الموسوعة القرآنيّة - ج ٢

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦

العاشر : خطاب الكرامة ، كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ونجد الخطاب بالنبى فى محل لا يليق به الرسول ، وكذا عكسه ، وفى الأمر بالتشريع العام : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، وفى مقام الخاصّ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) ، وقد يعبر بالنبىّ فى مقام التشريع العام ، لكن مع قرينة إرادة العموم ، كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ) ولم يقل : طلقت.

الحادى عشر : خطاب الإهانة ، نحو : (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).

الثانى عشر : خطاب التهكم ، نحو : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ).

الثالث عشر : خطاب الجمع بلفظ الواحد ، نحو : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).

الرابع عشر : خطاب الواحد بلفظ الجمع ، نحو : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) إلى قوله : (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) فهو خطاب له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ، إذ لا نبىّ معه ولا بعده ، وكذا قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا) الآية خطاب له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده ، بدليل قوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) الآية ، وكذا قوله : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا) بدليل قوله : (قُلْ فَأْتُوا).

الخامس عشر : خطاب الواحد بلفظ الاثنين نحو : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) والخطاب لمالك خازن النار ، وقيل لخزنة النار والزبانية ، فيكون من خطاب الجمع بلفظ الاثنين. وقيل للملكين الموكلين به فى قوله : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) فيكون على الأصل.

السادس عشر : خطاب الاثنين بلفظ الواحد كقوله : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) أى ويا هارون.

السابع عشر : خطاب الاثنين بلفظ الجمع ، كقوله : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً).

الثامن عشر : خطاب الجمع بلفظ الاثنين ، كما فى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ).

٢٠١

التاسع عشر : خطاب الجمع بعد الواحد ، كقوله : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) جمع فى الفعل الثالث ليدل على أن الأمة داخلون مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

العشرون : عكسه ، نحو : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

الحادى والعشرون : خطاب الاثنين بعد الواحد ، نحو : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ).

الثانى والعشرون : عكسه ، نحو : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى).

الثالث والعشرين : خطاب العين ، والمراد به الغير ، نحو : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) الخطاب له ، والمراد أمته لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان تقيّا ، وحاشاه من طاعة الكفار.

الرابع والعشرين : خطاب الغير ، والمراد به العين ، نحو (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ).

الخامس والعشرون : الخطاب العام الذى لم يقصد به مخاطب معين نحو : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ألم يقصد بذلك خطاب معين ، بل كل أحد. وأخرج فى صورة الخطاب لقصد العموم ، يريد أن حالهم تناهت فى الظهور بحيث لا يختص بها راء دون راء ، بل كل من أمكن منه الرؤية داخل فى ذلك الخطاب.

السادس والعشرين : خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره ، نحو : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) خوطب به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال للكفار : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) بدليل : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

السابع والعشرون : خطاب التكوين ، وهو الالتفات.

الثامن والعشرون : خطاب الجمادات خطاب من يعقل نحو : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً).

التاسع والعشرون : خطاب التهييج ، نحو : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

الثلاثون : خطاب التحنن والاستعطاف ، نحو : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ ، أَسْرَفُوا) الآية.

٢٠٢

الحادى والثلاثون : خطاب التحبب ، نحو : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ)

الثانى والثلاثون : خطاب التعجيز ، نحو : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ).

الثالث والثلاثون : خطاب التشريف ، وهو كل ما فى القرآن مخاطبة «قل» فإنه تشريف منه تعالى لهذه الأمة بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة.

الرابع والثلاثون : خطاب المعدوم ، ويصح ذلك تبعا لموجود ، نحو (يا بَنِي آدَمَ) فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكل من بعدهم.

وخطاب القرآن ثلاثة أقسام :

قسم لا يصلح إلا للنبى ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقسم لا يصلح إلا لغيره.

وقسم لهما.

٢٠٣

٥٧

حقيقته ومجازه

لا خلاف فى وقوع الحقائق فى القرآن ، وهى كل لفظ يقع على موضوعه ولا تقديم فيه ولا تأخير ، وهذا أكثر الكلام.

وأما المجاز فالجمهور أيضا على وقوعه فيه ، وأنكره جماعة.

وشبهتهم أن المجاز أخو الكذب والقرآن منزّه عنه ، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وذلك محال على الله تعالى.

وهذه شبهة باطلة ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن ، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ، ولو وجب خلوّ القرآن من المجاز وجب خلوّه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها.

والمجاز فى القرآن قسمان :

الأول : المجاز فى التركيب ، ويسمى مجاز الإسناد. والمجاز العقلى وعلاقته الملابسة ، وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسته له ، كقوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) نسبت الزيادة ، وهى فعل الله ، إلى الآيات ، لكونها سببا لها ، وهذا القسم أربعة أنواع :

أحدها : ما طرفاه حقيقتان ، نحو : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها).

ثانيها : مجازيان ، نحو : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أى ما ربحوا فيها ، وإطلاق الربح والتجارة هنا مجاز.

ثالثها ، ورابعها : ما أحد طرفيه حقيقى دون الآخر.

أما الأول أو الثانى. كقوله : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) ، أى برهانا.

القسم الثانى : المجاز فى المفرد ، ويسمى المجاز اللغوى ، وهو استعمال اللفظ فى غير ما وضع له أولا ، وأنواعه كثيرة :

٢٠٤

أحدها : الحذف.

الثانى : الزيادة.

الثالث : إطلاق اسم الكل على الجزء ، نحو : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) أى أناملهم ، ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى إدخالها على غير المعتاد مبالغة من الفرار ، فكأنهم جعلوا الأصابع.

الرابع : عكسه ، نحو : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ، أى ذاته.

الخامس : إطلاق اسم الخاص على العام ، نحو : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ). أى رسله.

السادس : عكسه ، نحو : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، أى المؤمنين بدليل قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا).

السابع : إطلاق اسم الملزوم على اللازم.

الثامن : عكسه ، نحو : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً) ، أى هل يفعل؟ أطلق الاستطاعة على الفعل لأنها لازمة له.

التاسع : إطلاق المسبب على السبب ، نحو : (يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً).

العاشر : عكسه ، نحو : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) ، أى القبول والعمل به لأنه مسبب على السمع.

الحادى عشر : تسمية الشيء باسم ما كان عليه ، نحو : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) أى الذين كانوا يتامى ، إذ لا يتم بعد البلوغ.

الثانى عشر : تسميته باسم ما يئول إليه ، نحو : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أى عنبا يؤول إلى الخمرية.

الثالث عشر : إطلاق اسم الحال على المحل ، نحو : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ، أى فى الجنة لأنها محل الرحمة.

الرابع عشر : عكسه ، نحو : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) ، أى أهل ناديه ، أى مجلسه.

٢٠٥

الخامس عشر : تسمية الشيء باسم آلته ، نحو : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ، أى ثناء حسنا ، لأن اللسان آلته.

السادس عشر : تسمية الشيء باسم ضده ، نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). والبشارة حقيقة فى الخبر السار.

السابع عشر : إضافة الفعل إلى ما يصح منه تشبيها ، نحو : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) ، وصفه بالإرادة ، وهى من صفات الحىّ ، تشبيها لميله للوقوع بإرادته.

الثامن عشر : إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته ، نحو : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) ، أى قاربن بلوغ الأجل : أى انقضاء العدة : لأن الإمساك لا يكون بعده.

التاسع عشر : القلب :

إما قلب إسناد ، نحو : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) ، أى لتنوأ العصبية بها.

أو قلب عطف ، نحو : (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ) ، أى فانظر ثم تول.

العشرون : إقامة صيغة مقام أخرى ، وتحته أنواع كثيرة.

منها : إطلاق المصدر على الفاعل ، نحو (فإنهم عدو لى) ولهذا أفرده.

وعلى المفعول ، نحو : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) ، أى من معلومه.

ومنها : إطلاق البشرى على المبشر به ، والهوى على المهوى ، والقول على المقول.

ومنها : إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر ، نحو : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) ، أى تكذيب.

ومنها : إطلاق فاعل على مفعول ، نحو : (ماءٍ دافِقٍ) ، أى مدفوق.

وعكسه ، نحو : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ، أى آتيا.

ومنها : إطلاق فعيل بمعنى مفعول ، نحو : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً).

٢٠٦

ومنها : إطلاق واحد من المفرد والمثنى والجمع على آخر منها.

مثال إطلاق المفرد على المثنى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، أى يرضوهما ، فأفراد لتلازم الرضاءين.

وعلى الجمع : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ، أى الأناسى ، بدليل الاستثناء منه.

ومثال إطلاق المثنى على المفرد : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) أى ألق.

ومنه كل فعل نسب إلى شيئين وهو لأحدهما فقط ، نحو : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب.

ومثال إطلاقه على الجمع (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أى كرات ، لأن البصر لا يحسر إلا بها.

ومثال إطلاق الجمع على المفرد : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) ، أى أرجعنى.

ومثال إطلاقه على المثنى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).

ومنها : إطلاق الماضى على المستقبل لتحقيق وقوعه ، نحو : (أَتى أَمْرُ اللهِ) أى الساعة.

ومن لواحق ذلك : التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول ، لأنه حقيقة فى الحال لا فى الاستقبال ، نحو : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ).

ومنها : إطلاق الخبر على الطلب أمرا ، أو نهيا ، أو دعاء ، ومبالغة فى الحثّ عليه حتى كأنه وقع وأخبر عنه.

وورود الخبر ، والمراد الأمر أو النهى ، أبلغ من صريحى الأمر والنهى ، كأنه سورع فيه إلى الامتثال وأخبر عنه ، نحو : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ).

وعكسه ، نحو : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ، أى يمدّ

والأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر لتضمنه اللزوم ، نحو : إن زرتنا فلنكرمك ، يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم ، لأن الأمر للإيجاب يشبه الخبرية فى إيجابه.

٢٠٧

ومنها : وضع النداء موضع التعجب ، نحو : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ). معناها : فيا لها حسرة ، والحسرة لا تنادى وإنما ينادى الأشخاص ، وفائدته التنبيه ، ولكن المعنى على التعجب.

ومنها : وضع جمع القلة موضع الكثرة ، نحو : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) وغرف الجنة لا تحصى.

وعكسه ، نحو : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).

ومنها : تذكير المؤنث على تأويله بمذكر ، نحو : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أى وعظ.

ومنها : تأنيث المذكر ، نحو : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها) أنث الفردوس ، وهو مذكر ، حملا على معنى الجنة.

ومنها : التغليب ، وهو إعطاء الشيء حكم غيره. وقيل ، ترجيح أحد المعلومين على الآخر وإطلاق لفظه عليهما إجراء للمختلفين مجرى المتفقين ، نحو : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) والأصل من القانتات ، فعدّت الأنثى من المذكر بحكم التغلب.

وإنما كان التغليب من باب المجاز لأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له ؛ ألا ترى أن القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف ، فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق على غير ما وضع له.

ومنها : استعمال حروف الجر فى غير معانيها الحقيقية.

ومنها : استعمال صيغة (أفعل) لغير الوجوب ، وصيغة (لا تفعل) لغير التحريم ، وأدوات الاستفهام لغير طلب التصوّر ، والتصديق ، وأداة التمنى والترجى والنداء لغيرها.

ومنها : التضمين ، وهو إعطاء الشيء معنى الشيء ، ويكون فى الحروف والأفعال والأسماء. ويرى فريق من النجاة : التوسع فى الحروف على حين يرى غيرهم : التوسع فى الفعل ، لأنه فى الأفعال أكثر ، مثاله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) فيشرب ، إنما يتعدّى بمن ، فتعديته بالباء إما على تضمينه معنى : يروى ويلتذ ، أو تضمين الباء معنى من

٢٠٨

وأما فى الأسماء فأن يضمن اسم معنى اسم لإفادة معنى الاسمين معا ، نحو : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ضمن (وحقيق) معنى : حريص ، ليفيد أنه محقوق بقوله الحق وحريص عليه ، وإنما كان التضمين مجازا لأن اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا فالجمع بينهما مجاز.

ومن المجاز :

الأول : الحذف ، وليس كل حذف مجازا.

والحذف أربعة أقسام :

قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أى أهلها ، إذا لا يصح إسناد السؤال إليها.

وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، أى فأفطر فعدة.

وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا ، نحو : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) ، أى فضربه.

وقسم يدل عليه دليل غير شرعى ولا هود عادة ، نحو : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) دل الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول.

وليس فى هذه الأقسام مجاز إلا الأول ، وقيل : إنما يكون مجازا إذا تغير حكم ، فأما إذا لم يتغير كحذف خبر المبتدأ المعطوف على جملة فليس مجازا ، إذا لم يتغير حكم ما بقى من الكلام.

ومتى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهى مجاز نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).

وإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغير الإعراب ، نحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ) ، فلا توصف الكلمة بالمجاز.

الثانى : التأكيد ، وقيل : إنه مجاز ، لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول ، والصحيح أنه حقيقة.

(م ١٤ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٢)

٢٠٩

الثالث : التشبيه ، وقيل : إنه مجاز ، والصحيح أنه حقيقة ، لأنه معنى من المعانى ، وله ألفاظ. تدل عليه وضعا ، وليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه. وقيل : إن كان بحرف فهو حقيقة ، أو بحذفه فمجاز ، بناء على أن الحذف من باب المجاز.

الرابع : الكناية ، وفيها أربعة مذاهب :

أحدها : أنها حقيقة ، وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له وأريد بها الدلالة على غيره.

الثانى : أنها مجاز.

والثالث : أنها لا حقيقة ولا مجاز.

الرابع : أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز ، فإن استعملت اللفظ فى معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة ، وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز ، لاستعماله فى غير ما وضع له.

الخامس : التقديم والتأخير ، عدّه قوم من المجاز ، لأنّ تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول ، وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل ، نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقه وقيل : والصحيح أنه ليس منه ، فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له.

السادس : الالتفات ، وقيل : هو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد.

٢١٠

٥٨ تشبيهه واستعاراته

التشبيه : نوع من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها. ولو قال قائل : هو أكثر كلام العرب لم يبعد. وهو الدلالة على مشاركة أمر لأمر فى معنى ، وقيل : هو إخراج الأغمض إلى الأظهر ، وقيل : هو إلحاق شىء بذى وصف فى وصفه. وقيل : هو أن تثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به.

والغرض منه تأنيس النفس بإخراجها من خفى إلى جلىّ ، وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيانا ، وقيل : الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار.

وأدواته حروف وأسماء وأفعال. فالحروف : الكاف ، وكأنه.

والاسماء مثل ، وشبه ، ونحوهما مما يشتق من المماثلة والمشابهة ، ولا تستعمل (مثل) إلا فى حال أو صفة لها شأن ، وفيها غرابة.

والأفعال ، نحو : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) و (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى).

وربما يذكر فعل ينبئ عن التشبيه فيؤتى فى التشبيه القريب بنحو : علمت زيدا أسدا ، الدالّ على التحقيق. وفى البعيد بنحو : حسب زيدا أسدا ، الدالّ على الظن وعدم التحقيق.

وينقسم التشبيه باعتبارات :

الأول ، باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام ، لأنهما إما حسيان ، أو عقليان ، أو المشبه به حسى والمشبه عقلى ، أو عكسه.

مثال الأول : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).

ومثال الثانى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)

٢١١

ومثال الثالث : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ).

ومثال الرابع ، لم يقع فى القرآن ، لأن العقل مستفاد من الحسّ ، فالمحسوس أصل للمعقول ، وتشبيهه به يستلزم جعل الأصل فرعا والفرع أصلا ، وهو غير جائز.

الثانى : ينقسم باعتبار وجهه إلى مفرد ومركب.

والمركب أن ينتزع وجه الشبه من أمور مجموع بعضها إلى بعض ، كقوله : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) فالتشبيه مركب من أحوال الحمار ، وهو حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب فى استصحابه.

الثالث ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام :

أحدها : تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع اعتمادا على معرفة النقيض والضد ، فإن إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة كقوله : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) شبه بما لا يشك أنه منكر قبيح لما حصل فى نفوس الناس من بشاعة صور الشياطين وإن لم ترها عيانا.

الثانى : عكسه ، وهو تشبيه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه ، كقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) الآية. أخرج ما لا يحس وهو الإيمان ، إلى ما يحس ، وهو السراب ، والمعنى الجامع بطلان التوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة.

الثالث : إخراج ما لم تجر العادة به إلى ما جرت ، كقوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) والجامع بينهما الارتفاع فى الصورة.

الرابع : إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها ، كقوله : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) والجامع العظم ، وفائدته التشويق إلى الجنة بحسن الصفة وإفراط السعة.

الخامس : إخراج ما لا قوّة له فى الصفة إلى ما له قوة فيها ، كقوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) والجامع فيهما العظم ، والفائدة إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام فى ألطف ما يكون من الماء ، وما فى ذلك من انتفاع الخلق بحمل الأثقال وقطعها الأقطار البعيدة فى المسافة القريبة ، وما يلازم

٢١٢

ذلك من تسخير الرياح للإنسان ، فتضمن الكلام بناء من الفخر وتعداد النعم.

على هذه الأوجه الخمسة تجرى تشبيهات القرآن.

السادس : ينقسم لاعتبار آخر إلى :

مؤكد ، وهو ما حذفت فيه الأداة ، نحو : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) ، أى مثل مرّ السحاب.

ومرسل ، وهو ما لم تحذف.

والمحذوفة الأداة أبلغ ، لأنه نزل فيه الثانى منزلة الأول تجوزا.

والأصل دخول أداة التشبيه على المشبه به ، وقد تدخل على المشبه ، إما لقصد المبالغة ، فتقلب التشبيه وتجعل المشبه هو الأصل ، نحو : (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) كان الأصل أن يقولوا : إنما الربا مثل البيع ، لأن الكلام فى الربا لا فى البيع ، فعدلوا عن ذلك وجعلوا الربا أصلا ملحقا به البيع فى الجواز ، وأنه الخليق بالحل.

والقاعدة فى المدح تشبيه الأدنى بالأعلى ، وفى الذم تشبيه الأعلى بالأدنى ، لأن الذم مقام الأدنى ، والأعلى طارئ عليه ، فيقال فى المدح : الحصى كالياقوت ، وفى الذم : ياقوت كالزجاج.

وكذا فى السلب ، ومنه : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) ، أى فى النزول لا فى العلوّ.

زوج المجاز بالتشبيه فتولد بينهما الاستعارة ، فهى مجاز علاقته المشابهة ، وهى اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصل.

والأصح أنها مجاز لغوى ، لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ، ولا الأعم منهما ، ف «أسد» فى قولك : رأيت أسدا يرمى ، موضوع للسبع لا للشجاع ، ولا لمعنى أعم منهما كالحيوان الجرىء مثلا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما.

وقيل : مجاز عقلى ، بمعنى أن التصرف فيها فى أمر عقلى لا لغوى ، لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به ، فكان استعمالها فيما وضعت له ، فيكون حقيقة لغوية ليس فيها غير نقل الاسم وحده.

٢١٣

وليس نقل الاسم المجرد استعارة ، لأنه لا بلاغة فيه ، بدليل الأعلام المنقولة ، فلم يبق إلا أن يكون مجازا عقليا.

وقيل : حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شىء معروف بها إلى شىء لم يعرف بها.

وحكمة ذلك إظهار الخفىّ وإيضاح الظاهر الذى ليس يجلى ، أو حصول المبالغة أو المجموع.

مثال إظهار الخفى : (وإنه فى الكتاب) فإنه حقيقته : وإنه فى أصل الكتاب ، فاستعير لفظ الأم للأصل لأم الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول ، وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئىّ حتى يصير مرئيّا ، فينتقل السامع من حدّ السماع إلى حد العيان ، وذلك أبلغ فى البيان.

ومثال إيضاح ما ليس بجلىّ ليصير جليا : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) فإن المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة ، فاستعير للذل أولا جانب ثم للجانب جناحان ، وتقديره الاستعارة القريبة : واخفض لهما جانب الذل ، أى اخفض جانبك ذلا.

وحكمة الاستعارة فى هذا جعل ما ليس بمرئىّ مرئيّا لأجل حسن البيان ، ولما كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقى الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنا ، احتيج فى الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى ، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعانى التى لا تحصل من خفض الجانب ، لأن من يميل جانبه إلى جهة السفل أدنى ميل صدق عليه أنه خفض جانبه ، والمراد خفض بلصق الجنب بالأرض ، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الجناح كالطائر.

ومثال المبالغة : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) ، وحقيقته : وفجرنا عيون الأرض ، ولو عبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما فى الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيوبا.

وأركان الاستعارة ثلاثة :

مستعارة ، وهو لفظ المشبه به.

٢١٤

ومستعار منه ، وهو معنى لفظ المشبه.

ومستعار له ، وهو المعنى الجامع. وأقسامها كثيرة باعتبارات ، فتنقسم باعتبار الأركان الثلاثة إلى خمسة أقسام :

أحدها : استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس ، نحو : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) فالمستعار منه هو النار ، والمستعار له الشيب ، والوجه هو الانبساط ، ومشابهة ضوء النار لبياض الشيب ، وكل ذلك محسوس ، وهو أبلغ مما لو قيل : اشتعل شيب الرأس ، لإفادته عموم الشيب لجميع الرأس.

الثانى : استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلى ، نحو : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) فالمستعار منه السلخ الذى هو كشط الجلد عن الشاة ، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل ، وهما حسيان ، والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط ، وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل ، والترتيب أمر عقلى.

الثالث : استعارة معقول لمعقول يوجه عقلى ، نحو : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) المستعار منه الرقاد : أى النوم ، والمستعار له الموت ، والجامع عدم ظهور الفعل ، والكل عقلى.

الرابع : استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلى أيضا ، نحو : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) استعير المس ، وهو حقيقة فى الأجسام ، وهو محسوس ، لمقاساة الشدة ، والجامع اللحوق ، وهما عقليان.

الخامس : استعارة معقول لمحسوس والجامع عقلى أيضا ، نحو : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) المستعار منه التكثير ، وهو عقلى ، والمستعار له كثرة الماء ، وهو حسى ، والجامع الاستعلاء ، وهو عقلى أيضا.

وتنقسم باعتبار آخر إلى مرشحة ومجردة ومطلقة.

فالأولى : أن تقترن بما يلائم المستعار منه ، نحو : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) استعير الاشتراء للاستبدال والاختبار ، ثم قرن بما يلائمه من الربح والتجارة.

٢١٥

الثانية : أن تقرن بما يلائم المستعار له ، نحو : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) استعير اللباس للجوع ثم قرن بما يلائم المستعار له من الإذاقة ، ولو أراد الترشيح لقال : فكساها ، لكن التجريد هنا أبلغ لما فى لفظ الإذاقة من المبالغة فى الألم باطنا.

والثالثة : لا تقرن بواحد منهما.

وتنقسم باعتبار آخر إلى ، تحقيقية ، وتخييلية ، ومكنية ، واصريحية.

فالأولى : ما تحقق معناها حسّا ، نحو : (فَأَذاقَهَا اللهُ) الآية ، أو عقلا ، نحو : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أى بيانا واضحا وحجة لامعة.

والثانية : أن يضمر التشبيه فى النفس فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى المشبه ، ويدل على ذلك التشبيه المضمر فى النفس بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، ويسمى ذلك التشبيه المضمر : استعارة بالكناية ومكنيها عنها ، لأنه لم يصرح به ، بل دل عليه بذكر خواصه ويقابله التصريحية.

ويسمى ذلك الأمر المختص بالمشبه به للمشبه استعارة تخييلية ، لأنه قد استعير للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به ، وبه يكون كمال المشبه به وقوامه فى وجه الشبه لتخيل أن المشبه من جنس المشبه به. ومن أمثلة ذلك : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ، شبه العهد بالحبل ، وأضمر فى النفس فلم يصرح بشيء من أركان التشبيه سوى العهد المشبه ، ودل عليه بإثبات النقض الذى هو من خواصّ المشبه به وهو الحبل.

ومن التصريحية : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ).

وتنقسم باعتبار آخر إلى :

وفاقية : بأن يكون اجتماعهما فى شىء ممكنا ، نحو : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) ، أى ضالا فهديناه ، استعير الإحياء من جعل الشيء حيا للهداية التى بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب ، والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء.

وعنادية : وهى ما لا يمكن اجتماعهما ، كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه ، واجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع.

٢١٦

ومن العنادية : والتهكمية ، والتمليحية ، وهما ما استعمل فى ضد أو نقيض ، نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أى أنذرهم ، استعيرت البشارة ، وهى الإخبار بما يسر ، للإنذار الذى هو ضده ، بإدخال جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء ، نحو : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) عنوا : الغوىّ السفيه تهكما.

وتنقسم باعتبار آخر إلى :

تمثيلية ، وهى أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد ، نحو : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) شبه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته والنجاة من المكاره باستمساك الواقع فى مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه.

وقد تكون الاستعارة بلفظين ، نحو : (قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) يعنى تلك الاوانى ليست من الزجاج ولا من الفضة ، بل فى صفاء القارورة وبياض الفضة.

وإذا كان التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها ، فإن الاستعارة أبلغ منه لأنها مجاز ، وهو حقيقة ، والمجاز أبلغ ، فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة ، وكذا الكناية أبلغ من التصريح ، والاستعارة أبلغ من الكناية ، لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة ، ولأنها مجاز قطعا. وفى الكناية خلاف.

وأبلغ أنواع الاستعارة التمثيلية ، ويليها المكنية ، ولاشتمالها على المجاز العقلى ، والترشيحية أبلغ من المجردة والمطلقة ، والتخييلية أبلغ من التحقيقية.

والمراد بالأبلغية إفادة زيادة التأكيد والمبالغة فى كمال التشبيه ، لا زيادة فى المعنى لا توجد فى غير ذلك.

٢١٧

٥٩

كناياته وتعريضه

هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة ، وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح.

وعرّفها أهل البيان بأنها لفظ أريد به لازم معناه. وقيل : ترك التصريح بالشىء إلى ما يساويه فى اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم.

وللكناية أساليب :

أحدها : التنبيه على عظم القدرة ، نحو : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) كناية عن آدم.

ثانيها : ترك اللفظ إلى ما هو أجمل ، نحو : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب فى ذلك ، لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه ، ولهذا لم يذكر فى القرآن امرأة باسمها ، على خلاف عادة الفصحاء لنكتة ، وهو أن الملوك لا يذكرون حرائرهم فى ملأ ، ولا يبتذلون أسماءهن ، بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك ، فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر ، فلما قالت النصارى فى مريم ما قالوا صرّح الله باسمها ، ولم يكن تأكيدا للعبودية التى هى صفة لها ، وتأكيدا ، لأن عيسى لا أب له وإلا لنسب إليه.

ثالثها : أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره ، ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول ، والسرّ والغشيان.

وعن ابن عباس قال : المباشرة : الجماع ، ولكن الله يكنى. وعنه قال : إن الله يكنى ما شاء ، وإن الرفث هو الجماع ، وكنى عن طلبه بالمراودة فى قوله : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ).

وعن المعانقة باللباس فى قوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ).

وبالحرث فى قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ).

٢١٨

وكنى عن البول بالغائط فى قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ). وأصله المكان المطمئن من الأرض.

وكنى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام فى قوله فى مريم وابنها : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ).

وكنى عن الأستاه بالأدبار فى قوله : (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ).

وعن مجاهد فى هذه الآية قال : يعنى أستاههم ، ولكن الله يكنى. وأورد قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) وقال : إن المراد به فرج القميص ، والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها : أى لا يعلق ثوبها بريبة فهى طاهرة الثوب ، كما يقال : نقى الثوب ، وعفيف الذيل ، كناية عن العفة ، ومنه : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع فى فرجها ، وإنما نفخ فى جيب درعها.

رابعها : قصد البلاغة والمبالغة نحو : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) كنى عن النساء بأنهن ينشأن فى الترفه والتزين الشاغل عن النظر فى الأمور ودقيق المعانى ، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك ، والمراة نفى ذلك عن الملائكة.

خامسها : قصد الاختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ فعل نحو : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) أى فإن لم تأتوا بسورة من مثله.

سادسها : التنبيه على مصيره نحو : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أى جهنمى مصيره إلى اللهب. (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ) أى نمّامة مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم فى جيدها غلّ.

وهكذا يعدل عن الصرائح إلى الكناية بنكتة كالإيضاح ، أو بيان حال الموصوف ، أو مقدار حاله ، أو القصد إلى المدح أو الذم أو الاختصار أو الستر أو الصيانة ، أو التعمية والإلغاز ، والتعبير عن الصعب بالسهل ، وعن المعنى القبيح باللفظ الحسن.

وقيل : الكناية : أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر ، فتأخذ الخلاصة من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز ، فتعبر بها عن المقصود كما تقول فى نحو : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) إنه كناية عن الملك ، فإن الاستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك ، فجعل كناية عنه.

٢١٩

وكذا قوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين. حقيقية ومجازية.

ومن أنواع البديع التي تشبه الكناية ، الإرداف ، وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظ الموضوع له ولا بدالة الإشارة ، بل بلفظ يرادفه كقوله تعالى : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) والأصل : وهلك من قضى الله هلاكه ، ونجا من قضى الله نجاته ، وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجى كان بأمر آمر مطاع ، وقضاء من لا يردّ قضاؤه ، والأمر يستلزم امرا فقضاؤه يدل على قدرة الأمر به وقهره ، وإن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان على طاعة الأمر ، ولا يحصل ذلك كله فى اللفظ الخاص.

قال بعضهم : والفرق بين الكناية والإرداف : أن الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم ، والإرداف من مذكور إلى متروك. ومن أمثلته أيضا : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) عدل فى الجملة الأولى عن قوله بالسوء : أى مع أن فيه مطابقة ، كالجملة الثانية ، إلى : (بِما عَمِلُوا) تأدبا أن يضاف السوء إلى الله تعالى.

وللتعريض قسمان :

قسم يراد به معناه الحقيقى ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود.

وقسم لا يراد به بل يضرب مثلا للمعنى الذى هو مقصود التعريض كقول إبراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا).

٢٢٠