الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٤

مجهول لدينا ، بل وهو معلوم انه لا يشمل البنات الرضاعيات كما لا تشمل عماتها والخالات ، فلو كن محرمات كما الأمهات والأخوات الرضاعيات لذكرهن في عدادهن ، ولو عمت الضابطة «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» لكان النص بعد ذكر النسبيات «وهن من الرضاعة» دون اختصاص بذكر الأمهات والأخوات!.

وبصيغة أخرى لو كان القصد من ذكر الأمهات والأخوات في حقل الرضاعة الاختصار المناسب للقرآن ، فالأنسب هو الأخصر منه ك «وهن من الرضاعة».

فلا يعني ـ إذا ـ أي اختصار ، إنما هو الاختصار فيهما دون أن يتعدى عنهما.

فالموضوعات الحقيقية الواقعية للأحكام كالأمهات والبنات وما أشبه تتبعها أحكامها كماهيه ، ثم الموضوعات المختلقة كالأدعياء والأمهات بالمظاهرة أماهيه ، هي مردودة قطعا ، والموضوعات المنزّلة منزلة الواقعيات محصورة بحصارات أدلتها ومنها موضوع الرضاعة ، ولم تنزل منزل الواقع إلّا (أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) فليقتصر التنزيل بهما ، فالتعدي عنهما الى سائر السبعة تعدّ عن طور الشرعة الإلهية ، وحتى إذا كانت نصوص متواترة تعتبر موضوعات الرضاعة كعديد السبعة لكانت مردودة بمخالفة الآية ، فضلا عن طليق الرواية «إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب»!.

فنحن واقفون في التحريم موقف النص دون توسيع له ولا تضييق حيث لا يقبلهما.

فالبنات من الرضاعة محللات وهن من الزنا محرمات لصدق البنات هنا دونما هناك.

٣٨١

وأما الضابطة «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فإنما تجري في موارد الشبهة دون القطع ، ولا ينقطع النسب في غير وليد الحلال إلا في الميراث ـ إن صح ـ حسب النصوص فيما يشتبه فقط دون سواه من أحكام النسب.

٣ (وَأَخَواتُكُمْ) من حل أو حرام أو شبهة ، من الوالدين أو من أحدهما ما صدقت «أخواتكم» وتحريم الأخوات على الاخوة حكم حدث منذ تحقق النسل الثاني قضاء لنحبه ثم حرمت مع الأبد ، وقد تعنيه ـ فيما عنت ـ (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) كما سلف.

ف «أخواتكم» لا تشمل أخوات أخواتكم من غير والديكم أو أحدهما ، كأخت لأخت لك من أب هي أخت لها من أم ، فلا تتصل هي إليك لا بأب ولا بأم وإنما بأخت لك من أب ليس يجعلها أختك ، فهي حل لك لخروجها عن «أخواتكم».

٤ ـ ٥ (وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ) وهن أخوات الآباء والأمهات مهما علوا أو نزلوا ، سواء كانت الأخوة من الوالدين أم أحدهما ما دامت هي أخت الأب أو الجد والجدود ، أم أخت الأم والجدة والجدات.

ذلك ، وأما عمات العمات أو خالات الخالات فإنما تكون محرمات إن كن عمات لك أو خالات ، ولكن عمات الآباء والأمهات وخالاتهم هن كلهن محرمات.

ثم العمات والخالات الرضاعيات غير محرمات كما البنات الرضاعيات ، لأنهن خارجات عن النسبيات ، وعن الرضاعيات الخاصة بالأمهات والأخوات.

٦ ـ ٧ (وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) وهن البنات النسبيات دون سواهن من بنات دعيات أو رضاعيات ، وحين تحل البنات الرضاعيات لصاحب اللبن أفلا تحل بنات الأخ وبنات الأخت الرضاعيات.

٣٨٢

٨ ـ ٩ (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) وتراهن الأمهات اللاتي ولدنكم أنهن محرمات عليكم شرط أن يرضعنكم؟ طليق ذكرهن في بداية المحرمات يناحر ذكرهن مقيدات بعد ختام النسبيات ، فإنه تكرار منكور ومحظور.

ولماذا هنا «أمهاتكم» دون «النساء» علّه للتأشير إلى شرط تداوم مّا في الإرضاع وقد قرر في السنة بما يشد العظم وينبت اللحم وبالعدد والزمان ، كما و (أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) مشيرة نفس الإشارة.

فالإرضاع هو مادة الإلحاق للأمهات والأخوات الأغارب بالنسبيات في أصل الحرمة الطليقة دون سائر أحكام الأمومة والأخوة كالميراث وحرمة زواج بناتهن أو ما أشبه إلا بنات الأمهات نسبيات ورضاعيات فإنهن من أخواتكم من الرضاعة.

فالأم المرضعة بذلك النص محرمة على الرضيع ، فهل تحرم ـ كذلك ـ بنتها وأمها وأختها؟ قضية اختصاص الحرمة باللاتي أرضعنكم عدم الحرمة في غيرهن من نسيباتهن المحرمات في حقل النسب.

ولكن (أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) قد تشمل بنات المرضعات ، ف «من الرضاعة» هنا تحرم فقط الأخوات منها ، سواء أكن بنات المرضعة أم أغارب أرضعتهن أمهاتكم اللاتي ولدنكم ، أم أرضعن ذكرانا أعارب فتحرم عليهم بنات المرضعة حيث تصدق عليهن (أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) حيث الرضاعة تعم إرضاع الأخوات أم إرضاعكم ، كما تعم مثلث الأخوات من أبوين أم أم أو أب.

فكل ذكر وأنثى حصلت بينهما الرضاعة حرم النكاح بينهما سواء كانت لهما

٣٨٣

أو لأحدهما حيث «الرضاعة» طليقة في هذا البين دون أن تختص بالبنت الرضيعة.

ذلك وأما أخوات تلكم الأخوات أم غيرهن من النساء فلا يحرمن ما لم يصدق عليهن (أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) كما و (أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) لا تشمل أمهاتهن إذ لسن من اللاتي أرضعنكم.

و «الرضاعة» هنا هي الرضاعة التي بها الأمومة فتضيق إذا دائرتها في حقل الحرمة فلا تعدو المذكورين الى غيرهما من سائر الخمسة ، لأنهم بعيدون عن تلك الرضاعة (١).

والرواية الشهيرة «إن الله يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» (٢)

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤٦٢ في الخصال عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد (عليهم السلام) قال سئل أبي (عليه السلام) عما حرم الله تعالى من الفروج في القرآن وعما حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنته! فقال : «الذي حرم الله من ذلك أربعة وثلاثين وجها سبعة عشر في القرآن وسبعة عشر في السنة فأما التي في القرآن فالزنا ... ونكاح امرأة الأب وأمهاتكم ...» إلا ما قد سلف والحائض حتى تطهر والنكاح في الاعتكاف وأما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا وتزويج الملاعنة بعد اللعان والتزويج في العدة والمواقعة في الإحرام والمحرم يتزوج أو يزوج والمظاهر قبل أن يكفر وتزويج المشركة وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات وتزويج الأمة على الحرة وتزويج الذمية على المسلمة وتزويج المرأة على عمتها وخالتها وتزويج الأمة من غير إذن مولاها وتزويج الأمة على من يقدر على تزويج الحرة والجارية من السبي قبل القسمة والجارية المشركة والجارية المشتراة قبل أن تستبرئها والمكاتبة التي قد أدت بعض المكاتبة.

أقول : الرواية على ما فيها من إيرادات دلت على أن الخمسة الباقية غير داخلة في نشر الحرمة بالرضاعة.

(٢) لقد ورد هذا الحديث بألفاظ عدة منها ما في الدر المنثور ٢ : ١٢٥ ـ أخرج عبد الرزاق وأبن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.

٣٨٤

__________________

ـ وفي وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٠ ـ ٣٠٩ ـ أبواب ما يحرم بالرضاع كالتالي :

ففي (٢٨٠ : ١) عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، و ٢٨١ : ٢ عن أبي عبد الله (عليه السلام) يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة ، وح ٥ عنه (عليه السلام) ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع ، هذه أربعة ألفاظ في المسألة ، رواها ثمانية أشخاص عن الصادقين (عليهما السلام) وهم بريد العجلي عن الباقر (عليه السلام) وعبد الله بن سنان وأبو الصباح الكناني وداود بن سرحان وعبيد بن زرارة وابن سنان والحلبي وعثمان بن عيسى عن الصادق (عليه السلام) فهي ـ إذا ـ مستفيضة دون التواتر والمعنى واحد تحمله ألفاظ أربعة ، وقد قيدتها الآية بالأمهات والأخوات من الرضاعة فلا تتوسع الى سائر السبعة.

ذلك وأما حرمة الخالة الرضاعية عن الولد الرضاعي كما تدل عليها موثقة عمار الساباطي عن ابن محبوب بواسطة هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاعة؟ قال : فقال لا فقد رضعتا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة ، قال قلت فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة فقال : «لا بأس بذلك ان أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير الفحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس» (التهذيب ٢ : ٢٠٥ والكافي ٥ : ٤٤٢) فهي مخالفة للآية

ومن الروايات المقيدة ما في الوسائل ١٤ : ٢٩٧ ح ١١ عن بسطام عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: لا يحرم من الرضاع إلا الذي ارتضع منه

أقول : وهو الرضيع على المرضعة ، وكذلك على بنات المرضعة ، وأما أبو الرضيع فلا يحرم على المرضعة وكذلك أخت المرضعة وأمها وسائر السبعة إلا المذكورين في الآية كما هنا.

ومنها ٢٩٧ ح ١٢ عن عبد الله بن أبان الزيات عنه (عليه السلام) قال : سألته عن رجل تزوج ابنة عمه وقد أرضعته ام ولد جده هل تحرم على الغلام؟ قال : لا.

وأما ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في ابنة الأخ من الرضاع لا آمر به أحدا ولا أنهى عنه وأنا أنهى عنه نفسي وولدي فقال : عرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنة حمزة فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : ابنة أخي من الرضاع» فنهي لا تلائم القرآن فإن الأخ من الرضاع ليس من موضوعات التحريم ـ

٣٨٥

لا تستطيع توسيعا لدائرة التحريم أكثر مما نصت عليه الآية كما في رواية التعديد فإنما الآية هي التي تخصص عموم هذه الرواية وأمثالها فلو كانت المنزلة عامة كما في الرواية لعمت ـ وبأحرى ـ في الآية ، دون اختصاص بذكر موردين من السبعة إهمالا للباقية ، إذا فالآية نص في اختصاص الحرمة بهما.

__________________

ـ لأخيه ، ولو كان منها فابنة الأخ من الرضاع خارجة عن التحريم.

ومثلها المحرمة العمة والخالة من الرضاعة ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمها ولا خالها من الرضاعة.

وكذلك ما رواه مسعدة بن زياد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): يحرم من الإماء عشر ـ الى أن قال ـ : ولا أمتك وهي عمتك من الرضاعة ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة ولا أمتك وهي أختك من الرضاعة ولا أمتك وهي ابنة أخيك من الرضاعة الحديث. فإنها وأمثالها لا تلائم القرآن الحاصر نشر الحرمة بالرضاعة في الأمهات والأخوات.

وقد يقال : إذا صدقت على التي أرضعتك انها أمك فأختها خالتك وأخوها خالك وكذلك أخوك وأختك من الرضاعة فأولادهم أولاد أخيك وأختك ، فالسبعة إذا مطوية في هاتين فإن أخت أبيك من الرضاعة عمتك وأخت أمك من الرضاعة خالتك ، وبنت أخيك وأختك من الرضاعة هما بنتا أخيك وأختك وبنت زوجتك من الرضاعة هي بنتك.

ذلك لأن (أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) تدخلهن في أصل الأمهات وأخواتكم من الرضاعة تدخلهن في حقل الأخوات ، فسائر السبعة ـ إذا ـ داخلة في الحكم!

هذا ولكن اختصاص هاتين بالذكر مما يوهن هذا لتوجيه ، فلو كان القصد ذكر نموذج لكان يكفي «هن من الرضاعة» دون أن تختص بالذكر دون سائر السبعة!

فالأشبه هو عدم التحريم في الخمسة غير المذكورة وإن كان الاحتياط حسنا على كل حال.

فالأحاديث الدالة على انحصار نشر الحرمة ـ موافقة للآية ـ ثلاثة ، ثم الأحاديث الدالة على عدم الانحصار أيضا ثلاثة أو تزيد مثلما قد تدل على نشر الحرمة في غيرهما كما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح : أقول : وليس ذلك إلا لأن امرأته تصبح الأم الرضاعية لزوجته ، وهي تصبح بنتا رضاعية لزوجها.

ولكن (أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) لا تشمل أمهاتهن الرضاعية ، وكذلك البنت الرضاعية غير محرمة.

٣٨٦

والقول أن (أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) نموذج عن المحرمات بقرابة الولادة و (أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) عن المحرمات بقرابة الأخوة ، وذلك تجاوب بيّن بين الآية والرواية(١).

إن ذلك القول غول لا يصغى إليه إذ لا ولادة ولا أخوة في حقل الرضاعة ، وكون كل منهما نموذجا عما يقابله في حقل الولادة أو الأخوة تخرص بالغيب ، ولا يليق هكذا إجمال بكتاب البيان! ثم لا أخوة في العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ولو كان الشمول هو المقصود لجاء بصيغة أظهر وأخصر ك «وهن بالرضاعة».

ولأن التحريم الرضاعة تلحيقا لها بالولادة تعبدي فليقتصر فيه على مورد النص والتعدي عنه تعد عن حكم الله.

وهل الرضاعة المحرمة هي ما صدقت وإن مرة أو جرعة ، ثم وإن كانت في غير سنّي الرضاعة؟ ظاهر «أمهاتكم» دون «النساء» و (اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) وكذلك (أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) الظاهر منهما كالنص شرط تداوم مّا في الرضاعة تصدق فيه الأمومة والأخوة ، إذا ف «أرضعنكم» لحد سمين أمهات ، و (مِنَ الرَّضاعَةِ) لحد سمين أخوات.

ذلك ، فلا بد لحد في الرضاعة عدة أو مدة أم قوة ، لا تعرف إلّا بالسنة ، والثابت بها كأصل هي التي تنبت اللحم وتشد العظم (٢) وقد تعني

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤٦٢ في الخصال عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال : سئل أبي (عليه السلام) عما حرم الله تعالى من الزواج في القرآن وعما حرم رسول الله في سنته ، حيث عدما في القرآن وما في السنة ولم يذكر من محرمات الرضاع غير ما ذكر في القرآن ، فقد قيدت رواية عموم المنزلة بها كما قيدت بنص القرآن.

(٢) كما في صحيحة علي بن رئاب عن الصادق (عليه السلام) قال «قلت له ما يحرم من الرضاع؟ ـ

٣٨٧

رواية يوم وليلة وخمس عشرة رضعة القدر المعدل لنبت اللحم وشد العظم.

والقول أن طليق الآية تشمل عشرا (١) أو خمسا (٢) مروية لصدق الرضاع فيهما ، مردود بأن الصادق من الرضاع هو الذي تصدق فيه الأمومة والأخوة ، ولو لم تدل السنة على الحدود الثلاثة لكان حقا أن يخلد بخلد أنه يتطلب أياما أو أسابيع ، فليقبل الأكثر حدا ، والثابت بالسنة شد اللحم والدم والعظم ، وهو اللائق بصدق الأمومة والأخوة حيث الحاصل بالرضاع زيادة في الجسم يحق فيها

__________________

ـ قال : ما أنبت اللحم وشد العظم قلت فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا لأنها لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات» (التهذيب ٧ : ٣١٣ والإستبصار ٣ : ١٩٥) وصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) ـ الى أن قال ـ قلت فما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : كان يقال عشر رضعات فقلت فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال : «دع ذا وقال ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب» (المصدر) وفي خبر حماد بن عثمان في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم» (التهذيب ٢ : ٢٠٣)

أقول : «كأن هناك ملازمة بين شد العظم ونبت الدم واللحم» وعلى أية حال فلا عبرة ـ كأصل ـ بعديد الرضعات ومديدها إلا ما أنبتت اللحم والدم وشد العظم ، فقد يرتضع الرضيع عشرين مرة في أقل أو أكثر من يوم وليلة ولا تسوى كل رضعة إلا خمسا أو عشرا ، وقد يرتضع خمسا تقابل الثلاثين ، كما وقد يرتضع يوما وليلة أقل من عشر أو خمس رضعات هي لا تنبت اللحم والدم ولا تشد العظم ، فإنما التقدير بالعدة والمدّة هو كتقدير حد السفر بثمانية فراسخ ، هو كعلامة لمسيرة يوم بأغلب السير والغالب على المسير ، وهنا علامة لنبت اللحم والدم وشد العظم.

وفي الحق ان ذلك أقل ما يصدق فيه الأمومة والأخوة.

(١) ذلك وأما رواية العشرة عن الباقر (عليه السلام) لا يحرم من الرضاع إلا المخبور ، قلت وما المخبور؟ قال : «أم تربي أو ظئر تستأجر أو أمة تسري ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام» (التهذيب ٧ : ٣١٥ والإستبصار ٣ : ١٩٦) فهي معارضة بما تقدمت وعلامة التقية فيها واضحة كما في صحيحة عبيد بن زرارة.

(٢) روايات الفريقين مختلفة في الحد العددي بين رضعة وثلاث وخمس وعشر وخمس عشرة والمعتمد هو الأخيرة كعلامة لنبت اللحم والدم وشد العظم.

٣٨٨

صدق الأمومة والأخوة (١) وأصالة الحل تقضي به ما لم يتيقن الحد الواجب في حق الرضاعة المحرّمة ، إذ لا إطلاق في «أرضعنكم ـ و ـ من الرضاعة» حيث «الرضاعة» تعني قدر ما في «أرضعنكم».

وحصيلة البحث عن حدود نشر الحرمة بالرضاعة أن التنزيل في الآية مختص بالأمهات والأخوات من الرضاعة ، ولأن ذلك التنزيل ليس إلا في حقل حرمة الزواج فليس الأمهات والأخوات إلّا موضوعين لحرمة الزواج في خصوصهما دون سائر التعلقات سواء في الزواج أم سواه.

فقد تقتصر الحرمة بذوات الأمهات والأخوات من حيث الزواج ، دون سائر التعلقات حتى تشمل سائر السبعة.

إذا فحجة الكتاب بالغة في اختصاص نشر الحرمة من الرضاعة بالموضوعين لا سواهما من سائر السبعة.

ملحوظة : إن أصل التحريم في النسب هو الاتصال بالولادة مستقلا كولد أو مشتركا كإخوة من أب أو أم أو منهما ، وذلك يوجب التحريم مهما علت الولادة أم نزلت ولكن الرضاعة بديلة عن النسب هي محدودة موضوعا وحكما سعة وضيقا بما حدده الشارع وقد حد الاتصال بالرضاع مستقلا كالرضيع بالنسبة للمرتضعة دون نزول وصعود ، او مشتركا كاتصال ذكر وأنثى في الرضاعة فهناك

__________________

(١) كما في رواية ابن عمير عن بعض أصحابنا رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرتضع حتى يتضلع ويمتلئ وينتهي بنفسه» (التهذيب ٢ : ٢٠٤) وعن أبن أبي يعفور قال سألته عما يحرم من الرضاع؟ قال : «إذا رضع حتى يمتلي بطنه فإن ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الذي يحرم» (المصدر والإستبصار ٣ : ١٩٥).

أقول : وذلك مشروطة في كل الرضعات إلا الأقل الذي ينبت اللحم والدم ويشد العظم في مجموعه.

٣٨٩

الأمومة وهنا الأخوة ، ثم لا يعدو ذلك الاتصال الى غير أنفس المتصلين لاختصاص الموضوع ب (أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ).

ومن شروط الرضاعة في نشر الحرمة أن تكون في سنتيها حيث (الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ـ ثم (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ثم لتكن «من لبنك ولبن ولدك» (١) حملا كان أو فصيلا فإن لبن الحمل صادق عليه انه لبن الولد.

والظاهر من «يرضعن» و «الرضاعة» أن تكون بالثدي امتصاصا منه ، وكما الرضعة الواردة في بعض الروايات لا تعتبر إلا في الحد العددي والزمني دون الحد الأصيل وهو نبت اللحم والدم وكما في نصوصهما.

وحصيلة البحث حول الرضاعة أنها تحرم ـ فقط ـ المرضعة وأولادها على الرضيع دون سائر المنتسبين في السبع المحرمة ، وقد تؤيده فذلك الرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٢).

وهذه هي «الرضاعة» التي قال الله «وأخواتكم عن الرضاعة» أي تلك الرضاعة التي بها الأمومة الرضاعية.

__________________

(١) وكما في النبوي المعروف «لا رضاع بعد فطام» (الكافي ٥ : ٤٤٣) ورواية حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله وفيه قلت : جعلت فداك وما الفطام؟ قال : «الحولان اللذان قال الله عز وجل» (الكافي ٥ : ٤٤٣ والتهذيب ٢ : ٢٠٥).

(٢) كما في صحيحة عبد الله بن سنان وحسنه ابن هاشم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لبن الفحل قال : «هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك وله امرأة أخرى وهو حرام» (الكافي ٥ : ٤٤٠) وصحيحة بريد العجلي عن الصادق (عليه السلام) «كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من غلام أو جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يحرم من الرضاع يحرم من النسب» (الفقيه باب الرضاع رقم ٥).

٣٩٠

(.. وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ..)

الأمهات هنا هن النسبيات لاختصاص التحريم في الرضاعة باللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ، ثم وحرمة أمهات النساء ليست في حقل النسب حتى تلحق به أمهاتهن من الرضاعة بعامة حديث الإلحاق ، المخدوش في عمومه ، بل هي حرمة بالمصاهرة.

ذلك ، وكما تشمل جدات النساء مهما علون ، من أمهاتهن أو آبائهن ، ولكنها لا تشمل الموطوءات بسفاح أو شبهة إذ لسن «نساءكم».

ونساءكم في مرتيها تعم الدائمات والمنقطعات كبيرات وصغيرات ، بل والمملوكات والموهوبات لمكان طليق النساء دون خصوص المعقودات ، لكنهن في حقل الربائب مقيدات بالمدخول بهن ونساءكم الأولى طليقات تشمل غير المدخول بهن.

أترى الروايات المقيدة لهن كما في أمهات الربائب بالمدخول بهن تصلح ـ بعد ـ لتقييد النساء الأولى؟ كلا ، فإنها مع ابتلائها بمعارضاتها ، ليست لتقيدهن فإنهن في نص الإطلاق طليقات.

أترى أمهات النساء أكثر في حقل الزواج أم الربائب؟ طبعا لا نسبة بينهما حيث الأمهات هن عشرات أضعاف الربائب ، فلو كان القيد في النساء الثانية قيدا للأولى لكانت أحرى بالذكر من الثانية.

وتأويل «من» بتعلقها ب «نساءكم» الأولى بيانا كما تعلقت بالثانية نشويا وابتداء حيث إن أمهات النساء لسن من النساء والربائب هن من النساء ، إنه تأويل عليل لا يروّي الغليل ، لا ـ فقط ـ لاختلاف المعنيين لكلمة واحدة في مختلف التعلقين.

٣٩١

لأن عناية أكثر من معنى واحد في استعمال واحد لكلمة صالحة غير محظور لمقام جمع الجمع الرباني ، بل لحضاضة التعلق الأول في صراحة (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فإن «من» لا تصلح نشويا للأمهات حيث لا ينشأن من البنات ، ولا بيانا لهن ، فإن (مِنْ نِسائِكُمُ) لا تصلح بيانا للأمهات ، ولا بيانا للنساء فإنه تحصيل للبيان الحاصل بذكر النساء ، وإنما يصح الحذف فيما إذا كان الذكر صالحا ، ولا تصلح (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ... مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) إنما هو (نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ).

ذلك! فضلا عن التلميح به ضمن الظاهر من ثاني التعلقين ، ثم الفصل بين النسائين مما يجعل مثنى التعلق خفاء في البيان وجفاء في كتاب التبيان ، وساحة القرآن براء من هذه التحذلقات الخفية التي هي في نفس الوقت ركيكة!.

ذلك إضافة الى لزوم وصف واحد لموصوفين مختلفي العامل حيث الأول مجرور بالإضافة والثانية بمن.

فلو كان القيد جاريا في الأولى كما الثانية لكان صحيح التعبير وفصيحه «وأمهات نساءكم اللاتي دخلتم بهن وربائبكم اللاتي في حجوركم من هؤلاء النساء ـ أم ـ واللاتي دخلتم بهن» دون أن يهمل تقييد الأولى التي هي أحرى من الثانية اعتمادا بتحمل «من» ذلك التعلق ـ التحذلق الركيك ـ بالأولى ، فضلا عن الاعتماد بالروايات المقيدة المعارضة بترك القيد (١) ومع الغض عن كل

__________________

(١) كما في آيات الأحكام للجصاص ٢ : ١٥٦ بسند متصل عمرو بن شعيب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها وإن لم يدخل بها فينكح ابنتها وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها»

وفي الدر المنثور ٢ : ١٣٥ ـ أخرجه من عدة طرق عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ـ

٣٩٢

هذه المبعدات لذلك التعلق نقول لو صح تعلق «من» بالأولى في نفسها فلا يصح هنا حيث الأولى في نفسها طليقة والثانية مشروطة بقرن الشرط ، فاشتراط الأولى تقييد بلا دليل ، فقصده دون ظاهر الدليل إلا احتماله خلاف الفصيح وخلاف الصحيح في كتاب التبيان.

فالقوي قولا واحدا دون أحوط وأقوى حرمة أمهات النساء مدخولات وغير مدخولات ، ولتضرب الروايات المقيدة لهن بالمدخولات عرض الحائط (١)

__________________

ـ إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالابنة أو لم يدخل وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة.

وفي تفسير العياشي ١ : ٢٣٠ عن أبي حمزة أنه سأل مولانا الباقر (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأةوطلقها قبل أن يدخل بها أتحل له ابنتها؟ فقال (عليه السلام) : قد قضى في ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) لا بأس ان الله يقول : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها قال قلت : أليس هما سواء؟ قال فقال : لا ـ ليس هذه مثل هذه إن الله عز وجل يقول : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ولم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هاهنا مبهمة وتلك ليس فيها شرط.

وعن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه إن عليا (عليه السلام) كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهن فحرموا ما حرم الله وأبهموا ما أبهم الله (التهذيب ٧ : ٢٧٣ والإستبصار ٣ : ١٥٦ والعياشي ١ : ٢٣١).

وفي التهذيب ٢ : ١٢٩ موثقة أبي بصير قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها؟ فقال : «تحل له ابنتها ولا تحل له أمها».

(١) كما في صحيحة منصور بن حازم قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أيتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) قد فعله رجل ما فلم نر به بأسا ، فقلت جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي (عليه السلام) في هذه الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك ثم أتى عليا (عليه السلام) فسأله فقال له ـ

٣٩٣

كالرواية المطلقة للحرمة دون شرط الدخول ولا النكاح القائلة «من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا أبنتها» (١).

فجملة القول في (نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) انه لا يصح في مذهب

__________________

ـ علي (عليه السلام) من أين أخذتها؟ قال : من قول الله عز وجل (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ...) فقال : إن هذه مستثناة وهذه مرسلة (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) فقال للرجل : أما تسمع ما يروى هذا من علي (عليه السلام) فلما قمت ندمت وقلت : أي شيء صنعت؟ يقول هو قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا وأقول : قد قضى علي (عليه السلام) فيها فلقيته بعد ذلك فقلت له : جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي قلت زلة مني فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ؟ تخبرني أن عليا (عليه السلام) أفتى فيها وتسألني ما تقول فيها(الكافي ٥ : ٤٢٢ والتهذيب ٢ : ١٩٢) أقول : قد ردت قصة ابن مسعود في الدر المنثور ٢ : ١٣٥ عن جماعة عن أبي عمرو والشيباني أن رجلا من بني شمخ تزوج امرأة ولم يدخل بها ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارقها ثم يتزوج أمها ففعل وولدت له أولادا ثم أتى ابن مسعود المدينة فسأل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : لا تصلح ، فلما رجع الى الكوفة قال للرجل : إنها عليك حرام ففارقها ، وفيه مثله عن ابن مالك عن ابن مسعود بزيادة فأخبر أنه ليس كما قال وإن الشرط في الربائب فرجع ابن مسعود الى الكوفة فلم يصل الى بيته حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارقها.

وما رووه عن علي (عليه السلام) بخلاف ذلك فرية عليه (عليه السلام) كما في المصدر عنه في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها؟ قال : هي بمنزلة الربيبة!.

وصحيحة جميل وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : الأم والأبنة سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن دخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء تزوج ابنتها(الكافي ٥ : ٤٢١ والتهذيب ٢ : ١٩٢ والإستبصار ٣ : ١٥٧).

وموثقة محمد بن إسحاق بن عمار قال قلت له : رجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحل له أمها؟ قال : «وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها» (التهذيب ٢ : ١٩٢).

(١) الدر المنثور ٢ : ١٣٧ ـ أخرج ابن أبي شيبة عن أبي هاني قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ...

٣٩٤

الفصاحة ولا سيما القمة القرآنية تعلق «من نساءكم» بنسائكم الأولى مع الثانية لركاكته في نفسه ، وان قيد الجملة المستقلة الثانية ليس ليعم الجملة الأولى ، ولا سيما إذا أصبح وصفا لموصوفين مختلفي العامل ، وهو لأقل تقدير إشارة خفية الى التعلق بالنساء الأولى ، رغم ان بيانه الصراح أحرى من الثانية ، فلا يتحمل إطلاق الأمهات في الآية ذلك القيد المقحم في روايات هي في أنفسها معارضة بأخرى هي أحرى بالتصديق لموافقة الكتاب.

(وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ)

الربيبة هي بنت الزوجة من غيره اعتبارا بأنها تربّى في حجر الزوج بطبيعة الحال ، و (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) هي حكمة لتحريمهن على الزوج ، وليست علة يدار معها الحكم ، بل هي حكمة غالبية أنها تربى في حجرك كسائر بناتك فكيف يحل زواجها ، وكيف تكون غير ذات محرم!.

ومما يحكم عرى التحريم هو الدخول بأمهاتهن : (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فهو الذي يدار عليه الحكم أينما دار ، سواء أكانت الربائب في حجوركم أم لم يكنّ ، وسواء كن مولودات قبل زواجكم أم بعد تطليقهن وزواجهن بأزواج آخرين ، حيث (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) تشمل ماضي الدخول ومستقبل الربائب كماضيهن.

فالزوجة التي دخلت بها فيما مضى تحل بنتها من غيرك وإن أتت بها بعد تطليقها حيث يصدق أنها (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) لمكان مضي الدخول وهو صادق في مضي الزواج.

ومما يبرهن أن قيد (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) غالبي للتأشير الى حكمة في الحكم صراح المفهوم (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) دون زيادة : «ولم يكن في

٣٩٥

حجوركم» مما يؤكد أن (فِي حُجُورِكُمْ) ليست قيدا للحكم ، وإنما هو فقط (دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) الآتية في معاكسة الحكم ب (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ولو كان ل (فِي حُجُورِكُمْ) دخل في التحريم لسلب في المفهوم المصرح به كما سلب الدخول ، بل وقيد (فِي حُجُورِكُمْ) أحرى بذكره في المنطوق الناطق عن المفهوم من قيد (دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فإن ذلك قيد لموضوع الحكم وهذا قيد لشرط الحكم ، فإما إن يتركا معا أو يذكرا معا ك «فإن لم تكونوا دخلتم بهن او لم يكن في حجوركم».

ثم ولا وجه لانقلاب المفهوم منطوقا في (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) إلا بيان أنه هو القيد فقط لا سواه.

ففي ذكر «حجوركم» رجاحة التذكير لحكمة التحريم ، وفي نطاق المفهوم ضرورة التبيين أن (فِي حُجُورِكُمْ) ليس شرطا في الحكم.

فالدخول بالأم هو ـ فقط ـ يحرم البنت دون امر آخر ، سواء أكن في حجوركم أم لا (١) أم نظرتم الى الأم ولمستم دون دخول أم لا خلافا للصحيحة (٢) فإنها غير صحيحة بمخالفة الآية وصحيحة أخرى.

__________________

(١) فلا ينظر الى ما اختلق على علي (عليه السلام) كما في الدر المنثور أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك ابن أوس بن الحدثان قال كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقيني علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال مالك؟ فقلت توفيت المرأة فقال علي لها ابنة؟ قلت : نعم وهي بالطائف ، قال : كانت في حجرك؟ قلت : لا قال فانكحها قلت فأين قول الله (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)؟ قال: إنها لم تكن في حجرك إنما كان ذلك إذا كانت في حجرك.

(٢) وهي صحيحة ابن مسلم «من تزوج امرأة فنظر الى رأسها والى بعض جسدها أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ـ إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها» (التهذيب ٢ : ١٩٤).

وتعارضه صحيحة العيص سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل باشر امرأة وقبل غير أنه لم يفض ـ

٣٩٦

فحين ننظر الى هذه القيود الأربع ، لا نجد أصالة في التحريم إلا في قيدي الزوجية والدخول بالزوجة فتحرم بنتها ، وأما كونها ربيبة تربت عند الزوج وكونها في حجر الزوج ، فهما قيدان غالبيان ، كحكمتين حكيمتين تحكّمان التحريم كما يدل عليه صراح المفهوم (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ) فلو كان للتربية في الحجور دخل في الحرمة لكان الحق ذكرها مع الدخول ، ثم ولا نعرف فرقا بين كونهن في حجوركم وعدمه في تحريمها إن دخلت بأمها.

ورجوع الضمير الى النساء المقيدة بالربائب في الحجور لا يجمع التربية الى شرط الدخول بتخيل الاكتفاء بذكر (رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) من ذي قبل ، إذ كان يكتفي ـ وبأحرى ـ عن شرط الدخول بذكره من ذي قبل كأصل ، فإما ألا يذكر المفهوم اكتفاء بالمنطوق ككل ، أو أن يذكر بكل القيود المشروطة في التحريم ، إما بإجمال ك «وإلا فلا جناح» أم بتفصيل ك «وإن لم تكونوا دخلتم بهن ولم يكن ربائب في حجوركم فلا جناح» دون أن يفصل بين قيدي التحريم ذكرا لأحدهما في صراح المفهوم وإهمالا للآخر ، حال أن أصالة شرط الدخول أوضح بكثير من شرط الحجور.

ثم إن شبهة الغالبية في قيد التربية واردة دون الدخول ، فكيف يهمل مورد الشبهة ويصرح بما لا شبهة فيه.

أفبعد كل ذلك تبقى شبهة في عدم تدخل التربية في الحجور في نشر الحرمة ، والروايات المتعارضة تعرض على نص الآية فتصدق الموافقة لها

__________________

ـ إليها ثم تزوج بنتها؟ فقال (عليه السلام) «إذا لم يكن أفضى الى الأم فلا بأس وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها» (الكافي ٥ : ٤١٥).

٣٩٧

وتكذّب المعارضة (١).

وترى أن السفاح أو وطئ الشبهة قبل الزواج يلحق بالدخول ، فتحرم بنت الموطوءة وان لم يدخل بها بعد الزواج؟ (مِنْ نِسائِكُمُ) تقيّد الدخول المحرم بحالة الزوجية ، ولو ان مجرد الوطء كان هو المحرّم دون تدخّل للزوجية لكان صحيح التعبير «من النساء اللاتي دخلتم بهن» دون (مِنْ نِسائِكُمُ ...)!.

ثم ترى (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) في طليق نفي الجناح هل تسقط شريطة طلاق الأم؟ فإن نكح الربيبة قبل طلاق الأم صح وانفصلت الأم دون طلاق إذ تصبح ـ إذا ـ أم الزوجة!.

قد يقال : لا ، فإن نفي الجناح هنا واقع في مسرح الجناح الذاتي المداوم في تلكم المحرمات ، فهي ك (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) حيث لا تحلل وراء المحرمات الذاتية دون شرط ، كما وان «فلا جناح» هنا لا تحلل الربائب دون عقد أو شروط أخرى هي لزام حاضر الحل.

وانفصال الأم ـ دون طلاق ـ بنكاح البنت منوط بصحة هذا النكاح قبل طلاق الأم ، ولا تصححه «لا جناح» وإنما تسمح بنكاحها بشروطه.

والقول : إن الجمع بين الأم والبنت ليس محظورا حتى يبطل نكاح البنت لأنها تحقق الجمع ، مردود بأن ذلك النكاح بحاجة إلى دليل الجواز كسائر

__________________

(١) لقد مضت معارضة اختلقت على الإمام علي (عليه السلام) وهنا ما تعارضها موافقة للمستفاد من الآية كما روى عن الباقر (عليه السلام) انه قال «ان عليا (عليه السلام) كان يقول الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور ، وفي خبر آخر عنه (عليه السلام) كن في الحجور أو لم يكن» (التهذيب ٧ : ٢٧٣ والإستبصار ٣ : ١٥٦ والعياشي ١ : ٢٣١ وفي الفقيه ٣ : ٢٦٢) وقال علي (عليه السلام) الربائب عليكم حرام كن في الحجر أو لم يكن.

٣٩٨

النكاح ، والجواز ذاتيا لا يجوزه قبل طلاق الأم ، وعمومات جواز النكاح قد لا تشمل أمثال هذه الموارد الغريبة.

وانفصال أم الزوجة بلا طلاق بعد الإسلام إذا كان جامعا بينهما قبل الإسلام ، لا يدل على جواز نكاح بنتها ـ قبل طلاقها ـ بعد الإسلام.

ووجود النظائر للانفصال دون طلاق بأدلتها قد لا يدلّ على هذا الانفصال دون دليل ، ولا سيما أن أصل نكاح البنت قبل طلاق أمها غير ثابت الجواز حتى يتحدث عن انفصال أمها دون طلاق بنكاح بنتها.

وقد يكفي عدم الدليل على جواز نكاح البنت قبل طلاق أمها دليلا على عدم الجواز ، فالأصل ـ إذا ـ بقاء الأم في حبالته وعدم نفوذ النكاح في بنتها قبل طلاقها.

ذلك ، ولكن «لا جناح» طليقة في سلبية الجناح لذلك النكاح ، كإطلاق سائر أدلة النكاح ، بل وهي مستغرقة لكل الحالات لمكان نفي الجنس.

وليست هي ك (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) تحليلا نسبيا ، أم إن هذه أيضا تحليل للنكاح بدليل (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ).

إذا فلا جناح في ذلك النكاح ، ثم ولا دليل على وجوب طلاق الأم قبل نكاح البنت ، فإنما تنفصل الأم بمجرد العقد على بنتها ، لأنها تصبح حينئذ أم زوجة.

فالأقوى جواز نكاحها دون طلاق الأم ، وإن كان الأحوط أن يطلقها ثم ينكح بنتها.

وإذا زني بامرأة هل تحرم عليه أمها أو بنتها؟ حرمة الأم منفية بنص الآية : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) وحرمة البنت منفية ب (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ

٣٩٩

بِهِنَّ) ولو عمت الحرمة فيهما لكان «وأمهات موطوءاتكم وبناتهن»! فالرواية القائلة بنشر الحرمة بالزنا مطروحة (١).

ولكن «أمهات موطوءاتكم» لا تشمل أمهات النساء غير المدخول بهن إلا بزيادة و «نساءكم» طليقة عن الوطء ، مهما شملت «بنات موطوءاتكم» نساءكم وسواهن.

إلّا أن ذلك الفارق لا يفرق النصين في اختصاص الحرمة بمسرح الزواج ،

__________________

(١) وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن رجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : «لا ولكن إذا كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو ابنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ان الحرام لا يفسد الحلال» (الكافي ٥ : ٤١٥) وما رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها وهو قوله : لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا(التهذيب ٢ : ٢٠٧).

وتعارضها صحيحة سعيد بن يسار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل فجر بامرأة يتزوج ابنتها قال : «نعم يا سعيد ان الحرام لا يفسد الحلال» (التهذيب ٢ : ٢٠٧).

وعن هشام بن المثنى قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا فدخل عليه رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : «نعم وأمها وابنتها» (المصدر).

أقول : نعم في يتزوجها مشروط بما في القرآن ، كما إذا لم يتوبا أو تابا ، وأما أن يتوب وهي لا تتوب فلا لآية النور.

وعن زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليهما السلام) رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوج ابنتها؟ قال: «ما حرم حرام حلا قط» (التهذيب ٢ : ١٠٨ والكافي ٥ : ٤١٦).

أقول «قط» هنا لا تصح قط إذ تحرم الزنا النكاح بالزانية وإنكاح الزاني ، كما يحرم الإفضاء تداوم الزوجية ، «وعن صفوان في الصحيح قال سأله المرزبان عن الرجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ثم اشترى ابنتها أيحل له ذلك؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال ورجل فجر بامرأة حراما أيتزوج بابنتها؟ قال : «لا يحرم الحرام الحلال» (المصدر).

٤٠٠