أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

الورود ونظرية التزاحم

ص ٦٢ قوله : ( كما انّه إذا قبلنا امكان الترتب وأنكرنا الشرط الثاني ... ).

هناك فرق بين انكار الشرط الأوّل وانكار الشرط الثاني فإنّه إذا أنكرنا الشرط الأوّل وقع التعارض بين الدليلين على الحكمين المتزاحمين مطلقاً إذ لا يمكن ثبوت الحكم لهما معاً ولو بنحو مشروط ولابد من حكم واحد ـ بناءً على استحالة الترتب ـ امّا بأحدهما تعيينياً أو تخييراً.

وحيث لا معين للأخذ بمفاد أحد الدليلين دون الآخر والأمر بأحدهما تخييراً يحتاج إلى دليل ثالث فلا محالة يقع التعارض بينهما ولا يثبت شيء من الحكمين لولا ضمّ ضميمة من الخارج.

وامّا إذا أنكرنا الشرط الثاني مع القول بامكان الترتب فالتعارض ليس بين أصل الحكمين على الضدين بل بين اطلاقيهما بحيث لو فرض التساقط بينهما سقط إطلاق الحكمين وامّا ثبوت حكمين مشروطين كل منهما بعدم امتثال الآخر فليس داخلاً في التعارض أصلاً ، وهذا ما يترتب عليه ثمرة سوف نشير اليها.

ثمّ إنّ هنا طرقاً اخرى لاخراج باب التزاحم عن التعارض ، نشير إليها إجمالاً مع جوابها :

الأوّل : دعوى إطلاق الخطابات المجعولة على نهج القضايا الحقيقية ـ وقد يعبَّر عنها بالخطابات القانونية ـ حتى لموارد العجز ، فضلاً عن موارد التزاحم

٣٨١

وعدم إمكان الجمع بين الواجبين. نعم ، يصحّ ذلك في الخطابات الخارجية.

وهذا البيان لا يمكن المساعدة عليه ؛ وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ نكتة المنع عن إطلاق الخطاب لموارد العجز وعدم القدرة لا تختصّ بالقضايا الخارجية ، بل تجري في الحقيقية أيضاً ، وهي أنّ حقيقة التكليف وروحه ليس هو الملاك ، بل ولا الحب والبغض ، وإنّما هو التصدّي والتحريك المولوي لتحصيل مرامه من عبده ، وهذا لا يصدر من العاقل فضلاً عن الشارع الحكيم في حقّ العاجز وموارد عدم القدرة ، سواء كان في فعل واحد أو مجموع فعلين ، فلا ينعقد إطلاق لخطابات المولى الظاهرة في المحركية لموارد العجز حتى إذا كانت خطابات قانونية وكلّية.

وثانياً ـ صراحة الآيات والروايات الدالّة على عدم التكليف من قبل الشارع الأقدس في موارد الاضطرار والعجز وعدم السعة والطاقة ، ممّا يوجب تقيّد الخطابات التكليفية بالقدرة لا محالة ، فيقع التعارض في موارد التزاحم بين اطلاقي دليل كل من الواجبين المتزاحمين ، لثبوت القدرة على كلّ منهما لولا الآخر.

الثاني : ما اختاره المحقّق العراقي قدس‌سره من ارجاع الأمر بالواجبين المتزاحمين إلى الأمر بكل منهما معيناً ، إلاّ أنّه إذا كانا متساويين كان الأمران معاً ناقصين ، وإذا كان أحدهما أهم كان الأمر بالأهم تاماً والأمر بالمهم ناقصاً ، أي أمراً بسدِّ باب عدمه من سائر النواحي غير ناحية فعل المساوي أو الأهم عند المولى ، وبذلك يحفظ أيضاً ظهور خطاب الواجبين المتزاحمين في عرضية الوجوبين.

وفيه : أوّلاً ـ هذا خلاف ظاهر خطاب الأمر ، وتأويل له بارجاعه إلى المنع

٣٨٢

عن الترك أو سدِّ باب العدم من ناحية المقدمات ، وكلاهما خلاف ظاهر الأمر الذي هو ايجاب الفعل وايجاده ، فإذا فرض عدم إمكان الترتّب وقع التنافي بين الأمرين لا محالة.

وثانياً ـ احتياج هذا الطريق أيضاً إلى أخذ فعل الواجب الأهم أو المساوي قيداً في الخطاب ، وإلاّ كان مقتضى إطلاق كل من الخطابين المتزاحمين نفي وجوب الآخر ، فيدخل في باب التعارض.

الثالث : التنافي في موارد التزاحم ليس في مبادئ الحكمين المتزاحمين ؛ لتعدّد متعلّقهما ، بل من جهة عدم إمكان الجمع بينهما في مقام الامتثال ، وهذا وإن أوجب سقوط الحكم ، ولكنه لا يوجب سقوط ملاكه ، بل ولا روح الحكم من المحبوبية والمبغوضية ، وهو كالحكم والتكليف منجّز عقلاً ، فيجب الامتثال والرجوع إلى حكم العقل بترجيح الأهم على المهم ، وسائر المرجحات المذكورة في باب التزاحم على القاعدة.

وفيه : أوّلاً ـ بطلان المبنى ، فإنّ الدلالة على الملاك ومبادئ الحكم دلالة التزامية للخطابات ، فتسقط بسقوط دلالتها المطابقية على ما هو محقّق في محلّه.

وثانياً ـ ما هو روح الحكم ليس هو الملاك ولا المحبوبية والمبغوضية ، بل هو التصدّي والمحركيّة المولوية ، والمفروض سقوطها وعدم وجودها في موارد العجز وعدم القدرة ، وثبوتها على الجامع بين المتزاحمين المقدور لا يساعد عليه الدليل بحسب مقام الاثبات ، فالتعارض سارٍ إلى المدلول الالتزامي إذا اريد به ما هو موضوع حكم العقل بالمنجزية لا مجرد الملاك والمحبوبية.

٣٨٣

ص ٦٥ قوله : ( والجواب عن هذا الاعتراض ... ).

يلاحظ على هذا الجواب سواءً بصيغته في الأحكام المجعولة على نهج القضايا الحقيقية أو بصيغته التي تتم حتى على أساس كونها خارجية بأنّ برهان هذا التقييد لا يقتضي أكثر من التقييد بصورة العلم بالأهمية أو المساواة أي العلم بعدم كون الواجب الآخر مرجوحاً ـ أي صورة العلم باللغوية ـ والوجه في ذلك واضح ، فإنّ أهمية الملاك كأصل ثبوت الملاك وفعليته مدلول للخطاب ومستفاد منه فلا معنى لأن يكون قيداً فيه ، بل بالعكس يجعل المولى خطابه مطلقاً حتى لحال الاشتغال بالآخر ليثبت أهميته ورجحانه عليه ، ولا يخرج منه إلاّصورة العلم بلغوية إطلاق الخطاب ، وهذا لازمه وقوع التعارض بين اطلاقي الواجبين المتزاحمين إذا كان احتمال الأهمية في كل منهما موجوداً ولا يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمقيده كما لا يخفى.

ومما يؤيد هذا بل يدل عليه أنّنا نتمسك باطلاق الأمر بالقيد إذا كان ضده الآخر مشكوك الوجوب مع أنّ أهمية الملاك ليست بأشد من أصل الملاك والوجوب فإذا كان المقيد اللبي مقيّداً بصورة العلم بوجوب الضد فلا محالة مقيد بصورة العلم بعدم مرجوحيته أيضاً لا بصورة عدم مرجوحيته واقعاً.

وبهذا يدخل باب التزاحم في باب التعارض في الجملة على أساس هذا المسلك. ولكن سيأتي في بحث مقبل الاجابة على هذا الاشكال فانتظر (١).

وقد يقال : بأنّ الخطابات ليس إلاّبصدد بيان أصل الأمر والالزام بالفعل أو الترك في نفسه لا بالقياس إلى ما قد يزاحمه من الواجبات والالزامات الاخرى

__________________

(١) في التعليق القادم على ص ٩٢ من الكتاب ، فراجع.

٣٨٤

فلا إطلاق لها لصورة التزاحم والاشتغال بواجب آخر وإنّما يحرز ذلك بالملازمة وفي طول اثبات أهمية ملاك أحد المتزاحمين على الآخر وهذا يعني انّ مفاد كل خطاب مهمل من حيث اثبات وجوب مشروط بترك الضد الواجب أو مطلق.

وفيه : أوّلاً ـ انّ لازم هذا عدم امكان اثبات إطلاق الواجب المحتمل أهميته بالنسبة لما لا يحتمل أهميته فلا يتم الترجيح بمحتمل الأهمية فضلاً عن قوة احتمال الأهمية.

وثانياً ـ انّه لا موجب له إذ لا إشكال في إطلاق كل خطاب الزامي من حيث الاشتغال بالضد سواء كان واجباً أم لا ولهذا لا شك في التمسك بهذا الإطلاق في فرض الشك في وجوب الضد وهذا يعني انّ إطلاق الوجوب لحال الاشتغال بالضد يثبت فعلية الالزام على هذا التقدير أيضاً وهو يلازم كونه أهم إن كان الضد واجباً ، فلا يتوقف الإطلاق المذكور على كون الخطابات في مقام المقايسة بعضها مع البعض بل لازم اطلاقاتها لحالات المكلف ذلك ، فتدبر جيداً.

ص ٦٨ قوله : ( الأوّل : ترجيح المشروط بالقدرة العقلية ... ).

لا بأس أن يذكر هنا انّ هذا المرجح أسبق من الترجيح بالأهمية أو سائر المرجحات ، ووجهه واضح من خلال بيان برهان هذا المرجح.

كما انّه لابد وأن يعلم بأنّه إذا أخذنا القدرة قيداً في الخطاب والتكليف كانت مرجحات باب التزاحم راجعة إلى باب الورود أي كان التخيير أو الترجيح لأحدهما على الآخر شرعياً وبملاك إطلاق الخطاب لأحد الواجبين دون الآخر أو احتماله احتمالاً منجزاً عقلاً أو كونهما معاً تكليفين مشروطين بنحو الترتب على القاعدة.

٣٨٥

وأمّا إذا قلنا بمسلك السيد الخوئي قدس‌سره من انّ القدرة ليست شرطاً في التكليف والخطاب وإنّما هو شرط عقلي في التنجز ومقام الامتثال فالتخيير في فرض التساوي عقلي لا شرعي ؛ كما انّ الترجيح للأهم أو للمشروط بالقدرة الشرعية أو غيرهما يكون بحكم العقل العملي ، لا من باب إطلاق الخطاب الأهم وتقييد المهم ؛ فبين المنهجين لفهم باب التزاحم فرق من هذه الناحية أيضاً.

ص ٧٢ قوله : ( الصورة الثالثة ... ).

ويمكن اضافة صورة رابعة وهي ما إذا علمنا بأنّ أحد الواجبين من دون تعيين القدرة فيه عقلية واحتملنا انّ القدرة في الآخر شرعية فإنّه سوف يتشكل علم اجمالي بملاك فعلي للمولى في أحد الضدين ويشك في القدرة على تحصيله بمعنى عدم تفويته أو تفويت ما يعادله ، وعدم القدرة على ذلك.

إلاّ انّه حيث لا يمكن الاحتياط بالاتيان بالضدين معاً فالنتيجة في هذه الصورة هو التخيير كالصورتين الاولى والثانية لجريان البراءة عن احتمال إطلاق الملاك لحال الاشتغال بالآخر في كل من الواجبين بالخصوص.

وهكذا يظهر انّ الصورة الثالثة وهي العلم بكون القدرة في أحدهما عقلية ويشك في الآخر كون القدرة فيه عقلية أو شرعية لابدّ من تفصيلها إلى صورتين : صورة تعيّن ما تكون القدرة فيه عقلية فيثبت ترجيحه من باب الاحتياط وصورة تردده فيثبت فيه التخيير.

وقد يناقش في كل من النتيجتين بمناقشة :

امّا في الأوّل : فبأنّ فعلية ملاك الإزالة مثلاً لحال الاشتغال بالصلاة وإن كانت معلومة إلاّ أنّ هذا وحده لا يكفي لوجوب الاحتياط من باب الشك في القدرة

٣٨٦

طالما لا يكون إطلاق الخطاب محرزاً إذ لعل القدرة في الآخر أيضاً عقلية فالمولى لا يتصدى لحفظ هذا الملاك عند الاشتغال بالآخر والملاك إنّما يتنجز إذا كان بالغاً مرتبة يتصدى المولى لتحصيله ، وامّا ذات الملاك ولو لم يتصد المولى لتحصيله فلا يدخل في العهدة والملاك المحرز في المقام من هذا القبيل فلا يجب فيه الاحتياط بل تجري البراءة العقلية والشرعية عنه.

والجواب : انّ الملاك المذكور يعلم انّه بالغ مرتبة تصدي المولى لتحصيله في نفسه وإنّما يشك في تصدي المولى لتحصيله بالخطاب وعدمه من ناحية العجز وعدم إمكان الجمع بين الملاكين ـ إذا كانت القدرة فيهما معاً عقلية ـ ومثل هذا الملاك داخل في العهدة إذ مرجع الشك في الحقيقة إلى الشك في القدرة على تحصيل الملاك وعدم تفويته على المولى لا في بلوغ الملاك مرتبة الفعلية والاهتمام المولوي في نفسه. وبتعبير آخر بعد أن كان الملاك كالخطاب من حيث التنجيز والدخول في العهدة لأنّه روح الحكم فالشك في القدرة على تحصيله كالشك في القدرة على الخطاب منجز عقلاً.

وإن شئت قلت : كلما تنجز التكليف وأصبح الملاك فعلياً لابد من تحصيل الجزم بالفراغ منه بالامتثال أو بالعذر الشرعي كالتكليف الفعلي ، وهذا هو روح انّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

وأمّا في الثاني : فبأنّ مقتضى القاعدة مع فرض العلم الإجمالي بوجود ملاك فعلي مردد في الصورة الرابعة وجوب الاحتياط بالمقدار الممكن وذلك بالاتيان بما يكون احتمال كون القدرة فيه عقلية أكثر من الآخر لأنّ المفروض تنجز هذا العلم الإجمالي إلاّمن ناحية العجز من الاحتياط والموافقة القطعية وهو لا يمنع عن وجوب الاحتياط عقلاً بالمقدار الممكن.

٣٨٧

والجواب : انّ هذا صحيح على مستوى الأصل العقلي ، وامّا بملاحظة الأصل الشرعي كالبراءة الشرعية فيمكن اجرائها عن ملاك التكليف الذي يكون احتمال القدرة العقلية فيها أكثر حال الاشتغال بالآخر فينفى إطلاق ملاكه ولا يعارض بالبراءة عن إطلاق ملاك الآخر حال الاشتغال بهذا إذ لا يلزم من جريانهما الترخيص في المخالفة القطعية كما لا يخفى. فالنتيجتان صحيحتان.

ص ٧٣ قوله : ( وامّا لو اريد منها المعنى الثالث ... ).

ينبغي تقسيم الشقوق والصور في احتمال هذا المعنى للقدرة الشرعية بالنحو التالي :

الصورة الاولى : أن نحتمل كون القدرة شرعية بالمعنى الثالث فيهما معاً.

ونحتمل أن تكون فيهما معاً بنحو واحد ـ حيث انّ القدرة الشرعية بالمعنى الثالث قد يكون بنحو عدم المنافي العقلي وقد يكون بنحو عدم المنافي اللولائي ـ والحكم هنا هو البراءة عن كلا التكليفين حيث لا يحرز فعلية شيء منهما ، إذ لو كانا معاً بنحو العدم اللولائي فقد تقدم انّه سوف لا يثبت شيء منهما فتجري البراءة عنهما معاً لولا فرض علم اجمالي من الخارج.

الصورة الثانية : أن يحرز كون القدرة شرعية بالمعنى الثالث في أحدهما المعيّن بمعنى عدم المنافي اللولائي ويشك في الآخر انّه كذلك أم لا بأن تكون القدرة فيه عقلية أو شرعية بالمعنى الثاني أو شرعية بالمعنى الثالث بمعنى عدم المنافي الفعلي. وحكم هذه الصورة حكم الصورة الاولى من جريان البراءة عن التكليفين معاً لاحتمال ارتفاعهما كما إذا كان الآخر كذلك أيضاً ما لم يفرض علم اجمالي من الخارج ، وهاتان هما الصورتان الاولى والثانية في الكتاب.

٣٨٨

الصورة الثالثة : نفس الصورة الاولى من دون احتمال وحدة القدرة الشرعية بالمعنى الثالث بينهما بل إذا كان أحدهما مشروطاً بالعدم اللولائي فالآخر مشروط بالعدم الفعلي.

وفي هذا الفرض سوف يعلم اجمالاً فعلية أحد الملاكين والخطابين على الأقل ، ولكن حيث انّه لا يمكن الاحتياط للتضاد بينهما فيدخل تحت كبرى الاضطرار إلى أحدهما غير المعيّن ، والصحيح فيه منجزية العلم الإجمالي بالنسبة لحرمة المخالفة القطعية وتساقط الاصول الشرعية في الطرفين ؛ فلا تجري البراءة عنهما معاً للزوم الترخيص في المخالفة القطعية ، ولكن تجري البراءة عن إطلاق وجوب كلّ منهما بخصوصه ولا يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية كما تقدم ؛ فلا تعيين ، والنتيجة التخيير.

الصورة الرابعة : أن يحرز كون القدرة شرعية بالمعنى الثالث في أحدهما المعين بمعنى عدم المنافي الفعلي ويشك في الآخر في كون القدرة فيها عقلية أو شرعية بالمعنى الثاني أو الثالث ، وهنا لا يحتمل في الآخر القدرة الشرعية بالمعنى الثالث بمعنى عدم المنافي الفعلي للزوم الدور كما تقدم ؛ فلا محالة يحتمل فيه القدرة الشرعية بمعنى عدم المنافي اللولائي.

وهذا لازمه العلم اجمالاً بفعلية أحد التكليفين ، امّا المحرز كون القدرة فيه شرعية بمعنى عدم المنافي الفعلي لو كان الآخر مشروطاً بعدم المنافي اللولائي أو التكليف الآخر لو كان غير مشروط بالقدرة الشرعية بالمعنى الثالث فلا يجوز تركهما معاً ، كما في موارد الاضطرار إلى طرف لا بعينه ، فهذا ملحق بالصورة الثالثة.

الصورة الخامسة : أن يحرز كون القدرة عقلية في أحدهما المعيّن ويشك في

٣٨٩

الآخر كونها شرعية بالمعنى الثالث أو عقلية والنتيجة هنا الاحتياط بنفس البيان المتقدم ، وهذه هي الصورة الثالثة في الكتاب.

الصورة السادسة : أن يحرز كون القدرة شرعية في أحدهما المعيّن بالمعنى الثاني ويشك في الآخر كونها شرعية بالمعنى الثالث أم لا. وحكم هذه الصورة العلم بفعلية ما احرز فيه ذلك ، والشك في أصل وجوب الآخر ، بأي معنى كان القدرة الشرعية بالمعنى الثالث المحتمل فيه ، بحيث لو تركهما معاً علم تفصيلاً بعصيان الأوّل ، فلا يجوز تركهما معاً لكونه مخالفة قطعية تفصيلية ، ولكن هل يجب فعله أم يجوز اختيار الآخر؟ الصحيح هو التخيير لجريان البراءة عن وجوب الأوّل على تقدير الاتيان بالثاني أي عن إطلاق وجوبه لحال الاشتغال بالآخر لاحتمال انّه غير مشروط بالقدرة الشرعية بالمعنى الثالث فلا يحرز ملاك الأوّل في هذا التقدير ، ومثله ما إذا احتمل كون القدرة فيه عقلية أو شرعية بالمعنى الثاني.

الصورة السابعة : أن يعلم بأنّ القدرة في أحدهما المردد عقلية أو شرعية بالمعنى الثاني ، ويشك في أخذ القدرة الشرعية بالمعنى الثالث للآخر على اجماله ، وهذا ملحق بالصورة السابقة في الحكم أيضاً.

وهذا يعني انّه كلما احتمل أن يكون كلاهما مما اخذت فيه القدرة الشرعية بمعنى عدم المنافي اللولائي جرت البراءة عن التكليفين معاً سواءً علم بذلك في أحدهما المعيّن أو المردد أم لا ، وهذا يجمع الصورتين الاولى والثانية.

وكلما لم يحتمل ذلك في كليهما سواء احتمل في أحدهما فقط أم لا فإن كان أحدهما المعيّن يحرز كون القدرة فيه عقلية تعين فعله لكونه من الشك في

٣٩٠

القدرة على تحصيله بلا تفويت ملاك معادل له وهو من الشك في القدرة المنجز عقلاً ، وهذه هي الصورة الثالثة في بيان السيد الشهيد في الكتاب.

وإن لم نحرز كون القدرة عقلية في أحدهما المعيّن ثبت التخيير دون التعيين ودون جواز تركهما معاً في تمام الصور والشقوق المتصورة بهذا التقدير.

امّا عدم جواز تركهما معاً فللعلم بفعلية أحد التكليفين على تقدير تركهما معاً امّا اجمالاً أو تفصيلاً ، إذ يعلم بحسب الفرض انّ كليهما ليس مشروطاً بالعدم اللولائي الموجب لارتفاعهما فأحدهما على الأقل فعلي إذا ترك كلا الضدين ، وامّا عدم التعيين فلأنّ التكليف الفعلي إذا كان مردداً فواضح وإذا كان معيناً كما إذا علمنا بأنّ القدرة في أحدهما المعيّن شرعية بالمعنى الثاني به وشك في الآخر انها شرعية بالمعنى الثالث أو عقلية فلجريان البراءة عن وجوبه على تقدير الاشتغال بالآخر إذ لعل القدرة في الآخر عقلية أو شرعية بحيث يكون الاشتغال به رافعاً لملاك الأوّل.

والسيد الشهيد كأنّه اقتصر على خصوص هذا الفرض بقوله : « إذا فرض الدوران بين القدرة الشرعية بالمعنى الثاني والثالث فلا يمكنه تركهما معاً » ، وهو يشمل صورتين أن يعلم بأنّ القدرة في أحدهما المعيّن شرعيته بالمعنى الثاني ويشك في الآخر انّه كذلك أو يعلم بأنّ أحدهما اللامعيّن كذلك وهما الصورة السادسة والصورة السابعة.

إلاّ أنّك قد عرفت وجود صور اخرى عديدة تكون النتيجة فيها التخيير أيضاً.

في بعضها يحتمل فيه في كلا الطرفين أن تكون القدرة الشرعية فيهما بالمعنى الثالث ـ الصورة الثالثة والصورة الرابعة ـ وبعضها يكون فيه الدوران في الطرفين بين القدرة العقلية والشرعية بالمعنى الثالث.

٣٩١

ثمّ ليعلم انّ المشروط بالقدرة الشرعية بالمعنى الثالث وإن كان يثبت فيه ترجيح غير المشروط بها على المشروط بها إلاّ انّه خارج عن باب التزاحم إذ في مثل هذه الفرضية لا يكون المشروط بالقدرة الشرعية بهذا المعنى وجوبه فعلياً أصلاً حتى لو ترك الآخر ولهذا لا يقع الاتيان به امتثالاً أصلاً ، وهذا خارج عن باب التزاحم إذ المفروض فيه فعلية التكليفين معاً في الجملة بحيث لو جاء بأحدهما كان امتثالاً. وهذا يعني انّ القدرة الشرعية التي تكون من مرجحات باب التزاحم إنّما هي القدرة الشرعية بالمعنى الثاني أي ما إذا كان الاشتغال بواجب آخر رافعاً للملاك واثبات هذا المعنى من القدرة الشرعية من أخذ القدرة أو الاستطاعة في لسان الدليل مشكل جداً بل امّا أن يكون ظاهره دخل القدرة المقابل للعجز التكويني في الملاك وهو لا ينفع في الترجيح لحصوله في الواجبين معاً أو يكون ظاهراً في أخذ القدرة الشرعية بالمعنى الثالث وهو يخرجه عن باب التزاحم المصطلح.

ص ٧٤ قوله : ( وهذا الأمر غير تام إذ يرد عليه ... ).

كلا الايرادين إنّما يتمان في الأحكام ذات الملاكات غير المفهومة والمعروفة عند العقلاء كالملاكات التوقيفية وإلاّ كان إطلاق الملاك لمورد العجز مدلولاً التزامياً لأصل الخطاب بل قد يدعى ظهور عرفي في كل خطاب شرعي انّه كالخطاب العرفي الذي لا يكون ملاكه عادة منوطاً بالقدرة ومرفوعاً بالعجز ما لم يقيد الخطاب من قبل المشرع والمولى بفرض القدرة ، ومثل هذا الظهور ليس ببعيد ، خصوصاً في التكاليف التي ملاكاتها مأنوسة في الذهنية العقلائية ، امّا في مثل الأموال والفروج والنفوس ونحوها فمما يقطع باطلاق ملاكاتها وعدم ارتفاعها بالعجز.

٣٩٢

وهذا قد يقرب بعنوان إطلاق وظهور عرفي مقامي وقد يقرب بعنوان ملازمة عرفية بين ثبوت الملاك في موارد القدرة وثبوتها في مورد العجز خصوصاً الناشىء من الاشتغال بواجب آخر والذي هو مقصودنا من القدرة العقلية.

ص ٧٦ قوله : ( الثالث ... ).

قد يقال : بأنّ التأسيسية إنّما تصح فيما إذا كانت راجعة إلى مدلول اللفظ في المقام ، ومدلول اللفظ وهو الخطاب واحد على كل تقدير ، وامّا الملاك فليس مفاداً للفظ.

والجواب : ما ذكره بقوله ( وبعبارة اخرى ) والمقصود انّ هنا توجد نكتة مشابهة لنكتة الظهور في التأسيسية وهي انّه بعد أن كان وجود الملاك والغرض للمولى من وراء خطاباته معلوماً وواضحاً ، وبعد أن كان التقييد بالقدرة واضحاً ومنكشفاً عرفاً بالقيد اللبي المتصل كان ذكر التقييد بالقدرة لغواً لولا دخله في الملاك فيحمل على ذلك.

وهذا الجواب لا يتمّ في مورد توجد نكتة اخرى محتملة لذكر القيد بخلاف الظهور في التأسيسية فإنّه ظهور عام يتم في تمام الموارد ، والسيد الشهيد ملتفت إلى ذلك بقرينة ما سيذكره في ترجيح ما ليس له بدل.

ص ٧٨ قوله أوّل الصفحة : ( ما إذا احرز كون القدرة ... ).

الصحيح انّه في هذه الصورة يصح التمسك باطلاق الآخر لحال الاشتغال بما تكون القدرة فيه شرعية فذكر هذا هنا كأنّه توطئة للدخول في ذلك البحث والتفصيل فاللازم أن يقال انّ النتائج إلى هنا هذه.

٣٩٣

ص ٧٨ قوله : ( البيان الأوّل ... ).

ودعوى : انّ هذا غايته تقيد هذا الخطاب بعدم الاشتغال بواجب آخر لا الإطلاق في الخطاب الآخر لحال الاشتغال بهذا الذي هو المطلوب في الترجيح.

مدفوعة : بأنّ ظاهر الاشتراط المذكور انّ هذا الخطاب بالنسبة للواجبات الاخرى كغير الواجب للواجب لا يمكن أن يزاحم إطلاق وجوبه أيضاً.

ص ٧٨ قوله : ( البيان الثاني ويتألف من مقدمتين اولاهما : ... ).

يمكن تقريبه بنحوين :

١ ـ ما ذكره في الكتاب من انّ القدرة لو كانت عقلية فيمكن افتراض واجب آخر يكون ملاكه أقل من هذا فلا يصح التقييد إلاّ إذا كانت القضية خارجية.

وهذا البيان قد يناقش فيه بأنّ ملاك هذا الواجب لعله أقل الملاكات.

وفيه : انّ عنوان أقل الملاكات عنوان اضافي ، فهو فرع النظر إلى الملاكات للواجبات الثابتة بالفعل وليس عنواناً قابلاً للتشخيص بنحو القضية الحقيقية.

٢ ـ انّ التقييد المذكور مطلق يشمل الواجب المشروط بالقدرة الشرعية التي يمكن فرضها في القضايا الحقيقية ، بل قد وقعت خارجاً أيضاً في بعض الواجبات ، وهذا لا يصح إذا كانت القدرة في الواجب المشروط عقلية فلا محالة لابدّ وأن تكون شرعية.

وهذا هو الذي يرد عليه الاشكال المذكور في الكتاب مع جوابه.

٣٩٤

ص ٨١ قوله : ( الصورة الثانية ... ).

مجموع النتائج المستخلصة إلى هنا كالتالي :

١ ـ انّ مجرد التقييد بالقدرة وأخذها في لسان الدليل لا يجدي في إثبات القدرة الشرعية بالمعنى الثاني والمفيد للترجيح عليه إذ ظاهر القدرة والاستطاعة ما يقابل العجز التكويني ولا يشمل التعجيز بالاشتغال بالضد الواجب.

٢ ـ إذا قيّد لسان دليل الخطاب بعدم الاشتغال بواجب آخر أمكن إثبات انّ أي واجب آخر يتقدم عليه بالبيانات الثلاثة المتقدمة حتى إذا أنكرنا استظهار دخل ذلك في ملاكه على أساس الظهور في التأسيسية.

٣ ـ إذا كان القيد المبرز عدم الاشتغال بواجب مساوٍ أو أهم فهنا صور :

إحداها ـ أن نحرز كون الواجب ليس بمساوٍ أو أهم بل مرجوح. وهنا يتمسك باطلاق المشروط لاثبات فعلية ملاكه حال الاشتغال بالمرجوح وانّ القدرة عقلية فيه بالنسبة إلى المرجوح ، ولا يعارض باطلاق الخطاب الآخر لأنّه لا يصح التمسك به إذ هو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه اللبي ؛ إذ لعلّ الخطاب المشروط الأهم تكون القدرة فيه عقلية.

نعم ، لو قلنا بأنّ المقيّد اللبي هو عدم الاشتغال بضد واجب مساو أو أهم تكون القدرة فيه عقلية ويكون كل ذلك محرزاً أي معلوماً وقع التعارض بين إطلاق الدليلين ، إذ لعلّ القدرة في المشروط شرعية فيكون إطلاق المهم نافياً له ومعارضاً مع إطلاق المشروط لحال الاشتغال بالمهم فنحتاج إلى مرجح في مقام التعارض بين الاطلاقين ولو لزوم لغوية التقييد في المشروط بعدم الاشتغال

٣٩٥

بالمساوي أو الأهم لو فرض ان القدرة شرعية فيه لكل واجب آخر حتى إذا كان مرجوحاً.

الثانية ـ أن تحرز المساواة أو الأهمية في الواجب الآخر وعندئذٍ تنعكس النتيجة ، إذ يحرز تحقيق الشرط فيه وتقيد المشروط بعدم الاشتغال به فيتم الإطلاق في الواجب الآخر بالبيانات المتقدمة.

الثالثة ـ أن تحتمل مساواته أو أهميته وتحتمل مرجوحيته ، وفي مثل ذلك لا يثبت الترجيح لعدم امكان التمسك بشيء من الاطلاقين لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لهما معاً فيثبت التخيير بمقتضى الأصل العملي. هذا على مسلك السيد الشهيد.

وأمّا على ما ذكرناه من أخذ الاحراز في المقيد اللبي صحّ التمسك باطلاق الخطاب غير المشروط دون المشروط لعدم كون الأوّل من الشبهة المصداقية لمخصصه اللبي بخلاف الثاني فإنّه شبهة مصداقية للشرط المأخوذ في موضوعه.

وإن شئت قلت : ما لم يقيد لفظاً يكون إطلاق الخطاب بنفسه تصدياً مولوياً لبيان إطلاق الملاك وأهميته ما لم يعلم بالخلاف ، بخلاف ما إذا جاء في لسانه الشرط اثباتاً.

ص ٨٣ قوله : ( لا يقال : ... ).

المقصود انّه في صورة كون الواجب الذي له بدل غير مضيق كما لو كان في أوّل الوقت أو وسطه ولم يكن له ماء آخر إلى آخر الوقت فلو صرفه في التطهير كان الواجب عليه التيمم جزماً فالبدلية ثابتة في حقه ، إذ ليس بأهون ممن أراق

٣٩٦

الماء فعجز تكويناً عن الماء ، وامّا إذا كان الواجب الذي له بدل مضيقاً فعندئذٍ له زمان واحد باقٍ امّا يصرفه في الوضوء أو في التيمم وهي بمقدار واحد زماناً ، فإنّه عندئذٍ لا تكون البدلية ثابتة قبل صرف الماء في التطهير لعدم العجز التكويني بعد إلاّبمضي وقت يرتفع معه وجوب التيمم أيضاً للتمكن من الصلاة خارج الوقت بالماء قضاءً لعدم فوريته وعدم العجز الشرعي ما لم تثبت الأهمية.

ولعلّ الأوضح أن يصاغ البيان بعنوان اشكال على أصل المطلب حاصله : انّ هذا فرع ثبوت البدلية ليمكن استيفاء ملاكه وهو أوّل الكلام.

ويجاب عليه :

أوّلاً ـ بثبوت البدلية بعد صرف الماء في التطهير لتحقق العجز التكويني عن الماء في الوقت الباقي بحسب الفرض.

وهذا لا يتم إذا كان آخر الوقت بالنحو الذي ذكر في الإشكال.

وثانياً ـ بتحقق العجز الشرعي إذا كان التطهير مساوياً ملاكاً.

وليس هذا مرجعه إلى الترجيح باحتمال الأهمية بل الترجيح باعتبار تحقق كلا الملاكين وعدم التزاحم بينهما وعدم فوات شيء منهما ، كما هو في ترجيح المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية.

ص ٨٨ قوله : ( وهذا التقريب موقوف ... ).

لعلّ الأنسب أن يقال : إذا اشترطنا أخذ القدرة في الخطابات قيداً ثبت الترجيح بالتقريب الأوّل.

٣٩٧

وإذا لم نشترط ذلك ثبت الترجيح بالتقريب الثاني ومبنى عدم اشتراط القدرة في الخطاب يستلزم أن تكون القدرة عقلية فيه لا شرعية.

ص ٨٩ قوله : ( والتحقيق ... ).

يمكن بيان هذا المطلب بنحوين وتقريبين :

١ ـ انّ خطاب المهم لا يمكن التمسك باطلاقه لحال الاشتغال بالأهم لاحتمال كون القدرة في الأهم عقلية فيكون من موارد المقيد اللبي لخطاب المهم ، وهذا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصّصه بخلاف إطلاق خطاب الأهم لحال الاشتغال بالمهم فإنّه حجة ، إذ يعلم بخروجه عن المقيد اللبي حتى إذا كانت القدرة في المهم عقلية.

فالحاصل إطلاق الملاك مستفاد من إطلاق الخطاب كلما كان المقيّد اللبي غير محتمل في تلك الحالة ، وإطلاق الأهم في المقام كذلك بخلاف إطلاق المهم.

وهذا يرد عليه : ما تقدم من انّ المقيّد اللبي هو صورة العلم بفعلية ملاك الأهم أو المساوي أي العلم بكون القدرة فيه عقلية لا الواقع ، ومن هنا لو احتملنا وجوب الضد وكون ملاكه على تقدير الوجوب أهم صحّ التمسك باطلاق ايجاب المهم المعلوم وجوبه ؛ بل لو كان الأمر بالمهم مطلقاً ، والأمر بالأهم كان مجملاً من حيث كون القدرة شرعية فيه أم عقلية أيضاً صحّ التمسك باطلاق الأمر بالمهم لحال الاشتغال بالأهم لأنّه لباً وروحاً من الشك في وجوب الأهم على تقدير فعل المهم فلعلّ المولى أطلق خطاب المهم ؛ لصرف قدرته إلى ذلك فلا يفوت على المولى غرض أصلاً ؛ فبرهان المقيد اللبي لا يتم هنا أيضاً.

٣٩٨

ومن الواضح انّ تمامية إطلاق خطاب الأهم وعدمها لا دخل لها في تمامية هذا الإطلاق في المهم.

وهذا هو ما أشكلنا به فيما سبق ، ونضيف هنا انّه إذا كان النظر في المقيد اللبي إلى الواقع ولم تكن حدود الملاك سعة وضيقاً ولا أهمية ودرجة منكشفةً بنفس الخطابات ، فكما يكون جعل الخطاب لحال الاشتغال بالأهم لغواً كذلك جعله لحال الاشتغال بالمهم الذي تكون القدرة فيه عقلية والقدرة في الأهم شرعية لغو أيضاً ، بل مفوت على المولى الملاك المهم ، وإذا كانت هذه الخصوصيات في الملاكات لا طريق للمكلف اليها وإنّما تفهم بالخطابات فلا يمكن أن تؤخذ في موضوعها فكذلك الحال في الأهمية والمهمية.

٢ ـ انّ خطاب الأهم باطلاقه لحال الاشتغال بالمهم يثبت انّ القدرة فيه عقلية بالقياس إليه فيتحقق موضوع المقيد اللبي للمهم فلا موضوع لاطلاق المهم فلا شك في عدم إطلاق الخطاب المهم ليتمسك به.

وقد يلاحظ عليه : بأنّه إنّما يتم إذا كان المقيّد اللبي عدم الاشتغال بالأهم أو المساوي الواقعي أو المحرز ولو بدليل آخر فعلية ملاكه حين الاشتغال بالآخر ، وامّا إذا قلنا بأنّ المقيد اللبي خصوص المساوي أو الأهم المعلوم الوجوب وفعلية ملاكه وأنّ إطلاق الخطاب بنفسه ينفي ولو بالملازمة فعلية ملاك الأهم ، فلا حكومة في البين ؛ إذ يكون إطلاق الأمر بالمهم لحال الاشتغال بالأهم تاماً أيضاً ونافياً بالملازمة كون القدرة في الأهم عقلية أي معارضاً مع إطلاق الأهم.

إلاّ أنّ الصحيح عدم تمامية هذا المبنى وصحة نظرية ورود إطلاق خطاب الأهم على خطاب المهم وعدم التعارض بينهما كما سيأتي في التعليق على ص ٩٢ من الكتاب فانتظر.

٣٩٩

ص ٩٢ قوله : ( وهذا الوجه وإن كان تاماً كبروياً لكنه موقوف ... ).

بل غير تام حتى كبروياً ، إذ مجرد العلم بفعلية الملاك لا يكفي للمنع عقلاً ما لم يحرز كون الملاك بالغاً درجة من الأهمية يحمل المولى على التصدي لتحصيله ، وهذا مشكوك في المقام بخلاف ما تقدم.

لا يقال : هنا أيضاً يكون ملاك محتمل الأهمية مما يعلم تصدي المولى لتحصيله في نفسه وإنّما يشك في امكان تحصيله من جهة مزاحمته مع ملاك مساوٍ له وعدمه فيكون الشك في إمكان تحصيله بلا تفويت بمقداره وهو من الشك في القدرة على الامتثال لباً وروحاً الذي يكون مجرى الاحتياط.

فإنّه يقال : لا شك في المقام في عدم إمكان تحصيل ملاك محتمل الأهمية بلا أن يفوت ملاك آخر أي لا شك في عدم القدرة على الجمع وعدم تفويت شيء من الملاكين وإنّما الشك هنا في أنّ أي الملاكين أكثر من الآخر.

وإن شئت قلت : يعلم بفوات مقدار منه ويشك في وجود مقدار زائد محتمل يفوت ، فهو من الشك في أصل الملاك الزائد في أحدهما أي من الشك في التكليف لباً وروحاً.

ص ٩٢ قوله : ( والتحقيق ... ).

يمكن أن يقال : انّ القيد اللبي إن كان ما يعلم عدم مرجوحيته وفي المقام يعلم عدم مرجوحية ما يحتمل أهميته فلا يكون التمسك باطلاقه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بخلاف الآخر فيلزم التعارض في مورد احتمال أهمية كل منهما كما ذكرنا سابقاً.

٤٠٠