وإن قدر على القرب انحرف إلى الصواب ، مثاله : إذا عرف أن قبلته يسار المشرق والسماء متغيمة ، فتوجه إلى جهة ظن أنها اليسار ، وانجاب الغيم بحذائه وظهر كوكب قريب من الأفق ، فقد يعلم الخطأ يقينا إذا ظهر له أنه مشرق أو مغرب.
ثم قد يعرف الصواب على القرب ، بأن يرتفع الكوكب ، فيعلم أنه مشرق أو ينحط فيعلم أنه مغرب ، ويترتب على ذلك معرفة القبلة ، وقد يعجز بأن يستمر انطباق الغيم.
هذا كله إذا كان بين التيامن والتياسر. وأما إذا كان مستدبرا فإنه يستأنف الصلاة ، لئلا يجمع في صلاة واحدة إلى جهتين.
فروع :
الأول : إذا صلى بالاجتهاد ، ثم دخل عليه وقت أخرى ، أو أراد قضاء فائتة ، احتمل وجوب تجديد الاجتهاد واختاره الشيخ سعيا في إصابة الحق ، فإن الاجتهاد الثاني إن وافق الأول تأكد الظن ، وإن خالفه فكذلك ، لأن تغير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى من الأمارة الأولى ، وآكد الظنين أقرب إلى اليقين. ويحتمل عدمه ، إذ الأصل استمرار الظن الأول ، فيجري عليه إلى أن يظهر خلافه.
وكذا الاحتمالان في طلب الماء في التيمم ، وفي المفتي إذا استفتى عن واقعة فاجتهد وأجاب ، ثم استفتى مرة أخرى عنها. وفرق بين تجديد الطلب وتجديد الاجتهاد ، فإن تجديد الطلب مخصوص بما إذا لم يبرح من مكانه ، فإن الطلب في موضع لا يفيد معرفة العدم في آخر ، ولا يختص تجديد الاجتهاد بذلك المكان ، لأن أكثر أدلة القبلة سماوية لا تختلف بالمسافات القريبة.
الثاني : لو أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين ، عمل كل على اجتهاده ، ولا يقتدي أحدهما بالآخر ، لأن كل واحد منهما مخطئ عند صاحبه.
ولو اتفق اجتهادهما فأم أحدهما صاحبه ، ثم تغير اجتهاد المأموم في الأثناء ،
فعليه أن يفارقه وينحرف إلى الجهة الثانية ، ولا يستأنف إلا مع الاستدبار. ولو تغير اجتهاد الإمام ، انحرف أو استأنف على التفصيل ، وفارقه المأموم مستمرا على حاله.
ولو اختلف اجتهادهما في التيامن والتياسر والجهة واحدة ، فإن أوجبنا على المجتهد استقبال عين الكعبة ، فكالاختلاف في الجهة ، فلا يقتدي أحدهما بصاحبه ، وإن اكتفينا باتحاد الجهة فلا بأس.
الثالث : لو شرع المقلد في الصلاة بالتقليد ، فقال له عدل : أخطأ بك من قلدته ، فإن كان قوله عن اجتهاد ، استمر ، إن كان قول الأول أرجح ، إما بزيادة عدالته أو معرفته بأدلة القبلة ، فإن الأقوى لا يرفع بالأضعف. وإن تساويا أو جهل الترجيح استمر ، وهل له الرجوع إلى الثاني؟ إشكال. وإن كان قول الثاني أرجح فهو كتغير اجتهاد البصير.
ولو أخبره بعد الفراغ لم يلزمه الإعادة وإن كان قوله أرجح ، كما لو تغير اجتهاده بعد فراغه. وإن كان قوله عن علم ، وجب الرجوع إليه ، لاستناده إلى اليقين ، واعتماد الأول على الاجتهاد. ولا فرق بين أن يكون قول الثاني أصدق عنده أو لا.
الرابع : لو قال للأعمى : أنت مستقبل للشمس أو مستدبر. والأعمى يعرف أن قبلته ليست صوب المشرق ولا المغرب ، فيجب قبول قوله ، ويكون بمنزلة ما لو تيقن المجتهد الخطأ في أثناء الصلاة ، فيلزمه الاستيناف.
ولو قال له الثاني : إنك على الخطإ قطعا ، فكذا يجب قبول قوله ، لأن قبول قطعه أرجح من ظن الأول ، فجرى مجرى الأخبار عن محسوس. وهذا القاطع بالخطإ قد يخبر عن الصواب قاطعا به ، وقد يخبر عنه مجتهدا.
وعلى التقديرين يجب الرجوع إليه ، لبطلان تقليد الأول بقطعه ، ولا يمكن أن يكون قطعه بالخطإ عن اجتهاد ، فإن الاجتهاد لا يفيد القطع.
ولو أخبره الثاني عن الخطإ ولم يخبره عن الصواب هو ولا غيره ، فهو كتخيير المجتهد في أثناء الصلاة.
الخامس : لو اجتهد فأدى اجتهاده إلى جهة ، فصلى إلى غيرها ، لم تصح صلاته ، وإن ظهر أنها القبلة ، لأنه مأمور على اجتهاده ولم يفعل ، فيبقى في عهدة التكليف.
السادس : لو صلى باجتهاد ، فعمي في الأثناء استمر ، لأن اجتهاده أولى من اجتهاد غيره ، فإن استدار استدرك إن تمكن ، وإلا أبطلها وبحث وقلد.
وإن شرع فيها وهو أعمى ، فأبصر في أثنائها ، فإن ظهر له الصحة أو خفي الأمر استمر ، لأنه دخل مشروعا. ولو ظهر البطلان استدار إن كان يسيرا ، وإلا استأنف.
السابع : ذو الرأسين والبدنين ولو اختلف وضعاهما ، احتمال تعدد الصلاة عليهما ، ليوقع كل واحد منهما الصلاة مستقبلا مع المكنة. وعدمه ، لأصالة البراءة ، وإن كانا اثنين. أما في الجمعة ، فلا يجب التعدد قطعا.
المطلب الخامس
( في ما يستقبل له )
الاستقبال للقبلة منه واجب في مواضع : الأول فرائض الصلاة. الثاني بالذبيحة عند الذبح. الثالث بالميت عند احتضاره وتغسيله والصلاة عليه ودفنه. ومنه مستحب ، كالجلوس للقضاء والدعاء. ومنه حرام عند البول والغائط.
والبحث هنا عن الأول ، ولا خلاف في وجوب الاستقبال مع التمكن في فرائض الصلاة على كل مكلف. ويسقط حالة الخوف. وهل يجب الاستقبال في النافلة؟ إشكال ، أقربه ذلك. ويسقط حالة الخوف والسفر. ولا فرق بين جميع الفرائض ، كالصلوات اليومية والطواف والكسوف والنذر والقضاء والجنائز.
ولا يجب في سجود التلاوة ، وسجود الشكر ، بل في قضاء السجدة وسجدتي السهو.
ولا تجوز الفريضة على الراحلة مع اختلال الاستقبال إجماعا ، سواء تمكن من استيفاء الأفعال أو لا.
ولو استقبل فالأقرب الجواز للامتثال. ويحتمل المنع ، لعموم النهي عن الصلاة على الراحلة.
وكذلك لا تجوز صلاة الجنائز على الراحلة ، لأن الركن الأعظم فيها القيام ، والأقرب صحة الفريضة على بعير معقول ، أو أرجوحة معلقة بالحبال ، كما تجوز في السفينة الجارية. والحركات الكثيرة ليست صادرة عنه ، لأنه حركة بالعرض.
ولا فرق في سقوط الاستقبال في النافلة بين المسافر سفرا طويلا أو قصيرا ، ولو في البلد ، لاحتياج المقيم إلى التردد في دار إقامته. ولا بين الراكب والماشي ، جمعا بين المصلحة الناشئة من مداومة الطاعة وقضاء الوطر في المهام والمصالح.
وتجوز الفريضة على الراحلة مع الضرورة لغير الخوف ، لأنه عليهالسلام صلى الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر (١). ولا تجب الإعادة للامتثال المسقط لما في الذمة. وكذا المريض العاجز عن الحركة ، لقول الصادق عليهالسلام : لا يصلي على الدابة إلا مريض (٢).
وإذا صلى على الراحلة فرضا مع الضرورة ، وجب أن يستقبل القبلة ما أمكنه ، ويحرف الدابة لو انحرفت مع المكنة ، فإن عجز عنه ولم يتمكن من النزول ، صلى إلى أي جهة تمكن للضرورة. ولا تجب الإعادة ، لأصالة البراءة ، ويجب عليه في كل حال من أحوال الصلاة الاستقبال مع المكنة.
وإن صلى نفلا مع الاختيار ، توجه إلى حيث توجهت دابته وإن تمكن من الاستقبال ، لسقوط فرضه حينئذ ، ولأنه عليهالسلام كان يصلي في السفر على راحلته ، حيث توجهت به (٣) ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يوتر على راحلته (٤).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٣٨ ح ٨.
(٢) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٣٦ ح ١.
(٣) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٣ ح ٢٢ و ٢٤.
(٤) وسائل الشيعة ٣ ـ ٢٤٣ ح ٢١.
ولو اضطر إلى الفريضة على الراحلة ، والدابة إلى القبلة ، فحرفها عمدا لا لحاجة ، بطلت صلاته ، لأنه ترك الاستقبال اختيارا. وإن كان لجماع (١) الدابة ، فإن لم يتمكن من الانحراف ، لم يبطل وإن طال ، سواء انحرف يسيرا أو كثيرا أو استدبر.
ولو صلى نفلا وصرف وجه الدابة عن الطريق عمدا لم يبطل صلاته وإن كان لا لغرض.
ولو ركب مقلوبا واستقبل القبلة ، صح في الفرض والنفل ، بل يجب مع المكنة.
ولا فرق في النوافل بين الرواتب وغيرها ، فيجوز أن يصلي العيدين نفلا ، والاستسقاء والطواف نفلا على الراحلة.
ولا فرق بين الدابة والسفينة ، فيجوز أن يتنفل في السفينة حيث توجهت ، وإن تمكن من الاستقبال. أما لو كان في كنيسة على دابة أو هودج وتمكن من الاستقبال ، فإنه لا يجب في النفل.
فروع :
الأول : المفترض على الراحلة للضرورة يستقبل القبلة ما أمكنه ، فإن لم يتمكن استقبل بتكبيرة الإحرام ، ليكون ابتداء الصلاة على صفة الكمال ، فإن عجز سقط.
والمتنفل كذلك استحبابا ولا يجب ، لأن تكليف الاستقبال يشق عليه ويشوش سيره.
الثاني : إذا لم يتمكن من الاستقبال ، جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة ، لأن المصلي لا بد من أن يستمر على جهة واحدة لئلا يتوزع فكره ، وجعلت تلك الجهة جهة الكعبة لشرفها ، فإذا عدل عنها لحاجة السير ، فليلزم الجهة التي قصدها ، محافظة على المعنى المقتضي للاستمرار على الجهة الواحدة.
__________________
(١) جمح جمحا وجموحا الفرس : تغلب على راكبه وذهب به.
ثم الطريق في الغالب لا يستمر على نهج واحد ، بل لا بد فيه من معاطف يلقاها السالك يمنة ويسرة ، فيتبعه كيف كان للحاجة.
الثالث : راكب التعاسيف وهو الهائم الذي يستقبل تارة ويستدبر أخرى ، يتنفل كغيره كيف شاء.
الرابع : لو انحرف عن صوب الطريق ، أو حرف الدابة عنه عمدا قصدا لم يبطل تنفله ، لسقوط فرض الاستقبال حالة الركوب. وجعله مستقبلا لجهة المقصد (١) إرفاقا به ، إذا لا مائز بين ما عدا القبلة من الجهات. وهل صوب المقصد في الفريضة كالقبلة؟ إشكال.
الخامس : المصلي إلى القبلة لو أماله إنسان عنها قهرا وطال الزمان ، احتمل البطلان ، لفقد الشرط. والصحة ، لزوال التكليف عند الإكراه ، فأشبه الراكب.
السادس : من ترك الاستقبال عمدا ، بطلت صلاته ، وأعاد في الوقت وخارجه بإجماع العلماء ، لانتفاء الشرط. ولو صلى ظانا ثم ظهر الخطأ ، فإن كان بين المشرق والمغرب وهو في الصلاة استدار ، وإن تبين بعده لم يعد إجماعا ، لقوله عليهالسلام : ما بين المشرق والمغرب قبلة (٢).
وإن ظهر أنه صلى إلى المشرق أو المغرب ، أعاد في الوقت ، للإخلال بالشرط مع بقاء الوقت ، ولا يعيد خارجه ، لأن القضاء تكليف ثان والأصل عدمه.
أما الناسي فقد ألحقه الشيخ رحمهالله بالظان في وجوب الإعادة في الوقت لا خارجه ، والأقرب إلحاقه بالعامد ، لتفريطه بالنسيان.
السابع : تجوز الصلاة في السفينة الواقفة والسائرة فرضا وفضلا ، والأفضل الشرط مع التمكن. فإن صلى فيها وجب القيام والاستقبال مع
__________________
(١) في « ق » القصد.
(٢) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٢٨ ح ١.
المكنة ، فإن تعذر صلى جالسا كيف اتفق. ولو تعذر أحدهما ، سقط ووجوب الآخر.
فإذا تمكن من الاستقبال فدارت السفينة ، فليدر معها ويستقبل القبلة. فإن تعذر استقبل بتكبيرة الإحرام ، ثم يصلي كيف ما دارت.
ويجوز التنفل إلى رأس السفينة عند تعذر الاستقبال ، لقول الصادق عليهالسلام : تصلي النافلة مستقبل صدر السفينة ، وهو مستقبل القبلة إذا كبر ، ثم لا يضره حيث دارت (١).
الثامن : المصلي على الدابة إذا تمكن من استيفاء (٢) الأركان من قيام وركوع وسجود ، وجب في الفريضة امتثالا للأمر. ولو تنفل صلى كذلك مستحبا. فإن أومأ بالركوع والسجود ، كان كالمصلي على الأرض بالإيماء.
ولو لم يتمكن من استيفاء الأفعال أومأ بالركوع والسجود. ولا يجب عليه وضع الجبهة على عرف الدابة أو السرج ، لما فيه من المشقة وخوف الضرر من نفور الدابة.
ويجعل السجود أخفض من الركوع واجبا عند التمكن ، والأقرب أنه لا يجب أن يبلغ غاية وسعه في الانحناء.
التاسع : لو اضطر إلى الصلاة فرضا ماشيا جاز للضرورة ، ويستقبل ويأتي بالأركان من الركوع والسجود مع المكنة واجبا ، لتمكنه من أداء الواجب على وجهه ، فلا يخرج عن العهدة بدونه. وعن أي حالة عجز سقطت دون غيرها (٣).
ولو عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما كالراكب للضرورة. وكذا يتشهد ماشيا مع الحاجة.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٣٤.
(٢) في « س » استقبال.
(٣) في « س » : فإن.
ولو عجز عن الاستقبال استقبل بتكبيرة الافتتاح (١) ، ثم صلى إلى مقصده وإن كان مستدبرا للضرورة.
ولو تنفل ماشيا جاز وكان حكمه حكم المتنفل راكبا.
العاشر : يجب على الماشي التحرز عن ملاقاة النجاسة. فلو مشى عليها قصدا ، بطلت صلاته ، إلا أن يلاقيها بخفه أو جرموقه (٢) فلا بأس.
ولو انتهى إلى نجاسة ولا معدل له عنها واضطر إلى السلوك فيها جاز ، لكثرة النجاسات في الطرق (٣) ، وتكليف التحفظ يشوش عليه غرض السير.
الحادي عشر : لا يجب عليه الاحتراز عن الأفعال التي لا يحتاج إليها ، فلو ركض الدابة لغير عذر ، أو كان ماشيا فعدى لغير ضرورة ، فالوجه الجواز ، لأنه نوع من المشي والركوب ، وهما سائغان مطلقا.
الثاني عشر : المربوط إلى الخشبة ومن شد وثاقه على الأرض ، يصلي على حسب حاله بالإيماء ولا يعيد للامتثال. وكذا الغريق.
__________________
(١) في « س » : الإحرام.
(٢) الجرموق : ما يلبس فوق الخف الصغير ليقيه من الطين ، وتسميه العامة « الكالوش ».
(٣) في « س » : الطريق.
الفصل السادس
( في الأذان والإقامة )
وفيه مطالب :
المطلب الأول
( الحكم )
الأذان لغة : الإعلام. وشرعا أذكار معروفة مخصوصة تتضمن الإعلام بأوقات الصلوات والدعاء إليها.
وليس من فروض الأعيان بالإجماع ، بل من فروض الكفايات عند أكثر علمائنا ، لأنه للإعلام والدعاء إلى الصلاة ، فصار كقوله « الصلاة » في العيدين. ولأنه عليهالسلام جمع بين الصلاتين وأسقط الأذان من الثانية (١) والجمع سنة ، فلو كان الأذان واجبا لما تركه للسنة.
ولقول الباقر عليهالسلام لما سئل في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في صلاته : فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة (٢). ولأنه مما تعم به البلوى فلو كان واجبا لاشتهر ، ولوقع الإنكار على تاركه في جميع الأعصار.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٢٢ ح ٦.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٦ ح ١.
وللسيد قول : بوجوب الأذان والإقامة على الرجال خاصة دون النساء ، في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر. ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة ، ويجب عليهم الإقامة في باقي الصلوات المكتوبات.
وعند الشيخ : إنهما واجبان في صلاة الجماعة. نعم لو داوم أهل بلد على تركه ، قوتلوا على ذلك إن لم يمتثلوا الأمر به ، على إشكال. لأنه من شعائر الإسلام.
وفيه فضل كثير وثواب جزيل.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة (١).
وقال عليهالسلام : ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة ، يغبطهم الأولون والآخرون : رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة. ورجل يأم قوما وهم به راضون. وعبد أدى حق الله وحق مواليه (٢).
وقال عليهالسلام : من أذن اثنا عشر سنة وجبت له الجنة ، وكتب له بكل أذان ستون حسنة ، وبكل إقامة ثلاثون حسنة (٣).
وقال عليهالسلام : من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة ، وجبت له الجنة (٤).
وقال الباقر عليهالسلام : من أذن سبع سنين احتسابا ، جاء يوم القيامة ولا ذنب له (٥).
والإمامة أفضل من التأذين ، لأنه عليهالسلام فعل الإمامة ولم يشتغل بالأذان والإقامة ، بل قام بهما غيره (٦).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦١٦ ح ٢١ ، صحيح مسلم ١ ـ ٢٩٠.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦١٥ ح ١٢ و ٢.
(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ٢٤١.
(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦١٣ ح ١.
(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦١٣ ح ٣.
(٦) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٩ ح ٢.
ويبعد أن يترك الأفضل لغيره. ولأن الإمام يحتاج إلى معرفة أحوال الصلاة. والقيام بما يحتاج إليه الإمامة (١) وتحصيل الفضيلة. ولهذا قيل : إنه ضامن والمؤذن أمين ، والضامن أكثر عملا من الأمين ، فيكون ثوابه أكثر.
والإقامة أفضل من الأذان ، لشدة تأكيد استحباب الطهارة والاستقبال والقيام وغير ذلك في الإقامة على الأذان.
واعلم : أن الأذان وحي من الله تعالى عند أهل البيت عليهمالسلام على لسان جبرئيل عليهالسلام ، لقول الصادق عليهالسلام : لما هبط جبرئيل بالأذان على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان رأسه في حجر علي عليهالسلام ، فأذن جبرئيل وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا علي سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت قال : نعم ، قال : ادع بلالا فعلمه ، فدعى علي عليهالسلام بلالا وعلمه (٢).
ولأنه أمر مشروع وعبادة مؤيدة مستفادة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال تعالى ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٣).
المطلب الثاني
( في صفاته )
الأذان عند علمائنا ثمانية عشر فصلا : التكبير من أوله أربع مرات ، ثم باقي الفصول مثنى ، فيعقب التكبير بالشهادة بالتوحيد مرتين ، ثم بالشهادة بالرسالة مرتين ، ثم بالدعاء إلى الصلاة مرتين ، ثم بالدعاء إلى الفلاح مرتين ، ثم بالدعاء إلى خير العمل مرتين ، ثم بالتكبير مرتين ، ثم بالتهليل مرتين. لأن أبا محذورة قال قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان؟ قال تقول : الله أكبر ، فذكر أربع مرات (٤).
__________________
(١) في « س » الإقامة.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦١٢ ح ٢.
(٣) سورة النجم : ٣.
(٤) جامع الأصول ٦ ـ ١٩١.
وتواتر النقل عن أهل البيت عليهمالسلام في وصف الأذان بما ذكرناه ، وهم أعرف بكيفيات العبادات ، لأن الوحي في بيتهم نزل ، وأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بلالا بأن يشفع الأذان. يدل على تثنية التهليل ، وقول الصادق عليهالسلام لما وصف الأذان : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله (١). ولأنه كغيره من الفصول ، فكان مثنى بخلاف التكبير في أوله ، لوقوعه ابتداء حالة الغفلة ، ولشدة الاهتمام بالتكبير ، ولهذا جعلت فصوله مكررة في أوله وآخره.
والإقامة عند علمائنا سبعة عشر فصلا ، كالأذان مثناة ، إلا أنه يسقط من التكبير في أولها مرتان ، ومن التهليل في آخرها مرة ، ويزاد بعد « حي على خير العمل » « قد قامت الصلاة » مرتان ، لقول أبي محذورة : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علمه الإقامة سبعة عشرة كلمة (٢) ، وقول الصادق عليهالسلام : الإقامة مثنى مثنى (٣).
وقد ورد استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات ، وفي أول الإقامة كذلك ، وفي آخرها أيضا ، وتكرار التهليل في آخرها مرتين.
ولا يجوز قول « إن عليا ولي الله » و « آل محمد خير البرية » في فصول الآذان ، لعدم مشروعيته.
ويجوز في حال الاستعجال والسفر إفراد الفصول ، لما فيه من الجمع بين فضيلة الأذان وقضاء مهام السفر. قال الحذاء : رأيت الباقر عليهالسلام يكبر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلا (٤).
وقال الباقر عليهالسلام : الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الآذان واحدا واحدا والإقامة واحدة (٥).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٤ ح ٩.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٢ ح ١ ، جامع الأصول ٦ ـ ١٩١.
(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٢ ح ٤.
(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٠ ح ٤.
(٥) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٠ ح ٢.
وتثنية الإقامة أفضل من أفراد الأذان والإقامة ، لأنها تكون عبادة تامة ، ولأن الإقامة أفضل ، فكذا آحاد الفصول. وقال الصادق عليهالسلام : لئن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا (١).
والترتيب شرط في الأذان والإقامة ، فلو أخل به لم يأت بالمأمور به ، لأن جبرئيل عليهالسلام نزل به مرتبا ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علمه (٢) مرتبا فيتبع ، ولأنه لو لم يكن لها ترتيب خاص لا ورث اختلال الإعلام والإبلاغ. فلو عكس الكلمات لم يعتد بها معكوسة ، ويبنى على القدر المنتظم.
ولو أخل بالترتيب ناسيا فكالعامد ، لأنه لا وجود للمشروط بدون شرطه كترك الطهارة ، ولقول الصادق عليهالسلام : من سها في الأذان فقدم أو أخر ، أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره (٣). ولو ترك بعض الكلمات من خلاله أتى به وأعاد ما بعده.
ولو نذر الأذان والإقامة ، فلم يرتب فيهما ، لم يخرج عن العهدة ووجب عليه الإعادة ، وكما أن فصول الأذان والإقامة مرتبة. فكذا الأذان متقدم على الإقامة.
ويشترط الموالاة ، لبطلان غرض الإعلام بطول الفصل ، ويظن السامعون أنه لعب أو تعليم. ولا يضر سكوت لا يفوت الغرض معه.
ولا يبطل الأذان بالكلام في خلاله ، لأنه ليس بأكثر (٤) من الخطبة ، وهي لا تبطل به ، لكن ينظر إن كان يسيرا لم يضر ، كما في الخطبة ، وكما في السكوت اليسير ، سواء رفع الصوت به أو لا. ولو تكلم طويلا فكالسكوت الطويل.
ولو أغمي عليه ، أو نام في خلاله ، فإن كان يسيرا وزال عن قرب ، لم
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٩ ح ٢.
(٢) في « ق » عمله.
(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٦٢ ح ١.
(٤) في « س » و « ر » بآكد.
يضر وجاز البناء عليه. وإن طال بطل. ويحتمل في الإغماء الاستيناف وإن قصر ، لخروجه عن التكليف.
ولو ارتد في الأثناء ، لم يجز البناء عليه في الردة ، لعدم الاعتداد بأذان الكافر. ولو عاد إلى الإسلام ، فالأقوى عدم جواز البناء ، لأنهما عبادة واحدة ، فتبطل بعروض الردة كالصلاة وغيرها. ويحتمل الجواز ، لأن الردة إنما تمنع من العبادة في الحال ، ولا تبطل ما مضى إلا إذا اقترن بها الموت ، والصلاة لا تقبل الفصل.
وكل موضع لا يحكم ببطلان الأذان فيه يجوز البناء على أذانه ، ويجوز لغيره البناء عليه ، لأنه يجوز صلاة واحدة بإمامين ، ففي الأذان أولى.
ولو ارتد بعد الفراغ من أذانه ثم أسلم وأقام جاز ، لكن يستحب أن لا يصلي بأذانه وإقامته ، بل يعيد غيره الأذان والإقامة ، لأن ردته تورث شبهة في حاله.
ولو تكلم في خلال الإقامة استأنفها ، لوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل ، فكان لها حكمها ، ولقول الصادق عليهالسلام : لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة.
ويشترط فيه النية ، لأنها عبادة فتفتقر إليها.
ويكره أشياء :
الأول : الترجيع وهو تكرار الشهادتين مرتين أخيرتين (١) ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : الأذان مثنى (٢).
ولم يذكر الترجيع عبد الله بن زيد الذي استندوا الأذان إليه. ولأن الباقر والصادق عليهمالسلام حكيا الأذان ولم يذكرا الترجيع.
__________________
(١) في « ق » و « س » آخرين.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٣.
ولو أراد المؤذن تنبيه غيره أو إشعاره جاز له ، لقول الصادق عليهالسلام : لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة ، أو في « حي على الصلاة » أو في « حي على الفلاح » المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس (١).
الثاني : التثويب عندنا بدعة ، وهو قول « الصلاة خير من النوم » في صلاة الغداة وغيرها ، لأن عبد الله بن زيد لم يحكه في الأذان الذي تعلمه من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا أهل البيت عليهمالسلام حكوه لما وصفوا أذان الملك عليهالسلام.
الثالث : لا يستحب أن يقول بين الأذان والإقامة « حي على الصلاة ، حي على الفلاح » لأنه لم يثبت في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال : كل محدث بدعة.
الرابع : الكلام مكروه خلال الأذان ، ويتأكد في الإقامة ، لئلا ينقطع توالي ألفاظه ، فإن تكلم في الأذان لم يعيده ، عامدا كان أو ناسيا ، إلا أن يخرج عن مظنة الموالاة. ولا يكره لو كان لمصلحة الصلاة ، لأنه سائغ في الإقامة ، ففي الأذان أولى.
الخامس : لا إعراب أواخر الفصول في الأذان والإقامة ، لقول الباقر عليهالسلام. الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر (٢). وقال النخعي : شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة. ولاستحباب الترتيل فيه ، فيؤذن ذلك بالوقوف في مواضعه. وكل فصل منفرد بنفسه غير متعلق بغيره ، فيستحب الوقوف عليه ، ولا إعراب مع الوقف.
ويستحب في الأذان أمور :
الأول : رفع الصوت به ، لقوله عليهالسلام ، يغفر للمؤذن مد صوته ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٢.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٩ ح ٢.
ويشهد له كل رطب ويابس (١). ولأن القصد فيه الإعلام ، وهو يكثر برفع الصوت ، فيكون النفع به أتم ، ولا يجهد نفسه للمشقة.
ثم إن كان يؤذن لنفسه لم يتأكد الاستحباب في المبالغة ، لأن الغرض منه الذكر دون الإعلام. ولا يقتصر على إسماع النفس ، لأنه يمنع من كون المأتي به أذانا وإقامة ، فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده لو حضر.
وقد ورد أن رفع الصوت بالأذان في المنزل ينفي العلل والأسقام ويكثر النسل ، فإن هشام بن إبراهيم شكا إلى الرضا عليهالسلام سقمه ، وأنه لا يولد له ، فأمره برفع صوته بالأذان في منزله قال : ففعلت فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي (٢). قال محمد بن راشد وكنت دائم العلة ما أنفك منها في نفسي وجماعة خدمي ، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به ، فأذهب الله عني وعن عيالي العلل.
وإن كان يؤذن للجماعة رفع الصوت أكثر ، فإن كانوا غيابا ازداد في الرفع. فإن أسر به فالأولى استحباب إعادته ، وكذا لو أسر ببعض فصوله. والرفع في الإقامة دون الرفع فيه ، لأنها للحاضرين.
وهذا الاستحباب في حق الرجال دون النساء ، صونا لصوتهن عن السماع.
الثاني : الترتيل في الأذان ، بأن يتمهل فيه. مأخوذ من قولهم : جاء فلان على رسله ، أي على هيئته من غير عجلة ، ولقوله عليهالسلام : إذا أذنت فرتل (٣). وأما الإقامة فيستحب فيه الإحدار ، لأن المقصود إعلام الحاضرين بافتتاح الصلاة ، ولقول الباقر عليهالسلام والإقامة حدر (٤).
الثالث : يستحب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة ، أو سجدة ، أو
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦١٥ ح ١١.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤١ ح ١.
(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٢ ح ٣.
(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٩ ح ٢.
سكتة ، أو خطوة ، إلا المغرب فإنه يفصل بينهما بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، لضيق وقتها. وفي الظهرين يجوز بصلاة ركعتين ، لقوله عليهالسلام لبلال : اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته (١).
وقال الصادق عليهالسلام : بين كل أذانين قعدة ، إلا المغرب فإن بينهما نفسا (٢). وكان الصادق والكاظم عليهماالسلام يؤذن للظهر على ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر (٣). ولأن الأذان للإعلام فيستحب الانتظار ، ليدرك الناس الصلاة وتحصل غايته.
الرابع : الدعاء إذا فصل بغير الصلاة والسكوت بما روي أنه يقول : إذا جلس بعد الأذان « اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر رسول الله قرارا ومستقرا » (٤).
المطلب الثالث
( في محله )
لا يستحب الأذان والإقامة لشيء من النوافل ، سواء كانت راتبة أو لا ، وسواء سن فيها الجماعة كالعيدين مع اختلال الشرائط والاستسقاء أو لا ، لعدم النقل عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنه صلاها من غير أذان وإقامة.
لكن ينادي لصلاة العيدين والكسوف والاستسقاء « الصلاة » ثلاثا. وهل يستحب هذا النداء في صلاة الجنازة؟ إشكال ، ينشأ : من عموم الأمر به ، ومن الاستغناء بحضور المشيعين.
وكذا لا يؤذن في شيء من الفرائض غير الخمس ، كالمنذورة والعيدين مع الشرائط والجنازة والكسوف لما تقدم.
__________________
(١) جامع الأصول ٦ ـ ٢٠٠.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٢ ح ٧.
(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٦٧ ح ٥.
(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٤ ح ١ ب ١٢.
ولو أذن في هذه المواضع كان مبدعا.
ومحله ليس إلا لصلوات الخمس اليومية والجمعة ، سواء المنفرد والجامع ، لقوله عليهالسلام لأبي سعيد الخدري : إنك رجل تحب الغنم والبادية ، فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك ، فإنه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر إلا شهد لك يوم القيامة (١). وهو على إطلاقه يتناول رجاء حضور جمع أولا.
ولا فرق بين الأداء والقضاء ، لقوله عليهالسلام : من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (٢). ولأن ما يسن للصلاة في أدائها يسن في قضائها كسائر الأذكار.
ويتأكد الاستحباب في الأداء ، وآكد منه فيما يجهر فيه بالقراءة ، ومنه الغداة والمغرب ، لقول الصادق عليهالسلام : لا تدع الأذان في الصلوات كلها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنه ليس فيهما تقصير (٣).
وقال الباقر عليهالسلام : إن أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار الأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان (٤).
ولو كان عليه قضاء صلوات كثيرة لم يتأكد استحباب تكرير الأذان ، بل يجوز أن يؤذن لأول ورده ويقيم ، ثم يكرر الإقامة مع كل صلاة.
ولو اقتصر في الإقامة على الجميع أجزأه.
ولو جمع بين صلاتين أذن للأولى منهما وأقام ، ويقيم للثانية خاصة ، سواء كان في وقت الأولى أو الثانية ، وفي أي موضع كان ، لأن الصادق عليهالسلام روى أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين (٥).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٤٠ ما يدل على ذلك.
(٢) عوالي اللئالي ٣ ـ ١٠٧.
(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٢٤ ح ٣.
(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٢٣ ح ١.
(٥) جامع الأصول ٦ ـ ١٨٤.
ويسقط الأذان للعصر يوم الجمعة ، لأن الجمعة تجمع صلاتاها ، وتسقط ما بينهما من النوافل ، ولقول الباقر عليهالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع بين الظهرين بأذان وإقامتين وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين (١).
وكذا يسقط لو جمع بين الظهرين بعرفة والعشاءين بمزدلفة ، لقول الصادق عليهالسلام : السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان (٢).
ولأن الأذان للإعلام بدخول الوقت ، فإذا صلى في وقت الأولى أذن لوقتها ثم أقام للأخرى ، لأنه لم يدخل وقت تحتاج إلى الإعلام به. وإن جمع في وقت الثانية ، أذن لوقت الثانية وصلى الأولى ، لترتب الثانية عليها ، ثم لا يعاد الأذان للثانية.
ويسقط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الجماعة الأولى عن المسجد ، لأنهم مدعوون بالأذان الأولى وقد أجابوا بالحضور ، فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان. ومع التفرق تصير كالمستأنفة ، ولقول الصادق عليهالسلام : إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان الصف تفرق أذن وأقام (٣).
ويستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم ، لكن لا يسمع الرجال ، لأن عائشة كانت تؤذن وتقيم. ولقول الصادق عليهالسلام : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله (ص) ، لما سئل عن المرأة تؤذن (٤). ولأنه ذكر في جماعة فاستحب كالرجال ، لكنه في حق الرجال آكد. ويجوز للمنفردة أيضا ويجزيها التكبير والشهادات.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٦٥ ح ٢.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٦٥ ح ١.
(٣) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٣ ح ٢.
(٤) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٣٧ ح ١.
ولو أذنت للرجال لم يعتد به ، لأنه عورة ، فالجهر به منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد. ولو كانوا أقارب فالوجه الجواز. ولا تؤذن الخنثى المشكل للرجال ، لجواز أن تكون امرأة.
ولا يسقط استحباب الإقامة ، لأنها استفتاح للصلاة واستنهاض للحاضرين ، فاستوى فيها الرجال والنساء.
ولو سمع الإمام أذان منفرد ، جاز أن يستغني به عن أذان الجماعة ، لأن الباقر عليهالسلام صلى جماعة بغير أذان ولا إقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك (١).
أما لو أذن بنية الانفراد ، ثم أراد أن يصلي جماعة ، يستحب له الاستيناف ، لقول الصادق عليهالسلام : ولكن يؤذن ويقيم (٢).
المطلب الرابع
( في المؤذن )
صفات المؤذن تنقسم : إلى ما هي شرط ، وإلى ما هي مستحبة فيه. فالشرط أمور :
الأول : العقل فلا يصح أذان المجنون المطبق ، ولا من يعتوره حالة الجنون (٣) ، لأنه ليس أهلا للعبادة. ولو طرأ الجنون في الأثناء فالأقرب جواز البناء لو عاد عقله سريعا ، ولغيره أن يبني على ما تقدم ، لوقوعه على وجهه. والمغمى عليه كالمجنون.
أما السكران المخبط فالأقرب إلحاقه بالمجنون ، تغليظا للأمر عليه. ولو كان في أول النشوة ومبادئ النشاط ، صح أذانه كسائر تصرفاته ، لانتظام قصده وفعله.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٩ ح ٢.
(٢) وسائل الشيعة ٤ ـ ٦٥٥ ح ١ ب ٢٧.
(٣) في « ق » و « ر » جنونه.