السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-172-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٢٦
أسماء كثيرين ممن كانوا يمارسون القصص في الصدر الأول.
حتى النساء :
وحتى النساء ، فإنهن قد مارسن مهنة القصص ، فقد روى ابن سعد : أن أم الحسن البصري كانت تقص على النساء أيضا (١).
اهتمام الحكام بالقصاصين :
وكان الحكام يهتمون بأمر القصاصين بصورة واضحة ، وقد تجلى هذا الاهتمام في جهات عديدة :
١ ـ فقد تقدم : أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان يجلس إلى القصاصين ، ويستمع إليهم ، وكذلك معاوية ، وعمر بن عبد العزيز.
٢ ـ وقد جعلوا للقصاصين جعلا (أي أجرا) على عملهم (٢).
وكان عمر بن عبد العزيز ـ حسبما يقولون ـ يعطي القاص الذي رتبه للقيام بهذه المهمة دينارين شهريا ، فلما ولي هشام بن عبد الملك جعل له ستة دنانير (٣).
٣ ـ كان منصب القصاص منصبا رسميا يتدخل فيه الخليفة بنفسه ، نصبا وعزلا ، كما تقدم عن عمر ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز. وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا عن عوف بن مالك ، وعبادة بن الصامت ، حيث قالا :
__________________
(١) راجع : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٣٨.
(٢) تاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ١٥ و ١٦ والخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٤.
(٣) تاريخ المدينة ج ١ ص ١٥ وراجع : الحوادث والبدع ص ١٠٣.
لا يقص إلا أمير ، أو مأمور الخ.
ويدل عليه أيضا كلام غضيف بن الحارث مع عبد الملك بن مروان (١) ، فراجع.
وقد ذكر المقريزي طائفة ممن تولوا منصب (قصاص) في القرون الأولى على التعاقب ، فليراجعه من أراد ذلك (٢).
أما من كان يقص بدون إذن من الحاكم ، فقد كان يعرض نفسه للمؤاخذة من قبل الحكام (٣).
ولعل القاص الذي ينصبه الحاكم هو الذي كان يقال له : «قاص الجماعة» (٤).
ويشير إلى ذلك : أن أبا الهيثم كان قاص الجماعة في عهد بني أمية ، فلما جاء بنو العباس عزلوه ، فاعترض على ذلك واستنكره (٥).
٤ ـ إن الخلفاء كما أنهم كانوا يجعلون للجماعة قاصا ، فإنهم كانوا يجعلون للجند قاصا أيضا ، لأجل تحريكهم ، وبعث الحماس فيهم ، (٦)
__________________
(١) راجع تاريخ المدينة ج ١ ص ١٠ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٨.
(٢) راجع : الخطط والآثار ج ٢ ص ٢٥٤.
(٣) راجع : أنساب الأشراف ج ٤ قسم ١ ص ٣٤ ـ ٣٥.
(٤) راجع : المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٢٢٠ وتاريخ المدينة ج ١ ص ١٦ و ١٤.
(٥) راجع المعرفة والتاريخ ج ٢ ص ٤٣٦.
(٦) راجع : تمدن إسلام وعرب در قرن چهارم هجري ج ٢ ص ٨٠ و ٨٥ والجرح والتعديل ج ٦ ص ١٦٣.
وتوجيههم سياسيا ، حسبما يتوافق مع أهداف الحاكم وطموحاته.
وقد صرح الحسن بن عبد الله : أن الملك هو الذي يتولى منصب قاص الجند (١).
٥ ـ لقد كان الخليفة يتدخل حتى في كيفية ونوع ومقدار العمل الذي يسمح به للقاص ، وتقدم أن عمر وعثمان قد عينا لتميم الداري الوقت والمدة والمكان.
كما أن عمر بن عبد العزيز ـ الذي تلمّذ على يدي مسلم بن جندب القاص ـ (٢) قد كتب إلى صاحب الحجاز : أن مر قاصك : أن يقص على كل ثلاثة أيام مرة. أو قال : قاصكم (٣).
٦ ـ لقد كان الأمراء أنفسهم يمارسون عمل القصص ، حتى قيل ـ بل لقد جعلوا ذلك رواية عن النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما عن عبادة بن الصامت ، وعوف بن مالك :
«لا يقص إلا أمير ، أو مأمور ، أو مختال. أو قال : أو متكلف» (٤).
__________________
(١) راجع : الجيش والقتال في صدر الإسلام ص ١٣٥.
(٢) راجع : التاريخ الكبير ج ٣ ص ٣٥٤ والمعرفة والتاريخ ج ١ ص ٥٩٦.
(٣) القصاص والمذكرين ص ٢٨. لعل الصحيح : أخبار القصاص والمذكرين.
(٤) راجع : قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٢٤ عن الطبراني والمعجم الصغير ج ١ ص ٢١٦ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ٨ و ٩ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٣٦ عن أحمد ، وأبي داود ، والطبراني في الكبير والأوسط ، والهيثمي. والقصاص والمذكرين ص ٢٥ و ٢٨ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٢٣٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٣٣ وج ٦ ص ٢٩ وربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨
القصاصون في خدمة سياسات الحكام :
وغني عن القول هنا :
أن القصاصين قد قاموا بدور فاعل في تثبيت دعائم الحكومات الظالمة ، وأصبحوا أبواقا لها للدعاية والإعلام ، يشيعون في الناس ما يريد الحكام إشاعته ، مما يخدم مصالحهم ، ويوصلهم إلى أهدافهم.
ويكفي أن نذكر هنا :
١ ـ أن معاوية حين جاء لحرب الإمام الحسن «عليه السلام» في العراق ، استصحب معه القصاص ؛ فكانوا يقصون في كل يوم ، يحضون أهل الشام عند وقت كل صلاة ؛ فقال بعض شعرائهم :
من جسر منبج أضحى غب عاشرة |
|
في نخل مسكن تتلى حوله السور (١) |
٢ ـ ويقولون أيضا : إن معاوية حينما بلغه :
أن عليا «عليه السلام» قنت فدعا على أهل حربه ، أمر القاص الذي
__________________
وسنن الدارمي ج ٢ ص ٣١٩ ومختصر تاريخ دمشق ج ٧ ص ٢٤٠ وج ١٠ ص ٣٣٨ و ٣٣٩.
وراجع : مجمع الزوائد ج ١ ص ١٩٠ والنهاية في اللغة ج ٤ ص ٧٠ ولسان العرب ج ٧ ص ٧٤ و ٧٥ وعن تحذير الخواص ص ٥٩. والحوادث والبدع للطرطوشي ص ١٠١ ط تونس سنة ١٩٥٩.
(١) تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٠٨ وراجع : سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٤٦ وفي هامشه عن ابن عساكر.
يقص بعد الصبح وبعد المغرب : أن يدعو له ولأهل الشام (١).
٣ ـ وكان عبد الملك شكا إلى العلماء!! ما انتشر عليه من أمر رعيته ، وتخوفه من كل وجه ، فأشار عليه أبو حبيب الحمصي القاضي بأن يستنصر عليهم برفع يديه إلى الله تعالى.
فكان عبد الملك يدعو ويرفع يديه ، وكتب بذلك إلى القصاص ؛ فكانوا يرفعون أيديهم بالغداة والعشي (٢).
٤ ـ وكان محمد بن واسع الأزدي من جملة القصاص والوعاظ في جيش قتيبة بن مسلم في خراسان ، وكان يقول قتيبة في حقه : إنه بالنسبة إليه أفضل من ألف سيف ورمح. فراجع (٣).
٥ ـ قال عبد الملك بن مروان لغضيف بن الحارث : «إنا قد أجمعنا الناس على أمرين : قال : وما هما؟
قال : رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، والقصص بعد الصبح والعصر الخ» (٤).
٦ ـ كما أن القصاصين قد قاموا بدور مهم في إحداث الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد ، في زمن عضد الدولة ، فمنعهم من القصص. وذلك في
__________________
(١) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٣ والولاة والقضاة هامش ص ٢٠٣ عن رفع الإصر ص ٤٧.
(٢) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٤.
(٣) راجع : البيان والتبيين ج ٣ ص ٢٧٣ والعقد الفريد ج ٢ ص ١٧٠.
(٤) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ١٠٥ وتحذير الخواص ص ٧٠.
سنة ٣٦٧ ه (١).
وكذلك جرى في سنة ٣٩٨ ه. ق.
ثم سمحوا لهم بمزاولة أعمالهم بشرط تركهم التعرض للفتن (٢).
جرأة القصاصين وسيطرتهم :
كان القصاصون جريئين على الله ورسوله ، فلم يكونوا يتورعون عن وضع الحديث ، حتى لقد قال ابن حبان :
«كانوا إذا حلوا بمساجد الجماعات ، ومحافل القبائل مع العوام والرعاع أكثر جسارة في الوضع» (٣). أي في وضع الحديث على لسان رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وقد حدّث ابن عون ، فقال : «أدركت المسجد ، مسجد البصرة ، وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار ، وسائر المسجد قصاص» (٤).
__________________
(١) راجع : البداية والنهاية ج ١١ ص ٢٨٩ وطبقات الحنابلة ج ١ ص ١٥٨ والمنتظم ج ٧ ص ٨٨ وسير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٥٠٩ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٣٨٠ ه) ص ١٥٣.
(٢) راجع : المنتظم ج ٧ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٨٠ ـ ٤٠٠ ه) ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨ وشذرات الذهب ١٤٩ و ١٥٠ وبقية المصادر في كتابنا : صراع الحرية في عصر المفيد ص ٢٤ و ٢٥ الطبعة الأولى.
(٣) عن المجروحين ج ٢ ص ٣٠ ، أ.
(٤) القصاص والمذكرين ص ١٦.
ودعا عطاء بن أبي رباح بخمسة قصاص ، فقال : قصوا في المسجد الحرام.
قال : وهو جالس إلى أسطوانة.
قال : فكان خامسهم عمر بن ذر (١) وأما سيطرتهم على عقول الناس ، فذلك أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس ، ويوضح ذلك كثير من الحالات والقضايا التي حصلت لبعض المعروفين ، الذين كانوا يرفضون طريقتهم ، وينظرون إليهم بعين الريب والشنآن.
ولكن كانت كلماتهم تجذبهم ، وأحاديثهم تسحرهم ، رغم علمهم بكونها موضوعة ومكذوبة.
ومن غريب ما يذكر هنا : أن أم الإمام أبي حنيفة لا تقبل بفتوى ولدها ، ولكنها ترضى بقول قاص يقال له : زرعة (٢).
كما أن أحد الكبار المعروفين يحتج لبعض الأمور بقول أحد القصاصين من مسلمة أهل الكتاب ، وهو تميم الداري (٣).
وحين حاول الشعبي أن ينكر على أحد القصاصين في بلاد الشام ما يأتي به من ترهات ، قامت عليه العامة تضربه ، ولم يتركه أتباع ذلك القاص ، حتى قال برأي شيخهم نجاة بنفسه (٤).
__________________
(١) المصدر السابق ص ٣٢.
(٢) القصاص والمذكرين ص ٩٠ وتاريخ بغداد ج ٣ ص ٣٦٦.
(٣) عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٢٩٧.
(٤) السنة قبل التدوين ص ٢١١ عن تمييز المرفوع عن الموضوع ص ١٦ ب. والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
بل لقد بلغ الاحترام والتقديس لمجلس القصص والقصاصين أن تخيل البعض :
أن الكلام أثناء القصص لا يجوز ، كما لا يجوز الكلام في خطبة الجمعة ، حتى أعلمه عطاء : أن الكلام أثناء القصص لا يضر (١).
وقال مالك : «.. وليس على الناس أن يستقبلوهم كالخطيب» (٢).
القصاصون على حقيقتهم :
إنه وإن كان كثير من الأعيان والمعروفين كانوا يحضرون مجالس القصاصين ، ويستمعون إليهم (٣) ، وقد استمر ذلك إلى وقت متأخر نسبيا ، إلا أن أمرهم قد افتضح ، وظهر لأكثر الناس ما كان خافيا.
وبدأ الناس يجهرون بالحقيقة ، ويصرحون بها ، ونحن نذكر هنا بعضا من ذلك ليتضح الأمر ، ويسفر الصبح لذي عينين ، فنقول :
١ ـ قال أبو قلابة : «ما أمات العلم إلا القصاص ، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئا» (٤).
__________________
(١) المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٣٨٨.
(٢) الحوادث والبدع ، لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي ص ٩٩ ط تونس سنة ١٩٥٩ م.
(٣) راجع : القصاص والمذكرين وغيره.
(٤) ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨ والقصاص والمذكرين ص ١٠٧ وراجع ص ١٠٨ وأضواء على السنة المحمدية ص ١٢٤.
وقريب من ذلك ما عن أيوب السختياني (١).
٢ ـ لقد ذكر أحد الصحابة لواحد من القصاصين : أن ظهور القصاص كان هو السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطع أرحامهم (٢).
٣ ـ عن أحمد بن حنبل : أكذب الناس السؤال ، والقصاص (٣).
٤ ـ وقال محمد بن كثير عن القصاص : أكذب الخلق على أنبيائه (٤).
٥ ـ وصرح البعض : أن السبب في انتشار الإسرائيليات في كتب التاريخ والتفسير هم القصاصون (٥).
٦ ـ وقال إبراهيم الحربي : «الحمد لله الذي لم يجعلنا ممن يذهب إلى قاص ، ولا إلى بيعة ، ولا إلى كنيسة» (٦).
٧ ـ وقال ابن قتيبة : «إن القصاص على قديم الزمان كانوا يميلون وجوه العامة إليهم ، ويستدرون ما عندهم بالمناكير ، والغريب ، والأكاذيب من الحديث» (٧).
__________________
(١) السنة قبل التدوين ص ٢١٣ عن الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ص ١٤٧.
(٢) راجع : مختصر تاريخ دمشق ج ١٠ ص ٢٠٢ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٩ وغير ذلك.
(٣) القصاص والمذكرين ص ٨٣ وراجع : طبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٥٣ وعن قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٨. والحوادث والبدع ص ١٠٢.
(٤) القصاص والمذكرين ص ٨٤ وراجع : تحذير الخواص ص ٨٠.
(٥) تاريخ المذاهب الإسلامية ج ١ ص ١٥.
(٦) القصاص والمذكرين ص ١٠٩.
(٧) تأويل مختلف الحديث ص ٣٥٥ ـ ٣٥٧.
٨ ـ ويقول آخر : «كانوا يضعون الأحاديث في قصصهم قصدا للتكسب والارتزاق ، وتقربا للعامة بغرائب الروايات ، ولهم في هذا غرائب وعجائب ، وصفاقة وجد لا توصف» (١).
٩ ـ وعن أيوب : ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص (٢).
١٠ ـ ولما قص إبراهيم الحربي أخرجه أبوه (٣).
مع تفاصيل أخرى :
ولا يقتصر الأمر على ما ذكر ، فإنهم يقولون عن القصاصين أيضا :
١ ـ ما هم إلا غوغاء يستأكلون أموال الناس بالكلام (٤).
٢ ـ إنهم لا يحفظون الحديث (٥).
٣ ـ إنهم ينسبون ما يسمعونه من الناس إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويخلطون الأحاديث بعضها ببعض ، ويتصنعون البكاء ، والرعدة. ومنهم من يصفر وجهه ببعض الأدوية ، وبعضهم يمسك معه ما إذا شمه سال دمعه ، ويتظاهرون بالصعقة ، ويعملون على استمالة النساء ، وغير ذلك (٦).
__________________
(١) الباعث الحثيث ص ٨٥.
(٢) القصاص والمذكرين ص ٨٥.
(٣) القصاص والمذكرين ص ١٠٧.
(٤) ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٩.
(٥) القصاص والمذكرين ص ٦٢ ـ ٦٣.
(٦) راجع : القصاص والمذكرين ص ٧٨ و ٧٩ فما بعدها إلى آخر الباب.
٤ ـ وقد أحدثوا وضع الأخبار (١).
٥ ـ وعامة ما يحدث به القصاص كذب (٢).
وحسبك من جرائمهم على الحق وعلى الدين :
١ ـ أن قصة الغرانيق من صنعهم (٣).
٢ ـ ومنهم من روى : أن يوسف حل تكته ، فلاح له أبوه (٤).
٣ ـ وأن قصة داود وأوريا من وضعهم (٥).
٤ ـ وأن قراءة القرآن بالإلحان قد جاءت من قبلهم (٦).
٥ ـ ووضع بعضهم في ساعة واحدة أحاديث كثيرة حول فضل صيام يوم عاشوراء ، حسب اعترافه (٧).
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.
موقف علي عليه السّلام من القصاصين :
أما بالنسبة لموقف علي «عليه السلام» المتشدد جدا من القصاصين ، الذين كان منهم شخصيات مشهورة ، وذات قيمة لدى بعض الفئات ،
__________________
(١) القصاص والمذكرين ص ١٨.
(٢) المصدر السابق ص ١٩.
(٣) القصاص والمذكرين ص ٨٥.
(٤) المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق.
(٦) المصدر السابق ص ٩٦ و ٩٧.
(٧) المصدر السابق ص ٨٤.
فلسوف يأتي الحديث عنه إن شاء الله في فصل : «لا بد من إمام».
ونكتفي هنا بالإشارة إلى موقف السائرين على نهج أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ، وذلك في الفقرة التالية.
السائرون على نهج علي عليه السّلام :
إننا إنصافا للحقيقة وللتاريخ نسجل :
أن المواقف السلبية من القصاصين لمن عدا شيعة أهل البيت «عليهم السلام» قد جاءت متأخرة نسبيا عن موقف أتباع مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» ، الذين كانوا يسجلون إنكارهم وإدانتهم لهذا الاتجاه في صور ومستويات مختلفة.
وقد تجد ذلك قد ورد على صورة نصائح ربما جاءت خافتة إلى حد ما ، وذلك انسجاما مع مقتضيات الواقع الذي كان يفرض قدرا من التحاشي عن الجهر بما يخالف سياسات الحكم ، ولو بهذا المستوى الضعيف والضئيل.
ولا نريد هنا أن نسبر أغوار التاريخ لنلتقط الدلائل والشواهد الكثيرة والغزيرة من هنا وهناك ، بل نكتفي بذكر نماذج تشير إلى ذلك ، وهي التالية :
١ ـ روى مسلم بسنده عن عاصم قال : «كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ـ ونحن غلمة أيفاع ـ فكان يقول لنا : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص ، وإياكم وشقيقا. وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج ، وليس بأبي وائل» (١).
__________________
(١) صحيح مسلم ج ١ ص ١٥ والقصاص والمذكرين ص ١٠٧.
٢ ـ عن عبد الله بن خباب بن الأرت قال : مر بي أبي ، وأنا عند رجل يقص ، فلم يقل لي شيئا حتى أتيت البيت. فاتزر ، وأخذ السوط يضربني ، حتى حجره الزنو ، وهو يقول : أمع العمالقة؟! أمع العمالقة؟! ثلاثا. إن هذا قرن قد طلع ، إن هذا قرن قد طلع ، يقولها ثلاثا (١).
٣ ـ بل إن ابن مسعود الذي يقال : إنه يميل إلى علي «عليه السلام» ، رغم أننا نجد : أنه كان يتأثر خطى عمر بن الخطاب بصورة ملفتة وواضحة ، قد سجل أيضا إدانته للقصاص من أهل الكتاب (٢) ، فما ظنك بغيره من أهل العلم والمعرفة بالدين؟!
٤ ـ وتقدم قول أبي قلابة : ما أمات العلم إلا القصاص ، وإن الرجل يجلس إلى القاص السنة ، فلا يتعلم منه شيئا.
٥ ـ وتقدم أيضا قول أحد الصحابة : إن القصاص هم السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطيعة أرحامهم. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.
__________________
(١) القصاص والمذكرين ص ١٠٤ وخباب صحابي معروف ، وقد مات «رحمه الله» وعلي «عليه السلام» في صفين.
(٢) مجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٩.
الباب الثاني
تدوين التاريخ : الآثار والنتائج ..
الفصل الأول : بين الدوافع والأهداف والآثار والنتائج
الفصل الثاني : لا بد من إمام
الفصل الثالث : إجراءات وضوابط مشبوهة
الفصل الرابع : الضوابط العلمية للمبنى العلمي
الفصل الأول :
بين الدوافع والأهداف والآثار والنتائج
آثار ونتائج :
وقد استمر المنع من كتابة الحديث وروايته عشرات السنين ، وأصبح التحاشي عنه هو الصفة المميزة لعلماء الأمة وطليعتها المثقفة.
بل لقد صارت كتابة الحديث عيبا أيضا ، حتى في أوائل عهد بني مروان (١).
ومضت السنون والأحقاب ، ومات الصحابة الأخيار ، بل أوشك التابعون على الانقراض أيضا.
ونشأت أجيال وأجيال لم تسمع أحدا يذكر شيئا عن نبيها ، ولا عن مواقفه ، وتعاليمه ، وسيرته ومفاهيمه.
وتربت هذه الأجيال على النهج الفكري الذي أراده لها الحكام والمتسلطون ، والموتورون والحاقدون ، وتلامذة أهل الكتاب ، المعجبون بهم. وذهب الدين وتلاشى ، حتى لم يبق من الإسلام إلا اسمه ، ومن الدين
__________________
(١) راجع : تقييد العلم ص ١١٤ و ١١٠ وراجع سنن الدارمي ج ١ ص ١٢٦ وعن المحدث الفاضل ج ٤ ص ٢٣ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٧٣. كان حكم بني مروان بعد حكم آل أبي سفيان ، الذي انتهى بمعاوية بن يزيد.
إلا رسمه ، حسبما روي عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام (١) ، الذي لم يعش إلا إلى سنة أربعين من الهجرة.
ثم ازداد البلاء بعد ذلك ، وبرح الخفاء إلى حد الفضيحة ، فاضطر عمر بن عبد العزيز إلى القيام بعمل رمزي ضعيف وضئيل ، لم يكن له أي أثر يذكر على الصعيد العملي ، على مستوى الأجيال والأمة.
ثم بدأت الحركة الحقيقية باتجاه التدوين في أواسط القرن الثاني للهجرة ، حسبما تقدم توضيحه.
وخلاصة الأمر : أن الحال قد تردت خلال أقل من ثلاثين سنة من وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى ذلك الحد الذي أشار إليه سيد الوصيين «عليه السلام».
وطمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة (٢).
وكان ذلك في حين أن الصحابة وعلماءهم كانوا لا يزالون على قيد الحياة ، وكان الناس ينقادون إلى الدين وأحكامه ، ويطيعون رموزه وأعلامه.
فكيف ترى أصبحت الحال بعد أن فتحت الفتوح ، ومصّرت
__________________
(١) راجع : نهج البلاغة الحكمة رقم ٣٦٩ والحكمة رقم ١٩٠.
(٢) راجع : المصنف للصنعاني ج ٢ ص ٦٣ ومسند أبي عوانة ج ٢ ص ١٠٥ والبحر الزخار ج ٢ ص ٢٥٤. وكشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ٢٦٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٢٨ و ٤٣٢ و ٤٤١ و ٤٤٤ ومروج الذهب ج ٣ ص ٨٥ والغدير ج ٨ ص ١٦٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٢.