أيوب صبري باشا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٢
يقضون بجانبها لياليهم متعبدين حتى الصباح والمسجد الذى بنى فيما بعد مكشوف الجانب من الناحية الشامية.
١٤ ـ بئر سقيا :
البئر الرابعة عشرة من الآبار المكرمة بئر سقيا التى فى داخل القرية التى يطلق عليها فى الجاهلية قناد وتقع هذه البئر على يسار المتوجهين إلى قرية بئر على وفى داخل حجر منحوت.
وكانت بئر سقيا قد تخربت مع مرور الأيام ، ولما عمرها وجددها أحد أهل الخير من طائفة الأعاجم فى سنة ٧٧٨ ه فهى تعرف فى زماننا ب «بئر الأعاجم» وفى الجهة الشامية من هذه البئر مبنى حيث ينصب الحجاج الكرام خيامهم ويستريحون. وكانت زوجة الرسول أمنا عائشة ـ رضى الله عنها ـ تجلب الماء من هذه البئر وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشرب من ماء تلك البئر.
١٥ ـ بئر العقبة :
وينسب ماؤها للنبى صلى الله عليه وسلم وهى البئر الخامسة عشرة من الآبار المقدسة ، يقول بعض المؤرخين إن النبى صلى الله عليه وسلم جلس على حافة هذه البئر مدليا قدميه فيها وأجلس أبا بكر وعمر على طرفيه وعثمان أمامه. ولكن ناقل الواقعة وكان حارس النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم وهو أبو موسى الأشعرى ـ رضى الله عنه ـ ينسب تلك الواقعة إلى بئر أريس فليزم أن يكون قول المؤرخين هذا غير صحيح إلا أنه يمكن أن يكون اسم بئر العقبة اسما آخر لبئر أريس ، أو أن الواقعة تكررت فى البئر الثانية.
١٦ ـ بئر عتبة :
هى البئر السادسة عشرة من الآبار المكرمة وتقع على ميل واحد من المدينة المنورة فى جهة مكة المكرمة وفوق حرة بئر السقيا. وقد نظم النبى صلى الله عليه وسلم ، غزاة بدر فى هذا الموضع ، وفصل الأطفال عن الجيش وأعادهم إلى المدينة المنورة. يقول بعض المؤرخين إن المسلمين فى غزوة بدر عند ذهابهم باتوا فى بئر السقيا
وعند عودتهم باتوا فى ساحة بئر أبى عتبة. وماء هذا البئر أعذب من جميع آبار الوادى وتعرف بين الناس ب «بئر الوادى».
١٧ ـ بئر العهن :
البئر السابعة عشرة من الآبار المقدسة. وتقع فى قرية بنى أمية الأنصارى وفى أعلى جهة بالمدينة وكان قديما بجوار هذه البئر شجرة تسمى السدرة ثم قطعت هذه الشجرة وسويت أرضها وأصبحت حقلا. والبئر المذكورة فى سفح الجبل وماؤها عذب فرات ، ولكن موقعها اليوم غير معلوم. ويقال إنها بئر يسيرة التى سيأتى ذكرها فيما بعد.
١٨ ـ بئر غرس :
هى البئر الثامنة عشرة ، تقع على بعد ميل أو نصف ميل من الجانب الشرقى الشمالى لمسجد قباء. وكان الماء يجلب للنبى صلى الله عليه وسلم من بئر غرس يوما ومن بئر السقيا يوما آخر. وقد غسل جثمان النبى صلى الله عليه وسلم بماء بئر غرس ، فقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قائلا «غسلونى بسبعة قرب من ماء بئر غرس».
وعرض تلك البئر المقدسة عشرة أذرع وعرضها أزيد من طولها وماؤها عذب بارد ورجحان عذوبة مائها وأفضليته ثابتة بالحديث النبوى الشريف. إذ بين فضل مائها ومزيتها قائلا : «إننى رأيت فى رؤياى أننى سأصبح فى الصباح بجانب بئر من آبار الجنة» ولما أصبح الصبح وجدتنى بجانب بئر غرس» ، وتوضأ ذلك اليوم وألقى بصاقه فى داخل البئر. وبهذا سكب ما أهدى له من العسل المصفى فى داخل البئر.
وتخربت بئر غرس ، ولم تعد صالحة للشرب منها ، وفى خلال عام سبعمائة جددت وبعد مائة واثنين وثمانين عاما اشترى السيد حسين بن الشهاب أحمد القاوانى ما حول البئر من حقول وأحاط البئر بسور وصنع حديقة للنخيل وأنشأ سلما للنزول فى البئر وبنى مسجدا وفتح طريقا واسعا للدخول إلى المسجد من الخارج ثم وقفها للمارين وعابرى السبيل. ظلت تلك الحديقة المذكورة عامرة ما
ما يقرب من مائة وثمانية عشر عاما. وانتفع المارة والعابرون بها ودعوا لواقفها ولكن للأسف قد سد طريقها الخارجى فأبطل وقف حسين بن الشهاب.
١٩ ـ بئر القراضة :
التاسعة عشرة من الآبار المباركة بئر القراضة. وهذه البئر فى داخل حديقة والد جابر بن عبد الله الواقعة فى الجانب الغربى لمسجد الفتح. قد توضأ النبى صلى الله عليه وسلم بماء هذه البئر وصلى فى ساحة مسجد الخربة.
معجزة :
عندما مات والد جابر بن عبد الله كان قد ترك ديونا كثيرة وترك أمر تسديد هذه الديون لجابر. فأراد جابر أن يعطى حديقة نخيل بئر القراضة بثمارها للدائنين. إلا أنه لم يستطع أن يرضى الدائنين بهذا الشكل ، فحكى الموضوع للنبى صلى الله عليه وسلم بشكل يثير رحمة السامع واستمد العون من النبى صلى الله عليه وسلم. فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن ذهب إلى حديقة بئر القراضة وألقى بصاقه المبارك فى البئر ودعا الله أن يخلص جابرا من دين أبيه عبد الله ، وبناء على ذلك زادت محاصيل تلك الحديقة سنة بعد سنة وكانت سببا فى تسديد الديون. ولكن لشدة الأسف فتلك الحديقة انتقلت من يد إلى أخرى ، مع مرور الزمن وأهملت حتى لم يبق أحد يعرف مكانها فى زماننا.
٢٠ ـ بئر القريضة :
هى البئر العشرون من الآبار المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن تكون هى بئر القريضة التى تقع بالقرب من بئر القراضة ، أو أن القريضة تصغير القراضة ، وعلى ذلك تكون كلتاهما بئرا واحدة ، ويروى كذلك أن خاتم النبى صلى الله عليه وسلم وقع فى هذه البئر.
٢١ ـ بئر اليسيرة :
هى البئر الحادية والعشرون من الآبار المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويسيرة بمعنى
سهلة. قيل إن النبى صلى الله عليه وسلم جلس على حافة بئر فى قرية بنى أمية ابن زيد ، وسأل عن اسمها ، فقالوا «عسيرة» فأجاب قائلا : «كلا كلا يسيرة إن شاء الله». وتفل فيها ودعا لها بالخير والبركة وتوضأ وهذا وجه تسميتها ـ قال فاضل العشقى.
لينظم القلم الدر فى سمط الشعر وليجعل للمصطفى ألف بئر |
|
ومن بئر أعواف بضم الهمزة ومن بئرى أنا اشرب |
وكذا من بئر أنس وهو النبى من صحب |
|
وكذلك بئر إهاب وبصة وبئر بضاعة وماؤها شفاء |
ذكرت كذلك بئر جاسوم والجمل رفعت عن سرها الخفاء |
|
وكذا بئر حاء حلوة وبئر ذرع ورومة |
فلتذكر وادع الله إن كنت عن بئر السقيا تخبر |
|
وبئر عهن وعقبة وبئر عنبسة |
وبئر غرس إذا ما ذكرن ذلك |
|
أما بئر قراضة وقريضة وبئر اليسير |
كلها ما سمعت ولا رأيت من ينكر فضلها
وقد ثبت أن عدد الآبار غير المكررة تسعة عشر بئرا ولكن مع مرور الزمن لم يبق أحد يعرف مكان اثنتى عشرة منها فحصر أهل المدينة الآبار المأثورة فى سبعة آبار. وأسماء تلك الآبار فى الأبيات الآتية. لمؤلفه العبد لله.
نظم
فى المدينة يا صاح (١) سبع من الآبار |
|
ولها بريق النبى المبارك إيثار |
__________________
(١) صاح : مخفّف : يا صاحبى.
وكلما تباعد عصر السعادة زاد سكان المدينة واقتضى تطور المزروعات ـ بناء على حاجة الناس ـ حفر المزيد من الآبار ؛ فحفر الأسلاف فى جوانب المدينة الأربعة كثيرا من الآبار ، واستصلحوا الأراضى لتكون صالحة للزراعة وأنبتوا كثيرا من المزروعات. وكما كانت هذه المزارع منها قوية خصبة ومنها ضعيفة قليلة الإنتاج بالنسبة لبعضها البعض ، وكانت الآبار كذلك منها ما هو عذب الماء ومنها ما هو مر الماء مالح. والآبار المشهورة اليوم بئر قويم ، بئر العباسة ، بئر صفية ، بئر البويرة ، بئر العصبة ، بئر العسيلية ، بئر المبعوث ، بئر رومة ، بئر قطعة ، بئر مغيسيلة ، بئر فاطمة ، بئر عروة. وبئر قويم مع بئر عباسة وبئر صفية وبئر البويرة فى قرية قباء ومياه بعضها ألذ وأعذب بالنسبة للأخرى. وبئر عسيلية من آبار قرية العوالى. وليست فى هذه القرية بئر ماؤها أعذب من ماء بئر عسيلية ، وبما أن بئر مبعوث فى الجهة القبلية من ناحية عريضى وفى وسط مجرى سيل مهزور فهى أعذب الآبار فى الحرة الشرقية على الإطلاق وأعظمها ، وبئر رومة من الآبار القديمة وقف عثمان بن عفان. وبئر فاطمة ألطف ماء من جميع الآبار ، وبئر عروة أعذب ماء من جميع الآبار والعيون والمياه الجارية. وبما أن هذه البئر فى مجرى وادى العقيق كان الأهالى يهدون ماءها للملوك لعذوبة مياهها كما أن أصحاب المزاح يدعون أن ماءها ألذ وأعذب من ماء عين زرقاء. |