تفسير الخطيب الشربيني - ج ٣

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري

تفسير الخطيب الشربيني - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-4207-0

الصفحات: ٧٣٦

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الفرقان

مكية ، إلا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) إلى (رَحِيماً) فمدني ، وآياتها سبع وسبعون آية ، وثمانمائة واثنان وسبعون كلمة ، وعدد حروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثمانون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ) الذي له الحجة البالغة (الرَّحْمنِ) الذي عم الخلق بنعمه (الرَّحِيمِ) الذي وسعت رحمته كل شيء.

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤))

(تَبارَكَ) قال الزجاج : تفاعل من البركة وهي كثرة الخير وزيادته ، ومنه تبارك الله ، وفيه معنيان : تزايد خيره وتكاثر ، أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله ، وعن ابن عباس كأن معناه جاءنا بكل بركة وخير ، وقال الضحاك : تبارك تعاظم ، ولا يستعمل إلا لله تعالى ولا يتصرف فيه ، ثم وصف ذاته الشريفة بما يدل على ذلك بقوله تعالى : (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) أي : القرآن ، والفرقان مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما ، وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل ولأنه لم ينزل جملة واحدة ، ولكن مفروقا مفصولا بين بعضه وبعض في الإنزال ؛ ألا ترى

٣

قوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) [الإسراء ، ١٠٦] (عَلى عَبْدِهِ) أي : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف ، وفي عود ضمير (لِيَكُونَ) ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه يعود على الذي نزل أي : ليكون الذي نزل الفرقان نذيرا.

الثاني : أنه يعود على الفرقان أي : ليكون الفرقان نذيرا ، وأضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء ، ٩] ؛ قال ابن عادل : وهو بعيد ؛ لأن المنذر والنذير في صفات الفاعل المخوف ووصف القرآن به مجاز وحمل الكلام على الحقيقة أولى.

الثالث : أنه يعود على عبده أي : ليكون عبده محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) أي : وبشيرا ، وهذا أحسن الوجوه معنى وصناعة لقربه مما يعود عليه والضمير يعود على أقرب مذكور ، وللعالمين متعلق بنذيرا ، وإنما قدّم لأجل الفواصل ، ونذيرا بمعنى منذر أي : مخوف ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإنذار كالنكير بمعنى الإنكار ومنه قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [القمر ، ١٦].

تنبيه : المراد بالعالمين قال البقاعي : أي : المكلفين كلهم من الجن والإنس والملائكة ا هـ. ولكن في إرساله للملائكة خلاف بين العلماء ، فقد نقل الجلال المحلي في شرحه على «جمع الجوامع» الإجماع على أنه لم يرسل إليهم ، وغيره صرح بأنه أرسل إليهم ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

فإن قيل : قوله تعالى : تبارك يدل على كثرة الخير والبركة ، فالمذكور عقبه لا بد وأن يكون مبينا لكثرة الخير والمنافع ، والإنذار يوجب الغم والخوف فكيف يليق ذكره بهذا الموضع؟ أجيب : بأن الإنذار يجري مجرى تأديب الوالد كما أنه (١) كلما كانت المبالغة في تأديب الوالد أكثر كان رجوع الخلق إلى الله تعالى أكثر ، وكانت السعادة الأخروية أتم وأكثر ، وهذا كالتنبيه على أنه لا التفات إلى المنافع العاجلة ؛ لأنه تعالى لما وصف نفسه يعطي الخيرات الكثيرة لم يذكر إلا منافع الدين ، ولم يذكر منافع الدنيا البتة.

وقوله تعالى : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه وتعالى حال حدوثها ، وأنه تعالى هو المتصرف فيها كيف يشاء ، فلا إنكار أن يرسل رسولا إلى كل من فيها.

تنبيه : يجوز في الذي الرفع نعتا للذي الأول أو بيانا أو بدلا ، أو خبرا لمبتدأ محذوف والنصب على المدح ، وما بعده يدل على أنه من تمام الصلة ، فليس أجنبيا فلا يضر الفصل به بين الموصول الأول والثاني إذا جعلنا الثاني تابعا له (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) أي : هو الفرد أبدا ولا يصح أن يكون غيره تعالى معبودا ووارثا للملك عنه ، وهذا رد على النصارى ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) أي : هو المنفرد بالألوهية ، وإذا عرف العبد ذلك انقطع رجاؤه عن كل من سواه تعالى ولم يشتغل قلبه إلا برحمته وإحسانه ، وفيه ردّ على الوثنية القائلين بعبادة النجوم والأوثان ، ولما نفى تعالى الشريك ، فكأن قائلا يقول : هاهنا أقوام يعترفون بنفي الشريك والشركاء والأنداد ومع ذلك

__________________

(١) قوله كما أنه الخ المراد بها أن يقال : فالولد بالغ والده في تأديبه كان رجوعه إليه أكثر وأتم لسعادته وكذلك الخلق كلما بالغ خالقهم في إنذارهم كان رجوعهم إليه أكثر وأتم لسعادتهم الآخروية.

٤

يقولون : يخلق أفعال أنفسهم ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي : من شأنه أن يخلق ومنه أفعال العباد ، والخلق هنا بمعنى الإحداث أي : أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) أي : هيأه لما يصلح له ، مثاله أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر الذي تراه ، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة ، وسمي إحداث الله خلقا ؛ لأنه لا يحدث شيئا لحكمة إلا على وجه التقدير من غير تفاوت.

فإذا قيل : خلق الله كذا ، فهو بمنزلة قولك : أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنه قيل : وأوجد كل شيء فقدره تقديرا في إيجاده ، ولم يوجده متفاوتا ، ولو حمل خلق كل شيء على معناه الأصلي من التقدير لصار الكلام : وقدر كل شيء فقدره ، فلم يصر له كبير فائدة ، وقيل : فجعل له غاية ومنتهى ومعناه : فقدره للبقاء إلى أمد معلوم.

واختلف في عود الضمير في قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) أي : الله تعالى أي : غيره (آلِهَةً) على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه يعود على الكفار الذين تضمنهم لفظ العالمين.

ثانيها : أنه يعود على من ادعى لله شريكا وولدا لدلالة قوله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ).

ثالثها : أنه يعود على المنذرين لدلالة نذيرا عليهم ، ولما وصف نفسه سبحانه وتعالى بصفات الجلال والعزة والعلو أردفه بتزييف مذهب من يعبد غيره من وجوه منها : أنها ليست خالقة للأشياء بقوله تعالى : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) والإله يجب أن يكون قادرا على الخلق والإيجاد ، ومنها : أنها مخلوقة بقوله تعالى : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) والمخلوق محتاج والإله يجب أن يكون غنيا ، وغلب العقلاء على غيرهم ؛ لأن الكفار كانوا يعبدون العقلاء كعزير والمسيح والملائكة ، وغيرهم كالكواكب والأصنام التي ينحتونها ويصورونها ، ومنها : أنها لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا بقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ) أي : لا يستطيعون (لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا) أي : دفعه (وَلا نَفْعاً) أي : جلبه ومن كان كذلك ، فليس بإله ، ومنها : أنها لا تقدر على موت ولا حياة ولا نشور بقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً) أي : إماتة لأحد وإحياء لأحد (وَلا نُشُوراً) أي : بعثا للأموات ، فيجب أن يكون المعبود قادرا على إيصال الثواب إلى المطيعين ، والعقاب إلى العصاة ، فمن لا يكون كذلك يجب أن لا يصلح للإلهية.

تنبيه : احتج أهل السنة بقوله تعالى : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ؛ لأنه تعالى عاب هؤلاء الكفار من حيث عبدوا ما لا يخلق شيئا ، وذلك يدل على أن من خلق يستحق أن يعبد ، فلو كان العبد خالقا لكان معبودا إلها ، ولما تكلم تعالى أولا على التوحيد ، وثانيا في الرد على عبدة غيره تكلم ، ثالثا في مسألة النبوة ، وحكى شبه الكفار في إنكار نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الشبهة الأولى : قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : مظهرو الوصف الذي حملهم على هذا القول ، وهو ستر ما ظهر لهم ولغيرهم كالشمس والاجتهاد في إخفائه (إِنْ) أي : ما (هَذا) أي : القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) أي : كذب مصروف عن وجهه (افْتَراهُ) اختلقه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ) أي : القرآن (قَوْمٌ آخَرُونَ) أي : من غير قومه ، وهم اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم وهو يعبر

٥

عنها بعبارته ، وقيل : عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي ، وأبو فكيهة الرومي كانوا بمكة من أهل الكتاب فزعم المشركون أن محمدا يأخذ منهم فردّ الله تعالى عليهم بقوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ) أي : قائلوا هذه المقالة (ظُلْماً) وهو جعل الكلام المعجز إفكا مختلقا متلقفا من اليهود ، وجعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب (وَزُوراً) أي : بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه ، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال ، والباقون بالإدغام.

تنبيه : جاء وأتى يستعملان في معنى فعل فيعديان تعديته ، وظلما مفعول به ، وقيل : إنه على إسقاط الخافض أي : جاؤوا بظلم.

الشبهة الثانية : قوله تعالى : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : ما سطره الأولون من أكاذيبهم جمع أسطورة بالضم كأحدوثة ، أو أسطار (اكْتَتَبَها) أي : تطلب كتابتها له من ذلك القوم وأخذها ، والمعنى أن هذا القرآن ليس من الله تعالى إنما هو مما سطره الأولون الأول كأحاديث رستم واسفنديار استنسخها محمد من أهل الكتاب (فَهِيَ) أي : فتسبب عن تكلفه ذلك أنها (تُمْلى عَلَيْهِ) أي : تقرأ عليه ليحفظها (بُكْرَةً) قبل أن تنتشر الناس (وَأَصِيلاً) أي : عشيا حين يأوون إلى مساكنهم ، أو دائما ليتكلف حفظها بالانتساخ ؛ لأنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب ، أو ليكتب وهذا كما ترى لا يقوله من له مسكة في عقل ، أو مروءة كيف وهو يدعوهم إلى المعارضة ولو بسورة من مثله وفيهم الكتّاب والشعراء والبلغاء والخطباء ، وهم أكثر منه مالا وأعظم أعوانا ولا يقدرون على شيء منه ، فإن قيل : كيف؟ قيل : اكتتبها فهي تملى عليه ، وإنما يقال : أمليت عليه فهو يكتبها؟ أجيب : بوجهين : أحدهما : أراد اكتتابها وطلبه ، فهي تملى عليه ، الثاني : أنها كتبت له وهو أمي فهي تملى أي : تلقى عليه من كتاب ليحفظها ؛ لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب ، وقرأ (فَهِيَ) قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء ، والباقون بكسرها.

ثم أمره الله تعالى بجوابهم بقوله تعالى : (قُلْ) أي : دالا على بطلان ما قالوه ومهددا لهم (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) أي : الغيب (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ لأنه أعجزكم عن آخركم بفصاحته وتضمنه أخبارا عن مغيبات مستقبلة وأشياء مكنونة لا يعلمها إلا عالم الأسرار ، فكيف تجعلونه أساطير الأولين مع علمكم أن ما تقولونه باطل وزور؟ وكذلك باطن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبراءته مما يبهتونه ، وهو يجازيكم على ما علم منكم وعلم منه.

فإن قيل : كيف يطابق هذا قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ) أي : أزلا وأبدا (غَفُوراً رَحِيماً)؟ أجيب : بأنه لما كان ما يقدمه في معنى الوعيد عقبه بما يدل على القدرة عليه ؛ لأنه لا يوصف بالرحمة والمغفرة إلا القادر على العقوبة ، أو هو تنبيه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبا ، ولكن صرف ذلك عنهم ؛ لأنه غفور رحيم يمهل ولا يعاجل.

الشبهة الثالثة : قوله تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) أي : ما لهذا الذي يزعم الرسالة ، وفيه استهانة وتهكم وتصغير لشأنه ، وتسميته بالرسول سخرية منه كأنهم قالوا : ما لهذا الزاعم أنه رسول ، ونحوه قول فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء ، ٢٧] ، أي : إن صح أنه رسول الله فما باله حاله مثل حالنا (يَأْكُلُ الطَّعامَ) أي : كما نأكله (وَيَمْشِي) أي : ويتردد (فِي الْأَسْواقِ) لطلب المعاش كما نمشي ، فلا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة يعنون : أنه يجب أن يكون

٦

ملكا مستغنيا عن الأكل والشرب والتعيش ، وكذلك كانوا يقولون له : لست أنت بملك ؛ لأنك تأكل الطعام ، والملك لا يأكل ، ولأن الملك لا يتسوق وأنت تتسوق ، وما قالوه فاسد ؛ لأن أكله الطعام لكونه آدميا ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفته في التوراة ، ولم يكن صخابا في الأسواق ، وليس شيء من ذلك ينافي النبوة ، ولأنه لم يدع أنه ملك من الملوك ، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك حتى يسانده في الإنذار والتخويف ، فقالوا : (لَوْ لا) أي : هلا (أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) أي : يصدقه ويشهد له (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) أي : داعيا.

ثم نزلوا أيضا إلى أنه لم يكن مرفودا بملك ، فليكن مرفودا بكنز ، فقالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) أي : ينزل عليه كنز من السماء ينفقه فلا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش ، ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان ، فقالوا : (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) أي : بستان (يَأْكُلُ مِنْها) أي : إن لم يلق إليه كنز فلا أقل أن يكون له بستان كالمياسير فيتعيش بريعه ، وقرأ حمزة والكسائي بالنون أن نأكل نحن منها فيكون له مزية علينا بها ، والباقون بالياء وقوله تعالى : (وَقالَ الظَّالِمُونَ) وضع فيه الظاهر موضع المضمر إذ الأصل وقالوا تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا (إِنْ) أي : ما (تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) أي : مخدوعا مغلوبا على عقله ، وقيل : مصروفا عن الحق.

ولما أنهى تعالى ما ذكر من أقوالهم الناشئة عن ضلالهم التفت سبحانه وتعالى إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسليا له بقوله تعالى : (انْظُرْ) أي : يا أفضل الخلق (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي : بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر (فَضَلُّوا) أي : بذلك عن جميع طرق الهدى (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) أي : في الحال ولا في المآل بسبب الضلال (سَبِيلاً) أي : سلوك سبيل من السبل الموصلة إلى ما يستحق أن يقصد ، بل هم في مجاهل موحشة وفيافي مهلكة.

ولما أثبت أنهم لا علم لهم ولا قدرة ولا يمن ولا بركة أثبت لنفسه سبحانه وتعالى ما يستحق من الكمال الذي يفيض به على من يشاء من عباده ما يشاء بقوله تعالى : (تَبارَكَ) أي : ثبت ثباتا مقترنا باليمن والبركة لا ثبات إلا هو (الَّذِي إِنْ شاءَ) فإنه لا مكره له (جَعَلَ لَكَ) أي : في الدنيا (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي : من الذي قالوه على طريق التهكم من الكنز والبستان ، وقوله تعالى : (جَنَّاتٍ) بدل من خيرا ، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني ، ثم وصفها بقوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : تكون أرضها عيونا نابعة أي : في أي موضع أريد منه إجراء نهر جرى ، فهي لا تزال ريا تغني صاحبها عن كل حاجة ولا تحوجه في استمرارها إلى سقي (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) أيضا وهي جمع قصر ، وهو المسكن الرفيع ، قال المفسرون : القصور هي البيوت المشيدة ، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرا ، ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر ، فيكون مسكنا ومنتزها ، ويجوز أن تكون القصور مجموعة والجنات مجموعة ، وقال مجاهد : إن شاء جعل جنات في الآخرة وقصورا في الدنيا ، ولم يشأ الله سبحانه وتعالى ما أشار إليه في هذه الآية الشريفة في هذه الدنيا الفانية وأخره إلى الآخرة الباقية ، وقد عرض عليه سبحانه وتعالى ما شاء في ذلك في الدنيا فأباه.

روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت : لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما ـ أو قال : ثلاثا أو نحو هذا ـ فإذا جعت تضرعت إليك ، وإذا

٧

شبعت حمدتك وشكرتك» (١) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهبا جاءني ملك فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا ، فنظرت إلى جبريل عليه‌السلام فأشار إلي أن ضع نفسك ، فقلت : نبيا عبدا ، قالت : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا ، ويقول : آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» (٢).

وعن ابن عباس قال : «بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وجبريل عليه‌السلام معه ، فقال جبريل عليه‌السلام : هذا ملك قد نزل من السماء استأذن ربه في زيارتك ، فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء الملك وسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : إن الله يخيرك أن يعطيك مفاتيح كل شيء لم يعطه أحدا قبلك ، ولا يعطيه أحدا بعدك من غير أن ينقصك مما أداك شيئا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل يجمعها لي في الآخرة» (٣) فنزل (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ) الآية ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة برفع اللام من يجعل ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه مستأنف ، والثاني : أنه معطوف على جواب الشرط ؛ لأن الشرط إذا وقع ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع كقوله (٤) :

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم

والباقون بالجزم ، ويجوز في (يَجْعَلْ لَكَ) إذا أدغمت أن تكون اللام في تقدير الجزم والرفع.

ثم أضرب سبحانه وتعالى عن كلامهم في حق رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله تعالى : (بَلْ) أي : لا يظنوا أنهم كذبوا بما جئت به ؛ لأنهم لا يعتقدون فيك كذبا بل (كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) أي : القيامة ، فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوي ، وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فلا يرجون ثوابا ولا عقابا ، فلا يتكلفون النظر والفكر ، ولهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل (وَأَعْتَدْنا) أي : والحال أنا اعتدنا أي : هيأنا بما لنا من العظمة (لِمَنْ كَذَّبَ) من هؤلاء وغيرهم (بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) أي : نارا شديدة الاتقاد بما أعظموا الحريق في قلوب من كذبوهم من الأنبياء وأتباعهم ، وعن الحسن : أن السعير اسم من أسماء جهنم.

تنبيه : احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران ، ١٣٣] وعلى أن النار وهي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وهو أقصى ما تمكن رؤيتها منه ، وقال الكلبي والسدي : من مسيرة عام ، وقيل : من مسيرة مائة سنة ، روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا ، قالوا : وهل لها من عينين؟ قال : نعم ، ألم تسمع قوله تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)» (٥).

__________________

(١) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٣٩٨٠.

(٢) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٩ ، والبغوي في تفسيره ٣ / ٤٣٧.

(٣) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٦٤.

(٤) البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٥٣ ، والإنصاف ٢ / ٦٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٨ ، والكتاب ٣ / ٦٦ ، ولسان العرب (خلل) ، (حرم).

(٥) أخرجه بنحوه أبو داود حديث ٣٦٥١ ، وأحمد في المسند ١ / ٧٨ ، ١٦٧.

٨

وقال البيضاوي : تبعا للزمخشري : إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه الصلاة والسلام : «لا تراءى ناراهما» (١) أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز. انتهى ، وهذا تأويل للمعتزلة بناء منهم على أن الرؤية مشروطة بالحياة بخلاف الأشاعرة فإنهم يجوزون رؤيتها حقيقة كتغيظها وزفيرها في قوله تعالى : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) أي : غليانا كالغضبان إذ غلى صدره من الغضب (وَزَفِيراً) أي : صوتا شديدا إذ لا امتناع من أنها تكون رائية مغتاظة زافرة ، وأشار البيضاوي إلى ذلك بعد ما ذكر بقوله : هذا. وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبينة أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر ، وقال الجلال المحلي : وسماع التغيظ رؤيته وعلمه انتهى. قال عبد الله بن عمر : تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه ، وقيل : إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبا عل الكفار للانتقام منهم ، فنسب إليها على حذف مضاف.

(وَإِذا أُلْقُوا) أي : طرحوا طرح إهانة (مِنْها) أي : النار (مَكاناً) ثم وصفه تعالى بقوله تعالى : (ضَيِّقاً) زيادة في فظاعتها ، قال ابن عباس : يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح (مُقَرَّنِينَ) أي : مصفدين زيادة قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم من الأغلال ، وقد قيل : الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ، ولذلك وصف الله تعالى الجنة بأن عرضها السموات والأرض ، وجاء في الأحاديث أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا ، ولقد جمع الله تعالى على أهل النار أنواع الضيق والإرهاق حيث ألقاهم في مكان ضيق يتراصون فيه تراصا كما مر عن ابن عباس : أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح ، وهو منقول أيضا عن ابن عمر ، وسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : «والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط ، وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم ويقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة في أرجلهم» (٢).

تنبيه : (مَكاناً) منصوب على الظرف ، ومنها في محل نصب على الحال من مكانا ؛ لأنه في الأصل صفة له ، ومقرنين حال من مفعول (أُلْقُوا) ، وقرأ ابن كثير ضيقا بسكون الياء والباقون بكسر الياء مشددة (دَعَوْا هُنالِكَ) أي : في ذلك المكان البغيض البعيد عن الرفق (ثُبُوراً) قال ابن عباس : ويلا ، وقال الضحاك : هلاكا ، فيقولون : واثبوراه هذا حينك وزمانك ؛ لأنه لا منادم لهم غيره ، وليس يحضر أحد منهم سواه ، قال البغوي : وفي الحديث «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه ، وذريته من خلفه وهو يقول : يا ثبوراه وهم ينادون : يا ثبورهم حتى يقفوا على النار» (٣) فيقال لهم :

(لا تَدْعُوا الْيَوْمَ) أي : أيها الكفار (ثُبُوراً واحِداً) ؛ لأنكم لا تموتون إذا حلت بكم أسباب العذاب والهلاك (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) أي : هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة ، أو ادعوا أدعية كثيرة ، وقال الكلبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبه.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في الجهاد باب ٩٥ ، والنسائي في القسامة باب ٢٧.

(٢) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٦٤.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ٢٤٩.

٩

ولما وصف تعالى : العقاب المعدّ للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة بقوله تعالى:

(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩))

(قُلْ) أي : لهؤلاء البعداء البغضاء (أَذلِكَ) أي : المذكور من الوعيد وصفة النار (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) أي : الإقامة الدائمة (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي : وعدها الله تعالى لهم ، فالراجع إلى الموصوف وهو هاء وعدها محذوف.

فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد ، وهل يجوز أن يقول القائل : السكر أحلى أم الصبر؟ أجيب : بأنه يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالا فتمرد وأبى واستكبر ، فضربه ويقول له : هذا خير أم ذلك؟ قال أبو مسلم : جنة الخلد هي التي لا ينقطع نعيمها ، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور ، قال تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان ، ٩] فإن قيل : الجنة اسم لدار الخلد ، فأي فائدة في قوله تعالى : (جَنَّةُ الْخُلْدِ)؟ أجيب : بأنّ الإضافة قد تكون للبيتين ، وقد تكون لبيان صفة الكمال كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ) [الحشر ، ٢٤] وهذا من هذا البيان أو للتمييز عن جنات الدنيا ، ثم حقق تعالى أمرها تأكيدا للبشارة بقوله : (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً) أي : ثوابا على أعمالهم بفضل الله تعالى وكرمه (وَمَصِيراً) أي : مرجعا.

فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيرا لكنها بعدما صارت كذلك فلم قال تعالى : (كانَتْ)؟ أجيب : من وجهين : الأول : أن ما وعده الله تعالى فهو في تحققه كالواقع ، الثاني : أنه كان مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله تعالى بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم ، فإن قيل : لم جمع تعالى بين الجزاء والمصير؟ أجيب : بأن ذلك كقوله تعالى : (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف ، ٣١] ، فمدح الثواب ومكانه ، كما قال تعالى : (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف ، ٢٩] فذم العذاب ومكانه ؛ لأن النعيم لا يتم للمتنعم إلا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة ، وإلا تنغص ، وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع وضيقه وظلمته ،

١٠

فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء.

تنبيه : المتقي يشمل من اتقى الكفر وإن لم يتق المعاصي وإن كان غيره أكمل.

ثم ذكر تعالى تنعمهم فيها بعد أن ذكر نعيمهم بقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها) أي : الجنة (ما يَشاؤُنَ) من كل ما تشتهيه أنفسهم كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) [فصلت ، ٣١] (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) [الزخرف ، ٧١] فإن قيل : أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لا بد وأن يريدوها ، فإذا سألوها ربهم فإن أعطاها لهم لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة ، وإن لم يعطها لهم قدح ذلك في قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ)؟ أجيب : بأن الله تعالى يزيل هذا الخاطر عن قلوب أهل الجنة ويشتغلون بما هم فيه من اللذات عن الالتفات إلى حال غيرهم ، وقوله تعالى : (خالِدِينَ) منصوب على الحال إما من فاعل يشاؤون ، وإما من فاعل لهم لوقوعه خبرا ، والعائد على ما محذوف أي : لهم فيها الذي يشاؤونه حال كونهم خالدين وقوله تعالى : (كانَ عَلى رَبِّكَ) أي : وعدهم ما ذكر (وَعْداً) يدل على أن الجنة جعلت لهم بحكم الوعد والتفضل لا بحكم الاستحقاق ، وقوله تعالى : (مَسْؤُلاً) أي : مطلوبا ، اختلف في السائل ، فالأكثر على أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) [آل عمران ، ١٩٤].

روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما منكم من يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا : إذا نكثر؟ قال : الله تعالى أكثر» (١) ، وروي : «أنه يدعى بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه الله تعالى بين يديه فيقول : عبدي فيقول : نعم يا رب فيقول : إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني؟ أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لما نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : إني عجلتها لك في الدنيا ، ودعوتني يوم كذا وكذا لما نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا؟ قال : نعم يا رب فيقول : إني ادّخرت لك بها في الجنة كذا وكذا ، ودعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : إني عجلتها لك في الدنيا ، ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول : إني ادّخرت لك بها في الجنة كذا وكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له ، إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون ادخر له في الآخرة فيقول المؤمن في هذا المقام : يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه» (٢) ، وروي : «لا تعجلوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد» (٣) ، وروي : «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» (٤) وروي : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : دعوت فلم يستجب لي» (٥) ، وروي :

__________________

(١) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ١١٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٨.

(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.

(٣) الحديث لم أجده.

(٤) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٤٧٩.

(٥) أخرجه البخاري في الدعوات حديث ٦٣٤٠ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٤٨٤ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٣٨٧.

١١

«لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل : يا رسول الله ما الاستعجال قال : يقول : قد دعوت فلم يستجب لي فيستحسر» (١) أي : يمل عند ذلك ويدع الدعاء ، فليدع الإنسان وهو موقن بالإجابة.

وقال محمد بن كعب القرظي : الطلب من الملائكة للمؤمنين سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) وقيل : إن المكلفين سألوها بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائما مقام السؤال ، قال المتنبي (٢) :

في النفس حاجات وفيك فطانة

سكوتي كلام عندها وخطاب

ولما ذكر تعالى حالهم في نفسهم أتبعه ذكر حالهم مع معبوداتهم من دونه بقوله تعالى : (وَيَوْمَ) أي : واذكر لهم يوم نحشرهم أي : المشركين ، وقرأ ابن كثير وحفص بالياء ، والباقون بالنون ، واختلف في المراد بقوله تعالى : (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره فقال الأكثرون : من الملائكة والجن والمسيح وعزير وغيرهم ، وقال عكرمة والضحاك والكلبي : من الأصنام ، فقيل لهم : كيف يخاطب الله تعالى الجماد بقوله تعالى : (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) أي : أوقعتموهم في الضلال بأمركم إياهم بعبادتكم (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) أي : طريق الحق بأنفسهم ، فأجابوا بوجهين :

أحدهما : أنه تعالى يخلق الحياة فيها ويخاطبها.

ثانيهما : أن يكون ذلك بالكلام النفساني لا بالقول اللساني بل بلسان الحال كما ذكره بعضهم في تسبيح الجماد وكلام الأيدي والأرجل ، ويجوز أن يكون السؤال عاما لهم جميعا ، فإن قيل : كيف صح استعمال ما في العقلاء؟ أجيب : على الأول : بأنه أريد به الوصف كأنه قيل : ومعبوديهم ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد : ما زيد تعني أطويل أم قصير ، فقيه أم طبيب؟ ، وقال تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس ، ٥] (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون ، ٣] ، وأما على القول الثاني : فواضح ، وأما على القول الثالث : فغلب غير العاقل لغلبة عباده أو تحقيرا ، فإن قيل : ما فائدة هذا السؤال مع أن الله تعالى كان عالما في الأزل بحال المسؤول عنه؟ أجيب : بأن هذا سؤال تقريع للمشركين كما قال لعيسى عليه‌السلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة ، ١١٦] ، وقرأ ابن عامر فنقول بالنون ، والباقون بالياء ، وقرأ أأنتم نافع وابن كثير بتسهيل الثانية وإدخال ألف بينها وبين همزة الاستفهام ، وورش وابن كثير بتسهيل الثانية ولا ألف بينهما وبين الأولى ولورش وجه آخر وهو إبدال الثانية ألفا ، وهشام بتسهيل الثانية وتحقيقها مع الإدخال ، والباقون بتحقيقهما ، وقرأ هؤلاء أم هم نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة من أم ياء خالصة ، والباقون بتحقيقها.

(قالُوا سُبْحانَكَ) أي : تنزيها لك عما لا يليق بك ، أو تعجبا مما قيل لهم ؛ لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون فما أبعدهم عن الضلال الذي هو مختص بإبليس وجنوده ، أو جمادات وهي لا تقدر على شيء ، أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده ، فكيف يليق بهم إضلال عبيده؟

__________________

(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧٣٥.

(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٢٤٤ (طبعة دار الكتب العلمية).

١٢

(ما كانَ يَنْبَغِي) أي : يستقيم (لَنا أَنْ نَتَّخِذَ) أي : نتكلف أن نأخذ باختيارنا بغير إرادة منك (مِنْ دُونِكَ) أي : غيرك (مِنْ أَوْلِياءَ) للعصمة أو لعدم القدرة ، فكيف يستقيم لنا أن نأمر بعبادتنا؟ فإن قيل : ما فائدة أنتم وهم ، وهلا قيل : أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل؟ أجيب : بأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده ؛ لأنه لو لا وجوده ؛ لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام حتى يعلم أنه المسؤول عنه.

تنبيه : من أولياء مفعول أول ، ومن زائدة لتأكيد النفي ، وما قبله المفعول الثاني ، ولما تضمن كلامهم أنا لم نضللهم ولم نحملهم على الضلال حسن الاستدراك بقولهم : (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) وهو أن ذكروا سببه أي : أنعمت عليهم وعلى آبائهم من قبلهم بأنواع النعم والصحة وطول العمر في الدنيا ، فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم عكس القضية (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أي : تركوا الإيمان بالقرآن ، وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه (وَكانُوا) أي : في علمك بما قضيت عليهم في الأزل (قَوْماً بُوراً) أي : هلكى ، وهو مصدر وصف به ، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع ، أو جمع بائر كعائذ وعوذ.

وقوله : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) فيه التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإلزام على حذف القول ، والمعنى : فقد كذب المعبودون العابدين (بِما) أي : بسبب ما (تَقُولُونَ) أي : أيها العابدون من أنهم يستحقون العبادة ، وأنهم يشفعون لكم وأنهم أضلوكم ، ولما تسبب عن تخليهم عن عبدتهم أنه لا نفع في أيديهم ولا ضر قال تعالى : (فَما تَسْتَطِيعُونَ) أي : المعبودون (صَرْفاً) أي : لشيء من الأشياء عن أحد من الناس لا أنتم ولا غيركم من عذاب ولا غيره بوجه حيلة ولا شفاعة ولا معاداة (وَلا نَصْراً) أي : منعا لكم من الله تعالى إن أراد بكم سوءا ، وهذا نحو قوله تعالى : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) [الإسراء ، ٥٦] ، وقرأ حفص بالتاء على الخطاب ، والباقون بالياء على الغيبة (وَمَنْ يَظْلِمْ) أي : بالشرك (مِنْكُمْ) أي : أيها المكلفون (نُذِقْهُ) أي بما لنا من العظمة (عَذاباً كَبِيراً) أي : شديدا في الدنيا بالقتل أو الأسر أو ضرب الجزية ، وفي الآخرة بنار جهنم.

روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال : لما عير المشركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ) إلى آخرها أنزل الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) أي : يا أشرف الخلق أحدا (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا) وحالهم (إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) كما تأكل ويأكل غيرك من الآدمين (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) كما تفعل فهذه عادة مستمرة من الله تعالى في كل رسله وهم يعلمون ذلك بالسماع من أخبارهم ، وهذا تأكيد من الله تعالى ؛ لأنهم لا يكذبونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : معنى الآية وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا قد قيل لهم مثل هذا أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق كما قال تعالى في موضع آخر : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) [فصلت ، ٤٣] (وَجَعَلْنا) أي بالعطاء والمنع بما لنا من العظمة (بَعْضَكُمْ) أي : أيها الناس (لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي : بلية والمعنى : أنه تعالى ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم وبمناصبتهم والعداوة لهم وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف ، وجعل الغني فتنة للفقير والصحيح فتنة للمريض والشريف فتنة للوضيع ، يقول الثاني من كل مالي لا أكون كالأول؟ وقال ابن عباس : جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم فتتبعوا الهدى أم لا ، وقال مقاتل : نزلت هذه الآية في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاصي

١٣

بن وائل والنضر بن الحرث ، وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمارا وبلالا وصهيبا وعامر بن فهيرة ومن دونهم قد أسلموا قبلهم ، فقالوا : أنسلم ونكون مثل هؤلاء؟ وقيل : جعلناك فتنة لهم ؛ لأنك لو كنت غنيا صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا ، فتكون ممزوجة بالدنيا ، وإنما بعثناك فقيرا لتكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي وقوله تعالى : (أَتَصْبِرُونَ) أي : على ما تسمعون مما ابتليتم ، به استفهام بمعنى الأمر أي : اصبروا (وَكانَ رَبُّكَ) أي : المحسن إليك إحسانا لم يحسنه إلى أحد سواك لا سيما بجعلك نبيا عبدا (بَصِيراً) أي : بكل شيء فهو عالم بالإنسان قبل الامتحان لم يفده ذلك علما لم يكن عنده ، ولكن يعلم ذلك شهادة كما يعلم علم الغيب ، ولتقوم عليهم بذلك الحجة فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم ، فإن صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين.

روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا نظر أحدكم من فضل عليه في المال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم» (١) ، وروي : «انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم حذر أن تزدروا نعمة الله عليكم» (٢).

الشبهة الرابعة : لمنكري نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يخافون البعث ، قال الفراء : الرجاء بمعنى الخوف لغة تهامة ، ومنه قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح ، ١٣] أي : لا تخافون لله عظمة (لَوْ لا) أي : هلا ولم لا (أُنْزِلَ) أي : على أي وجه كان من أي منزل كان (عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) كما نزلت عليه فيما يزعم وكانوا رسلا إلينا ، أو فتخبرنا بصدقه (أَوْ نَرى رَبَّنا) بما له علينا من الإحسان ، وبما لنا نحن من العظمة بالقوة بالأموال وغيرها ، فيأمرنا بما يريد من غير حاجة إلى واسطة ؛ قال الله ردّا عليهم : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) أي : تعظموا (فِي) شأن (أَنْفُسِهِمْ) أي : أظهروا الاستكبار عن الحق ، وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه كما قال تعالى : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) [غافر ، ٥٦] (وَعَتَوْا) أي : تجاوزوا الحد في الظلم (عُتُوًّا كَبِيراً) أي : بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات الظاهرة ، فأعرضوا عنها واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية ، واللام جواب قسم محذوف ، وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب ، ألا ترى أن المعنى ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوهم؟

ثم بين تعالى لهم حالهم عند بعض ما طلبوا بقوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) أي : يوم القيامة ، وقال ابن عباس : عند الموت (لا بُشْرى) أي : من البشر أصلا (يَوْمَئِذٍ) وقوله تعالى : (لِلْمُجْرِمِينَ) أي : الكافرين إما ظاهر في موضع ضمير ، وإما ؛ لأنه عام فقد تناولهم بعمومه بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة.

تنبيه : في نصب يوم أوجه : أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل يدل عليه قوله تعالى : (لا بُشْرى) أي : يمنعون البشرى يوم يرون ، الثاني : باذكر فيكون مفعولا به. الثالث : بيعذبون مقدرا

__________________

(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٢٩٦٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣١٤.

(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٢٩٦٣ ، والترمذي في القيامة حديث ٢٥١٣ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٤٢.

١٤

ولا يجوز أن يعمل فيه نفس البشرى لوجهين : أحدهما : أنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ، والثاني : أنها منفية بلا ، وما بعد لا لا يعمل فيما قبلها. وقوله : (وَيَقُولُونَ) أي : في ذلك الوقت (حِجْراً مَحْجُوراً) عطف على المدلول ويقول الكفرة لهم حينئذ : هذه الكلمة استعاذة وطلبا من الله تعالى أن يمنع لقاء الملائكة عنهم مع أنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم ؛ لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون ، وقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو والشدة النازلة أو نحو ذلك : حجرا محجورا يضعونها موضع الاستعاذة ، فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة. قال سيبويه : يقول الرجل للرجل : تفعل كذا وكذا فيقول : حجرا ، وهي من حجره إذا منعه ؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه عنه فلا يلحقه ، وكأن المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا ، وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله ، وقيل : إذا خرج الكفار من قبورهم تقول الملائكة لهم : حرام محرم عليكم أن تكون لكم البشرى.

ولما كان المريد لإبطال شيء لشدة كراهته له لا يقنع في إبطاله بغيره بل يأتيه بنفسه فيبطله ، عبر تعالى بقوله : (وَقَدِمْنا) أي : وعمدنا بما لنا من العظمة والقدرة الباهرة في ذلك اليوم الذي يرون فيه الملائكة سواء كان في الدنيا أم في الآخرة (إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) أي : من مكارم الأخلاق من الجود وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ونحو ذلك (فَجَعَلْناهُ) لكونه لم يؤسس على الإيمان ، وإنما هو للهوى والشيطان (هَباءً) وهو ما يرى في شعاع الشمس الداخل من كوّة مما يشبه الغبار (مَنْثُوراً) أي : مفرقا أي : مثله في عدم النفع إذ لا ثواب فيه لعدم شرطه ويجازون عليه في الدنيا ، فتكون النار مستقرهم ومقيلهم.

ولهذا بين حال أضدادهم وهم المؤمنون بقوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم إذ يرون الملائكة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) من الكفار (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) منهم ، والمستقر المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم مستقرين يتجالسون ويتحادثون ، والمقيل : المكان الذي يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم والتمتع بمغازلتهن وملامستهن كما أن المترفين في الدنيا يعيشون على ذلك الترتيب ، روي : أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم ، فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ؛ قال ابن مسعود : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، وقال ابن عباس في هذه الآية : الحساب في ذلك اليوم في أوله ، وقال : يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس.

تنبيه : في أفعل قولان : أحدهما : أنها على بابها من التفضيل ، والمعنى : أن المؤمنين خير في الآخرة مستقرا من مستقر الكفار ، وأحسن مقيلا من مقيلهم ولو فرض أن يكون لهم ذلك أو على أنهم خير في الآخرة منهم في الدنيا.

والثاني : أن يكون لمجرد الوصف من غير مفاضلة ومن ذلك المعنى قوله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس ، ٥٥ ـ ٥٦] ذكروا في تفسير الشغل افتضاض الأبكار ، وإنما سمي مكان دعتهم واسترواحهم الحور مقيلا مع أنه لا نوم في الجنة على طريق التشبيه.

ثم عطف تعالى على قوله تعالى يوم يرون قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ) أي : كل سماء

١٥

(بِالْغَمامِ) أي : كما تشقق الأرض بالنبات فيخرج من خلال شقوقها ، وهو غيم أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم.

تنبيه : في هذه الباء ثلاثة أوجه : أحدها : أنها سببية ، أي : بسبب الغمام يعني سبب طلوعه منها ، ونحوه (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمل ، ١٨] كأنه الذي تتشقق به السماء ، الثاني : أنها للحال أي : ملتبسة بالغمام ، الثالث : أنها بمعنى عن أي : عن الغمام كقوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) [ق ، ٤٤] والباء وعن يتعاقبان تقول : رميت عن القوس ، وبالقوس ، وقرأ أبو عمرو والكوفيون بتخفيف الشين ، والباقون بتشديدها ، ثم أشار تعالى إلى جهل من طلب نزول الملائكة دفعة واحدة بقوله تعالى : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) أي : بالتدريج بأمر حتم لا يمكنهم التخلف عنه بأمر من الأمور وغيره من الذين طلبوا أن يروهم في حال واحد (تَنْزِيلاً) أي في أيديهم صحائف الأعمال ؛ قال ابن عباس : تتشقق السماء الدنيا ، فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ، ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل سماء الدنيا وأهل الأرض جنا وإنسا ، ثم كذلك حتى تتشقق السماء السابعة ، وأهل كل سماء يدورون على السماء التي قبلها ، ثم تنزل الكروبيون ثم حملة العرش.

فإن قيل : ثبت أن نسبة الأرض إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة ، فكيف تسع الأرض هؤلاء؟ أجاب بعض المفسرين : بأن الملائكة تكون في الغمام والغمام يكون مقر الملائكة ، ويجوز أن الله تعالى يوسع الأرض حتى تسع الجميع ، وقرأ ابن كثير بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة وتخفيف الزاي ورفع اللام ، ونصب الملائكة ، والباقون بنون واحدة والزاي مشددة ونصب اللام ورفع الملائكة.

ثم بين تعالى أن ذلك اليوم لا يقضي فيه غيره بقوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ تشقق السماء بالغمام ، ثم وصف الملك بقوله تعالى : (الْحَقُ) أي : الثابت ثباتا لا يمكن زواله ، ثم أخبر عنه بقوله تعالى : (لِلرَّحْمنِ) أي : العام الرحمة في الدارين ، ومن عموم رحمته وحقية ملكه أن يسر قلوب أهل وده بتعذيب أهل عداوته الذين عادوهم فيه لتضييعهم الحق باتباع الباطل ، ولو لا اتصافه بالرحمة لم يدخل أحد الجنة ، فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن ، فما الفائدة في قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ)؟ أجيب : بأن في ذلك اليوم لا مالك له سواه لا في الصورة ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه ، وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام (وَكانَ) أي : ذلك اليوم الذي تظهر فيه الملائكة الذي طلب الكفار رؤيتهم له (يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أي : شديد العسر والاستعار.

تنبيه : هذا الخطاب يدل على أنه لا يكون على المؤمنين عسيرا جاء في الحديث «أنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا» (١).

وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) أي : المشرك لفرط تأسفه لما يرى فيه من الأهوال ، معمول لمحذوف أو معطوف على يوم تشقق ، وأل في الظالم تحتمل العهد والجنس لكن قال ابن عباس : أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما

__________________

(١) أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة ٤٠١ ، والبغوي في تفسيره ٣ / ٤٤٢.

١٦

ودعا إليه جهرا جيرانه وأشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويعجبه حديثه ، فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاما ودعا الناس ودعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما قرب الطعام قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» (١) ، فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فأكل صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طعامه ، وكان عقبة صديقا لأبي بن خلف ، فلما أتى أبيّ بن خلف قال له : يا عقبة صبأت؟ فقال : لا والله ما صبأت ، ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له ، فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم ، فشهدت له فطعم ، والشهادة ليست في نفسي ، فقال : ما أنا بالذي أرضى منك أبدا إلا أن تأتيه وتبصق في وجهه وتطأ قفاه وتلطم وجهه وعينه ، فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك عقبة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف» فقتل عقبة يوم بدر صبرا أمر عليا رضي الله عنه فقتله ، وقيل : قتله عاصم بن ثابت بن أفلح الأنصاري ، وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده يوم أحد طعنه في المبارزة فرجع إلى مكة ومات.

قال الضحاك : لما بصق عقبة في وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاد بصاقه في وجهه فاحترق خداه ، فكان أثر ذلك فيه حتى مات ، وقال الشعبي : كان عقبة خليل أمية ، فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمدا ، فكفر وارتد ، فأنزل الله تعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) أي : عقبة (عَلى يَدَيْهِ) قال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ، ثم تنبت ولا يزال هكذا كلما أكلها نبتت ، وقال المحققون : هذه اللفظة للتحسر والغم يقال : عض أنامله وعض على يديه وهو لا يشعر حال كونه مع هذا الفعل (يَقُولُ) : أي : يجدد في كل لحظة قوله : (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) أي : أرغمت نفسي وكلفتها أن آخذ في الدنيا (مَعَ الرَّسُولِ) أي : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الهدى.

ولما تأسف على مجانبة الرسول ندم على مصادقة غيره بقوله : (يا وَيْلَتى) أي : يا هلاكي الذي ليس لي منادم غيره ؛ لأنه ليس يحضرني سواه (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً) أي : أبيا (خَلِيلاً) أي : صديقا أوافقه في أعماله لما علمت من سوء عاقبتها ، فكنى عن اسمه وإن أريد به الجنس ، فكل من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم عليه لا محالة فجعله كناية عنه ، وقرأ أبو عمرو بفتح الياء ، والباقون بالسكون ، وأظهر الدال عند التاء ابن كثير وحفص ، وأدغمها الباقون.

ثم استأنف قوله : الذي يتوقع كل سامع أن يقوله : (لَقَدْ) أي : والله لقد (أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) أي : عمى علي طريق القرآن الذي لا ذكر في الحقيقة غيره وصرفني عنه ، والجملة في موضع العلة لما قبلها (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) ولم يكن لي منه مانع يردني عن الإيمان به ، وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال ، والباقون بالإدغام وقوله تعالى : (وَكانَ الشَّيْطانُ) إشارة إلى خليله سماه شيطانا ؛ لأنه أضله كما يضل الشيطان ، أو إلى كل من كان سببا للضلال من عتاة الجن والإنس (لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) أي : شديد الخذلان يورده ثم يسلمه إلى أكره ما يكون لا ينصره ولو أراد ما استطاع بل هو في شر من ذلك ؛ لأن عليه إثمه في نفسه ، ومثل إثم من أضله.

تنبيه : حكم هذه الآية عام في كل خليلين ومتحابين اجتمعا على معصية الله تعالى قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك

__________________

(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.

١٧

وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة» (١) وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (٢) وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي» (٣).

ولما ذكر تعالى أقوال الكفار ذكر قول رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله تعالى :

(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩))

(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ بأنواع الإحسان وعبر بأداة البعد هضما لنفسه ، ومبالغة في التضرع (إِنَّ قَوْمِي) أي : قريشا الذين لهم قوة ومنعة (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ) أي : المقتضي للإجماع عليه والمبادرة إليه (مَهْجُوراً) أي : متروكا بعيدا لم يؤمنوا به ولم يقبلوه ، وأعرضوا عن استماعه.

تنبيه : أشار بصيغة الافتعال إلى أنهم عالجوا أنفسهم في تركه علاجا كثيرا لما يرون من حسن نظمه ويذوقون من لذيذ معانيه ورائق أساليبه ، ولطيف عجائبه وبديع غرائبه ، وأكثر المفسرين على أن هذا القول وقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال أبو مسلم : بل المراد أنه يقوله في الآخرة كقوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) [النساء ، ٤١] الآية ، والأول أولى ؛ لأن قوله تعالى : (وَكَذلِكَ) أي : كما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍ) من الأنبياء قبلك رفعة

__________________

(١) أخرجه البخاري في الذبائح حديث ٥٥٣٤ ، ومسلم في البر حديث ٢٦٢٨.

(٢) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٨٣٣ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٧٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٠٣.

(٣) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٨٣٢ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٩٥ ، والدارمي في الأطعمة حديث ٢٠٥٧.

١٨

لدرجاتهم (عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي : من المشركين تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه تعالى يقول له : فاصبر كما صبروا ، ولا يكون ذلك إلا إذا وقع القول منه (وَكَفى بِرَبِّكَ) أي : المحسن إليك (هادِياً) أي : يهدي بك من قضى بسعادته (وَنَصِيراً) أي : ينصرك على من حكم بشقاوته.

تنبيه : احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر ؛ لأن قوله تعالى : (لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) يدل على أن تلك العداوة من جعل الله تعالى وتلك العداوة كفر ، فإن قيل : قوله تعالى : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) كقول نوح عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح ، ٥ ، ٦] فكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب ، فكذلك ما هنا فكيف يليق هذا بمن وصفه الله تعالى بالرحمة في قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء ، ١٠٧]؟ أجيب : بأن نوحا عليه‌السلام لما ذكر ذلك دعا عليهم ، وأما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ذكر هذا لم يدع عليهم ، بل انتظر فلما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك الدعاء عليهم فافترقا.

الشبهة الخامسة : لمنكري النبوة ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : الذين غطوا عداوة وحسدا ما تشهد عقولهم بصحته من أن القرآن كلام الله تعالى لإعجازه لهم مفرقا فضلا عن كونه مجتمعا (لَوْ لا) أي : هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) أي : أنزل كخير بمعنى أخير ؛ لئلا يناقض قولهم (جُمْلَةً) وأكدوا بقولهم (واحِدَةً) أي : من أوله إلى آخره كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود لتحقق أنه من عند الله تعالى ، ويزول عنا ما نتوهمه من أنه الذي يرتبه قليلا قليلا ، وهذا الاعتراض في غاية السقوط ؛ لأن الإعجاز لا يتخلف بنزوله جملة أو متفرقا مع أن للتفريق فوائد منها :

ما أشار إليه بقوله تعالى : (كَذلِكَ) أي : أنزلناه شيئا فشيئا على هذا الوجه العظيم الذي أنكروه (لِنُثَبِّتَ) أي : نقوي (بِهِ فُؤادَكَ) أي : قلبك فتعيه وتحفظه ؛ لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا فشيئا وجزءا عقب جزء ، ولو ألقي عليه جملة واحدة لتعيا بحفظه والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فارقت حاله حال داود وموسى عليهم‌السلام وعيسى حيث كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وهم كانوا قارئين كاتبين ، فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ ، فأنزله الله عليه منجما في عشرين سنة ، وقيل : في ثلاث وعشرين سنة ، وأيضا فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين ؛ ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا.

فإن قيل : ذا في كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدمه ، والذي تقدم هو إنزاله جملة ، فكيف فسر كذلك بأنزلناه مفرقا؟ أجيب : بأن الإشارة إلى الإنزال مفرقا لا إلى جملة ، والدليل على فساد هذا الاعتراض أيضا أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه ، وتحدوا بسورة واحدة من أقصر السور فأبرزوا صفحة عجزهم وسجلوا به على أنفسهم حين لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المجاذبة ، ثم قالوا : هلا نزل جملة واحدة؟ كأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته ، وقوله تعالى : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك كأنه قال تعالى : كذلك فرقناه ورتلناه ترتيلا ، ومعنى ترتيله قال ابن عباس : بيناه بيانا ، والترتيل التبيين في تؤدة وتثبت ، وقال السدي : فصلناه تفصيلا ، وقال مجاهد : بعضه في إثر بعض ، وقال الحسن : تفريقا آية بعد آية ووقعة عقب وقعة ، ويجوز أن يكون المعنى : وأمرنا بترتيل قراءته ، وذلك قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ

١٩

تَرْتِيلاً) [المزمل ، ٤] أي : اقرأه بترتل وتثبت.

ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صفة قراءته : لا كسردكم هذا لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها ، وقيل : هو أن ننزله مع كونه متفرقا على تمكث وتمهل في مدة متباعدة ، وهي عشرون سنة ، ولم نفرقه في مدة متقاربة.

ولما كان التقدير قد بطل ما أتوا به من هذا الاعتراض عطف عليه : (وَلا يَأْتُونَكَ) أي : يا أشرف الخلق أي : المشركون (بِمَثَلٍ) أي : باعتراض في إبطال أمرك يخيلون به لعقول الضعفاء يجتهدون في تنميقه وتحسينه وتدقيقه حتى يصير عندهم في غاية الحسن والرشاقة لفظا ومعنى (إِلَّا جِئْناكَ) في جوابه (بِالْحَقِ) أي : الذي لا محيد عنه ، فيزهق ما أتوا به لبطلانه ، فسمى ما يوردون من الشبه مثلا ، وسمى ما يدفع به الشبه حقا (وَأَحْسَنَ) أي : من مثلهم (تَفْسِيراً) أي : بيانا وتفصيلا ، ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه ، فقالوا : تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل : معناه كذا وكذا ، أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون : هلا كانت هذه صفتك وحالك؟ نحو أن يقرن بك ملك ينذر معك أو يلقى إليك كنز ، أو تكون لك جنة ، أو ينزل عليك القرآن جملة واحدة إلا أعطيناك نحن من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ودلالة على صحته.

ثم بين تعالى : حال هؤلاء المعاندين في الآخرة بقوله تعالى : (الَّذِينَ) أي : هم الذين (يُحْشَرُونَ) أي : يجمعون قهرا ماشين مقلوبين (عَلى وُجُوهِهِمْ) مسحوبين (إِلى جَهَنَّمَ) أي : كما أنهم لم ينظروا في الدنيا بعين الإنصاف فإن الآخرة مرآة الدنيا مهما عمل هنا رآه هناك كما أن الدنيا مزرعة الآخرة مهما عمل فيها جنى ثمره هناك. روى البخاري أن رجلا قال : «يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال : الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» (١) ، وروى البيهقي : «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدواب ، وصنف على الوجوه ، وصنف على الأقدام» (٢) ، ولما وصف الله تعالى المتعنتين في أمر القرآن بهذا الوصف استأنف الإخبار عنهم بقوله تعالى : (أُوْلئِكَ) أي : البعداء البغضاء (شَرٌّ) أي : شر الخلق (مَكاناً) هو جهنم (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي : أخطأ طريقا من غيرهم وهو كفرهم ، ولما قال تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) ، وذكر ذلك في معرض التسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر قصص جماعة من الأنبياء ، وعرفه تكذيب أممهم زيادة في تسليته.

القصة الأولى : قصة موسى عليه‌السلام المذكورة في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا) أي : بما لنا من العظمة (مُوسَى الْكِتابَ) أي : التوراة (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) أي : معينا ، فإن قيل : كونه وزيرا كالمنافي لكونه شريكا له في النبوّة والرسالة؟ أجيب : بأنه لا منافاة بين النبوّة والرسالة والوزارة قد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء متعددون ، ويؤمرون بأن يؤازر بعضهم بعضا.

تنبيه : هارون بدل أو بيان أو منصوب على القطع ووزيرا مفعول ثان ، وقيل : حال والمفعول الثاني معه ويدل على رسالة هارون عليه‌السلام قوله تعالى : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ) أي : الذين فيهم قوة

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٧٦٠ ، ومسلم في القيامة حديث ٢٨٠٦.

(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٣٨٩٣٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢٠٣ ، ٢٨٥.

٢٠