهذيب ج ٥ ص ٢٥٣.
(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٨.
طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام)».
أقول : قوله (عليهالسلام) : «وعليه للحج طوفان» المراد طواف الزيارة وطواف النساء.
وما رواه في الكافي عن أبي بصير (١) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت وطوفان بين الصفا والمروة» الحديث.
وعن منصور بن حازم في الصحيح (٢) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت ، ويصلي لكل طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة».
وعن منصور بن حازم في الصحيح (٣) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدى ، وعليه طوافان بالبيت وسعي بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد ، وليس أفضل من المفرد إلا بسياق الهدى».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (٤) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القارن لا يكون إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج ، وهو طواف النساء».
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (٥) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال في القارن : «لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١١ ـ ٩ ـ ١٠ ـ ١٢ ـ ١.
(عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج ، وهو طواف النساء ، وأما المتمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف بالبيت ، وسعيان بين الصفا والمروة ، قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : التمتع أفضل الحج وبه نزل القرآن وجرت السنة ، فعلى المتمتع إذا قدم مكة طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل هذه للعمرة ، وعليه للحج طوافان ، وسعي بين الصفا والمروة ، ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وأما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة ، وهو طواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية». إلى غير ذلك من الأخبار.
ولا خلاف بين أصحابنا في وجوبه على جميع أفراد الحاج من الرجال والنساء والصبيان والخصيان ، وادعى عليه الإجماع في المنتهى.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن علي ابن يقطين (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال : نعم عليهم الطواف كلهم».
الثانية :
المعروف من مذهب الأصحاب أن طواف النساء بعد السعي في الحج والعمرة المفردة ، فلا يجوز تقديمه عليه اختيارا ويجوز مع الضرورة أو
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.
خوف الحيض أما الأخبار الدالة على أن مرتبة التأخير عن السعي فكثيرة.
منها قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار (١) : «ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط : تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء أحرمت منه إلا النساء ثم ارجع إلى البيت وطف به أسبوعا آخر ، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام)» الحديث.
والمراد بهذا الأسبوع الآخر هو طواف النساء ، وقضية العطف بثم الترتيبية وجوب تأخره.
وأظهر منها ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد عمن ذكره (٢) قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى ، قال : لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء». والظاهر من جوابه (عليهالسلام) أنه ليس عليه إلا إعادة كل إلى موضعه والإتيان بالترتيب الشرعي.
وأما جواز تقديمه مع الضرورة وخوف الحيض فهو مقطوع به في كلامهم ، ولم أقف فيه على نص بالخصوص ، إلا أن المستفاد من العمومات (٣)
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ١.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٦ و ٧ من كتاب الصلاة.
أن الضرورات مبيحة للمحظورات ، وقد ورد (١) لتقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم لذلك رخص في جملة من الأحكام ، وفيه تأييد لهذا المقام ، مضافا جميع ذلك إلى لزوم الحرج من التكليف بذلك.
والظاهر أنه يحمل على ذلك إطلاق ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران (٢) عن أبي الحسن الماضي (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : لا يضره ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه».
والأظهر عندي حمل الرواية المذكورة على النسيان أو الجهل ، وقد صرح الأصحاب بالصحة في الناسي واختلفوا في إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي ولو عكسوا بأن حكموا بالصحة في الجاهل وجعلوا الاختلاف في الناسي لكان الأقرب إلى الصواب.
وكيف كان فالظاهر أنه لا إشكال في جواز التقديم في صورة الضرورة ، كما ذكرنا.
وأيده بعضهم أيضا بفحوى صحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز (٣) قال : «كنت عند أبي عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك الله إن معناه امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول : لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ، ثم رفع رأسه ، فقال : تمضي فقد تم حجها». قال : «وإذا جاز ترك الطواف من أصله للضرورة جاز تقديمه بطريق أولى».
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣.
الثالثة :
لو ترك طواف النساء ناسيا لم تحل له النساء ، ويجب عليه العود والإتيان بالطواف مع المكنة ، فان لم يتمكن من الرجوع جاز له أن يأمر من يطوف عنه طواف النساء ، ولو مات قبل ذلك طاف عنه وليه ، ولا أعرف فيه خلافا.
وعليه تدل جملة من الأخبار : منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، فان هو مات فليقض عنه وليه أو غيره ، فاما ما دام حيا فلا يصلح له أن يقضى عنه ، وإن نسي الجمار فليسا بسواء ، إن الرمي سنة والطواف فريضة». ورواه بسند أخر (٢) عنه (عليهالسلام) أيضا مثله إلا أنه قال «حتى يزور البيت ويطوف». وترك قوله : «أو غيره».
وفي الصحيح أيضا عن معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه».
وما رواه في كتاب الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (٤) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل نسي طواف النساء
__________________
(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.
(٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.
حتى يرجع إلى أهله ، قال : يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج ، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت».
قال : «وروي (١) في من نسي طواف النساء أنه إن كان طاف طواف الوداع فهو طواف النساء».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة ، قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ، قلت : فان لم يقدر قال : يأمر من يطوف عنه».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره».
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (٤) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل نسي أن يطوف طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة».
وما رواه ابن إدريس في المستطرفات نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الحلبي (٥) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : يرسل فيطاف عنه ، وإن مات قبل أن يطاف عنه طاف عنه وليه».
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩ ـ ٤ ـ ٦ ـ ٥ ـ ١١.
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : المفهوم من كلام جملة من الأصحاب جواز الاستنابة مطلقا ، أمكن العود أم لم يمكن ، استنادا إلى ما دل على ذلك من صحيحة معاوية بن عمار (١) الثانية ومثلها الرواية المنقولة من مستطرفات السرائر (٢).
والتحقيق التفصيل كما قدمناه جمعا بين هذين الخبرين وقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية (٣) الأولى : «فأما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضى عنه». ويدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار (٤) الرابعة ، وبها يخص إطلاق وجوب الاستنابة كما في الخبرين المذكورين.
وبما ذكرنا من التفصيل صرح العلامة في المنتهى واختار في سائر كتبه القول بالجواز مطلقا.
الثاني : ما ذكره الصدوق بقوله : «وروي (٥) في من نسي طواف النساء أنه إن كان طاف طواف الوداع فهو طواف النساء». الظاهر أنه أشار إلى ما ذكره (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي (٦) وقد تقدم الكلام في ذلك في ذيل المسألة الثانية من المقام الثالث في أحكام الطواف (٧).
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣ ـ ١١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ٩.
(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ والباب ـ ٤٠ ـ منها ـ الحديث ١.
(٧) راجع ج ١٦ ص ١٨٤ ـ ١٨٥.
الثالث : لا يخفى أنه قد تقدم في صحيحة الخزاز (١) الواردة في الحائض التي لا تستطيع أن تتخلف من أصحابها ولا يقيم عليها جمالها أنها «تمضي فقد تم حجها» وهو مشكل ، لدلالة هذه الأخبار على وجوب الاستنابة على من تعذر عليه الرجوع ، وعدم سقوط الطواف عنه إلا بالإتيان به بنفسه أو بنائبه ، والخبر وإن دل على تعذر المباشرة إلا أن الاستنابة ممكنة مع أنه (ع) لم يأمر بها ، وإنما جوز المضي وترك الطواف مطلقا.
وظاهر الأصحاب القول بالخبر المذكور من غير ارتكاب تأويل فيه. ولعله مبني على الفرق بين ما دل عليه هذه الأخبار من حكم الناسي ، فإنه لمكان تفريطه في ترك ذلك حتى أدى إلى نسيانه وجب عليه العود أو الاستنابة والمرأة المذكورة لما كان تركها مع الحضور إنما هو لما ذكر من المحظور لم يلزمها الرجوع ولا الاستنابة.
وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في وسائله حمل الخبر المذكور على أنها تستنيب ، وهو في غاية البعد عن سياق الخبر المذكور.
ومثله صحيحة الخزاز المذكورة الأخرى (٢) قال : «كنت عند أبي عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه رجل ليلا فقال : أصلحك الله امرأة معنا حائض ولم تطف طواف النساء ، فقال : لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم فقال : أصلحك الله أنا زوجها ، وقد أحببت أن أسمع ذلك منك ، فأطرق كأنه يناجي نفسه وهو يقول : لا يقيم عليها جمالها ولا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ، تمضي وقد تم حجها».
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.
الرابع : الأشهر الأظهر أنه لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة وإن كان مورد هذه الأخبار إنما هو الرجل ، لما عرفت آنفا من أن طواف النساء محلل للرجال والنساء ، فيحل به للرجال ما حرم عليهم من النساء وللنساء ما حرم عليهن من الرجال. وقد سبق تحقيق الكلام في ذلك في التنبيه الخامس المذكور آخر سابق هذا المقصد (١).
ومتى ثبت تحريم الرجال عليهن بالإحرام وأنه لا يحل لهن إلا بطواف النساء فيستصحب التحريم في صورة النسيان إلى أن يأتين به مباشرة أو استنابة.
الخامس : روى الشيخ عن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نسي طواف النساء ، قال : إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه ، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف».
أقول : يجب تقييده بعدم إمكان الرجوع للإتمام ، لما عرفت من الأخبار المتقدمة من أن الاستنابة إنما تجوز مع تعذر الرجوع.
والمشهور بين الأصحاب على وجه لا يكاد يظهر خلافه أنه متى حصلت الزيادة على النصف بل بلوغ النصف في مقام النسيان أو طرو الحيض أو عروض شيء من العوارض المتقدمة فإنه يبنى على ما فعله ويجب عليه الإتيان بالباقي مباشرة أو استنابة ، ولا فرق في ذلك بين طواف الحج أو طواف النساء.
وقد تقدم في باب العمرة في بحث الطواف (٣) تحقيق الكلام في المقام
__________________
(١) راجع ص ٢٦٤ ـ ٢٦٨.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠.
(٣) راجع ج ١٦ ص ٢١٢ ـ ٢٢٩.
والإحاطة بأطراف النقض والإبرام.
ومن ذلك أيضا ما ورد في الحائض من البناء كذلك ما رواه الصدوق عن أبان بن عثمان عن فضيل بن يسار (١) عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت.
ثم إن ظاهر الخبرين المذكورين ولا سيما الأول الاكتفاء في حل النساء على الرجل والرجل على النساء بمجرد تجاوز النصف ، ولا أعلم به قائلا من الأصحاب.
قال في الدروس : «ولا يكفي في حل النساء تجاوز النصف إلا في رواية أبي بصير رواها الصدوق».
السادس : ما تضمنه موثقة عمار (٢) من وجوب البدنة على من نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله لم أر به قائلا ولا عنه مجيبا ، ولعله من جملة غرائب أحاديث عمار ، فإن الأخبار المعتضدة باتفاق كلمة الأصحاب دالة على أن الحكم في ذلك الرجوع أو الاستنابة مع ما تقدم في جملة من الأخبار (٣) أنه لا كفارة على الناسي والجاهل إلا في الصيد خاصة ، والله سبحانه وتعالى وقائله أعلم.
__________________
(١ و ٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد.
الفصل الثاني :
في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود
وفيه مسائل :
الأولى :
الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) في أنه إذا قضى الحاج مناسكه بمكة من طواف الزيارة والسعي وطواف النساء فإنه يجب عليه العود في يوم النحر إلى منى والمبيت بها ليالي التشريق ، وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا أجمع مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، والأخبار به متظافرة كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى» فان بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة دم شاة إلا ما استثني ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ونقل عن الشيخ في التبيان أنه قال باستحباب المبيت.
أقول : قد تقدم النقل عنه ، أيضا في الكتاب المذكور القول باستحباب مناسك منى ، وهو الذي قدمنا نقله عن الشيخ أبي علي الطبرسي أيضا من القول باستحباب جميع مناسك منى السابقة ، واللاحقة.
وكيف كان فهو قول مرغوب عنه ، والأخبار بخلافه متظافرة ، وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار المسألة كملأ ، وأذيلها بما رزقني الله فهمه منها وما ذكره أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) من الأحكام في المقام.
(فمنها) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى ، فان بت بغيرها فعليك دم ، وإن خرجت أول الليل فلا ينتصف لك الليل إلا وأنت بمنى ، إلا أن يكون شغلك بنسكك أو قد خرجت من مكة ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح بغيرها». وزاد في الكافي (٢) قال : «وسألته عن رجل زار عشيا فلم يزل في طوافه ودعائه وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر ، قال : ليس عليه شيء كان في طاعة الله تعالى».
و (منها) ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان (٣) قال : «قال أبو الحسن (عليهالسلام) : سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة ، فقلت : لا أدري ، فقلت له جعلت فداك ما تقول فيها؟ قال : عليه دم إذا بات ، فقلت : إن كان حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه وسعيه لم يكن لنوم ولا لذة أعليه مثل ما على هذا ، قال : ليس هذا بمنزلة هذا ، وما أحب أن ينشق له الفجر إلا وهو في منى».
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن جعفر بن ناجية (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عمن بات ليالي منى بمكة ، قال : عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن العيص بن القاسم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيارة من منى ، قال :
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٨ ـ ٩ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٤.
إن زار بالنهار أو عشيا فلا ينفجر الفجر إلا وهو بمنى ، وإن زار بعد نصف الليل أو بسحر فلا بأس أن ينفجر الفجر وهو بمكة».
وما رواه في التهذيب عن معاوية بن عمار في الصحيح (١) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت بغير منى».
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما (عليهماالسلام) أنه قال في الزيارة : «إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلا بمنى».
وعن علي بن جعفر في الصحيح (٣) عن أخيه (عليهالسلام) «عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح ، قال : إن كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه».
وما رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر (٤) عن أخيه (عليهالسلام) مثله معنى إلا أنه زاد على ما هنا «وإن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شيء».
وعن عبد الغفار الجازي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة ، قال : لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دما ، فان خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شيء».
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١ ـ ٣ ـ ٢ ـ ٢٣ ـ ١٤.
وعن جميل بن دراج في الصحيح (١) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم ، وإن كان قد خرج منها فليس عليه شيء وإن أصبح دون منى».
ورواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل عن بعض أصحابنا (٢) «في رجل زار فنام في الطريق» الحديث. وقال بعده : «وجاء رواية أخرى (٣) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يزور فينام دون منى ، قال : إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (٤) عن أبي الحسن (عليهالسلام) «في الرجل يزور ثم ينام دون منى ، فقال : إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام».
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم (٥) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه».
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١٦.
(٢) أشار إليه في الوسائل في ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١٦ وذكره في الكافي ج ٤ ص ٥١٤.
(٣) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١٥ وذكره في الكافي ج ٤ ص ٥١٥.
(٤ و ٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١٥ ـ ١٧.
وما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الدلجة إلى مكة أيام منى وأنا أريد أن أزور البيت ، فقال : لا حتى ينشق الفجر ، كراهية أن يبيت الرجل بغير منى».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى ، قال : ليس عليه شيء ، وقد أسا».
وعن سعيد بن يسار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل ، فقال : لا بأس».
وعن علي ـ والظاهر أنه ابن أبي حمزة ـ (٤) عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع فغلبته عيناه في الطريق فنام حتى أصبح قال : عليه شاة».
وعن ليث المرادي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعا ، فقال : المقام بمنى أفضل وأحب إلي». ورواه في الفقيه عن ليث المرادي مثله.
وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن جميل بن دارج (٦) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى فلا يبيت بها».
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١١ ـ ٧ ـ ١٢ ـ ١٠.
(٥ و ٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٥ ـ ١.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يزور البيت في أيام التشريق ، قال : نعم إن شاء».
وعن إسحاق بن عمار (٢) في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليهالسلام) : رجل زار فقضى طواف حجه كله أيطوف بالبيت أحب إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : أي ذلك شاء فعل ما لم يبت».
وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن زيارة البيت أيام التشريق ، فقال : حسن».
وما رواه في الكافي عن عيص بن القاسم في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيارة بعد زيادة الحج في أيام التشريق ، قال : لا».
وما رواه في الكافي عن ابن بكير في الموثق عمن أخبره (٥) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تدخلوا منازلكم بمكة إذا زرتم يعني أهل مكة».
وما رواه في كتاب العلل بسنده عن مالك بن أعين (٦) عن أبي جعفر (عليهالسلام) «إن العباس استأذن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن يبيت بمكة ليالي منى ، فأذن له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من أجل سقاية الحاج».
وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري (٧) عن
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢ ـ ٤ ـ ٣ ـ ٦.
(٥ و ٦ و ٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١٨ ـ ٢١ ـ ٢٢.
جعفر عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) قال : «في الرجل أفاض الى البيت فغلبته عيناه حتى أصبح ، قال : لا بأس عليه ، ويستغفر الله ولا يعود».
أقول : والكلام في هذه الأخبار يقع في جملة من المواضع.
الأول : أن ما تضمنه صحيح معاوية بن عمار الأول وكذا صحيح صفوان وصحيح علي بن جعفر وصحيح جميل بن دراج من وجوب الدم على من بات بمكة أو غير منى فهو مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه الا أن ما دلت عليه صحيحة العيص بن القاسم ومثلها صحيحة سعيد بن يسار من أنه ليس عليه شيء لا يخلو من مدافعة.
وحملهما الشيخ على من بات بمكة مشغولا بالدعاء والمناسك بها أو على من خرج من منى بعد انتصاف الليل ، ولا بأس به.
ويمكن أيضا حملهما على الجاهل وإن كان إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين العامد والجاهل ، وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد أن الجاهل لا شيء عليه ، وهو جيد ، لما عرفته في تضاعيف الأبحاث المتقدمة والأحاديث المتكررة من معذورية الجاهل.
ولا يبعد أيضا بل لعله الأقرب حملهما على التقية لأن مذهب أبي حنيفة أنه لو ترك المبيت لا شيء عليه ، وللشافعي قول بأنه إذا ترك المبيت ليلة واحدة فعليه مد ، وفي قول آخر درهم.
ويشير الى ذلك أيضا قوله (عليهالسلام) في صحيحة صفوان : «سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة ، فقلت : لا ادري» فإنه من المعلوم أن السائل من هؤلاء ، وعدوله عن جوابه إنما هو لما ذكرناه.
الثاني : أن المستفاد من صحيحة هشام بن الحكم وصحيحة جميل بن دراج وصحيحة محمد بن إسماعيل أنه لو نام بعد خروجه من مكة على وجه يخرج من حدودها التي آخرها عقبة المدنيين فليس عليه شيء ، وعلى هذا فوجوب الدم إنما هو على من نام في مكة وما يدخل في حدودها.
وحينئذ فيجب حمل رواية علي ـ الذي قد ذكرنا أن الظاهر أنه ابن أبي حمزة الدالة على وجوب الشاة على من غلبته عيناه في الطريق فنام حتى أصبح على ما إذا لم يخرج عن حدود مكة.
ويؤيد ما ذكرناه ما ذكره في الدروس قال : «وروى الحسن في من زار وقضى نسكه ثم رجع إلى منى فنام في الطريق حتى يصبح إن كان قد خرج من مكة وجاز عقبة المدنيين فلا شيء عليه وان لم يجز العقبة فعليه دم ، ونحوه روى هشام بن الحكم عن الصادق (عليهالسلام) إلا أنه لم يذكر حكم الذي لم يتجاوز» انتهى.
أقول : والرواية الأولى لم أقف عليها إلا في كلامه (قدسسره) هنا.
الثالث : أنه قد استثنى الأصحاب من وجوب الدم من بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليالي التي يجب المبيت فيها بمنى ، سواء كان خروجه من منى لذلك قبل غروب الشمس أو بعده.
ونقل عن ابن إدريس أنه أوجب الكفارة على المشتغل بالعبادة كغيره ، وهو ضعيف مردود بما تقدم من صحيحة معاوية بن عمار (١) الأولى ولا سيما الزيادة المنقولة ذيلها من الكافي ، وصحيحة صفوان (٢) وصحيحة
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٨ و ٩.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٥.
معاوية بن عمار الثانية (١).
وقد نص الشهيدان (رحمهماالله تعالى) على أنه يجب استيعاب الليل في العبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء أو شراب أو نوم يغلب عليه ، وصرحا بأنه إذا أكمل الطواف والسعي قبل الفجر وجب عليه إكمال الليل بما شاء من العبادة.
واعترضهما في المدارك بأن الأخبار لا تعطي ذلك ، وهو كذلك ، فان الظاهر منها إنما هو الاشتغال بمناسكه الموظفة لا ما شاء من العبادات ، وعلى هذا فالأولى المبادرة إلى الرجوع إلى منى بعد فراغه من مناسكه ، دون الاشتغال بشيء من العبادات الخارجة ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة صفوان (٢) : «وما أحب أن ينشق له الفجر إلا وهو بمنى».
وفي صحيحة عيص بن القاسم (٣) : «فلا ينفجر الفجر إلا وهو بمنى».
قال في الدروس : «ولو فرغ من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه الرجوع إلى منى ولو علم أنه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال».
والظاهر أن وجه الإشكال ينشأ من تحريم الكون بمكة لغير العبادة ومن انتفاء الفائدة في الخروج ، إذ لا يدرك شيئا من المبيت الواجب ، ثم قال : «وأولى بعدم الوجوب إذا علم أنه لا يدركها حتى يطلع الفجر».
الرابع : أنه يستثني من وجوب الدم أيضا ما لو كان الخروج من منى بعد انتصاف الليل ، بمعنى أنه يكفي في وجوب المبيت بها أن يتجاوز
__________________
(١ و ٢ و ٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١ ـ ٥ ـ ٤.