أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-79-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٥٤
والثاني : بما مرّ سابقا ، مضافا إلى عمومها بالنسبة إلى وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها (١) ، وخصوص الرواية.
وبهما يضعّف الثالث أيضا ، والبواقي بما ظهر وجهه ممّا ذكرنا ، مع أنّ بعد الدليل على كفاية العلم أو الظن نمنع اشتراط الوقت الخاص ، بل يكون الشرط العلم به أو الظن.
الثالثة : لو صلّى قبل الوقت عامدا ، أو شاكّا في دخوله ، أو في تعيينه كمن صلّى بعد الفجر الأول جهلا منه بأنه الوقت أو بعد الفجر الثاني ، أو جاهلا بوجوب مراعاته ، أو ناسيا لها ، أو للظهر ـ مثلا ـ فأدّى العصر في الوقت المختص به ، أو خاطئا في الوقت ، كمن صلّى بعد الفجر الأول جازما بأنه الوقت المقرر لصلاة الصبح ، أو غافلا ، لم يجزئ عن المأمور به ، ووجب عليه الإعادة والقضاء مطلقا ، سواء وقع جزء منها في الوقت أو لا ، وسواء احتمل الخلاف في الرابع أم لم يخطر بباله أصلا.
للأمر بالصلاة بعد الزوال ـ مثلا ـ أو بعد العلم أو الظن المعتبر به ، ولم يأت بذلك في شيء من الصور ، فيكون مأمورا بها في الوقت ، وبالقضاء ـ لعموماته ـ في خارجه.
ومعذورية بعض أقسام غير الثلاثة الاولى لا تفيد هنا ، إذ غاية مقتضاها عدم الإثم ، أو مع صحة عبادته ، لأنّ العبادة التي أتى بها هي ما أمر به باعتبار جزمه بأنه مأمور به ، وهو أمر آخر غير الأمر بالصلاة بعد العلم أو الظن بالزوال مثلا ، فإنّ الأول أمر تعلّق به بخطاب العقل الحاكم بأنّ كلّ من قطع بتعلّق حكم به يتعلّق به ، وإلاّ فلا خطاب شرعيا بالصلاة في الفجر الأول مثلا ، والثاني بخطاب الشرع ، ولم تثبت بدلية الأول عن الثاني.
فالخلاف المحكي عن بعض فيما إذا صادف بعض الصلاة الوقت في
__________________
(١) بل قد يقال بظهور الموثقة في وقوع الصلاة بتمامها خارج الوقت ، وفيه نظر. منه رحمه الله تعالى.
العامد ، كما هو ظاهر نهاية الإحكام (١) ، والمحكي عن المهذب (٢) ، أو في الناسي كما عنهما ، وعن الكافي وفي البيان (٣) ، لرفع النسيان ، وتنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في الكل ، ولما تقدّم من خبر ابن رباح (٤) ، ضعيف غايته ، ومعنى رفع النسيان رفع الإثم ، والتنزيل المذكور على الإطلاق ممنوع ، والخبر غير شامل للمطلوب.
ولو صادفت صلاة هؤلاء الوقت بتمامها ، فإن كان من الثلاثة الأولى ، أو المقصّر من الجاهل والخاطئ ، وجب عليه الإعادة والقضاء ، لكون صلاته منهيا عنها.
وإن كان من الجاهل أو الخاطئ الغير المقصّر ، أو الناسي ، أو الغافل ، فإن علم بالزوال ـ مثلا ـ تصح صلاته ولا يجب عليه الإعادة والقضاء وإن كان جاهلا أو ناسيا أو غافلا لوجوب مراعاته ، لأصالة عدم اشتراط العلم بوقتية الزوال.
وإن جهل بالزوال ، فالأصح وجوب الإعادة والقضاء ، لمثل قوله : « لا يجزئك حتى تعلم أنه طلع » (٥) ولأن الأمر بالصلاة في الوقت معناه حال العلم بالوقت وهو لم يمتثل ذلك ، فيجب عليه امتثاله ، ولا تنافيه معذورية الجاهل.
وهاهنا قسم آخر ، وهو من صلّى في وقت مختلف فيه ، كبعد الغروب قبل زوال الحمرة ، أو سائر ما اختلف فيه في الاختيار والاضطرار ، من غير تقليد لمن يقول بالوقتية ، وحكمه الصحة مع العلم بالوقتية من غير خطور خلاف ، والبطلان بدونه ، كما بيّن وجهه في الأصول.
الرابعة : جواز فعل النوافل المرتبة أداء في أوقاتها مع دخول وقت الفريضة
__________________
(١) لم نعثر عليه في نهاية الاحكام ، بل هو موجود في النهاية للشيخ ص ٦٢.
(٢) المهذب ١ : ٧٢.
(٣) الكافي : ٣٨ ، البيان : ١١٢.
(٤) راجع ص ٩١.
(٥) راجع ص ٩٠ ، رواية علي.
ظاهر. وكذا يجوز أن يصلّي الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيّق وقت الحاضرة ، فتقدّم حينئذ ، إجماعا في المقامين على الظاهر المصرّح به في جملة من كلمات الأصحاب.
وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض ، وخصوص النصوص الآتية في بحث القضاء والصلوات الآتية.
وكذا يجوز التنفّل بغير أداء الرواتب في وقت الفريضة ، على الأظهر ، وفاقا لظاهر المهذب للقاضي ، والذكرى وشرح القواعد والدروس وروض الجنان والمدارك والذخيرة وشرح الإرشاد للأردبيلي والمفاتيح (١) ، والمعتمد. وفي الدروس : إنه الأشهر.
للأصل ، والأخبار المتكثرة ، المصرّحة بالجواز عموما أو خصوصا.
فمن الأول : العمومات الناطقة بأنّ التطوّع بمنزلة الهدية متى يأتي بها قبلت ، وهي كثيرة جدا (٢). وبأنّ الفائتة ـ الشاملة لقضاء النوافل ـ تقضى في كلّ وقت أو ساعة أو حين ذكرها ، كصحيحتي ابن أبي يعفور وأبي بصير (٣) ، وروايات زرارة ونعمان وابن أبي العلاء وابن عمار (٤) ، وغيرها. وبأنّ خصوص النوافل يقضى
__________________
(١) المهذب ١ : ٧١ ، الذكرى : ١١٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٢٤ ، الدروس ١ : ١٤٢ ، روض الجنان : ١٨٤ ، المدارك ٣ : ٨٨ ، الذخيرة : ٢٠٢ ، مجمع الفائدة ٢ : ٤٢ ، المفاتيح ١ : ٩٧.
(٢) انظر : الوسائل ٤ : ٢٣١ أبواب المواقيت ب ٣٧.
(٣) صحيحة ابن أبي يعفور : التهذيب ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٢ ، صحيحة أبي بصير : الكافي ٣ : ٢٨٧ الصلاة ب ١٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٧١ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٥.
(٤) رواية زرارة : الكافي ٣ : ٢٨٨ الصلاة ب ١٠ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٥ ، الوسائل ٤ : ٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١ ، رواية نعمان : التهذيب ٢ : ١٧١ ـ ٦٨٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤٤ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٦ ، رواية ابن أبي العلاء : التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١٣ ، رواية ابن عمار : الكافي ٣ : ٢٨٧ الصلاة ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٤.
في كلّ وقت ، كصحيحة حسان (١) ، ومكاتبة محمد بن يحيى (٢) ، ورواية سليمان (٣).
وبأنّ الفائتة تصلّى في وقت الفريضة أيضا ، كحسنة الحلبي (٤) ، وخبر محمد (٥) ، بل صحيحتهما.
ومن الثاني : خبر أبي بصير : « إن فاتك شيء من تطوّع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس ، وبعد الظهر عند العصر ، وبعد المغرب ، وبعد العتمة » (٦) ونحوه المروي في قرب الإسناد (٧).
وموثّقة إسحاق : قلت : أصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال : « نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به ، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة » (٨).
والأخبار المتكثّرة المصرّحة باستحباب بعض الصلوات في بعض أوقات الفرائض ، كمرسلة علي بن محمد في عشر ركعات بين العشاءين (٩) ، وأخرى في
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٤ ، الوسائل ٤ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٩.
(٢) الكافي ٣ : ٤٥٤ الصلاة ب ٩٠ ح ١٧ ، التهذيب ٢ : ٢٧٢ ـ ١٠٨٣ ، الوسائل ٤ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٣.
(٣) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١١.
(٤) الكافي ٣ : ٤٥٢ الصلاة ب ٩٠ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٣٩ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٧.
(٥) الكافي ٣ : ٤٥٢ الصلاة ب ٩٠ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦.
(٦) التهذيب ٢ : ١٦٣ ـ ٦٤٢ ، الوسائل ٤ : ٢٧٧ أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ١٠.
(٧) قرب الإسناد : ٢١١ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ٤ : ٢٣٤ أبواب المواقيت ب ٣٧ ح ٩ ( بتفاوت ).
(٨) الكافي ٣ : ٢٨٩ الصلاة ب ١١ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ـ ١٠٥٢ ، الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٢.
(٩) الكافي ٣ : ٤٦٨ الصلاة ب ٩٧ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٣١٠ ـ ٩٦٣ ، الوسائل ٨ : ١١٧ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ١٦ ح ١.
ركعتين بينهما يقرأ في أولاهما بعد الحمد عشرا من أول البقرة وآية السخرة (١) ، ورواية الجعفري في ركعتين بين الأذان والإقامة (٢) ، وروايات الغفيلة (٣) ، وفي الصلوات الواردة بين الظهرين خصوصا يوم الجمعة ، وصلوات الرغائب (٤) ، وكثير من نوافل شهر رمضان ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ كثرة.
خلافا لنهاية الإحكام والسرائر والقواعد والمعتبر والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة وعن المقنعة والمبسوط والجمل والعقود (٥) ، والاقتصاد (٦) ، والإصباح والوسيلة والجامع (٧) ، إلاّ أنّ المذكور في كلام الثلاثة الأول هو : قضاء النوافل خاصة ، بل المشهور ، كما في شرح القواعد والروضة (٨) ، وغيرهما. وظاهر المعتبر : نسبته إلى علمائنا (٩).
لما مرّ من الأخبار في تحديد نوافل الظهرين بالذراع والذراعين ، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة (١٠) ، وفي عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر (١١).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٦٨ الصلاة ب ٩٧ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ١٨٨ ـ ٤٢٨ ، الوسائل ٨ : ١١٨ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ١٦ ح ٢.
(٢) التهذيب ٢ : ٦٤ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٥ : ٣٩٧ أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٢.
(٣) انظر : الوسائل ٨ : ١٢٠ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٢٠.
(٤) انظر : الوسائل ٨ : ٩٨ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٦.
(٥) نهاية الإحكام ١ : ٣٢٥ ، السرائر ١ : ٢٠٣ ، القواعد ١ : ٢٤ ، المعتبر ٢ : ٦٠ ، الشرائع ١ : ٦٣ ، المختصر النافع : ٢٣ ، المنتهى ١ : ٢٠٨ ، التذكرة ١ : ٨٢ ، المقنعة : ٢١٢ ، المبسوط ١ : ١٢٨ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٧٥.
(٦) لم نعثر فيه على حكم فعل النافلة في وقت الفريضة ، انظر ص ٢٥٦.
(٧) الوسيلة : ٨٤ ، الجامع للشرائع : ٦١.
(٨) جامع المقاصد ٢ : ٢٣ ، الروضة ١ : ٣٦٢.
(٩) المعتبر ٢ : ٦٠.
(١٠) راجع ص ٥٦.
(١١) راجع ص ٧٧.
مضافا إلى مستفيضة أخرى ، منها : موثقات محمد ، ونجية ، وأديم : الاولى مرّت في نافلة المغرب (١) ، والثانية : تدركني الصلاة فأبدأ بالنافلة؟ فقال : « لا ، ابدأ بالفريضة واقض النافلة » (٢). والثالثة : « لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة » قال : وقال : « إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها » (٣).
وروايتي زياد والحضرمي :
الأولى : « إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها ، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النوافل » (٤).
والثانية : « إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع » (٥).
وصحيحتي زرارة المرويتين في الذكرى :
إحداهما : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة » (٦).
والأخرى : أصلّي نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : « لا تصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوّع حتى تقضيه »؟ قال : قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » قال : فقايسني وما كان يقايسني (٧).
والمروي في السرائر صحيحا : « لا تصلّ من النافلة شيئا في وقت فريضة ،
__________________
(١) راجع ص ٦٥.
(٢) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦٢ ، الوسائل ٤ : ٢٢٧ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٥.
(٣) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦٣ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٦.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٧ ـ ٩٨٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥٣ ـ ٩٠٧ ، الوسائل ٤ : ٢٢٧ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٤.
(٥) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٢ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٧.
(٦) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.
(٧) الذكرى : ١٣٤.
فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » (١).
وفي الخصال : « لا يصلّي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلاّ من عذر ، ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء » إلى أن قال : « لا تقضى نافلة في وقت الفريضة ، ابدأ بالفريضة ثمَّ صلّ ما بدا لك » (٢).
والرضوي : « لا تصلّى النافلة في أوقات الفرائض إلاّ ما جاءت من النوافل في أوقات الفرائض [ مثل ] ثمان ركعات بعد زوال الشمس » (٣) الحديث.
ويجاب عنها ـ بعد ردّ الأولين بما مرّ في موضعهما (٤) ، وبأنّ الوقت في الأول غير محل النزاع ، لأنّ الوقت الممنوع فيه النافلة هو بعد الذراع والذراعين لا مطلق وقت الفريضة كما هو المطلوب ، مع كون موردهما الراتبة الحاضرة التي هي غير المتنازع فيه ، وكذا الموثّقة الثانية لمكان الحكم بالقضاء ، بل الرواية الأولى كما هو الظاهر من قوله : « ما قبلها من النوافل » بل رواية الخصال لقوله : « ولكن يقضي ».
مع ما في الموثّقة من إمكان إرادة تضيّق الصلاة أو حضور الجماعة من الإدراك ، بل هي ليس بأخفى من إرادة دخول الوقت ، وما في الرواية الاولى من إمكان إرادة الثاني أو حضور الصلاة بشروع المؤذّن في الإقامة كما يستفاد من بعض المعتبرة ، وما في رواية الخصال من أنّ جزأها الأول يدل على الجواز مع العذر ، المثبت للجواز مطلقا بالإجماع المركّب ، وردّ الرضوي باشتماله على النفي الغير الصريح في التحريم ـ :
أولا : بأنه يمكن إرادة الوقت المضيّق من الجميع ، لكفاية أدنى الملابسة في
__________________
(١) مستطرفات السرائر : ٧٣ ـ ٧ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ٨.
(٢) الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ٤ : ٢٢٨ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ١٠.
(٣) فقه الرضا عليهالسلام : ١١١ ، وفيه « لا تصلّ » بصورة النهي ، وما أثبتناه موافق للنسخة الحجرية من فقه الرضا : ٩ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٤ أبواب المواقيت ب ٢٨ ح ١.
(٤) راجع ص ٥٧ و ٧٧.
الإضافة ، بل الاختصاص الظاهر من الإضافة أنسب بها ، ويرجّحها إيجابها سلامة الجميع عن تخصيص النافلة بغير الرواتب.
بل تشهد لها موثّقة سماعة : عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : « إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله ، ثمَّ ليتطوّع بما شاء ، الأمر موسّع أن يصلّي الإنسان في أول وقت دخول الفريضة النوافل إلاّ أن يخاف فوت الفريضة » (١) الحديث ، بل لا وجه للعدول عن ذلك مع وجود مثل تلك القرينة والشاهد.
وثانيا : بأنه يمكن إرادة الأفضلية من الأمر بالبدأة بالفريضة ، والمرجوحية من النهي عن النافلة ، بل تتعيّن تلك الإرادة ـ بناء على تعميم الوقت ـ بشهادة ما مرّ من المستفيضة المجوّزة ، وبقرينة قوله في الموثّقة المذكورة بعد ما مرّ : « والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أول الوقت إلى آخر الوقت ».
وأيّ قرينة أوضح من نفي الحظر عنه عن ذلك مع التصريح بالفضل فيها ، وفي صحيحة محمد : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال : « إنّ الفضل أن يبدأ بالفريضة » (٢).
والمناقشة : بأنّ الفضل غير الأفضلية وهو يحصل في الواجب أيضا ، باردة جدا ، فإنّ مع التصريح بالجواز ونفي الحرمة ـ كما في الموثّقة ـ يصير صريحا في الاستحباب.
وأيضا : الفضل هو الزيادة في الثواب ، وهي لا تكون إلاّ مع شيء من
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٨٨ الصلاة ب ١١ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٧ ـ ١١٦٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٤ ـ ١٠٥١ ، الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥ ح ١.
(٢) الكافي ٣ : ٢٨٩ الصلاة ب ١١ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٢٣٠ أبواب المواقيت ب ٣٦ ح ٢.
الثواب في غيره أيضا ، مع أنّ المتبادر عرفا من إثبات الفضل لشيء على آخر هو ثبوت الأقلّ للآخر أيضا ، ولذا يقال للواجب : الفضل على النافلة ، ولا يقال له : الفضل على الحرام.
ونفي إمكان حمل جميع أخبار المنع على الكراهة ، باعتبار اشتمال بعضها على المقايسة ، وتنظير النافلة بمن عليه صوم الفريضة ، المانعة عن التطوّع اتّفاقا ، مدفوع ـ بعد تسليم الاتّفاق على المنع في النظير ـ بأنّ القياس على الممنوع ليس بأصرح من المنع ، فكما يمكن إرادة الكراهة من صريحه يمكن من المنع المستفاد من القياس أيضا تجوّزا ، بل إمكانها حينئذ أظهر ، لأنّ مرجعه إلى التشبيه المستدعي لكون المشبّه به أقوى.
مع أنّ إحدى الروايتين المشتملتين على المقايسة (١) غير واضحة الحجية ، لخلوّ كتب الأحاديث عنها (٢) ، والأخرى (٣) غير صريحة في كون القياس من الإمام ، لاحتمال أن يكون قوله : « أن تقايس » مبنيا للفاعل ويكون المعنى : أتضمر القياس على تطوّعك لو كان عليك من شهر رمضان ، وتريد أن تقيس عليه إن أجبت بالجواز؟ مع أنّ أكثر المانعين مجوّزون لفعل نافلة الفجر ـ التي هي المقيس عليه ـ في وقت الفريضة (٤).
__________________
(١) وهي صحيحة زرارة المذكورة في الذكرى ، المتقدمة في ص ١٠٦.
(٢) ويمكن أيضا أن يراد من بعض نفس شهر رمضان ، ويكون المعنى : باقيا عليك منه ، ليكون مضيقا ويكون قرينة على إرادة التضيّق في المقيس أيضا ، ويكون « تقضيه » بمعنى تفعله. منه رحمه الله تعالى.
(٣) وهي صحيحة زرارة وقد تقدم صدرها في ص ٨٦ ، وإليك متنها بتمامه : « قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : قبل الفجر إنهما من صلاة الليل ، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، أتريد أن تقايس؟! لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة ».
(٤) ويظهر مما ذكرنا أن لقوله : « أن تقايس » أربعة احتمالات : الأول : بالبناء للمفعول والمراد حينئذ : ويصحّ أن أقايس لك. والثاني : بالبناء للفاعل كما في المتن ، والثالث : كذا أيضا ويكون المراد أتريد أن تقايس ذلك بنوافل الظهرين؟ والرابع : أتريد أن تقايس الخصم وأعلمك القياس؟ منه رحمه الله تعالى.
والقول بأنّ هذين الحملين جمع ، وهو فرع المكافأة ، وهي في المقام مفقودة ، لصحة أكثر أخبار المنع ، واستفاضتها ، واعتضادها بالشهرة ، مردود : بأنّ وجه الحمل لا ينحصر في الجمع ، بل القرينة عليه ـ كما مرّ ـ متحقّقة (١) ، مع أنّ فقدان التكافؤ غير مسلّم ، كما سيظهر وجهه.
مع أنّ مقتضى صحيحة عمر بن يزيد ـ المتقدّمة في بحث نافلة المغرب (٢) ـ أنّ المراد بوقت الفريضة الذي منع عن التطوّع فيه غير ما هو مطلوب المانع ، فيسقط الاستدلال بأخبار المنع رأسا.
وعدم القول بالحرمة في هذا الوقت غير ثابت ، ولو ثبت فغير ضائر ، لأنّ مدلول الصحيحة أنّ المراد بالوقت في أخبار المنع وقت الإقامة ، ولا إجماع على نفي ذلك ، بل لو كان لكان على عدم المنع حينئذ بخصوصه ، ولازمه خروج أخبار المنع عن الحجّية وبقاء المنع بلا حجّة ، مع أنّ القول بالكراهة في هذا الوقت بخصوصه مشهور ، فلو سلّم الإجماع المذكور يصير قرينة على أنّ المنع في أخباره على الكراهة محمول ، لا أنّ تلك الصحيحة عن الحجية خارجة.
وأمّا ما ردّ به أخبارنا من أنّ أخبار المنع أخص من القسم الأول من أخبار الجواز ، فتخصيصها بها لازم. والقسم الثاني فما دلّ منه على جواز بعض النوافل بخصوصه لا يضر ، لأنّه في حكم الاستثناء ، والباقي لقصوره إسنادا عن إثبات الحكم عاجز في مقابلة أخبار المنع ، الواضحة الدلالة والاستناد ، المعتضدة بعمل الأصحاب ، المخالفة للعامة على ما يستفاد من قوله : « يصنع الناس » في الموثّقة السابقة (٣) ، بل ربما تومئ إليه المقايسة المذكورة ، فإنّ الظاهر أنّ المقصود منها الردّ
__________________
(١) وهي موثقة سماعة المتقدمة في ص ١٠٨.
(٢) راجع ص ٦٤.
(٣) راجع ص ٦٥ ، موثقة محمّد.
على العامة.
فمجاب عنه أولا : بمنع أعمية القسم الأول مطلقا ، حيث إنّ تلك العمومات مخصّصة بغير وقت ضيق الفريضة قطعا ، وأخبار المنع ـ على تسليم الدلالة ـ شاملة له أيضا ، فغايته العموم من وجه الموجب للتساقط ، وبقاء الأصل وجملة من العمومات خاليا عن المعارض.
وثانيا : بعدم الضرر في قصور السند في الأخبار الموجودة في تلك الكتب المعتبرة ، مع أنه منها الموثّق ، وهو في نفسه حجة ، ومع أنّ الخبر الضعيف في مقام الاستحباب في حكم الصحيح ولا يعجز عن إثبات الحكم.
وثالثا : بمنع ما ذكره من وضوح دلالة الأخبار المخالفة كما عرفت ، ولو سلّم فأوضحيتها من دلالة أخبار الجواز ممنوعة.
ورابعا : أنّ وضوح اسناد أخبار المنع في حيّز المنع جدّا ، كيف؟! وصحيحتا زرارة لا يعلم سندهما ، وإنما يحكم فيهما بالصحة تقليدا لمن وصفه بها ، لعدم ظهور السند ، وكذا رواية السرائر.
وأمّا صحيحة زرارة ، الواردة في ركعتي الفجر (١) ، فهي لعدم عمل المجيب بها في موردها في غاية الضعف من الدلالة ، وليس في البواقي خبر صحيح ولا حسن.
وأمّا اعتضاد أخبار المنع بالعمل فغير محقّق ، كيف؟! وشهرة المتأخّرين على الجواز قطعا ، وأمّا القدماء ومن يليهم فلم ينقل القول بالمنع إلاّ عن طائفة قليلة منهم ، وأقوال البواقي غير معلومة ، بل الظاهر من عدم تصريحهم بالمنع القول بالجواز (٢) ، وقول أكثر المانعين أيضا مختص بقضاء الرواتب ، فعدم الشهرة في
__________________
(١) راجع ص ١٠٩ هامش ٣.
(٢) مع أن المحكي عن الإسكافي والصدوق في المسألة الآتية الجواز ، وقد صرّح في الروض وبعض من تأخر عنه أيضا بأنه لا فرق بين المسألتين ، والقائل بالجواز في إحداهما يقول به في الأخرى وكذا المنع. منه رحمه الله تعالى.
المطلق مقطوع به.
وأمّا الشهرة المدّعاة فمعارضة بادّعاء الشهيد الشهرة على الجواز (١) ، وأمّا قول المحقّق فهو غير صريح بل لا ظاهر في دعوى الإجماع في محل النزاع (٢).
وخامسا : أنّ كون الجواز مذهبا للعامة غير ثابت ، ولم يدّعه من علمائنا أحد ، وأمّا قوله : « كما يصنع الناس » فلا يدلّ على أنهم كانوا يتطوّعون بغير الرواتب كما هو المدّعى ، فلعلّهم كانوا يتطوّعون بها حينئذ ، ولكراهته ـ كما هي مذهبنا ـ لم يفعله الإمام ، بل يمكن أن يستحب عندهم تطوّع خاص بين الأذان والإقامة ، كما أنّ لنا أيضا تطوّعات مستثناة بالإجماع ، ولكراهتها وقت الفريضة كان الإمام لا يفعلها.
وأمّا المقايسة فمع ما عرفت فيه لا دلالة لها دلالة صالحة للتمسّك على كون الجواز مذهب العامة ، كما لا يخفى.
الخامسة : تجوز النوافل المبتدأة وقضاء الرواتب لمن عليه قضاء فريضة ، وفاقا للإسكافي (٣) ، والصدوق (٤) ، وكلّ من قال بالجواز في المسألة المتقدّمة.
للأصل ، والعمومات السالفة ، بل وإطلاق جميع الأخبار المتقدّمة ، حيث يشمل ما لو كان عليه فريضة أيضا.
ورواية عمّار : « إذا أردت أن تقضي شيئا من الفرائض مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئا حتى تبدأ ، فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة ، ثمَّ اقض
__________________
(١) الدروس ١ : ١٤٢.
(٢) فإنه قال : ويصلّي الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق الحاضرة ، والنوافل ما لم يدخل وقت الفريضة ، وهو مذهب علمائنا. ( المعتبر ٢ : ٦٠ ) فإن الظاهر أن مرجع الضمير هو المنطوق دون المفهوم. منه رحمه الله تعالى.
(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٤٨.
(٤) الفقيه ١ : ٣١٥ ، والمقنع : ٣٢.
ما شئت » (١).
وموثّقة أبي بصير : عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس ، قال : « يصلّي ركعتين ثمَّ يصلّي الغداة » (٢).
وما روي بطرق عديدة ـ منها الصحيح ـ من نومه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن صلاة الصبح حتى آذاه حرّ الشمس ، ثمَّ استيقظ وركع ركعتي الفجر ، ثمَّ صلّى الصبح بعدهما (٣).
وكونه أخص من المدّعى غير ضائر ، لعدم القول بالفصل ، كما يظهر من استناد الجماعة في التجويز المطلق إليه.
خلافا لأكثر من منع في المسألة السابقة ، للروايات الدالّة على وجوب ترتب الفريضة الحاضرة على الفائتة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة (٤) ، وإذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق أولى ، وأولى منها غير نافلتها.
وصحيحة زرارة الثانية ، المروية في الذكرى ، المتقدّمة (٥).
وصحيحة يعقوب : عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس ، أيصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال : « يصلّي حين يستيقظ » قلت : أيوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال : « بل يبدأ بالفريضة » (٦).
وقوله في صحيحة زرارة : « ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة » (٧).
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٧٣ ـ ١٠٨٦ ، الوسائل ٨ : ٢٥٧ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٤.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٢.
(٣) راجع الوسائل ٤ : ٢٨٣ أبواب المواقيت ب ٦١.
(٤) انظر : الوسائل ٤ : ٢٨٧ أبواب المواقيت ب ٦٢.
(٥) في ص ١٠٦.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ـ ١٠٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٧ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٤.
(٧) الكافي ٣ : ٢٩٢ الصلاة ب ١٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ ـ ٦٨٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٣.
ويضعّف الأول ـ بعد الإغماض عن الروايات المعارضة لها وتسليم وجوب الترتب ـ : بمنع الأولوية.
والثاني ـ مضافا إلى ما تقدّم ـ : بمنع الدلالة ، لأنّ المتبادر من وقت الفريضة التي نفى صلاحية النافلة فيها هو وقت الأداء. وقول السائل وعليّ فريضة أو وقت فريضة ، لا يدلّ على إرادة المعنيين عنه في الجواب ، وترك جوابه عن الأول لمصلحة كما ورد في الأخبار ليس بأبعد من حمل الوقت على المعنيين.
والبواقي : بعدم الدلالة على الحرمة ، لخلوّها عن النهي الصريح فيها ، سيما بملاحظة ما مرّ من المجوّزات.
السادسة : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة بعد دخول الوقت ، فقد مرّ حكمه في بحث الحيض ، وهو كأخبار المقام وإن اختص بالحيض ولكن يتم المطلوب بعدم الفصل.
ولو زال في آخر الوقت بقدر الصلاتين ولو بأقلّ الواجب بحسب حاله وجبتا أداء ، بالإجماع ، والأخبار ، كخبري منصور والكناني ، وموثّقة ابن سنان :
الأول : « إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر » (١).
والثاني : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر » (٢).
والثالث : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ،
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ١٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٤٢ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ٢ : ٣٦٣ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٦.
(٢) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ١٢٠٣ ، الاستبصار ١ : ١٤٣ ـ ٤٨٩ ، الوسائل ٢ : ٣٦٣ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٧.
وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء » (١).
وبقدر أحدهما وجبت الأخير خاصة كذلك ، لقطع الشركة بالتفصيل في خبر منصور ، المتقدّم.
ولصحيحة معمّر : الحائض تطهر عند العصر تصلّى الاولى؟ قال : « لا ، إنما تصلّي الصلاة التي تطهر عندها » (٢).
وبهما تقيد الإطلاقات السابقة.
وبهما أيضا يثبت وجوب التمام لو بقي من وقت الأخيرة قدر ركعة ، مضافين إلى الإجماع ، والإطلاقات ، والنبويين.
أحدهما : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٣).
والآخر : « من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر » (٤).
ورواية ابن نباتة : « من أدرك من الغداة ركعة فقد أدرك الغداة تامة » (٥).
وضعف بعضها سندا واختصاصه موردا منجبر بالعمل والإجماع المركّب.
بل يثبت من عموم أول النبويين ، بل المتعقّبين له بضميمة الإجماع المركّب ، بل عموم الثلاثة الاولى ، وصحيحتي الحذّاء وعبيد الآتيتين ، ما هو الأظهر الأشهر بل عليه الوفاق عن الخلاف (٦) ، من وجوب إتمام الأولى أيضا لو
__________________
(١) التهذيب ١ : ٣٩٠ ـ ١٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ١٤٣ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ٢ : ٣٦٤ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ١٠.
(٢) الكافي ٣ : ١٠٢ الحيض ب ١٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٩ ـ ١١٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٤١ ـ ٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ٣٦٢ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٣.
(٣) مسند أحمد ٢ : ٢٦٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ ـ ١٦١.
(٤) مسند أحمد ٢ : ٢٦٠ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٥ ـ ١٦٥.
(٥) التهذيب ٢ : ٣٨ ـ ١١٩ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ٤ : ٢١٧ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٢.
(٦) الخلاف ١ : ٢٧٣.
أدرك مقدار خمس ركعات مطلقا.
خلافا للمحكي عن طهارة المبسوط والإصباح والمهذب ، فقالوا باستحباب الظهرين والعشاءين (١).
كما يثبت من مفهوم النبويين ورواية ابن نباتة عدم وجوب إتمام الاولى لو أدرك أقلّ من ركعة منها ووجوب إتمام الأخيرة ، ولا إتمام الأخيرة لو أدرك أقلّ من ركعة منها ، وبه يقيّد بعض الإطلاقات ، فاحتمال بعضهم العمل به ضعيف جدّا ، كضعف ما عن النهاية من لزوم قضاء الفجر عليها بحصول الطهر لها قبل طلوع الشمس على كل حال (٢).
ثمَّ القضاء هنا تابع للأداء ، فيجب فيما يجب لو ترك ، إجماعا ، ولعموم قضاء الفوائت. ولا يجب فيما لا يجب كذلك ، للأصل.
وتدلّ عليه في الجملة أيضا صحيحتا الحذّاء وعبيد :
الأولى : « إذا رأت المرأة الطهر وهي في وقت الصلاة ثمَّ أخّرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها » (٣).
والثانية : « أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل وقت صلاة ففرّطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها ، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء ، وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها » (٤).
__________________
(١) المبسوط ١ : ٤٥ ، المهذب ١ : ٣٦.
(٢) النهاية : ٢٧.
(٣) الكافي ٣ : ١٠٣ الحيض ب ١٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩١ ـ ١٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٥ ـ ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٣٦٢ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٤.
(٤) الكافي ٣ : ١٠٣ الحيض ب ١٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٢ ـ ١٢٠٩ ، الوسائل ٢ : ٣٦١ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ١.
ويستفاد من الأخيرة عدم كفاية مجرد الطهر وبقاء ركعة ، بل يلزم بقاء قدر تتمكّن من الغسل وسائر الشرائط المفقودة أيضا ، كما عن جماعة (١) ، وفي الروضة والدروس والمسالك (٢).
وتدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي : في المرأة تقوم في وقت الصلاة ـ يعني للغسل ـ فلا تقضي طهرها ـ أي لا تفرغ من غسلها ـ حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال : « إن كانت توانت قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي » (٣).
السابعة : تكره النوافل المبتدأة ـ أي غير ذوات السبب
ـ بعد الصبح والعصر ، وعند طلوع الشمس وغروبها وقيامها ، على الأظهر ، وفاقا للاقتصاد والمبسوط والخلاف (٤) ، بل عامة من تأخّر ، ونسبها في المنتهى وشرح القواعد والمدارك والبحار إلى الأكثر (٥) ، بل عن الغنية الإجماع عليها (٦).
للمستفيضة ، منها : صحيحة محمد : « يصلّى على الجنازة في كلّ ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع وسجود ، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود » (٧).
والمروي في العلل : « لا ينبغي لأحد أن يصلّي إذا طلعت الشمس ، لأنها
__________________
(١) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٣٦.
(٢) الروضة ١ : ١١٠ ، الدروس ١ : ١٠١ ، المسالك ١ : ٩.
(٣) التهذيب ١ : ٣٩١ ـ ١٢٠٧ ، الوسائل ٢ : ٣٦٤ أبواب الحيض ب ٤٩ ح ٨. دأب فلان في عمله ، أي جدّ وتعب ـ الصحاح ١ : ١٢٣.
(٤) الاقتصاد : ٢٥٦ ، المبسوط ١ : ٧٦ ، الخلاف ١ : ٥٢٠.
(٥) المنتهى ١ : ٢١٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٤ ، المدارك ٣ : ١٠٥ ، البحار ٨٠ : ١٥٢.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.
(٧) الكافي ٣ : ١٨٠ الجنائز ب ٥١ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٣٢١ ـ ٩٩٨ ، الاستبصار ١ : ٤٧٠ ـ ١٨١٤ ، الوسائل ٣ : ١٠٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٠ ح ٢.
تطلع بقرني شيطان ، فإذا ارتفعت وصفت فارقها » إلى أن قال : « فإذا انتصف النهار قارنها ، فلا ينبغي لأحد أن يصلّي في ذلك الوقت » (١).
وصحيحة ابن سنان : « لا صلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة » (٢).
وموثّقة الحلبي : « لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس » إلى أن قال : « ولا صلاة بعد العصر حتى يصلّى المغرب » (٣) وقريبة منها رواية ابن عمّار (٤).
وصحيحة ابن بلال : كتبت إليه في قضاء النافلة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن [ تغيب الشمس ] فكتب : « لا يجوز ذلك إلاّ للمقتضي ، فأمّا غيره فلا » (٥).
والمروي في مجالس الصدوق : « نهى عن الصلاة في ثلاث ساعات : عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند استوائها » (٦).
وفي السرائر : قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إنّ يونس كان يفتي الناس عن آبائك عليهمالسلام أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فقال : « كذب ـ لعنه الله ـ على أبي » (٧).
__________________
(١) علل الشرائع : ٣٤٣ ـ ١ ، الوسائل ٤ : ٢٣٧ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٩.
(٢) التهذيب ٣ : ١٣ ـ ٤٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٢ ـ ١٥٧٦ ، الوسائل ٧ : ٣١٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٨ ح ٦.
(٣) التهذيب ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ٤ : ٢٣٤ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١.
(٤) التهذيب ٢ : ١٧٤ ـ ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦٦ ، الوسائل ٤ : ٢٣٥ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٢.
(٥) التهذيب ٢ : ١٧٥ ـ ٦٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩١ ـ ١٠٦٨ ، الوسائل ٤ : ٢٣٥ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٣ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : يغيب الشفق ، وما أثبتناه من المصدر.
(٦) أمالي الصدوق : ٣٤٧ ، الوسائل ٤ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٦.
(٧) مستطرفات السرائر : ٦٣ ـ ٤٤ ، الوسائل ٤ : ٢٣٩ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١٤.
وفي المجازات النبوية : عن النبي : « إذا طلع حاجب الشمس فلا تصلّوا حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلّوا حتى تغيب » (١).
ثمَّ إنّ ظاهر غير الأولين وإن كان التحريم إلاّ أنه معارض مع غيره الدالّ على الجواز ، كرواية ابن فرج : « صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت ، وصلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت » (٢).
ورواية سليمان : عن قضاء الصلاة بعد العصر ، قال : « نعم إنما هي من النوافل فاقضها متى شئت » (٣) دلّت بعموم التعليل على جواز جميع النوافل.
والمروي في الفقيه مقطوعا (٤) ، وفي الاحتجاج وإكمال الدين عن صاحب الزمان عليهالسلام : « أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع عند قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان ، فما أرغم أنف الشيطان شيء مثل الصلاة ، فصلّها وأرغم الشيطان » (٥).
وتؤكّده الروايات الكثيرة العامية (٦) ، المتضمّنة لفعل النبي ركعتين بعد
__________________
(١) المجازات النبوية : ٣٧٤ ـ ٢٩٠ ، المستدرك ٣ : ١٤٦ أبواب المواقيت ب ٣٠ ح ٢.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٥ ـ ١٠٩١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٩ ـ ١٠٥٩ ، الوسائل ٤ : ٢٣٥ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١١.
(٣) التهذيب ٢ : ١٧٣ ـ ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٩٠ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ٤ : ٢٤٣ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ١١.
(٤) وهذه الرواية وإن لم تكن في الفقيه مسندة إلاّ أنه أسندها إلى مشايخه ، وهو يدل على استفاضتها ، مع أن كونهم مشايخه كاف في اعتبار الرواية ، وقد ذكر المشايخ في كتاب إكمال الدين. منه رحمه الله تعالى.
(٥) الفقيه ١ : ٣١٥ ـ ١٤٣١ ، الاحتجاج : ٤٧٩ ، إكمال الدين : ٥٢٠ ـ ٤٩ ، الوسائل ٤ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٨.
(٦) انظر : سنن البيهقي ٢ : ٤٥٨ ، وسنن أبي داود ٢ : ٢٥ ـ ١٢٧٩ ، وسنن النسائي ١ : ٢٨١ ، وصحيح البخاري ١ : ١٥٣.
العصر ، وفي بعضها : إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتركهما سرّا وعلانية.
ثمَّ إنّ تلك الروايات ـ مع موافقتها للشهرة العظيمة ، بل للإجماع في التذكرة على أن هذه النواهي إنما هي للكراهة (١) ، والمحكي في المختلف على الجواز (٢) ، بل المحقق على ما قيل من عدم نصوصية عبارات المحرّمين في التحريم (٣) ، وللعمومات والإطلاقات ـ موافقة لقوله سبحانه ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى ) (٤). ومخالفة لطريقة العامة ، فإنهم في غاية التشديد في المنع ، كما يستفاد من أخبار الأطياب ، وبه صرّح جملة من الأصحاب (٥). ومع ذلك بعضها متأخّرة من جميع الروايات المخالفة وأحدث منها ، وكل ذلك من المرجّحات المنصوصة.
هذا ، مع أن الأخيرة من روايات المنع ضعيفة ، وحجيتها غير ثابتة.
والسابقين عليها وإن كانتا في الأصول المعتبرة وهو عندنا عن اعتبار السند مجز ، إلاّ أنّهما لمخالفتهما لعمل الصدوق والحلّي اللذين هما صاحبا الأصلين معزولان عن الحجية.
والسابقة عليهما خارجة عن محل النزاع ، لورودها في قضاء النافلة الذي هو من ذوات الأسباب ، فيعارض كلّ مجوّزاتها التي هي أكثر عددا وأصح سندا وأوضح دلالة منها. وتفسير المقتضي بالقاضي للنوافل حتى يصير من أخبار موضع النزاع ويتخلّص عن التعارض المذكور لا دليل عليه ، وإطلاق المقتضي عليه غير معلوم ، وإرادة الداعي المرجّح للفعل أو ذي الحاجة الذي أراد قضاءها ممكنة ،
__________________
(١) التذكرة ١ : ٨٠.
(٢) المختلف : ٧٦.
(٣) الرياض ١ : ١١٢.
(٤) العلق : ٩ و ١٠.
(٥) انظر المختلف : ٧٦ ، التذكرة ١ : ٨٠ ، المدارك ٣ : ١٠٨.