تذكرة الفقهاء - ج ٢٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٠

تذكره الفقهاء المجلد ٢٢

المطلب الثالث: في الوصيّة بالولاية.

و فيه مباحث:

الأوّل: الصيغة.

مسألة ٢٧٨: الصيغة لا بدّ فيها من إيجاب و قبول، فالإيجاب أن يقول:أوصيت إليك، أو: فوّضت، أو: أنت وصيّي، أو: أقمتك مقامي، أو: افعل بعدي كذا، و ما أشبه ذلك، و لا يكفي: أنت وكيلي، أو: أنت وكيل أولادي الأصاغر.

و هل يصحّ بلفظ الولاية بأن يقول: وليّتك كذا بعد موتي ؟ الأقرب ذلك.

و للشافعيّة وجهان(١).

و يصحّ فيها الإطلاق و التأقيت، مثل: أنت وصيّي، أو: أوصيت إليك إلى سنة، أو: إلى أن يبلغ ابني فلان، أو يوصي إلى زوجته إلى أن تتزوّج.

و أمّا القبول فهو شرط عندنا، خلافا لبعض الشافعيّة(٢).

و لا يشترط القبول نطقا، بل لو فعل بعده ما أوصى به إليه، كان قبولا.

و لا يشترط وقوعه في حياة الموصي، بل لو وقع القبول في حياة

١- العزيز شرح الوجيز ٢٨٥:٧، روضة الطالبين ٢٨٣:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٧٧:٧، روضة الطالبين ٢٧٨:٥.

١

الموصي لم يعتد به عند بعض الشافعيّة، كما لو أوصى بمال فإنّه يشترط وقوع القبول بعد الموت(١).

و الوجه: أنّه يعتدّ به، كما لو وكّله في عمل يتأخّر وقته يكون القبول في الحال و الامتثال في المستقبل.

و الردّ في حياة الموصي على هذين الوجهين، فعلى الأوّل لو ردّ قبل موته جاز، و لو ردّ بعد الموت بطلت الوصيّة.

مسألة ٢٧٩: لا بدّ في الإيجاب من تفصيل الولاية أو عمومها،

فيقول:

أوصيت إليك في قضاء ديوني و تنفيذ وصاياي و التصرّف في مال أطفالي و القيام بمصالحهم، أو يذكر بعض هذه أو غيرها مفصّلا، أو يعمّم فيقول:

أوصيت إليك في جميع أمور أولادي و جميع التصرّفات، أو في كلّ قليل و كثير.

و لا يكفي في الولاية قوله: أوصيت إليك، بل يقع لغوا، كما لو قال:

وكّلتك، و لم يعيّن ما وكّله فيه.

و لو قال: أوصيت إليك، أو: أقمتك مقامي في أمر أطفالي، و لم يذكر التصرّف، اقتضى العرف انصرافه إلى الحفظ لأموالهم و التصرّف، و هو قول بعض الشافعيّة(٢).

و قال بعضهم: لا ينصرف إلاّ إلى الحفظ لا غير؛ تنزيلا على الأقلّ(٣).

و قال بعض الشافعيّة: لا يصحّ حتى يبيّن ما فوّضه إليه(٤).

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٧١:١، حلية العلماء ١٤٨:٦، التهذيب - للبغوي - ٥: ١٠٧، البيان ٢٨٦:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٧:٧، روضة الطالبين ٢٧٨:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٧٧:٧-٢٧٨، روضة الطالبين ٢٧٨:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٧٧:٧، روضة الطالبين ٢٧٨:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٧٨:٧، روضة الطالبين ٢٧٨:٥.

٢

و لو عجز عن النطق فأشار بيده إشارة مفهمة، أو كتب بخطّه و علم قصده، أو قرئ عليه كتاب الوصيّة بالولاية أو بالمال، فأشار برأسه أن نعم، صحّت الوصيّة؛ لأنّه بالعجز صار كالأخرس.

و قال أبو حنيفة: لا تصحّ إلاّ بالنطق(١).

مسألة ٢٨٠: لو أوصى إليه في بعض التصرّفات،

لم تتعدّ ولايته إلى غيره، و لم يجز له التخطّي، فلو أوصى إليه بتفريق وصيّته خاصّة أو بقضاء ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله، اختصّت الولاية بما عيّنه الموصي، و لا يكون له الولاية في غير ما جعل إليه، عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و أحمد(٢) - لأنّه وصّى إليه في شيء بعينه، فإذا تعدّاه كان تبديلا لوصيّته، و تبديلها حرام، و لأنّه استفاد تصرّفا بالإذن من جهة الآدمي، فكان مقصورا على ما أذن فيه، كالوكيل.

و قال أبو حنيفة: إذا أوصى إليه في شيء بعينه صار وصيّا في كلّ ما يملكه الموصي؛ لأنّ هذه ولاية تنتقل إليه من الأب بموته فلا تتبعّض، كولاية الجدّ(٣).

١- الهداية - للمرغيناني - ٢٦٩:٤، العزيز شرح الوجيز ٢٧٨:٧، المغني ٥٦٠:٦ - ٥٦١، الشرح الكبير ٤٥٠:٦-٤٥١.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٧٠:١، نهاية المطلب ٣٦٥:١١، الوجيز ٢٨٣:١، الوسيط ٤٨٩:٤، حلية العلماء ١٤٦:٦، التهذيب - للبغوي - ١٠٩:٥، البيان ٢٨٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٨:٧، روضة الطالبين ٢٧٨:٥، اختلاف الأئمّة العلماء ٧٥:٢، المغني ٥٩٩:٦، الشرح الكبير ٦٢٩:٦، المبسوط - للسرخسي - ٢٦:٢٨، الفتاوى الولوالجيّة ٣٤٨:٥.

٣- المبسوط - للسرخسي - ٢٦:٢٨، الفتاوى الولوالجيّة ٣٤٨:٥، اختلاف الأئمّة العلماء ٧٥:٢، المغني ٥٩٩:٦، الشرح الكبير ٦٢٩:٦، نهاية المطلب ١١: -

٣

و الفرق: أنّ الجدّ استحقّ الولاية بالولادة، و تلك لا تتبعّض، و الإذن يتبعّض، و لأنّه متصرّف بالإذن و التولية، فأشبه الوكيل و الحاكم لا يتصرّفان في غير ما فوّض إليهما، و لأنّ الوصيّ أمين، فلا تثبت أمانته في غير المؤتمن فيه، كالمستودع.

إذا عرفت هذا، فإذا أوصى إلى شخص بتفريق ثلثه و إلى آخر بقضاء ديونه و إلى ثالث بالنظر في [أمر] صغاره، كان لكلّ واحد منهم ما جعل إليه دون غيره.

مسألة ٢٨١: يجوز تعدّد الأوصياء،

فيوصي إلى اثنين أو جماعة، كما يجوز توكيل الاثنين و الأكثر، و أن يوصي إلى واحد و يجعل آخر مشرفا عليه، فلا يتصرّف الوصيّ إلاّ بإذنه.

و إذا أوصى إلى اثنين فإمّا أن يجعل كلّ واحد منهما وصيّا بخصوصيّته منفردا، فيجوز حينئذ لكلّ واحد منهما التفرّد بالتصرّف، و لا يجوز للآخر مخالفته إذا لم يخالف مقتضى الوصيّة، و إمّا أن يوصي إليهما جميعا ليتصرّفا مجتمعين غير منفردين، فيجب متابعته، و ليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرّف بدون مشاركة صاحبه، و لا نعلم خلافا في هاتين الصورتين.

و أمّا إن أطلق، فقال: أوصيت إليكما في كذا، فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرّف في شيء ألبتّة - و به قال مالك و الشافعي و أحمد(١) - لأنّ

١- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢٠٨١/١٠١٦:٢، عيون المجالس ١٩٦٦:٤ و ١٤٠١/١٩٦٧، الحاوي الكبير ٣٣٧:٨، المهذّب - للشيرازي - ٤٧٠:١، نهاية المطلب ٣٥٧:١١-٣٥٨، الوجيز ٢٨٣:١، الوسيط ٤٩٠:٤، حلية العلماء ٦: -

٤

المفهوم من الإخلاد إليهما الاجتماع، دون الانفراد، و لأنّ الموصي شرّك بينهما في النظر، فلم يكن لأحدهما الانفراد، كما لو كانا وكيلين في شيء.

و قال [أبو حنيفة](١) و محمّد: القياس أن لا ينفرد واحد منهما بتصرّف، إلاّ أنّهما استحسنا أن ينفرد أحدهما بسبعة أشياء: بشراء كفن الميّت، و قضاء ديونه، و إنفاذ وصيّته، معيّنة كانت أو غير معيّنة، و ردّ الوديعة إن كانت بعينها، و شراء ما لا بدّ للصغير منه من الكسوة و الطعام، و قبول الهبة عن الصغير، و الخصومة عن الميّت فيما يدّعى عليه و ما يدّعيه له(٢).

و قال الشيخ في النهاية و أبو يوسف: يجوز لكلّ واحد منهما الانفراد؛ لأنّ الوصيّة إليهما ولاية لهما، و الولاية لا تتبعّض، فملك كلّ واحد منهما الانفراد بها(٣). -

١- - ١٤٧، التهذيب - للبغوي - ١٠٩:٥، البيان ٢٨١:٨، العزيز شرح الوجيز ٧: ٢٧٩، روضة الطالبين ٢٧٩:٥، اختلاف الأئمّة العلماء ٨٣:٢، المغني ٦: ٦٠٠، الشرح الكبير ٦٢٠:٦.

٢- مختصر القدوري: ٢٤٢، المبسوط - للسرخسي - ٢٠:٢٨ و ٢١، تحفة الفقهاء ٢١٩:٣، الفتاوى الولوالجيّة ٣٥٤:٥، الفقه النافع ١١٧٦/١٤١٠:٣، الهداية - للمرغيناني - ٢٦٠:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٥:٥، اختلاف الأئمّة العلماء ٨٣:٢، المغني ٦٠٠:٦، الشرح الكبير ٦٢٠:٦، الحاوي الكبير ٣٣٧:٨، التهذيب - للبغوي - ١٠٩:٥، البيان ٢٨١:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٩:٧، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢٠٨١/١٠١٦:٢، عيون المجالس ٤: ١٤٠١/١٩٦٧.

٣- النهاية - للشيخ الطوسي -: ٦٠٦، المبسوط - للسرخسي - ٢٠:٢٨، تحفة الفقهاء ٢١٩:٣، الفتاوى الولوالجيّة ٣٥٤:٥، الفقه النافع ١٤١٠:٣ - ١١٧٦/١٤١١، الهداية - للمرغيناني - ٢٦٠:٤، الاختيار لتعليل المختار ٩٥:٥، -

٥

و وجه الاستحسان: أنّ هذه الأشياء يشقّ الاجتماع فيها و يضرّ تأخّرها، فجوّزت للحاجة إليها(١).

و يبطل بالوكيلين في مثل ذلك، و على أنّه إذا تعذّر اجتماعهما أقام الحاكم من ينوب عن النائب فيهما، فلا يشقّ ذلك و لا يتعذّر.

و قول أبي يوسف باطل؛ لأنّه جعل الولاية لهما باجتماعهما، فليست متبعّضة، كما لو كانا وكيلين.

و قال بعض الشافعيّة: إن كانت الوصايا في ردّ الودائع و الغصوب و العواري و تنفيذ الوصيّة المعيّنة و قضاء الدّين الذي تشتمل التركة على جنسه، فلكلّ واحد منهما الانفراد؛ لأنّ صاحب الحقّ مستقلّ بالأخذ في هذه الصّور، فلا يضرّ الانفراد.

و إن كانت الوصايا في تفرقة الثّلث و أمور الأطفال و التصرّف في أموالهم، فلها ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يثبت الاستقلال، فيقول: أوصيت إليكما أو إلى كلّ واحد منكما، أو يقول: كلّ واحد منكما وصيّي في كذا، أو يقول: أنتما وصيّاي في كذا، فلكلّ واحد منهما الانفراد بالتصرّف.

و إن(٢) شرط الاجتماع على التصرّف، لم ينفرد أحدهما، و لو انفرد لم ينفذ البيع و الشراء و الإعتاق، و يضمن ما أنفق على الأطفال.ة.

١- ورد الوجه المذكور في المغني ٦٠٠:٦، و الشرح الكبير ٦٢٠:٦.

٢- هذا هو الحالة الثانية من الأحوال المشار إليها، كما أنّ قوله فيما بعد: «و إن أطلق...» هي الحالة الثالثة.

٦

و إن أطلق، فكالاجتماع؛ لأنّه محتمل، فينزّل عليه؛ أخذا بالأقلّ(١).

مسألة ٢٨٢: إذا أوصى إلى اثنين و جعل لكلّ واحد منهما الانفراد بالتصرّف،

جاز لكلّ واحد منهما أن يتصرّف في الجميع و في النصف و أن يقاسم الآخر على الولاية، فينظر كلّ واحد منهما في النصف أو أزيد أو أقلّ بحسب اتّفاقهما.

و إذا مات أحدهما أو جنّ أو فسق أو لم يقبل الوصيّة، كان للآخر الانفراد، و ليس للحاكم أن يضمّ إليه آخر؛ لأنّه لا ولاية للحاكم مع وجود وصيّ تامّ الولاية، فإن ضعف نظره و قصرت قدرته ضمّ إليه الحاكم من يعينه، كما لو أوصى إلى واحد فضعفت قوّته و إن كان الآخر وصيّا.

و لو شرط الاجتماع على التصرّف، فليس لواحد منهما الانفراد بالتصرّف، فإن تصرّف فهو مردود.

و لو مات أحدهما أو فسق أو جنّ أو غاب أو لم يقبل الوصيّة، نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرّف مع الآخر.

و هل للحاكم إقامة الآخر مستقلاّ و ردّ النظر كلّه إلى الآخر؟ الأقرب:

المنع؛ لأنّ الموصي لم يرض باجتهاد الباقي وحده، فوجب أن يضمّ إليه غيره؛ لأنّ الوصيّة مقدّمة على نظر الحاكم و اجتهاده، و هو أحد وجهي الشافعي، و الثاني: أنّ له ذلك؛ لأنّ النظر لو كان إلى الحاكم بأن يموت بغير وصيّة كان له أن يفوّض النظر إلى واحد كذلك هنا، فيكون هذا ناظرا بالوصيّة عن الموصي و بالأمانة عن الحاكم(٢).

و لو ماتا معا أو تغيّرت حالهما بفسق أو كفر أو جنون أو غير ذلك من

١- العزيز شرح الوجيز ٢٧٨:٧-٢٧٩، روضة الطالبين ٢٧٩:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٨٠:٧، المغني ٦٠٧:٦، الشرح الكبير ٦٢١:٦.

٧

أسباب العزل، فهل للحاكم أن ينصب واحدا عوضهما، أم يجب الاثنان مراعاة لصورة العدد؟ الأقرب: الأوّل.

و إذا كانا وصيّين على الاجتماع و تشاحّا، لم يمض تصرّف أحدهما بانفراده، إلاّ ما لا بدّ منه، مثل: كسوة الأطفال و مأكولهم.

و يجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعاسرا جاز له الاستبدال بهما.

و لو أرادا قسمة المال بينهما، لم يجز؛ لأنّ الموصي أوصى بالاجتماع على الجميع؛ لما رواه محمّد بن الحسن الصفّار - في الصحيح - قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: رجل كان أوصى إلى رجلين، أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف ؟ فوقّع: «لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت، و أن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء اللّه»(١).

و لو مرض أحدهما أو عجز، ضمّ إليه الحاكم من يقوّيه، كما تقدّم(٢).

مسألة ٢٨٣: إذا قال: أوصيت إلى زيد،

ثمّ قال: أوصيت إلى عمرو، لم يكن قوله الثاني عزلا للأوّل، إلاّ أن يأتي بلفظ يدلّ على عزله، كأن يقول: بدله، أو عوضه.

ثمّ إن قبلا تشاركا في الوصيّة، و ليس لأحدهما الانفراد بالتصرّف، و لو قبل أحدهما دون الآخر، انفرد بالتصرّف.

و لو قال للثاني: الذي أوصيت به إلى فلان فقد أوصيت به إليك، فهو رجوع.

و قال بعض الشافعيّة: إذا قال: أوصيت إلى زيد، ثمّ قال: أوصيت

١- التهذيب ٧٤٥/١٨٥:٩، الاستبصار ٤٤٨/١١٨:٤.

٢- في ص ١١.

٨

إلى عمرو، انفرد كلّ واحد منهما بالتصرّف(١).

و لو أوصى إلى زيد ثمّ قال: ضممت إليك عمرا، أو قال لعمرو:

ضممتك إلى زيد، فإن قبل عمرو دون زيد، لم يكن لعمرو التفرّد بالتصرّف، لكن يضمّ الحاكم إليه أمينا عوضا عن زيد؛ لأنّ الموصي لم يفرده بالوصاية، بل ضمّه إلى غيره، و هو يوجب الشركة.

و لو قبل زيد دون عمرو، احتمل تفرّده بالوصيّة؛ لأنّه أفرده بالوصاية إليه، و أن لا يكون له التفرّد؛ لأنّه بضمّ عمرو إليه سلب استقلاله بالتفرّد؛ لأنّ الضمّ كما يشعر بعدم الاكتفاء بالمضموم يشعر بعدم الاكتفاء بالمضموم إليه.

و إن قبلا معا، احتمل أن يكونا شريكين، و أن يكون زيد هو الوصيّ و عمرو مشرف عليه.

مسألة ٢٨٤: ليس المراد من اجتماع الوصيّين على التصرّف تلفّظهما بصيغ العقود معا،

بل المراد صدوره عن رأيهما، ثمّ لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما.

و إذا أوصى إلى شخصين و اختلفا في التصرّف، فإن كانا مستقلّين و قال كلّ واحد: أنا أتصرّف، قسّم بينهما ليتصرّف كلّ واحد منهما في نصفه إن أمكن القسمة، و إن لم يقبل القسمة ترك بينهما حتى يتصرّفا فيه؛ لعدم أولويّة أحدهما بالتصرّف.

و الأقرب: أنّه من سبق نفذ تصرّفه، فإن اقترن عقداهما لشخصين بطلا.

و إن لم يكونا مستقلّين، أمرهما الحاكم بالاجتماع و قهرهما عليه

١- البغوي في التهذيب ١٠٩:٥، و عنه في العزيز شرح الوجيز ٢٨٠:٧، و روضة الطالبين ٢٨٠:٥.

٩

كما(١) يرى المصلحة فيه، فإن امتنع أحدهما ضمّ الحاكم إلى الآخر أمينا، و لو امتنعا أقام شخصين عوضهما، و لا ينعزلان بالاختلاف، بل اللّذان أقامهما الحاكم عوضهما نائبان عنهما.

و إن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء، عيّن الحاكم من يراه.

و إن اختلفا في الحفظ، قسّم بينهما عند بعض الشافعيّة(٢).

و قال بعض الشافعيّة: لا يقسّم، و اعترض: بأنّه إذا كان المال في يدهما كان النصف في يد كلّ واحد منهما، فجاز أن يعيّن ذلك النصف(٣).

و الأقرب: الأوّل؛ لأنّ الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه و لا التصرّف فيه.

و قال مالك: يجعل عند أعدلهما(٤).

و قال أصحاب الرأي: يقسّم بينهما(٥).

و الوجه ذلك إن كان كلّ واحد منهما موصى إليه على الانفراد؛ لأنّ حفظ المال من جملة الموصى به، فلم يجز لأحدهما الانفراد به، كالتصرّف، و لأنّه لو جاز لكلّ واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه جاز أن ينفرد بالتصرّف.

و إذا قسّم نصفين فتنازعا في عين النصف، أقرع، أو عيّن الحاكم.٦.

١- الظاهر: «بما» بدل «كما».

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٨٠:٧، روضة الطالبين ٢٨٠:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٨١:٧، و ينظر: روضة الطالبين ٢٨٠:٥.

٤- المغني ٦٠٨:٦، الشرح الكبير ٦٢٧:٦، و ينظر: عقد الجواهر الثمينة ٣: ١٢٣٦، و الذخيرة ١٦٩:٧.

٥- المغني ٦٠٨:٦، الشرح الكبير ٦٢٧:٦.

١٠

و لو لم يقبل المال القسمة، حفظاه معا إمّا بأن يجعلاه في بيت و يقفلا عليه، أو يودعاه عند من يرتضيانه، و إلاّ تولّى الحاكم حفظه.

و لو جعل الحفظ إلى اثنين، لم ينفرد أحدهما بحال.

البحث الثاني: في الموصي.

مسألة ٢٨٥: يشترط في الموصي التكليف و الحرّيّة،

فلا تصحّ وصيّة الصبي إلاّ في رواية: إنّه تجوز وصيّته بالمعروف إذا بلغ عشرا(١).

و الوجه: المنع.

و لا تصحّ وصيّة المجنون و لا وصيّة العبد؛ لسلب ولايته على نفسه فكيف على غيره.

هذا إذا كانت الوصيّة في قضاء الديون و تنفيذ الوصايا، و أمّا في أمور الأطفال و الولاية عليهم فيشترط في الموصي هذان الشرطان و شرط ثالث، و هو: أن يكون للموصي ولاية على الأطفال ابتداء من الشرع، لا بتفويض.

مسألة ٢٨٦: لو حضر الوصيّ الوفاة،

لم يكن له أن يوصي إلى غيره، إلاّ أن يكون الموصي قد جعل له ذلك، أمّا إذا أطلق الوصيّة إليه و لم يأذن له في الإيصاء و لا نهاه، لم يكن له الإيصاء عند أكثر علمائنا(٢) - و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين و إسحاق(٣) - لأنّه تصرّف بتولية،

١- الكافي ٢٨:٧ (باب وصيّة الغلام و الجارية...) ح ١، الفقيه ٥٠٢/١٤٥:٤، التهذيب ٧٢٩/١٨١:٩.

٢- منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: ٦٧٥، و أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: ٣٦٦، و ابن إدريس في السرائر ١٨٥:٣.

٣- مختصر المزني: ١٤٦، الحاوي الكبير ٣٣٩:٨، المهذّب - للشيرازي - ١: -

١١

فلم يكن له التفويض، كالوكيل، و لأنّها استنابة بعد الموت، فأشبهت الاستنابة قبله، فحينئذ يكون الولاية بعد موت الوصيّ إلى الحاكم، و ليس للورثة أن يتولّوا ذلك بأنفسهم و لا أن يعيّنوا من يقوم به في حال الغيبة، و يتولّى ذلك الفقيه المأمون من أهل الحقّ العدل من ذوي البصائر.

و قال بعض علمائنا(١): إنّ للوصيّ أن يوصي مع الإطلاق - و به قال مالك و أبو حنيفة(٢) - لأنّ الأب أقامه مقامه، فكان له الوصيّة كما يكون ذلك للأب.

و الفرق: أنّ الأب و الجدّ يليان بغير تولية، بل شبهه بالوكيل أولى؛ لأنّه يتصرّف بالتولية و التفويض، فلا يملك التفويض إلى غيره، كالوكيل.

مسألة ٢٨٧: لو قال الموصي للوصي: أوصيت إليك،

فإذا حضرتك الوفاة فوصيّي فلان، أو: فقد أوصيت إليه، أو قال: أوصيت إليك إلى أن يبلغ ابني فلان أو يقدم من سفره فإذا بلغ أو قدم فهو الوصيّ، أو قال:

١- كالشيخ الطوسي في النهاية: ٦٠٧، و ابن البرّاج في المهذّب ١١٧:٢.

٢- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢٠٨٤/١٠١٧:٢، عيون المجالس ٤: ١٩٥٩-١٣٩٨/١٩٦٠، مختصر اختلاف العلماء ٧٤:٥-٢٢٠٩/٧٥، المبسوط - للسرخسي - ٤٤:١٢، و ١٥٣:٢٧، الهداية - للمرغيناني - ٢٦١:٤، اختلاف الأئمّة العلماء ٧٥:٢، المغني ٦٠٧:٦، الشرح الكبير ٦٢٦:٦، الحاوي الكبير ٣٣٩:٨، الوسيط ٤٨٦:٤، حلية العلماء ١٤٨:٦، التهذيب - للبغوي - ٥: ١١٠، البيان ٢٨٤:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٣:٧.

١٢

أوصيت إليك إلى سنة فإذا مضت فوصيّي فلان، جاز ذلك، فإذا مات الوصيّ الأوّل كان الثاني وصيّا للأب، لا للوصيّ الأوّل؛ لأنّه وصّى إليه بشرط، و هو جائز؛ لأنّ فاطمة عليها السّلام أوصت في وقفها إلى عليّ عليه السّلام، فإن حدث به حادث فإلى ولديها عليهما السّلام(١) ، و لأنّ الوصاية قريبة من التأمير، و من المشهور أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الأمير زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد اللّه ابن رواحة»(٢) و تحتمل الوصيّة التعليق، كما تحتمل الجهالة و الأخطار.

و قال بعض الشافعيّة: لا يجوز، كما في تعليق الوكالة(٣).

و قال بعضهم: لو قال: إذا متّ فقد أوصيت إليك، لا يجوز، بخلاف قوله: أوصيت إليك إذا متّ(٤).

و لو قال: أوصيت إليك فإذا حدث بك حدث الموت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه، أو: فوّضتك وصيّتي، قال الشافعي: لا يجوز(٥).

و له قول آخر بالجواز(٦).

و لأصحابه في هذه الصورة ثلاثة طرق:

أشهرها: أنّ فيها قولين:

أحدهما: الصحّة؛ لأنّ الوصاية إلى الأوّل و الثاني صادرة من الموصي، فهي كالصورة السابقة.

و أظهرهما: المنع؛ لأنّ الموصى إليه مجهول هنا.٥.

١- الكافي ٥/٤٨:٧، الفقيه ٦٣٢/١٨٠:٤، التهذيب ١٤٤:٩-٦٠٣/١٤٥.

٢- التمهيد - لابن عبد البّر - ٣٨٨:٨، الحاوي الكبير ٣٤١:٨، المغني ٦٠٣:٦، الشرح الكبير ٦٢١:٦، و ينظر: صحيح البخاري ١٨٢:٥، و السنن الكبرى - للبيهقي - ١٥٤:٨.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٧٣:٧، روضة الطالبين ٢٧٥:٥.

٤- العزيز شرح الوجيز ٢٧٣:٧، روضة الطالبين ٢٧٥:٥.

٥- البيان ٢٨٥:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٣:٧، روضة الطالبين ٢٧٥:٥.

٦- البيان ٢٨٥:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٣:٧، روضة الطالبين ٢٧٥:٥.

١٣

الطريق الثاني: القطع بالمنع، و حمل القول الآخر على ما إذا أوصى و أذن للوصي في أن يوصي إلى من يرى.

الثالث: القطع بالجواز(١).

مسألة ٢٨٨: لو قال: أوصيت إليك و أذنت لك أن توصي،

فإمّا أن يعيّن من يوصي إليه، أو لا يعيّن، فإن لم يعيّن بل قال: أوص بتركتي إلى من شئت، أو قال: من أوصيت إليه فهو وصيّي، فأوصى بها إلى رجل، صحّ.

و للشافعيّة طريقان:

أصحّهما: أنّ في صحّة الوصيّة قولين:

أحدهما: المنع؛ لأنّ إذنه قد بطل بالموت، فلا يجوز أن ينصب عنه نائب حين لا إذن له، كما لو و كّل وكيلا و أذن له في التوكيل فعزله ثمّ و كلّ الوكيل عنه، لا يجوز، و لأنّه يلي بتولية فلا يصحّ أن يوصي، كالوكيل، و لأنّه يوصي عنه في وقت لا يملك هو العقد.

و الثاني: الجواز - كما قلناه نحن، و به قال مالك و أبو حنيفة - لأنّ للأب أن يوصي، فكان له أن يستنيب في الوصيّة، كما في الوكالة، و لأنّ نظره للأطفال بعد الموت متّبع بدليل اتّباع شرطه فيما إذا أوصى إلى رجل إلى أن يبلغ ابنه، و كذا إن أوصى إلى رجلين و شرط استقلال أحدهما إذا مات الثاني، تبع شرطه، و لأنّ الأب له أن يوصي، فكان له أن يستنيب في الوصيّة، كالإمام لمّا ملك أن يوصي ملك أن يوصي بالوصيّة، و الوكيل ملك أن يوكّل فملك أن يوكّل في التوكيل.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٧٣:٧-٢٧٤، روضة الطالبين ٢٧٥:٥.

١٤

و الطريق الثاني: القطع بالصحّة، و حمل المنع على أنّه قصد الردّ على أبي حنيفة، حيث قال: لو أوصى الوصيّ في أمر نفسه كان وصيّه وصيّا للموصي(١).

و إن عيّن فقال: أوص بتركتي إلى فلان، صحّ أيضا.

و للشافعيّة طريقان:

أحدهما: أنّ فيه قولين.

و منهم من قال: يصحّ هنا قولا واحدا؛ لأنّه عيّنه له و قطع اجتهاده فيه، فصار كما لو قال: أوصيت بعده إلى فلان(٢).

تذنيب: لو أطلق فقال: أوص إلى من شئت، أو إلى فلان، و لم يضف إلى نفسه، قال بعض الشافعيّة: يحمل على الوصاية عنه، فيجيء فيه الخلاف(٣).

و قطع بعضهم بأنّه لا يوصي عنه(٤).

مسألة ٢٨٩: ليس للميّت أن يوصي على البالغ الرشيد،

سواء كان ولدا أو ولد ولد أو غير ذلك، إجماعا؛ لانتفاء ولايته عنهم حال حياته فكيف تثبت له الولاية بعد موته!؟

نعم، له أن ينصب وصيّا في قضاء ديونه و تنفيذ وصاياه، فإذا نصب وصيّا لذلك، لم يتمكّن من إلزام الورثة تسليم التركة لتباع في الدّين، بل لهم الإمساك و قضاء الدّين من مالهم، لكن لو امتنعوا من التسليم و القضاء من عندهم ألزمهم إمّا البيع أو الأداء من مالهم لتبرأ ذمّة الموصي.

١- العزيز شرح الوجيز ٢٧٤:٧، روضة الطالبين ٢٧٦:٥.

٢- العزيز شرح الوجيز ٢٧٤:٧، روضة الطالبين ٢٧٦:٥.

٣- العزيز شرح الوجيز ٢٧٤:٧، روضة الطالبين ٢٧٦:٥.

٤- التهذيب - للبغوي - ١١٠:٥، العزيز شرح الوجيز ٢٧٤:٧، روضة الطالبين ٥: ٢٧٦.

١٥

هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء الدّين، و لو أوصى إليه ببيع شيء من تركته في قضاء دينه، لم يكن للورثة إمساكه، بل كان للوصيّ امتثال أمر الموصي، و كذا لو قال: ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه؛ لأنّ في أعيان الأموال أغراضا.

و لو أمره بأن يبيع عين ماله من فلان بثمن المثل، جاز، و لزمت الوصيّة بعد موته.

و إنّما تصحّ الوصيّة بالولاية على الطفل أو المجنون، و الضابط: أن يكون له الولاية على الموصى عليه.

مسألة ٢٩٠: الوصيّة بالولاية إنّما تصحّ من الأب أو الجدّ للأب و إن علا،

و لا ولاية لغيرهم من أخ أو عمّ أو خال أو جدّ لأمّ؛ لأنّ هؤلاء لا يكون أمر الأطفال إليهم، فكيف تثبت لهم ولاية!؟ فإنّ الوصيّ نائب عن الموصي، فإذا كان الموصي لا ولاية له فالموصى إليه أولى بذلك.

و أمّا الأم فلا ولاية لها عندنا أيضا؛ لأنّه لا مدخل لها في ولاية النكاح، فلا تلي المال، كالعبد.

خلافا لبعض الشافعيّة، فإنّه سوّغ لها أن توصي في أمر أطفالها الأصاغر؛ لأنّها أحد الأبوين، فكان لها الولاية، كالأب(١) ، يدلّ على هذا أنّها يصحّ أن تكون وصيّة له، فصحّ أن تلي بالنسب.

و الفرق ظاهر.

و لو أوصى أحد هؤلاء بمال للطفل، صحّ، لكن يتولاّه الأب أو الجدّ

١- الحاوي الكبير ٣٣٣:٨، التهذيب - للبغوي - ١٠٦:٥، البيان ١٢٧:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٦:٧، روضة الطالبين ٢٧٧:٥، المغني ٥٩٨:٦-٥٩٩، الشرح الكبير ٦٢٨:٦.

١٦

له أو الحاكم، دون من يعيّنه الموصي، فلو أوصت الأم بمال لولدها و جعلت أمره إلى غير الأب أو الجدّ للأب صحّت الوصيّة بالمال، دون الوصيّة بالولاية، بل كان للأب أو الجدّ له أن يتولّى ما أوصت به الأم.

مسألة ٢٩١: لو أوصى الأب إلى شخص بالولاية على أطفاله،

و لهم جدّ للأب، لم يجز للوصيّ التصرّف في حياة الجدّ؛ لأنّ الجدّ بدل الأب شرعا، فليس له نقل الولاية عنه، كولاية التزويج، و لأنّ للجدّ ولادة و تعصيبا، فكان له ولاية المال مع العدالة، كالأب، و به قال الشافعي(١).

و قال مالك و أحمد: ليس للجدّ ولاية في المال؛ لأنّ الجدّ يدلي بالأب، و لا يلي المال، كالعمّ(٢).

و الفرق: أنّ العمّ لا ولاية له، بخلاف الجدّ.

و قال أبو حنيفة و بعض الشافعيّة: للجدّ ولاية، إلاّ أنّ الموصى إليه أولى منه؛ لأنّ الموصى إليه نائب عن الأب، فكان أولى من الجدّ، كوكيل الأب(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الجدّ يستفيد الولاية بنفسه، فكان مقدّما على من يلي بتولية، كالجدّ مع الحاكم، و يخالف الوكيل؛ لأنّه يتصرّف عن ولاية

١- الحاوي الكبير ٣٣٣:٨، المهذّب - للشيرازي - ٤٥٦:١، نهاية المطلب ١١: ٣٦٦، الوسيط ٤٨٦:٤، حلية العلماء ١٥١:٦، التهذيب - للبغوي - ١٠٨:٥، البيان ١٢٦:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٥:٧-٢٧٦، روضة الطالبين ٢٧٧:٥، المغني ٥٩٨:٦، الشرح الكبير ٦٢٨:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٦٤:٤.

٢- عقد الجواهر الثمينة ١٢٣٥:٣، المغني ٥٩٨:٦ و ٥٩٩، الشرح الكبير ٦: ٦٢٨.

٣- الهداية - للمرغيناني - ٢٦٤:٤، الحاوي الكبير ٣٣٤:٨، نهاية المطلب ١١: ٣٦٦، الوسيط ٤٨٦:٤، حلية العلماء ١٥١:٦، التهذيب - للبغوي - ١٠٨:٥، البيان ١٢٧:٨، العزيز شرح الوجيز ٢٧٦:٧.

١٧

الأب، و هذا يتصرّف بولاية نفسه.

و قد عرفت من هذا أنّ ولاية الأب مقدّمة على ولاية الجدّ، و ولاية الجدّ مقدّمة على ولاية الوصيّ للأب، و الوصيّ للأب أو الجدّ أولى من الحاكم، فليس للقاضي تغيير وصيّ الأب بعد موته، إلاّ أن يتغيّر حاله.

و لو كان بأجرة و وجد القاضي المتبرّع، فالأقرب: أنّه ليس له عزله إن و فى الثّلث، و إلاّ جاز، لخفّة المؤونة على الأطفال.

هذا في أمر الأطفال، فأمّا في قضاء الديون و تنفيد الوصايا فيكون للأب نصب الوصيّ، و يكون الوصيّ أولى من الجدّ، و لو لم ينصب وصيّا فأبوه أولى بقضاء الدّين و أمر الأطفال.

و قالت الشافعيّة: الحاكم أولى بتنفيذ الوصايا(١).

و ليس بجيّد.

مسألة ٢٩٢: إذا كان في الورثة صغير و كبير و احتاج الصغير إلى بيع شيء من التركة،

كان للوصيّ بيع نصيب الصغير، دون نصيب الكبير - و به قال الشافعي(٢) - لأنّ الكبير رشيد، فلا يجوز بيع ماله بغير إذنه، كما لو انفرد.

و قال أبو حنيفة و أحمد: إذا كان بيع الجميع أحظّ لهما، جاز للوصيّ بيعه بغير إذن الكبير، و كذا إذا أوصى إليه في تفرقة ثلثه و كان بيع الكلّ أحظّ باعه، و كذلك في قضاء الدّين؛ لأنّ التركة باقية على حكم مال الميّت، و لهذا تقضى منها ديونه و تنفذ وصاياه، فكان للوصيّ أن يفعل ما فيه الحظّ

١- التهذيب - للبغوي - ١٠٨:٥، العزيز شرح الوجيز ٢٧٦:٧، روضة الطالبين ٥: ٢٧٧.

٢- حلية العلماء ١٥١:٦، المغني ٣٢١:٤، الشرح الكبير ٦٣٥:٦.

١٨

للميّت(١).

و ليس بصحيح؛ لأنّ الوصيّ ليس بوليّ على الميّت، و إنّما هو وليّ على الصغير، و لأنّ ماله قد انتقل إلى الورثة، و الحقّ لهم.

مسألة ٢٩٣: إذا أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه،

كانت وصيّته ماضية؛ لوجود المقتضي، و هو صدورها من بالغ عاقل رشيد، و تجدّد السفه لا يوجب بطلان الحكم السابق.

و لو جرح الإنسان نفسه بما فيه هلاكها غالبا، ثمّ وصّى، كانت وصيّته باطلة لا يجوز العمل عليها، قاله الشيخ رحمه اللّه(٢) ؛ لأنّ فعله ذلك يدلّ على ظهور سفهه، فلم تنفذ وصيّته.

و لو لم يكن سفيها بل كان رشيدا عاقلا بعد الجرح، كان ما أوصى به ماضيا.

و لو لم تبق فيه حياة مستقرّة، احتمل بطلان الوصيّة.

و ابن إدريس نازع الشيخ رحمه اللّه، و حكم بصحّة وصيّة جارح نفسه بالمهلك(٣).

و الشيخ رحمه اللّه عوّل في قوله على ما رواه أبو ولاّد عن الصادق عليه السّلام، قال: سمعته يقول «من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا فيها» قلت له: أرأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته ؟ قال:

فقال: «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل

١- مختصر اختلاف العلماء ٧٣:٥-٢٢٠٨/٧٤، المبسوط - للسرخسي - ٣٤:٢٨، روضة القضاة ٦٩٩:٢-٣٩٥٢/٧٠٠، الفتاوى الوالوالجيّة ٣٤٩:٥، حلية العلماء ١٥١:٦، المغني ٣٢٠:٤، الشرح الكبير ٦٣٤:٦.

٢- النهاية: ٦١٠.

٣- السرائر ١٩٧:٣.

١٩

أجيزت وصيّته في ثلثه، و إن كان أوصى بوصيّة بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعلّه يموت لم تجز وصيّته»(١).

البحث الثالث: في الوصيّ.

مسألة ٢٩٤: يشترط في الوصيّ التكليف،

فلا تصحّ الوصيّة إلى المجنون المطبق.

و هل تصحّ إلى من يعتوره أدوارا فينفذ تصرّفه وقت إفاقته ؟ إشكال.

و لا تصحّ إلى الصبي منفردا و إن كان مراهقا؛ لأنّه لا يملك التصرّف لنفسه فكيف لغيره، و لأنّ في الاستنابة بعد الموت معنى الأمانة، و معنى الوكالة من حيث إنّها تعدّ تفويضا من الغير، و معنى الولاية من حيث إنّ الوصيّ يتصرّف لعاجز، و هما ليسا أهلا لذلك كلّه.

و تصحّ الوصيّة إلى الصبيّ منضمّا إلى البالغ، لكن ليس للصبّي أن يتصرّف حال صغره، بل إنّما له التصرّف بعد بلوغه، فحينئذ يتصرّف الكبير منفردا حتى يبلغ الصغير.

و الأقرب: أنّه ليس للحاكم هنا إقامة آخر مع الكبير يكون نائبا عن الصغير؛ لأنّ الموصي فوّض إليه النظر.

و إذا بلغ الصغير، لم يجز للكبير الانفراد بالتصرّف.

و لو بلغ فاسد العقل، احتمل أن ينصب الحاكم مع الآخر أمينا؛ لأنّ الموصي فوّض إلى الكبير التصرّف إلى حين بلوغ الصغير و قد بلغ غير رشيد، و يحتمل عدمه.

١- التهذيب ٨٢٠/٢٠٧:٩، و في الكافي ٤٥:٧ (باب من لا تجوز وصيّته من البالغين) ح ١، و الفقيه ٥٢٢/١٥٠:٤ بتفاوت في بعض الألفاظ.

٢٠