أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

ما لا يعلم انّه قذر طاهر ، وهذا ليس إلاّ القاعدة لا محالة ، وسوف يأتي صحّة هذا الاستظهار.

ثمّ إنّ وجه اصرار مثل المحقق الخراساني وصاحب الحدائق على استفادة الطهارة الواقعية في طرف الصدر مجيىء عنوان الشيء في موضوع الصدر الذي هو على حدّ العناوين الواقعية الاخرى يناسب كون المحمول عليه حكماً واقعياً.

فهذه النكتة مشتركة عندهم ، وإن اختلفا بعد ذلك فيما يستفاد من الغاية ، وهذه النكتة أيضاً غير صحيحة لأنّ كلمة ( شيء ) ليست من العناوين الواقعية بل هو مفهوم مبهم واسع أتى به هنا لتأكيد العموم لا لافادة العنوان الأولي المناسب مع الحكم الواقعي ، كيف والمركوز عرفاً انّ الطهارة والنجاسة لا تثبت للأشياء بعنوان كونها شيئاً أي بهذا العنوان المبهم العام الشامل لكل شيء ، فالاتيان به في موضوع الصدر ليس إلاّلافادة التعميم في الحكم بالطهارة ما لم يعلم القذارة ، وهذا يجعل انّ المستظهر من مثل هذه التركيبات رجوع الغاية إلى الموضوع وهو الشيء لأنّه بنفسه لا يناسب أن يكون موضوعاً فكأنّه يقول : كل ما لا تعلم انّه قذر أي شيء كان طاهر.

فيكون مفادها القاعدة فقط.

ويمكن تقريب كلام الكفاية بما يدفع الاشكالات المذكورة من قبل الأعلام ، وذلك خلال مقدمتين :

الاولى ـ انّ ظاهر الصدر كون عنوان الشيء تمام الموضوع للحكم بالطهارة والحلّية ، وهو عنوان واقعي ولا وجه لرفع اليد عن اطلاقه وارجاع الغاية إليه ، بل

٢٠١

قد لا يناسب جعل ( حتى تعلم ) الذي هو قيد زماني راجعاً إلى الذوات ، وإنّما يناسب رجوعه إلى الحدث والفعل والحكم والنسبة في الجملة.

الثانية ـ استفادة جعلين من الذيل :

أحدهما : ثبوت أشياء نجسة ومحرمة واقعاً في الجملة.

وثانيهما : ثبوت الحكم بالطهارة والحلّية حتى يعلم بالنجاسة والحرمة ، وهذا يوجب بقاء الصدر على إطلاقه في غير العناوين الخارجة بالتخصيص مثبتاً للطهارة والحلّية الواقعية واستمرار الطهارة والحلّية في موارد الشك والتردد إلى أن يعلم بالنجاسة والحرمة ، وهذا في مثل قولنا : ( الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه تغيّر بالنجاسة ) ، وقولنا : ( كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه تنجس بالبول ) واضح ، فإنّه يستفاد من الصدر طهارة الماء غير المتغيّر بالنجاسة واقعاً ، كما يستفاد من الذيل انّه مع الشك ما لم يعلم بذلك تكون الطهارة باقية ظاهراً ، لمكان التقييد بعدم العلم ، وهذا لا يتوقف على أخذ التقدير واستفادة نسبتين تامتين من جملة واحدة ، بل يكون بملاك الدلالة الالتزامية التي ذكرناها.

وإن شئت قلت : يستفاد من الذيل تقييد الصدر ، وهو طهارة كل ماء بما لا يكون متغيراً معلوم التغيّر ، فكأنّه قال : الماء كلّه طاهر إلاّ إذا كان متغيّراً بالنجاسة ومعلوماً ، وكلّ شيء طاهر إلاّ إذا كان بولاً أو خمراً معلوم النجاسة.

وقد تقدّم انّ مثل هذا الخطاب يمكن أن يكون واقعياً في غير البول والخمر ...

من العناوين الواقعية الاخرى ويكون ظاهرياً في المردد بينهما من دون لزوم تعدد الجعل والنسبة التامة.

٢٠٢

وجواب هذا التقريب :

أوّلاً ـ انّه لا ينتج الاستصحاب بل ينتج قاعدة الطهارة عند الشك في الطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الواقعية ؛ لأنّ مفاد الذيل ثبوت الطهارة والحلّية في حال عدم العلم بالنجاسة والحرمة ، سواء كان من الشك في البقاء أو الحدوث.

وإن شئت قلت : انّ غايته ثبوت الطهارة الواقعية ظاهراً إلى زمان العلم بالقذارة امّا انّ ذلك من أجل الاستصحاب أو القاعدة؟ فهذا لا يتعيّن من الذيل ، كما انّ ظاهر جملة ( فإذا علمت فقد قذر ) دخالة نفس العلم في الحكم بارتفاع الطهارة ، ممّا يعني انّ ثبوته أيضاً لمجرد عدم العلم بالقذارة وليس ذلك إلاّ القاعدة.

وثانياً ـ هذا الاستظهار يصلح إذا كان القيد أو الاستثناء ولو بلسان الغاية راجعاً إلى مجموع أمرين استثناء العنوان المخصّص الواقعي والعلم به كما في المثالين المذكورين ، ولا يصلح فيما إذا كان القيد أمراً واحداً وهو عدم العلم بالنجاسة أو الحرمة ، فلا تتشكل تلك الدلالة الالتزامية للكلام ؛ إذ لا يمكن أن يكون كل شيء طاهر واقعاً مقيداً بالنجس إلاّ إذا اخذ مشيراً ومعرفاً إلى العناوين الواقعية كالبول والخمر والدم ، وهو خلاف الظاهر ، فلا محالة يكون قيداً واحداً راجعاً امّا إلى موضوع الصدر أو محموله ، فيكون ظاهرياً على كلا التقديرين.

كما انّ ما ذكر من عدم تناسب الرجوع إلى الموضوع أي الشيء في غير محلّه ؛ لأنّه ليس كالعناوين الأوّلية ، بل عنوان انتزاعي يصلح تقييده بالغاية الزمانية.

٢٠٣

هذا ، مضافاً إلى انّه من المعلوم انّ مجرّد الشيئية لا يمكن أن يكون موضوعاً للحكم الواقعي بالطهارة والحلّية إلاّ إذا كان مشيراً إلى العناوين الواقعية ، وهو خلاف الظاهر ، بخلاف ما إذا كان الحكم ظاهرياً فيكون الموضوع الشيء الذي لا يعلم نجاسته وحرمته.

ص ١٠٧ قوله : ( وأمّا القول المنسوب إلى صاحب الفصول ... ).

الظاهر انّ استفادة صاحب الفصول أيضاً مبتنية على استظهار ارجاع الغاية إلى المحمول أو النسبة لا الموضوع فيكون مفاد الرواية كل شيء طاهر طهارة إلى أن يعلم بالنجاسة ، وحيث انّه قد اخذ العلم بالنجاسة غاية فيها يعرف انها ظاهرية ، وحيث حكم بأنّها باقية إلى العلم بالقذارة ببركة ( حتى ) استفيد الاستمرار والاستصحاب عند الشك في البقاء.

والجواب عليه : بما تقدم من انّ هذا الاستمرار واقعي لا تعبدي ، أي حدّ للطهارة الظاهرية المجعولة فهي باقية حقيقة إلى العلم بالنجاسة لا تعبداً فإنّه بحاجة إلى لحاظ نسبة اخرى مباينة وطولية ويستحيل استفادتها من النسبة الغائية الناقصة.

ص ١٠٩ قوله : ( امّا وجه عدم معقوليته فباعتبار ... ).

يلاحظ عليه : انّ عدم القذارة بمعنى المجعول الفعلي قد اخذ في موضوع جعل الطهارة وهذا لا محذور فيه ، وامّا النجاسة فتكون مجعولة على العلم بها ولو جعلاً لا مجعولاً ، إذ ليس هذا الدليل متكفلاً لبيان جعل النجاسة ليستظهر منه أخذ العلم بالمجعول فيه المحال ، وإنّما يستفاد ذلك بالملازمة العقلية البرهانية وهي تقتضي أن يكون المأخوذ العلم بالجعل لا المجعول لاستحالته ، فلا موجب

٢٠٤

لرفع اليد عن ظهور الدليل في انّ الطهارة المجعولة في هذا الدليل واقعي ، بل لا وجه لرفع اليد عن ذلك حتى على مبنى القوم من استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوعه مطلقاً ، إذ ينكشف بالملازمة انّ المأخوذ في طرف النجاسة ما يكون ممكناً عندهم من العلم بالصدور والانشاء أو غير ذلك مما ارتكبوه من التأويلات في بعض الأدلّة الظاهرة في أخذ العلم بالحكم في موضوعه من الفقه وهذا ان استلزم تأويلاً في تلك الأدلّة فليس تأويلاً في هذا الدليل لعدم تكفله بيان حكم النجاسة موضوعاً ومحمولاً بل حكم الطهارة ويستكشف منه حكم النجاسة بالملازمة العقلية ، فإذا كان محالاً أخذ العلم بالنجاسة في موضوعها كان المدلول الالتزامي ما هو ممكن لا رفع اليد عن ظهور الدليل في الواقعية لو سلم أصله.

لا يقال : مقتضى التلازم المذكور أن يكون موضوع العام نقيض الخاص ، فإذا كان موضوع النجاسة العلم بالجعل كان اللازم أن يكون موضوع الطهارة الواقعية عدم العلم به لا عدم العلم بالمجعول ، فيلزم الغاء ظهور العام في انّ الغاية عدم المجعول.

فإنّه يقال : لا وجه للالغاء المذكور بل يلتزم بأنّ الطهارة المجعولة بهذا الخطاب مغياة بعدم العلم بالنجاسة بمعنى المجعول بحيث حتى لو أمكن محالاً العلم بجعل النجاسة وبموضوعها دون استلزام ذلك العلم بالمجعول الفعلي كانت الطهارة ثابتة ، لأنّ هذا الفرض لا يتحقق خارجاً لكي يلزم التنافي بين الجعلين فتدبر جيداً.

نعم ، يمكن تغيير الاشكال بنحو آخر حاصله : انّ ظاهر هذا الخطاب أخذ

٢٠٥

عدم العلم بالنجاسة في موضوع الحكم بالطهارة ثبوتاً بحيث يجتمع هذا الاحتمال مع الحكم بالطهارة لا أنّ الحكم بالطهارة بهذا الخطاب يوجب رفع ذلك الاحتمال ، وهذا لا يمكن أن يكون طهارة واقعية لأنّ احتمال اجتماع الضدين كالقطع بهما مستحيل ، فلابد وأن تكون ظاهرية.

ص ١١٠ قوله : ( وقد ذكرنا انّ من آثار أخذ المتيقن ... ).

هناك أثران يترتبان على المبنيين :

الأوّل : انّه بناءً على أخذ اليقين السابق موضوعاً لا يمكن اجراء الاستصحاب في موارد الامارة إلاّبناءً على مبنى قيامها مقام القطع الموضوعي ، بخلافه على القول بأنّ الموضوع ثبوت الحالة السابقة واليقين مجرد طريق إليه.

الثاني : انّه بناءً على أخذ اليقين السابق موضوعاً لو انكشف الخلاف وانّه لا ثبوت للحالة السابقة كان الاستصحاب جارياً واقعاً لتحقق موضوعه ، فبناء على اجزاء الحكم الظاهري يحكم بعدم الاعادة أو القضاء. وهذا بخلاف ما إذا قيل بأنّ الحالة السابقة بوجودها الواقعي موضوع فإنّه إذا انكشف عدم مطابقة اليقين السابق للواقع ينكشف عدم جريان الاستصحاب واقعاً ، وإنّما كان يعتقد به جهلاً ، فلا مجال للاجزاء.

ثمّ انّ حمل مثل صحاح زرارة على انّ اليقين السابق مأخوذ على نحو الطريقية لا الموضوعية بقرينة رواية ابن سنان أو ابن بكير المتقدمتين لو شككنا في دلالة الاولى على الاستصحاب مبني على فرض عدم احتمال تعدد الجعل كما هو كذلك ؛ إذ لا يوجد عرفاً إلاّملاك واحد للجعل لا ملاكان ، وهو غلبة

٢٠٦

البقاء على تقدير الحدوث ، وإلاّ أخذنا بهما معاً وتثبت القاعدتان ويترتب على ذلك كلتا الثمرتين السابقتين.

إلاّ أنّ هذا بعيد جدّاً ؛ لعدم وجود قاعدتين إحداهما التعبّد ببقاء الواقع عند الشك في ارتفاعه والآخر التعبد ببقاء اليقين أو المتيقن السابق عند الشك فيه ، بل هناك قاعدة واحدة مستظهرة من مجموع هذه الروايات ، ومن هنا لابدّ من الجمع بين الطائفتين والتصرف في ظهور إحداهما بقرينة الاخرى.

وهنا احتمالات عديدة :

١ ـ أن يرفع اليد عن ظهور اليقين في صحاح زرارة في الموضوعية ، فيحمل على الطريقية إلى ثبوت الحالة السابقة بقرينة كون اليقين طريقاً عرفاً وعقلائياً ـ وهذا ما صنعه السيّد الشهيد ـ وعندئذٍ تترتب الثمرة الاولى دون الثانية.

٢ ـ العكس ، وذلك بأخذ اليقين موضوعاً وحمل صحيحة ابن سنان على ارادة اليقين بطهارة الثوب مع جعل تمام الموضوع نفس اليقين فتترتّب الثمرة الثانية دون الاولى.

٣ ـ نفس الفرضية مع أخذ الحالة السابقة والحدوث جزء الموضوع أيضاً ، فلابدّ من اليقين السابق مع ثبوت الحدوث واقعاً فلا تترتب الثمرتان.

٤ ـ أن نحمل اليقين ـ ولو بقرينة صحيحة ابن سنان ـ على أنّه مأخوذ في الموضوع للحكم الظاهري ولكن بما هو حجة ومحرز للواقع ، فالحدوث مع الاحراز هو الركن للاستصحاب فتترتب الثمرة الاولى دون الثانية.

٢٠٧

٥ ـ أن نحمل اليقين على انّه موضوع للحكم الظاهري بما هو حجة ومحرز للواقع ويكون تمام الموضوع من دون دخل واقع الحدوث في ذلك فتترتب كلتا الثمرتين في هذه الصورة أيضاً.

ولا يخفى أنّ ما اختاره السيد الشهيد قدس‌سره بعيد جدّاً ؛ لقوّة ظهور صحاح زرارة في دخل اليقين في التعبد الاستصحابي ، كيف وقد عبّر فيها بعدم نقض اليقين بالشك الظاهر في استحكام اليقين ، وأنّ الشك لا ينبغي أن يهدمه أو يوجب رفع اليد عنه ، ومن هنا قيل لا ينبغي ذلك أبداً وانقضه بيقين آخر.

والحاصل مقتضى الاحتمال الأوّل أن يكون التعبد الظاهري موضوعه نفس الحدوث الواقعي للشيء ، فكأنّ حدوث شيء موجب لبقائه ، فلا يرفع اليد عنه بالشك في بقائه وارتفاعه ، ومثل هذا الحكم الظاهري وإن كان معقولاً ، ولكنه غير الاستصحاب المتقوّم بحسب لسان أدلّته الاخرى باليقين السابق وما فيه من الاستحكام المقتضي للجري عليه وعدم الاعتناء بالشك في قباله ، فإنّ هذه نكتة اخرى غير تلك النكتة ، وهي ملحوظة في روايات الاستصحاب قطعاً.

كما انّ صحيحة ابن سنان ليست ظاهرة في نفي ذلك إلاّبمثل الإطلاق والسكوت.

نعم ، هي ظاهرة في دخالة الحدوث في التعبد الاستصحابي ، فإذا استبعدنا وجود قاعدتين تعبديتين ظاهريتين كان مقتضى الصناعة اشتراط اليقين والمتيقن معاً في هذا الركن للاستصحاب ، وهو الاحتمال الثالث من الاحتمالات المتقدّمة ، والله العالم.

٢٠٨

ص ١١٢ قوله : ( احداهما : ... انّ الاستصحاب لا يجري في المفرد المردد ... ).

عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردد ليس من ثمرات اشتراط الشك في البقاء ، بل لا يجري حتى إذا كان الشرط تعلّق الشك بما فرغ عن تعلق اليقين به بل بلحاظ العنوان الإجمالي يوجد شك في البقاء ، وإنّما لا يجري الاستصحاب ـ كما سيأتي في محلّه ـ لكون ما هو موضوع الأثر الشرعي هو الفرد ، وهو مردّد بين مقطوع الارتفاع ومشكوك الحدوث.

ويمكن أن يقال : انّ الركن الثاني هو الشك في نفس العنوان المتيقن الموضوع للأثر ، وهنا حيث انّ ما يترتب عليه الأثر الفرد بعنوانه التفصيلي فبلحاظه لا يوجد يقين سابق وشك بل أحد الفردين مقطوع الارتفاع والآخر لا يقين بحدوثه بل قد يكون مسبوقاً باليقين بالعدم فيستصحب عدمه ، فبهذه المناسبة يكون مربوطاً بالركن الثاني ، وإن كان بالدقة مربوطاً بالركن الثالث المستنتج من الركن الثاني.

ص ١١٤ قوله : ( أوّلاً ـ تطبيقه في الشبهات الموضوعية ... ).

هذا العنوان لا يتطابق مع المثال المذكور في صدر الكلام وهو عدم جريان الاستصحاب في مورد الاستحالة ؛ لأنّه وإن كان من تبدّل الموضوع إلاّ أنّ الشبهة فيه حكمية لا موضوعية كما هو واضح.

ثمّ انّ مبنى هذا الركن الاستظهار من أدلّة الاستصحاب ، أي عدم صدق النقض مع تبدل الموضوع أو عدم اتحاد القضيتين.

٢٠٩

إلاّ أنّه ذكر الشيخ في الرسائل وجهاً كأنّه عقلي لاثبات ذلك وهو استحالة انتقال العرض عن موضوعه إلى موضوع آخر ؛ ولهذا أشكل عليه في الكفاية بأنّ المستحيل الانتقال الحقيقي لا التعبدي الذي هو الاستصحاب ، وهناك تأويلات وتمحّلات من قبل بعض المحققين كالعراقي والشيخ الحائري وغيرهما لتصحيح مطلب الشيخ قدس‌سره وتوجيهه لا ترجع إلى محصّل وليس مهماً أيضاً.

والمهم ما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره والسيد الشهيد إجمالاً من جريان الاستصحاب في الهليات البسيطة أي الشك في وجود الشيء وبقائه والذي يكون محمولاً أوّلياً على الماهية والموضوع الماهية لا الوجود لوحدة القضيتين ، بل انحفاظ الموضوع وهو الماهية أيضاً.

وفي الهليات المركبة أي إذا شك في عدالة زيد سواء كان مع احراز حياته أو مع الشك فيهما مستقلاًّ أو الشك في العدالة من جهة الشك في وجوده ، ففي الصور الثلاث يجري استصحاب العدالة وحده أو مع الوجود ، أي استصحاب بقاء زيد حيّاً عادلاً ؛ لأنّ مرجع ذلك ( إذا كانت العدالة مأخوذة بنحو مفاد كان الناقصة ) انّ الموضوع مركب أو مقيد من حياة زيد وعدالته ، وهو متيقن سابقاً ، فيجري استصحابه بناءً على كفاية اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة ، بل يجري حتى على تعبير الشيخ ـ أي اشتراط بقاء الموضوع ـ امّا على التركيب فواضح ، حيث يكون معروض الوصفين الماهية ، وامّا على التقييد واضافة العدالة إلى زيد الحيّ بما هو حي ، فهذا معناه انّ اتّصاف ماهية زيد بالحياة المعروضة والموصوفة بالعدالة موضوع الأثر الشرعي ، وثبوت هذه الصفة لماهية زيد متيقن سابقاً ، فنثبته بالتعبد الاستصحابي.

٢١٠

إلاّ أنّ هذا كلّه إذا كان الموضوع بقاء زيد أو بقاؤه عادلاً في الخارج بنحو مفاد كان التامة ، وأمّا إذا كان بنحو مفاد كان الناقصة بمعنى اثبات حيثية وخصوصية لشيء خارجي معين ، فتارة : يكون معروض تلك الخصوصية والصفة محفوظة ولو كانت الحيثية تقييدية فيجري الاستصحاب عند الشك في بقاء الاتصاف به كما إذا شك في بقاء الصورة النوعية كالكلبية مثلاً لجسم فنستصحب بقاءه كلباً أو ميتة لترتيب الآثار عليه ؛ لأنّ هذا المعروض وهو الجسم محفوظ ، واخرى : يفرض تلك الخصوصية معدّدة للوجود الخارجي ولو عرفاً بحيث لا يكون المشار إليه في الخارج واحداً فلا يجري الاستصحاب ، وهذا من قبيل استصحاب بقاء الجسم المتنجس عند الشك في استحالته ـ بناءً على ما سنذكره ـ من تعدّد الجسم وتغيره بالاستحالة عرفاً ومن قبيل ما إذا شك في انّ الماء الموجود في الاناء نفس الماء السابق أو انّه تبخّر ثمّ صار ماءً آخر بالتقطير فلا يوجد موضوع ومشار إليه واحد مشترك لكي يشار إليه ويقال أنّه كان كذا فالآن كذلك.

وهذا نظير ما إذا كنا نعلم أنّ الإمام لهذه الجماعة كان زيداً وشككنا أنّه هل لا يزال هو أو ذهب وجاء مكانه عمر ، فإنّه لا يمكن أن نشير إلى الإمام الموجود بالفعل ونقول انّه كان زيداً العادل والآن كذلك ، كما انّ استصحاب بقاء زيد في ذلك المكان لا يجدي لاثبات إمكان الاقتداء به.

وهكذا يتّضح صحّة ما ذكره الشيخ قدس‌سره في هذه الحالة ، وما ذكره المحقّق الخراساني لا يجدي نفعاً لتصحيح الاستصحاب هنا.

ثمّ إنّ حكم الاستحالة للأعيان النجسة في الشبهة الحكمية الطهارة ؛ لعدم

٢١١

جريان استصحاب النجاسة الذاتية فيها ؛ لقيامها بالصورة النوعية كالكلبية ، وهي منتفية قطعاً وحيثية تقييدية ـ على ما يأتي شرح معناها ـ.

وأمّا الأشياء المتنجسة ـ كالخشب المتنجس ـ فقد استشكل في عدم جريان استصحاب بقاء نجاسته بعد صيرورته ملحاً مثلاً بأنّ موضوع النجاسة العرضية الجسمية وهي محفوظة وباقية.

وخالف البعض ـ كالمحقّق الداماد وغيره ـ في ذلك مدعياً بأنّه لا دليل عليه ، والظاهر استفادته من مجموع أدلّة الانفعال بالغاء الخصوصية ، بل باطلاق ما دلّ على الأمر بغسل كلّ ما أصابه النجس ـ كما في بعض النجاسات ـ ومن هنا نسب السيد الخوئي قدس‌سره إلى المحقق الثاني ـ حكاية له عن الشيخ الأنصاري في بحث الاستحالة ـ انّه فصّل في مطهرية الاستحالة بين الأعيان النجسة والمتنجسة.

والصحيح عدم جريان الاستصحاب فيه أيضاً ؛ لأنّ الجسمية متبدّلة عرفاً بحيث لا وحدة بين القضيتين.

وإن شئت قلت : انّ هذا يشبه عرفاً تبدل الماء بخاراً ثمّ رجوعه ماءً أو صيرورة البذر زرعاً ، فكأنّ الملح جسم آخر تولّد من الخشب والملح.

ومنه يعرف عدم جريان الاستصحاب الموضوعي هنا أيضاً عند الشك في الاستحالة خارجاً ـ كما أشرنا آنفاً ـ لعدم انحفاظ موضوع وجسم واحد يمكن أن يشار إليه فيقال بأنّه كان عنباً سابقاً ويشك فيه بقاءً لكي يستصحب.

٢١٢

ص ١١٦ قوله : ( الطريق الأوّل ... ).

يمكن أن يلاحظ عليه : بأنّ كفاية احتمال بقاء المتيقن لأنّ الاستصحاب تعبد ببقاء ما يحتمل بقاؤه صحيح ، إلاّ أنّ هذا عبارة اخرى عن اشتراط وحدة القضيتين أو بقاء الموضوع المتيقن في المشكوك ؛ لأنّ بقاء المتيقن إذا كان مشكوكاً بنحو مفاد كان التامة وكان المشكوك موجوداً شخصياً لا تردد فيه فاحتمال بقاؤه يساوق ما ذكر ، لأنّ موضوع النقيضين الماهية لا الوجود وهي واحدة ، وإن كان بنحو مفاد كان الناقصة أي كون هذا الموجود في الخارج كذا فهو فرع أن تكون القضية المتيقنة موضوعها هذا الخارجي أيضاً لا غيره ، وإلاّ لم يكن احتمال لبقاء المتيقن ، ويشترط في الاستصحاب تعلّق الشك بنفس ما تيقن به ، والمطلوب في الشبهة الحكمية ذلك أي نجاسة الماء الذي زال تغيره مثلاً.

وعندئذٍ يقال : إن كانت النجاسة للماء المتغير بما هو متغير وكان التغير حيثية تقييدية ، أي هو معروض النجاسة ، فما كان يتيقن انّه النجس غير ذات الماء المشكوك فعلاً نجاسته ، ومجرد احتمال كون النجاسة من أوّل الأمر مجعولة على الماء الذي حدث فيه التغيّر آناً ما المساوق مع كون الموضوع للنجاسة ذات الماء المحفوظ بالفعل ، لا يكفي لجريان الاستصحاب ما لم نضمّ ما سيأتي في الطريق الثاني من كون الحيثية تعليلية ؛ إذ يكون المقام عندئذٍ من موارد العلم الإجمالي بثبوت احدى قضيتين في الخارج ـ حتى بلحاظ عالم المجعول ـ نجاسة ذات الماء الذي حدث فيه التغير أو نجاسة الماء المتغير بما هو متغير ، واحداهما مقطوعة الارتفاع ، والاخرى مقطوعة البقاء ولكن لا يقين به.

٢١٣

نعم ، هناك يقين وشك بلحاظ الجامع والكلي بينهما ، وهو لا يجري في الأحكام التكليفية على ما يأتي في محلّه ، واستصحاب الواقع والفرد المردد لا يجري ، ولو فرض جريانه أيضاً لما كان يجدي هنا في اثبات انّ الماء الموجود الذي زال تغيّره هو النجس إلاّبناءً على الأصل المثبت.

هذا مضافاً إلى أنّ لازم هذا البيان الالتزام بجريان الاستصحاب في موارد الشبهات الحكمية التي تكون الحيثية الزائلة فيها تقييدية عرفاً ؛ لصدق الشك في البقاء ووحدة القضيتين وبالتالي صدق لا تنقض. وهذا النقض لا دافع له.

ولا أدري كيف صدر هذا الجواب من السيد الاستاذ قدس‌سره ، وأحتمل أنّه وقع خطأ في التقرير ، وانّ هذا الاشكال قد أورده

السيد الشهيد على السيد الخوئي في منعه للاستصحاب الجزئي في الشبهة الموضوعية مطلقاً على ما سنذكره.

ص ١١٨ قوله : ( وهكذا نستنتج على ضوء المقدمتين ... ).

ويلحق بالحيثية التعليلية فرض الشك بأن كانت الحيثية بحيث يحتمل العرف تقييديتها ، فلابد من الجزم بكون الحيثية تعليلية عرفاً ، وإلاّ كانت شبهة مصداقية لدليل الاستصحاب ، وقد ذكر ذلك السيد الخوئي قدس‌سره وهو متين.

إلاّ أنّ الذي جاء في تفصيل هذا القسم في الدراسات لا يخلو من تشويش ، فإنّ ظاهره الشك فيما هو الموضوع للحكم بالنجاسة وانّه الصورة النوعية المرتفعة أو الحجّية الباقية ، وهذا النحو من الشك لا يختصّ بكون العنوان حيثية تقييدية ، بل يجري في التعليلية أيضاً ، مع انّ المثال الأصحّ لهذا القسم هو أن يشك العرف في كون التغيّر مثلاً حيثية مقوّمة وتقييدية أو تعليلية.

٢١٤

كما انّ ما جاء في الدراسات من بناء فتوى المحقق الثاني بعدم مطهرية الاستحالة في المتن على هذا الشك غير تام ؛ إذ بناءً عليه لا يجري الاستصحاب في استحالة المتنجس ، ومع عدم جريانه يرجع إلى القاعدة فيحكم بالطهارة ، فتكون النتيجة المطهرية لا عدمها ، فراجع عباراته وتأمل.

وهناك سهو آخر في كلامه ، وهو الحاق الشبهات المفهومية بذلك مطلقاً ، والمنع عن جريان الاستصحاب الحكمي فيها ، مع انّه قد يكون ما يحتمل دخله في المفهوم وبالتالي في الحكم حيثية تعليلية عرفاً ، فيجري الاستصحاب الحكمي في مثل ذلك جزماً.

ثمّ إنّ السيد الخوئي قسّم الشبهة إلى الشك في مرحلة الجعل والشك في مرحلة المجعول ، وحكم في الأوّل بعدم جريان الاستصحاب فيه ، بمعنى استصحاب عدم النسخ ؛ لأنّ الشك في الجعل لاحتمال النسخ يكون شكاً في الحدوث لا البقاء ؛ لأنّ النسخ في الأحكام الشرعية ليس رفعاً للحكم الثابت لاستلزامه الجهل ، وإنّما هو تخصيص أزماني من أوّل الشريعة وبيان أمد الحكم ، فيكون الشك في جعل الحصة الثانية من أوّل الأمر ، وهو شك في أصل حدوثه بعد العلم بقدمه ، فيكون مقتضى الاستصحاب عدم الجعل لا بقاء الجعل وعدم النسخ.

ويلاحظ عليه :

أوّلاً ـ انّ الإطلاق الازماني للحكم سعة في المجعول لا الجعل وهو ابقائه للحصة الحدوثية بمنظار الحمل الأولي الذي هو المراد بالمجعول على ما يأتي في بحث استصحاب عدم النسخ ، وما ذكره هنا من استصحاب عدم

٢١٥

جعل الحصة الثانية هو نفس استصحاب عدم الجعل الزائد الذي يذكر في المعارضة مع استصحاب بقاء المجعول في سائر الموارد وليس استصحاباً آخر ، فلا وجه لعدم التوجه إلى استصحاب بقاء المجعول في عمود الزمان ، وليس الزمان مفرداً ومغيراً للمجعول قطعاً ، فكان ينبغي بناءً على ارجاع النسخ إلى التخصيص الازماني ذكر هذا المطلب ، لا اغفال هذا الاستصحاب ، وذكر استصحاب عدم الجعل الزائد الثابت في تمام موارد استصحاب المجعول.

ثانياً ـ النسخ ، بمعنى رفع الجعل والغائه معقول على مستوى التشريع حتى عند الشارع ، ولا يستلزم الجهل على ما سيأتي شرحه مفصلاً أيضاً.

ص ١١٩ الهامش : ...

ما ورد فيه من النقض وارد على تعبير الكتاب ، والصحيح ما في ذيل الهامش إشارة من أنّ المستصحب مجعول شخص الجعل المعلوم بالاجمال حيث يحتمل بقاؤه ـ مع قطع النظر عن اشكالنا على أصل هذا الطريق ـ فالاستصحاب يعبدنا ببقاء نفس ذلك المجعول الشخصي ، لا أنّه يثبت الجعل الآخر ، وإن كان هذا لازمه أن يكون ذلك الجعل قد جعل على ما اخذ فيه حدوث التغيّر فقط موضوعاً ، إلاّ أنّ الاستصحاب لا يثبت اللوازم ، وإنّما يعبّدنا ببقاء نفس المجعول الشخصي الحادث سابقاً مهما كان لازمه العقلي.

وهذا البيان لا يجري في مورد النقض ، أي ما إذا علم بارتفاع الجعل الأوّل واحتمل مجيء جعل آخر كما هو واضح.

٢١٦

ص ١٢١ قوله : ( ثمّ انّه بما ذكرنا يتضح أيضاً حال استصحاب الحكم الجزئي ... ).

ذكر السيد الخوئي انّ الشك في بقاء الحكم الجزئي في الشبهة الموضوعية لابد وأن يكون من ناحية الشك في بقاء الموضوع ، ومعه يجري استصحاب الموضوع ، ولا تصل النوبة إلى استصحاب الحكم ، بل لا يمكن استصحاب بقاء الحكم الجزئي ـ لو فرض عدم جريان الاستصحاب في الموضوع ـ لعدم اتحاد القضيتين ... الخ.

وهو سهو من قلمه الشريف جزماً كما ذكر في الكتاب ، فإنّ الحيثية المشكوكة إذا كانت تعليلية كما في ملاقاة الجسم مع النجس جرى استصحاب طهارته عند الشك في الملاقاة أو استصحاب نجاسته عند الشك في تطهيره بعد العلم بنجاسته ، كيف وصحيح ابن سنان صرّحت بجريان استصحاب الطهارة في الشبهة الموضوعية ، وكذلك استصحاب الطهور من الحدث في صحيحة زرارة وغيرها ، ففي مثل هذه الموارد لا إشكال في جريان استصحاب الحكم الجزئي عند عدم جريان الاستصحاب الموضوعي على مسلك المشهور ، ومطلقاً على مسلكنا من عدم حكومة الأصل الموضوعي على الحكمي الموافق معه في الأثر.

وأمّا إذا كانت الحيثية تقييدية كما إذا شك في صيرورة الخمر خلاً فهل يجري استصحاب حرمته ، صريح السيد الشهيد والسيد الخوئي عدم الجريان ؛ لعدم احراز وحدة الموضوع أو قل عدم اتحاد القضيتين ؛ لأنّ المتيقن لم يكن حرمة ذات الموضوع بل بعنوان انّه خمر ، والمشكوك حرمة الموجود الخارجي بما هو

٢١٧

لا بما انّه خمر.

ونلاحظ هنا انّ ما ذكره السيد الشهيد من الطريق الأوّل صحيح هنا لا في الشبهة الحكمية ؛ لأنّ شخص الحرمة الجزئية الفعلية يحتمل بقائها على هذا الموجود الخارجي حقيقة ، وليس مردداً بين مجعولين وحرمتين ، فيكون نفس المتيقن محتمل البقاء.

وإن شئت قلت : انّ المكلّف كان على يقين من انّ هذا المائع خمر حرام شربه والآن شاك في كليهما ، وهذه القضية المتيقنة كما يمكنه أن يستصحب كونه خمراً لترتيب أثره عليه كذلك يمكنه أن يستصحب كونه حراماً ولو بعنوان كونه خمراً ، فإنّ بقاء شخص هذا الاتصاف محتمل فلا وجه لعدم شمول ( لا تنقض ) له على واقعه.

نعم ، استصحاب الحكم الجزئي قد لا ينفع من جهة اخرى كما إذا شك في بقاء فقر زيد ، فإنّه لولا استصحاب فقره لم يكف استصحاب جواز اعطائه الزكاة لاعطائه إذ يشترط اعطاء الزكاة للفقير ومن دون إحراز ذلك يكون من الشك في الامتثال ، واستصحاب الجواز لا يثبت ذلك. كما انّه في موارد الشك في الاستحالة أيضاً لا يجري الاستصحاب إذا كانت بحكم وجود آخر عرفاً كما في استحالة المتنجس ، فإنّه يكون من قبيل الشك في انّ الماء الموجود في الاناء هل هو الماء السابق أو انّه ماء آخر حصل بالتقطير ، وكما إذا شك في انّ الإمام هل هو زيد العادل الذي كان هو الإمام في الصلاة الاولى أو انّه ذهب وجاء مكانه عمرو ، فتدبر جيداً.

٢١٨

الأقوال في الاستصحاب

ص ١٣٢ ( وللتعليق على هذا التفصيل ... ).

أي انّ منطقة الفراغ في هذا التفصيل انّه لم يحلّل معنى استصحاب الحكم بمعنى المجعول وانّه ماذا يعني ، فإنّ استصحاب المجعول فيه مشكلة بل مشكلتان لم يتعرّض لها الاصوليون.

نعم ، تعرّض لاحداهما المحقق العراقي قدس‌سره في بحث اشتراط وحدة موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة حيث قال : انّه لا يكفي وحدة موضوعهما في الماهية وإلاّ لأمكن اثبات حياة زيد عند الشك فيه بالعلم بحياة عمرو لأنّ ماهيتهما واحدة ، بل لابد من اتحاد موضوعهما في الوجود أيضاً ، وعلى هذا الأساس أشكل بأنّ المجعولات الشرعية لا وجود لها في الخارج بل في الذهن فكيف يجري استصحابها.

ثمّ أجاب بما في الوجه الثاني من انّ ظرف عروضها وإن كان في الذهن إلاّ انّ ظرف اتصافها في الخارج ، وحيث انّ هذا الجواب باطل فالجواب الصحيح عنها أنّ الشرط ليس هو اتحاد موضوع القضيتين في الوجود الخارجي بل اتحادهما في الصدق.

وإن شئت قلت : أن يكون الشك متعلقاً بنفس ما فرغنا عن تعلّق اليقين به سواءً كان موجوداً خارجياً أم لا ، فإنّ هذا كافٍ في صدق نقض اليقين بالشك.

٢١٩

والشبهة الاخرى وهي التي أثارها السيد الشهيد قدس‌سره انّ المجعول حيث انّه لا حقيقة خارجية له بل أمر اعتباري فتمام حصصه توجد دفعة واحدة بالجعل والاعتبار فلا يكون نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره مثلاً مجعولة بعد جعل نجاسته قبل زوال تغيّره بل توجدان معاً فلا يكون بقاءً لها فكيف يجري الاستصحاب فيها.

وعلاج هذه الشبهة بالبيانات المذكورة في الكتاب والتي ترجع إلى أحد جوابين مرتبطين بكيفية فهم المجعول حيث انّه تارة يقيّد المجعول على انّه له حقيقة وفعلية ـ ولو بمعنى الاتصاف الذي يقوله العراقي ـ تتحقق عند تحقق الموضوع في الخارج.

واخرى يفسّر المجعول على انّه نفس الجعل والقضية الحقيقية ملحوظة بالحمل الأولي لا الحمل الشائع.

فعلى الأوّل يكون هناك مركزان للاستصحاب أحدهما مستقل عن الآخر ولا تهافت بينهما أحدهما القضية الحقيقية التقديرية وهو المسمّى بالجعل ، والآخر تلك الحقيقة العقلية في الخارج عند تحقق الموضوع ، ولا تعارض على كل التقادير بينهما بالبيانات المذكورة في الكتاب مفصلاً.

وعلى الثاني يكون مركز الاستصحاب واحداً ؛ لأنّه لا يوجد إلاّشيء واحد وحقيقة فاردة يمكن لحاظها بأحد نحوين يفرض انّ بين اللحاظين تهافت كما هو مسطور في الكتاب فلابد من حمل دليل الاستصحاب على أحدهما لا محالة.

٢٢٠