أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

كما انّ بين المسلكين فرقاً آخر في حلّ المشكلة التي أثرناها ، فإنّه على المسلك الأوّل يكون المستصحب هو الوجود الفعلي للمجعول في الخارج أي انّ الاستصحاب لا يكون مركزه ومؤداه القضية الحقيقية التي يفتي بها الفقيه بل مركزه ومؤداه الفعليات الخارجية لأنّ القضية الحقيقية الكلية لنجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره هي الجعل المشكوك من أوّل الأمر والذي لم يكن بقاءً لقضية ( الماء المتغير قبل زوال تغيره نجس ) الحقيقية فهي لا تثبت بالاستصحاب.

وهذا بخلافه على المسلك الثاني حيث تكون نفس القضية الكلية بالحمل الأولي مصباً للاستصحاب ، وهذا يعني انّ الفقيه لا يمكنه أن يفتي بالمجعول في الشبهة الحكمية بشكل كلي لأنّه قضية حقيقية وهي ليست له حالة سابقة.

هذا خلاصة ما يستفاد من بيان السيد الشهيد قدس‌سره في المقام ؛ ولنا في المقام وقفتان :

الاولى : فيما يتعلّق بالثمرة المذكورة ، فإنّه يمكن أن يقال بأنّ الافتاء بالقضية الكلية صحيح حتى على مسلك المشهور لأنّ لازم الشك في القضية الكلية الحقيقية الشك في القضايا الفعلية الخارجية للماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ، أي انّ الفقيه يمكنه أن يشير اجمالاً إلى كل ما سوف يتحقق في الخارج من المياه المتغيرة والتي يزول عنها التغيّر ويقول انني شاك في بقاء نجاستها الفعلية بنحو القضية الخارجية على تقدير حصولها في الخارج فيجري استصحاب بقاء المجعول الفعلي فيها من أوّل الأمر على تقدير ، وهذا نظير اجراء الاستصحاب

٢٢١

بلحاظ أمر مشكوك في السابق أو في الزمن اللاحق ، فإنّ الشك فيه لا يتجدد بعد حصول زمانه إذا اشير إليه بنحو القضية الخارجية.

نعم ، هذا من الاستصحاب على تقدير ، إلاّ انّه أيضاً معارض مع استصحاب عدم جعل النجاسة ، لأنّ ثبوت التعبد الاستصحابي ببقاء المجعولات والقضايا الفعلية الخارجية أيضاً لا يجتمع مع التعبد الاستصحابي بعدم جعل النجاسة والمفتي يفتي ببقاء المجعول استناداً إلى التعبد الاستصحابي المذكور على تقدير تحقق الماء المتغير في الخارج ، فتدبر جيداً.

ومنه يعرف أيضاً الاشكال فيما سيأتي في الكتاب من انّ مقتضى هذا المسلك نجاة استصحاب المجعول عن المعارضة بناءً على المبنى القائل بنجاة الأصل الطولي الزماني.

الثانية : ـ وهي المهمة ـ انّ ما ذكر في المسلك الثاني بهذا القدر يمكن المناقشة فيه :

تارة : بأنّ العرف لو فرض عدم رؤيته للجعل إلاّبمنظار الحمل الأولي فهذا لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيه بالحمل الشائع إذا كانت أركانه تامة ولو بنظر العقل ، لأنّ هذا يرجع إلى مرحلة التطبيق والمصداق الذي لا يكون النظر العرفي ميزاناً فيه ، فإذا كان الجعل بمعنى القضية الحقيقية هو المنجز عقلاً وكان اليقين بعدمه سابقاً جرى استصحاب عدمه لا محالة ، لتحقق مصداق اليقين والشك في أمر منجز سواءً شخّصه العرف أم لا ، وامّا الجعل بالحمل الأولي فإذا فرض عرفيته بدرجة بحيث يتشكل لدليل الاستصحاب إطلاق له أيضاً كان معارضاً مع الإطلاق السابق وإلاّ لم يكن جارياً ، والنتيجة عدم جريان

٢٢٢

استصحاب المجعول.

واخرى : بأنّه لا موجب أصلاً لفرض التهافت في النظر العرفي بين اللحاظين للجعل بل يقال انّ كليهما عرفي لأنّ العرف أيضاً يميّز بين الحملين الأولي والشائع في لحاظ الجعل ، فتارة يلحظ نفس النسبة والقضية الحقيقية بالحمل الشائع فيراها مسبوقة بالعدم ، واخرى يلحظ محكيها بالحمل الأولي فيرى حدوثاً للماء المتغير ونجاسته وبقاء لها بعد زوال تغيّره ؛ بل العرف يتعامل مع القضايا الجعلية الاعتبارية تعاملها مع القضايا الحقيقية الواقعية ، ومن هنا يرى تعدد الجعل والمجعول والاثنينية بينهما ، فالتهافت إنّما نشأ من افتراض وحدة الجعل والمجعول الذي ثبت بالبرهان العقلي لا بالنظر العرفي.

ومن هنا لم يكن اشكال في جريان استصحاب عدم الجعل عند الشك في أصله ، وكذلك استصحاب بقاء الجعل في موارد الشك في النسخ.

وثالثة : بأنّ استصحاب عدم الجعل المطلق لا شك في جريانه في نفسه ـ ولو بنظارة الحمل الأولي ـ كما إذا شك في أصل نجاسة الماء المتغير فإنّه لم يكن شبهة في جريان استصحاب عدمه والتأمين من ناحيته فكذلك يقال في المقام إذ لا اشكال في عدم العلم بجعل النجاسة للماء المتغيّر مطلقاً ومجرد العلم الإجمالي بالجعل امّا للماء المتغير بما هو متغير أو للماء المتغير مطلقاً لا ينافي الشك في الجعل المطلق فيجري استصحاب عدم هذا الطرف للعلم الإجمالي ، وامّا طرفه الآخر وهو الجعل المقيد فيعلم بانتفائه بعد زوال التغير ، فالتنجيز المحتمل إنّما هو من ناحية احتمال الجعل المطلق وهو منفي بالاستصحاب فيكون معارضاً مع استصحاب بقاء المجعول ، وهذا يعني انّه حتى على هذا المسلك المختار في حقيقة المجعول يكون هناك استصحابان متعارضان.

٢٢٣

ولتمحيص ما أفاده السيد الشهيد قدس‌سره وتعميقه بنحو تندفع كل هذه الشبهات نذكر مقدمتين :

اولاهما : انّ ما هو المنجز عقلاً ليس هو الجعل بما هو اعتبار وانشاء أو ارادة لحاظ ذهني بالحمل الشائع ، وإنّما التنجيز في الجعل أو مباديه بلحاظ تعلقه بالخارج واضافته إليه بالعرض ، أي جنبة حكايته وارائته ، والتي هي من شؤون لحاظه بالحمل الأولي واللحاظ العنواني لا الشائع الصناعي ، بدليل انّه لو فرض العلم بالجعل كوجود ذهني ولكن لم يعلم ما تعلق به ، أو لم يعلم تعلقه بالعنوان المنطبق على الفرد المحرز في الخارج لأي سبب من الأسباب لم يكن منجزاً ، كما انّه لو علم شمول الجعل وتعلقه بالفرد ولكن لم يعلم انّه شمله بعنوانه أو بعنوان أعم منه أو بأي عنوان بحيث كانت القضية الحقيقية المجعولة مجهولة مع ذلك كان الحكم منجزاً في ذلك الفرد.

وبهذا صحّ أن يقال : انّ ما هو المنجز إنّما هو شمول الجعل للعنوان المنطبق على المورد ، لا بمعنى الطرفية للجعل ، الذي هو معنى انتزاعي ، بل بمعنى الحكاية والمرآتية ، والتي هي من شؤون لحاظ الجعل بالحمل الأولي لا الشائع الصناعي ، وهذا ليس أمراً عرفياً فحسب ، بل عقلي دقي في تحديد ما هو موضوع التنجيز عقلاً.

ثانيهما : انّ المجعول الذي هو عين الجعل ولكن بالحمل الأولي وليس شيئاً آخر وراءه تارة يضاف إلى جعل شخصي معلوم التحقق ، واخرى يلحظ في نفسه غير مضاف إلى جعل مفروغ عنه.

ففي الحالة الاولى كما إذا فرضنا أنّ هناك جعلاً مفروغاً عنه للنجاسة على

٢٢٤

الماء المتغيّر يشك في حدوده وسعته وضيقه ، فلا محالة يكون الشك في بقاء المجعول لشخص ذلك الجعل لا حدوثه ؛ لأنّ حدوثه حتى في القضية الحقيقية مفروغ عنه.

وفي الحالة الثانية كما إذا لاحظنا أصل جعل نجاسة للماء المتغير آناً ما وكان مشكوكاً فلا محالة يكون الشك في حدوث مثل هذا المجعول الكلي تبعاً للشك في أصل جعله وارادته ، فيجري استصحاب عدمه ، وهو من استصحاب عدم المجعول أيضاً ، أي استصحاب عدم الجعل بالحمل الأولي لا الشائع.

هذا إذا كانت الحالة السابقة العدم ، وإن كانت الحالة السابقة الوجود وشك في نسخه جرى استصحاب بقاء المجعول الكلي وهو من استصحاب بقاء الجعل بالحمل الأولي أيضاً.

وفي ضوء هاتين المقدمتين يتضح الجواب على المناقشات المتقدمة ، فإنّ الأولين يندفعان بما في المقدمة الاولى ، فإنّ عدم الجمع بين اللحاظين ليس لقصور دليل الاستصحاب بل لأنّ المنجز في المرتبة السابقة لابد من تشخيصه وهو الجعل بالحمل الأولي لا الشائع أي الجعل بما هو حاك وبلحاظ مرآتيته لا بما هو وجود ذهني فلا يوجد مصبان ومركزان للاستصحاب حتى عقلاً ، وما يسمّى باستصحاب عدم الجعل أو بقائه في موارد الشك في النسخ أيضاً من استصحاب عدم الجعل بالحمل الأولي لا بالحمل الشائع.

وامّا المناقشة الثالثة فيمكن الاجابة عليها بنحوين :

الأوّل : ما هو ظاهر الكتاب من انّ أصل الجعل لو كان معلوماً ولو بالعلم الإجمالي المردد بين الجعل المضيّق والموسع ، فلا محالة عند لحاظ المجعول

٢٢٥

وهو نفس الجعل بالحمل الأولي فلا يرى حالة سابقة عدمية له ؛ لأنّ أصل النجاسة مجعولة وثابتة بنحو القضية الحقيقية ، بل يرى حالة سابقة وجودية ، فيجري استصحاب واحد فقط ، وهو استصحاب بقاء المجعول ، وإنّما يرى حالة سابقة عدمية فيما إذا كان أصل الجعل مشكوكاً ، أي لم يكن علم اجمالي في البين بأصل الجعل.

الثاني : اننا لو سلّمنا ثبوت المجرى والمصب الثاني للاستصحاب حتى في مورد العلم الإجمالي وهو استصحاب عدم الجعل الذي هو من استصحاب عدم المجعول الكلي وبالحمل الأولي الثابت قبل التشريع ، مع ذلك قلنا بأنّه لا تعارض بين الاستصحابين ؛ لأنّ استصحاب عدم الجعل الكلي بهذا المعنى ينفي التنجيز عن احتمال ثبوت الجعل الكلي المشكوك تحققه شرعاً ، ولا ينفي المنجزية من ناحية احتمال أن يكون الجعل الشخصي المعلوم تحققه شاملاً للماء المتغير بعد زوال تغيره ، وما لم ننف هذا الاحتمال لا يثبت التأمين ، فإذا اريد نفيه باستصحاب عدم الجعل المطلق بضمه إلى العلم بأنّ الجعل المضيق لو كان فهو منتفٍ وغير شامل للماء بعد زوال تغيره قطعاً ، فهذا من أوضح أنحاء الأصل المثبت ، وإن اريد نفيه باجراء استصحاب عدم شمول ذلك الجعل الشخصي للماء بعد زوال تغيره ولو بنحو العدم الأزلي ، فهذا مضافاً إلى كونه من الاستصحاب في الفرد المردد ، لا تتم فيه أركان الاستصحاب العدمي ، بل الوجودي ، لما تقدم في المقدمة الثانية من انّ المجعول عندما يضاف إلى الجعل المعلوم بالاجمال تكون حالته السابقة الثبوت لا العدم ، فلا يجري إلاّ استصحاب بقاؤه ، الذي هو استصحاب المجعول ، والذي لم يشكك في تمامية أركان الاستصحاب فيه أحد ، حتى القائل بالمعارضة ، وإنّما توهم سقوطه بالمعارضة.

وهكذا تنحلّ هذه الشبهة العويصة في الاستصحاب.

٢٢٦

( مراجعة للبحث ) :

ينبغي التفكيك بين مشكلة الافتاء التي أثارها السيد الشهيد قدس‌سره ومشكلة التعارض : ويقال في جواب شبهة التعارض : بأنّ المعيار والميزان في تنجز الحكم شمول المجعول والمراد بالعرض للمكلف وللموضوع ، فلو أحرز الموضوع وأحرز الجعل ولكن لم يحرز انطباقه على الموضوع المحرز أو على المكلف لم يكن منجزاً ، سواء قلنا بأنّ للمجعول وجوداً فعلياً في الخارج أم لا.

وهذا يعني انّه لابد من لحاظ المجعول بالجعل بالحمل الأولي وتطبيق دليل الاستصحاب عليه. وبهذا النظر واللحاظ يكون للمجعول حدوث وبقاء.

وبتعبير آخر : ما يحكم العقل بمنجزيته إنّما هو الارادة أو الجعل الذي يكون مجعوله منطبقاً على المكلّف أو على الموضوع الخارجي ، وحيث انّ انطباق الجعل على المكلّف أو الموضوع لابدّ فيه من النظر إلى الجعل بالحمل الأولي أي إلى القضية المجعولة المتعلق بها الارادة ، فيكون لا محالة هناك شك في البقاء ؛ لثبوت الانطباق حدوثاً والشك في سعته بقاءً ، فهذا هو مركب الاستصحاب ، ومقتضى إطلاق دليله ، لا لأنّ العرف لا يفهم الجعل بما هو انشاء ولا يراه دائراً بين الأقل والأكثر حدوثاً ، بل لأنّ ما هو ملاك التنجيز هو انطباق الجعل على موضوعه والذي لا يعقل إلاّبالنظر إلى مجعوله ومتعلقه ، وبالنظر إليه يكون الشك في البقاء فيجري استصحاب الحكم.

واستصحاب عدم الجعل لو اريد به نفي انطباق المجعول عليه فمن الواضح أنّه أصل مثبت ، وإن اريد به نفي الجعل بما هو جعل من دون النظر إلى مجعوله فهو ليس موضوعاً للتنجيز ـ ولعلّ هذا هو حاق مقصود الميرزا قدس‌سره ـ.

٢٢٧

وإن اريد به نفي جعل يكون مجعوله شاملاً للمكلف أي مع النظر إلى مجعوله فبهذا النظر واللحاظ يكون المجعول حدوثه محرزاً ، فلا معنى لاستصحاب عدمه.

وما قيل من أنّنا ننظر إلى جعل مستقل يكون مجعوله مطلقاً وننفيه بالاستصحاب لأنّه أحد طرفي علمنا الإجمالي بالجعل ، خلف قصر النظر على المجعول ؛ لأنّ معناه أخذ الجعل بما هو انشاء قيداً فيه ، وهو أجنبي عن موضوع التنجيز ، فإنّ المنجّز شمول متعلق الجعل للموضوع ، وبقصر النظر عليه لا شك في الحدوث ، وإنّما الشك في البقاء لأنّ عالم المجعول عالم الاتصاف والعروض بالعرض والمفروض انّه بلحاظه يكون حدوث الحكم محرزاً أوّلاً والشك في سعته وبقائه.

ومنه يعرف عدم ورود النقض باستصحاب عدم النسخ بمعناه الحقيقي بناء على صحته أو استصحاب عدم الجعل في موارد الشك في أصله ، فإنّ المستصحب فيه أيضاً عدم المجعول الكلي لا الجعل بما هو انشاء.

ثمّ انّه لو فرض جريان استصحاب عدم الجعل الزائد لم يكن معارضاً ، كما في الجواب الآخر في الكتاب ؛ لأنّ المنجّز كلٌ من الجعل والمجعول ـ كما هو ظاهر السيد الخوئي قدس‌سره ـ مستقلاًّ ، فنفي التنجيز من ناحية أحدهما لا ينافي ثبوته بالآخر ، فيكفي إطلاق دليل الاستصحاب بلحاظ المجعول ، والذي لا قصور في اطلاقه له بحسب نظر الجميع ، وإنّما البحث في اطلاقه لعدم الجعل الزائد.

إلاّ أنّ هذا الجواب غير تام ، وكأنّه قيست المنجزية بالأثر الشرعي الذي

٢٢٨

قد يثبت من ناحية محرز لموضوعه دون آخر ؛ وذلك لأنّه بجريان استصحاب عدم الجعل المطلق مع العلم بعدم الموضوع للجعل المقيّد بعد زوال القيد ينفى وجود أي منجز آخر في البين عقلاً ، فاستصحاب بقاء المجعول إنّما ينجّز إذا كان وجود جعل صالح للشمول محتملاً في مورده ، لا ما إذا أحرز المكلف انتفاء الجعل المنجز.

وإن شئت قلت : انّ السيد الخوئي لعلّه يرى انّ المجعول إنّما يكون منجزاً مشروطاً بأن يكون وجود جعل كذلك محتملاً لا منتفياً ، فالجواب النقضي على السيد الخوئي قدس‌سره غير متجه ، والله الهادي للصواب.

ص ١٣٦ قوله : ( وهذا الجواب بهذا المقدار ... ).

ما ذكر من انّ العروض المسامحي عين العروض الحقيقي ممنوع ، بل العروض المسامحي إنّما يتحقق عند تحقق الموضوع خارجاً كالاتصاف ، ويكون وجوده بما هو عارض مجازي بقاءً للحصة الاولى من العروض المجازي في زمان فعلية التغيّر ، وهذا واضح ، ولهذا كان الاشكال الآخر ـ أي إشكال الافتاء ـ أيضاً وارداً على هذا الفرض ـ كما في تقريرات السيد الحائري ـ.

والغريب انّه جمع بين الاشكالين ، والصحيح انّ الجواب على هذا الفرض نفس الجواب القادم في الفرض الرابع ، فتدبر تعرف.

ص ١٤٠ الهامش في هذه الصفحة زائد لا داعي له كما انّ الهامش في الصفحة السابقة عليها أي ص ١٣٩ غير تام على ما سيظهر فيحذفان معاً ، ويمكن تحويل الهامش السابق إلى ما ذكرناه من جريان الاستصحاب بنحو تقديري عند المجتهد من أوّل الأمر فلا طولية زمانية.

٢٢٩

ص ١٤١ قوله : ( وفيه : اننا لو سلمنا صحة هذا التفكيك ... ).

حاصل المناقشة : انّ حرمة اسناد ما لا يعلم يرتفع بالتعبد الاستصحابي حقيقة لا تعبداً ، فإنّ قيام الأصل مقام القطع الموضوعي حكومته واقعية لا ظاهرية ، فلا يمكن أن يكون جريان الاستصحاب بلحاظه في طرف عدم الاباحة أو عدم الطهارة معارضاً مع استصحاب عدم جعل النجاسة لما بعد زوال التغيّر بلحاظ أثره الطريقي ؛ إذ لا يوجد علم اجمالي بينهما ، بل شك بدوي بنجاسة ذلك الماء وعلم وجداني بجواز الافتاء بعدم الطهارة ، لتحقق موضوعه وهو العلم التعبدي حقيقة ، فلا تعارض بين الاستصحابين بلحاظ الأثر المختص.

وامّا الأثر المشترك فإن احتملنا جواز الافتاء بحكمين يعلم بكذب أحدهما لمجرد أن يكون في كل منهما علم تعبدي فلا تعارض بلحاظه أيضاً ، وإلاّ بأن استفيد من دليل حرمة اسناد ما لا يعلم من الدين إلى الدين ولو بالفحوى عدم جواز ذلك في موارد العلم الإجمالي حتى إذا كانت أركان الاستصحاب تامة في كلا الطرفين وقع التعارض في دليل الاستصحاب ؛ لشمول الاستصحابين بلحاظ هذا الأثر للقطع الموضوعي والذي تكون الحكومة فيه واقعية ، ومعه يقطع بحرمة الافتاء ؛ إذ لا علم لا وجداناً ولا تعبداً ، فأيضاً لا يكون علم اجمالي بينه وبين الأثر المختص والطريقي في الطرف الآخر ، فعلى كلا التقديرين حرمة المساورة للماء بعد زوال التغيّر ليست طرفاً لعلم اجمالاً بينها وبين حرمة الاسناد ؛ لعدم الطهارة إلى الشارع ، إذ إمّا يقطع بجواز الاسناد أو يقطع بحرمة الاسناد ، وهذه من بركات كون الحكومة بلحاظ أثر القطع الموضوعي واقعية لا ظاهرية ، ومنه يعرف الوجه الفني والبرهاني لعدم دخول استصحاب عدم جعل النجاسة بلحاظ التأمين عن حرمة مساورة الماء في المعارضة مع أثر القطع الموضوعي

٢٣٠

في الطرفين. نعم ، لو فرضنا انّ إطلاق دليل الاستصحاب للأثرين الطريقي والموضوعي إطلاق واحد لا اطلاقان ، وفرضنا عدم قيام الاستصحابين مقام القطع الموضوعي مع العلم بكذب أحدهما ، لم يكن الاستصحاب حجة في اثبات الأثر الطريقي للماء أيضاً ، إلاّ أنّ هذا لا موجب له بعد فرض تغاير الأثرين ووجود اطلاقين في دليل الاستصحاب بلحاظهما.

وحاصل الجواب : انّ هناك حكماً آخر غير حرمة اسناد ما لا يعلم انّه من الدين ، والتي تثبت حتى إذا كان ما اسند من الدين واقعاً ، ولكن لا يعلم به المكلّف ، وذلك الحكم هو حرمة الكذب الثابتة بأدلّة كثيرة مطلقة ، وفي خصوص الافتراء على الشريعة أيضاً ، وموضوعه اسناد ما لا يكون مطابقاً للواقع لا ما لا يعلم ؛ إذ مفهوم الكذب ذلك ، وهذا يعني انّ موضوعه أمر واقعي ، والاستصحاب مثبت أو نافٍ له بلحاظ قيامه مقام القطع الطريقي لا الموضوعي ، وفي المقام يعلم اجمالاً امّا بأنّ عدم الطهارة مخالف للواقع فيحرم الافتاء به ، أو عدم النجاسة مخالف للواقع فيلزم الافتاء به ، كما يحرم مساورة الماء بعد زوال التغيّر ، وهذا علم اجمالي بتكليف في طرف أو تكليفين في طرف آخر واستصحاب عدم جعل الطهارة يرخص في التكليف الأوّل واستصحاب عدم جعل النجاسة يرخص في التكليفين فيكون ترخيصاً في المخالفة القطعية ، ومنه يظهر انّ جريان استصحاب عدم الطهارة ليس مبنياً على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي ؛ لأنّ هذا الأثر ـ أعني نفي حرمة الكذب ـ طريقي.

نعم ، جواز الاسناد قد يتوقف على نفي حرمة التشريع أيضاً والذي يبتني على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي ، إلاّ انّه بالنسبة للمعارضة يكفي نفي حرمة الكذب به للزوم الترخيص في المخالفة القطعية سواء كانت الحرمة

٢٣١

الاخرى بملاك التشريع فعلية أم لا كما ظهر انّه بناءً على قيامه مقام القطع الموضوعي يكون المورد من موارد ترتب أثر بلحاظ القطع الطريقي أيضاً فلا يكون الأثر خصوص القطع الموضوعي ليقال بأنّ قيام مقامه لابد وأن يكون في طول قيامه مقام القطع الطريقي فما في الهامش المتقدم باطل على هذا التقدير.

نعم ، يتم على تقدير آخر سوف تأتي الإشارة إليه.

ولكن يلاحظ على هذا الجواب :

أوّلاً ـ النقض ، بأنّ هذا لازمه عدم جريان استصحاب عدم جعل الالزام حتى في موارد الشك في أصل الالزام كما لو شك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ؛ لأنّه معارض باستصحاب عدم جعل الاباحة والترخيص بنفس البيان ، بل لا يجري كل استصحابين يعلم بكذب أحدهما كاستصحاب النجاسة في شيئين الذين يعلم بطهارة أحدهما لأنّهما يتعارضان بلحاظ أثر حرمة الكذب ، إذ يرخصان في الافتاء بنجاسة كل منهما وهو ترخيص في المخالفة العملية.

وثانياً ـ بالحلّ وهو انّ الحرام بهذه الحرمة الاخرى هو عنوان الكذب وهو عنوان وحداني ينتزع من اسناد شيء ويكون مخالفاً للواقع والاستصحاب يثبت الواقع أو ينفيه ، وهذا لازمه العقلي أن يتحقق الكذب أو الصدق ، وليس عنوان الكذب مركباً من الإخبار بشيء ويكون غير مطابق للواقع ، ولا عنوان الصدق هو الإخبار بشيء ويكون واقعاً ، فالاستصحاب لا يمكنه أن ينفي موضوع حرمة الكذب سواءً قلنا بأنّه عبارة عن الإخبار بخلاف الواقع أو بخلاف العلم والاعتقاد الشامل للعلم الإجمالي.

٢٣٢

وبين التفسيرين فرق من حيث انّه على الأوّل يكون اسناد كل من المؤديين والمحتملين إلى الواقع منجزاً على المكلّف حرمته لو كان كذباً بالعلم الإجمالي فلا يجوز أن يفتي بأي واحد منهما ، وعلى الثاني يجوز أن يفتي بواحد منهما من ناحية حرمة الكذب لأنّه ليس اخباراً بخلاف الاعتقاد وإنّما لا يجوز أن يجمع بين الاخبارين.

نعم ، تبقى الحرمة من ناحية التشريع وهي ترتفع بناءً على القول بقيام الامارات مقام القطع الموضوعي إذا قيل بعدم المحذور في ثبوت العلم التعبدي في الطرفين ، إذ من حيث العلم يوجد علمان تعبديان ومن حيث حرمة الكذب ، فالمفروض انّه يتحقق بمجموع الاخبارين والاسنادين لا واحد منهما ، سواءً جرى الاستصحابان أم لا ؛ فيمكنه أن يسند أحدهما المعيّن أو المردد إلى الدين ، وإنّما لا يمكنه الجمع بين الإخبارين من ناحية حرمة الكذب.

ولو فرض كفاية العلم الإجمالي في عدم امكان اسناد طرفه أيضاً إلى الشارع فأيضاً لا دخل للاستصحاب النافي في ذلك ، فهذه الحرمة بناءً على هذا التفسير الثاني للكذب لا ربط لجريان الاستصحاب بها أصلاً ، لا بلحاظ آثاره الموضوعية ولا الطريقية فلا توجب تعارضاً ولا مشكلة في جريان الاستصحاب بلحاظها ، فلا يدخل استصحاب عدم الطهارة بناءً على قيامه مقام القطع الموضوعي ونفيه لحرمة التشريع في المعارضة مع استصحاب عدم جعل النجاسة بلحاظ أثره الطريقي وهو نفي وجوب الاجتناب عن الماء.

نعم ، بناءً على التفسير الأوّل للكذب ، أي القول بخلاف الواقع ، والذي بناءً عليه لا يجوز الافتاء بمؤدى أي استصحاب على انّه حكم واقعي لتشكل

٢٣٣

علم اجمالي منجز دائماً بأنّه امّا اسناد ومؤداه كذب وحرام أو اسناد نقيضه ، قد يقال بوقوع التعارض بين استصحاب عدم جعل النجاسة هنا للماء بعد زوال تغيّره بلحاظ أثره الطريقي وبين البراءة عن حرمة اسناد عدم الطهارة ، أو قل النجاسة إلى الدين ؛ للعلم بثبوت أحدهما ، فنعوض عن استصحاب عدم الطهارة بالبراءة عن حرمة اسناد النجاسة أو عدم الطهارة لايقاع المعارضة بين استصحاب عدم جعل الالزام الزائد في المرتبة السابقة عن جريان استصحاب بقاء المجعول.

إلاّ انّ هذا البيان أيضاً غير تام ؛ لأنّ البراءة تجري في الطرفين ويمتاز عدم النجاسة بالاستصحاب بلحاظ الأثر العملي في الماء ، فنطبق الكبرى المتقدمة من انّ الأصل غير المسانخ ينجو عن المعارضة إذا كان في الطرفين أصل مسانخ لابتلاء دليله بالاجمال الداخلي.

وهكذا يتضح صحّة الجواب الثاني للسيد الخوئي كالجواب الثالث ، فاستصحاب عدم جعل النجاسة أو الحرمة الزائدة لا يعارض باستصحاب عدم جعل الاباحة أو الطهارة لا بنحو التناقض في التنجيز والتعذير ولا بملاك العلم الإجمالي.

ص ١٤٤ الهامش.

ما فيه من اشكال لزوم حكومة استصحاب عدم جعل أو بيان النهي على استصحاب المجعول تام ولا يرد الجواب المذكور فيه ، لأنّ الأصل المذكور سوف يكون موضوعياً لا حكمياً ، والشبهة مصداقية لدليل اباحة كل شيء لم يرد فيه نهي وهذا واضح.

٢٣٤

ص ١٤٦ قوله : ( وإن اريد استصحاب عدم شمول الطبيعة ... ).

جوابه : أنّ الشمول كان فعلياً والشك في بقائه وهو استصحاب بقاء المجعول لا عدم الجعل الزائد ، وكأنّه وقع خلط في التقرير ، فإنّ المدّعى اجراء استصحاب عدم الجعل لا عدم شمول الجعل ، والذي هو نظر إلى عالم المجعول ، والجواب المذكور في الكتاب غير تام على ما اتضح فيما سبق.

فالصحيح أنّ استصحاب عدم الجعل الشامل من استصحاب الفرد المردّد ، مضافاً إلى انّه ليس من الشك في الجعل الزائد ، بل من الشك في الشمول وهو مسبوق بالوجود والشمول لا العدم.

ص ١٥١ قوله : ( ووافقه عليه السيد الاستاذ في الجملة ... ).

لم يوافقه ، بل في الدراسات والمصباح معاً نفى صحة التفصيل بقبول الاشكال المشترك للمحقّق الخراساني والميرزا النائيني قدس سرهما على الشيخ قدس‌سره بأنّ المستصحب هو الحكم الشرعي لا العقلي ، وهو بشخصه محتمل الثبوت بعد زوال حكم العقل لاحتمال وجود ملاك آخر له باقٍ حتى بعد زوال الحسن والقبح العقليين ، أي انّ الملازمة بين ما حكم به العقل حكم به الشرع في طرف الاثبات لا النفي ، فيحتمل بقاء الحكم بشخصه ، وهذا ليس من استصحاب القسم الثالث للكلي ؛ لأنّه استصحاب شخص الحكم كما هو واضح.

ثمّ انّه ذكر في الدراسات ـ لا المصباح ـ عن الشيخ قدس‌سره انّه قال بعدم جريان الاستصحاب الموضوعي أيضاً ، فيما يستكشف بحكم العقل ؛ لأنّ الشك فيه يوجب ارتفاع حكم العقل إلاّفي باب الضرر ، كما إذا شك في بقاء الصدق مضراً وقيل بقبح الصدق الضار ، فإنّه يستصحب الضرر فيحصل الظن ولو النوعي به فيحكم العقل بلزوم دفعه.

٢٣٥

وأجاب عليه : أمّا بالنسبة إلى ظن الضرر بأنّ الاستصحاب لا يوجب الظن أوّلاً ، والميزان ليس بالظن بالضرر بل باحتماله أو خوفه وهو لا ربط له بالاستصحاب بل محرز وجداناً.

وأمّا بالنسبة لأصل المطلب بأنّه لم يكن يترقب صدوره عن الشيخ قدس‌سره ؛ لأنّ الملازمة بين ما حكم به الشرع والعقل في الأحكام الكلية لا الموضوعات والتطبيقات والصغريات لتلك الأحكام بل لا حكم للعقل في الصغريات ، فيجري استصحاب بقاء الموضوع لا محالة.

وهذا الاشكال الأخير غريب من السيد الخوئي قدس‌سره ـ ولعلّه لهذا حذفه في دورة المصباح المتأخرة عن دورة الدراسات ـ لأنّ أحكام العقل العملي يكون العلم بالصغرى مأخوذاً فيها ، فالعلم بكون الفعل خيانة مثلاً شرط في حكم العقل بقبح ذلك الفعل ، والعلم بأنّ هذا مولاه ومخالفته شرط في حكم العقل بقبح مخالفة أمره وحسن اطاعته جزماً.

وقد تقدم في بحث التحسين والتقبيح أنّ العلم بكبرى حق الطاعة للمنعم يمكن أن يكون مأخوذاً في ثبوته ، إلاّ أنّ العلم بصغراه مأخوذ فيه جزماً ، وعليه فيكون الحكم الشرعي المستكشف بمثل هذا الحكم العقلي العلمي أيضاً منوطاً ومشروطاً بالعلم بالصغرى ، فمع الشك فيه يرتفع ـ مع قطع النظر عن الاشكال السابق ـ. ثمّ انّ أصل هذا التفصيل لم يكن له مبنىً ومجال بناءً على ما تقدم من انكار الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل ، كما أنكرنا دعوى امتناع الجعل الشرعي في مورده أو لغويته ، فلا طائل في هذا البحث ، وكان الأجدر للسيد الشهيد أن يذكر مكان هذا التفصيل التفصيل بين الأحكام الوضعية والتكليفية.

٢٣٦

مقدار ما يثبت بالاستصحاب

ص ١٦٩ قوله : ( والتحقيق ... في احدى صورتين ... ).

وهناك صورة أو تقريب ثالث هو أن يكون قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة :

« فإنّه على يقين من وضوئه » ، جملة انشائية لا اخبارية كما استظهره الميرزا قدس‌سره هناك.

وجوابه ما تقدم من انّه خلاف الظاهر جداً ، ولعلّه لهذا لم يستند إليه حتى الميرزا في هذا البحث.

ثمّ إنّ المناسب تدوين أصل البحث عن قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي وعدمه بالنحو التالي.

يمكن أن يستدلّ على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي بوجوه :

١ ـ ما قد يستفاد من كلمات الميرزا قدس‌سره في مباحث القطع ـ وهو وجه ثبوتي ـ حاصله : انّ جعل الحجّية بمعنى المنجزية والمعذرية ـ كما يقوله في الكتاب ـ غير معقول ؛ لأنّهما حكمان يستقل بهما العقل ، وإنّما الشارع يحقق موضوعهما ، وذلك بجعل التكليف والترخيص أو العلمية والطريقية ـ حيث انّ العلم منجز ومعذر عقلاً ـ والمجعول في الاستصحاب حيث انّه العلمية ولو بلحاظ الجري العملي والمتابعة لا الكاشفية فيقوم مقام القطع الموضوعي لا محالة.

٢٣٧

وجوابه : بطلان المبنى ـ كما هو منقح في مباحث القطع ـ ولو سلّم فجعل العلمية بمقدار آثار القطع الطريقي كافٍ لاشباع هذه الحاجة إذا كان من باب التنزيل ولا يمكن التمسك باطلاق جعل العلمية ـ على ما سيأتي في دفع كلام العراقي ـ نعم ، لو كان من باب الورود واعتبار ما ليس بعلم علماً عنده وفي استعمالاته فذاك يقتضي القيام مقام القطع الموضوعي ، ولكنه باطل أيضاً كما حقّقناه في محلّه.

٢ ـ استظهار جعل الاستصحاب علماً ، أي التعبد ببقاء اليقين السابق تعبداً بقاءً ، وجوابه ما في الكتاب.

٣ ـ استظهار الإطلاق من النهي عن النقض العملي كما ذكره العراقي ، وجوابه ما في الكتاب.

٤ ـ استظهار جعل العلمية والطريقية بالكناية بعد عدم امكان حمل النهي عن النقض العملي على التحريم وهو أحد محتملات كلام الميرزا قدس‌سره ، وجوابه ما في الكتاب.

ص ١٨١ الهامش.

الجواب عليه : انّ المنهج الثبوتي لا ينكر الحاجة إلى مقام الاثبات في احراز صغراه ، وإنّما الاختلاف بينهما في انّ اثبات حجّية المدلول الالتزامي لا يحتاج إلى دلالة اثباتية على المنهج الأوّل ، وامّا نفي احتمال أخذ خصوصية ذاتية كأخذ الكاشفية تمام الموضوع للحجية بحاجة إلى اثبات حتى على المنهج الأوّل.

٢٣٨

ص ١٨٣ قوله : ( وإن شئت قلت ... ).

هذا لا يتم إذ متوقف على اجراء الإطلاق في المماثلة وهو فرع أن يكون المجعول مفهوم المماثلة أو الحكم المماثل لكي يجري فيه الإطلاق ، وهذا ما لا يدعيه أصحاب مسلك الحكم المماثل ولا دال عليه في ألسنة الأحكام الظاهرية أصلاً كما هو مبيّن في الهامش.

ص ١٨٧ الهامش ( ٢ ـ الكلمة الثانية ... ).

ويمكن أن نضيف النقض باستصحاب بقاء المجعول الجزئي ، فإذا كان المجعول الجزئي مجرىً وموضوعاً للحكم الظاهري بالاستصحاب ، فيمكن أن يقع موضوعاً للحكم الشرعي الطولي.

وهذا البحث ـ أعني المقام الثاني ـ أيضاً ينبغي تقريره بشكل آخر ، وذلك كما يلي :

انّ المسلّم عندهم ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب ، مهما تكثرت ولو كانت طولية إذا كانت شرعية دون الأثر المترتب بواسطة أمر عقلي تكويني ، فاستصحاب عدم التذكية يثبت حلية الأكل والمانعية في الصلاة مثلاً ولا يثبت النجاسة المترتبة على عنوان الميتة المترتبة على عدم التذكية ؛ لكونها ملازمة عقلية ، وهذا البحث لا يختصّ بالاستصحاب ، بل جارٍ في كل الاصول العملية المحرزة كالاستصحاب وقاعدة الفراغ ، بل والاصول العملية التنزيلية كأصالة الحلّ والطهارة ، وتفصيل ذلك ضمن نقاط :

النقطة الاولى : انّ الاصول العملية بحسب لسان دليلها على ثلاثة أقسام :

١ ـ ما ينظر فيه إلى الحكم الواقعي ويتعبد باحرازه كما في قاعدة الفراغ ( بلى

٢٣٩

قد ركعت ) أو الاستصحاب ويسمى بالأصل المحرز.

٢ ـ ما ينظر فيه إلى الحكم الواقعي للتعبد بمثله أو تنزيل المشكوك منزلته ظاهراً كما في أصالة الحل والطهارة ، ويسمّى بالأصل التنزيلي.

٣ ـ ما لا نظر فيه إلى اثبات الواقع أصلاً ، وإنّما حكم ظاهري بايجاب الاحتياط أو رفع المسؤولية والعقوبة كما في أصالة الاحتياط الشرعية على القول بها ، والبراءة الثابتة بمثل الناس في سعة ما لا يعلمون أو رفع ما لا يعلمون.

والنوع الثالث لا يثبت به آثار الحلية أو الحرمة الواقعيتين حتى الشرعية منها فضلاً عن الثابتة بواسطة عقلية ، وإنّما ما ذكروه مختص بالنوعين الأوّل والثاني المسماة بالاصول المحرزة والتنزيلية.

النقطة الثانية : الآثار الطولية إذا كان موضوعها نفس الحكم الظاهري ترتب على كل حال سواء كان الترتب شرعياً أم بواسطة عقلية ؛ لأنّ ثبوت نفس الحكم الظاهري قطعي أو ثابت بالامارة ، وهذا واضح وهو يترتب في تمام موارد الاصول العملية حتى من النوع الثالث إذا كان نفس الاحتياط أو البراءة الظاهرتين كافياً في ذلك ، وإنّما البحث عن الآثار الطولية المترتبة على الحكم الواقعي والمؤدّى للأصل العملي المحرز أو التنزيلي.

النقطة الثالثة : يمكن الاشكال في ترتيب الآثار الشرعية الطولية دون المترتبة بواسطة عقلية ، أمّا في الاصول التنزيلية فلأنّ التنزيل لا يقتضي أكثر من ترتيب الأثر المباشر الشرعي وهو لا يستلزم تنزيلات طولية بعدد تلك الآثار ، ولو فرض فلماذا لا يثبت التنزيل في الواسطة العقلية حيث يمكن تنزيله الظاهري فيترتب أثره الشرعي أيضاً.

٢٤٠