علي موسى الكعبي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-83-8
الصفحات: ١١٩
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « يستجاب الدعاء في أربعة مواطن : في الوتر ، وبعد الفجر ، وبعد الظهر ، وبعد المغرب » (١).
د ـ قبل طلوع الشمس وقبل الغروب :
عن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله تعالىٰ : ( وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) (٢) ، قال : « هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، وهي ساعة اجابة » (٣).
وعن فضيل بن عثمان ، عن الإمام الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : أوصني.
قال : « أوصيك بتقوىٰ الله وصدق الحديث... وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد ، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربِّك ، ولا تقل : هذا ما لاأُعطاه ، وادعُ فإنّ الله يفعل ما يشاء » (٤).
هـ ـ بعد الصلوات المكتوبة :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أدّىٰ لله مكتوبة ، فله في أثرها دعوة مستجابة » (٥).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ الله تبارك وتعالىٰ فرض الصلوات في أفضل الساعات ، فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات » (٦).
__________________________
(١) الكافي ٣ : ٣٤٣ / ١٧. والتهذيب ٢ : ١١٤ / ١٩٦.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ١٥.
(٣) الكافي ٢ : ٣٧٩ / ١.
(٤) الزهد : ١٩ / ٤٢.
(٥) أمالي الصدوق ١ : ٢٩٥.
(٦) تفسير القمي ١ : ٦٧.
وقال عليهالسلام : « عليكم بالدعاء في أدبار الصلوات فإنّه مستجاب » (١).
و ـ ليلة الجمعة ويومها :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ يوم الجمعة سيد الأيام ، يضاعف الله عزَّ وجلَّ فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات » (٢).
وقال الإمام أبو جعفر الباقر عليهالسلام : « أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلىٰ أن تمضي ساعة يحافظ عليها ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا يسأل الله تعالىٰ فيها عبدٌ خيراً إلّا أعطاه » (٣).
وعن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلىٰ أن تستوي الناس بالصفوف ، وساعة اُخرىٰ من آخر النهار إلىٰ غروب الشمس » (٤).
ز ـ ليالي الاحياء :
وتتضمن الدعوات والأوراد الخاصة في ليلة القدر ، وهي غير محددة بين ليالي شهر رمضان ، والأرجح أنها في ليالي الافراد الثلاث : ١٩ ، ٢١ ، ٢٣ ، وتأكّدت في ليلة الجهني ، وهي ليلة ٢٣ من شهر رمضان (٥).
وتعتبر هذه الليلة المباركة من أكثر الليالي أهمية في استجابة الدعاء
__________________________
(١) الخصال : ٤٨٨ / ٦٥.
(٢) بحار الأنوار ٨٩ : ٢٧٤ / ٢٠.
(٣) عدة الداعي : ٤٧.
(٤) الكافي ٣ : ٤١٤ / ٤ ، والتهذيب ٣ : ٢٣٥ / ١.
(٥) عدة الداعي : ٥٣ ، وبحار الأنوار ٩٣ : ٣٥٣.
ونزول الرحمة والملائكة ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) (١) فعلىٰ المؤمن أن يتحرىٰ هذه الليلة ويحييها بالصلاة والدعاء ، وكان الأئمة من عترة المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم يهتمون بالقيام فيها وإحيائها بالعبادة والدعاء والاستغفار.
ومن الليالي الاُخرىٰ التي تستحق الاحياء والعبادة والدعاء ، وروي أنّه تؤمل فيها الاستجابة : ليلة الفطر ، وليلة الأضحىٰ ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من رجب ، فقد روي عن الإمام الكاظم عليهالسلام أنّه قال : « كان علي عليهالسلام يقول : يعجبني أن يفرّغ الرجل نفسه في السنة أربع ليالٍ... » (٢) وعدّ الليالي المتقدمة.
ومن الليالي التي يستجاب فيها الدعاء ، ليلة العاشر من ذي القعدة ، لما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « في ذي القعدة ليلة مباركة هي ليلة عشر ، ينظر الله إلىٰ عباده المؤمنين فيها بالرحمة » (٣).
ومن الليالي التي تؤمل فيها الاجابة ليلة مولد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويومه ، وليلة مبعثه الشريف ويومه ، ويوم عرفة وليلة عرفة ، وخاصة إذا كان بالموقف أو عند مشهد الإمام الحسين عليهالسلام وليلة عيد الغدير ويومه ، وليلة النصف من رجب (٤).
ح ـ وهناك مواقيت روي أنها تفتح فيها أبواب السماء ، وتهبط فيها
__________________________
(١) سورة القدر : ٩٧ / ٣ ـ ٤.
(٢) وسائل الشيعة ٨ : ١٠٩ / ٩.
(٣) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٤٩.
(٤) بحار الانوار ٩٣ : ٣٥١.
الرحمة ، ولا يحجب فيها الدعاء ، وهي ساعة قراءة القرآن ، وأوقات الأذان ، وساعة نزول المطر ، وساعة التقاء الصفين ، ومصرع الشهداء ، وساعة دعوة المظلوم ، وعند ظهور أيّة معجزة لله في أرضه ، وعند هبوب الريح.
روي عن الإمام أمير المؤمين عليهالسلام أنّه قال : « اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن : عند قراءة القرآن ، وعند الأذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصفين للشهادة ، وعند دعوة المظلوم ، فإنّها ليس لها حجاب دون العرش » (١).
وعنه عليهالسلام أنّه قال : « تفتّح أبواب السماء عند نزول الغيث ، وعند الزحف ، وعند الأذان ، وعند قراءة القرآن ، ومع زوال الشمس ، وعند طلوع الفجر » (٢).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « اطلبوا الدعاء في أربع ساعات : عند هبوب الرياح ، وزوال الأفياء ، ونزول القطر ، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن ، فإنّ أبواب السماء تفتّح عند هذه الأشياء » (٣).
٤ ـ اختيار الأمكنة الخاصة :
إنّ لله تعالىٰ بقاعاً أحبّ أن يُعبَد فيها وندب إلىٰ أداء الأعمال الصالحة فيها ، ومن هنا اكتسبت أهميةً وفضلاً علىٰ سواها ، ومن ذلك الفضل استجابة الدعاء في أروقتها ، ومن بين هذه البقاع أيضاً ما عمد الأئمة
__________________________
(١) أمالي الصدوق : ٩٧ / ٧ ، ٢١٨ / ٣.
(٢) الخصال : ٣٠٢ / ٧٩.
(٣) الكافي ٢ : ٣٤٦ / ١.
الهداة عليهمالسلام إلىٰ الدعاء فيها أو حثّوا أصحابهم علىٰ زيارتها والدعاء فيها ، وهي بقاع الحج والزيارة المعروفة لدىٰ جميع المسلمين.
أ ـ مكة المكرمة :
وهي البقعة التي اختارها الله تعالىٰ من بين بقاع الأرض لتكون محلاً لبيته الحرام ومكاناً لعبادته ونيل رحمته ، وفيها الكعبة المكرمة قبلة المسلمين وملجأ الهاربين ، بها يأمن الخائف ، وفيها تنزل الرحمة ، وعندها يستجاب الدعاء.
روي عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه قال : « ما وقف أحد بتلك الجبال إلّا استجيب له ، فأمّا المؤمنون فيستجاب لهم في آخرتهم ، وأمّا الكفار فيستجاب لهم في دنياهم » (١).
وترجىٰ إجابة الدعاء في عدة مواضع خلال مناسك الحج ، منها : عند الميزاب ، وعند المقام ، وعند الحجر الأسود ، وبين المقام والباب ، وفي جوف الكعبة ، وعند بئر زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وعند الجمرات الثلاث ، وفي المزدلفة ، وفي عرفة ، وعند المشعر الحرام (٢).
قال الله تعالىٰ : ( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (٣).
وروي « أنّ من الذنوب ما لا يغفر إلّا بعرفة والمشعر الحرام » (٤).
__________________________
(١) عدة الداعي : ٥٦.
(٢) بحار الانوار ٩٣ : ٣٤٩ و ٣٥٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٩٨.
(٤) عدة الداعي : ٥٥.
ومنها : المستجار ، والملتزم ، والركن اليماني.
قال الإمام علي بن الحسين عليهالسلام : « لما هبط آدم عليهالسلام إلىٰ الأرض طاف بالبيت ، فلمّا كان عند المستجار ، دنا من البيت فرفع يديه إلىٰ السماء ، فقال : يا ربِّ اغفر لي ، فنودي : أني قد غفرت لك ، قال : يا ربِّ ، ولولدي ، فنودي : يا آدم ، من جاءني من ولدك فباء بذنبه بهذا المكان غفرت له » (١).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ الله عزَّ وجلّ وكّل بالركن اليماني ملكاً هجّيرا يؤمّن علىٰ دعائكم » (٢).
وقال عمار بن معاوية : إن الصادق عليهالسلام كان إذا انتهىٰ إلىٰ الملتزم قال لمواليه : « أميطوا عني حتىٰ أقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان ، فإنّ هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ، ثم استغفر الله إلّا غفر الله له » (٣).
ب ـ المساجد :
المساجد عموماً بيوت الله في الأرض ، فمن أتاها عارفاً بحقها ، فإنّ الله تعالىٰ أكرم من أن يخيب زائره وقاصده.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « عليكم باتيان المساجد ، فإنّها بيوت الله في الأرض... فأكثروا فيها الصلاة والدعاء » (٤).
وأشرف المساجد مسجد الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة المنورة
__________________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٢٤١ / ١٢.
(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ / ١١.
(٣) الكافي ٤ : ٤١٠ / ٤.
(٤) بحار الأنوار ٨٣ : ٣٨٤ / ٥٩.
الذي لا يضاهيه بالفضل والكرامة إلّا المسجد الحرام.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فائت المنبر وسل حاجتك ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري علىٰ بركة من ترع الجنة... » (١).
ومن المساجد التي ترجىٰ فيها إجابة الدعاء ، مسجد الكوفة الكبير ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : « ما دعىٰ فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلّا أجابه الله ، وفرّج عنه كُربته » (٢).
ومنها مسجد السهلة بالكوفة ، وممّا ورد في فضل التعبّد فيه والدعاء ما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام : « ما أتاه مكروب قط فصلّىٰ فيه ما بين العشاءين ودعا الله إلّا فرّج الله عنه » (٣).
وعنه عليهالسلام : « ما صلّىٰ فيه أحدٌ فدعا الله بنيةٍ صادقةٍ إلّا صرفه الله بقضاء حاجته » (٤).
جـ ـ مشاهد الأئمة عليهمالسلام :
مشاهد الأئمة المعصومين عليهمالسلام الموزعة بين بقيع المدينة المنورة ونجف العراق وكربلاء وسامراء ومشهد الإمام الرضا في طوس ، من البقاع المقدّسة التي ندب الأئمة من عترة المصطفىٰ عليهمالسلام إلىٰ زيارتها والصلاة فيها قربة إلىٰ الله وأكّدوا علىٰ استجابة الدعاء فيها ، والحديث عن فضلها
__________________________
(١) الكافي ٤ : ٣٥٣.
(٢) بحار الانوار ١٠٠ : ٤٠٤ / ٥٩.
(٣) بحار الانوار ١٠٠ : ٤٣٥ / ٢.
(٤) بحار الانوار ١٠٠ : ٤٣٦ / ٧.
وشرفها جميعاً مما تطول به صفحات هذه الرسالة ، لذا نقتصر في بيان فضل تربة الإمام الحسين الشهيد عليهالسلام في كربلاء ، الذي ضحّىٰ بنفسه وعياله وأهل بيته وأصحابه من أجل الاصلاح في أُمّة جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم وإقامة مبادىء الدين القويم علىٰ أساس الكتاب الكريم وسُنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال الإمام أبو جعفر عليهالسلام : « إنّ الحسين صاحب كربلاء قتل مظلوماً مكروباً عطشاناً لهفان ، فآلىٰ الله علىٰ نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا من به عاهة ، ثم دعا عنده ، وتقرب بالحسين بن علي عليهالسلام إلىٰ الله عزَّ وجلّ إلّا نفّس كربته ، وأعطاه مسألته ، وغفر ذنبه ، ومدّ في عمره ، وبسط في رزقه » (١).
وعن شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : من أتىٰ قبر الحسين عليهالسلام ، ماله من الثواب والأجر ؟ قال عليهالسلام : « يا شعيب ، ما صلّىٰ عنده أحد الصلاة إلّا قبلها الله منه ، ولا دعا عنده أحد دعوة إلّا استجيبت له عاجله أو آجلة » (٢).
وقال الإمام الهادي عليهالسلام : « إنّ لله تعالىٰ مواضع يحبُّ أن يُدعى فيها ، وحائر الحسين عليهالسلام منها » (٣).
أما المشاهد الاُخرىٰ لأئمة أهل البيت عليهمالسلام فإنّ واقع الحال ينبىء عن استجابة الدعاء فيها ، فضلاً عن الروايات والأخبار الكثيرة الواردة في
__________________________
(١) بحار الأنوار ١٠١ : ٤٦ / ٥.
(٢) بحار الأنوار ١٠١ : ٨٣ / ٩.
(٣) كامل الزيارات : ٢٧٣ ـ الباب (٩٠).
فضل زيارتهم عليهمالسلام والتوسل بهم من طرق الفريقين.
روىٰ الخطيب البغدادي في تاريخه بالاسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال يقول : ما همّني أمر فقصدت قبر موسىٰ بن جعفر فتوسّلت به إلّا سهّل الله تعالىٰ لي ما أُحبّ (١).
وقال ابن حبان في ترجمة الإمام الرضا عليهالسلام : « ما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس ، فزرت قبر علي بن موسىٰ الرضا ( صلوات الله علىٰ جده وعليه ) ودعوت الله بازالتها عني إلّا استجيب لي ، وزالت عني تلك الشدة ، وهذا شيء جرّبته مراراً ، فوجدته كذلك ، أماتنا الله علىٰ محبّة المصطفىٰ وأهل بيته صلّىٰ الله عليه وعليهم أجمعين » (٢).
٥ ـ اختيار الأدعية التي هي مظنّة الاجابة :
من المسائل المهمة التي تواجه الداعي ، هي مسألة اختيار الدعاء المناسب للحال التي يريدها ، والظاهر من النصوص الواردة في هذا الشأن أنّه يجوز للانسان أن يدعو بما جرىٰ علىٰ لسانه ، فهو الذي يفصح عن حاله ، وعمّا تكنّه بواطن نفسه ويعبّر عن حاجاته.
روي عن زيارة أنّه قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام علّمني دعاءً ، فقال عليهالسلام : « إنّ أفضل الدعاء ما جرىٰ علىٰ لسانك » (٣).
علىٰ أن الدعاء الذي يجري علىٰ اللسان قد يكون عرضةً للوهم
__________________________
(١) تاريخ بغداد ١ : ١٢٠.
(٢) الثقات ٨ : ٤٥٦.
(٣) الكافي ١ : ٨٣ / ٣. والتوحيد : ١٣٤ / ٢.
والخطأ الذي لا يشعر به الإنسان حال اشتغاله بالدعاء والتوجه إلىٰ الله سبحانه والخشوع والانقطاع ، فلا يستحضر معانيه ودلالاته أو مدىٰ موافقته لقوانين البلاغة واللغة والاعراب.
روي عن الكاهلي أنّه قال : كتبت إلىٰ أبي الحسن موسىٰ عليهالسلام في دعاء : ( الحمد لله منتهىٰ علمه ) ، فكتب إليَّ : « لا تقولن منتهىٰ علمه ، ولكن قُل : منتهىٰ رضاه » (١).
وعن أبي علي القصاب ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليهالسلام فقلت : ( الحمد لله منتهىٰ علمه ) ، فقال : « لا تقل ذلك ، فإنّه ليس لعلمه منتهىٰ » (٢).
وعن الإمام أبي الحسن الهادي عليهالسلام ، قال : سمع أمير المؤمنين عليهالسلام رجلاً يقول : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة ، فقال عليهالسلام : « أراك تتعوذ من مالَكَ وولدَك ، يقول الله عزَّ وجلّ : ( أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٣) ولكن قُلْ : اللهمَّ إنّي أعوذ بك من مضلاّت الفتن » (٤).
علاوة علىٰ ما تقدم فإنّ الإنسان قد يجهل ما ينفعه وما يضره ، فيدعو بخلاف مصلحته وبما يعود عليه بالشر والخسران ، ويستعجل في هذا الدعاء ، وهو لا يشعر بعواقبه وما يؤول إليه ، قال تعالىٰ : ( وَيَدْعُ الْإِنسَانُ
__________________________
(١) الكافي ١ : ٨٣ / ٣ ، والتوحيد ١٣٤ / ٢.
(٢) التوحيد : ١٣٤.
(٣) سورة الانفال : ٨ / ٢٨.
(٤) الأمالي للشيخ الصدوق ٢ : ١٩٣.
بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا ) (١).
والله تعالىٰ لا يفعل خلاف مقتضىٰ الحكمة والمصلحة ، فلا يستجيب مثل هذا الدعاء ، أو يؤخّره حتىٰ تكون فيه المصلحة والحكمة.
مراعاة قواعد اللغة والاعراب :
إنّ إعراب ألفاظ الدعاء ومجاراتها لقواعد اللغة والبلاغة ليست شرطاً مهما في استجابة الدعاء والإثابة عليه ، بل هي شرط في تمامية فضله وكمال منزلته وعلو مرتبته ، إذ كثيراً ما نشاهد أن من أهل الصلاح والورع ممن يرجىٰ إجابة دعائهم لا يعرفون شيئاً من قواعد اللغة والاعراب ، وعلى العكس من ذلك قد نرىٰ من أهل اللغة والفصاحة والبلاغة من لا يستجاب دعاؤهم ولا تعرف قلوبهم نور الايمان.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « تجد الرجل لا يخطىء بلام ولا واو ، خطيباً مصقعاً ، ولَقَلبُهُ أشدُّ ظلمةً من الليل المظلم » (٢).
فميزان التفاضل في قبول الطاعات ومنها الدعاء ، هو إخلاص السريرة ، وصفاء القلب ، وإشراقة بنور الايمان.
وقد روي عن الإمام الجواد عليهالسلام أنّه قال : « إنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلىٰ الله عزَّ وجلّ » (٣) أي لا يصعد ملحوناً ، لأنّ اللحن المزري قد يحط من قيمة الدعاء بل ويغير معناه ، لكن الله تعالىٰ لا يجازي عليه جرياً علىٰ
__________________________
(١) سورة الاسراء : ١٧ / ١١.
(٢) الكافي ٢ : ٣٠٨ / ١.
(٣) عدة الداعي : ٢٣.
لحنه المغيّر للمعنىٰ ، بل يجازي علىٰ قدر قصد الإنسان من دعائه ومراده ونيته.
ويؤيد ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الرجل الأعجمي من أُمتي ليقرأ القرآن بعجمته ، فترفعه الملائكة علىٰ عربيته » (١).
بقي أن نقول : إنّ الداعي إذا اختار الدعاء بالمأثور لا بدّ له أن يراعي الالتزام بلفظ الدعاء وبقواعد اللغة والاعراب بالشكل الذي يليق بشأن صاحب الدعاء.
الدعاء بالمأثور :
حصيلة ما تقدم أن الدعاء بالمأثور يجنّب الإنسان من الوقوع باللحن ، فهو أولىٰ من غيره ، وأفصح ممّا يؤلفه الإنسان ، فقد روي عن عبدالرحيم القصير ، أنّه قال : دخلت علىٰ أبي عبدالله عليهالسلام ، فقلت : جعلت فداك ، إني اخترعت دعاءً. فقال عليهالسلام : « دعني من اختراعك... » (٢) وعلّمه دعاءً ؛ ذلك لأنّ الدعاء بالمأثور يجنّب الداعي الوقوع باللحن والخطأ ، خصوصاً إذا كان من أدعية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وعترته المعصومين عليهمالسلام معدن النبوة وأعلام الهدىٰ وأهل البلاغة والفصاحة ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « وإنّا لاُمراء الكلام ، وفينا تنشّبت عروقه ، وعلينا تهدّلت غصونه » (٣).
ويفضل اختيار الأدعية التي هي مظنة الاجابة ، أو التي خُصّت بالفضل
__________________________
(١) الكافي ٢ : ٤٥٣ / ١.
(٢) الكافي ٣ : ٤٧٦ / ١.
(٣) نهج البلاغة ، الخطبة (٢٣٣).
الكبير في قضاء الحاجات وغفران الذنوب ، وهي كثيرة في تراث أهل البيت عليهمالسلام (١).
قال طاووس : إنّي لفي الحجر ليلة ، إذ دخل علي بن الحسين عليهالسلام ، فقلت : رجل صالح من أهل بيت صالح ، لأسمعن دعاءه ، فسمعته يقول في أثناء دعائه : « عبدك بفنائك ، سائلك بفنائك ، مسكينك بفنائك » فما دعوت بهنّ في كربٍ إلّا وفرّج عني (٢).
ويفضّل أيضاً اختيار الأدعية التي تشتمل علىٰ اسم الله الأعظم لما فيها من الكرامة والقربىٰ واستجابة الدعاء (٣).
وعلىٰ الداعي أن يلتزم بلفظ الدعاء الوارد عن المعصوم دون تحريف أو زيادة أو نقصان ، فقد روي عن إسماعيل بن الفضيل أنّه قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله تعالىٰ : ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) (٤).
فقال عليهالسلام : « فريضة علىٰ كلِّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات وقبل غروبها عشر مرات : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهي حيٌّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو علىٰ كل
__________________________
(١) راجع بحار الانوار ٨٦ : ١٨٦ / ٤٨ و ٢٢٥ / ٤٥ و ٣٢٣ / ٦٩ و ٣٣٠ / ٧١ ، ٨٩ : ٣٢٣ / ٣٠ ، ٩٠ : ٤٤ / ٩ ، ٩١ : ٢٧٥ / ٢٤ ، ٩٥ : ١٩٠ / ١٩ و ١٩٣ / ٢٤ و ٣٩١ / ٣١ و ٣٩٨ و ٤٤٥.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٢.
(٣) راجع بحار الأنوار ٩٣ : ٢٢٣ ـ ٢٣٢.
(٤) سورة طه : ٢٠ / ١٣٠.
شيء قدير ».
قال : فقلت : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي.. فقال عليهالسلام : « يا هذا ، لا شكّ في أن الله يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، ولكن قُل كما أقول » (١).
وعلىٰ الداعي أن يختار من الأدعية المأثورة ما يناسب حاله وحاجته ، فبعض الأدعية تناسب حالة الخوف ، وبعضها حالة الرجاء ، وبعضها للبلاء ، وبعضها للرخاء ، إلىٰ غير ذلك من الأحوال المختلفة التي تَرِد علىٰ الإنسان ، فعليه أن يقرأ في كلِّ حالة ما يناسبها من الأدعية المأثورة مترسّلاً وكأنّها من إنشائه ، ويدعو بلسان الذلّة والخشوع لا بلسان التشدّق والاستعلاء مع التدبّر في معانيها والتضرُّع فيها.
٦ ـ اجتماع المؤمنين للدعاء :
ومن الأسباب المؤدية لاستجابة الدعاء اجتماع المؤمنين بين يدي ربهم في دعائهم وتضرُّعهم إليه ، فما اجتمع المؤمنون في موطنٍ لله فيه رضا إلّا لبّىٰ نداءهم ، وأنزل رحمته عليهم ، وشملهم بمغفرته ورضوانه.
روي أنّ الله تعالىٰ أوحىٰ إلىٰ عيسىٰ عليهالسلام : « يا عيسىٰ ، تقرّب إلىٰ المؤمنين ، ومُرهم أن يدعوني معك » (٢).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « ما من رهطٍ أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزَّ وجلَّ في أمرٍ إلّا استجاب الله لهم ، فإنّ لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون
__________________________
(١) الخصال : ٤٥٢ / ٥٨.
(٢) وسائل الشيعة ٧ : ١٠٤ / ٣.
الله عزَّ وجلَّ عشر مرات إلّا استجاب الله لهم ، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرة ، فيستجيب الله العزيز الجبار له » (١).
وقال عليهالسلام : « ما اجتمع أربعة رهط قطّ علىٰ أمرٍ واحدٍ ، فدعوا الله عزَّ وجلَّ ، إلّا تفرقوا عن إجابة » (٢).
٧ ـ التأمين علىٰ الدعاء :
وهو من الأسباب المؤدية لاستجابة الدعاء ، وفيه فضل كبير وثواب جزيل للمؤمن والداعي علىٰ السواء ، ويستحب أن يكون في حال اجتماع المؤمنين للدعاء.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : دعا موسىٰ ، وأمّن هارون ، وأمّنت الملائكة ، فقال الله تبارك وتعالىٰ : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ) » (٣).
وقال عليهالسلام : « الدّاعي والمؤمّن في الأجر شريكان » (٤).
وروي أن الإمام الصادق عليهالسلام كان إذا حَزَبه أمرٌ (٥) جمع النساء والصبيان ، ثمّ دعا فأمّنوا (٦).
__________________________
(١) الكافي ٢ : ٣٥٣ / ١.
(٢) الكافي ٢ : ٣٥٣ / ٢.
(٣) الكافي ٢ : ٣٧٠ / ٨. والآية من سورة يونس : ١٠ / ٨٩.
(٤) الكافي ٢ : ٣٥٣ / ٤.
(٥) حزبه الأمر : دهاه وأعياه علاجه.
(٦) بحار الأنوار ٩٣ : ٣٩٤ / ٦.
٨ ـ قراءة القرآن :
روي عن أبي الحسن عليهالسلام أنّه قال : « إذا خفت أمراً ، فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ، ثم قُل : اللهمّ اكشف عني البلاء ، ثلاث مرات » (١).
أسباب تأخر الاجابة :
قد يقال : إنّنا نرىٰ كثيراً من الناس يدعون الله تعالىٰ فلا يستجاب لهم ، وقد ورد في الحديث أيضاً ما يدلُّ علىٰ تأخر الاجابة لعشرين أو أربعين عاماً.
فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلتُ لأبي عبدالله عليهالسلام : يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر ؟
قال : « نعم ، عشرين سنة » (٢).
وعنه عليهالسلام : « كان بين قول الله عزَّ وجل : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ) وبين أخذ فرعون أربعين عاماً » (٣).
فهل يتنافىٰ ذلك مع ما جاء في محكم الكتاب الكريم : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (٤) وقوله سبحانه : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٥) ، وما جاء علىٰ لسان الصادق الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما فُتح لأحد باب دعاء ، إلّا فتح الله له
__________________________
(١) بحار الأنوار ٩٣ : ١٧٦ / ١.
(٢) الكافي ٢ : ٣٥٥ / ٤.
(٣) سورة يونس : ١٠ / ٨٩.
(٤) الكافي ٢ : ٣٥٥ / ٥.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.
(٦) سورة غافر : ٤٠ / ٦٠.
فيه باب إجابته » (١) ؟
نقول : إنّ الدعاء من أقوىٰ الأسباب في تحقيق المطلوب ودفع المكروه ، ولكنّه قد يكون ضعيفاً في نفسه بأن يكون دعاءً لا يحبه الله لكونه مخالفاً لسنن التكوين والتشريع ، أو لأن الداعي لم يراع شروط الدعاء ولم يتقيد بآدابه ، أو لوجود الموانع التي تحجب الدعاء عن الصعود : كأكل الحرام ، ورين الذنوب علىٰ القلوب ، واستيلاء الشهوة والهوىٰ وحبّ الدنيا علىٰ النفس.
فإذا قيل بعدم الاخلال في جميع ذلك ، فيمكن حصر الأسباب المؤدية إلىٰ تأخر الاجابة بما يلي :
١ ـ إنّ الداعي قد يرىٰ في دعائه صلاحاً ظاهراً ، فيلحُّ بالدعاء والمسألة ، ولكن لو استجيب له ، فإنّ الاستجابة قد تنطوي علىٰ مفسدة له أو لغيره لا يعلمها إلّا الله تعالىٰ ، قال تعالىٰ : ( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢).
وفي زبور داود عليهالسلام : يقول الله تعالىٰ : « يا بن آدم ، تسألني فأمنعك ، لعلمي بما ينفعك » (٣).
وعليه فإنّ إجابة الدعاء إن كانت مصلحة والمصلحة في تعجيلها ، فإنّه تعالىٰ يعجّلها ، وان اقتضت المصلحة تأخيرها إلىٰ وقت معين أُجّلت ، ويحصل للداعي الأجر والثواب لصبره في هذه المدة.
__________________________
(١) أمالي الطوسي ١ : ٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٦.
(٣) بحار الأنوار ٧٣ : ٣٦٥ / ٩٨.
وإذا لم يترتب علىٰ الاجابة غير الشر والفساد ، فإنّه تعالىٰ لا يستجيب الدعاء لسبق رحمته وجزيل نعمته ، ولأنّه تعالىٰ لا يفعل خلاف مقتضىٰ الحكمة والمصلحة : ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) (١) وفي هذه الحالة يثاب المؤمن علىٰ دعائه إما عاجلاً بدفع السوء عنه ، وإعطائه السكينة في نفسه ، والانشراح في صدره ، والصبر الذي يسهل معه احتمال البلاء الحاضر ، أو آجلاً في الآخرة كما يثاب علىٰ سائر الطاعات والصالحات من أعماله ، وذلك أعظم درجة عند الله تعالىٰ ، لأنّ عطاء الآخرة دائم لا نفاد له ، وعطاء الدنيا منقطع إلىٰ نفاد.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما من مؤمن دعا الله سبحانه دعوة ، ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم ، إلّا أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث : إمّا أن يعجّل دعوته ، وإمّا أن يدّخر له ، وإمّا أن يدفع عنه من السوء مثلها. قالوا : يا رسول الله ، إذن نكثر ؟ قال : اكثروا » (٢).
وعن أبي جعفر عليهالسلام ، أنّه قال : « والله ما أخّر الله عزَّ وجلَّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها، وأيّ شيءٍ الدنيا ! » (٣).
وورد في دعاء الافتتاح : « وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً مدلّاً عليك فيما قصدت فيه إليك ، فإن أبطأ عنّي عتبتُ بجهلي عليك ، ولعلَّ
__________________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١١.
(٢) وسائل الشيعة ٧ : ٢٧ / ٨.
(٣) الكافي ٢ : ٣٥٤ / ١. وقرب الاسناد : ١٧١.
الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي لعلمك بعاقبة الاُمور » (١).
٢ ـ وقد تؤخر الاجابة عن العبد المؤمن لزيادة صلاحه وعظم منزلته عند الله عزَّ وجلَّ ، فتؤخر إجابته لمحبّة سماع صوته والاكثار من دعائه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء ، كما يتعهّد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام ، قال الله تعالىٰ : « وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إنّي لأحمي وليّي أن أعطيه في دار الدنيا شيئا يشغله عن ذكري حتىٰ يدعوني فأسمع صوته ، وإنّي لأعطي الكافر منيته حتىٰ لا يدعوني فأسمع صوته بغضا له » » (٢).
وعن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « إنّ المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلَّ في حاجته ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : أخّروا إجابته شوقاً إلىٰ صوته ودعائه ، فإذا كان يوم القيامة قال الله عزَّ وجلَّ : عبدي ، دعوتني فأخرت اجابتك ، وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ، قال : فيتمنّىٰ المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرىٰ من حسن الثواب » (٣).
وقال الإمام الرضا عليهالسلام : « إنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقا إلىٰ دعائه ، ويقول : صوت أحبّ أن أسمعه... » (٤).
وممّا تقدّم يتبين أنّ الدعاء مستجاب إذا أخلص الداعي في إتيان أدبه
__________________________
(١) مصباح المتهجد : ٥٧٨.
(٢) بحار الانوار ٩٣ : ٣٧١ / ١٠.
(٣) الكافي ٢ : ٣٥٦ / ٩.
(٤) بحار الانوار ٩٣ : ٣٧٠ / ٧.
وشرطه ، وتوجّه بقلبه إلىٰ الله تعالىٰ منقطعاً عن جميع الأسباب ، والاستجابة إما عاجلة في دار الدنيا ، أو آجلة في الآخرة ، وإذا تأخرت الاستجابة فلمصالح لا يعلمها إلّا عالم السرّ وأخفىٰ ، وتأخيرها يصبُّ في صالح الداعي ، فعليه أن لا يقنط من رحمة ربه ، ولا يستبطىء الاجابة فيملُّ الدعاء.
دعوات مستجابة :
فيما يلي بعض الدعوات التي أكدت النصوص الإسلامية علىٰ استجابتها وتأثيرها في استجابة الدعاء :
أولاً : الدعاء للمؤمنين :
ويعتبر من أهم مطالب الدعاء ، وذلك لأنّه يعكس إيثار المؤمن وإخلاصه وعمق ارتباطه باخوته المؤمنين علىٰ امتداد الزمان والمكان ، وهو علىٰ نوعين :
١ ـ دعاء عامّ يشمل جميع المؤمنين الحاضرين منهم أو الذين سبقوا بالإيمان ، وهو من أهم أنواع الدعاء ، لأنّه دعاء يحبّه الله تعالىٰ ويستجيب لصاحبه ، لذلك وردت الروايات الكثيرة التي تشيد بفضله وعمق آثاره علىٰ الداعي والمدعو له.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «
ما من مؤمن أو مؤمنة مضىٰ من أول الدهر أو هو آت إلىٰ يوم القيامة إلّا وهم شفعاء لمن يقول في دعائه : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وإنّ العبد ليؤمر به إلىٰ النار يوم القيامة فيسحب ، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا ربنا ، هذا الذين كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ،