تراثنا ـ العددان [ 50 و 51 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 50 و 51 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

النضر الأزدي ، ومحمد بن الحسن بن الفرج الهمذاني ، ومحمد بن حنيفة ابن ماهان الواسطي ، ومحمد بن القاسم بن هاشم السمسار. روى عنه أبو حفص ابن شاهين ، ذكر أنه سمع منه بالبصرة " (١).

ومحمد بن القاسم بن هشام ، هو : أبو بكر السمسار ، ترجم له الخطيب ، قال : «حدث عن أبيه ... وكان ثقة» (٢).

وأبوه : القاسم بن هاشم ، ترجم له الخطيب أيضا ، قال : «... روى عنه ابنه وأبو بكر ابن أبي الدنيا ، ووكيع القاضي ، ويحيى بن صاعد ، وأبو عبيد ابن المؤمل الناقد ، والقاضي المحاملي ، ومحمد بن مخلد. وكان صدوقا» (٣).

وأما عبد الصمد بن سعيد ، الراوي عن الفضل بن موسى البصري ، مولى بني هاشم ، المتوفى سنة ٢٦٤ ، فأظنه : عبد الصمد بن سعيد الكندي الحمصي ، المتوفى سنة ٣٢٤ ، ترجم له الذهبي ووصفه ب «المحدث الحافظ» (٤).

هذا ، وروى الفقيه المحدث ابن المغازلي الواسطي الشافعي عن أبي محمد الغندجاني بسنده " عن شعبة بن الحجاج ، عن أبي التياح ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أتاني جبريل بدرنوك من درانيك الجنة فجلست عليه ، فلما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني ، فما علمني شيئا إلا علمه علي ، فهو باب مدينة علمي.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٣ / ٢٦١.

(٢) تاريخ بغداد ٣ / ١٨٠.

(٣) تاريخ بغداد ١٢ / ٤٢١.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٦٦.

١٠١

ثم دعاه النبي إليه فقال له : يا علي! سلمك سلمي ، وحربك حربي ، وأنت العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي» (١).

يأخذ بكم الطريق المستقيم :

ومن هنا أوصى الأمة وأرشدهم إليه بقوله في حديث : «وإن تؤمروا عليا ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هاديا مهديا ، يأخذ بكم الطريق المستقيم» (٢).

وقال ـ في ما رواه السيد الهمداني عن ابن عباس ـ : «وإذا خالفتموه فقد ضلت بكم الطرق والأهواء في الغي» (٣).

بل وصفه ب «الطريق في ما روي مسندا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس» (٤).

طاعته طاعة رسول الله :

ولذا كانت طاعته طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه لئن أطاعوه ليدخلن الجنة ، كما في الحديث :

أخرج الحاكم بسنده عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني " قال الحاكم : «هذا

__________________

(١) مناقب أمير المؤمنين : ٥٠.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٠٨.

(٣) مودة القربى ، عنه ينابيع المودة : ٢٥٠ ط تركيا.

(٤) شواهد التنزيل ١ / ٥٧ ، المناقب ـ للخوارزمي المكي ـ ، عنه ينابيع المودة : ١٣٣.

١٠٢

حديث صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي (١).

من فارقه فارق رسول الله :

ولذا كان الفاروق بين الحق والباطل ، كما في الحديث المشهور ، وأن من فارقه فقد فارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في الحديث :

أخرج الطبراني في الأوسط ـ وعنه الهيثمي ـ بإسناده عن بريدة ، في قضية بعث علي عليه‌السلام أميرا على اليمن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، أنه قال : «ما بال أقوام ينتقصون عليا؟!! من تنقص عليا فقد تنقصني ، ومن فارق عليا فقد فارقني ، إن عليا مني وأنا منه ...» (٢).

وأخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «يا علي! من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني» قال الحاكم : «صحيح الإسناد» (٣) وأخرجه البزار ، وعنه الهيثمي ، وقال : «رجاله ثقات» (٤).

علي منه بمنزلته من ربه :

ولذا كان علي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلته من ربه.

فقد أخرج الحافظ المحب الطبري عن ابن عباس ، في حديث " قال

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٢٨.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٣.

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ١٣٥.

١٠٣

أبو بكر : ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : علي مني بمنزلتي من ربي. أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة» (١).

ورواه الذهبي عن ابن مسعود ، بترجمة محمد بن داود الرملي ، فقال : «هذا من وضع هذا الجاهل ، رواه أبو عروبة ، عن مخلد بن مالك السلمسيني ، عنه» (٢)!

فانظر كيف يرد الحديث بلا أي دليل ، وإنما تبعا لهواه!!

باب حطة :

ولذا كان باب حطة ، في ما أخرج الحافظ الدارقطني عن ابن عباس ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «علي باب حطة ، من دخل فيه كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا» (٣).

وأخرجه الحافظ الطبراني في حديث فيه تشبيه أهل بيته بسفينة نوح وبباب حطة في بني إسرائيل (٤).

__________________

(١) ذخائر العقبى : ٦٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ٥٤٠ ، وتبعه ابن حجر في لسانه ٥ / ١٦١.

(٣) الجامع الصغير : ٣٤٦ ح ٥٥٩٢ ، الصواعق المحرقة : ٧٥ ، كنز العمال ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٠.

(٤) المعجم الصغير ١ / ١٣٩.

١٠٤

نتيجة البحث

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف عليا عليه‌السلام ب «الهادي» و «الراية» و «العلم» وغير ذلك من الأوصاف مما ذكرناه وما لم نذكره ، وكلها تشير إلى معنى واحد ومقصد فارد ، وهو كونه «القائد» و «المرشد» و «المتبع» ... للأمة الإسلامية من بعده ... وهذا هو معنى «الإمامة العامة» و «الولاية المطلقة» و «الخلافة العظمى» ..

ومن هذا الباب وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ب «قسيم الجنة والنار» ، وجعله ميزانا ومعيارا يعرف به المؤمن من المنافق والكافر ، والحق من الباطل في أحاديث كثيرة.

وأيضا : فقد كان عليه‌السلام حجة لله تعالى على خلقه في حديث أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (١) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق بأسانيد عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ولم يتكلم في سنده إلا في «مطر» راويه عن أنس ، لكنه من التابعين ، ومن رجال ابن ماجة ، والظاهر من كلماتهم أن السبب في ترك حديثه روايته الفضائل عن أنس بن مالك ، فلا جرح في الرجل ، غير أن رواياته ليست على هواهم ، ولذا لما أورد الذهبي هذا الحديث في (الميزان) قال : «هذا باطل ، والمتهم به مطر ، فإن عبيد الله ثقة شيعي ، ولكنه أثم برواية هذا الإفك» (٣)!

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ٨٨.

(٢) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ـ ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٣) ميزان الاعتدال ٤ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

١٠٥

فمن هذا الكلام يظهر أن عبيد الله بن موسى العبسي ، الراوي عن «مطر» ثقة ، و «مطر» نفسه لم يرم بشئ غير أن الحديث «باطل»!!

أما ابن حجر فلم يورد الرجل في لسان الميزان لكونه من رجال الصحاح الستة.

وعلى الجملة ، فقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف أمير المؤمنين بالإمامة من بعده بشتى الأساليب ، فتارة يصرح في حقه بالإمامة والوصاية ونحوهما ، وأخرى يصفه بالأوصاف المستلزمة لذلك ، وأخرى يشبهه بما يفيده بكل وضوح ... وهكذا.

وبهذا ظهر معنى الآية الكريمة ، ومدلول الحديث الشريف ، وكيفية استدلال أصحابنا بذلك في إثبات الإمامة ...

وتبين الجواب عن التساؤلات المثارة حول الاستدلال ، واندفاع الشبهات المذكورة.

ويبقى الكلام على المعارضات ...

للبحث صلة ...

١٠٦

الحديث المرسل

بين

الرد والقبول

السيد ثامر هاشم العميدي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف الأنبياء وأكرم المرسلين ، وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد :

للحديث الشريف مكانة سامية بين مصادر التشريع عند عموم المسلمين ، إذ لولاه لما قام للشريعة عمود ، ولا اخضر لها عود ، وقد سخر الله عزوجل له من يقيه ويحميه من الحملة الأمناء ، فسمعوه ووعوه وعقلوه وبلغوه أحسن التبليغ.

ولم يزل الحديث الشريف إلى اليوم غضا طريا يحتاج إلى المزيد من عناء العلماء وجهود المخلصين من ذوي الاختصاص للكشف عن خباياه والتعريف بمقاصده وأسبابه ، وتسليط الأضواء على دوره العظيم في حياة الفرد والمجتمع ، مع مضاعفة الجهود لأجل تنقيته مما لحق به ، ونقد

١٠٧

مصطلحه ، وذلك لا يتم إلا بإحياء طريقة علمائنا الماضين في حفاظهم على الحديث وتفانيهم من أجله عن طريق المذاكرة المستمرة فيه ، وإدخاله إلى حلقات الدرس اليومي بشكل منتظم ، لأجل حفظه وفهمه وتطبيقه في مجالات الحياة المختلفة.

فحاجتنا إليه إذن حاجة قصوى تنبع من مكانته وشرفه وخطورته باعتباره أرسى مع صنوه ـ القرآن الكريم ـ القواعد الأساسية السليمة التي ينشدها كل مجتمع ، ويرومها كل فرد يبتغي السعادة في دنياه وآخرته.

ومن هنا تنبثق أهمية تكريس الجهود العلمية في دراسة علومه ومصطلحه دراسة مقارنة يكتشف من خلالها مدى توافق الآراء واختلافها فيما تمس الحاجة إليه ، مع ما فيه من آثار محمودة في إحياء ما دثر أو كاد من تراثنا الإسلامي الخالد.

وقد وفقني الله عزوجل بفضله ومنه إلى بحث الحديث المرسل ، بإطاره الإسلامي العام ، ثم تفصيل الكلام عن مراسيل شيخنا الصدوق (رضي‌الله‌عنه) في كتاب من لا يحضره الفقيه مبينا الصلة الوثقى بينهما في مظان البحث ، ومنه تعالى استمد العون والرشاد ، إنه ولي التوفيق.

١٠٨

المرسل لغة واصطلاحا :

أصل المرسل في اللغة : الإطلاق وعدم المنع ، مأخوذ من قولهم : كان لي طائر فأرسلته ، أي : خليته وأطلقته ، وأرسلت الكلام إرسالا : أطلقته من غير تقييد (١). ومنه قوله تعالى : (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) (٢) ، أي : مطلقا.

ولعله ـ كما قيل ـ مأخوذ من إرسال الدابة ، بمعنى رفع القيد والربط عنها ، فكأن المرسل ـ بإسقاطه الراوي ـ رفع الربط الحاصل بين رجال السند (٣).

وقد يكون مأخوذا من قولهم : جاء القوم إرسالا ، أي متفرقين ، لأن بعض الإسناد منقطع عن بقيته (٤).

وقد يفيد الإرسال لغة معنى الإسراع ، كقولهم : ناقة مرسال ـ والجمع مراسيل ـ أي : سريعة السير (٥) ، فكأن المرسل أسرع في إيراد متن الحديث ولم يكترث بإسناده.

ومع هذا يبقى (الإطلاق) هو الأولى والأنسب ، مع قربه من معنى الإرسال على مصطلح الفريقين ـ كما سيأتي ـ وفيه دلالة على انحدار مصطلح (المرسل) عن أصله اللغوي.

__________________

(١) لسان العرب ٥ / ٢١٥ ، المصباح المنير ١ / ٢٢٦ ، أقرب الموارد ١ / ٤٠٤ ، مادة «رسل».

(٢) سورة مريم ١٩ : ٨٢.

(٣) مقباس الهداية ـ للشيخ عبد الله المامقاني ـ ١ / ٣٣٨.

(٤) النكت على كتاب ابن الصلاح ـ لابن حجر العسقلاني ـ : ١٩٨.

(٥) لسان العرب ٥ / ٢١٣ مادة «رسل».

١٠٩

فالإمامية ـ مثلا ـ إنما يسمون المرسل مرسلا ، لإطلاقه من قيد الإسناد.

كلا : كما لو لم يذكر راوي الحديث واسطة أصلا بينه وبين المعصوم (عليه‌السلام).

أو بعضا : كعدم ذكر بعض الوسائط ، أو التعبير عن أحد الرواة بلفظ مبهم ، مثل : عن رجل ، عن شيخ ، ونحو ذلك.

وهذا هو المنسجم مع تعريفه في مصطلحهم بأنه : «ما رواه عن المعصوم (عليه‌السلام) من لم يدركه ، بغير واسطة ، أو بواسطة نسيها ، أو تركها عمدا أو سهوا ، أو أبهمها ، كعن رجل ، أو بعض أصحابنا (١) ، واحد كان المتروك أو أكثر» (٢). وهذا هو المعنى العام للمرسل.

وسمي المرسل مرسلا عند العامة ، لأن راويه أرسله مطلقا من غير أن يقيده بالصحابي الذي تحمله من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، كما يظهر من تعريفه المشهور عندهم بأنه : «ما سقط عنه الصحابي ، كقول نافع : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : كذا ، أو فعل بحضرته كذا ، ونحو ذلك» (٣). وهذا هو المعنى الخاص للمرسل عند جمهور العامة ، وقد اختار بعضهم معناه العام.

ويظهر واضحا أن المرسل بمعناه العام يشمل أصناف الحديث

__________________

(١) وقع اختلاف في إلحاق الحديث المعبر عن إحدى وسائطه بهذا اللفظ بالمرسل ، فقد ألحقه بالمرسل الشهيد الثاني في شرح البداية في علم الدراية : ٥٠ ، ووافقه الميرزا القمي في قوانين الأصول : ٤٧٨ ، والمشكيني في وجيزته : ٣٦ ، وخالفهم آخرون كالمحقق الداماد في الرواشح السماوية : ١٧٠ ـ ١٧١ ، وغيره.

(٢) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : ١٠٦ ، شرح البداية : ٥٠.

(٣) قواعد التحديث ـ للقاسمي ـ : ١٣٣ ، توضيح الأفكار ـ للصنعاني ـ ١ / ٢٨٤ كما في علوم الحديث ومصطلحه لصبحي الصالح ـ : ١٦٨ ، تقريب النواوي ١ / ١٠٢ ، وشرحه (تدريب الراوي ـ للسيوطي ـ) ١ / ١٠٢.

١١٠

الأخرى كالمرفوع والموقوف والمعلق ـ مع الجهل بالمحذوف ـ والمقطوع والمنقطع والمعضل. وأما المرسل بمعناه الخاص فلا يشمل إلا مرفوع التابعي ، وهو غير صحيح لما سيأتي.

ما يرد على تقييد المرسل بمرفوع التابعي :

هناك جملة من الإيرادات على تقييد المرسل بمرفوع التابعي سواء كان التابعي كبيرا أو صغيرا على خلاف بينهم ، نوجزها بما يأتي :

منها : إن من رأى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وهو صبي غير مميز ، معدود من الصحابة عند العامة ، ولكن لروايته حكم المرسل لا الموصول ، كروايات محمد بن أبي بكر (رضي‌الله‌عنه) ، وهذا من التهافت البين عندهم.

ومنها : إن تخصيص المرسل بمرفوع التابعي إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، لو سلم ابتداء فلا يسلم انتهاء ، لثبوت عصمة أهل البيت (عليهم‌السلام) من القرآن الكريم والسنة المتواترة ودليل العقل ، فلم لا يكون ـ مثلا ـ مرفوع أتباع التابعين إلى سيد أهل البيت وكبيرهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كذلك؟! وهل هذا إلا تفريقا بلا دليل ، وتنكبا عن السبيل.

ومنها : إن مراتب المرسل ودرجاته عند العامة قاضية ببطلان تعريفه المشهور عندهم إذ لا يتفق تخصيصه المذكور مع تلك المراتب بأي وجه من الوجوه ، فقد ذكروا أن أعلى مراتب المرسل هو مرسل الصحابي الذي ثبت سماعه ، ثم يليه في الرتبة عندهم ما أرسله صحابي له رواية فقط ولم يثبت سماعه ، ولو كان المرسل مختصا بمرفوع التابعي لكانت مراتبه لغوا.

ومنها : إن من سمع من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ولم يدخل الإسلام بعد ، ثم أسلم بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، فهذا من التابعين عند العامة بلا خلاف ،

١١١

وحديثه يعد موصولا بلا خلاف بينهم ، كحديث التنوخي رسول هرقل ، الذي أخرج حديثه أحمد وأبو يعلى في مسنديهما وساقاه مساق الأحاديث المسندة (١).

ومن هنا وجد فقهاء وأصوليو العامة مجالا للطعن بالتعريف المشهور للمرسل عند عامة محدثيهم تقريبا ، واختاروا معناه العام ، ولكن من جهة المرسل لا المرسل عنه! وهذا يعني سريان الإيراد الثاني على تعريفهم للمرسل أيضا.

فقد عرفه ابن حزم بقوله : «المرسل من الحديث ، هو الذي سقط بين أحد رواته وبين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ناقل واحد فصاعدا ، وهو المنقطع أيضا» (٢).

وقال الشوكاني : «وأما جمهور أهل الأصول فقالوا : المرسل قول من لم يلق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، سواء كان من التابعين ، أو من تابعي التابعين ، أو ممن بعدهم» (٣).

وقال عبد العزيز البخاري الحنفي : «سمي [المرسل] مرسلا لعدم تقييده بذكر الواسطة التي بين الراوي والمروي عنه» (٤).

وغير خفي بأن التعريفات السابقة للمرسل لا تشمل المرسل الخفي ، وهو نوع من أنواع الحديث ، لا يكشفه إلا الحاذق في هذا الفن لصعوبته وخفائه كما هو واضح من اسمه ، ويراد به : أن يروي الراوي حديثا عن آخر لم يلتق به إطلاقا ولكنه عاصره ، أو أنه التقى به ولكنه لم يسمع منه شيئا

__________________

(١) تدريب الراوي ١ / ١٠٢.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام ـ لابن حزم الأندلسي ـ ٢ / ١٤٣.

(٣) إرشاد الفحول : ٦٤ ، كما في أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء ، د. مصطفى سعيد الخن : ٤٩٨.

(٤) كشف الأسرار عن أصول البزدوي ـ لعبد العزيز البخاري ـ ٣ / ٢.

١١٢

من الأحاديث ، أو أنه سمع شيئا منه ولكنه لم يسمع منه ذلك الحديث بعينه الذي رواه عنه.

ويعرف هذا النوع إما بتصريح أقطاب هذا الفن ، وإما باعتراف من الراوي نفسه ، أو بإنكار المروي عنه وتصريحه بأن الراوي لم يسمع منه ذلك ، وتجري على هذا بعض أسباب الإرسال الآتية من سهو أو نسيان ، وأما العمد فمسقط لعدالته ، وهذا النوع من الإرسال أطلق عليه بعضهم «المزيد في متصل الأسانيد» وعده آخرون نوعا مستقلا وهو الصواب (١).

أسباب الإرسال :

بعد التعرف على معنى المرسل وما يرد على تعريفه الخاص ، يحسن التعرف على أسباب الإرسال ، وهي :

١ ـ استخدام التقية في التحديث ، وهي ظاهرة عامة لا تخص فريقا من المسلمين ، ومما يدلل على وجودها ما قاله يونس بن عبيد ، قال : «سألت الحسن البصري فقلت : يا أبا سعيد! إنك تقول : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)! وإنك لم تدركه؟ فقال : يا ابن أخي لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ، إني في زمان كما ترى ـ وكان في زمان الحجاج ـ كل شئ سمعتني أقوله : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فهو عن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) ، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا (عليه‌السلام(٢).

__________________

(١) للمزيد راجع : تدريب الراوي ٢ / ١٢٠ ، مستدركات مقباس الهداية ـ للشيخ محمد رضا المامقاني ـ ٥ / ٣٦٦ مستدرك رقم ١٢٨.

(٢) تدريب الراوي ١ / ١٠٧ ، قواعد التحديث : ١٤٢ ـ ١٤٣.

١١٣

ونظيره ما وقع في الكافي لثقة الإسلام الكليني بسند معتبر «عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ممن يوثق به ، أن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) تكلم بهذا الكلام وحفظ عنه ... إلى آخره» (١).

وهذا الرجل الثقة لا يعدو كميل بن زياد النخعي (رضي‌الله‌عنه) ، ولكن أبا إسحاق اتقى عليه من سيف الحجاج خصوصا وإن كميل كان من السابقين المقربين إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، وقد عده الأصبغ من ثقاته (عليه‌السلام) ، ولا يبعد أن يكون السبيعي حدث بهذا الحديث قبل استشهاد كميل على يد الطاغية الحجاج ، ويمكن أيضا أن يكون بعد استشهاده للاتقاء على نفسه من معرة الظالمين وطغام الأمويين ، ويؤيد هذا أن حديث الكافي لم يرد موصولا في أي كتاب آخر ، ولم يروه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إلا كميل بن زياد كما في نهج البلاغة (٢).

ومثل كميل (رضي‌الله‌عنه) لا يمكن للسبيعي أن ينساه لولا استخدام التقية في التحديث الذي نتج عنه هذا الإرسال الظاهر.

٢ ـ السهو والنسيان ، ومن أسباب الإرسال سهو المرسل أو نسيانه الواسطة الذي سمع منه الحديث مما يضطر إلى التعبير عنه بلفظ مبهم ، كأن يقول حدثني شيخ ، أو سمعت رجلا من أصحابنا يقول كذا ، ونحو ذلك.

٣ ـ اختصار المحدث للأسانيد أو حذفها لئلا يثقل حمل الكتاب كما نجده في بعض الكتب (٣).

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٣٣٩ ح ١٣ باب ٨٠ من كتاب الحجة.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ ١٨ / ٣٥١.

(٣) مثل كتاب الاحتجاج للطبرسي ، تحف العقول لابن شعبة ، مكارم الأخلاق

١١٤

٤ ـ اختصار المحدث للأسانيد أيضا أو حذفها مع التعويل على مشيخة يذكر فيها الأسانيد المختصرة والمحذوفة ، ولكنه عند ذكر المشيخة يهمل بعض ما رواه مرسلا ولا يذكر سنده إليه اعتمادا على فهارس المشايخ التي طرقه إليها معروفة كما حصل هذا بالضبط للشيخ الصدوق (رضي‌الله‌عنه) في كتابه من لا يحضره الفقيه وهو ما سنتناوله في هذا البحث.

٥ ـ التحديث بالاعتماد على الحافظة دون الرجوع إلى كتب الحديث ودواوينه وصحفه ، ولا شك أن قوة الحافظة مهما بلغت لا تبلغ درجة النظر إلى الكتاب ، ولهذا ورد عن الإمام الصادق (عليه‌السلام) قوله : «القلب يتكل على الكتابة» (١) ، وهي كناية لطيفة عن ضعف الحافظة ولو مستقبلا ولا بد من رفدها بالنظر إلى الكتاب ، خصوصا في مجال الأسانيد ، التي ليس من شأنها أن تحفظ غالبا ، وهذا هو ما حصل فعلا لابن أبي عمير من أصحابنا رضي الله عنهم ، فقد اعتمد في التحديث على حفظه بعد أن تلفت كتبه وهو في حبس فرعون هذه الأمة وقارونها.

٦ ـ العنعنة في الأسانيد مع ثبوت عدم اللقاء ، وهو ضرب من التدليس ، وقد اتهم به جماعة من كبار رواة العامة كالحسن البصري والزهري ، وسفيان الثوري وغيرهم. ويعرف ذلك بالرجوع إلى تاريخ الرواة للوقوف على مواليدهم ووفياتهم لتحديد طبقاتهم (٢) ، وأما مع ثبوت اللقاء فلا إشكال في عد المعنعن من الموصول إلا عند شذاذ لا يكادون يفقهون حديثا.

٧ ـ تعليق الإسناد ، وصورته أن يذكر المحدث حديثا مسندا ثم يعلق

__________________

وغيرها.

(١) أصول الكافي ١ / ٥٢ ح ٨ باب ١٧ من كتاب فضل العلم.

(٢) شرح البداية : ٥٢ ، تقريب النواوي ١ / ١٠٣.

١١٥

سند الحديث الآخر على ما أسنده أولا وذلك بالاكتفاء ببعض أسناد الثاني لتماثل السندين ، وقد يحصل من جراء تكرار التعليق الاشتباه من المحدث أو الناسخ ، إذ قد تجد الإسناد في صورة التعليق ولكن لا وجود للسند المعلق عليه ، وأما في صورة نقل الحديث المعلق دون الالتفات إلى ما علق عليه في الكتاب المنقول منه فهو أوضح في الدلالة على المقصود.

٨ ـ التصحيف والسقط في الأسانيد ، أما التصحيف فصورته أن يقول المحدث مثلا : حدثني فلان ، عن فلان ، عن فلان ، فيصحف الناسخ قوله سهوا إلى : حدثني فلان وفلان ، عن فلان ، فيقلب «عن» إلى واو العطف مما يؤدي إلى نقصان في طبقات الإسناد ، وأما السقط فواضح وهو ليس بعزيز في كتب الحديث.

٩ ـ قد يكون الإرسال في الحديث ناتجا عن قصد المرسل في إيصال حكم الحديث إلى المتعلم بيسر وسهولة كما يفعل الفقهاء في تدريسهم ، فإذا ما أراد التأليف أحتاج إلى بيان الإسناد.

١٠ ـ وقد يكون سبب الإرسال الوصول إلى علل المسندات لأن من الرواة من يسند حديثا يرسله غيره ويكون الذي أرسله أحفظ وأضبط فيجعل الحكم له دون المسند على رأي سيأتي.

١١ ـ ومن أسباب الإرسال المهمة المذاكرة في طرق الحديث ورواته ، إذ من المحدثين من يكتب الأحاديث مسندة ، ولكنه قد يرويها في حلقات الدرس مرسلة ، لأجل المذاكرة والتنبيه ، ليطلب إسنادها المتصل ويسأل عنه (١).

١٢ ـ أن يكون الرجل المرسل سمع ذلك الخبر من جماعة عن

__________________

(١) أشار إلى الأسباب الثلاثة الأخيرة الخطيب البغدادي في الكفاية : ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

١١٦

المعزى إليه الخبر وصح عنده ووقر في نفسه فأرسله عن ذلك المعزى إليه علما بصحة ما أرسله (١).

وهذا السبب يكون بناء على أن «المرسل الخفي» تدليس.

من اشتهر بالمراسيل من الرواة :

وبعد وضوح أسباب الإرسال في الحديث لا بأس ببيان أسماء من اشتهر بالمراسيل من رواة الفريقين ، وهم :

من الإمامية : محمد بن أبي عمير ، ومحمد بن خالد البرقي (٢).

ومن العامة : سعيد بن المسيب في المدينة ، وعطاء بن أبي رباح في مكة ، وسعيد بن أبي هلال في مصر ، ومكحول الدمشقي في الشام ، والحسن البصري في البصرة ، وإبراهيم بن يزيد النخعي في الكوفة (٣).

أنواع المراسيل :

للأحاديث المرسلة أنواع كثيرة عند العامة (٤) وقد لخصها بعضهم بأربعة أنواع ، هي :

١ ـ مراسيل الصحابة.

٢ ـ مراسيل القرنين الثاني والثالث ، أي مراسيل التابعين ، وأتباعهم.

٣ ـ ما أرسله العدل في كل عصر.

__________________

(١) التمهيد ـ لابن عبد البر ـ ١ / ١٧.

(٢) راجع ترجمة الأول في رجال النجاشي : ٣٢٦ رقم ٨٨٧ ، والثاني في رجال العلامة الحلي : ١٣٩ رقم ١٤.

(٣) معرفة علوم الحديث ـ للحاكم النيسابوري ـ : ٢٥.

(٤) قواعد التحديث : ١٤٤ ، علوم الحديث ومصطلحه : ١٦٩ ـ ١٧٠.

١١٧

٤ ـ ما أرسل من وجه واتصل من وجه آخر (١).

وأما المراسيل عند الشيعة الإمامية ، فهي وإن لم تقسم في كتبهم الدرائية إلى أنواع ، إلا أنه يمكن استظهار وجود الأنواع الآتية لديهم ، وهي :

١ ـ مراسيل الأجلاء الثلاثة (ابن أبي عمير ، وصفوان ، والبزنطي) ، ومراسيل أصحاب الإجماع.

٢ ـ المراسيل المؤيدة بغيرها ، والتي لم يعارضها مسند صحيح.

٣ ـ مراسيل الثقة الذي شهد بصحتها واعتمادها ، كمراسيل الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه ، وهي من أهم المراسيل عند الإمامية.

٤ ـ مراسيل الجليل الثقة الذي لم يتقيد بالرواية عن الثقات.

٥ ـ مراسيل الضعفاء والمجهولين.

والنوعان الأخيران متروكان على كل حال ما لم يعتضدا بجابر كالشهرة ، أو يتبين اتصالهما من طريق صحيح آخر يكشف عن اعتبارهما ، وأما الأنواع الثلاثة المتقدمة ففيها اختلاف واسع يتعذر استيفاؤه هنا ، إلا أنه سيكون الحديث في آخر المطاف عن بحث أهمها تفصيلا إن شاء الله تعالى.

حجية أنواع المرسل :

أولا : مراسيل الصحابة :

ذهب أكثر علماء العامة إلى القول بالإجماع على قبول مراسيل الصحابة (٢) ، لأنها محمولة على السماع (٣)!

__________________

(١) كشف الأسرار عن أصول البزدوي ٣ / ٢.

(٢) كشف الأسرار عن أصول البزدوي ٣ / ٢ ، تدريب الراوي ١ / ١٠٩.

(٣) أسباب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية ، د. الزلمي : ٣٢١.

١١٨

والوجه في ذلك اعتقادهم بعدالة الصحابة!! وهو منقوض من كل وجه ، لأن عدالتهم لم تثبت بنص القرآن الكريم الذي صرح بأن من أهل المدينة من مرد على النفاق (١) ، وكذلك السنة الثابتة ، كحديث «أصيحابي» المروي في الصحاح (٢) ، فضلا عن اعوجاج سيرة الكثير من الصحابة ، وشهادة تاريخ بعضهم على كفرهم ونفاقهم ، وتستر لمة منهم باسم الإسلام ، زيادة على أن الصحبة ليست إكسيرا معدلا لمجاهيل الصحابة ، ولا محولا المنافقين منهم إلى مؤمنين ، ولا الظالمين إلى عدول.

ثم كيف صاروا عدولا وقد سفك بعضهم دماء بعض بغيا وظلما وعدوانا؟!

ومن هنا تنبه القرافي المالكي ـ وهو من المعتقدين بعدالة الصحابة ـ إلى خطورة تعميم شرف الصحبة ، فقال : «الإرسال هو إسقاط صحابي من السند ، والصحابة كلهم عدول ، فلا فرق بين ذكره والسكوت عنه ، فكيف جرى الخلاف فيه؟!».

قال القاسمي : «وأجاب هو كما في نسخة من التنقيح : بأنهم عدول إلا عند قيام المعارض ، وقد يكون المسكوت عنه منهم عرض في حقه ما يوجب القدح فيتوقف في قبول الحديث حتى نعلم سلامته من القادح» (٣).

ويظهر من الحافظ البيهقي في سننه أنه لم يسلم بعدم الفرق بين ذكر الصحابي والسكوت عنه في الإسناد ـ كما هو لازم الاعتقاد بعدالة الصحابة ـ

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠١.

(٢) صحيح البخاري ٦ / ٦٩ باب (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) من كتاب التفسير في تفسير الآية : ١١٧ من سورة المائدة.

(٣) قواعد التحديث : ١٤١.

١١٩

إذ جعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسمه مرسلا ، ولهذا قال في الباعث الحثيث : «فإن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس بحجة فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة أيضا ليس بحجة» (١).

هذا ، وأما على فرض ثبوت عدالتهم جميعا! فإن العدالة ليست عاصمة من الخطأ والاشتباه سيما عند عدم التصريح بالسماع ، إذ لم يكونوا كلهم يستفهمون من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وفي حديث الإمام علي (عليه‌السلام) : «وليس كل أصحاب رسول الله (عليه‌السلام) كان يسأله عن الشئ فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حتى يسمعوا ...» (٢) وكان بعضهم يلهيه الصفق بالأسواق ، وبعضهم يروي عن بعض مما يحتمل أن يكون الكلام خبرا أو غيره ، وعلى فرض كونه خبرا فهو ليس بمعلوم الصدق ضرورة أو نظرا ، ولا بمعلوم الكذب إذا ما علم عدم مخالفته للواقع ، وإنما هو من خبر الآحاد الذي لا يعلم صدقه وكذبه ما لم يحتف بمؤيد ، وبقرينة يعتضد ، والكلام في مرسل الصحابي الذي لم يتقو بغيره ، فكيف يحمل على السماع ويسمى حديثا موصولا صحيحا؟!

وأما لو لم يكن خبرا فهو ليس إلا أثرا من آثاره ، وربما قد يكون من اجتهاده في مقابل النص.

على أن بعض الصحابة ـ لا سيما المكثرين منهم كأبي هريرة قد رووا عن التابعين ، وعن أهل الكتاب ، كروايات أبي هريرة عن كعب

__________________

(١) الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث : ٤٧.

(٢) أصول الكافي ١ / ٦٢ ح ١ باب ٢١ من كتاب فضل العلم ، نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد ١١ / ٣٨ خطبة ٢٠٣ ، كتاب سليم بن قيس الهلالي ٢ / ٦٢٤ رقم ١٠.

١٢٠