مهدي تاج الدين
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
.......................................................................................
________________________________________________
في المنتخب ، قال : لما أراد الله أن يهب لفاطمة الزهراء الحسين عليهالسلام فلما وقعت في طلقها أوحى الله ( عزّ وجل ) إلى لعيا وهي حوراء من الجنة ، وأهل الجنان إذا أرادوا أن ينظروا إلى شيء حسن نظروا إلى لعيا ولها سبعون ألف وصيفة وسبعون ألف قصر وسبعون ألف مقصورة وسبعون ألف غرفة مكللة بأنواع الجواهر والمرجان ، وقصر لعيا أعلى من تلك القصور ومن كل قصر في الجنة إذا أشرفت على الجنة نظرت جميع ما فيها وأضاءت الجنة من ضوء خديها وجبينها .
فأوحى الله إليها أن اهبطي إلى دار الدنيا إلى بنت حبيبي محمد صلىاللهعليهوآله فأنسي لها فهبطت لعيا على فاطمة عليهاالسلام وقالت لها : مرحباً بك يا بنت محمد ، كيف حالك ؟
قالت لها : بخير وَلَحِقَ فاطمة الحياء من لعيا لم تدر ما تفرش لها فبينما هي متفكرة إذ هبطت حوراء من الجنة ومعها درنوك من درانيك الجنة ، فبسطته في منزل فاطمة فجلست عليه عيا .
ثم إن فاطمة ولدت الحسين عليهالسلام في وقت الفجر فقبلته لعيا وقطعت سرته ونشفته بمنديل الجنة وقبلت بين عينيه وتفلت في فيه ، وقالت له : بارك الله فيك من مولود وبارك في والديك ، وهنأت الملائكة جبرائيل وهنأ جبرائيل محمداً صلىاللهعليهوآله سبعة أيام بلياليها .
فلما كان في اليوم السابع قال جبرائيل :
يا محمد ، إتينا بابنك هذا حتى نراه ، قال : فدخل النبي صلىاللهعليهوآله
على فاطمة فأخذ الحسين عليهالسلام
وهو ملفوف بقطعة صوف فأتى به إلى جبرائيل فحله وقبّل بين عينيه وتفل في فيه ، وقال : بارك الله فيك من مولود وبارك الله في والديك يا صريع كربلاء ، ونظر إلى الحسين عليهالسلام وبكى وبكى النبي صلىاللهعليهوآله
وبكت الملائكة ، وقال له جبرائيل : اقرأ فاطمة ابنتك السلام
.......................................................................................
________________________________________________
وقل لها تسميه الحسين فقد سماه الله جل اسمه ، وإنما سمي الحسين لأنه لم يكن في زمانه أحسن منه وجهاً فقال رسول الله : يا جبرائيل تهنيني وتبكي ؟ قال : نعم يا محمد صلىاللهعليهوآله آجرك الله في مولودك هذا فإنه يقتل فقال : يا حبيبي جبرائيل ومن يقتله ؟ قال : شر أُمة من أُمتك يرجون شفاعتك لا أنالهم الله ذلك .
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : خابت أُمة قتلت ابن بنت نبيها ، قال جبرائيل : خابت ثم خابت من رحمة الله ثم خاضت في عذاب الله ، ودخل النبي صلىاللهعليهوآله على فاطمة فأقرأها من الله السلام وقال لها بنية سميه الحسين فقد سمّاه الله الحسين فقال : من مولاي السلام وإليه يعود السلام والسلام على جبرائيل وهنأها النبي صلىاللهعليهوآله وبكى .
فقالت : يا أباه تهنئني وتبكي ؟ قال : نعم يا بنية آجرك الله في مولودك هذا فإنه يقتل ، فشهقت شهقة وأخذت في البكاء وساعدتها لعيا ووصائفها ، وقالت : يا أبتاه من يقتل ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي ؟
قال : شر أُمة من أُمتي يرجون شفاعتي لا أنالهم الله ذلك ، قالت فاطمة عليهاالسلام : خابت أُمة قتلت ابن بنت نبيها ، قالت لعيا : خابت ثم خابت من رحمة الله وخاضت في عذابه ، يا أبتاه اقرأ جبرائيل عني السلام وقل له في أي موضع يقتل ؟
قال : في موضع يقال له كربلاء فإذا نادى الحسين عليهالسلام لم يجبه أحد منهم فعلى القاعد من نصرته لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلّا أنه لن يقتل حتى يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، ثم سماهم بأسمائهم إلى آخرهم وهو الذي يخرج في آخر الزمان مع عيسى بن مريم ، فهؤلاء مصابيح الرحمن وعروة الإسلام محبهم يدخل الجنة ومبغضهم يدخل النار .
.......................................................................................
________________________________________________
قال : وعرج جبرائيل وعرجت الملائكة وعرجت لعيا فلقيهم الملك صلصائيل في السماء الرابعة وله سبعون ألف جناح قد نشرها من المشرق إلى المغرب وهو شاخص نحو العرش لأنه ذكر في نفسه فقال : ترى الله يعلم ما في قرار هذا البحر وما يسير في ظلمة الليل وضوء النهار ، فعلم الله تعالى ما في نفسه فأوحى الله إليه أن أقم مكانك لا تركع ولا تسجد عقوبة لك لما فكرت ، فقال صلصائيل : يا حبيبي جبرائيل أقامت القيامة على أهل الأرض ؟ قال : لا ولكن هبطنا إلى الأرض فهنينا محمداً بولده الحسين .
قال : يا حبيبي جبرائيل فاهبط إلى الأرض فقل له : يا محمد صلىاللهعليهوآله اشفع إلى ربك في الرضا عني فإنك صاحب الشفاعة ، قال : فقام النبي ودعا بالحسين عليهالسلام فرفعه بكلتا يديه إلى السماء وقال : « اللهم بحق مولودي هذا عليك إلّا رضيت على الملك ، فإذا النداء من قبل العرش : يا محمد فعلت وقدرك كبير عظيم » .
قال ابن عباس : والذي بعث محمداً بالحق نبياً أن صلصائيل يفتخر على الملائكة أنه عتيق الحسين عليهالسلام (١) .
__________________
(١) نور الأبصار : ٦٦ .
وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السّادَةِ
________________________________________________
السيّد : الذي يفوق في الخير (١) وفي مجمع البحرين السيّد : المالك ويطلق على الرب والفاضل والكريم والحليم والمتحمل إذى قومه والمقدم والزوج .
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : السيّد من تحمل المؤونة وجاد بالمعونة (٢) .
وقال البعض : ان حقيقة السيادة هو المجد والشرف ، وساير المعاني من لوازمها والمجد عبارة عن العلو الذي لا يدرك كنهه ، والفرق بينه وبين الشرف انه بحسب الذات والشرف بحسب الملكات والصفات .
ولذا جمع رسول الله صلىاللهعليهوآله مجد ذاته وشرف صفاته وملكاته في لفظ السيادة وقال : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » .
وعن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول أنا سيد ولد آدم وأنت يا علي والأئمة من بعدك سادة اُمتي ، من أحبنا فقد أحب الله ومن أبغضنا فقد أبغض الله ومن والانا فقد وال الله ومن عادانا فقد عاد الله ومن اطاعنا فقد أطاع الله ومن عصانا فقد عصى الله (٣) .
والحاصل : ان الإمام الحسين عليهالسلام وكذلك جميع الأئمة عليهمالسلام ذواتهم المقدسة في مقام القرب من الله تعالى والتلقي منه تعالى حق التجليات الإلهية بحيث لا يكون لأحد غيرهم ، كما ورد في زيارة الجامعة « أتاكم الله ما لم يؤت أحداً من العالمين » فهم السادة بحقيقة السيادة فهم السادة بمعنى الرئيس والكبير ، ولا ريب في أنهم عليهمالسلام لمكان ولايتهم الكلية وسيادتهم ظهرت آثارهم منهم عليهمالسلام في الخلق
__________________
(١) كتاب العين ٧ : ٢٨٤ .
(٢) ميزان الحكمة : ج ٤ ، حرف السين .
(٣) أمالي الصدوق : ٤٧٦ ، المجلس الثاني والسبعون .
.......................................................................................
________________________________________________
وذلك من التمكن في قلوبهم ، وكذلك المعجزات التي صدرت عنهم عليهمالسلام حيث دلت على عظمتهم وسيادتهم .
نذكر هذه الرواية للإمام الحسين عليهالسلام والتي تدل على سيادته وتصرفه في الكون وإن كل شيء مأمور بطاعته عليهالسلام :
فعن حمران بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يحدث عن أبيه وعن آبائه عليهمالسلام : « إنّ اجلا من شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام كان مريضاً شديد الحمى فعاده الحسين بن علي عليهالسلام فلما دخل من باب الدار طارت الحمى عن الرجل ، فقال : قد رضيت بما أُوتيتم به حقاً حقاً والحمى لتهرب منكم .
فقال له الإمام الحسين عليهالسلام : والله ما خلق الله شيئاً إلّا وقد أمره بالطاعة لنا ، يا كبّاسة قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمرك أمير المؤمنين إلّا تقربي إلّا عدواً أو مذنباً ، لكي يكون كفارة لذنوبه فما بال هذا ؟ وكان الرجل المريض عبد الله بن شداد الهادي الليثي » (١) .
__________________
(١) الأنوار الساطعة ٢ : ٢٦٠ .
وَقآئِداً مِنَ الْقادَةِ
________________________________________________
القائد : هو من الجند رئيسهم .
وقوله عليهالسلام : « وَقٰآئِداً مِنَ الْقٰادَةِ » أي ان الإمام الحسين عليهالسلام قائد للأُمة إلى معرفة الله تعالى وطاعته في الدنيا بالهداية ـ حيث أن سفينته أسرع سفن النجاة ـ وإلى درجات لاجنان في الآخرة بالشفاعة الكبرى والوسيلة العظمى ، بل أكثر من ذلك فإن الإمام الحسين عليهالسلام وأهل البيت عموماً عليهمالسلام ـ حيث أنهم نور واحد ـ هم قادة وهداة للأنبياء والأوصياء وأُممهم أيضاً .
فإن الله تعالى جعل الإمام الحسين عليهالسلام قائداً حيث يقود شيعته إلى طريق النجاة وأعلى الدرجات بل وحتى وغير شيعته من أعدائه لأنه هو أحد مصاديق الآية ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... ) .
وقد اشتهر منهم عليهمالسلام بطرق عديدة : « بعبادتنا عُبد الله ، ولولا نحن ما عُبد الله تعالى » يدل على ان الإمام الحسين عليهالسلام والأئمة الأطهار كانوا قادتهم بأنوارهم إلى المعارف ، فمن أجاب أهل البيت عليهمالسلام فيما أمروه عليهالسلام وأجابهم في قبول ولايتهم قادوه إلى المعرفة به تعالى وإلى الدرجات العُلىٰ .
فمن استجاب وعمل بما أمروه ، ويقابل هذا أنهم رادّون لمن لم يجبهم وأنكر ولم يقبل ، فإنهم عليهمالسلام حينئذ يسوقونه بسبب انكاره وعدم قبوله إلى الخذلان ، ولعدم الاستجابة ، والطبع والرين القلبي دعّوه إلى جهنم دعّا .
ففي الحقيقة هم المعلمون للخلق في عالم من عوالم الوجود فهم الداعون والهادون النجدين طريق الخير وطريق الشر ، فلا يهتدي أحد إلّا بهداهم ولا يظل ضال بخروجه عن الهدى إلّا بترك ولايتهم .
وهذا بالنسبة إلى جميع الخلق في جميع العوالم في عالم الذر والأرواح وفي الدنيا وفي الآخرة ، وإلى هذا أشارت بعض الأحاديث نشير إليها ليتضح الحال .
.......................................................................................
________________________________________________
في أمالي الطوسي (١) بإسناده عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم داود النبي عليهالسلام فيأتي النداء من عند الله عزّ وجل : لسنا إياك أردنا وإن كنت لله تعالى خليفة .
ثم ينادي ثانية : أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فيأتي النداء من قبل الله عزّ وجل : يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجته على عباده .
فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم ، يستضيء بنوره ، وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنات ، فيقوم الناس الذين قد تعلقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنة .
ثم يأتي النداء من عند الله جل جلاله : ألا مَن ائتمَّ بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث يذهب به .
فحينئذ ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ) (٢) » .
وفي أُصول الكافي باسناده عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : « يوم ندعوا كل اُناس بامامهم » قال : إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه .
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٣٩ .
(٢) سورة البقرة : ١٦٦ ـ ١٦٧ .
.......................................................................................
________________________________________________
فظهر من هذه الأحاديث انهم قادة الأُمم المقتدى بهم إلى درجات العُلى ، وإلى المعارف في الدنيا والآخرة ، ولا نجاة لأحد إلّا باتباعهم والاقتداء بهم .
وعن حماد بن عيسى قال : سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام فقال : « الملائكة أكثر أو بنو آدم ؟ فقال : والذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب وما في السماء موضع قدم إلّا وفيه ملك يقدس له ويسبح ، ولا في الأرض شجر ولا مثل غرزة عود إلّا وفيها ملك موكل كل يوم بعملها ، الله اعلم بها ، وما منهم أحد إلّا ويتقرب إلى الله في كل يوم بولايتنا أهل البيت ويستغفر لمحبينا ويلعن أعداءنا ، ويسأل الله أن يرسل عليهم من العذاب ارسالاً » .
وهناك أحاديث تشير إلى أنه تعالى ما بعث الله نبياً إلّا بولاية علي عليهالسلام وانه تعالى أخذ ولايته عليهالسلام على الكل في الميثاق وعالم الذر كما لا يخفى .
هذه جملة من الروايات التي تحصّل منها ، أن معنى كون الإمام الحسين عليهالسلام « قائداً من القادة » وكذلك أهل البيت عليهمالسلام انهم قادة بمعنى أنه لا يهدي هاد إلّا بهديهم وهذا يعمّ الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين والملائكة المقربين لا يهدي أحد منهم إلّا بهداهم عليهمالسلام .
وَذآئِداً مِنْ الْذادَةِ
________________________________________________
الذود : في اللغة بمعنى الطرد ، يقال : لا تذودوه عنا ، أي لا تطردوه ، ويقال : رجل ذائد أي حامي الحقيقة دفاعاً .
فقول الإمام الصادق عليهالسلام في الإمام الحسين عليهالسلام أنه « ذائداً من الذادة » أي أنه يذود ويطرد عن أولياءه وشيعته ما لا يحب الله تعالى من العقائد الباطلة وخطرات المفاسد والأعمال القبيحة وهذه الصفة اتصف بها أبو عبد الله الحسين عليهالسلام وجميع الأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين ، فهم يطردون عن مواليهم وشيعتهم الأعمال القبيحة والأقوال الردية بل حتى المآكل والمشارب والملابس المحرمة المضرّين بالبدن أو العقل ، أو الداعين إلى الشهوات المحرمة ، والحاصل يذودونهم عن كل ما يكرهه الله تعالى .
وإذا قيل كيف إنهم عليهمالسلام يذودون أعداءهم أي إنهم يذودون ويطردون الأعداء من كل ما يحب الله تعالى وعن كلّ خير الذي أحد مصاديقه حوض الكوثر ، وعن الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة سوف نذكر ذلك .
وكيف كان فهم عليهالسلام الذادة لاوليائهم عن كلّ شرّ في الدنيا والآخرة ، كما أنهم يذودون أعداءهم عن كلّ خير فيهما .
وأما كيفية ذودهم الأولياء والشيعة عمّا لا يحب الله تعالى ، فهو إما بالدعاء لهم أو بالطلب منه تعالى لقبول دعاءهم كما في الحديث : إنهم عليهمالسلام قالوا لشيعتهم : إنّا من ورائكم بالدعاء ، الذي لا يحجب عن بارئ السماء ، وإمّا بالتعليم والإرشاد والهداية بل والأخذ باليد ، وإمّا يبذلون فاضل حسناتهم عليهمالسلام لهم كما ورد أن المعصومين الخمسة عليهمالسلام جعلوا ثواب نصف أعمالهم في ديوان شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام فيما رواه في معالم الزلفى (١) ، عن كتاب تحفة الاخوان وغيره
__________________
(١) ص ٢٩٢ .
.......................................................................................
________________________________________________
قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فرحاً مسروراً مستبشراً فسلّم عليه فرد عليهالسلام ، فقال علي عليهالسلام : يا رسول الله ما رأيتك أقبلت مثل هذا اليوم .
فقال : حبيبي وقرة عيني أتيتك ابشّرك ، إعلم أن في هذه الساعة نزل عليّ جبرئيل الأمين وقال : الحق جلّ جلاله يقرئك السلام ويقول لك : بشّر علياً أن شيعته الطايع منهم والعاصي من أهل الجنة ، فلما سمع مقالته خرّ لله ساجداً ، فلمّا رفع رأسه رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اشهدوا عليَّ أني قد وهبت لشيعتي نصف حسناتي .
فقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام : يا رب اشهد عليّ فإني وهبت لشيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام نصف حسناتي .
فقال الحسن عليهالسلام : يا رب اشهد عليّ أني قد وهبت لشيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام نصف حسناتي .
فقال الحسين عليهالسلام : يا رب اشهد عليّ أني قد وهبت لشيعة علي ابن أبي طالب عليهالسلام نصف حسناتي .
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ما أنتم بأكرم منّي اشهد عليّ يا رب أني قد وهبت لشيعة علي ابن أبي طالب عليهالسلام نصف حسناتي .
فهبط الأمين جبرائيل عليهالسلام وقال : يا محمد إن الله تعالى يقول : ما أنتم بأكرم مني إني قد غفرت لشيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام ومحبيه ذنوبهم جميعاً ، ولو كانت مثل زيد البحر ورمل البر وورق الشجر .
وإما بتحمل الذنوب ثم المغفرة منه تعالى كما ورد في قوله تعالى : ( لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) .
.......................................................................................
________________________________________________
ففي تفسير نور الثقلين بإسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ، قول الله في كتابه : ( لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) قال : ما كان له ذنب ولا همّ بذنب ، ولكن الله حمّله ذنوب شيعته ثم غفرها له ، الحديث .
وفيه في حديث آخر عن المجمع ، عن الصادق عليهالسلام قال : سأله رجل عن هذه الآية ، فقال : والله ما كان له ذنب ، ولكن الله سبحانه ضمن أن يغفر ذنوب شيعة علي عليهالسلام ما تقدم من ذنبهم وما تأخر .
وفي الكافي عن موسى بن جعفر عليهالسلام ما حاصله : أن الله تعالى غضب على الشيعة فتحمل عليهالسلام تلك المصائب ؛ ليدفع الله تعالى غضبه عنهم ، فراجع ، الحديث .
وإمّا باستيهابهم عليهمالسلام ذنوب شيعتهم منه تعالى إما في الدنيا وإما في الآخرة كما لا يخفى على من راجع أحاديث الشفاعة فإنها أكثر من أن تحصى .
وإما بتسبيب الأسباب الموصلة إلى السعادة الأبدية لهم ، كما يظهر ذلك من معاملاتهم عليهمالسلام مع شيعتهم .
وإمّا بتحبيب الإيمان في قلوبهم ببيان آثار ألطافه تعالى للمؤمنين ، كما هو ظاهر كثير من أحاديثهم .
وإمّا ... يكون طينتهم من فاضل طينتهم عليهمالسلام ، كما في كثير من أحاديث الطينة ، فإن هذا أحسن وجه ؛ لأن يذودوا عن شيعتهم المفاسد .
فإن المستفاد من هذه الأحاديث أن الشيعة متصلة بهم عليهمالسلام روحاً ، كما هو صريح بعضها من قوله عليهالسلام : شيعتنا جزء منا . وفي بعضها : أنه لا فرق بيننا وبينهم بعد تزكيتهم ، راجع تلك الأحاديث فهم عليهمالسلام يحنون إلى شيعتهم كما أن شيعتهم يحنون إليهم ، فما ظنّك حينئذ بهم عليهمالسلام بالنسبة إلى شيعتهم ؟
.......................................................................................
________________________________________________
وإمّا بتنويرهم قلوب شيعتهم كما في الكافي بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله تعالى : ( فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ) فقال : يا أبا خالد النور والله الأئمة عليهمالسلام يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ، ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فيظلم قلوبهم ويغشاهم ، الحديث .
فعلم أنهم الذادة عن شيعتهم كل ما يكرهه الله ، كل ذلك مما منحهم تعالى تفضلاً لهم ولشيعتهم كما يومئ إليه أيضاً قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) فوجوده عليهالسلام سبب لرفع العذاب عن أُمته صلىاللهعليهوآله ، بل ربما يسري هذا الأمر إلى شيعتهم فيدفع الله تعالى بواسطة أحد من الشيعة العذاب عن غيره من سائر الشيعة بل وعن غيرهم من أهل البلد .
ففي الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء .
وفيه بإسناده عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن الله تعالى يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمّن لا يصلي من شيعتنا ، فلو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا ، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحج ، ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا ، وإن الله ليدفع بمن يزك من شيعتنا عمّن لا يزك ، ولو اجتمعوا عل ترك الزكاة لهلكوا ، وهو قول الله تعالى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) فو الله ما نزلت إلّا فيكم ولا عني بها غيركم ، الحديث .
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٥١ .
.......................................................................................
________________________________________________
فإذا كان الله تعالى يدفع ببعض الشيعة عن الآخر منهم بأعماله الصالحة ، فما ظنك بهم عليهمالسلام وما لهم من العبادات والأعمال المقبولة كلّها ، فالله تعالى بهم وبأعمالهم الصالحة يدفع المكاره عن الناس خصوصاً عن الشيعة في الدنيا والآخرة .
هذا كله بالنسبة إلى شيعتهم ، وأمّا كيفية ذودهم الأعداء عما يحبه الله تعالى فذلك لعلة وبأُمور :
أمّا العلة : فهي أن المنافق والكافر إذا مال بطبع ماهيته وسوء اختياره إلى العقيدة الباطلة والعمل الباطل ، فلا محالة تصادم هذه الطبيعة الثانية ميل وجوده الأولي الذاتي الذي فطر على التوحيد إلى العمل الصالح ، فكان حينئذ يحبّ الشر للفطرة المغيّرة لسوء اختياره عن أصلها ، وهو حسب الفطرة الثانية المغيّرة يميل إلى الشرّ ، وإن كان بحسب الفطرة الايجادية ، التي هي فطرة الله قبل أن يغيّر يميل إلى الخير ، ولكن لا يمكنه العمل به لمانع أوجده في نفسه وهو الفطرة الثانية المغيّرة .
وإلى هذه الحالة اُشير في قوله تعالى : ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا ) أي ( والله العالم ) كلما أرادوا أن يخرجوا بفطرتهم الايجادية التوحيدية منها أُعيدوا فيها لوجود الفطرة الثانية المغيّرة ، وهذه هي المانعة عنهم لأن يخرجوا منها .
وكيف كان فالعلة لذودهم عليهمالسلام الأعداء عن كلّ الخير ، هو تركهم الإيمان وقبول الولاية فلسوء اختيارهم يذادون عن كل خير .
ففي الكافي (١) باسناده عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث كان رسول الله صلىاللهعليهوآله قد دعا قريشاً إلى ولايتنا فنفروا وأنكروا إلى أن قال : قلت قوله تعالى :
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٢٥ .
.......................................................................................
________________________________________________
( ... مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ مَدًّا ) (١) ، قال : كلّهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين عليهالسلام ولا بولايتنا فكانوا ضالين مضلّين فيمدّ لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتّى يموتوا فيصيّرهم الله شرّ مكاناً وأضعف جنداً ، الحديث .
فعلم منه أنّ إمداده تعالى لهم في ضلالتهم إنّما هو لإنكارهم ولاية الأئمّة المعصومين عليهمالسلام .
وأمّا الأُمور التي بها يذودون أعداءهم عن الخير ، فهي إمّا بالخذلان ، فإنّه لمّا مال المنافق بمحبّته إلى الشرّ خذلوه عن الورع والهداية جزاء لسوء اختياره فخُلِّي وطبعه ، فحسن الشرّ لديه وزان بنظره بسبب الخذلان العارض له ، فحبّه للشرّ وترجيحه على الخير لأمرين :
سوء اختياره وتركه للولاية والايمان .
خذلانهم عليهمالسلام إيّاهم ، فهم في ظرف الخذلان يميلون إلى الشرّ بميلهم الذاتي لسوء اختيارهم النفساني ، وفي هذا الظرف يتأكّد عزمهم على الشرور .
فباعتبار سوء اختيارهم يصحّ استناد الشرّ والكفر إليهم ـ أي إلى الأعداء ـ وباعتبار خذلان الله تعالى والأئمة عليهمالسلام لهم يصحّ أن يقال : إن الله تعالى أضلّهم أي خذلهم ، وأمدّ لهم في طغيانهم لسوء اختيارهم .
وكيف كان فبهذا الخذلان ذادوهم عن الخير ، الذي هو الحوض والجنّة والسعادات الدنيوية والأُخروية ، أعاذنا الله تبارك وتعالى من الخذلان بمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين عليهمالسلام .
__________________
(١) سورة مريم : ٧٥ .
وَاَعْطَيْتَهُ مَواريثَ الْأَنْبِيآءِ
________________________________________________
الوارث : هي صفة من صفات الله عزّ وجل حيث هو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم ، والله عزّ وجل يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، أي يبقى بعد فناء الكل ويفنى مَن سواه ، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له (١) .
والوارث فيما سواه تعالى : هو الذي يبقى بعد موت آخر مع استحقاقه لتركته بقيامه مقامه ونزوله منزلته فكأنه هو .
والمواريث : جمع ميراث من الارث وياؤه مقلوبة من الواو من الورث ، وهو على الأول على ما قيل : استحقاق انسان بنسب أو سبب شيئاً بالأصالة ، وعلى الثاني : ما يستحقه بحذف الشيء (٢) .
فإن الله تعالى أعطى الإمام الحسين عليهالسلام مواريث الأنبياء والأوصياء كما أشارت الزيارة إلى ذلك فهي من الكرامات التي منحها الله تعالى لأبي عبد الله الحسين عليهالسلام حيث تدل على مقامه ومنزلته عند الله تعالى أي أن جميع خواص الأنبياء وآثارهم ومتروكاتهم المختصة بهم لأحد عناوين النسب من الاخوة والابوة مثلاً ، أو المختصة للابلاغ والتعريف واقامة الدين وغيرها مما اعدوه لطاعة الله نحو عصا موسى وعمامة هارون والتابوت والسكينة وخاتم سليمان وغيرها مما يأتي ذكره ، فجميعها للإمام الحسين عليهالسلام بالوراثة حيث هو القائم مقامهم والنازل منزلتهم .
__________________
(١) لسان العرب ٣ : ١٩٩ .
(٢) مجمع البحرين ٢ : ٢٦٨ .
.......................................................................................
________________________________________________
وكذلك وراثته عليهالسلام لهم في العلم ، أي ورث جميع ما عندهم من العلوم مما أدركوه من الوحي بواسطة الملك أو الالهام أو الفهم ، وما فيه من القوة التي بها كانوا يخاطبون الحيوانات ويعرفون بها نطق الجمادات والنباتات وهفيف الرياح وجريان المياه ... .
والخلاصة : أن جميع ما فرّقه الله تعالى في جميع أنبيائه وأوليائه وخلقه مما هو مزية إلهية وكمال معنوي قد جمعها وأعطاها للإمام الحسين عليهالسلام . ويدل على ذلك ما ورد في زيارته عليهالسلام في النصف من رجب : « اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِلْمِ الْأَنْبِياءِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ صَفْوَةِ اللهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ ... » ، وقد اشترك بهذه الوراثة جميع الأئمة عليهمالسلام كما تشير إلى ذلك كثير من الروايات التي وردت عنهم عليهمالسلام في هذا المقام ، نشير إلى بعض منها .
ففي البحار عن بصائر الدرجات عن عبد الله بن عامر عن ابن أبي نجران قال :
كتب أبو الحسن الرضا عليهالسلام رسالة وأقرأنيها قال : قال علي بن الحسين عليهالسلام : « إن محمداً صلىاللهعليهوآله كان أمين الله في أرضه ، فلما قبض محمد صلىاللهعليهوآله كنا أهل البيت ورثته ، فنحن أُمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق .
وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء
آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ، نحن النجباء ، وأفراطنا إفراط الأنبياء ، ونحن أبناء الأوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن أولى الناس بكتاب الله ، ونحن أولى الناس بدين الله ، ونحن الذين شرع لنا دينه ،
.......................................................................................
________________________________________________
فقال في كتابه (١) ( شَرَعَ لَكُم ( يا آل محمد ) مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا ( فقد وصّانا بما وصّى به نوحاً ) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ( يا محمد ) وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ ( وإسماعيل ) وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ( وإسحاق ويعقوب فقد علّمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ) .
( نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أُولي العزم من الرسل ) أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ( يا آل محمد ) وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ( وكونوا على جماعة ) كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ( من أشرك بولاية علي عليهالسلام ) مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ( من ولاية علي ) اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ ( يا محمد ) وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ) ( من يجيبك إلى ولاية علي عليهالسلام ) » .
وعن الكافي باسناده عن ابان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لما حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين عليهالسلام فقال للعباس : « يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ فردّ عليه فقال : يا رسول الله شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح (٢) ؟! قال : فأطرق رسول الله صلىاللهعليهوآله هنيئة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه ؟ فقال : بأبي أنت وأُمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح !!
قال : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقّها ثم قال : يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ فقال : نعم ، بأبي أنت وأُمي ، ذلك علي ولي ، قال : فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من إصبعه فقال : تختم بها في حياتي .
__________________
(١) سورة الشورى : ١٣ .
(٢) تباري الريح أي تسابقه كنّى به عن علوّ همته وتكراره صلىاللهعليهوآله القول عليه لاتمام الحجة .
.......................................................................................
________________________________________________
قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في إصبعي ، فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم . ثم صاح يا بلال عليّ بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسحاب والبرد والأبرقة والقصيب .
قال : فوالله ما رأيتها قبل ساعتي تلك يعني الأبرقة ، فجيء بشقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنة .
فقال : يا علي إن جبرئيل آتاني بها وقال : يا محمد اجعلها في حلقة الدرع ، واستزفر بها مكان المنطقة ، ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعاً ، إحداهما مخصوف والآخر غير مخصوف ، والقميصين القميص الذي أسرى به فيه ليلة المعراج والقميص الذي خرج به يوم أُحد ، والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة كانت يلبسها ويقعد مع أصحابه .
ثم قال : يا بلال عليّ بالبغلتين الشهباء والدلدل ، والناقتين الغضباء والقصواء ، والفرسين الجناح كانت تتوقف بباب المسجد لحوائج رسول الله صلىاللهعليهوآله يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وحيزوم وهو الذي كان يقول : أقدم يا حيزوم ، والحمار عفير ، فقال : أقبضها في حياتي .
فذكر أمير المؤمنين عليهالسلام : أن أول شيء من الدواب توفي عفير ، ساعة قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله فقطع خطامه ، ثم مرّ يركض حتى أتى بئر بني حطمة بقبا فرمى بنفسه فيها فكانت قبره » .
قال الفيض رحمهالله في الوافي في تقديم ذكر أخذ التراث على قضاء الدين ، وإنجاز العدات في مخاطبة العباس وبالعكس في مخاطبة أمير المؤمنين عليهالسلام لطف لا يخفى .
.......................................................................................
________________________________________________
قوله : فنظرت الضمير لعلي عليهالسلام بنحو الالتفات في الحكاية ، والسحاب اسم عمامته صلىاللهعليهوآله ، الاستزفار شدّ الوسط بالمنطقة ، الشهباء والدلدل اسمان للبغلتين ، الغضباء بالعين المهملة والضاد المعجمة الناقة المشقوقة الأُذن ، والقصواء بالقاف والصاد المهملة المقطوع طرف أُذنها وليس ناقتاه صلىاللهعليهوآله كذلك ، ولكنهما لقبا بذلك ، وعفير كزبير اسم لحماره صلىاللهعليهوآله ، والخطام بالحاء المعجمة والطاء المهملة الرفام ، وحيزوم اسم فرس جبرئيل ، فخاطب صلىاللهعليهوآله فرسه بما كان خاطب جبرئيل فرسه بذلك يوم بدر (١) .
وفي البحار (٢) عن السرائر باسناده عن حمران بن أعين ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : عندكم التوراة والانجيل والزبور وما في الصحف الأُولى صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : نعم ، قلت : إن هذا لهو العلم الأكبر !! قال : « يا حمران لو لم يكن غير ما كان ، ولكن ما يحدث بالليل والنهار علمه عندنا أعظم » .
وفيه ، عنه (٣) باسناده عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً إملاء رسول الله صلىاللهعليهوآله وخطّ علي بيده ، ما من حلال ولا حرام إلّا وهو فيها حتى إرش الخدش » .
__________________
(١) الانوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة ٢ : ٢١٨ .
(٢) بحار الأنوار ٢٦ : ٢٠ .
(٣) بحار الأنوار ٢٦ : ٢٢ .
وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلىٰ خَلْقِكَ
________________________________________________
الحجة : هي البرهان وقيل : الحجة الكلام المستقيم على الاطلاق ، ويراد بها الدليل والبرهان ، ثم إن البرهان قد يكون باللفظ ، وقد يكون بالعمل ، والبرهان العملي ابلغ في إثبات الدعوى لأنه لا يحتمل الخطاء .
ومن المعلوم أن أول الدلائل في مقام الحجة هو الوجدان ، وهذا بخلاف البرهان اللفظي فإنه لا يتجاوز إلّا الادعاء على المدعى ، ومن المعلوم أيضاً أن الأذواق والافهام مختلفة لجودة الدرك وعدمها في الأشخاص ، فحينئذ لازمة طرّو الاشتباه في الدلالة اللفظية ، ولذا يحتاج في قطعية الدلالة اللفظية إلى احتفافه بالقرائن اللفظية الأُخرى والحالية ونحوها وهذا بخلاف البرهان العملي .
وقد علم مما سبق أن الامام الحسين عليهالسلام كما في هذه الزيارة والأئمة الأطهار عليهمالسلام براهين وحجج تامة لله تعالى في السرّ والعلانية على خلقه في عالم الوجود مطلقاً من عالم الدنيا والآخرة والاُولى وهي عالم الأرواح والذر ، كما ورد في زيارة الجامعة « وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأُولى » فمعنى الأولى أي في عالم الذر وسوف نشير إلى بعض الروايات الواردة في هذا المقام .
وأما قوله عليهالسلام « عَلىٰ خَلْقِكَ » :
فإن معنى الخلق : هو جميع ما سوى الله تعالى من المجردات والماديات والعقول والنفوس والحيوانات والنباتات ... الخ ، فجميع اصناف الخلق معنون بعنوان انه مخلق لله تعالى فهو خالق كل شيء ، وعليه فالخليقة كالجنس يشمل جميع أنواع الموجودات ، وإن شئت فقل ان الخلق مساوق للايجاد والوجود .
قال بعض الأعلام : قد يظن ان الخالق
والباري والمصوّر الفاظ مترادفة بمعنى الخلق والاختراع كما قال تعالى : ( هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ
الْمُصَوِّرُ )