الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨
وهو خطأ ، لأدائه إلى المضي في جمعتين صحيحتين ، فإنّه قبل الفراغ لا يعلم السبق ويعلم انعقاد جمعة بعد جمعة.
وقال آخرون منهم : بالشروع في الخطبة ، لقيامها مقام ركعتين (١).
وليس بجيّد ، إذ الحرمة بالتحريمة تحصل.
تذنيب : لو صلّى فأخبر أنّه قد سبق ، استأنف الظهر ، ولا يعتد بذلك الإحرام ، لأنّه قد ظهر فساده.
وقال بعض الجمهور : يتمّ ظهرا كالمسبوق إذا أدرك أقلّ من ركعة (٢).
والفرق : صحة الإحرام هنا دون الأول.
البحث السادس : الخطبتان
مسألة ٤٠٤ : الخطبة شرط في الجمعة ، وهو قول عامة العلماء ، لقوله تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٣) والذكر هو الخطبة (٤).
ولأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خطب دائما ، ووقع فعله بيانا للواجب ، فكان واجبا ، وقال عليهالسلام : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (٥).
ولم يزل المسلمون يخطبون قبل الصلاة ، ولو لم تكن شرطا لجاز تركها في بعض الأوقات.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٥٨٦ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.
(٢) المجموع ٤ : ٥٨٨ ، فتح العزيز ٤ : ٥٠٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٢.
(٣) الجمعة : ٩.
(٤) انظر : التبيان للطوسي ١٠ : ٨ ، مجمع البيان ٥ : ٢٨٨ ، تفسير الطبري ٢٨ : ٦٦ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٤٤٦ ، أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ١٨٠٥ ، أحكام القرآن للكيا هراسي ٤ : ٤١٥.
(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ـ ١ و ٣٤٦ ـ ١٠.
ولقول الصادق عليهالسلام : « لا جمعة إلاّ بخطبة » (١).
وقول الباقر أو الصادق عليهماالسلام : « يصلّون أربعا إذا لم يكن من يخطب » (٢).
وقال الحسن البصري : لا تجب ، لأنّها خطبة مشروعة للصلاة ، فلم تكن واجبة كسائر الخطب (٣).
وهو خطأ ، لأنّ الخطبتين هنا أقيمتا مقام الركعتين ، فلم يجز تركهما بخلاف سائر الخطب.
قال عمر : قصرت الصلاة لأجل الخطبة (٤).
وقال سعيد بن جبير : جعلت الخطبة مكان الركعتين (٥).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين » (٦).
وخلافه منقرض ، وقوله متروك بالإجماع وفعل النبي وأهل بيته عليهمالسلام.
مسألة ٤٠٥ : ويشترط للجمعة خطبتان عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد في رواية (٧) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يخطب
__________________
(١) المعتبر : ٢٠٣.
(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٣.
(٣) المجموع ٤ : ٥١٤ ، الميزان ١ : ١٩٠ ، المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١.
(٤) المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١.
(٥) المغني ٢ : ١٥٠ ، المدونة الكبرى ١ : ١٥٨.
(٦) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ـ ١٦١٤.
(٧) المجموع ٤ : ٥١٣ ـ ٥١٤ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المغني ٢ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١ ، الانصاف ٢ : ٣٨٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٦١.
خطبتين (١).
ولأنهما أقيمتا مقام ركعتين ، فالإخلال بإحداهما إخلال بركعة.
وقال مالك والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : تجزئه خطبة واحدة (٢) ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كتب إلى مصعب بن عمير : ( أن أجمع من قبلك وذكّرهم بالله وازدلف إليه بركعتين ) (٣).
وخطب عثمان في أول جمعة ، فقال : الحمد الله ، ثم ارتج عليه ، فقال : إنكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال ، وإنّ أبا بكر وعمر كانا يرتادان لهذا المقام مقالا ، وستأتيكم الخطب من بعد ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، ونزل فصلّى (٤).
وتذكير الله يحتمل بالخطبتين كما يحتمل بالخطبة ، فيبقى دليلنا سالما.
وفعل عثمان ليس حجّة ، ولحصول العذر بتعذّر الخطبة ، فلا يلزم الترخّص مع زواله.
مسألة ٤٠٦ : ويجب في كلّ خطبة منهما حمد الله تعالى ، ويتعيّن « الحمد لله » عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٥) ـ لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، داوم على ذلك.
__________________
(١) انظر على سبيل المثال : الجعفريات : ٤٣ ، صحيح البخاري ٢ : ١٢ و ١٤.
(٢) بداية المجتهد ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، المغني ٢ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨١ ، الانصاف ٢ : ٣٨٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩ ، المجموع ٤ : ٥١٤.
(٣) أورده في المعتبر : ٢٠٣.
(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ـ ٣١ ، شرح فتح القدير ٢ : ٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢.
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ، الوجيز ١ : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ، السراج الوهاج : ٨٧ ، المغني ٢ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٢.
ولقول الصادق عليهالسلام : « ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب وهو قائم يحمد الله ويثني عليه » (١).
ولحصول البراءة قطعا معه ، بخلاف غيره.
وقال أبو حنيفة : لا تجب الحمد ، ولا ذكر معيّن ، ولا وعظ ، بل يجزئ أن يخطب بتسبيحة واحدة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة ، فلو صعد المنبر وقال : سبحان الله ، أجزأه ونزل وصلّى بالناس (٢) ، لقوله تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (٣) ولم يفرّق.
ولأن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له : علّمني عملا أدخل به الجنة ، فقال : ( لئن قصّرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ) (٤) فسمّى كلامه خطبة.
والذكر مجمل بيّنه بفعله عليهالسلام ، فتجب متابعته. والسؤال ليس بخطبة إجماعا ، فسمّاه مجازا.
وقال مالك : لا يجزئه إلاّ ما تسمّيه العرب خطبة ـ وبه قال أبو يوسف ومحمد ـ أيّ كلام كان. وعنه : إن هلّل أو سبّح ، أعاد ما لم يصلّ (٥).
إذا عرفت هذا ، فهل يجزئه لو قال : « الحمد للرحمن ـ أو ـ لرب العالمين »؟ إشكال ينشأ من التنصيص على لفظة « الله » تعالى ، ومن المساواة
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥.
(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ، اللباب ١ : ١١٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٢ ، المغني ٢ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٢.
(٣) الجمعة : ٩.
(٤) مسند أبي داود الطيالسي : ١٠٠ ـ ٧٣٩ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٧٣.
(٥) المنتقى للباجي ١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، الشرح الصغير ١ : ١٧٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ ، اللباب ١ : ١١٠ ـ ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٦.
في الاختصاص به تعالى.
مسألة ٤٠٧ : وتجب فيهما الصلاة على النبي وآله : عند علمائنا ، لقول الصادق عليهالسلام : « ويصلّي على محمّد وآله وعلى أئمة المسلمين » (١).
وأوجب الشافعي الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ، لقوله تعالى ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٣) لا اذكر إلاّ وتذكر معي (٤).
ولقوله تعالى ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥).
وأنكر الباقون ذلك ، للأصل.
وتجب فيهما الوصية بتقوى الله تعالى ، والوعظ ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : ( ألا إنّ الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر ، ألا وإنّ الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر ) (٧).
وقال الصادق عليهالسلام : « ثم يوصي بتقوى الله » (٨) ولم يوجب ذلك
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥.
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ، الوجيز ١ : ٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٥ ، السراج الوهاج : ٨٧.
(٣) الانشراح : ٤.
(٤) حكى الشافعي في الرسالة : ١٦ ـ ٣٧ عن مجاهد في قوله تعالى ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال : لا اذكر إلاّ ذكرت معي. وانظر أيضا : تفسير التبيان ١٠ : ٣٧٣ ، مجمع البيان ٥ : ٥٠٨ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٧ : ٦٣ ، والدر المنثور ٦ : ٣٦٣.
(٥) الأحزاب : ٥٦.
(٦) الام ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ، مختصر المزني : ٢٧ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٥ ، السراج الوهاج : ٨٧.
(٧) كنز العمال ١٥ : ٩٣٤ ـ ٤٣٦٠٢ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٤٨ ـ ٤٢٩.
(٨) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥.
أبو حنيفة وأصحابه (١).
ويجب أن يقرأ في كل منهما سورة خفيفة من القرآن ـ قاله الشيخ (٢) ـ لقول الصادق عليهالسلام : « ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن » (٣).
ولأنهما بدل فتجب فيهما القراءة كالمبدل.
وللشافعي في إيجاب مطلق القراءة في كلّ منهما قولان : الوجوب كالمبدل ، وفي أيّتهما كان ، وله ثالث : عدم الوجوب ـ وبه قال أبو حنيفة (٤) ـ للأصل (٥). والمشهور : الأول ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يقرأ فيهما القرآن (٦).
وقال صفوان بن يعلى : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يقرأ على المنبر ( وَنادَوْا يا مالِكُ ) (٧) (٨).
وقالت أم هاشم : تلقفت سورة « ق » من فيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذا خطب يوم الجمعة على المنبر (٩).
إذا عرفت هذا ، فقال الشيخ : يجب في كلّ خطبة حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله عليهمالسلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفيفة من
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ و ٣١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣.
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.
(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٣ ـ ٦٥٥.
(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٠ و ٣١ ، اللباب ١ : ١١٠.
(٥) الام ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٥.
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٥٨٩ ـ ٨٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٩٤ ، سنن النسائي ٣ : ١١٠.
(٧) الزخرف : ٧٧.
(٨) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٤ ـ ٥٩٥ ـ ٨٧١ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٨٢ ـ ٥٠٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٢١١.
(٩) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ١١٥ وفيه أم هاشم ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٥٩٥ ـ ٨٧٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٨ ـ ١١٠٠ ، مسند أحمد ٦ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ و ٤٦٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٨٤ ، الدرّ المنثور ٦ : ١٠١ : أم هشام وهما متحدتان ، انظر : أسد الغابة ٥ : ٦٢٣.
القرآن (١).
وقال المرتضى رحمهمالله: يحمد الله ، ويمجّده ، ويثني عليه ، ويشهد لمحمد بالرسالة ، ويوشّح الخطبة بالقرآن ، ثم يفتتح الثانية بالحمد والاستغفار والصلاة على النبي ، والدعاء لأئمّة المسلمين (٢).
وفي حديث سماعة عن الصادق عليهالسلام : « ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب وهو قائم يحمد الله ، ويثني عليه ، ثم يوصي بتقوى الله ، ثم يقرأ سورة قصيرة من القرآن ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلّى على محمد وآله ، وعلى أئمّة المسلمين ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإذا فرغ أقام المؤذّن وصلّى بالناس ركعتين » (٣).
أمّا الشافعي فأوجب في كلّ منهما الحمد لله والصلاة على رسوله عليهالسلام ، والوعظ بأيّ لفظ اتّفق ، ويكفيه « أطيعوا الله » وفي الثانية الدعاء للمؤمنين ، فلو أتى به في الأولى لم يحتسب عن الثانية. وقراءة آية تتمّ بها الفائدة لا غيرها ، كقوله تعالى ( ثُمَّ نَظَرَ ) (٤) في إحداهما لا بعينها على أقوى الوجوه عنده (٥).
فروع :
أ : كلام المرتضى يقتضي الاكتفاء بمسمّى القرآن في الخطبة الاولى ، وهو أحد وجهي الشافعي (٦).
ب : لا يكفي آية فيها وعظ عنهما.
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.
(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٠٣.
(٣) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٤٢٣ ـ ٦٥٥.
(٤) المدثر : ٢١.
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ـ ١١٩ ، المجموع ٤ : ٥١٩ ـ ٥٢١ ، الوجيز ١ : ٦٣ ـ ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٦ ـ ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
(٦) المجموع ٤ : ٥٢٠ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٦.
ج : كلام الشيخ يقتضي عدم وجوب الدعاء للمؤمنين ، وهو أحد وجهي الشافعي (١).
وكلام المرتضى يقتضي الاستغفار للمؤمنين.
وأوجب الشافعي ـ في قول ـ الدعاء لهم في الثانية (٢).
وقال بعض أصحابه : يجب تخصيصه بالحاضرين فيما تعلق بأمور الآخرة (٣).
وكلام المرتضى يقتضي وجوب الشهادة بالرسالة في الاولى ، والصلاة عليه في الثانية.
وفي وجه للشافعي : وجوب الصلاة عليه في إحداهما (٤).
د : لا يكفيه أن يأتي بآيات تشتمل على الأذكار فإنّه لا يسمّى خطبة في العادة.
هـ : لا تصحّ الخطبة إلاّ بالعربية ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، دوام على ذلك وقال : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (٥).
ويحتمل غيرها لمن يفهم لو لم يفهم (٦) العربية على الأقوى ، إذ القصد الوعظ والتخويف ، وإنّما يحصل لو فهموا كلامه.
مسألة ٤٠٨ : يشترط في الخطبتين أمور :
الأول : الوقت. وهو ما بعد الزوال على الأشهر ، فلا يجوز تقديمهما
__________________
(١) المجموع ٤ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٦ ، السراج الوهاج : ٨٧.
(٢) المجموع ٤ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧ ـ ٥٧٨.
(٣) المجموع ٤ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧ ـ ٥٧٨.
(٤) المجموع ٤ : ٥٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ٥٧٧.
(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ـ ١ و ٣٤٦ ـ ١٠.
(٦) كذا في النسخ الخطبة المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية ، والأنسب : لمن لم يفهم.
ولا شيء منهما عليه عند أكثر علمائنا (١) ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ إيجاب السعي مشروط بالنداء الثابت بعد الزوال ، ولأنّهما بدل عن الركعتين ، فلهما حكم مبدلهما.
وللشيخ قول بجواز إيقاعهما قبل الزوال عند وقوف الشمس بمقدار ما إذا فرغ زالت (٣) ـ وبه قال مالك حيث جوّز تقديم الخطبة دون الصلاة (٤). وأحمد حيث جوّز تقديم الصلاة أيضا عليه (٥) ـ لأن أنسا قال : كنّا نصلّي مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الجمعة إذا مالت الشمس (٦). وهو دليل جواز إيقاع الخطبة قبل ميلها.
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يخطب في الظل الأول » (٧).
ويحتمل إرادة الابتداء بالتأهب للخطبة والصعود على المنبر ، وغيرها من مقدّمات الخطبة.
الثاني : تقديمهما على الصلاة ، لأنّهما شرط فيها ، والشرط مقدّم ولأنّ النبي عليهالسلام داوم على ذلك ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني
__________________
(١) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥١ ، وابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٤٩٨ ، وابن أبي عقيل كما في المعتبر : ٢٠٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٦٤ وفيه أيضا نسبة هذا القول الى السيد المرتضى.
(٢) الأم ١ : ١٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ و ٥٢٢ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٢.
(٣) النهاية : ١٠٥.
(٤) بداية المجتهد ١ : ١٥٧ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠.
(٥) المغني ٢ : ١٤٤ ، الروضة الندية ١ : ١٣٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠.
(٦) صحيح البخاري ٢ : ٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٧ ـ ٥٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٨٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٥٠ ، مسند الطيالسي : ٢٨٥ ـ ٢١٣٩ ، المنتقى لابن الجارود : ١٢٣ ـ ٢٨٩.
(٧) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢.
أصلّي ) (١).
ولقول الباقر عليهالسلام وقد سئل عن خطبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قبل الصلاة أو بعد؟ قال : « قبل الصلاة ثم يصلّي » (٢).
الثالث : قيام الخطيب حال خطبته عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خطب قائما (٤) ، فتجب متابعته.
ولقول الصادق عليهالسلام : « أول من خطب وهو جالس معاوية ، استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه » ثم قال عليهالسلام : « الخطبة وهو قائم خطبتان ، يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصلا بين الخطبتين » (٥).
ولأنّه ذكر مفروض في قيام مشروع ، فكان واجبا ، كالتكبير والقراءة.
وقال أبو حنيفة واحمد : يجوز الجلوس مع الاختيار ـ وهو رواية عن مالك ، ووجه للشافعية (٦) ـ لأنّه ذكر ليس من شرطه الاستقبال ، فلا يجب له القيام كالأذان (٧).
ولا يعتبر القيام بالاستقبال ، لسقوطه في صلاة الخوف دون القيام ،
__________________
(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ـ ١ و ٣٤٦ ـ ١٠.
(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٢.
(٣) الام ١ : ١٩٩ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨١ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٢.
(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٩ ـ ٨٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥١ ـ ١١٠٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٩٣ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٧ ، الجعفريات : ٤٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٤٦.
(٥) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٤.
(٦) فتح العزيز ٤ : ٥٨١ ، المجموع ٤ : ٥١٤ و ٥١٥.
(٧) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٣ ، المغني ٢ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٦ ، المجموع ٤ : ٥١٥ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٠ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤.
فافترقا.
فروع :
أ : لو كان له عذر يمنعه عن القيام ، جاز أن يخطب جالسا ، وهل تجب الاستنابة؟ إشكال.
ب : لو عجز عن القعود ، اضطجع ، وفي وجوب الاستنابة إشكال.
ج : لو خطب جالسا مع القدرة ، بطلت صلاته ، لفوات شرط الخطبة ، وبه قال الشافعي (١) ، واختاره الشيخ أيضا (٢).
أمّا صلاة المأمومين فإن علموا بقدرته وجلوسه ، بطلت صلاتهم أيضا ، وإن اعتقدوا عجزه ، أو لم يعلموا بقعوده أو بصحته ، صحّت صلاتهم مطلقا.
وقال الشافعي : إن كان الإمام من جملة العدد ، لم تصح الجمعة ، وإن كان زائدا عن العدد ، صحّت صلاتهم ، كما لو كان جنبا ولا يعلمون (٣).
والأصل ممنوع.
ولو علم البعض خاصة ، صحّت صلاة الجاهل دونه.
د : يجب في القيام الطمأنينة كما تجب في المبدل.
هـ : الجلوس بين الخطبتين مطمئنّا ليفصل بينهما به ، وهو شرط في الخطبتين ، قاله الشيخ (٤) ، وبه قال الشافعي (٥) ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فصل بينهما بجلسة (٦). وفعله واجب.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٥١٤.
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.
(٣) المجموع ٤ : ٥١٤.
(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ و ٥١٥ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨١ و ٥٨٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤ ، السراج الوهاج : ٨٧ ، المغني ٢ : ١٥٣.
(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٥١ ـ ١١٠٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٨٠ ـ ٥٠٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٩٣ و ١٠٩٤ ، مسند أحمد ٢ :
وقول الصادق عليهالسلام : « يخطب وهو قائم ثم يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها » (١).
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا تجب الجلسة بل تستحب ، عملا بالأصل. (٢)
وهو مدفوع بالطارئ.
ولو عجز عن القعود ، فصلّ بالسكتة. فإن قدر على الاضطجاع ، فإشكال ، أقربه : الفصل بالسكتة أيضا. ولو خطب جالسا لعجزه ، فصّل بالسكتة أيضا مع احتمال الفصل بالضجعة.
و : الطهارة من الحدث والخبث شرط في الخطبتين ، قاله الشيخ (٣) ، وهو قول الشافعي في الجديد ، لأنّه عليهالسلام كان يخطب متطهّرا ، وكان يصلّي عقيب الخطبة (٤) ، وقال : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) (٥).
ولأنّه ذكر هو شرط في الصلاة ، فشرطت فيه الطهارة كالتكبير.
وقال في القديم : لا يشترط ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد ـ لأنّه ذكر يتقدّم الصلاة ، فلا يشترط له الطهارة كالأذان (٦).
__________________
٣٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٨ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٨٦.
(١) التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٠٤.
(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٦ ، المغني ٢ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٥ ، المجموع ٤ : ٥١٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤.
(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.
(٤) المجموع ٤ : ٥١٥ ـ ٥١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٥ ، السراج الوهاج : ٨٨.
(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٧٣ ـ ١ و ٣٤٦ ـ ١٠.
(٦) المجموع ٤ : ٥١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٠٥ ، المبسوط
والفرق : أنّه ليس شرطا في الصلاة ، بخلاف الخطبة.
إذا عرفت هذا ، فإن خطب في المسجد ، شرطت الطهارة من الخبث والحدث الأكبر إجماعا منّا.
ز : العدد : قال الشيخ : شرط الخطبتين : العدد المشترط في الجمعة (١). وبه قال الشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين (٢) ، لأنّه ذكر هو شرط في الجمعة ، فكان من شرطه حضور العدد كالتكبير. ولأنّ وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.
وعن أبي حنيفة : أنّه ليس بشرط ، فيجوز أن يخطب وحده ، لأنّه ذكر متقدّم ، فلا يشترط فيه العدد كالأذان (٣).
والفرق : اشتراط الخطبة دون الأذان. ولأنه موضوع لإعلام الغيّاب ، فلا يشترط فيه الحضور ، والخطبة مشتقّة من الخطاب وإنما يكون للحاضرين.
إذا ثبت هذا ، فإن خطب والعدد حاضر ثم انفضّوا في الأثناء ، فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب ، لأنّ القصد بها الإسماع ، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء على ما مضى حال سماعهم ، كما لو سلّم ثم ذكر قبل طول الفصل.
وإن طال ، فالأقرب البناء أيضا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأنّ غرض الوعظ يحصل مع تفرّق الكلمات.
وأصحّهما عنده : الاستئناف ، لأنّ النبي عليهالسلام كان يوالي (٥).
__________________
للسرخسي ٢ : ٢٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣ ، اللباب ١ : ١١١ ، المغني ٢ : ١٥٤ ، النكت والفوائد السنيّة ١ : ١٤٧.
(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٧.
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥١٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٦ ، المغني ٢ : ١٧٨.
(٣) المجموع ٤ : ٥١٤ ، المغني ٢ : ١٧٨.
(٤) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٨ ـ ٥١٩.
(٥) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٨ ـ ٥١٩.
وقد ظهر ممّا اخترناه : عدم اشتراط الموالاة في الخطبة ، وللشافعي قولان (١).
أمّا لو اجتمع بدل الأوّلين العدد ، فلا بدّ من استئناف الخطبة مطلقا.
وإن انفضوا بعد تمام الخطبة وعادوا قبل طول الفصل ، بنيت الصلاة على الخطبة ، ولو عادوا بعد الطول فكذلك. وللشافعي قولان (٢).
فإن أوجبنا الموالاة ، لم تجز الصلاة بتلك الخطبة ، بل تجب إعادتها والصلاة جمعة مع سعة الوقت.
وللشافعي عدمه في وجه ضعيف ، بل يصلّي الظهر (٣).
والعدد إنّما هو شرط في واجبات الخطبة دون مستحباتها إجماعا.
ح : ارتفاع الصوت بهما بحيث يسمعه العدد ـ وهو أظهر وجهي الشافعي (٤) ـ لأنّ مقصود الوعظ لا يحصل إلا بالإسماع ، فلا يكفي أن يخطب سرّا ، لمنافاة الغرض.
ولأن النبي عليهالسلام كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش (٥).
وعن أبي حنيفة : عدم الوجوب. وهو وجه للشافعي (٦) أيضا.
ولو رفع الصوت بقدر ما يبلغ ولكن كانوا أو بعضهم صمّا ، فالأقرب : الإجزاء.
ولا يجهد نفسه في رفع الصوت ، لما فيه من المشقّة ، ولا تسقط الجمعة
__________________
(١) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٨ ، السراج الوهاج : ٨٨.
(٢) المجموع ٤ : ٥٠٧ ، فتح العزيز ٤ : ٥٢١.
(٣) المجموع ٤ : ٥٠٧ ـ ٥٠٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٧.
(٤) الام ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، السراج الوهاج : ٨٧.
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٥٩٢ ـ ٨٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧ ـ ٤٥ ، سنن النسائي ٣ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٠٦.
(٦) فتح العزيز ٤ : ٥٨٦ ، المجموع ٤ : ٥٢٣.
ولا الخطبة وإن كانوا كلّهم صمّا.
ط : الترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة ، فلو قدّم الصلاة أو غيرها على الحمد ، أو قدّم الوعظ على الصلاة ، استأنف ، للتأسّي.
مسألة ٤٠٩ : وفي تحريم الكلام على العدد ووجوب الإنصات للخطيب قولان للشيخ :
أحدهما : تحريم الكلام ووجوب الإنصات. واختاره المرتضى والبزنطي (١) منّا ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وأحمد ، والشافعي في القديم ، وابن المنذر (٢) ـ لأنّ أبا هريرة قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إذا قلت لصاحبك : أنصت ، والإمام يخطب ، فقد لغوت ) (٣).
واللغو : الإثم ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) (٤).
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتى يفرغ من خطبته ، فإذا فرغ تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة » (٥).
والآخر : عدم تحريم الكلام ، وعدم وجوب الإنصات ، بل يستحب (٦) ـ وبه قال الشافعي في الجديد ، وبه قال عروة بن الزبير والشعبي
__________________
(١) النهاية : ١٠٥ ، وحكى قول المرتضى والبزنطي ، المحقق في المعتبر : ٢٠٦.
(٢) بدائع الصنائع ١ : ٢٦٣ و ٢٦٤ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩ ، المنتقى للباجي ١ : ١٨٨ ، القوانين الفقهية : ٨٠ ، المغني ٢ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٦١.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٣ ـ ٨٥١ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ٢٩٠ ـ ١١١٢ ، الموطأ ١ : ١٠٣ ـ ٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٢١٨.
(٤) المؤمنون : ٣.
(٥) الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧١ و ٧٣.
(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٤٦.
والنخعي وسعيد بن جبير والثوري (١) ـ لأنّ رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، السقيا وهو يخطب ، وفي الجمعة الآتية سأله رفعها (٢).
وقام إليه رجل وهو يخطب يوم الجمعة فقال : يا رسول الله متى الساعة؟
فأعرض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأومأ الناس إليه بالسكوت ، فلم يقبل وأعاد الكلام ، فلمّا كان الثالثة ، قال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( ويحك ما ذا أعددت لها؟ ) فقال : حبّ الله ورسوله ، فقال : ( إنّك مع من أحببت ) (٣).
ولو كان الكلام محرّما ، لأنكر عليه. وللأصل.
ونمنع كون اللغو الإثم ، لقوله تعالى ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) (٤) بل المراد جعله لاغيا لكلامه في موضع الأدب فيه السكوت.
وقول الصادق عليهالسلام يعطي الكراهة عرفا ، فيحمل عليه.
والأقرب : الأول إن لم يسمع العدد ، وإلاّ الثاني.
فروع :
أ : قال المرتضى : يحرم من الأفعال ما لا يجوز مثله في الصلاة (٥).
وفيه إشكال ينشأ من قوة حرمة الصلاة. وكونها بدلا من الركعتين لا يقتضي المساواة لو سلّم.
ب : قال المرتضى : لا بأس أن يتكلّم بعد فراغ الإمام من
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، المغني ٢ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥ و ٢١٦ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٢٩.
(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٥ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ـ ١١٧٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٢١.
(٣) مسند أحمد ٣ : ١٦٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٢١ ، وأورده أيضا كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٢ : ١٦٦ والشرح الكبير ٢ : ٢١٦.
(٤) البقرة : ٢٢٥.
(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٦.
الخطبة إلى أن تقام الصلاة (١).
ج : لو سلّم عليه ، وجب عليه الرّد ، لأنّه واجب ، والإنصات مستحب ، فلا يترك لأجله. ولأنّه ليس أبلغ من الصلاة وقد أوجبنا الردّ فيها.
وبه قال الشافعي على تقدير استحباب الإنصات ، وعلى تقدير الوجوب ليس له الرّد ، لأنّه سلّم في غير موضعه ، وفرض الإنصات سابق (٢).
وهل له تسميت العاطس؟ الوجه : ذلك إن قلنا باستحباب الإنصات ، وإلاّ فالأقرب ذلك كالصلاة ـ وهو قول الشافعي (٣) ـ بخلاف السلام ، لأنّه سلّم في غير موضعه ، والعاطس لم يختر العطسة.
وله المنع ، لما تقدّم في السلام.
د : الخلاف إنّما هو في القريب السامع للخطبة ، أمّا البعيد أو الأصمّ : فإن شاء سكت ، وإن شاء قرأ أو سبّح. وللشافعية وجهان (٤).
وكذا الخلاف فيما إذا لم يتعلّق بحقّ أحد من المسلمين.
أمّا لو رأى جدارا ينقضّ فإنّه يحذّر منه ـ وكذا العقرب ، والأعمى يتردّى في بئر ـ إجماعا.
هـ : هل يحرم الكلام في الجلسة بين الخطبتين؟
الأقرب : المنع ، لعدم المقتضي للتحريم ، وهو : السماع. وللأصل.
وللشافعي قولان (٥).
و : لا بأس بالكلام بين الخطبة والإقامة ثم يكره بعدها ، لقول الصادق
__________________
(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٠٦.
(٢) مختصر المزني : ٢٨ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٠ و ٥٩١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٣.
(٣) مختصر المزني : ٢٨ ، المجموع ٤ : ٥٢٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٢٨٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٣٠.
(٤) المجموع ٤ : ٥٢٤ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٠ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٣٠.
(٥) المجموع ٤ : ٥٢٣.
عليهالسلام : « فإذا فرغ ـ يعني من خطبته ـ تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة » (١).
وقال أبو حنيفة : يكره ما بين الخطبة والصلاة (٢).
وقال الشافعي : لا يكره بعد الخطبة إلى الصلاة (٣).
ز : لا بأس بشرب الماء حال الخطبة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ عملا بالأصل.
وكلام المرتضى يعطي التحريم لأنها كالركعتين (٥).
وقال الأوزاعي : تبطل جمعته (٦).
ح : هل يحرم الكلام على الخطيب في الأثناء؟ الأقرب : العدم ، للأصل.
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كلّم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة (٧).
ولأنّ المستمع إنّما حرم عليه الكلام لئلاّ يشغله عن الاستماع. وهو أحد قولي الشافعي.
وفي الآخر : يحرم ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك ـ كالركعتين (٨). وهو ممنوع.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٦٩ ـ ١٢٢٩ ، الكافي ٣ : ٤٢١ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧١ و ٧٣.
(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٩.
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣.
(٤) المجموع ٤ : ٥٢٩.
(٥) تقدّم نقل كلامه في الفرع « أ ».
(٦) المجموع ٤ : ٥٢٩.
(٧) سنن البيهقي ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٢.
(٨) المجموع ٤ : ٥٢٣ ، فتح العزيز ٤ : ٥٨٧ و ٥٨٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٤١ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٧.
ط : التحريم إن قلنا به على السامعين متعلّق بالعدد ، أمّا الزائد فلا.
وللشافعي قولان (١).
والأقرب : عموم التحريم إن قيل (٢) به ، إذ لو حضر فوق العدد بصفة الكمال لم يمكن القول بانعقادها بعدد معيّن منهم حتى يحرم الكلام عليهم خاصة.
ي : لا يحرم الكلام قبل الشروع في الخطبة ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ للأصل.
ولأنّ عمر كان إذا جلس على المنبر وأذّن المؤذّنون جلسوا يتحدّثون حتى إذا سكت المؤذّن وقام عمر سكتوا فلم يتكلّم أحد (٤). وهذا يدلّ على اشتهاره بينهم.
وقال أبو حنيفة : إذا خرج الإمام حرم الكلام في الوقت الذي نهي عن الصلاة فيه (٥) ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من اغتسل يوم الجمعة واستاك ، ومسّ من طيب إن كان عنده ، ولبس أحسن ثيابه ، ثم جاء إلى المسجد ولم يتخطّ رقاب الناس ، ثم ركع ما شاء الله أن يركع ، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلّي ، كان كفّارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها ) (٦).
وهو يدلّ على أنّ خروج الإمام يوجب الإنصات.
ولأنه إذا نهي عن الركوع كان الكلام أولى.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٥٢٤ ، الوجيز ١ : ٦٤.
(٢) في « م » : إن قلنا.
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٢٣ و ٥٥٥ ، المغني ٢ : ١٦٩.
(٤) سنن البيهقي ٣ : ١٩٩.
(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٩ ، شرح فتح القدير ٢ : ٣٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٦٤ ، عمدة القارئ ٦ : ٢٣٠ ، المغني ٢ : ١٦٩.
(٦) مسند أحمد ٣ : ٨١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٢٨٣.
والخبر قد روي فيه ( وأنصت إذا خطب إليه ) (١).
مسألة ٤١٠ : لا ينبغي التنفّل والإمام يخطب ، سواء كانت التحية للداخل حال الخطبة أو غيرها ، بل ينبغي أن ينصت لها ـ وبه قال الثوري والليث بن سعد وأبو حنيفة ومالك (٢) ـ لقوله تعالى ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) (٣).
قال المفسّرون : المراد بالقرآن هنا الخطبة (٤).
ولأنّ رجلا جاء يتخطّى رقاب الناس ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( اجلس فقد آذيت وآنيت (٥) (٦).
ومن طريق الخاصة : قول أحدهما عليهماالسلام : « إذا صعد الإمام المنبر فخطب فلا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر » (٧).
ولأنه مناف لمشروعية الخطبة.
وقال الشافعي : يستحب أن يصلّي تحية المسجد ركعتين ـ وبه قال الحسن ومكحول وأحمد وإسحاق وابن المنذر (٨) ـ لأنّ سليكا الغطفاني جاء يوم الجمعة والنبي عليهالسلام يخطب ، فجلس فقال له : ( يا سليك قم فاركع
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٤ نحوه.
(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٩ ، اللباب ١ : ١١٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٣٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، المدونة الكبرى ١ : ١٤٨ ، القوانين الفقهية : ٨٠ ، المجموع ٤ : ٥٥٢.
(٣) الأعراف : ٢٠٤.
(٤) تفسير القرطبي ٧ : ٣٥٣ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٨٢٨ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٩.
(٥) آناه يؤنيه ايناء ، أي : أخّره وحبسه وأبطأه. والمعنى : أخّرت المجيء وأبطأت. الصحاح ٦ : ٢٢٧٣ « أنا » وانظر النهاية لابن الأثير ١ : ٧٨.
(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٤ ـ ١١١٥ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٣.
(٧) الكافي ٣ : ٤٢٤ ـ ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٨ وفيهما مضمرة.
(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٢ ، المجموع ٤ : ٥٥١ و ٥٥٢ ، الوجيز ١ : ٦٤ ، فتح العزيز ٤ : ٥٩٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٤ ، المغني ٢ : ١٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٤.