الأحاديث بالقرآن ، لعدم صدق الاسم عليها.
والغسل يجب : للصلاة والطواف الواجبين ، للنص (١) والإجماع. ولمس كتابة القرآن. ولدخول المساجد. وقراءة العزائم إن وجبت ، للنص (٢). ولصوم الجنب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه قدر إيقاعه ، للخبر (٣). ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة للخبر (٤). والمندوب ما عداه.
ويجب التيمم : للصلاة الواجبة عند تضيق وقتها ، للنص (٥). ولخروج الجنب من أحد المسجدين للخبر (٦). والمندوب ما عداه. وقد تجب الثلاثة بالنذر واليمين والعهد. وإذا نذر التيمم في وقت معين اشترط عدم المائية ، فلو وجد الماء في جميع الوقت سقط النذر ، لأن شرعيته مشروطة بعدم الماء ، وحينئذ فالأقرب اشتراطه بعدم الطهارة المائية ، لأن عدم الماء إنما كان شرطا لتمكنه معه من الطهارة المائية ، فعدمها أولى بالشرطية ، وحينئذ فالأقرب اشتراط الطلب.
ولو نذر فعل طهارة رافعة للحدث في وقت معين ، اشترط عدمها فيه ، فلو وجدت فيه أجمع بطل النذر ، ولا يجب عليه تجديد الحدث.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٩ ـ ٤٤٤ ح ٤.
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٨٥ ح ٢ وص ٤٩٤ ح ٧ وعموم الآية المتقدمة دال على حرمة المس.
(٣) وسائل الشيعة : ٧ ـ ٤٣ ح ٢.
(٤) وسائل الشيعة : ٧ ـ ٤٥ ح ١.
(٥) وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٦٧.
(٦) وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٨٥ ح ٦.
المقصد الأول
( في أنواعها )
وهي : وضوء وغسل وتيمم.
الباب الأول
( في الوضوء )
وفيه فصول
الفصل الأول
( في فروضه )
وهي ثمانية : النية ، وغسل الوجه ، واليدين ، ومسح الرأس ، والرجلين ، والترتيب ، والموالاة ، والمباشرة.
فهنا مطالب :
المطلب الأول
( النية )
وفيه مباحث :
البحث الأول
( في وجوبها )
وهي واجبة في كل طهارة عن حدث شرط فيها المائية وغيرها ، لمفهوم الآية (١) والخبر (٢). ولا تجب في إزالة النجاسة إجماعا ، لأنها من قبيل التروك ، والمقصود هجران النجاسة ، ولا يعتبر في الترك النية ، كترك الزنا وغيره.
__________________
(١) وهي قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ).
(٢) وهو قوله عليهالسلام : الأعمال بالنيات وغيره راجع وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤.
وطهارة الحدث عبادة ، فلا عبرة بطهارة الكافر ، فلو اغتسل أو توضأ ثم أسلم لم يعتد بفعله ، لأنه ليس أهلا للنية ، ولأن الطهارة عبادة وليس أهلا لها ، كالصلاة والصوم ، ويجب إعادتها ، إلا الذمية تحت المسلم إذا طهرت من حيض أو نفاس ، فإنه يحرم على زوجها مسها إلا بعد الغسل ، فيصح منها لضرورة حق الزوج ، ويجب إعادته لو أسلمت ، ولهذا تجبر المسلمة على الغسل من الحيض لحقه.
وحكم المجنونة حكم الذمية ، ويحتمل الإباحة فيهما وإن حرم في غيرهما.
أما المرتد فلا يصح طهارته بوجه ما إجماعا ، ولو (١) ارتد المسلم لم يبطل وضوؤه السابق ، فلا يجب إعادته لو عاد ، لزوال المانع من الدخول في الصلاة ، وفرق بين ابتداء الوضوء مع الردة واستدامته ، لأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله ، فلذلك لم يتأثر ما سبق بالردة كالصلاة والصوم. وحكم الغسل والتيمم كذلك.
البحث الثاني
( الوقت )
ولا يجوز تأخيرها عن أول غسل الوجه ، وإلا لخلا أول الفرض عن النية فيبطل ، إذ ليس للمرء (٢) من عمله إلا ما نواه. وصار كالصلاة يشترط فيها المقارنة بأولها ، بخلاف الصوم الذي يحتمل فيه التقديم تارة والتأخير أخرى ، لعسر ارتقاب طلوع الفجر وتطبيق النية عليه.
ويجوز أن يتقدم على أول غسل الوجه إن قرنت بشيء من سنن الوضوء ، كغسل الكف المستحب ، أو المضمضة ، أو الاستنشاق ، لأنها من جملة الوضوء. ولا يجوز تقديمها على السنن ، ولا خلاف في أن المضمضة والاستنشاق
__________________
(١) في « ق » فلو.
(٢) في « س » و « ر » للمؤمن.
من سننه ، وكذا غسل الكفين (١) عندنا دون السواك والتسمية.
ولو أوقع النية عند هذه أو متقدمة ، ثم استصحبها فعلا ، وضوءه إجماعا. ولو غربت قبل الشروع في واجبات الوضوء أو مسنوناته ، بطل.
ولا يشترط استصحاب ( أول ) (٢) النية فعلا إن قارنت أول غسل الوجه إجماعا ، للمشقة ، وكذا لو قارنت أول سننه ، أو أثناءها عندنا ، فلو غربت قبل الشروع في الوضوء (٣) صح ، لأنها من جملة الوضوء ، فإذا اقترنت النية بها فقد اقترنت بأول العبادة. ولا يثاب على سنن الوضوء لو قارن النية بالفرض ، إلا أن يفردها بنية.
ويشترط استصحاب النية حكما لا فعلا ، فلو غربت وحدثت له نية تبرد وتنظف لم يصح ، لعدم النية الأولى حقيقة وحصول غيرها حقيقة ، فيكون أقوى.
البحث الثالث
( الكيفية )
وهي إرادة تفعل بالقلب. ويجب أن ينوي الفعل للوجوب ، أو الندب ، أو وجههما على الأصح ، لاشتراك مطلقه بينهما ، ولا مائز لوجوه الأفعال إلا القصود والدواعي. وينوي القربة لتحقق الإخلاص.
ثم الوضوء إن كان وضوءا رفاهية فلا بد من نية رفع الحدث ، وهو رفع مانع الصلاة ، أو الطهارة عنه ، أو استباحة الصلاة ، أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة ، كالطواف ومس الكتابة.
__________________
(١) في « ق » الكف.
(٢) الزيادة من « ق ».
(٣) في « س » الفرض.
ويكفي الأول عنها ، لأن القصد رفع مانعية (١) الصلاة ونحوها ، فإذا نواه فقد تعرض لما هو المطلوب بالفعل. وكذا الاستباحة تكفي عن رفع الحدث ، لأن رفع الحدث إنما يطلب لهذه الأشياء ، فإذا نواها فقد نوى غاية القصد على الأقوى ، وفرق بين التيمم الذي يجامع الاستباحة فيه الحدث ، وبين الوضوء الذي يمتنع فيه ذلك.
وإن كان وضوءا ضرورة وهو وضوء ذي الحدث الدائم ، كالمستحاضة وصاحب السلس والبطن ، لم ينو فيه رفع الحدث بل الاستباحة ، فإن نوى ( الأول ) (٢) احتمل الصحة ، لتضمن رفع الحدث الاستباحة ، وقصد المستلزم يستلزم قصد اللازم ، وعدمها لعدم ارتفاع حدثه ، فقد يقارن وضوءه وقد يتأخر عنه.
ولو اقتصر على نية الاستباحة ، أجزأه كالتيمم ، فيصح بهذه النية. ولا يجب أن ينوي رفع الأحداث السابقة والاستباحة لما يتأخر. ويجوز الجمع بين نية رفع الحدث والاستباحة.
فروع :
الأول : لا يجب التعرض لنفي حدث معين ، فإن نواه وكان هو الثابت صح إجماعا ، ولو كان غيره : فإن كان غالطا فالأقرب الصحة ، لعدم اشتراط التعرض له ، فلا يضر الغلط فيه ، وإن كان عامدا ، فالأقرب البطلان ، لتلاعبه بالطهارة.
ولو تعدد الحدث : فإن نوى المطلق ارتفع حدثه مطلقا ، لأن رفع المطلق إنما يصح برفع جميع جزئياته. وإن نوى رفع الجميع أو الاستباحة فكذلك. وإن نوى رفع البعض : فإن نوى نفي رفع غيره ، لم يصح الوضوء ، لأن نيته حينئذ تتضمن رفع الحدث وإبقاءه ، فأشبه قوله أرفع الحدث لا أرفعه.
__________________
(١) في « ر » مانع.
(٢) الزيادة من « ر ».
وإن لم ينو نفي غيره ، احتمل البطلان أيضا ، لأن ما لم ينو رفعه يبقى ، والأحداث لا تتجزى ، فإذا بقي البعض بقي الكل. ويحتمل الصحة ، لأنه نوى رفع البعض فيجب رفعه ، والحدث لا يتجزى ، فإذا ارتفع البعض ارتفع الجميع.
والأصل أن ( نفس ) (١) النوم والبول لم يرتفع ، بل يرتفع حكمهما ، وهو شيء واحد تعددت أسبابه ، والتعرض لها ليس بشرط ، فإذا تعرض له مضافا إلى سبب واحد ، لغت الإضافة إلى السبب وارتفع.
ويحتمل رفع ما نواه خاصة ، بناء على أنها أسباب متعددة لمسببات متعددة ، فإن توضأ ثانيا لرفع آخر صح ، وهكذا إلى آخر الأحداث. وعلى البطلان لا فرق بين أن ينوي رفع الأول الذي أثر في النقض ومنع الصلاة ، أو الأخير الذي هو أقرب.
الثاني : لو نوى استباحة صلاة معينة ، صح ، لاستلزامه نية رفع الحدث. ولو نفى غيرها ، فالأقرب الصحة ، لأن المنوية ينبغي أن تباح لقوله : وإنما لامرئ ما نوى (١) ، وإنما يباح لو ارتفع الحدث وهو لا يتبعض. ويحتمل البطلان ، لتضمن نية رفع الحدث وإبقائه.
الثالث : لو (٢) نوى ما يستحب له الطهارة ، كقراءة القرآن ، وقضاء الحاجة ، احتمل عدم الصحة ، لأن هذه الأفعال مباحة مع الحدث ، فلا يستلزم قصدها قصد رفعه ، والصحة لأنه قصد كون ذلك الفعل على أكمل أحواله ، ولا يتم ذلك إلا برفع الحدث.
والوجه عندي التفصيل : فإن كان الفعل مما يشترط فيه الطهارة كالصلاة المندوبة ، صح ، وإن كان مما يمتنع فيه رفع الحدث ، كالحائض للذكر ، والغاسل للتكفين ، والمتيمم لصلاة الجنازة ، لم يصح قطعا.
__________________
(١) الزيادة من « ر ».
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٤ ح ١٠.
(٣) في « ق » إذا.
وإن لم يكن فإن كان الاستحباب لا باعتبار الحدث ، كتجديد الوضوء المقصود منه زيادة التنظيف ، لم يصح أيضا. وإن كان باعتباره فإن قصد الكمال ، صح وإلا فلا.
ولو كان الفعل لا يتوقف على الوضوء ولا يستحب له الوضوء كدخول السوق إذا توضأ له ، لم يصح.
الرابع : لو شك في الحدث بعد تيقن الطهارة ، فتوضأ احتياطا ثم ( تبين ) (١) تيقن الحدث ، فإن اكتفينا بالاستحباب مطلقا لا للحدث ( صح ) (٢) ولم يشترط نية الوجوب ، صح ، لاستحبابه هنا للاحتياط لا للحدث ، وإلا فلا ، وهو أقوى ، لأنه عند الوضوء متردد في الحدث ، فيكون مترددا في نية رفع الحدث ، فلا يعتد بوضوئه ، لاختلال النية.
بخلاف المأمور بالطهارة مع الشك فيها بعد تيقن الحدث ، فإنه يحكم بصحته مع الشك والتردد ، لأصالة بقاء الحدث ، والتردد الذي يعتضد أحد طرفيه بالأصل لا يضر لحصول الرجحان ، والمعنى هنا بالعكس.
الخامس : لو نوى أداء فرض الوضوء ، لم يكف عن نية رفع الحدث ( والاستباحة ) (٣) بل لا بد من أحدهما ، على أشكال.
السادس : يجب أن ينوي الوجه الذي يقع عليه الفعل ، من الوجوب والندب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما. فلو نوى بالمندوب الواجب أو بالعكس ، لم يصح ، لأنه لم يوقع الفعل على الوجه المأمور به ، فيبقى في العهدة.
السابع : لو نوى من لا قضاء عليه قبل دخول الوقت الوجوب لظن الدخول ، ثم ظهر الكذب ، فإن كان مع تعذر العلم صح وضوؤه ، وإلا فلا.
ولو نواه مع العلم بعدم دخول الوقت ، لم يصح وضوؤه ، ويحتمل ضعيفا
__________________
(١) الزيادة من « ر ».
(٢) الزيادة من « ق ».
(٣) الزيادة من « ر ».
صحته ، بناء على أن الموجب للطهارة هو الحدث وقد وجد ، إلا أن وقتها تتضيق عليه بدخول الوقت ، ولأنه آكد فيدخل تحته حكما ، إذ المميز جواز الترك ، وهو غير مراد ، فعلى الأول لو صلى الفرض به ، بطلت صلاته.
فإن لم يعد وتوضأ لأخرى قبل دخول وقتها واجبا ، صح وضوؤه ، إذ قد صار عليه صلاة واجبة ، فيجب لها الوضوء.
ولو توضأ قبل دخول الوقت ندبا ، فدخل قبل كماله ، فالأقرب الاستيناف على وجه الوجوب ، لأنه محدث دخل عليه وقت فريضة. ويحتمل الإتمام بنية الوجوب وبنية الندب ، لئلا يبطل العمل.
الثامن : الصبي المميز إن قلنا أن فعله تمرين فلا بحث ، وإن قلنا بصحته إذا نوى الوجوب أو الفرض ، كان المراد به أن ينوي إقامة طهارة ( الفرض ) (١) الحدث المشروطة في الصلاة ، لأنه يلزمه الإتيان به ، وشروط الشيء يسمى فروضه.
التاسع : لو نوى بوضوئه ما أمر به وقصد معه شيئا آخر ، فحصل ذلك الشيء ضرورة ، فإن لم يقصد كما لو ضم التبرد ، احتمل الصحة لحصوله وإن لم ينوه ، فنيته لاغية ، كما لو كبر الإمام وقصد مع التحريم إعلام القوم ، والعدم ، لأن التشريك بين القربة وغيرها ينافي الإخلاص ، وهو الأقوى ، لأن التبرد وإن حصل ضرورة إلا أنه إنما يحصل بعد إيقاع الفعل الذي لم يقصد به محض القربة.
أما لو ضم الرياء ، فالأصح البطلان ، لأنه منهي عنه ، فلا يقع مأمورا به ، فيبقى في عهدة الآمر. ولو اغتسل بنية رفع الجنابة والتبرد ، فالوجهان.
ولو نوى غسل الجنابة والجمعة فالوجه البطلان ، لأنه واحد لا يقع على وجهي الوجوب والندب. ويحتمل الصحة إن قلنا إنه لو اقتصر على رفع الجنابة تأدى به سنة غسل الجمعة ، وإلا فلا ، كما لو نوى بصلاة الفرض والنفل معا.
__________________
(١) الزيادة من « ق ».
العاشر : تكرار الغسل مستحب على ما يأتي ، فإذا أغفل لمعة في الغسلة الأولى ، فانغسلت في الكف الثاني بقصد التنفل ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن اللمعة لم تغسل بنية رفع الحدث وما في معناه ، لاعتقاده رفع الحدث بالمرة الأولى ، فلم يوقع الفعل على وجهه.
وكذا التجديد مستحب ، فلو انغسلت في التجديد فكذلك ، ويحتمل الفرق فيصح في الأول دون الثاني ، لأن الغسلتين في المرتين طهارة واحدة ، وقضية نية الأولى أن تحصل الغسلة الثانية بعد الأولى ، فما لم ينغسل عن الأولى لا يقع عن الثانية ، وتوهمه الغسل عن الثانية لا يمنع الوقوع عن الأولى.
أما التجديد فهو طهارة مستقلة منفردة بنية لم يتوجه إلى رفع الحدث أصلا ، والأقرب التسوية في البطلان ، لأنه لم يقصد الأولى فلا يقع عنها ، ولا الثانية لعدم إكمال الأولى.
الحادي عشر : لو فرق النية على أعضاء الوضوء ، فنوى عند غسل الوجه رفع الحدث عنه ، وعند غسل اليدين رفع الحدث عنهما وهكذا ، لم يصح ، لأن الوضوء عبادة واحدة ، فلا يجوز تفريق النية على أبعاضها كالصوم والصلاة ، ولهذا لو أراد مس المصحف بوجهه المغسول لم يصح ، لارتباط بعض أفعاله ببعض.
أما لو نوى رفع الحدث مطلقا بغسل وجهه عنده ، ورفع الحدث مطلقا بغسل يديه عندهما ، فالأقرب الصحة ، لأنه كما أن المقصود من جملة الأفعال رفع الحدث عن المكلف ، كذا من كل فعل ، لكن لا يحصل المقصود إلا بجملة الأفعال ، فلا يجوز أن يمس المصحف بوجهه المغسول.
ولو نوى استباحة الصلاة عند كل فعل ( فعل ) (١) فالأقرب الجواز أيضا ، لكن لا يحصل الاستباحة إلا عند فعل الجميع.
وصاحب اللمعة المنسية إذا قلنا بعدم إجزاء الغسلة الثانية ، لا تبطل
__________________
(١) الزيادة من « ر ».
طهارته فيما مضى ، بل يجوز البناء وإن قلنا بمنع تفريق النية ، ولا يحتاج إلى تجديد نية الباقي لاستصحاب النية الأولى. أما لو جدد ندبا ، فإنه لا يجزيه الأول ، وإن قصر الفصل وحصلت الموالاة ، لتفريق النية.
الثاني عشر : من وضأه غيره للعذر يتولى هو النية.
المطلب الثاني
( غسل الوجه )
وهو واجب بالنص (١) والإجماع ، وحده طولا : من قصاص شعر الرأس ـ وهو مبدأ تسطيح الجبهة (٢) ، لأن ميل الرأس إلى التدوير ، ومن أول الجبهة يأخذ الموضع في التسطيح ، ويقع به المواجهة ، فما فوق التسطيح من الرأس ـ إلى محادر شعر الذقن.
وأما النزعتان ـ وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين ـ فخارجان عنه ، لأنهما في سمت الناصية ، وهن جميعا في حد ( جملة ) (٣) التدوير.
كذا يخرج موضع الصلع ، لأنه فوق ابتداء التسطيح ، فيغسل ما يغسله مستوي الخلقة ، ولا عبرة بانحسار (٤) الشعر عنه.
ويخرج الصدعان أيضا ، وهما في جانبي الأذن متصلان بالعذارين من فوق الأذن ، ولا عبرة بالأغم ، فيدخل في الحد موضع الغمم ، لأنه في تسطيح الجبهة. ولا عبرة بنبات الشعر على خلاف الغالب ، وهو من الوجه ، سواء استوعب الغمم الجبهة أو لا.
وأما حده عرضا : فما دارت عليه الإبهام والوسطى من مستوي الخلقة ،
__________________
(١) وهو قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )والأخبار الواردة في غسل الوجه.
(٢) في « ق » الرأس.
(٣) الزيادة من « ر ».
(٤) انحسر الشيء : انكشف.
فلا عبرة بطويل الأصابع حتى يتجاوز العذار ، ولا لمن قصرت عنه ، بل يرجع كل منهم إلى مستوي الخلقة ، فيغسل ما يغسله ، لأن اسم الوجه إنما يصدق عليه.
والعذار والبياض المتخلل بينه وبين الأذن خارجان عن حد الوجه لخروجهما عن المواجهة.
ولا يجب غسل الباطن من الفم والأنف والعين ، بل يكتفي بغسل الظاهر. ولا يجب تخليل الشعور النابتة في حد الوجه ، كالحاجبين والأهداب ( والشاربين والعنفقة ، مطلقا على رأي بل يكفي إفاضة الماء على الظاهر من الشعور ، والأقرب التخليل في العنفقة ) (١) إذا لم يصل الماء إلى منابتها ، والاكتفاء في الكثيفة بظاهرها.
والعذار (٢) هو القدر المحاذي للأذن ، يتصل من الأعلى بالصدغ ومن الأسفل بالعارض ، وهو ما ينحط عن القدر المحاذي ، لا يجب غسل ما خرج عن حد الإصبعين منهما ، لخروجهما عن اسم الوجه ، ويجب غسل ما أحاطا به.
ثم إن كان خفيفا لا يستر المنابت ، وجب تخليله على رأي ، وإلا فلا. وكذا منابت اللحية إذا كثفت لا يجب غسلها ، بل يغسل الظاهر ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اكتفى بغرفة في غسل وجهه وكان كثير (٣) اللحية ، والظاهر قصور الغرفة عنها ، ولأن فيه عسرا.
ولو نبت للمرأة لحية ، فكالرجل. إن كانت كثيفة ، اجتزأت بغسل ظاهر الشعر ، وإن كانت خفيفة فالوجهان. ويراد بالخفيف ما ترى (٤) البشرة
__________________
(١) الزيادة من « ر ».
(٢) والظاهر وقوع هذه الجملة إلى آخرها بعد قوله « لخروجهما عن المواجهة » فلعل وقع تقديم وتأخير.
(٣) في « ر » كثيف.
(٤) في « ر » يتراءى.
من خلاله في مجلس التخاطب ، والكثيف ما يستر ويمنع الرؤية. ولو كان البعض خفيفا والباقي كثيفا ، فالأقرب إلحاق كل بحسبه.
ولا يجب غسل المسترسل من اللحية الخارج عن حد الوجه طولا وعرضا إجماعا منا ، لأنه ليس من الوجه ، ولهذا لا يسمى الأمرد ومن قطعت لحيته ناقص الوجه. وإنما سمي الشعر النابت في محل الفرض بالوجه للمجاورة.
وكذا السبال إذا طال لا يجب غسل الخارج منه عن حد الفرض ، ولا يجب إفاضة الماء على هذه الشعور أيضا.
والفرق بينه (١) وبين الغسل اصطلاحا إطلاق الإفاضة على غسل ظاهر الشعر ، والغسل على غسل ظاهره وباطنه.
ويجب أن يغسل الوجه من أعلاه إلى الذقن مستوعبا ، فإن نكس فالأصح البطلان ، لأن الباقر عليهالسلام حيث وصف وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلاه. (٢) وبيان (٣) المجمل الواجب واجب ، لأن ما فعله عليهالسلام بيانا إن ابتدأ بالأسفل وجب (٤) ، وليس إجماعا ، فبقي المطلوب ، لعدم الواسطة.
ولو غسل ظاهر الشعر الكثيف ثم قلع ، لم يجب الإعادة ، كما لو انكشطت جلدة بعد غسلها.
المطلب الثالث
( في غسل اليدين )
وهو واجب بالنص (٥) والإجماع ، والواجب غسل الذراعين والمرفقين
__________________
(١) كذا في النسخ والظاهر : بينها.
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٤ ح ٦.
(٣) كذا في النسخ ، والظاهر أن يكون كذا : وإتباع بيان إلخ.
(٤) والظاهر : وجب اتباعه. ويستفاد ذلك من الفرع الثامن المذكور في المنتهى ١ ـ ٥٨.
(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٧.
والكفين للآية (١) و « إلى » بمعنى « مع » كقوله ( إِلى أَمْوالِكُمْ ) (٢) وتوضأ عليهالسلام فأدار الماء على مرفقيه ثم قال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به (٣).
ويجب أن يبدأ من المرفقين (١) ، وينتهي إلى الأصابع مستوعبا ، فإن نكس فالأصح البطلان لحديث الباقر (٤) عليهالسلام.
ولو قطع بعض اليد ، وجب غسل الباقي ، لعدم استلزام سقوط المتعذر سقوط الممكن.
ولو كان القطع من فوق المرفق ، سقط غسلها إجماعا ، لسقوط محله ، نعم يستحب غسل الباقي من العضد ، لقول الكاظم عليهالسلام « يغسل ما بقي من عضده » (٥).
ولو كان القطع من مفصل المرفق ، احتمل وجوب غسل رأس العظم الباقي ، لأنه في محل الفرض وقد بقي ، فأشبه الساعد إذا قطع الكف ، لأن المرفق مجموع العظم وقد بقي أحدهما فيغسل ، ولأنه يغسل مقصودا كسائر أجزاء محل الفرض ، وكأطراف الوجه بالنسبة إلى وسطه.
وعدمه ، لأن غسله للتبعية ولضرورة استيعاب غسل اليد إلى المرفق ، كما يغسل شيء من الرأس تبعا وضرورة لاستيعاب الوجه بالغسل ، ولأن المرفق طرف عظم الساعد.
ولو كان له ذراعان دون المرفق ، أو أصابع زائدة ، أو لحم نابت ، أو كفان على ساعد واحد ، أو انكشطت جلدة فتدلت من محل الفرض ، وجب غسله ، لأنه كالجزء من اليد. ولو كان ذلك فوق المرفق ، لم يجب.
__________________
(١) وهي قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) سورة المائدة : ٦.
(٢) سورة النساء : ٢.
(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ١٤٥ الرقم ٤١٩.
(٤) في « ر » من المرفق.
(٥) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٧٤.
(٦) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٣٧ ح ٢.
ولو انكشطت جلدة من محل الفرض وتدلت من غير محله ، لم يجب غسل شيء منها ، ويجب لو انعكس.
ولو انكشطت من أحدهما [ وتدلت من الآخر ] (١) والتصقت بالآخر ، وجب غسل محاذي الفرض دون ما فوقه.
ولو كان له يد زائدة ، فإن خرجت من محل الفرض كالساعد والمرفق ، وجب غسلها مع الأصلية كالإصبع ، لأنها كالجزء ، سواء تجاوز طولها الأصلية أو لا. وإن خرجت من فوق محل الفرض وعرف أنها زائدة ، فالأقوى عدم غسلها وعدم غسل ما حاذى محل الفرض ، إلا إذا التصق شيء منها بمحل الفرض ، فيجب غسله خاصة.
وإن لم يتميز ، وجب غسلهما جميعا ، سواء خرجتا من المرفق أو المنكب ، لكن إن خرجتا من المنكب غسلتا ، توصلا إلى أداء الواجب. وإن خرجتا من المرفق أو الكوع غسلتا بالأصالة. وتتميز الزائدة عن الأصلية بقصرها عن حد الاعتدال ، أو نقصان الأصابع ، أو فقد البطش ، أو ضعفه وشبه ذلك.
تتمة :
يجب غسل هذه الأعضاء وجميع أنواع الطهارات من الحدث بماء مملوك أو مباح ، لقبح التصرف في مال الغير ، فلا يخرج عن عهدة القربة (٢).
ولو جهل غصبية الماء ، صحت طهارته ، لأنه متعبد بالظاهر وقد امتثل.
ولو جهل الحكم ، لم يعذر ، لأنه أضاف إلى تقصيره تقصير آخر. ولو سبق العلم فكالعالم كما يأتي في النجاسة.
ويجب أن يتطهر من الأحداث بماء طاهر مطلق على ما يأتي.
__________________
(١) الزيادة من « ق ».
(٢) في « ر » الأمر به.
ويجب غسل الأعضاء مستوعبا عملا بالأمر ، فلو أخل بشيء من الوجه أو اليد لم يصح.
ولو كان في يده خاتم أو سبر أو دملج أو سوار ، فإن كان واسعا يصل الماء إلى ما تحته من غير تحريك أجزأه ، لكن يستحب التحريك استظهارا. وإن كان ضيقا لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بالتحريك ، وجب ، لوجوب ما يتوقف عليه الواجب.
ويجزي في الغسل أقل مسماه ولو كالدهن ، لأصالة البراءة من الزائد ، وحصول الامتثال به ، بشرط الجريان ، لتوقف الاسم عليه.
والفرض في الغسل مرة واحدة ، لصدق الامتثال معه ، والثانية سنة على الأصح للرواية (١) ، والثالثة بدعة على الأقوى ، لعدم المشروعية.
فروع :
الأول : إنما يستحب الثانية بعد إكمال الغسلة الأولى ، فلو أبقى من العضو شيئا لم يغسله في المرة الأولى ، وجب غسل ذلك الشيء ، فلو غسله في الثانية بنية وجوب غسله خاصة أجزأه ، وكذلك لو نوى وجوب غسل الجميع على إشكال. وكذا يجب لو لم ينغسل في الثانية غسله في الثالثة.
والأقرب عدم خروج ما انغسل مرتين عن البدعة إلا مع الضرورة.
الثاني : لو غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين جاز ، لأن المستحب في الجميع مستحب في أبعاضه.
الثالث : لو غسل الثالثة ، بطل وضوؤه إن كان في اليسرى ، لحصول المسح بماء جديد ، وإلا فلا للامتثال ، فلا يؤثر فيه الزائد.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١ ـ ٣٠٩.