مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٨
تأديبا ، فالحدث هنا ملفوظ به ، (أو مقدرا) نحو ما جاء في حديث محمود ابن لبيد الأشهلي : (قالوا : ما جاء بك يا عمرو ، أحدبا على قومك ، أم رغبة في الإسلام؟ «، فالحدث المعلل هنا مقدر ، أي : أجئت حدبا ، قوله : (والفاعل تحقيقا) كالمثال الأول ، (أو تقديرا) كقوله تعالى : (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا) (١) ، أي : يجعلكم ترون ، ففاعل الرؤية هو فاعل الخوف والطمع في التقدير» (٢).
ويلاحظ عليه : أنه لا ضرورة لأن يذكر في متن التعريف تقسيم الحدث إلى ظاهر أو مقدر ، وتقسيم الفاعل إلى محقق أو مقدر ، إذ إن ذلك ليس من الذاتيات التي يتوقف عليها بيان حد المفعول له ، ولعله لأجل ذلك حذفه ابن الناظم (ت ٦٨٦ ه) ، وقال : المفعول له «هو المصدر المذكور علة لحدث شاركه في الزمان والفاعل» (٣).
وقد تابعه على هذا التعريف كل من الأزهري (ت ٩٠٥ ه) (٤) ، وابن عقيل (ت ٧٦٩ ه) (٥) مع اختلاف يسير في عبارة هذا الأخير.
وعرفه الرضي (ت ٦٨٦ ه) بأنه : «المصدر المقدر باللام المعلل به حدث شاركه في الفاعل والزمان» (٦).
ويلاحظ أن إدخاله قيد (المقدر باللام) في متن التعريف إظهار منه
__________________
(١) سورة الروم ٣٠ : ٢٤.
(٢) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، محمد بن عيسى السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ١ / ٤٦١.
(٣) شرح ابن الناظم على الألفية : ١٠٦.
(٤) شرح الأزهرية : ١١٠.
(٥) شرح ابن عقيل على الألفية ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ١ / ٥٧٤.
(٦) شرح الرضي على الكافية ١ / ٥١٠.
لمخالفته ابن الحاجب في ما ذهب إليه من «أن تقدير اللام شرط في انتصاب المفعول له ، لا شرط كون الاسم مفعولا له ، فنحو : للسمن ، ولإكرامك الزائر ، في قولك : جئت للسمن ولإكرامك الزائر ، عنده مفعول له على ما يدل عليه حده ، وهذا كما قال في المفعول فيه : إن شرط نصبه تقدير (في) ، وما ذهب إليه في الموضعين وإن كان صحيحا من حيث اللغة ، لأن السمن فعل له المجئ ، لكنه خلاف اصطلاح القوم ، فإنهم لا يسمون المفعول له إلا المنصوب الجامع للشرائط» (١).
وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) بتعريفين :
أولهما : إن المفعول له «هو المصدر الفضلة المعلل لحدث شاركه في الزمان والفاعل» (٢).
وثانيهما : «هو كل مصدر معلل لحدث شاركه وقتا وفاعلا» (٣).
وفرق التعريف الأول عن الثاني احتواء الأول على قيد (الفضلة) الذي لم يذكر المؤلف وجه تقييد الحد به ، ولعله مجرد قيد توضيحي لا احترازي ، ولأجل ذلك لم يذكره في التعريف الثاني ، إلا أنه يؤخذ عليه عدم تقييد المصدر بكونه منصوبا ، احترازا عن شمول التعريف للمصدر المعلل المخفوض.
وعرفه الفاكهي (ت ٩٧٢ ه) بقوله : المفعول له هو «المصدر القلبي
__________________
(١) شرح الرضي على الكافية ١ / ٥١٠.
(٢) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد : ٢٢٦.
(٣) شرح قطر الندى وبل الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد : ٢٢٦.
الفضلة ، المعلل لحدث شاركه وقتا وفاعلا» (١).
وقيده بالقلبي ، تبعا لمن اشترط «كونه من أفعال القلب (٢) ، قال : لأنه الحامل على إيجاد الفعل ، والحامل على الشئ متقدم عليه ، وأفعال الجوارح ـ كالضرب والقتل ـ تتلاشى ولا تبقى حتى تكون حاملة على الفعل ، وأما أفعال الباطن كالعلم والخوف والإرادة ، فإنها تبقى» (٣).
وأورد عليه الرضي : «أنه إن أراد وجوب تقدم الحامل وجودا فممنوع ، وإن أراد تقدمه أما وجودا أو تصورا ، فمسلم ، ولا ينفعه ، وينتقض ما قال بجواز نحو : جئتك إصلاحا لأمرك ، وضربته تأديبا ، اتفاقا» (٤).
ويلاحظ إن بعض النحاة وإن ذهب إلى اشتراط كون المفعول له مصدرا قلبيا ، إلا إنه يرى أن هذا الشرط مستغنى عنه بشرط اتحاد الزمان ، لأن أفعال الجوارح لا تجتمع في الزمان مع الفعل المعلل " (٥).
وختاما تجدر الإشارة إلى أن هذا البحث إنما يجري على مذهب نحاة البصرة ، وأما الكوفيون والزجاج من البصريين فقد ذهبوا إلى اعتبار
__________________
(١) شرح الحدود النحوية ، الفاكهي ، تحقيق محمد الطيب الإبراهيم : ١٦١.
(٢) لعل أول من قيده بكونه فعلا قلبيا ابن الخباز والرندي كما في شرح الحدود النحوية ـ للفاكهي ـ : ١٦١ ، وشرح التصريح على التوضيح ـ للأزهري ـ ١ / ٢١٥ ، وذهب إليه كل من الأشموني في شرحه على الألفية ١ / ٢١٥ ، والأزهري في شرح التصريح على التوضيح ١ / ٣٣٤ ، والسيوطي في همع الهوامع ٣ / ١٣١.
(٣) شرح الرضي على الكافية ١ / ٥١٢ ، شرح التصريح على التوضيح ١ / ٣٣٤.
(٤) شرح الرضي على الكافية ١ / ٥١٢.
(٥) أـ حاشية الملوي على شرح المكودي : ٦٩.
ب ـ شرح التصريح على التوضيح ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.
المفعول له مفعولا مطلقا ، ولأجل ذلك لم يعقدوا له بابا وعنوانا مستقلا ، استغناء عن ذلك بباب المفعول المطلق (١).
* * *
__________________
(١) شرح المفصل ٢ / ٥٤ ، شرح الرضي على الكافية ١ / ٥٠٨ ، همع الهوامع ٣ / ١٣٣ ، الفوائد الضيائية ١ / ٣٧٤ ، شرح التصريح على التوضيح ١ / ٣٣٧ ، حاشية الصبان على شرح الأشموني ٢ / ١٢٢ ، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٩٤.
من ذخائر التراث
مقدمة التحقيق :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الناشر في الخلق فضله ، والباسط فيهم بالجود يده ، نحمده في جميع أموره ، ونصلي على خير خلقه ، وسيد رسله محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ونسأل الله العلي القدير أن يثبتنا على ولاية الرسول الأمين وولاية أهل بيته الأكرمين ، عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ، والبراءة من أعدائهم الأولين والآخرين ، وأن يميتنا على محبتهم ، وأن يعرف بيننا وبينهم يوم القيامة ، إنه سميع مجيب.
وبعد :
قد وردت أحاديث جمة في تعريف محبتهم عليهمالسلام وأهميتها وثوابها ، وعقاب من تركها ، وإليك طائفة منها على الترتيب التالي :
فضل حبهم عليهمالسلام :
روى الشيخ الكليني ـ رضوان الله عليه ـ في الكافي ، عن الحكم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر عليهالسلام والبيت غاص بأهله ، إذ أقبل شيخ
يتوكأ على عنزة (١) له ، حتى وقف على باب البيت ، فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم سكت ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه السلام ، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليهالسلام ثم قال : يا بن رسول الله! أدنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم ، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا ، والله إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إني لأحل حلالكم ، وأحرم حرامكم ، وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟!
فقال أبو جعفر عليهالسلام : إلي إلي. حتى أقعده إلى جنبه ، ثم قال : أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليهالسلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه ، فقال له أبي عليهالسلام : إن تمت ترد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقر عينك ، وتستقبل بالروح والريحان ، مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسك ، هاهنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى.
فقال الشيخ : كيف قلت يا أبا جعفر عليهالسلام؟! فأعاد عليه الكلام ، فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر! إن أنا مت أرد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى
__________________
(١) العنزة : عصا في قدر نصف الرمح أو أكثر ، فيها سنان مثل سنان الرمح ، وقيل : في طرفها الأسفل زج كزج الرمح يتوكأ عليها الشيخ الكبير. لسان العرب ٥ / ٣٨٤ مادة «عنز».
علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهمالسلام ، وتقر عيني ، ويثلج قلبي ، ويبرد فؤادي ، وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ، لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا ، وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني ، فأكون معكم في السنام الأعلى؟
ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر عليهالسلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق (١) عينيه وينفضها.
ثم رفع الشيخ رأسه ، فقال لأبي جعفر عليهالسلام : يا بن رسول الله! ناولني يدك جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبلها ، ووضعها على عينيه وخده ، ثم حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثم قام فقال : السلام عليكم.
وأقبل أبو جعفر عليهالسلام ينظر في قفاه وهو مدبر ، ثم أقبل بوجهه على القوم ، فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
فقال الحكم بن عتبة : لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس (٢).
حبهم عليهمالسلام لا يباع :
تعال معي لنأخذ الدروس والمواقف من السلف الصالح الذين أحبوا
__________________
(١) الحماليق : واحدها : «حملاق» ، وهي العين ، بالكسر والضم كعصفور ، باطن أجفانها الذي يسود بالكحلة ، أو ما غطته الأجفان من بياض المقلة أو باطن الجفن الأحمر ، الذي إذا قلب للكحل رأيت حمرته ، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن. القاموس المحيط ٣ / ٢٢٤ مادة «حملاق».
(٢) الكافي ٨ / ٧٦ ح ٣٠.
أهل البيت عليهمالسلام حبا خالصا من كل دغش ، وليس فيه أية شائبة ومصلحة كي يباع بالصفر والبيض أو بشئ آخر ، وإليك هذا الموقف الذي وقفه أبو الأسود الدؤلي (١) مع معاوية حيث روي أن معاوية أرسل إليه هدية منها حلواء ، يريد بذلك استمالته وصرفه عن حب علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فدخلت ابنة صغيرة له ـ خماسي أو سداسي ـ عليه ، فأخذت لقمة من تلك الحلواء وجعلتها في فمها ، فقال لها أبو الأسود : يا بنتي! ألقيه فإنه سم ، هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، ويردنا عن محبة أهل البيت ، فقالت الصبية : قبحه الله ، يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر ، تبا لمرسله وآكله ، فعالجت نفسها حتى قاءت ما أكلته ، ثم قالت :
أبالشهد المزعفر يا بن |
|
هند نبيع عليك أحسابا ودينا |
معاذ الله كيف يكون هذا |
|
ومولانا أمير المؤمنينا (٢) |
وقال العلامة المجلسي رحمهالله : رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا : روي أنه دخل أبو أمامة الباهلي على معاوية ، فقربه وأدناه ثم دعا بالطعام ، فجعل يطعم أبا أمامة بيده ، ثم أوسع رأسه ولحيته طيبا بيده ، وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه ، ثم قال : يا أبا أمامة! بالله أنا خير أم علي بن أبي طالب؟ فقال أبو أمامة : نعم ولا كذب ، ولو بغير الله سألتني لصدقت ، علي والله خير منك ، وأكرم وأقدم إسلاما ، وأقرب إلى رسول الله قرابة ، وأشد في المشركين نكاية ، وأعظم عند الأمة غناء ، أتدري من علي يا معاوية؟!
__________________
(١) وهو من الشعراء الفصحاء ، ومن الطبقة الأولى من شعراء الإسلام ، وكان من سادات التابعين وأعيانهم ، صحب عليا عليهالسلام ، وشهد معه وقعة صفين.
(٢) أنظر : سفينة البحار ٤ / ٣٢١.
ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وزوج ابنته سيدة نساء العالمين ، وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وابن أخي حمزة سيد الشهداء ، وأخو جعفر ذي الجناحين ، فأين تقع أنت من هذا يا معاوية؟!
ظننت أني سأخيرك على علي بألطافك وطعامك وعطائك ، فأدخل إليك مؤمنا وأخرج منك كافرا؟! بئس ما سولت لك نفسك يا معاوية ، ثم نهض وخرج من عنده ، فأتبعه بالمال فقال : لا والله ، لا أقبل منك دينارا واحدا (١).
حبهم عليهمالسلام ينفع في مواطن كثيرة :
إن لمحبتهم عليهمالسلام فوائد جمة ، منها في دار الدنيا ، ومنها في دار القرار ، فإليك بعض ما روي في ذلك :
ذكر الديلمي في أعلام الدين رواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال لأمير المؤمنين عليهالسلام : بشر شيعتك ومحبيك بخصال عشر ، أولها : طيب مولدهم ، وثانيها : حسن إيمانهم ، وثالثها : حب الله لهم ، والرابعة : الفسحة في قبورهم ، والخامسة : نورهم يسعى بين أيديهم ، والسادسة : نزع الفقر من بين أعينهم وغنى قلوبهم ، والسابعة : المقت من الله لأعدائهم ، والثامنة : الأمن من البرص والجذام ، والتاسعة : انحطاط الذنوب والسيئات عنهم ، والعاشرة : هم معي في الجنة وأنا معهم ، فطوبى لهم وحسن مآب (٢).
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٢ / ١٧٩.
(٢) أعلام الدين : ٤٥٠.
وروي عن جابر ، عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال : من أحب الأئمة من أهل بيتي ، فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ، فلا يشكن أحد أنه في الجنة ، فإن في حب أهل بيتي عشرين خصلة : عشر في الدنيا ، وعشر في الآخرة ..
أما في الدنيا : فالزهد ، والحرص على العمل ، والورع في الدين ، والرغبة في العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشاط في قيام الليل ، واليأس مما في أيدي الناس ، والحفظ لأمر الله عزوجل ونهيه ، والتاسعة : بغض الدنيا ، والعاشرة : السخاء.
وأما في الآخرة : فلا ينشر له ديوان ، ولا ينصب له ميزان ، ويعطى كتابه بيمينه ، وتكتب له براءة من النار ، ويبيض وجهه ، ويكسى من حلل الجنة ، ويشفع في مائة من أهل بيته ، وينظر الله إليه بالرحمة ، ويتوج من تيجان الجنة ، والعاشرة : دخول الجنة بغير حساب ، فطوبى لمحب أهل بيتي (١).
وذكر الحافظ رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين رواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال : إن حب أهل بيتي ينفع من أحبهم في سبعة مواطن مهولة : عند الموت وفي القبر ، وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف ، وعند الحساب ، وعند الميزان ، وعند الصراط ، فمن أحب أن يكون آمنا في هذه المواطن فليوال عليا بعدي ، وليتمسك بالحبل المتين ، وهو علي بن أبي طالب وعترته من بعده ، فإنهم خلفائي وأوليائي ، علمهم علمي وحلمهم حلمي ، وأدبهم أدبي ، وحسبهم حسبي ، سادة الأولياء ، وقادة الأتقياء ، وبقية الأنبياء ، حربهم حربي ، وعدوهم
__________________
(١) أعلام الدين : ٤٥١.
عدوي (١).
حبهم عليهمالسلام يسأل عنه يوم القيامة :
نقل ابن شهرآشوب عن تفسير الثعلبي رواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت.
وعن كتاب منقبة المطهرين عن ابن عباس ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : والذي بعثني بالحق لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب عليهالسلام (٢).
ثواب حبهم عليهمالسلام ونصرهم :
ذكر الحميري في قرب الإسناد رواية عن الإمام الصادق عليهالسلام ، قال : إن حبنا أهل البيت ليحط الذنوب عن العباد ، كما تحط الريح الشديدة الورق عن الشجر (٣).
وذكر الشيخ الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا عليهالسلام رواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : أربعة أنا شفيعهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض : معين أهل بيتي ، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه ،
__________________
(١) مشارق أنوار اليقين : ٥٩.
(٢) المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ ٢ / ١٧٥.
(٣) قرب الإسناد : ٢٩ ح ١٢٦.
والمحب لهم بقلبه ولسانه ، والدافع عنهم بيده (١).
لا تقبل الأعمال إلا بولايتهم عليهمالسلام :
ومهما أفنى المرء عمره في طاعة الله عزوجل وعبادته حتى يكون كالشن البالي ، ولم يأت بولاية أهل البيت عليهمالسلام ، والبراءة من أعدائهم ، لم ينفعه من ذلك شئ .. وإليك ما ذكره الشيخ المفيد في الأمالي ، رواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : أيها الناس! الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله بودنا دخل الجنة بشفاعتنا ، فوالذي نفس محمد بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفتنا وولايتنا (٢).
وفي المحاسن للبرقي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : لو أن عبدا عبد الله ألف عام ، ثم ذبح كما يذبح الكبش ، ثم أتى ببغضنا أهل البيت لرد الله عليه عمله (٣).
وفي البصائر للصفار ، عن الثمالي ، قال : خطب أمير المؤمنين عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله اصطفى محمدا بالرسالة وأنبأه بالوحي ، فأنال في الناس وأنال ، وفينا أهل البيت معاقل العلم ، وأبواب الحكمة ، وضياء الأمر ، فمن يحبنا منكم نفعه إيمانه ويقبل منه عمله ، ومن لم يحبنا منكم لم ينفعه إيمانه ولا يقبل منه عمله (٤).
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ / ٢٥٩ ح ١٧.
(٢) الأمالي ـ للشيخ للمفيد ـ : ١٣٩ ح ٤.
(٣) المحاسن ١ / ٢٧ ح ١٣٢.
(٤) بصائر الدرجات : ٣٨٥ ح ١٢.
وفي الأمالي لشيخ الطائفة الطوسي بسنده عن ابن عباس في وصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لبني عمومته فيقول : إني سألت الله عزوجل ثلاثا : أن يثبت قائلكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وسألت الله عزوجل أن يجعلكم جوداء نجباء رحماء ، فلو أن امرءا صف بين الركن والمقام فصلى وصام ، ثم لقى الله عزوجل وهو لأهل بيت محمد مبغض دخل النار (١).
* * *
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٢٤٧ ح ٢٧.
ترجمة المؤلف (١)
اسمه ونسبه :
العالم الجليل ، الفاضل النبيل ، جامع المعقول والمنقول ، ومطبق الفروع على الأصول ، الشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن الشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن الشيخ علي ، الستري أصلا ، البحراني ثم اللنجاوي مسكنا ومدفنا.
مولده :
ولد في قرية «مهزة» من جزيرة «سترة» في بلاد البحرين سنة ١٢٥٦ ه.
دراسته العلمية :
قرأ على والده في المقدمات العربية من النحو والصرف والمنطق والكلام والمعاني والبيان ، وقرأ الفقه والأصول على والده وعلى الشيخ لطف الله الخطي ، وعند العالم المحدث الشيخ عبد علي العصفوري وتخرج على يده.
وعده الشيخ يوسف بن فرج البحراني من تلامذة العلامة الشيخ
__________________
(١) اعتمدنا في إعداد وكتابة هذه الترجمة على المصادر التالية :
أنوار البدرين : ٢٣٦ رقم ١٠٩ ، أعيان الشيعة ٨ / ٢٦٨ ، شهداء الفضيلة : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، منتظم البدرين ـ مخطوط ـ ٣ / ٩٤ ـ ٩٧ ، تاريخ البحرين ـ مخطوط ـ.
سليمان بن عبد الله الماحوزي ، وله اليد الطولى في علم الكلام ، والحكمة النظرية ، والطب ، والأنساب ، واللغة ، والرجال ، وكان مجتهدا صرفا ، كاتبا مترسلا ، حسن الخط ، نقي التعبير نظما ونثرا.
انتقل من البحرين وسكن «مطرح» في زمان والده ، وهدى الله به أهل الديار ، لا سيما الطائفة المعروفة بالحيدرآبادية ، فكانوا ببركته ذوي معرفة ودين وثبات ويقين بعد أن كانوا أصحاب جهل وتهاون بالدين ...
وأقام بها مدة مديدة في غاية الإعزاز والإكرام ، مشتغلا بالتصنيف والعبادة والمطالعة والتأليف ... متصديا لأجوبة المسائل وإيضاح الدلائل ، ثم بعد ذلك حدثت قضية أوجبت خروجه منها ... لهذا خرج من مطرح المطلة على الخليج ... وسكن بلدة لنجة من توابع إيران ، وهناك عمل على تصعيد نشاطه حتى شعر الأعداء بخطره المؤكد فدسوا له السم فقتلوه شهيدا مظلوما صابرا غريبا.
قال مصنف تاريخ البحرين : تصدر القضاوة في اللنجة ، وهو من فضلاء المعاصرين ، ومجاز من علماء عصره ، قال ميرزا حبيب الله الرشتي في إجازته له : قد استجازني العالم الجليل ، والفاضل النبيل ، محقق الحقائق ، ومستخرج الدقائق ، ومهذب القواعد المحكمة ، وموضح الإشارات المبهمة.
وفاته :
توفي رحمهالله في بلدة «لنجة» في شهر جمادى الأولى من سنة ١٣١٩ ه وقيل : في صفر ، وقال الأميني في شهداء الفضيلة : استشهد بالسم.
مدفنه :
قال الشيخ محمد علي آل نشرة في منتظم الدرين : دفن بمقبرة الحرم جنوبا من قرية «جدعلي».
مصنفاته :
١ ـ الأجوبة العلية للمسائل المسقطية.
جمعها ابن أخته الشيخ أحمد بن محمد بن سرحان البحراني ، رتبها على ترتيب كتب الفقه مبدوءة ببعض أصول الدين ، فرغ منها في العاشر من رجب سنة ١٣١٦ ه ، ثم علق آية الله ميرزا تقي الشيرازي ـ المتوفى سنة ١٣٣٨ ه ـ ما هو مطابق لفتاواه على هامش إحدى النسخ المطبوعة بخطه الشريف ، ثم نقلت تلك الفتاوى عن خطه إلى هامش سائر النسخ.
٢ ـ إعجاز القرآن.
٣ ـ ديوان شعر ، يحتوي على اثني عشر ألف بيتا.
٤ ـ رسالة عملية في الطهارة والصلاة.
٥ ـ رسالة في بعض مسائل التوحيد.
٦ ـ رسالة في التقية.
٧ ـ رسالة في الفرق بين الإسلام والإيمان.
٨ ـ رسالة في تحريم التشبيه.
٩ ـ رسالة في المتعة.
١٠ ـ رسالة في نفي الاختيار في الإمامة عقلا ونقلا.