مصابيح الظلام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-2-7
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤١

ثمّ اعلم! أنّ جميع ما ذكر إنّما هو على تقدير عدم العلم بتحقّق الآية.

وأمّا مع العلم به ، وعدم العلم بالحكم ، فالجاهل غير معذور عند الفقهاء ، إلّا في نادر من المسائل ، وحقّق ذلك في الاصول.

وأمّا مع العلم والتفريط أو النسيان ، فعليه القضاء ، وإن احترق بعض القرص ، وهذا قول الأكثر.

وقال الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» : لا يقضي الناسي ما لم يستوعب الاحتراق (١).

وعن المرتضى في مصباحه : عدم وجوب القضاء ما لم يستوعب وإن تعمّد الترك (٢).

احتجّ الأكثر بقول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : منها صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها» (٣).

وقوله عليه‌السلام في صحيحة اخرى (٤) عنه : عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي [صلوات لم يصلّها] أو نام عنها [فقال] : «إنّه يقضيها إذا ذكرها» (٥).

وفي مرسلة حريز ، عمّن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٦ و ١٣٧ ، المبسوط : ١ / ١٧٢.

(٢) نقل عنه المحقّق في المعتبر : ١ / ٣٣١.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٨٨ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧٨ الحديث ١٢٦٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٦ الحديث ١٠٥٧٤.

(٤) في (ف) و (ط) : في صحيحة اخرى لزرارة وقد سأل عن رجل.

(٥) الكافي : ٣ / ٢٩٢ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٦ الحديث ١٠٥٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٦ الحديث ١٠٤٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٥٣ الحديث ١٠٥٦٥.

٤٦١

ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» (١).

وفي موثّقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عيناك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» (٢).

وفي «الكافي» ـ بعد نقل صحيحة زرارة وابن مسلم المتضمّنة لوجوب القضاء إذا احترق كلّ القرص ـ : وفي رواية اخرى : «إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلّي فعليه القضاء ، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه هذا إذا لم يحترق كلّه» (٣).

واعترض على الصحيحتين بعدم عموم فيهما يشمل المقام ، وعلى المرسلة بالقصور بالإرسال ، وإطباق الأكثر على ترك العمل بظاهرها ، وعلى الموثّقة باشتمال سندها على الفطحيّة (٤).

ويمكن دفعه بأنّ المرسلة صحيحة إلى حمّاد ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٥) ، وأمّا إطلاق الأمر بالقضاء ، فيمكن أن يقال : المتبادر من انكساف القمر انكساف كلّه ، وهو غير نادر الوقوع ، مع أنّ المطلق يحمل على المقيّد ، مع أنّك عرفت أنّ جمعا قالوا بالإطلاق.

وأمّا الأمر بالغسل ، فمن قال بوجوبه فلا إيراد عليه ، وستعرف أنّهم كثيرون ، ومن لم يقل بالوجوب ، فلا مضايقة له من الاستحباب ، بل ربّما يحمله

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٧ الحديث ٣٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٤٥٣ الحديث ١٧٥٨ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٠ الحديث ٩٩٦٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩١ الحديث ٨٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٤٥٤ الحديث ١٧٦٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠١ الحديث ٩٩٦٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٦٥ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٠ الحديث ٩٩٦٢.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١٣٦.

(٥) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

٤٦٢

عليه ، كما ستعرف.

مع أنّ الصدوق في أماليه قال : من دين الإماميّة الإقرار بأنّ الغسل في سبعة عشر موطنا ، وعدّ منها الغسل إذا احترق القرص ولم يعلم به الرجل (١).

وربّما يظهر منه استحبابه عند الإماميّة لذكره في الأغسال التي جلّها مستحبّة ، مع أنّه رحمه‌الله عند ذكر الواجب منها يصرّح بأنّه واجب ولم يتعرّض لذلك.

مع أنّه ورد في الصحيح ، عن ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : «إنّ الغسل في سبعة عشر موطنا» (٢) على نهج ما في «الأمالي» ، ورواه في «الفقيه» (٣).

وسلّار قال بوجوب هذا الغسل (٤) ، والثلاثة قالوا باستحبابه (٥) ، ولعلّ أتباعهم قالوا به أيضا (٦) ، مع أنّ خروج بعض الحديث عن الحجيّة لا يوجب خروج الكلّ عنها على طريقة الفقهاء ، والمدار على ذلك.

وأمّا اشتمال السند على الفطحيّة ، ففيه أنّ كلّهم ثقات ، والموثّق حجّة عند المشهور ، وهو الحقّ ، كما حقّق في محلّه.

مع أنّه في المقام منجبر أيضا بالشهرة ، ومتأيّد ببعض الأخبار الأخر أيضا ، ومنها مرسلة الكليني (٧) ، فإنّ في أوّل «الكافي» ذكر ما ذكر.

وأمّا الصحيحتان ، فتصلحان للتأييد ، مع أنّ وجوب القضاء مع الجهل

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٤ الحديث ١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٤ الحديث ٣٧١١.

(٤) المراسم : ٨١.

(٥) المقنعة : ٥١ ، نقل عن السيد في المعتبر : ١ / ٣٥٨ ، المبسوط : ١ / ٤٠ ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٦٨.

(٦) المهذّب : ١ / ٣٣ ، غنية النزوع : ٦٢ ، السرائر : ١ / ١٢٥.

(٧) الكافي : ٣ / ٤٦٥ ذيل الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٠ الحديث ٩٩٦٢.

٤٦٣

بالكسوف (١) ، يقتضي وجوبه مع العمد أو النسيان بطريق أولى ، فتأمّل!

ولعلّه هذا قال في «المدارك» بعد الاعتراض المذكور : ومن ذلك ظهر قوّة ما ذهب إليه الشيخ من عدم وجوب القضاء على الناسي إذا لم يستوعب الاحتراق ، بل رجحان ما ذهب إليه المرتضى رحمه‌الله من عدم وجوب القضاء مطلقا إلّا مع الاستيعاب ، ويدلّ عليه أيضا ـ مضافا إلى الأصل ـ صحيحة علي بن جعفر : أنّه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ فقال : «إذا فاتتك فليس عليك قضاء» (٢) دلّت على سقوط القضاء مطلقا ، خرج من ذلك ما إذا استوعب الاحتراق فإنّه يجب عليه القضاء بالنصوص الصحيحة (٣) ، فبقي الباقي ، ولا ريب أنّ ما اختاره الأكثر من القضاء مع العلم والتفريط والنسيان في الجميع طريق الاحتياط (٤) ، انتهى.

وفيه ، أنّ هذه الرواية ليست بصحيحة ؛ لأنّ في طريقها أحمد بن الحسن ، ولا فرق بينه وبين غيره من الفطحيّة الثقات ، مع أنّها معارضة لصحاح مفتى بها ، وعرفت رفع التعارض.

ثمّ اعلم! أنّ هذا كلّه حال غير الزلزلة ، فمقتضى ما ذكر ـ من أنّ وقتها تمام العمر ـ وجوبها على المكلّف أيّ وقت اطّلع إلى انقضاء عمره.

ويحتمل أن يكون من جهة فوريّتها يفوت بفوات الفوريّة ، وصرّح في «التذكرة» بسقوطها في صورة الجهل عملا بالأصل السالم (٥).

__________________

(١) في (ف) و (ط) : بالخسوف.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠١ الحديث ٩٩٦٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٩ الباب ١٠ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١٣٦ ، مع اختلاف.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٨٢ المسألة ٤٨٦.

٤٦٤

وفيه ما مرّ من الأخبار التي ذكرناها في وجوب صلاة الزلزلة (١) ، مضافا إلى اتّفاق الفتاوى في كون وقتها العمر من غير توقيت ، ولذا قال في «النهاية» : ويحتمل قويّا الإتيان بها ، لأنّ وقتها العمر (٢) ، فعليك بملاحظة تلك الأخبار وفتاوى الأصحاب.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٣١ و ٤٣٢ من هذا الكتاب.

(٢) نهاية الإحكام : ٢ / ٧٨.

٤٦٥
٤٦٦

٢٦ ـ مفتاح

[مستحبّات صلاة الآيات]

يستحب الغسل مع الاستيعاب ، وإن لم يشتهر بين الأصحاب إلّا في القضاء ، والصلاة تحت السماء ، والإطالة بقدر الآية إجماعا ، والإعادة إن فرغ قبل الانجلاء ، أو الدعاء حتّى ينجلي ، وقراءة آية إمساك السماوات والأرض عند الزلزلة ، والدعاء والتكبير عند الرياح رافعا صوته ، كلّه للرواية (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨ ، ٧ / ٤٩٨ الباب ٨ و ٩ ، ٥٠٤ ـ ٥٠٧ الباب ١٣ ـ ١٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

٤٦٧
٤٦٨

قوله : (يستحبّ الغسل). إلى آخره.

لعلّ نظره إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : «الغسل في سبعة عشر». إلى أن قال : «وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (١).

لكن الظاهر اتّحاد هذا الصحيح مع ما رواه الصدوق مرسلا عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «الغسل في سبعة عشر». إلى أن قال : «وغسل الكسوف ، إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت ولم تصلّ فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة» (٢). وعبارة «الأمالي» قد عرفتها أيضا ، ومرسلة حريز أيضا قد عرفتها.

وأمّا الأصحاب فقد اختلفوا ، فقال الشيخ في «الجمل» باستحبابه إذا احترق القرص كلّه وترك الصلاة متعمّدا (٣) ، وهذا هو المشهور بين المتأخّرين.

واقتصر المفيد في «المقنعة» ، والمرتضى في «المصباح» على الترك متعمّدا ، ولم يذكرا الاستيعاب (٤).

وقال المرتضى في «الجمل» : وروي وجوب ذلك ـ أي القضاء ـ إذا انكسف على كلّ حال ، وأنّ من تعمّد ترك هذه مع عموم كسوف القرص وجب عليه مع القضاء الغسل (٥).

وقال الصدوق في «المقنع» : إذا انكسفت الشمس والقمر ولم تعلم به ، فعليك

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٤ الحديث ١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٤ الحديث ٣٧١١.

(٣) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٦٨.

(٤) المقنعة : ٥١ ، نقل عن المصباح للسيّد المرتضى في المعتبر : ١ / ٣٥٨.

(٥) رسائل الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل) : ٣ / ٤٦.

٤٦٩

أن تصلّيها إذا علمت ، فإن احترق القرص كلّه فصلّها بغسل ، وإن احترق بعضه فصلّها بغير غسل (١).

وقال علي بن بابويه : وإذا انكسفت الشمس والقمر ولم تعلم ، فعليك أن تصلّها إذا علمت به ، وإن تركتها متعمّدا حتّى تصبح فاغتسل وصلّها ، وإن لم يحترق القرص كلّه فاقضها ولا تغتسل (٢).

وقال الشيخ في «النهاية» : إذا ترك الصلاة متعمّدا عند انكساف الشمس والقمر ، وكانا قد احترقا بأجمعهما ، وجب عليه القضاء مع الغسل ، وإن تركها ناسيا ـ والحال ما وصفناه ـ كان عليه القضاء بلا غسل ، وكذلك إن ترك متعمّدا أو احترق بعضها ، وإن تركها ناسيا لم يكن عليه شي‌ء (٣) ، وكذا قال في «المبسوط» ، وهو اختيار ابن حمزة (٤).

وقال في «الخلاف» : من ترك صلاة الكسوف كان عليه قضاؤها ، وإن كان قد احترق القرص كلّه وتركها متعمّدا كان عليه الغسل وقضاء الصلاة (٥).

وقال أبو الصلاح : وإن لم يعلم حتّى انجلى القرص فعليه القضاء حسب ، فإن علم وفرّط في الصلاة فهو مأزور ، ويلزمه التوبة والقضاء ، وإن كان الكسوف والخسوف احتراقا فعليه مع التوبة الغسل كفّارة لمعصيته (٦).

وقال سلّار : وإن أخلّ بالصلاة مع عموم الكسوف بالقرص ، وجب عليه

__________________

(١) المقنع : ١٤٤.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٨١ مع اختلاف يسير.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٦.

(٤) المبسوط : ١ / ١٧٢ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١١٢.

(٥) الخلاف : ١ / ٦٧٨ المسألة ٤٥٢.

(٦) الكافي في الفقه : ١٥٦.

٤٧٠

ـ مع وجوب الإعادة ـ الغسل (١).

وقال ابن البرّاج : صلاة الكسوف والخسوف والزلزلة والرياح السود والظلمة والآيات العظيمة واحدة واجبة ، فإن تركها متعمّدا وكان احترق القرص كلّه ، كان عليه القضاء مع الغسل ، وإن احترق البعض كان عليه القضاء دون الغسل ، وإن كان ناسيا واحترق الجميع كان عليه القضاء ، وإن لم يحترق الجميع لم يكن عليه شي‌ء ، وإذا فاتته ولم يكن علم فليصلّها إذا علم (٢).

هذا القدر الذي ذكر في «المختلف» (٣) ، وربّما كان غير هؤلاء أيضا تعرّض للغسل ، وظهر لك أنّه للقضاء والفوت جهلا بتحقّق الآية ، أو عمدا مع احتراق كلّ القرص ، ومع ذلك لم يثبت وجوبه في صورة الفوت جهلا ، لأنّ مرسلة حريز تدلّ على عدم وجوبه (٤).

وعبارة «الأمالي» في غاية الظهور في الاستحباب ، وقد نقلناها في غسل الجمعة (٥) ، ونقلنا هناك أيضا بعض ما يدلّ على عدم وجوب ، مثل هذا الغسل.

وأمّا صحيحة ابن مسلم ، فليس فيها قيد القضاء ، ولذا لم يفت بظاهرها أحد ، لمخالفتها لظواهر الأخبار والفتاوى ، مع احتمال اتّحادها مع المرسلة ، كما ذكرنا (٦).

والمرسلة يحتمل أن تكون المراد فيها حال العمد بأن يستيقظ حال احتراق

__________________

(١) المراسم : ٨١.

(٢) المهذّب : ١ / ١٢٤ ، مع اختلاف.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٨٢ و ٢٨٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٠ الحديث ٩٩٦٤.

(٥) راجع! الصفحة : ٩١ و ٩٢ من هذا الكتاب.

(٦) راجع! الصفحة : ٤٦٩ من هذا الكتاب.

٤٧١

القرص ، ولم يصلّ حتّى انجلى ، مع أنّه وقع الاضطراب في نقل هذا الموضع ، فلم يبق وثوق بحيث يقاوم ما ذكرنا ويغلب عليه ، سيّما والأصل براءة الذمّة (١).

مع أنّ الأخبار الواردة في وجوب القضاء مع كثرتها وصحّتها خالية عن ذكر الغسل (٢) ، مع كون المقام مقام الحاجة.

نعم ، يحتمل وجوبه إذا علم بالآية فكسل أن يصلّيها على حسب ما تضمّن مرسلة حريز ، لاعتبارها سندا ووضوحها دلالة ، ووجود القائل بمضمونها ، والظاهر منها كون الغسل لفوت الصلاة بالتهاون ، وإن لم يحترق كلّ القرص ، فيدلّ على وجوب القضاء مع الجهل بالانكساف وان لم يستوعب القرص ، إلّا أن يقال : الظاهر من قوله عليه‌السلام : «انكسف القمر» انكساف كلّه.

وإنّما قلنا : يحتمل وجوب الغسل ، لما عرفت من أنّ موثّقة عمّار تدلّ على عدم وجوبه (٣) ، والمشهور أيضا قالوا بعدم الوجوب.

نعم ، ورد الغسل للتوبة من الذنوب مطلقا (٤) ، فتأمّل!

وأمّا كون الصلاة تحت السماء ، فلصحيحة زرارة وابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام ، إذ في آخرها : «وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يخبيك بيت فافعل» (٥).

وأمّا استحباب الإطالة بقدرها ، فلما ورد من أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فرغ منها

__________________

(١) في (د ٢) : واستصحاب الحالة السابقة مع أنّ.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٩ الباب ١٠ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠١ الحديث ٧ / ٥٠١ الحديث ٩٩٦٩ ، راجع! الصفحة : ٤٦٢ من هذا الكتاب.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٦ الحديث ٣٠٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣١ الحديث ٣٧٩٥.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٤ الحديث ٩٩٤٦.

٤٧٢

وقد انجلى (١) ، ولغير ذلك من الأخبار وهو وفاقي.

وأمّا استحباب الإعادة ، فهو قول الأكثر ، ونقل عن ظاهر المرتضى وأبي الصلاح وجوب الإعادة (٢) ، وعن ابن إدريس المنع منها مطلقا وجوبا واستحبابا (٣).

والأوّل أظهر للأمر بالإعادة في الأخبار ، مثل صحيحة معاوية بن عمّار أنّ الصادق عليه‌السلام قال : «إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد» (٤) ، مع الرخصة في تركها ، كما يظهر من أخبار كثيرة من كفاية القدر الواجب من هذه الصلاة مطلقا (٥) ، سيّما ما دلّ على تبعيض السورة ، ولما ورد في صحيحة زرارة وابن مسلم : «فإذا فرغت قبل الانجلاء فاقعد وادع الله حتّى ينجلي» (٦).

لا يقال : مقتضى الظاهر من الصحيحتين وجوب أحد المذكورين فيها تخييرا ، وأمّا المطلقات فلا تعارض المقيّد.

لأنّا نقول : ليس كذلك ، بل ظاهرهما وجوب كلّ واحد عينا ، ولم يقل به أحد ، مضافا إلى التعارض الواقع بينهما ، فلم يبق ظاهرهما على حاله ، والوجوب التخييري وإن كان أقرب إلى الظاهر ، إلّا أنّه يوجب خروج أخبار كثيرة عن ظواهرها التي هي المفتى بها عند جلّ الأصحاب ، ولم يقل أحد بالوجوب التخييري.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٥ الحديث ٣٣٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٢ الحديث ٩٩٤١.

(٢) نقل عن المرتضى في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٨٤ ، الكافي في الفقه : ١٥٦.

(٣) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٤ / ١٤٢ ، لاحظ! السرائر : ١ / ٣٢٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٦ الحديث ٣٣٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٨ الحديث ٩٩٥٥.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٨٨ الباب ٤ من أبواب صلاة الآيات.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٦ الحديث ٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٤ الحديث ٩٩٤٦ مع اختلاف يسير.

٤٧٣

مع أنّ في موثّقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : «إن صلّيت الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك ، فإنّ ذلك أفضل ، وإن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز ، وإن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ، ثمّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف ، وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عيناك فلم تصلّ ، فعليك قضاؤها» (١).

والموثّق حجّة ، كما حقّق ، سيّما مع الانجبار بالشهرة ، وعدم كون بعض الحديث مطابقا لفتوى المشهور ، بل يكون مأوّلا عندهم لا يضرّهم ، كما مرّ مرارا.

وأيضا في صحيحة زرارة وابن مسلم : «يستحبّ أن يقرأ الكهف والحجر إلّا أن يكون إماما يشقّ على من خلفه» (٢).

ويعضده أيضا الأخبار الواردة في وقوع الآية في وقت الفريضة (٣).

وأمّا قراءة آية الإمساك (٤) ، فقد مرّ ما يدلّ عليها (٥).

وروي أيضا مسندا ، عن علي بن يقطين ، أنّ الصادق عليه‌السلام قال : «من أصابته زلزلة فليقرأ : يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليما غفورا ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأمسك عنّا السوء إنّك على كلّ شي‌ء قدير» ، وقال : «من قرأها عند النوم لم يسقط عليه البيت إن شاء الله تعالى» (٦) ، لكن ظهر منهما كون القراءة بعنوان الدعاء.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩١ الحديث ٨٧٦ ، الاستبص‌ار : ١ / ٤٥٤ الحديث ١٧٦٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٨ الحديث ٩٩٥٦ ، ٥٠١ الحديث ٩٩٦٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٤ الحديث ٩٩٤٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الباب ٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٤) فاطر (٣٥) : ٤١.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٥٥ و ٤٥٦ من هذا الكتاب.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٤ الحديث ٨٩٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٦ الحديث ٩٩٧٩.

٤٧٤

نعم ، في «العلل» بسنده ـ مرفوعا ـ إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّه كان يقرأ هذه الآية عند الزلزلة ويقول (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١)» (٢).

وأمّا التكبير عند الرياح رافعا صوته ، فقد رواه مرسلا في «الفقيه» ، وورد أنّ ذلك يكسرها أيّ الرياح (٣).

بقي امور :

الأوّل : ورد في غير واحد من الأخبار المعتبرة المنع من قول : «سمع الله لمن حمده» ، عند رفع الرأس من الركوعات ، سوى الرفع الذي يسجد منه ، وأمر بالقول بذلك عند هذا الرفع خاصّة (٤) ، وهذا مقطوع به في كلام الأصحاب.

الثاني : إذا وقع الانجلاء ، ولم (٥) يفرغ من الصلاة وجب الإتمام ، إلّا فيما لم تكن الآية مقدار أقلّ الفريضة ، ففيه الخلاف الذي مرّ.

الثالث : استحباب الإطالة بقدر الآية ، قيل : إنّما هو مع العلم بقدرها ، أو الظنّ الحاصل من إخبار الرصدي مثلا ، وأمّا بدونه ، فلا يبعد كون التخفيف ، ثمّ الإعادة مع عدم الانجلاء أولى ، لما في التطويل من خوف خروج الوقت قبل الإتمام (٦).

__________________

(١) الحجّ (٢٢) : ٦٥.

(٢) علل الشرائع : ٥٥٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٥ الحديث ٩٩٧٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٤ الحديث ١٥٢٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٧ الحديث ٩٩٨٢.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٤ و ٤٩٥ الحديث ٩٩٤٦ و ٩٩٤٧ ، ٤٩٧ الحديث ٩٩٥٣ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ١٦٩ ـ ١٧٣ ، الباب ٦ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٥) في بعض النسخ : ولما.

(٦) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٣٢٦.

٤٧٥

الرابع : ألحق العلّامة بالزلزلة الصيحة وغيرها ـ ممّا لا يبقى مقدارها مقدار الصلاة لها ـ في كونها سببيّة أيضا (١) ، فلا بأس به ، لما عرفت سابقا. لكن مرّ في الزلزلة أنّه يراعى فيها الفوريّة مهما أمكن ، لكن بعد فوت الفوريّة لا تفوت الصلاة ، بل يصلّى أيضا ، وفي الصيحة وأمثالها لو يراعى الفوريّة ـ كما يراعى الزلزلة ـ كان أحوط ، ومرّ منشأه ، فلاحظ وتأمّل! الخامس : إنّ هذه الفريضة ليست مثل صلاة العيد بأن تكون وجوبها مختصّا بالرجال فقط ، بل تكون النساء وسائر المكلّفين شركاء مع الرجال في وجوب هذه الفريضة عليهم بلا شبهة.

وفي «قرب الإسناد» بسنده عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : النساء هل على من عرف منهنّ صلاة النافلة وصلاة الليل والزوال والكسوف ما على الرجال؟ قال : «نعم» (٢).

وبالجملة ، لا خلاف في ذلك. والظاهر أنّه ليس عليهنّ جهر ، بل مخيّرات في الجهر والإخفات ، من دون استحباب ولا وجوب لأحدهما عليهنّ ، وباقي أحكام الفريضة جار هنا أيضا ، ومرّ وجهه.

السادس : ورد في غير واحد من الأخبار استحباب الإطالة حتّى على الإمام أيضا ، على أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّا عليه‌السلام أطالا إلى أن غشي على بعض من كان وراءهما مقتديا بهما من طول القيام (٣).

لكن مرّ في صحيحة زرارة وابن مسلم أنّه : «يستحبّ قراءة الكهف والحجر

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ٤٦ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٧٦ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٧٩ المسألة ٤٨٢.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٣ الحديث ٨٧٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٨ الباب ٩ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

٤٧٦

إلّا أن يكون إماما يشقّ على من خلفه» (١).

وهذه أقرب إلى الحقّ والصواب بملاحظة الأدلّة من العقل والنقل في مبحث الجماعة ، مضافا إلى صحّة السند ، وموافقة فتوى الأصحاب على ما هو الظاهر.

ولعلّ ما صدر منهما عليهما‌السلام على تقدير الصحّة ، كان لخصوصيّة واقعة.

السابع : يستحبّ الجماعة في هذه الصلاة بإجماع علمائنا ، والأخبار الدالّة على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام صلّيا هذه الصلاة بالناس ، أمّا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي غير واحد من الأخبار (٢).

وأمّا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فرواه في «الفقيه» (٣) وغيره في غيره (٤) ، وللعمومات الدالّة على استحباب الجماعة (٥) ، مضافا إلى أنّ للجماعة مدخليّة تامّة في استجابة الدعوات.

ونقل عن الصدوقين أنّهما قالا : إذا احترق القرص كلّه فصلّها في جماعة ، وإن احترق بعضه فصلّها فرادى (٦).

ويدلّ على ضعف قولهما ـ مضافا إلى ما سبق ـ رواية روح بن عبد الرحيم أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ فقال : «جماعة وغير سأل الصادق عليه‌السلام عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ فقال : «جماعة وغير جماعة» (٧).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٧٤ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٨٥ الحديث ٩٩٢٣ ، ٤٨٩ الحديث ٩٩٣٢ ، ٤٩٨ الحديث ٩٩٥٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤١ الحديث ١٥١١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٩ الحديث ٩٩٥٨.

(٤) المقنعة : ٢١٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٩ الحديث ٩٩٥٩.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٥ الباب ١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٦) نقل عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٩٠ ، لاحظ! المقنع : ١٤٣.

(٧) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٢ الحديث ٨٨٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٣ الحديث ٩٩٧٢.

٤٧٧

ورواية محمّد بن يحيى ، عن الرضا عليه‌السلام : عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة وفرادى؟ فقال : «أيّ ذلك شئت» (١) ، وترك الاستفصال يفيد العموم.

واحتجّ لهما بما رواه الصدوق (٢) بسنده إلى ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كسف الشمس والقمر كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم وأيّهما كسف بعضه فإنّه يجزي للرجل أن يصلّي وحده» (٣).

وهذا لا يدلّ إلّا على عدم تأكّد (٤) الاستحباب ، كما يدلّ عليه لفظ «ينبغي». لأنّه لا يدلّ على الوجوب ، بل ظاهره ما ذكرناه ، لأنّ الواجب لا يؤدّى بمثل هذه العبارة ، بل يظهر وجوبه ، والمؤاخذة على تركه ، فإن كانت هذه الرواية حجّتهما ، ويكون مرادهما ما ذكر فيها ، فمرحبا بالوفاق ، وإلّا طولبا بدليل.

الثامن : حال الجماعة فيها حال الجماعة في اليوميّة عند الفقهاء ، وبحسب الظاهر منهم ، فلو أدرك الإمام راكعا ، فالمشهور إدراك هذه الركعة ، وقيل : لا بدّ من إدراك تكبيرة الركوع ، كما سيجي‌ء في اليوميّة.

ولو أدرك الإمام بعد ما رفع رأسه من الركوع الأوّل ، فالظاهر فوت هذه الخمس ركعات منه ، فليصبر إلى أن يقوم الإمام إلى الخمس الثاني ويلحق به ويصلّي معه هذا الخمس ، وبعد ما يتشهّد الإمام يتشهّد معه على الاستحباب متجافيا أيضا على الاستحباب ، فإذا سلم قام إلى الخمس الثاني ، ويصلّيه بنفسه (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٤ الحديث ٨٨٩ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٣ الحديث ٩٩٧٤.

(٢) لم نعثر عليه في كتبه ، لكن نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٢٩١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٢ الحديث ٨٨١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٥٠٣ الحديث ٩٩٧٣ مع اختلاف يسير.

(٤) في (د ٢) زيادة : في صورة انكساف بعضها ، كما يشير إليه لفظ «يجزي» ، وأنّ في صورة احتراق الكلّ يتأكّد.

(٥) في (ف) و (ط) : ويلحق هذا بنفسه.

٤٧٨

وعلى ذلك المحقّق في «المعتبر» ، والعلّامة في جملة من كتبه (١).

لكن قال في «النهاية» : لو أدرك الإمام راكعا في الاولى أدرك الركعة ، ولو أدرك في الركوع الثاني والثالث ، ففي إدراك تلك الركعة ـ أي السجوديّة ـ إشكال ، فإن منعناه استحبّ المتابعة حتّى يقوم من السجود فيستأنف الصلاة معه ، فإذا قضى الصلاة أتمّ هو الثانية ، ويحتمل الصبر حتّى يبتدئ بالثانية ، وقال : ويحتمل المتابعة بنيّة صحيحة ، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو ، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم ، فإذا ركع أوّل الثانية ركع معه من الركوعات الاولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ، ثمّ لحق الإمام ويتمّ الركوعات قبل سجود الثانية (٢).

واحتمل في «التذكرة» أيضا هذا الاحتمال (٣) ، وهو مأخوذ ممّا ورد في الجمعة ممّن زوحم فيها في السجدتين الاوليين (٤) ، فإجراؤه في المقام مشكل.

بل إجراء جميع ما ورد في اليوميّة أيضا لا يخلو عن الإشكال ، مثل اقتداء المتنفّل بالمتنفّل والمفترض بالمتنفّل ، وأمثال ذلك ، وسيجي‌ء التحقيق في محلّه.

التاسع : القنوت فيها في كلّ ركعة ثانية من العشر قبل الركوع بعد القراءة ، فتصير القنوتات المطلوبة فيها خمسا ، على ما ثبت من صحيحة الرهط (٥) ، وصحيحة زرارة وابن مسلم (٦).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٣٣٦ ، قواعد الأحكام : ١ / ٣٩ ، تحرير الأحكام : ١ / ٤٧ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٨٥ المسألة ٤٨٩.

(٢) نهاية الإحكام : ٢ / ٨٣.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٨٥ المسألة ٤٨٩.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٣٣٥ الباب ١٧ من أبواب صلاة الجمعة.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٥ الحديث ٣٣٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٢ الحديث ٩٩٤١.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٦ الحديث ٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٤ الحديث ٩٩٤٦.

٤٧٩

لكن الصدوق بعد إيراد ذلك ، قال : إن لم يقنت إلّا في الخامسة والعاشرة فهو جائز ، لورود الخبر به (١) ، وقال أيضا في «الهداية» بعد ذكر خمس قنوتات : وروي أنّ القنوت في الخامسة والعاشرة (٢).

وذكر الشهيد في «البيان» إنّ أقلّه العاشر (٣) ، ولم نقف على مأخذه ، والأولى الخمس ، لصحّة مستنده وتعدّده وشهرته.

العاشر : إذا وقعت الآية في وقت الفريضة اليوميّة ، فمع ضيق إحداهما وسعة الاخرى تقدّم المتضيّقة ثمّ تأتي بالمتّسعة ، ووجهه ظاهر ، ومع تضيّقهما تقدّم اليوميّة ، لكونها أهم في نظر الشرع ، كما يظهر من الأخبار (٤) ، وقال في «الذكرى» : لا خلاف فيه (٥).

ومع اتّساعهما يتخيّر المكلّف على المشهور ، وقيل : تقدّم الفريضة (٦).

قال في «الفقيه» : ولا يجوز أن يصلّيها في وقت فريضة حتّى يصلّي الفريضة (٧) ، وهو ظاهر الشيخ في «النهاية» ومذهب ابن البرّاج أيضا (٨).

مستند المشهور : أنّهما واجبان اجتمعا ووقتهما موسّع فيتخيّر المكلّف ، والجمع بين ما تضمّن الأمر بتقديم الفريضة ، كصحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : أنّه سأل عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة؟ فقال : «ابدأ

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٧ ذيل الحديث ١٥٣٤.

(٢) الهداية : ١٥٢.

(٣) البيان : ٢١١.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٠ الباب ٥ من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٢١.

(٦) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٢٨٨ و ٢٨٩.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٧ ذيل الحديث ١٥٣٤.

(٨) النهاية للشيخ الطوسى : ١٣٧ ، المهذّب : ١ / ١٢٥.

٤٨٠