مصابيح الظلام - ج ٨

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٨

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-7-6
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٢٨

لا تخاف منها.

نعم ، ظهر ممّا ذكرنا من الأخبار جواز القطع لحرز المال وحفظه عن التضييع ، إلّا أن يقال : المتبادر منه في مثل المقام ما يعتنى بشأنه ، ويعتدّ بحاله ، ولعلّ حرز مثله يكون واجبا ، ولا أقلّ من كونه مستحبّا بحيث يستحب له قطع الصلاة ، لكنّه محلّ تأمّل. والاحتياط واضح.

قال في «الذكرى» : وإذا أراد القطع فالأجود التحلّل بالتسليم ، لعموم وتحليلها التسليم (١).

وفيه تأمّل ظاهر.

قال : ولو ضاق الحال منه سقط ، ولو لم يأت به وفعل منافيا آخر ، فالأقرب عدم الإثم ، لأنّ القطع سائغ ، والتسليم إنّما يجب التحلّل به في الصلاة التامّة (٢).

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٦.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٦.

٥٠١
٥٠٢

١٩٢ ـ مفتاح

[ما لو أحدث في الصلاة]

من أحدث في الصلاة عامدا بطلت صلاته بالإجماع ، سواء كان الحدث أصغر أم أكبر ، ولو كان سهوا فكذلك عند الأكثر لشرطيّة الطهارة ، وإبطال الفعل الكثير ، وللموثّق (١) وغيره (٢).

وقال السيّد والشيخ : يتطهّر ويبني (٣) للصحاح المستفيضة (٤) ، إلّا أنّ المستفاد منها أنّه إن آذاه بطنه فلا بأس أن ينصرف ويقضي حاجته ، ثمّ يبني على ما مضى من صلاته ، وهو غير المدّعى.

ومنهم من فرّق بين المتيمّم وغيره ، فأوجب البناء للمتيمّم مع سبق الحدث ووجدان الماء ، والاستئناف لغيره ، للصحيحين (٥) المتشابهين القابلين للتأويل ، على أنّه ليس فيهما حكم المتوضئ ، وإنّما وقع السؤال فيهما عن المتيمّم فحسب فاجيب به ، مع أنّه الفرد الأخفى.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٩ الحديث ٦٧٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٣ ـ ٢٣٧ الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) نقل عنهما في المعتبر : ٢ / ٢٥٠ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٧١.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٥ الحديث ٩٢٠٩ ، تنبيه : لم نعثر على الصحاح في هذا الباب.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٤ و ٢٠٥ الحديث ٥٩٤ و ٥٩٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٦ الحديث ٩٢١٠.

٥٠٣
٥٠٤

قوله : (من أحدث). إلى آخره.

أجمع الأصحاب على بطلان الصلاة بالحدث في أثنائها عمدا ، وأمّا سهوا فالمشهور أيضا البطلان كالعمد ، نقل الإجماع جماعة منهم العلّامة (١).

وفي «الذخيرة» بعد ذكر ذلك قال : لكن عموم كلام الصدوق الآتي ، وعموم ما نقل عن ابن أبي عقيل سابقا في مسألة المتيمّم المحدث ناسيا في أثناء الصلاة يخالفه (٢).

أقول : على تقدير التسليم ، فخروج معلوم النسب غير مضرّ ، مع أنّه قال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّ الصلاة يقطعها ريح إذا خرج من المصلّي ، أو غيرها ممّا ينقض الوضوء ، أو يذكر أنّه على غير وضوء ، أو وجد أذى أو ضربانا لا يمكنه الصبر عليه ، أو رعف فخرج من أنفه دم كثير ، أو التفت حتّى يرى من خلفه ، ولا يقطع صلاة المسلم شي‌ء يمرّ بين يديه من كلب أو امرأة (٣).

وقال في «التهذيب» : لا خلاف بين أصحابنا أنّ من أحدث في الصلاة ما يقطع الصلاة يجب عليه استئنافها (٤) ، فلاحظ!

وكلام الصدوق (٥) ـ كما سيجي‌ء ـ في غاية الظهور في كون مراده غير صورة العمد ، وكذلك كلام ابن أبي عقيل (٦).

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٥١٣ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٧١.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٥١.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ ذيل الحديث ٥٩٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٣ ذيل الحديث ١٠٣٠.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٤١.

٥٠٥

على أنّا نمنع ظهور الشمول لصورة العمد.

وبالجملة ، لا شبهة في الفساد في صورة العمد ، ولعلّه الآن من ضروريّات الدين أو المذهب.

وأمّا السهو ، فقد ظهر لك ما في «الأمالي» ، وما في «التهذيب» من نقل الإجماع على الفساد على سبيل العموم ، بل صورة السهو أظهر أفراد العموم.

والعلّامة في «التذكرة» صرّح بالإجماع في صورة السهو أيضا (١) ، ونقل عن المرتضى أيضا في «الناصريّة» (٢) ، وعن مولانا المحقّق المقدّس الأردبيلي (٣).

هذا ، مع أنّ العبادة توقيفيّة ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، وهي تحصل بالإعادة ، مع أنّ الأصل بقاء ما كان على ما كان.

ويدلّ على البطلان أيضا ـ مضافا إلى ما ذكر ـ رواية أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يخفق في الصلاة ، أنّه قال : «إن كان لا يحفظ حدثا منه إن كان ، فعليه الوضوء وإعادة الصلاة» (٤) الحديث.

الرواية صحيحة عندي ، وعند من وافقني ، مثل جدّي ، وخالي العلّامة المجلسي ، ومعتبرة على المشهور.

وقويّة الحسن بن الجهم عن الكاظم عليه‌السلام : في رجل صلّى الظهر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : «إن كان تشهّد الشهادتين فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد» (٥).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٧١.

(٢) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٨ / ١٠ ، الناصريّات : ٢٣٢ المسألة ٩٣.

(٣) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٣٥١ ، لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٤٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٧ الحديث ٨ ، الاستبصار : ١ / ٨٠ الحديث ٢٥٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٣ الحديث ٦٥٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٤٠١ الحديث ١٥٣١ ، وسائل الشيعة :

٥٠٦

وورد في الحائض التي تحيض في أثناء الصلاة : أنّ صلاتها تبطل (١) ، فتأمّل!

ومرّ في مبحث الوضوء أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني (٢).

مع أنّه ورد في الصحيح : أنّ الفرض في الصلاة الوقت والقبلة والطهور .. (٣) ، وأنّ قبلة الناسي ما بين المشرق والمغرب (٤) ، وسيجي‌ء في حكم الالتفات ما به يظهر التقريب.

وورد فيه أيضا : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت» (٥) الحديث ، والمتبادر منهما كون الطهارة مثل الوقت بالنسبة إليها.

وورد أيضا : «لا صلاة إلّا بطهور» (٦) والمتبادر منه اشتراط الطهارة لجميع أجزاء الصلاة على سبيل الاتّصال.

ومرّ في مبحث نيّة الوضوء ما ينبغي أن يلاحظ (٧).

وفي موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع ، قال : «إن كان ملطّخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في

__________________

٧ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠٦.

(١) الكافي : ٣ / ١٠٣ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٩٤ الحديث ١٢٢٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٦٠ الحديث ٢٣٦٢ و ٢٣٦٥.

(٢) راجع! الصفحة : ٥٤٤ ـ ٥٤٦ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤١ الحديث ٩٥٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٩٥ الحديث ٥١٩٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣١٤ و ٣١٥ الباب ١٠ من أبواب القبلة.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٥ الحديث ٩٩١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧١ الحديث ٩٨٠.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٥ وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١.

(٧) راجع! الصفحة : ٣٨٩ ـ ٣٩١ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

٥٠٧

صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة» (١).

والسند في هذه الأخبار منجبر بالشهرة والإجماعات وغيرهما ، مع أنّ الموثّق حجّة.

ويدلّ عليه أيضا موثّقة زرارة بابن بكير أنّه قال للصادق عليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : «تمّت صلاته وإنّما التشهّد سنّة فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهّد» (٢).

ومثلها موثّقة عبيد بن زرارة بابن بكير (٣) ، وهما في غاية الوضوح في أنّ الحدث لو كان قبل التشهّد لكانت الصلاة باطلة ، ولا ينفع الوضوء والإتيان بما بقي.

وأمّا حكاية كون التشهّد سنّة ، فمرّ أنّه محمول على التقيّة (٤).

ومرّ مكرّرا أنّ عدم حجّية بعض الحديث لا يخرج الحديث عن الحجّية ، كما هو طريقة المشهور سيّما القدماء.

ومثلهما بل الأولى منهما صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : فيمن يحدث قبل أن يسلّم ، أنّه قال : «قد تمّت صلاته ، وإن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه وقام فقد تمّت صلاته» (٥) ، ومثلها غيرها من الأخبار المعتبرة.

ويؤيّده الصحاح ، والمعتبرة التي مضت في حدث الإمام في أثناء الصلاة (٦) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١ الحديث ٢٠ ، الاستبصار : ١ / ٨٢ الحديث ٢٥٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٩ الحديث ٦٧٢ مع اختلاف.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٨ الحديث ١٣٠٠ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١١ الحديث ٨٣٠٥.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٤٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٢ الحديث ٨٣٠٧.

(٤) راجع! الصفحة : ١٣٣ و ١٣٤ من هذا الكتاب.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٠ الحديث ١٣٠٦ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤٢٤ الحديث ٨٣٤١.

(٦) راجع! الصفحة : ٤٧٨ ـ ٤٨٠ من هذا الكتاب.

٥٠٨

لأنّه يظهر منها ظهورا تامّا خروجه بذلك عن صلاحيّته للإمامة ، وأنّه إذا كان لا يستنيب ، يستنيب المأمومون ، ولم يقيّدوا ذلك بصورة عدم تمكّنه من الوضوء ذلك الوقت ، إذ مع التمكّن والمسارعة يكفي كونه إماما لهم ، لأنّه يجوز لهم الاشتغال بالذكر حتّى يلحقهم إمامهم ، فإنّ ذلك أوفق لصحّة صلاتهم من اشتغال المأمومين باستنابة أحد يصلح لإمامتهم ، ويرضى كلّهم بذلك الإمام ، ويفهم الكلّ حكاية الاستنابة ، ويباشروا الاستنابة ، أو يوكّلوا واحدا منهم ، مع نهاية صعوبة الامور المذكورة حال الاشتغال بالصلاة.

نعم ، في المرسل المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام صحّة صلاة الإمام وعدم بطلانها (١) ، وسيجي‌ء الكلام فيها وفي أمثالها.

ويعضده أيضا ما مرّ في مبحث النيّة من ضرر قطعها ومخالفتها في أثناء الصلاة ، أو قصد منافيها (٢) فلاحظ وتأمّل جدّا! لأنّ حال النيّة حال الطهارة بالنظر إلى الأدلّة والمذهب الحقّ من كونها شرطا ، ومسلّم عند الفقهاء حتّى المخالفين للمشهور في المقام من المحقّقين من المتأخّرين اشتراط الاستدامة الحكميّة ، بمعنى عدم نيّة الخلاف ، كما مرّ ، فلاحظ وتأمّل جدّا!

قوله : (لشرطيّة الطهارة). إلى آخره.

احتجّوا بأنّ الطهارة شرط في الصلاة ، ومع زوال الشرط يزول المشروط ، وبأنّ الإجماع واقع على أنّ الفعل الكثير مبطل للصلاة ، وهو هنا حاصل بالطهارة الواقعة في أثناء الصلاة.

واورد على الأوّل بأنّ اللازم منه عدم وقوع الصلاة ، أو شي‌ء منها بغير

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦١ الحديث ١١٩٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٦ الحديث ١١٠٨٣.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٩٩ ـ ٤٠١ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

٥٠٩

طهارة ، وهو خلاف المدّعى ، وعلى الثاني بمنع الإجماع في موضع النزاع.

أقول : قد عرفت الجواب عن الإيراد الأوّل ، ونزيد توضيحا ونقول :

المتبادر من الصلاة المتلقّاة من الشرع هو الهيئة المتّصلة السارية في الأجزاء المعروفة منها ، فإذا كانت الطهارة شرطا لها ، يكون الاتّصال المذكور معتبرا فيها ، ولذا إذا حصل المنافيات في أثنائها ، يقولون : قطع صلاته ، ومن تلك المنافيات الأحداث الواقعة في أثنائها ، ولا يقول أحد : قطع وضوءه ولا يرضى به فقيه.

ولذا حملوا الخبر المتضمّن لعبارة قطع الوضوء على توهّم من الراوي أو غير ذلك (١) ، وأنّه كان قطع الصلاة فوقع الوهم ، لأنّ الوضوء لا يقال : قطعه شي‌ء ، أو انقطع ونحوهما ، بل يقال : نقض أو انتقض ونحوهما.

ومن هذا لو وقع الحدث في أثناء الصلاة عمدا لم يكن تأمّل لمتأمّل في قطعه لها ، وفسادها بالقطع المزبور ، وكون الاتّصال معتبرا في حال العمد دون حال السهو ، وكون الطهارة لها على سبيل الاتّصال في الأوّل ، وعلى سبيل الانفصال والتوزيع في الثاني.

مع كون الدليل في الصورتين هو قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) ، وأمثاله من جهة كون النفي واردا على مطلق الصلاة وحقيقتها ، لا خصوص صورة العمد ، فيه ما فيه ، فإنّ المتبادر منه معنى واحد في كلا الصورتين.

ودعوى تبادر سبيل الانفصال والتوزيع في صورة العمد أيضا ، فيه ما فيه ، كدعوى عدم تبادر سبيل الاتّصال فيها.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٥ و ٥٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١.

٥١٠

مع أنّه على هذا أيضا لا بدّ من مراعاة الاتّصال مطلقا ، تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، مع أنّ الصلاة هيئة توقيفيّة على بيان الشرع والثبوت منه ، والقدر الثابت من الشرع والمنقول إلينا منه على سبيل الثبوت هو الهيئة الخالية عن الحدث في أثنائها ، المتّصلة الأجزاء في الطهارة المشروطة ، فإنّ المورد ومشاركيه قالوا في مبحث تكبيرة الإحرام : إنّه لا بدّ من كونها «الله أكبر» بهمزة «الله» على سبيل القطع ، و «أكبر» على وزن أفعل مجزوم الأخير ، من دون ذكر عبارة : كلّ شي‌ء ، أو أن يوصف ، أو غيرهما ممّا ورد من الشرع كونه مرادا.

واستدلّوا على ذلك بكونها عبادة ، والمنقول إلينا من الشرع هو هذه الهيئة ردّا على من جوّز كونها بغير هذه الهيئة ، ممّا هو تكبير في لغة العرب (١) ، للعمومات والإطلاقات الواردة من الشرع في وجوب تكبيرة الافتتاح (٢).

وأين ما ذكروه في تكبيرة الافتتاح ممّا ذكروه في المقام؟

وبالجملة ، الصلاة التي وقع في حشوها الحدث المنافي لها لم يعلم بعد كونها الهيئة المعتبرة شرعا ، لو لم نقل بالعلم بعدمها إيّاها ، كما لا يخفى على المنصف ، سيّما إذا وقع في حشوها الأفعال الأجنبيّة بالنسبة إليها ، مثل الوضوء والغسل والتيمّم.

وأين هذه من الذي صدر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام؟ وقد عرفت مكرّرا أنّ فعلهم حجّة في العبادات التوقيفيّة ، لعدم وجدان البيان القولي من واحد منهم ، سوى رواية حمّاد المشهورة (٣) وأمثالها ، وقد عرفت أنّها ليست بيانا لخصوص الواجبات منها.

__________________

(١) لاحظ! المغني لابن قدامة : ١ / ٢٧٥.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٩ الباب ١ من أبواب تكبيرة الإحرام.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٦ الحديث ٩١٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٨١ الحديث ٣٠١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ و ٤٦٠ الحديث ٧٠٧٧.

٥١١

مع أنّها على تقدير كونها بيانا ، ففي غاية الوضوح في عدم كون ما وقع فيه الحدث صلاة شرعيّة ، فضلا أن يقع فيها الوضوء وأخواه.

وممّا ينادي بما ذكرناه ، أنّه لو أحدث محدث جهلا بالمسألة ، تصير صلاته باطلة بالوفاق عن الخصم أيضا ، ولذا قال بالصحّة في صورة السهو خاصّة.

مع أنّ الجهل عذر شرعي ، كما يظهر من الأخبار ، واعتقد به المورد وشركاؤه ، وإن كان هذا أيضا ليس بعذر مصحّح للفعل ، كما هو المشهور والمعروف من فقهائنا ، وبيّناه في موضعه (١) ، ومرّ في هذا الكتاب (٢) ، وسيجي‌ء أيضا.

وبالجملة ، لو لا ما توهّمه الموردون من وجود الصحاح الدالّة على عدم البطلان في صورة السهو لما صدر منهم الإيراد المزبور ، ولما خالفوا الأصحاب ، لكن ستعرف أنّه محض التوهّم.

وممّا ذكر ظهر فساد الإيراد الثاني أيضا ، مضافا إلى أنّ الإجماع عندنا ليس وفاق الكلّ ، لعدم ضرر خروج معلوم النسب ، وإن كان مائة وأزيد ، كما صرّح المحقّق ، وغيره من المحقّقين (٣).

وأمّا العامّة فإجماعهم وإن كان وفاق الكلّ ، إلّا أنّ مرادهم كلّ أهل عصر واحد لا مجموع الأعصار ، لأنّ الإجماع عندهم حجّة في دار الدنيا لا دار الآخرة.

فالقول بأنّه لما كان محلّ النزاع يمنع الإجماع ، فيه ما فيه.

ومعلوم أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة كخبر الواحد ، من دون تفاوت أصلا بحسب الدليل والمانع.

__________________

(١) الفوائد الحائرية : ٤١٥ ـ ٤٢٩.

(٢) راجع! الصفحة : ١٨٠ ـ ١٨٢ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٣) المعتبر : ١ / ٣١ ، لاحظ! معالم الدين في الاصول : ١٧٣.

٥١٢

ولذا محقّقونا من القائلين بحجيّة الخبر الواحد قائلون على حجيّته ، كما هو المحقّق في محلّه (١) ، سيّما الإجماع الذي نقلناه عن الصدوق ، حيث جعله من عقائد الإماميّة التي يجب عليهم الإقرار [بها] (٢) ، سيّما إذا انضمّ إليه إجماع الشيخ والعلّامة (٣).

ثمّ اعلم! أنّه في «المدارك» جعل محلّ النزاع خصوص صدور الحدث الذي يوجب الوضوء سهوا ونسب إلى الشيخ والمرتضى أنّهما قالا : يتطهّر ويبني على ما مضى من صلاته.

ثمّ قال : وفرّق المفيد بين المتيمّم وغيره ، فأوجب البناء في المتيمّم إذا سبقه الحدث ووجد الماء ، والاستئناف في غيره (٤) واختاره الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» (٥) ، واختاره ابن أبي عقيل (٦) وقوّاه في «المعتبر» (٧).

ثمّ نقل حجّة المعظم ، وطعن عليها بما نقلناه وأجبنا عنه (٨).

ثمّ قال : نعم ، يمكن الاستدلال بأنّ الصلاة وظيفة شرعيّة فيجب الاقتصار على المنقول من الشرع ، وهو ما كان على النظم المعيّن (٩).

__________________

(١) لاحظ! الرسائل الاصولية : ٢٩٣ ـ ٣٠٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ ذيل الحديث ٥٩٥ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٧١.

(٤) المقنعة : ٦١.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه في المبسوط والنهاية ، نقل عن الشيخ في الحدائق الناضرة : ٤ / ٣٨٧ ، تنبيه : نعم يمكن أن يستفاد من النهاية : ٤٨ و ٩٤ ، وأفتى به في تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ ذيل الحديث ٥٩٥.

(٦) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٤١.

(٧) المعتبر : ١ / ٤٠٧ ، تنبيه : رجع المحقق عن هذه الفتوى ، لاحظ! المعتبر : ٢ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢.

(٨) راجع! الصفحة : ٥٠٩ ـ ٥١٢ من هذا الكتاب.

(٩) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٥٧.

٥١٣

وقد عرفت أنّ حجّتهم تامّة بما ذكر وسلّم ، مع أنّه لا معنى لأن يقول : يمكن الاستدلال ، مع كونه دليلا واضحا يقينا مسلّما عندهم ، مع أنّه دائما يستدلّ للقوم في المقامات الخلافيّة بما ذكر ، فتأمّل!

ثمّ قال : احتجّ القائلون بالبناء مطلقا بصحيحة الفضيل بن يسار ، أنّه قال للباقر عليه‌السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا ، فقال : «انصرف توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا ، وإن تكلّمت ناسيا فلا شي‌ء عليك ، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا» ، قلت : وإن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال : «نعم» (١).

ثمّ نقل عن المرتضى أنّ الأذى والغمز لو لم يكن ناقضا لم يأمره بالانصراف والوضوء (٢).

ثمّ نقل الجواب بأنّه ليس في الخبر ذلك ، والأذى والغمز ليس بحدث إجماعا ، فأجاب بأنّ التعبير عن قضاء الحاجة بالانصراف شائع (٣) ، انتهى.

أقول : لا شكّ في كون المراد قضاء الحاجة البتّة للقرينة الواضحة ، فإنّ الانصراف عن الصلاة ، ثمّ الوضوء من دون علاج للأذى والغمز مقطوع بفساده ، فلا حاجة إلى دعوى الشيوع الذي لم نجد عليه دليلا ، لكن مجرّد الأذى والغمز ليس بحدث قطعا.

وليس في الخبر قرينة على حدوث الحدث بعدهما ، بل القرينة على خلافه ، بناء على ما ذكر من أنّ التعبير عن قضاء الحاجة بالانصراف ، بل وبناء على ما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٠ الحديث ١٠٦٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٢ الحديث ١٣٧٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٠١ الحديث ١٥٣٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٥ الحديث ٩٢٠٩ مع اختلاف يسير.

(٢) نقل عنه في المعتبر : ٢ / ٢٥١ و ٢٥٢.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٥٧.

٥١٤

ذكرناه أيضا لا قرينة عليه ، فلا بدّ من حمل الحديث على الأذى والغمز الذي لا يمكن الصبر عليه من دون الحدث ، فأين مضمون الحديث من مطلوب المستدلّ وهو الحدث سهوا؟

مع أنّه رحمه‌الله بمجرّد ما يرى من فقيه تأمّلا في المجمع عليه يمنع الإجماع ، فكيف ما منع الإجماع على عدم كون الأذى والغمز ناقضين ، وإن كانت طريقته ليست بشي‌ء ، وأنّ الحق أنّ مجرّد ما يظهر من عبارة فقيه لا يضرّ الإجماع ، بل ما يعلم من فقيه أيضا لا يضرّ ، كما عرفت مرارا.

وما صدر منه في المقام من تسليم الإجماع هو الحقّ ، وحمل الأذى والغمز على ما صدر منه الحدث.

وسبق أقرب ممّا ذكره في «المدارك» ، بل ما ذكره بديهي الفساد ، وأقرب ممّا ذكرنا أيضا بناء على عدم قائل بالبناء ، وموافق لما نسب العلّامة في «التذكرة» إلى السيّد والشيخ من أنّهما قالا : بأنّ الحدث لو سبقه يستأنف الوضوء ، ويبني على ما مضى (١) من دون إشارة إلى تأمّل منهما في الحدث سهوا.

لكن مع ذلك أيضا لا يتمّ الاستدلال ، لعدم ذكر السبق في الرواية ، وعدم وجدان عين منه ولا أثر.

فالرواية شاذّة يجب ترك العمل بها ، لا أنّه قول وتوجّه بمجرّد المشتهر ثمّ يستدلّ بها ، ويجعل حجّة داعية على القول بأنّ سبق الحدث يقتضي كذا وكذا من دون دليل آخر ، مع أنّه على فرض وجوده ، يكون ذلك هو الحجّة ، لا الرواية المؤوّلة من دون حجّة في تأويلها أصلا ، وهو رحمه‌الله يروي الحديث الذي لم يقل بظاهره أحد ، وأفتوا بخلاف ظاهره.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٧١.

٥١٥

وبالجملة ، الذي يظهر من الرواية كون الحدث عمدا ، وهو مضرّ مبطل إجماعا ، على ما هو مسلّم عنده أيضا.

ومع ذلك تعارض ما دلّ على بطلان الصلاة بالالتفات ، وتقلّب الوجه عن القبلة واستدبارها ، وهي أخبار صحاح مفتى بها (١) كما سيجي‌ء.

ومع هذا تعارض ما دلّ على بطلان الصلاة بالفعل الكثير (٢) ، والتغوّط في أثناء الصلاة فعل كثير ، وكذلك الوضوء ، وكذلك المشي إلى موضع التغوّط ، ومنه إلى محلّ الطهارة ، ثمّ منه إلى الصلاة ، فمع جميع ذلك كيف لم يتحقّق الفعل الكثير المبطل للصلاة؟ كما ستعرف.

ومع جميع ما ذكر مقتضى ظاهر الرواية انحصار ناقض الصلاة في الكلام عمدا ، وفيه أيضا ما فيه.

وورد منهم الأمر بأخذ ما اشتهر بين الأصحاب ، وترك الشاذ النادر (٣) ، وفي المقام شذوذات متعدّدة في مقابل الاشتهارات المتعدّدة ، ومع ذلك موافقة للتقيّة لما ستعرف ، فيجب ترك العمل بها من هذه الجهة أيضا البتّة.

وممّا ذكر ظهر الحال في رواية أبي سعيد القماط ، قال : سمعت رجلا يسأل الصادق عليه‌السلام عن رجل وجد في بطنه غمزا أو أذى أو عصرا من البول ، وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الاولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، فقال : «إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤٤ الباب ٣ من أبواب قواطع الصلاة.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٥ الباب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) الكافي : ١ / ٦٧ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠٢ الحديث ٨٤٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

٥١٦

الصلاة» [بالكلام] قال : قلت : وإن التفت يمينا أو شمالا أو ولّى عن القبلة؟ قال : «نعم ، كلّ ذلك واسع ، إنّما هو بمنزلة رجل سهى فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة ، فإنّما عليه أن يبني على صلاته ، ثمّ ذكر سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

إنّ جميع ما ذكرنا في الرواية السابقة واردة في هذه الرواية أيضا ، مضافا إلى ضعفها ، وتضمّنها لذكر السهو على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو موافق للتقيّة ، كما لا يخفى.

ومع ذلك فيها قياس حال الحدث في الأثناء على حال السهو في الصلاة ، وهو أيضا موافق لطريقة العامّة.

ومع ذلك تعارض ما دلّ على أنّ الساهي لبعض الصلاة ونحوه عليه إعادة الصلاة ، من الأخبار (٢) التي هي حجّة عند المعظم ، أو عند الكلّ سندا ، وخلافها حمل على التقيّة ، ففيها أمارات للتقيّة ، وورودها على طريقة العامّة ، مع أنّه مذهب أبي حنيفة وجماعة منهم (٣).

وفي الأخبار المتواترة ورد الأمر بأخذ ما خالف العامّة ، وترك ما وافقهم (٤).

ومع ذلك تضمّنت لزوم الذهاب إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه ، مع أنّه ممّا لم يقل به أحد منّا ، وليس ضرورة داعية إليه ، مع كونه فعلا كثيرا خارجا عن الصلاة ، وربّما كان كثرته في غاية الكثرة ، ومع ذلك ربّما يظهر عدم الاختصاص بالحدث الأصغر ، فتأمّل!

وممّا ذكرنا ظهر أيضا حال صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : في الرجل يحدث

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٥ الحديث ١٤٦٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٧ الحديث ٩٢١١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٢ الباب ١٠ من أبواب الركوع.

(٣) لاحظ! بدائع الصنائع : ١ / ١٦٨ ، المجموع للنووي : ٤ / ٧٦.

(٤) الكافي : ١ / ٦٧ الحديث ١٠ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٥ الحديث ١٨ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٠١ الحديث ٨٤٥ ، الاحتجاج : ٣٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

٥١٧

بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهّد ، قال : «ينصرف فيتوضّأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء فيتشهّد ثمّ يسلّم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (١) ، إذ الظاهر كون الحدث المذكور فيها بغير اختيار ، لا أنّه صدر سهوا.

ومع ذلك يتضمّن ما لم يقل به أحد من قوله : «فإن شاء رجع إلى المسجد» إلى آخره ، إذ الضرورة تتقدّر بقدرها ، فكيف يجوز هذا المقدار من الفعل الكثير ، وعدم الاستقرار في الصلاة من دون ضرورة أصلا ، ويكون موكولا إلى مجرّد مشيئة المكلّف؟

مع أنّه مرّ في بحث أفعال الصلاة أنّ مذهب الصدوق عدم ضرر تخلّل الحدث في أثناء الصلاة ، إذا وقع بعد الفراغ من أركانها (٢) ، فهذه الرواية تكون حجّة لو كانت حجّة ، لا حجّة القائل بعدم ضرر الحدث سهوا مطلقا ، وليس إجماع مركّب يتمّ به المطلوب ، كما لا يخفى.

ومع ذلك قوله عليه‌السلام : «وإن كان الحدث». إلى آخره يعارض بظاهره (٣) ما دلّ على وجوب التسليم ، وكونه من الصلاة ، كما مرّ في مبحثه (٤) ، إلّا أن يقال بعدم ضرر الحدث بعد الشهادتين ، مع القول بوجوب السلام ، كما نقل عن صاحب «الفاخر» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٤٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٨ الحديث ١٣٠١ ، الاستبصار : ١ / ٣٤٣ الحديث ١٢٩١ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٤١٠ الحديث ٨٣٠٤.

(٢) راجع! الصفحة : ١٩٦ من هذا الكتاب.

(٣) في (د ١) : بظاهر.

(٤) راجع! الصفحة : ٥٠٦ ـ ٥٠٨ من هذا الكتاب.

(٥) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٢٠ و ٤٢١.

٥١٨

والشهيد رحمه‌الله حمل هذه الصحيحة على التقيّة (١) ، لكون التشهّد الثاني غير واجب عند أبي حنيفة والثوري والأوزاعي وسعيد بن المسيّب والنخعي والزهري (٢) ، والعامّة رووا ذلك عن علي عليه‌السلام (٣).

ومعلوم إجماع الشيعة على وجوب هذا التشهّد أيضا ، وأخبارهم متظافرة فيه (٤).

وممّا ذكرنا ظهر فساد ما ذكره في «المدارك» بعد نقل الروايات المذكورة ، وتأويل هذه الأخبار بما يطابق المشهور مشكل جدّا ، واطراحها مع سلامة سندها ومطابقتها لمقتضى الأصل أشكل (٥) ، انتهى ، إذ عرفت حال هذه الأخبار ، مع أنّه من المسلّمات والقطعيّات كون العبادة هيئة توقيفيّة موقوفة على الثبوت من الشرع ، ومن البديهيّات أنّ الصورة المنقولة منه سالمة عن الحدث في أثنائها ، فضلا عن الوضوء أيضا ، فضلا عن المشي والحركات المذكورة فيها ، والتقلّب عن القبلة ، وغير ذلك ممّا ظهر منها.

ثمّ اعلم! أنّ الظاهر من عبارة المصنّف رحمه‌الله أنّ السيّد والشيخ خالفا الأصحاب في مطلق الحدث السهوي لا خصوص الأصغر.

وبالتأمّل في عبارة العلّامة (٦) عند نقله قولهما يظهر كون الأمر كما ذكره في «المدارك».

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤١١.

(٢) لاحظ! المجموع للنووي : ٣ / ٤٦٢.

(٣) لاحظ! المجموع للنووي : ٣ / ٤٦٢ ، الخلاف : ١ / ٣٦٧.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٣٩٦ الباب ٤ من أبواب التشهّد.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٥٨.

(٦) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٧١.

٥١٩

قوله : (ومنهم من فرّق). إلى آخره.

قد ذكرنا المفرّقين ، ودليلهم هو صحيحة زرارة وابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : عن رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم ، وصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب الماء ، قال : «يخرج ويتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (١).

ومثلها صحيحة زرارة ومحمّد قال : قلت : في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ثمّ أصاب الماء ، أينقض الركعتين ، أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي؟ قال : «لا ، ولكنّه يمضي في صلاته فيتمّها ولا ينقضها ، لمكان أنّه دخلها وهو على طهر بتيمّم» قال زرارة : فقلت له : دخلها وهو متيمّم ، فصلّى ركعة وأحدث ، فأصاب ماء ، قال : «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (٢).

والظاهر وحدة الروايتين ، وكونها عن الباقر عليه‌السلام كما يظهر من «الفقيه» (٣).

وقال في «الوافي» : احدث على البناء للمفعول ، أي : احدث حدث ، ووجد سبب ، وسنح أمر من أمطار السماء ونحوه من أسباب وجدان الماء ، والكناية عن مثله بالحدث شائعة في كلامهم ، وهذا المعنى أقرب ممّا فهمه الأكثرون من حمل الحديث على معناه المتعارف ، إذ لا ربط بين الحدث بهذا المعنى وإصابة الماء المتفرّع عليه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٩٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٦ الحديث ٩٢١٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٩٥ ، الاستبصار : ١ / ١٦٧ الحديث ٥٨٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٢ الحديث ٣٩٢٦.

(٣) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٨ الحديث ٢١٤.

٥٢٠