جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

المؤلف:

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني


المحقق: نزار الحسن
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار جلال الدين
المطبعة: باقري
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: ١٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

والأخبار بكونهم عليهم‌السلام حجج الله متواترة وقد تقدّم بعضها ، وفي بعضها عن أبي خالد عن الصادق عليه‌السلام قال : قلتُ له ؛ (يابن رسول الله ما منزلتكم من ربّكم ؟ قال : حجّته على خلقه ، وبابه الذي يؤتىٰ منه وأُمناؤه على سرّه وتراجمة وحيه) (١) .

________________________

١ ـ راجع بصائر الدرجات ص ٦٢ ، ج ٢ ، ح ٩ .

وروى الصفّار في المصدر نفسه ح ١١ عن بريد العجلي قال : سألتُ أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) قال : نحن أمّة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجّته في أرضه) .

وللمزيد راجع الكافي ج ١ ، كتاب الحجّة ، باب أنّ الحجّة لا تقوم إلّا بإمام .

١٦١

وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ وَبِاِيَابِكُمْ مُوقِنٌ بِشَرَايِعِ دِيني وَخَوَاتِيمِ عَمَلي ، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ .

يُقال : أشهدته على كذا إذا اتّخذته شاهداً عليه ، وأُشهد الله ، أي أجعلهم شهوداً على إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا تُرد شهادتهم ، ولا تخفىٰ عليهم السرائر ، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر ، وقد وصف الله تعالى نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه (١) ، وكذا الملائكة والأنبياء بقوله : (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ) (٢) ، وروي في قوله : (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (٣) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيِّنة على أنّهم قد بلّغوا فيؤتىٰ بأُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيشهدون لهم) (٤) .

وروي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : (إيّانا عنىٰ فرسول الله شاهد علينا ، ونحن

________________________

١ ـ مثل قوله تعالى في سورة آل عمران : ١٨ (شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ) .

وقوله تعالى في سورة المنافقين : ١ (وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) وغيرها من الآيات .

٢ ـ هود : ١٨ .

٣ ـ البقرة : ١٤٣ .

٤ ـ راجع مجمع البيان للطبرسي قدس‌سره ج ١ ، ص ٢٨٨ ، ط : بيروت مؤسسة التاريخ العربي .

١٦٢

شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه) (١) .

قوله : بكم مؤمن أي بحقيقة نورانيّتكم ، ومراتب علومكم وأسراركم الخاصّة بكم ، والإيمان التصديق والإذعان .

وفي الجامعة : (أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به) (٢) .

قوله : (وبإيابكم) يُحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن بكم وبإيابكم إلى الدُّنيا في زمن الرجعة ، (٣) ويؤيّده ما في زيارة العبّاس عليه‌السلام «إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين» (٤) .

________________________

١ ـ شواهد التنزيل للحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري ، ج ١ ص ٩٢ ، ط بيروت الأعلمي ، ومجمع البيان ج ١ ص ٢٨٨ ، وتأويل الآيات ص ٨٦ ، وتفسير البرهان ج ١ ، ص ١٦٠ .

٢ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٢ : (فيه إشارة إلى أنّ الإيمان بهم عليهم‌السلام لا يتمّ إلّا مع الكفر بعدوّهم والبراءة منه وأنّ حبّهم لا يجتمع مع حبّ أعدائهم) .

٣ ـ روى السيّد هاشم البحراني قدس‌سره في تفسير البرهان ج ٣ ، ص ٢١١ ، ح ١٥ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) قال : ليؤمنن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولينصرن عليّاً أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : نعم والله من لدن آدم وهلّم جرّا فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا رُدَّ جميعهم إلى الدُّنيا حتّى يُقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .

وروى القمّي في تفسيره ج ١ ، ص ١١٤ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : (ما بعثَ الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلّا ويرجع إلى الدُّنيا وينصر أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (وَلَتَنصُرُنَّهُ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام) .

٤ ـ راجع زيارة أبي الفضل العبّاس عليه‌السلام المطلقة في كتب الزيارات .

١٦٣

ويُحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم ، وهذا أظهر ، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهم عليهم‌السلام إلى الدُّنيا لمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة ، كيف وقد روي : «إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهم عليهم‌السلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة» (١) .

وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية (٢) وقد دلّت عليها آيات كثيرة وأخبار متواترة (٣) تزيد على مئتين بل عن بعضهم وقف على ستّمئة

________________________

١ ـ أخرجه حسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات بتفاوتٍ يسير ص ٢١٢ . ط : النجف ١٩٥٠ م .

٢ ـ انفردت الإماميّة بالاعتقاد في الرجعة ، واعتمدتها كضرورة من ضروريّات المذهب ، ونظرية مسلّمة يجب الإقرار بها واعتقادها ، وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ، وفي كلّ وقتٍ كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد .

وفي نفس الوقت أنكروا ذلك أعلام العامّة منهم الفخر الرازي في تفسيره ج ٢٤ ، ص ٢١٧ ـ ٢١٨ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٧ ، ص ٥٩ ، والزمخشري ، وابن خلدون ، وابن الأثير .

٣ ـ قال السيّد عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة ص ١٥٧ : (وأمّا الأخبار التي وردت من طرقنا فهي قريبة التواتر بل لعلّها متواترة ، وقد رواها جمٌّ غفير من ثقات علمائنا الأعلام وجمعٌ كثير من الثقات العظام قريباً من مئتي حديث ومنهم الكليني والصدوق والمفيد والطوسي والمرتضى والنجاشي والكشي والعيشاي وعليّ بن إبراهيم ، وسُليم الهلالي ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفّار ، وسعد بن عبدالله ، وابن قولويه ، وابن طاووس ، وأمين الإسلام أبو الفضل الطبرسي ، وأبو طالب الطبرسي ، والبرقي ، وابن شهرآشوب ، والقطب الراوندي ، والعلّامة ، والفضل ابن

١٦٤

وعشرين حديثاً .

وفي الجامعة : «معترفٌ بكم ، مؤمن بإيابكم ، مصدّق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقبٌ لدولتكم» (١) .

وفي الدعوات والزيارات (٢) المأثورة عن المعصومين ما لا يُحصىٰ ممّا يدلّ

________________________

شاذان والشهيد الأوّل وغيرهم) .

من الآيات الدالّة على الرجعة :

أ‌ ـ قوله تعالى في سورة النمل : ٨٣ (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا) .

ب‌ ـ قوله تعالى في سورة النور : ٥٥ (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .

ج‌ ـ قوله تعالى في سورة القصص : ٥ ، ٦ (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) .

د‌ ـ قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٤٣ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ...) .

وأمّا الأخبار الدالّة على الرجعة نكتفي بما ذكره الشارح قدس‌سره في المتن .

١ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر ص ١٥٤ ط : مكتبة الأمين ، قم .

٢ ـ راجع دعاء العهد فإنّ فيه فقرات صريحة بالرجعة .

وأمّا من الزيارات التي فيها إشارة للرجعة منها :

١٦٥

على هذا المدعىٰ صريحاً .

وفي بعض الأخبار عن الصادق عليه‌السلام : (أيّام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة) (١) .

وفي بعضها عنه عليه‌السلام : (مَن يكرّ في رجعة الحسين بن عليّ عليه‌السلام فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتّى يسقط حاجباه على عينيه) (٢) .

وفي بعضها عن إبراهيم قال : قلتُ لأبي عبدالله عليه‌السلام : (يقول الله : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) (٣) فقال : هي والله النصاب . قلتُ : رأيناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّى ماتوا . فقال : والله ذاك في الرجعة يأكلون العذرة) (٤) .

________________________

زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعيد (راجع البحار ج ١٠٠ ص ١٨٩) وزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام في عيدي الفطر والأضحىٰ (راجع مفاتيح الجنان ص ٥٤٣) وزيارته عليه‌السلام يوم عرفة .

١ ـ أخرجه الصدوق في الخصال ص ١٠٨ ح ٧٥ ، وفي معاني الأخبار ص ٣٦٥ ، ح ١ ، ومختصر بصائر الدرجات للحلّي ص ٤١ ، والرجعة للميرزا محمّد مؤمن الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة (١٠٨٨ هـ) ص ٧٥ ، ح ٤٦ ط : قم دار الاعتصام .

٢ ـ أخرجه الحلّي في مختصر البصائر ص ١٨ ، وعنه البحار ج ٥٣ ، ص ٦٣ ، ح ٥٤ ، والرجعة للميرزا الاسترآبادي ص ٣٦ ، ح ٥ ، والبرهان ج ٢ ، ص ٤٠٨ ، ح ١٠ ، وحلية الأبرار ج ٢ ، ص ٦٥٠ ط : الأعلمي بيروت ، وهذا نصّه :

(عن معلّى بن خنيس وزيد الشحّام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قالا : سمعناه يقول : إنّ أوّل مَن يكرّ في الرجعة الحسين بن علي فيمكث في الأرض أربعين سنة حتّى يسقط حاجباه على عينيه) .

٣ ـ طه : ١٢٤ .

٤ ـ رواه القمّي في تفسيره ج ٢ ، ص ٦٥ ، ومختصر البصائر ص ١٨ ، والاسترآبادي في

١٦٦

وفي بعضها : عن جميل عنه عليه‌السلام قال : قلتُ له : قول الله (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (١) قال : ذلك والله في الرجعة ، أما علمتَ أنّ أنبياء الله كثيرة لم يُنصروا في الدُّنيا وقتلوا ، وأئمّة قتلوا ولم ينصروا ، فذلك في الرجعة قلت : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (٢) .

قال : هي الرجعة) (٣) .

وفي بعضها عنه عليه‌السلام أيضاً قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله : (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) (٤) قال : هو إذا خرجتُ أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ونقتل بني أميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) (٥) .

________________________

الرجعة ص ٤٠ ، ح ٩ ، وعنه البرهان ج ٣ ، ص ٤٧ ، ح ٥ ، وهذا نصّه : «عن معاوية بن عمّار قال : قلتُ لأبي عبدالله عليه‌السلام : يقول الله عزّوجلّ : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) فقال : هي والله للنصاب .

قلتُ : فقد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا ؟

فقال : والله ذاك في الرجعة ، يأكلون العذرة .

١ ـ غافر : ٥١ .

٢ ـ سورة ق : ٤١ و ٤٢ .

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٨ ، والبحار ج ٥٣ ، ص ٦٥ ، ح ٥٧ ، والرجعة للاسترآبادي ص ٤١ ، ح ١٠ ، والبرهان ج ٤ ، ص ١٠٠ ، ح ٢ .

٤ ـ الحجر : ٢ .

٥ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ١٧ ، والرجعة ص ٣٨ ، ح ٦ .

١٦٧

وفي بعضها عنه عليه‌السلام قال : (إنّ إبليس قال : (أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) فأبىٰ الله ذلك عليه فقال : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٢) فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه‌السلام قلتُ : وأنّها لكرّات ؟ قال : نعم لكرّات وكرّات ما مِن إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن على الكافر) (٣) .

________________________

١ ـ سورة الأعراف : ١٤ .

٢ ـ سورة الحجر : ٣٧ و ٣٨ .

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ص ٢٦ ، والبحار ج ٥٣ ، ص ٤٢ ، ح ١٢ ، والرجعة ص ٣٤ ، ح ٣ ، وإليك تكملة الرواية :

( ... فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في أصحابه ، وجاء إبليس في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها : الروحاء ، قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله ـ عزّوجلّ ـ العالمين ، فكأنّي أنظر إلى أصحاب عليّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مئة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات .

فعند ذلك يهبط الجبّار ـ عزّوجلّ ـ في ظللٍ من الغمام ، والملائكة ، وقضي الأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمامه بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول : (إنّي أرى ما لا ترون) (إنّي أخاف الله ربّ العالمين) ، فليحقه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيطعنه طعنةً بين كتفيه ، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه . فعند ذلك يعبد الله ـ عزّوجلّ ـ ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه‌السلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد للرجل من شيعة

١٦٨

وفي بعضها عن أحدهما عليهم‌السلام في قول الله : (وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ) (١) .

قال : في الرجعة (٢) .

وفي بعضها عن الصادق عليه‌السلام : (ليس أحدٌ من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّى يُقتل) (٣) .

وفي بعضها عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : (لترجعنّ نفوس ذهبت ، وليقتصّن يوم يقوم ، ومَن عذّب يقتصّ بعذابه ، ومَن أُغيظ (يقتصّ) * بغيظه ** ويرد لهم أعداءهم *** حتّى يأخذوا بثأرهم ، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثمّ يموتون

________________________

علي عليه‌السلام ألف ولد من صلبه ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله .

١ ـ الإسراء : ٧٢ .

٢ ـ أوردها العيّاشي في تفسيره ج ٢ ، ص ٣٠٦ ، ح ١٣١ ، ورواه الحلّي في مختصر البصائر ص ٢٠ ، والبحار ج ٥٣ ، ص ٦٧ ، ح ٦١ ، والإيقاظ من الهجعة للعاملي ص ٢٧٤ ، ح ٨١ .

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات ٢٥ ، والبحار ج ٥٣ ، ص ٤٠ ، ح ٥ ، والرجعة ص ٥٥ ، ح ٢٩ ، والبرهان ج ٣ ، ص ٢١١ ، ح ١٥ . وإليك نصّها : (عن عمر بن أُذينة قال : حدّثنا محمّد بن الطيّار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا) فقال : ليس أحد من المؤمنين قُتِلَ إلّا سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّى يُقتل) .

* ـ في المصدر (أغاظ) بدل (يقتصّ) .

** ـ في المصدر هكذا (ومَن قُتِلَ أُقتصّ بقتله) والظاهر سقطَ هذا الذي أثبتناه .

*** ـ في البحار (معهم) .

١٦٩

في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم ، وشفوا أنفسهم ويصير عدوّهم إلى أشدّ النار عذاباً ، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم) (١) .

وفي بعضها عن الصادق عليه‌السلام في قول الله : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٢) قال : مرّة بالكرّة ، وأُخرىٰ يوم القيامة (٣) .

وفي بعضها : (كأنّي بسيرٍ من نور قد وضع عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين جالساً على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبّة خضراء ، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه فيقول الله لهم : أوليائي سلوني فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم ، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدُّنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة) (٤) .

وفي بعضها عن عليّ عليه‌السلام قال : (وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول) (٥) .

وفي بعضها عن الباقر عليه‌السلام : (والله لُيملَكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنين وتزداد تسعاً ، قلت : متى يكون ذلك ؟ قال : بعد القائم عليه‌السلام ، قلتُ : وكم يقوم القائم عليه‌السلام في عالمه ؟ قال : تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدُّنيا وهو الحسين عليه‌السلام فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبىٰ حتّى يخرج

________________________

١ ـ مختصر البصائر ص ٢٨ ، وعنه البحار ج ٥٣ ، ص ٤٤ ، ح ١٦ ، والرجعة ص ٥٩ ، ح ٣٧ .

٢ ـ التكاثر : ٣ و ٤ .

٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٠٤ ، والبحار ج ٥٣ ، ص ١٠٧ ، ح ١٣٥ ، والإيقاظ من الهجعة ص ٢٨٢ ، ح ٩٩ ، ورواه الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ٨١٥ .

٤ ـ البحار ج ٥٣ ص ١١٦ .

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٧ .

١٧٠

السفّاح وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام) (١) .

وفي بعضها عن الصادق عليه‌السلام : «أوّل مَنْ تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدُّنيا الحسين بن عليّ عليه‌السلام . وإنّ الرجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلّا مَن مُحض الإيمان محضاً ، أو مُحض الشرك محضاً) (٢) .

وفي بعضها عن الباقر عليه‌السلام : (إنّ رسول الله وعليّاً عليهما‌السلام سيرجعان) (٣) .

وفي بعضها : (إنّ الصادق عليه‌السلام سُئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤) وهي كرّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة ، ويملك عليّ * عليه‌السلام في كرته أربعة وأربعين سنة) (٥) .

وأنت خبيرٌ بأنّ الناظر فيما ذكرناه من الأخبار وغيره ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقيّة الرجعة وثبوتها في الجملة (٦) ، وفي بعض الأخبار

________________________

١ ـ أخرجه العيّاشي في تفسيره ج ٢ ، ص ٣٢٦ ، ح ٢٤ ، والنُعماني في الغيبة ص ٣٣١ ، ح ٣ ، ومختصر البصائر ص ٢١٣ ـ ٢١٤ ، والبحار ج ٥٢ ، ص ٢٩٨ ، ح ٦١ ، والبرهان ج ٢ ، ص ٤٦٥ ، ح ٢ ، وحلية الأبرار ج ٢ ، ص ٦٤٠ .

٢ ـ راجع مختصر البصائر ص ٢٤ ، البحار ج ٥٣ ، ص ٣٩ ، ح ١ ، والرجعة ص ٥٣ ، ح ٢٦ ، وحلية الأبرار للبحراني ص ٦٥٠ ، ج ٢ .

٣ ـ مختصر البصائر ص ٢٤ ، والبحار ج ٥٣ ، ص ٣٩ ، ح ٢ ، مدينة المعاجز ج ٣ ، ص ٩٩ ، ح ٧٦١ ، والإيقاظ من الهجعة : ص ٣٧٩ ، ح ١٤٣ .

٤ ـ المعارج : ٤ .

* ـ في المصدر (أمير المؤمنين) بدل (علي) .

٥ ـ الرجعة ص ٣٣ ، ح ٢ ، والبرهان ج ٤ ، ص ٣٨٣ ، ح ٦ .

٦ ـ مَن أراد المزيد من الأخبار فليراجع كتاب مختصر بصائر الدرجات للحلّي ،

١٧١

نسبة إنكارها إلى القدرية ، وقد أجادَ مَن قال : إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوى التواتر ، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف ، وظنّي أنَّ مَن يشكّ في أمثالها فهو شاكٌ في أئمّة الدِّين (١) ، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين ، وتشكيكات الملحدين : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (٢) .

والحاصل : إنّ هذا أمرٌ ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به ، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به (٣) ، ولو من باب التسليم المأمور به بقوله تعالىٰ : (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (٤) .

وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلى الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلى الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره ، وما هذا إلّا كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات ، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم عليهم‌السلام يرجعون إلى الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها ، فلا تلفت إلى الجهلة الذين يؤولون هذه الأخبار إلى خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع ، متابعة لهوى

________________________

والرجعة للميرزا الاسترآبادي ، والإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحرّ العاملي ، وغيرها .

١ ـ روى الصدوق في مَن لا يحضره الفقيه : ج ٣ ، ص ٤٥٨ ، ح ٤٥٨٣ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : (ليس منّا مَن لم يقل بمتعتنا ، ويؤمن برجعتنا) .

٢ ـ التوبة : ٣٢ .

٣ ـ راجع الاعتقادات لشيخنا الصدوق باب (١٨) الاعتقاد في الرجعة ص ٣٩ ، ط قم .

٤ ـ النساء : ٥٩ .

١٧٢

أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم ، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة ، وقد بيّنا فساد هذه العقيدة في جملة من رسائلنا .

نعم ، اختلفت الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة ، وترتيب مَن يرجع من الأئمّة عليهم‌السلام ولا حاجة بنا مهمّة إلى الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة ، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق على ظهور القائم عليه‌السلام فإنّه عليه‌السلام : حيٌّ موجود الآن لا شكَ في حياته يظهر بعد ذلك متىٰ شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً (١) .

فإذا مضىٰ مِن أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسين عليه‌السلام وهو صامت إلى أن تمضي إحدى عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّى (سعيدة) وهي شقيّة ، فيتولّىٰ الحسين عليه‌السلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده (٢) ، فالرجعة من زمن خروج الحسين عليه‌السلام إلى أن يرفع مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأئمّة عليهم‌السلام إلى السماء ، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله .

وقوله : (بشرايع ديني) أمّا متعلِّق بموقن كما تقدّم أو بمحذوف ليكون حالاً من المستتر في أشهد الله أو في موقن أي متلبّساً بشرائع ديني أي طرائقه وسبله ، وفيه إشارة إلى أنّ مجرّد الإيمان بهم لا يكفي بل لابدّ في ذلك من الائتمار بأوامرهم ، والانتهاء بنواهيهم ، وإطاعتهم فيما شرعوه من الأحكام ، والحدود ، والانقياد لهم فيما يأمرون به ، وينهون عنه فمَن لم يكن كذلك فهم عليهم‌السلام منه براء

________________________

١ ـ روضة الواعظين ص ٢٦١ ، ج ٢ ط ؛ الشريف الرضي .

٢ ـ حلية الأبرار ج ٢ ، ص ٦٤٣ .

١٧٣

كما يدلّ عليه أخبار كثيرة .

قال الصادق عليه‌السلام : (إنّما أصحابي مَن اشتدَّ ورعه ، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي) (١) .

وقال عليه‌السلام : (ليس منّا ولا كرامة مَن كان في مِصر فيه مئة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه) (٢) .

وقال الباقر عليه‌السلام : (أيكفي مَن انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا مَن اتّقى الله وأطاعه إلى أن قال : فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة ، أحبُّ العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته ، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله إلّا بالطاعة أمعنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجّة ، مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومَن كان الله عاصياً فهو لنا عدوّ ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع ، فلا تستمع إلى قومٍ سوّل الشيطان لهم أعمالهم فزعموا أنّ الدِّين هو مجرّد دعوى حبّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون) (٣) .

ويُحتمل أن يكون بشرائع بدلاً من قوله : (بكم وبإيابكم) ففيه إشارة إلى أنّهم عليهم‌السلام شرائع الدِّين ، لكونهم الأئمّة الراشدين المظهرين لأمر الله ونهيه

________________________

١ ـ أصول الكافي : ج ٢ ، ص ٦٢ ، باب الورع ، ح ٦ .

٢ ـ روى الشيخ الكليني قدس‌سره في الكافي ج ٢ ، ص ٦٤ ، باب الورع ، ح ١٥ ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : (كثيراً ما كنتُ أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا مَن لا تتحدّث المخدّرات بورعه في خدورهنّ ، وليس من أوليائنا مَن هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه) .

٣ ـ أخرجه الكليني في الكافي ج ٢ ، ص ٦٠ ، ح ٣ ، باب (الطاعة والتقوىٰ) .

١٧٤

فتأمّل .

والخواتيم : جمع الخاتمة ، وخاتمة العمل آخره وعاقبته ممّا يختم به من خيرٍ أو شرٍّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب ، فإنّ ذلك نتائج الأعمال .

قال عليه‌السلام : (مَن خُتِم له بقيام ليلة ثمّ ماتَ فله الجنّة) (١) .

ويُحتمل أن يُراد بالعمل هنا خصوص الزيارة ، أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يُراد به في قوله : (اللّهم إنّي أستودعك خاتمة عملي) (٢) .

خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : (مَن كان آخر كلامه لا إله إلّا الله وجبت له الجنّة) (٣) فإنّه لا معنى لاستيداع الله الشرّ من الأعمال .

وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال إذ المعنى أنّي على يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي ، لأنّ الله ، ورسوله ، والأئمّة أخبروني بذلك ، ولم أشك في صدقهم ، وأمّا على غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنى متلبّساً بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي .

قوله : (وقلبي لقلبكم سلمٌ) أي صلح لا حرب . قال الطريحي : والسلم كهمل : المسالم يقال : أنا سلمٌ لمَن سالمني وحربٌ لمن حاربني) (٤) .

وفي حديث وصف الأئمّة : (يُطهّر الله قلب عبد حتّى يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضىٰ بحكمنا ولا يكون حرباً علينا) (٥) .

________________________

١ ـ الفقيه ج ١ ص ٤٧ ؛ ووسائل الشيعة ج ٨ ص ١٥٤ .

٢ ـ الكافي ج ٤ ص ٢٨٣ ؛ والفقيه ج ٢ ص ٢٧١ .

٣ ـ راجع الكافي ج ٢ ، ص ٣٧٥ ، باب (مَن قال لا إله إلّا الله) .

٤ ـ مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٣٨ .

٥ ـ الكافي ج ١ ص ٦٩٤ باب أن الأئمة نور الله عز وجل .

١٧٥

(وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبعٌ) (١) والمعنيان متقاربان إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي على أفعالكم ولا عداوة فيه لكم (٢) ، لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلى ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهم عليهم‌السلام كما قال تعالىٰ : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (٣) وإلى أنّ التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوى باللسان .

كيف وقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : (بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجلٌ فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنّي أحبّك ، قال : ما تفعل . قال : والله إنّي لأحبّك ، قال : ما تفعل . قال : بلى والذي لا إله إلّا هو قال : والله الذي لا إله إلّا هو ما تحبّني . فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلى السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنتَ (٤) .

وقريب منه أخبار أُخر مروية في بصائر الدرجات في باب أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام عرف ما رأى في الميثاق (٥) .

________________________

١ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة .

٢ ـ روى الكليني في الكافي ج ١ ، ح ١ ، باب التسليم عن الإمام الباقر عليه‌السلام : (إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه) .

٣ ـ الأحزاب : ٥٦ .

٤ ـ أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٢ ، ص ٨٧ ، ح ٤ ، باب (١٥) .

٥ ـ بصائر الدرجات ٢ / ٨٦ باب ١٥ إذ ذكر عدّة روايات في هذا الخصوص فراجع .

١٧٦

والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقائق الأشياء ، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة ، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يُعبد به الرحمٰن ويكتسب به الجنان ولذا قال : (لقلبكم) ، فإنّ قلوبهم عليهم‌السلام أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهم عليهم‌السلام لإذعانه بأنّه من الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ فلا ينكره ولا يعترض عليه بلِمَ ولا كيف ، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم .

وفي بعض الأخبار : (إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلى بالعليا ، وفيه يا مفضّل أتدري لِمَ سمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا ، ونحن من شيعتنا ، أما ترىٰ هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق ، قال : وإلى أين تعود ؟ قلت : إلى مغرب ، قال عليه‌السلام : هكذا شيعتنا ، منّا بدؤوا وإلينا يعودون) (١) ، وإنّما أفرد القلب مع إضافته إليهم عليهم‌السلام للإشارة إلى اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية .

قوله : (وأمري لأمركم) يُريد أنّه تابع لهم في جميع أحواله وأموره ، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم على ما صرّح به جماعة ، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي ، ويحذو حذوهم ويُطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم على ما يقتضيه كثير من الأخبار .

________________________

وأيضاً راجع مختصر بصائر الدرجات للحلي ص ١٦٦ .

١ ـ بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٢١ .

١٧٧

* صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَرْوَاحِكُمْ وَعَلىٰ أَجْسَادِكُمْ وَعَلىٰ [أَجْسَامِكُمْ] ** وَعَلىٰ شَاهِدِكُمْ وَعَلىٰ غَائِبِكُمْ وَعَلىٰ ظَاهِرِكُمْ وَعَلىٰ بَاطِنِكُمْ .

أشار إلى أنّهم عليهم‌السلام في جميع أحوالهم وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجلّياتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات مِن خالقهم وبارئهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب ، سالكين مسالك الجذب ، متقرِّبين إلى بساط الديموميّة ، بوسائل العبودية الكاملة كما قال عليه‌السلام في دعائه يوم عرفة : «وأنا أشهدُ يا إلٰهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري ...» (١) .

فأشار بقوله : (عليكم) إلى مقام حقيقتهم المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد ، ولم يعرفها غير الله أحد ، لكونها أوّل ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال : (نحن صنائع الله) (٢) ، وهذا هو المقام المشار إليه بقوله : (لولاك

________________________

* ـ في المصباح (فصلوات الله ...) .

** ـ في المصباح بين المعقوفتين غير موجودة .

١ ـ راجع مفاتيح الجنان للقمّي ص ٢٤٥ (دعاء الإمام الحسين عليه‌السلام يوم عرفة) .

٢ ـ أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٧٧ فصل (٤٢) قم ، الشريف الرضي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أوّل ما خلق الله تعالى نوري ، ثمّ فتق منه نور عليّ ، فلم نزل نتردّد في النور حتى وصلنا إلى حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثمّ خلق الخلائق من نورنا فنحن صنايع الله والخلق من بعد صنايعٌ لنا» .

١٧٨

لما خلقتُ الأفلاك) (١) ، وقد كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يعنيه في صلاته بقوله : (أشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله) وبقوله : (السلامُ عليك أيّها النبيّ) وإلى هذا المقام أشار أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : (أنا ذات الذوات) (٢) وبقوله : (أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسمٌ ولا شبه) (٣) .

قوله : (وعلى أرواحكم) يُمكن أن يُراد بها نفوسهم القدسية ، وأن يُراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية ، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدِّدة .

وما الوجه إلّا واحدٌ غير أنّه

إذا أنتَ عدّدتَ المرايا تعدّدا

ويُحتمل أن يُراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها في جملة من الأخبار (٤) ، مثل ما رواه جابر عن الباقر عليه‌السلام قال : «إنّ الله خلق الأنبياء والأئمّة على خمسة أرواح : روح القوّة ، وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح الشهوة ، وروح القدس ، فروح القدس (٥) لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرىٰ» (٦) .

________________________

١ ـ تقدّم هذا الحديث فراجع .

٢ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٦٤ فصل (٢٨) .

٣ ـ أخرجه البرسي في المشارق ص ٣١٨ ، فصل (١٥٠) وهي خطبة طويلة يُعرّف الإمام عليه‌السلام نفسه .

٤ ـ راجع بصائر الدرجات للصفّار ج ٩ ، ص ٤٤٥ حيث ذكر روايات كثيرة تدلّ على هذا المطلب وبعضها قد تقدّم .

٥ ـ في المصدر (وروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ...) .

٦ ـ بصائر الدرجات ج ٩ ، ص ٤٥٤ ، ح ١٢ .

١٧٩

وسُئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله : (كَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) (١) فقال : (ذلك فينا منذ أهبطه الله إلى الأرض وما يخرج إلى السماء) (٢) .

وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوفّقه ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده وهو من الملكوت (٣) .

وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضىٰ غير محمّد وهو مع الأئمّة (٤) .

وفي بعضها : إنّه خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين (٥) .

وفي بعضها : (مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به ، قال : إنّ الأرواح لا تُمازج البدن ولا تداخله

________________________

١ ـ الشورىٰ : ٥٢ .

٢ ـ أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ج ٩ ، ص ٤٥٨ ، ح ١٤ ، الباب السادس عشر .

٣ ـ روى الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٥٦ ج ٩ ، ح ٤ عن سماعة بن مهران قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : (إنّ الروح خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسدّده ويرشده وهو مع الأئمّة والأوصياء من بعده) .

وهناك روايات أُخر فراجع .

٤ ـ روى الصفّار في بصائر الدرجات ص ٤٦٠ ، ج ٩ ، ح ١ ، الباب الثامن عشر عن هاشم بن سالم قال : (سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : خلقٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل لم يكن مع أحدٍ ممّن مضىٰ غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمّة يوفّقهم ويسدّدهم وليس كلّما طلب وجد) .

٥ ـ روى الصفّار في البصائر ج ٩ ، ص ٤٦٢ ، ح ١٢ عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله عزّوجلّ : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : إنّ الله تبارك وتعالى أحدٌ صمد ، والصمد الشيء الذي ليس له جوف وإنّما الروح خلقٌ من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرُّسل والمؤمنين) .

١٨٠