شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]
الموضوع : الطّب
المطبعة: دار إحياء الكتب العربية ـ قاهرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤
وقد اعترف فضلاء الأطباء : بأن ماءها يجلو العين. وممن ذكره المسيحي وصاحب القانون ، وغيرهما.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : « الكمأة من المن » ، فيه قولان :
( أحدهما ) : أن المن الذي أنزل على بني إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط ، بل أشياء كثيرة من الله عليهم بها : من النبات الذي يوجد عفوا من غير صنعة ولا علاج ولا حرث. فإن « المن » مصدر بمعنى المفعول ، أي : ممنون به. فكل ما رزقه الله العبد عفوا بغير كسب منه ولا علاج ، فهو من من الله تعالى عليه : لأنه لم يشبه كسب العبد ، ولم يكدره تعب العمل. فهو من محض : وإن كانت سائر نعمه منا منه على عبده ، فخص منها مالا كسب له فيه ولا صنع ، باسم المن : فإنه ( من ) (١) بلا واسطة العبد. وجعل سبحانه قوتهم (٢) بالتيه : الكمأة ، وهى تقوم مقام الخبز. وجعل أدمهم : السلوى ، وهو يقوم (٣) مقام اللحم. وجعل حلواهم : الطل الذي ينزل على الأشجار ، ( وهو ) (٤) يقوم لهم مقام الحلوى. فكمل عيشهم. وتأمل قوله صلىاللهعليهوسلم : « الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل » ، فجعلها من جملته وفردا من أفراده. والترنجبين ـ الذي يسقط على الأشجار ـ نوع من المن ، ثم غلب استعمال المن عليه عرفا حادثا.
( والقول الثاني ) : أنه شبه الكمأة بالمن المنزل من السماء ، لأنه يجمع من غير تعب ولا كلفة. ولا زرع بزر (٥) ولا سقى.
فإن قلت : فإذا كان هذا شأن الكمأة ، فما بال هذا الضرر فيها؟ ومن أين أتاها ذلك.
فاعلم أن الله سبحانه أتقن كل شئ صنعه ، وأحسن كل شئ خلقه ، فهو ـ عند مبدأ
__________________
(١) زيادة عن الزاد ١٨٢.
(٢) بالأحكام ١ / ٧٠ : قولهم. وهو تصحيف.
(٣) كذا بالزاد. وهو الظاهر. وفى الأصل : وهى تقوم. ولعله تصحيف. والسلوى : طائر يشبه الحمامة ، ويطلق على العسل أيضا كما في المصباح.
(٤) زيادة حسنة لم ترد في الزاد أيضا.
(٥) كذا بالزاد والاحكام. وفى الأصل : بذر.
خلقه ـ برئ من الآفات والعلل ، تام المنفعة لما هيئ وخلق. وإنما تعرض له الآفات ـ بعد ذلك ـ بأمور أخر : من مجاورة ، أو امتزاج واختلاط ، أو أسباب أخر تقتضى فساده. فلو ترك على خلقته الأصلية ، من غير تعلق أسباب الفساد به ، لم يفسد.
ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه ، يعرف أن جميع الفساد ـ في جوه ونباته وحيوانه ، وأحوال أهله ـ حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه. ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم ، من الفساد العام والخاص ، ما يجلب عليهم ـ : من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين ، والقحوط والجدوب ، وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها ، وسلب منافعها أو نقصانها. ـ أمورا متتابعة يتلو بعضها بعضا.
فإن لم يتسع علمك لهذا ، فاكتف بقوله تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) ، ونزل هذه الآية على أحوال العالم ، وطابق بين الواقع وبينها. وأنت ترى : كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان ، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة ، بعضها آخذ برقاب بعض. وكلما أحدث الناس ظلما وفجورا ، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى ـ : من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم ، وأهويتهم ومياههم ، وأبدانهم وخلقهم ، وصورهم وأشكالهم. ـ وأخلفهم (١) من النقص والآفات ، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.
ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكبر مما هي اليوم ، كما كانت البركة فيها أعظم. وقد روى الإمام أحمد بإسناده : « أنه وجد في خزائن بعض بنى أمية ، صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر ، مكتوب عليها : هذا كان ينبت أيام العدل ». وهذه القصة ذكرها في مسنده على أثر حديث رواه.
وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة ، بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة ، ثم
__________________
(١) هذا عطف على « أحدث ». وفى الأصل : واخلافهم. والزاد : وأخلاقهم. والظاهر أن أصله ما ذكرناه ، فتأمل.
بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم : حكما قسطا ، وقضاء عدلا. وقد أشار النبي صلىاللهعليهوسلم إلى هذا ، بقوله في الطاعون : « إنه بقية رجز ـ أو عذاب ـ أرسل على بني إسرائيل ».
وكذلك : سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم عاد (١) سبع ليال وثمانية أيام ، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام ، أو في نظيرها ـ : عظة وعبرة.
وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم ، اقتضاء لا بد منه : فجعل منع الاحسان والزكاة والصدقة ، سببا لمنع الغيث من السماء والقحط والجدب. وجعل ظلم المساكين ، والبخس في المكاييل والموازين ، وتعدى القوى على الضعيف ـ سببا لجور الملوك والولاة : الذين لا يرحمون إن استرحموا ، ولا يعطفون إن استعطفوا ، وهم ـ في الحقيقة ـ أعمال الرعايا : ظهرت في صور ولاتهم. فإن الله سبحانه ، بحكمته وعدله ، يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبهم : فتارة بقحط وجدب ، وتارة بعدو. وتارة بولاة جائرين ، وتارة بأمراض عامة ، وتارة بهموم وآلام وغموم تحصرها (٢) نفوسهم لا ينفكون عنها ، وتارة بمنع بركات السماوات والأرض عنهم ، وتارة بتسليط الشياطين عليهم ، تؤزهم إلى أسباب العذاب أزا : لتحق عليهم الكلمة ، وليصير كل منهم إلى ما خلق له.
والعاقل يسير بصيرته بين أقطار العالم : فيشاهده ، وينظر مواقع عدل الله وحكمته. وحينئذ : يتبين ( له ) (٣) أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة ، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون ، وإلى (٤) دار البوار صائرون. والله بالغ أمره ، لا معقب لحكمه (٥) ولا راد لامره. وبالله التوفيق.
__________________
(١) هذا ليس بالزاد.
(٢) أي : تضيق بها ، ولا تقدر على التخلص منها. على حد قوله تعالى ، (حصرت صدورهم : ٤ / ٩٠) انظر المختار. وفى الأصل والزاد : ١٨٣ تحضرها (بالمعجمة). وهو تصحيف.
(٣) زيادة عن الزاد ١٨٣.
(٤) بالزاد : إلى. وهو تحريف وإن كانت صحة الكلام لا تتوقف على زيادة الواو.
(٥) راجع : سورة الرعد (٤١) ، والطلاق (٣).
( فصل ) وقوله صلىاللهعليهوسلم في الكمأة : « وماؤها شفاء للعين » ، فيه ثلاثة أقوال :
( أحدها ) (١) : أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين ، لا أنه يستعمل وحده. ذكره أبو عبيد.
( الثاني ) : أنه يستعمل بحتا (٢) بعد شبها ، واستقطار مائها. لان النار تلطفه وتنضجه ، وتذيب فضلاته ورطوبته المؤذية ، ويبقى (٣) النافع.
( الثالث ) : أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به : من المطر ، وهو أول قطر ينزل إلى الأرض. فتكون الإضافة إضافة اقتران ، لا إضافة جزء. ذكره ابن الجوزي. وهو أبعد الوجوه وأضعفها.
وقيل : إن استعمل ماؤها لتبريد ما في العين ، فماؤها مجردا شفاء. وإن كان لغير ذلك ، فمركب مع غيره.
وقال الغافقي : « ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين : إذا عجن به الأثمد ، واكتحل به. ويقوى أجفانها ، ويزيد الروح الباصرة (٤) قوة وحدة ، ويدفع عنها نزول النوازل ».
٣ ـ ( كباث ). في الصحيحين ـ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ـ قال : « كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم نجنى الكباث ، فقال عليكم بالأسود منه ، فإنه أطيبه ».
الكباث ( بفتح الكاف والباء الموحدة المخففة ، والثاء المثلثة ) : ثمر الأراك. وهو بأرض الحجاز ، وطبعه حار يابس. ومنافعه كمنافع الأراك : يقوى المعدة ، ويجيد الهضم ، ويجلو البلغم ، وينفع من أوجاع الظهر ، وكثير من الأدواء. وقال ابن جلجل : « إذا شرب طبيخه (٥) : أدر البول ، ونقى المثانة ». وقال ابن رضوان : « يقوى المعدة ، ويمسك الطبيعة ».
__________________
(١) بالأصل : أحدهما. وهو تحريف.
(٢) أي : صرفا ليس معه غيره. وفى الاحكام : نحتا. وهو تصحيف.
(٣) بالزاد : وتبقى. وكل صحيح.
(٤) كذا بالزاد. وهو الملائم. وبالأصل والاحكام ٢ / ٨٣ : الباصر.
(٥) كذا بالأصل والاحكام ٢ / ٨٤. وفى الزاد : طحينه. ولعله تصحيف.
٤ ـ ( كتم ). روى البخاري في صحيحه ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : « دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها ، فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم ». وفى السنن الأربعة عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : « إن أحسن ما غيرتم به الشيب ، الحناء والكتم ».
وفى الصحيحين ـ عن أنس رضي الله عنه ـ : « أن أبا بكر رضي الله عنه اختضب بالحناء والكتم ». وفى سنن أبي داود ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : « مر على النبي صلىاللهعليهوسلم رجل قد خضب بالحناء ، فقال : ما أحسن هذا! فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم ، فقال : هذا أحسن من هذا. فمر آخر قد خضب بالصفرة ، وقال : هذا أحسن من هذا كله ».
قال الغافقي : « الكتم نبت ينبت بالسهول ، ورقه قريب من ورق الزيتون ، يعلو فوق القامة. وله ثمر قدر حب الفلفل في داخله نوى : إذا رضخ اسود. وإذا استخرجت عصارة ورقه ، وشرب منها قدر أوقية : قيأ قيئا شديدا ، وينفع من عضة الكلب. وأصله إذا طبخ بالماء : كان منه مداد (١) يكتب به ». وقال الكندي : « بزر الكتم إذا اكتحل به : حلل الماء النازل في العين وأبرأها ».
وقد ظن بعض الناس : أن الكتم هو الوسمة ، وهى : ورق النيل. وهذا وهم : فإن الوسمة غير الكتم. قال صاحب الصحاح (٢) : « الكتم (بالتحريك) : نبت يخلط بالوسمة ، يختضب به ». قيل : والوسمة نبات له ورق طويل يضرب لونه إلى الزرقة ، أكبر من ورق الخلاف ، يشبه ورق اللوبيا. (٣) وأكبر منه ، يؤتى به من الحجاز واليمن.
فإن قيل : قد ثبت في الصحيح ، عن أنس رضي الله عنه ، أنه قال : « لم يختضب النبي صلىاللهعليهوسلم ».
__________________
(١) كذا بالأصل والاحكام ٢ / ٨٥. وفى الزاد : مدادا. وهو تحريف.
(٢) ٢ / ٣٢٨ (بولاق أولى). وذكر في الاحكام.
(٣) بالزاد : اللوبيا (بالقصر). وكل صحيح على ما في المصباح : ( لوب ).
قيل : قد أجاب الامام (١) أحمد بن حنبل عن هذا ، وقال : « قد شهد به غير أنس ـ رضي الله عنه ـ على النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه خضب. وليس من شهد ، بمنزلة من لم يشهد ». فأحمد أثبت خضاب النبي صلىاللهعليهوسلم ـ ومعه جماعة من المحدثين ـ ومالك أنكره.
فإن قيل : قد ثبت في صحيح مسلم النهى عن الخضاب بالسواد ، في شأن أبى قحافة ، لما أتى به : ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا ، فقال : غيروا هذا الشيب ، وجنبوه السواد ». والكتم يسود الشعر.
فالجواب من وجهين : ( أحدهما ) : أن النهى عن التسويد البحت ، فأما إذا أضيف إلى الحناء شئ آخر ـ كالكتم ونحوه ـ فلا بأس به. فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود ، بخلاف الوسمة : فإنها تجعله أسود فاحما. وهذا أصح الجوابين.
( الجواب الثاني ) : أن الخضاب بالسواد المنهى عنه خضاب التدليس : كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة : تغر الزوج والسيد بذلك. وخضاب الشيخ يغر المرأة بذلك. فإنه من الغش والخداع. فأما إذا لم يتضمن تدليسا ولا خداعا ، فقد صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما : أنهما كانا يخضبان بالسواد. ذكر ذلك ابن جرير عنهما ، في كتاب تهذيب الآثار. وذكره عن عثمان بن عفان ، وعبد الله بن جعفر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعقبة ابن عامر ، والمغيرة بن شعبة ، وجرير بن عبد الله ، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين. وحكاه عن جماعة من التابعين ، منهم : عمرو بن عثمان ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وموسى بن طلحة ، والزهري ، وأيوب ، وإسماعيل بن معد يكرب رضي الله عنهم أجمعين. وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ، ويزيد ، وابن جريج ، وأبى يوسف ، وأبى إسحق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن علاقة ، وغيلان بن جامع ، ونافع بن جبير ، وعمرو بن علي المقدمي ، والقاسم بن سلام رضي الله عنهم أجمعين.
__________________
(١) هذا ليس بالزاد.
٥ ـ ( كرم ) : شجرة العنب ، وهى الحبلة. ويكره تسميتها كرما ، لما روى مسلم في صحيحه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : « لا يقولن أحدكم للعنب الكرم ، الكرم : الرجل المسلم » ، وفى رواية : « إنما الكرم : قلب المؤمن « وفى أخرى. لا تقولوا الكرم ، وقولوا : العنب والحبلة ».
وفى هذا معنيان : ( أحدهما ) : أن العرب كانت تسمى شجرة العنب الكرم : لكثرة منافعها وخيرها. فكره النبي صلىاللهعليهوسلم تسميتها باسم يهيج النفوس على محبتها ومحبة ما يتخذ منها : من المسكر ، وهو أم الخبائث. فكره أن يسمى أصله بأحسن الأسماء وأجمعها للخير.
( والثاني ) أنه من باب قوله : « ليس الشديد بالصرعة ، وليس المسكين بالطواف » ، أي : أنكم تسمون شجرة العنب كرما لكثرة منافعه ، وقلب المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا الاسم منه : فإن المؤمن خير كله ونفع. فهو من باب التنبيه والتعريف لما في قلب المؤمن : من الخير والجود ، والايمان والنور ، والهدى والتقوى ، والصفات التي يستحق بها هذا الاسم أكثر من استحقاق الحبلة له.
وبعد : فقوة الحبلة باردة يابسة ، وورقها وعلائقها وعروشها (١) مبرود [ ة ] في آخر الدرجة الأولى. وإذا دقت وضمد بها من الصداع : سكنته ، ومن الأورام الحارة ، والتهاب المعدة.
وعصارة قضبانه إذا شربت : سكنت القئ ، وعقلت البطن. وكذلك : إذا مضغت قلوبها الرطبة. وعصارة ورقها تنفع من قروح الأمعاء ، ونفث الدم وقيئه ، ووجع المعدة. ودمعة (٢) شجره ـ الذي يحمل على القضبان ـ كالصمغ : إذا شربت أخرجت الحصاة وإذا لطخ بها : أبرأت القوب (٣) والجرب المتقرح وغيره. وينبغي غسل العضو ـ قبل
__________________
(١) جمع عرش. وهو ـ كالعريش ـ : ما يعمل مرتفعا يمتد عليه الكرم. وجمع الثاني : عرائش ، وعرش ( بضمتين ). انظر المختار والمصباح وبالأصل والزاد ١٨٤. وعرموشها. وهو محرف عما ذكرنا ، وجوزق أن يكون محرفا عن العرهوم : العرجون. ولفظ الاحكام ٢ / ٨٦ : وعساليجه. والزيادة عنها.
(٢) كذا بالأحكام. وفى الأصل والزاد : ودمع. وهو تحريف
(٣) جمع قوباء ، كما في المختار. وبالأصل والزاد : قوبى. وبالاحكام : القوابى. وكل تحريف. انظر هامش ما تقدم : ( ص ٢٥٢ ).
استعمالها ـ بالماء والنطرون. وإذا تمسح (١) بها مع الزيت : حلقت (٢) الشعر.
ورماد قضبانه إذا تضمد به مع الخل ودهن الورد والسذاب (٣) : نفع من الورم العارض في الطحال. وقوة دهن زهرة الكرم قابضة : شبيهة بقوة دهن الورد. ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة.
٦ ـ ( كرفس ) روى في حديث لا يصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : « من أكله ثم نام عليه ، نام : ونكهته طيبة ، وينام آمنا من وجع الأضراس والأسنان ».
وهذا باطل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكن البستاني منه يطيب النكهة جدا. وإذا علق أصله في الرقبة : نفع من وجع الأسنان.
وهو حار يابس وقيل : رطب. مفنح لسدد الكبد والطحال. وورقه رطبا ينفع المعدة والكبد البارد ، ويدر البول والطمث ، ويفتت الحصاة وحبه أقوى في ذلك ، ويهيج الباه وينفع من البخر قال الرازي : « وينبغي أن يجتنب أكله : إذا خيف من لدغ العقارب ».
٧ ـ ( كراث ). فيه حديث لا يصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ بل هو باطل موضوع ـ : « من أكل الكراث ثم نام عليه : نام آمنا من ريح البواسير ، واعتزله الملك ـ لنتن نكهته ـ حتى يصبح ».
وهو نوعان : نبطي وشام. فالنبطي هو (٤) : البقل الذي يوضع على المائدة والشامي : الذي له رؤوس. وهو حار يابس مصدع. وإذا طبخ وأكل (٥) أو شرب ماؤه : نفع من البواسير الباردة وإن سحق بزره ، وعجن بقطران ، وبخرت به الأضراس التي فيها الدود ـ : نثرها وأخرجها ، ويسكن الوجع العارض فيها. وإذا دخنت المقعدة ببزره : جففت (٦) البواسير. هذا كله في الكراث النبطي.
__________________
(١) بالأحكام : مسح. وكل صحيح على ما في المصباح والمختار.
(٢) كذا بالزاد والاحكام. وفى الأصل : أخلفت. وعلله تحريف.
(٣) بالزاد : والسداب ( بالمهملة ). وهو تصحيف ، على ما في القاموس : ١ / ٨١.
(٤) هذا ليس بالزاد ١٨٥.
(٥) بالأصل بعد ذلك زيادة : « وشرب ». وهى من عبث الناسخ أو الطابع. وانظر : الاحكام ٢ / ٨٧.
(٦) بالزاد. خفت!. وبالاحكام ٢ / ٨٧ : جفف.
وفيه ـ مع ذلك ـ : فساد الأسنان واللثة ، ويصدع ويرى أحلاما رديئة ، ويظلم البصر ، وينتن النكهة. وفيه : إدرار للبول والطمث ، وتحريك للباه. وهو بطئ الهضم.
حرف اللام
١ ـ ( لحم ) قال الله تعالى : ( وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ). وقال ( ولحم طير مما يشتهون ). وفى سنن ابن ماجة ـ من حديث أبي الدرداء ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ : « سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة : اللحم » ، ومن حديث بريدة ( يرفعه ) (١) : « خير الادام في الدنيا والآخرة : اللحم ».
وفى الصحيح عنه صلىاللهعليهوسلم : « فضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام ».
و ( الثريد ) : الخبز واللحم. قال الشاعر :
إذا ما الخبز تأدمه بلحم : |
|
فذاك ـ أمانة الله ـ الثريد |
وقال الزهري : « أكل اللحم يزيد سبعين قوة ». وقال محمد بن واسع : « اللحم يزيد في البصر ». ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : « كلوا اللحم : فإنه يصفى اللون ، ويخمص البطن ، ويحسن الخلق ». وقال نافع : « كان ابن عمر : إذا كان رمضان لم يفته اللحم ، وإذا سافر لم يفته اللحم ». ويذكر عن علي رضي الله عنه : « من تركه أربعين يوما (٢) ساء خلقه ».
وأما حديث عائشة رضي الله عنها ـ الذي رواه أبو داود مرفوعا ـ : « لا تقطعوا اللحم
__________________
(١) زيادة عن الزاد ، قد ورد ما يؤيدها في الاحكام ٢ / ٨٨.
(٢) كذا بالأصل والاحكام ٢ / ٩٤. وفى الزاد : ليلة.
(١٩ ـ الطب النبوي)
بالسكين : فإنه من صنع (١) الأعاجم ، وانهشوه نهشا : فإنه أهنأ وأمرأ (٢) » ، فرده الإمام أحمد بما صح عنه صلىاللهعليهوسلم ـ : من قطعه بالسكين. ـ في حديثين. وقد تقدما (٣).
واللحم أجناس يختلف باختلاف أصوله وطبائعه. فنذكر حكم كل جنس وطبعه ، ومنفعته ومضرته.
( لحم الضأن ) : حار في الثانية ، رطب في الأولى. جيده الحولي : يولد الدم المحمود المقوى (٤) لمن جاد هضمه. يصلح لأصحاب الأمزجة الباردة والمعتدلة (٥) ، ولأهل الرياضات التامة ، في المواضع والفصول الباردة. نافع لأصحاب المرة السوداء يقوى الذهن والحفظ. ولحم الهرم والعجف (٦) ردئ ، وكذلك لحم النعاج.
وأجوده : لحم الذكر الأسود منه. فإنه أخف وألذ وأنفع. والخصي أنفع وأجود. والأحمر من الحيوان السمين أخف وأجود غذاء والجذع من المعز أقل تغذية ، ويطفو في المعدة.
وأفضل اللحم : عائذه بالعظم. والأيمن أخف وأجود من الأيسر ، والمقدم أفضل من المؤخر. وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقدمها. وكل ما علا منه ـ سوى الرأس ـ كان أخف وأجود مما سفل. وأعطى الفرزدق رجلا يشترى له لحما ، وقال له : « خذ المقدم ، وإياك والرأس والبطن : فإن الداء فيهما ».
__________________
(١) كذا بالأصل والاحكام ٩٣. وفى الزاد ، وسنن أبي داود ٣ / ٣٤٩ والفتح الكبير ٣ / ٣٣٣ : صنيع.
(٢) كذا بالسنن والفتح والاحكام. وفى الأصل والزاد : أهنى وأمري. ولعله من باب التسهيل. وانظر ما تقدم : (ص ١٧٩).
(٣) انظر صفحة : ٢٥٥.
(٤) كذا بالأحكام ٢ / ٨٨. وبالأصل والزاد : القوى. وهو تحريف.
(٥) كذا بالزاد. وهو الظاهر. وبالأصل : المعتدلة.
(٦) هذا هو الظاهر الملائم ، والمذكور في اللسان ١١ / ١٣٨ وبالأصل والزاد والاحكام : والعجيف. وقال ق : هو الهزيل وزنا ومعنى!.
ولحم العنق جيد لذيذ ، سريع الهضم خفيف. ولحم الذراع أخف اللحم وألذه وألطفه وأبعده من الأذى ، وأسرعه انهضاما. وفى الصحيحين : « أنه كان يعجب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ».
ولحم الظهر كثير الغذاء ، يولد دما محمودا. وفى سنن ابن ماجة مرفوعا : « أطيب اللحم : لحم الظهر ».
( فصل ) لحم المعز : قليل الحرارة يابس. وخلطه المتولد منه ليس بفاضل ، وليس بجيد الهضم ، ولا محمود الغذاء ولحم التيس : ردئ مطلقا ، شديد اليبس ، عسر الانهضام ، مولد للخلط السوداوي.
قال الجاحظ (١) : قال لي فاضل من الأطباء : « يا أبا عثمان ، إياك ولحم المعز : فإنه يورث الغم ، ويحرك السواد ، ويورث النسيان ، ويفسد الدم. وهو ـ والله يخبل (٢) الأولاد ».
وقال بعض الأطباء : « إنما المذموم منه : المسن ولا سيما للمسنين. ولا رداءة فيه لمن اعتاده ». وجالينوس جعل الحولي منه ، من الأغذية المعتدلة المعدلة للكيموس المحمود. وإناثه أنفع من ذكوره. وقد روى النسائي في سننه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ : « أحسنوا لي الماعز ، وأميطوا عنها الأذى : فإنها من دواب الجنة ». وفى ثبوت هذا الحديث نظر.
وحكم الأطباء عليه بالمضرة : حكم جزئي ، ليس بكلى عام وهو بحسب المعدة الضعيفة ، والأمزجة الضعيفة التي لم تعتده واعتادت المأكولات اللطيفة. وهؤلاء : أهل الرفاهية من أهل المدن. وهم القليلون من الناس.
( لحم الجدي ) : قريب إلى الاعتدال ، خاصة ما دام رضيعا ولم يكن قريب العهد بالولادة. وهو أسرع هضما ، لما فيه : من قوة اللبن. ملين للطبع ، موافق لأكثر الناس في
__________________
(١) بالأحكام ٢ / ٩٠ : عثمان البقري. وهو تحريف عجيب. والنص في الحيوان : ٥ / ٤٦١ (ط الحلبي). واسم الطبيب : شمئون.
(٢) بالأحكام : يختل. وهو تصحيف.
أكثر الأحوال. وهو ألطف من لحم الجمل. والدم المتولد عن معتدل.
( لحم البقر ) : بارد يابس ، عسر الانهضام ، بطئ الانحدار ، يولد دما سوداويا ، لا يصلح إلا لأهل الكد والتعب الشديد. ويورث إدمانه الأمراض السوداوية : كالبهق والجرب ، والقوب (١) والجذام ، وداء الفيل والسرطان ، والوسواس ، وحمى الربع ، وكثير من الأورام. وهذا لمن لم يعتده ، أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثوم والدار صيني والزنجبيل ونحوه. وذكره أقل برودة ، وأنثاه أقل يبسا.
ولحم العجل ـ ولا سيما السمين ـ : من أعدل الأغذية وأطيبها ، وألذها وأحمدها. وهو حار رطب. وإذ انهضم : غذى غذاء قويا.
( لحم الفرس ). ثبت في الصحيح ، عن أسماء رضي الله عنها ، قالت : « نحرنا فرسا فأكلناه على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ». وثبت عنه صلىاللهعليهوسلم : « أنه أذن في لحوم الخيل ، ونهى عن لحوم الحمر ». أخرجاه في الصحيحين.
ولا يثبت عنه حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه : « أنه نهى عنه ». قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث. واقترانه بالبغال والحمير في القرآن : لا يدل على أن حكم لحمه حكم لحومها بوجه من الوجوه ، كما لا يدل على أن حكمها في السهم في الغنيمة حكم الفرس. والله سبحانه يقرن في الذكر بين المتماثلات تارة ، وبين المختلفات ، وبين المتضادات. وليس في قوله : ( لتركبوها ) ، ما يمنع من أكلها. كما ليس فيه ما يمنع من غير الركوب : من وجوه الانتفاع. وإنما نص على أجل منافعها ، وهو : الركوب. والحديثان في حلها صحيحان ، لا معارض لهما.
وبعد : فلحمها حار يابس ، غليظ سوداوي ، مضر لا يصلح للأبدان اللطيفة.
( لحم الجمل ) : فرق ما بين الرافضة وأهل السنة ، كما أنه أحد الفروق بين اليهود وأهل الاسلام. فاليهود والرافضة تذمه ولا تأكله. وقد (٢) علم ـ بالاضطرار من دين الاسلام ـ حله. وطالما أكله رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : حضرا وسفرا.
__________________
(١) بالأصل والزاد ١٨٦ : القوبي. وبالاحكام ٩١ : القوباء. وانظر ما تقدم : (ص ٢٨٧).
(٢) بالزاد ١٨٦ : قد. ولا يبعد تحريفه.
ولحم الفصيل منه : من ألذ اللحوم وأطيبها ، وأقواها غذاء. وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن : لا يضرهم البتة ، ولا يولد لهم داء. وإنما ذمه بعض الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية : من أهل الحضر الذين لم يعتادوه. فإن فيه حرارة ويبسا ، وتوليدا للسوداء. وهو عسر الانهضام.
وفيه قوة غير محمودة ، لأجلها أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ، بالوضوء من أكله ، في حديثين صحيحين : لا معارض لهما. ولا يصح تأويلهما بغسل اليد : لأنه خلاف المعهود من الوضوء في كلامه صلىاللهعليهوسلم ، لتفريقه بينه وبين لحم الغنم : فخير بين الوضوء وتركه منها ، وحتم الوضوء من لحوم الإبل. ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط ، لحمل على ذلك قوله : « من مس فرجه فليتوضأ ».
( وأيضا ) : فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده : بأن يوضع في فمه. فإن كان وضوءه غسل يده ، فهو : عبث ، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه!!.
ولا يصح معارضته بحديث : « كان آخر الامرين من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ترك الوضوء مما مست النار » ، لعدة أوجه :
( أحدها ) : أن هذا عام ، والامر بالوضوء منها خاص.
( الثاني ) : أن الجهة مختلفة ، فالامر بالوضوء منها : بجهة كونها لحم إبل ، سواء كان نيئا ، أو مطبوخا ، أو قديدا. ولا تأثير للنار في الوضوء. أما ترك الوضوء مما مست النار ، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء. فأين أحدهما من الاخر؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء ، وهو : كونه لحم الإبل. وهذا فيه نفى لسبب الوضوء ، وهو كونه ممسوس النار. فلا تعارض بينهما بوجه.
( الثالث ) : أن هذا ليس فيه حكاية لفظ عام عن صاحب الشرع ، وإنما هو إخبار عن واقعة فعل في أمرين : أحدهما متقدم على الاخر ، كما جاء ذلك مبينا في نفس الحديث : « أنهم قربوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لحما ، فأكل. ثم حضرت الصلاة ، فتوضأ وصلى. ثم قربوه
إليه فأكل. ثم صلى ولم يتوضأ. فكان آخر الامرين منه ترك الوضوء مما مست النار ». هكذا جاء الحديث. فاختصره الراوي : لمكان الاستدلال. فأين في هذا ما يصلح لنسخ الامر بالوضوء منه؟ حتى لو كان لفظا عاما متأخرا مقاوما : لم يصلح للنسخ ، ووجب تقديم الخاص عليه. وهذا في غاية الظهور!!.
( لحم الضب ). تقدم الحديث في حله (١). ولحمه حار يابس ، يقوى شهوة الجماع.
( لحم الغزال ). الغزال : أصلح الصيد ، وأحمده لحما. وهو حار يابس. وقيل : معتدل جدا ، نافع للأبدان المعتدلة الصحيحة. وجيده : الخشف.
( لحم الضبي ) : حار يابس في الأولى ، مجفف للبدن ، صالح للأبدان الرطبة.
قال صاحب القانون : « وأفضل لحوم الوحش : لحم الظبي ، مع ميله إلى السوداوية ».
( لحم الأرنب ). ثبت في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : « أنفجنا أرنبا ، فسعوا في طلبها ، فأخذوها فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقبله ».
لحم الأرنب : معتدل إلى الحرارة واليبوسة. وأطيبها ، وركها. وأحمد (٢) لحمها : ما أكل مشويا. وهو يعقل البطن ، ويدر البول ، ويفتت الحصى. وأكل رؤوسها. ينفع من الرعشة.
( لحم حار الوحش ). ثبت في الصحيحين ـ من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ـ : « أنهم كانوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض عمرة ، وأنه صاد حمار وحش ، فأمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بأكله : وكانوا محرمين ، ولم يكن أبو قتادة محرما ».
وفى سنن ابن ماجة ، عن جابر ، قال : « أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر (٣) الوحش ».
ولحمه (٤) : حار يابس ، كثير التغذية ، مولد دما غليظا سوداويا. إلا أن شحمه نافع ـ
__________________
(١) راجع صفحة : ١٧٠ و ٢٥٩.
(٢) بالزاد ١٨٧ : وأحمد ما أكل لحمها مشويا. وكل صحيح. وانظر : الاحكام ٢ / ٩٣.
(٣) كذا بالأصل والاحكام ، وسنن ابن ماجة ٢ / ١٤٩. وبالزاد. وحمير.
(٤) بالزاد : لحمه.
مع دهن القسط ـ لوجع الضرس (١) ، والريح الغليظة المرخية للكلي. وشحمه جيد للكلف طلاء. بالجملة : فلحوم الوحش كلها تولد دما غليظا سوداويا. وأحمده : الغزال ، وبعده الأرنب.
( لحوم الأجنة ) غير محمودة : لاحتقان الدم فيها. وليست بحرام لقوله صلىاللهعليهوسلم : « ذكاة الجنين : ذكاة أمه ».
ومنع أهل العراق من أكله ، إلا أن يدركه حيا فيذكيه. وأولوا الحديث على أن المراد به : أن ذكاته كذكاة أمه. قالوا : فهو حجة على التحريم.
وهذا فاسد : فإن أول الحديث : « أنهم سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، نذبح الشاة فنجد في بطنها جنينا ، أفنأكله؟ فقال : كلوه إن شئتم ، فإن ذكاته ذكاة أمه ».
( وأيضا ) : فالقياس يقتضى حله ، فإنه ما دام حملا ، فهو جزء من أجزاء الام : فذكاتها ذكاة لجميع أجزائها. وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الشرع ، بقوله : « ذكاته ذكاة أمه » ، كما يكون ذكاتها ذكاة سائر أجزائها. فلو لم تأت السنة الصريحة بأكله. لكان القياس الصحيح يقتضى حله. وبالله التوفيق (٢).
( لحم القديد ). في السنن ـ من حديث بلال رضي الله عنه ـ قال : « ذبحت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم شاة : ونحن مسافرون ، فقال : أصلح لحمها. فلم أزال أطعمه منه إلى المدينة ».
القديد أنفع من المكسود ، ويقوى الأبدان ، ويحدث حكة. ودفع ضرره : بالأبازير الباردة الرطبة. ويصلح الأمزجة الحارة. والمكسود حار يابس مجفف ، جيده من السمين الرطب ، يضر بالقولنج. ودفع مضرته : طبخه باللبن والدهن. ويصلح للمزاج الحار الرطب.
__________________
(١) في بعض النسخ : الظهر.
(٢) لم ترد هذه الجملة بالزاد.
فصل في لحوم الطير
قال الله تعالى : ( ولحم طير مما يشتهون ). في مسند البزار وغيره مرفوعا : « إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ، فتشتهيه : فيخر مشويا بين يديك ».
ومنه حلال ، ومنه حرام. فالحرام : ذو المخلب كالصقر والبازي والشاهين ، وما يأكل الجيف : كالنسر والرخم ، واللقلق والعقعق ، والغراب الأبقع ، والأسود الكبير. وما نهى عن قتله : كالهدهد والصرد. وما أمر بقتله : كالحدأة والغراب.
والحلال أصناف كثيرة. فمنه : الدجاج. ففي الصحيحين ـ من حديث أبي موسى رضي الله عنه ـ : « أن النبي صلىاللهعليهوسلم أكل لحم الدجاج ».
وهو حار رطب في الأولى ، خفيف على المعدة ، سريع الهضم ، جيد الخلط ، يزيد في الدماغ والمنى ، ويصفى الصوت ، ويحسن اللون ، ويقوى العقل ، ويولد دما جيدا. وهو مائل إلى الرطوبة. ويقال : إن مداومة أكله تورث النقرس ولا يثبت ذلك.
ولحم الديك : أسخن مزاجا ، وأقل رطوبة. والعتيق منه دواء ينفع القولنج والربو والرياح الغليظة : إذا طبخ بماء القرطم (والقرفة) والشبت وخصيها (١) محمودة (٢) الغذاء ، سريعة (٢) الانهضام. والفراريج سريعة الهضم ، ملينة للطبع. والدم المتولد منها : دم لطيف جيد.
( لحم الدراج ) : حار يابس في الثانية ، خفيف لطيف ، سريع الانهضام ، مولد للدم
المعتدل. والاكثار منه يحد البصر.
( لحم الحجل ( والقبج (٣) ) : يولد الدم الجيد ، سريع الانهضام.
( لحم الإوز ) : حار يابس ، ردئ الغذاء : إذا اعتيد. وليس بكثير الفضول.
( لحم البط ) : حار رطب ، كثير الفضول ، عسر الانهضام ، غير موافق للمعدة.
__________________
(١) كذا بالزاد ١٨٨. وفى الاحكام ٢ / ٩٥ : والخصي منها. والزيادة عنها. وبالأصل : وخصيتها. وهو تحريف.
(٢) بالزاد والاحكام : « محمود ... سريع ».
(٣) زيادة عن الزاد : مرادفة مفسرة. على ما في القاموس ١ / ٢٠٤.
( لحم الحبارى ). في السنن ـ من حديث برية (١) بن عمر بن سفينة ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه قال : « أكلت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحم حبارى (٢) ».
وهو : حار يابس ، عسر الانهضام ، نافع لأصحاب الرياضة والتعب.
( لحم الكركي ) : يابس ، خفيف وفى حره وبرده خلاف. يولد دما سوداويا ، ويصلح لأصحاب الكد والتعب. وينبغي أن يترك بعد ذبحه يوما أو يومين ، ثم يؤكل.
( لحم العصافير والقنابر ). روى النسائي في سننه ـ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه : « أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقه ، بغير حقه ـ إلا سأله عز وجل. قيل : يا رسول الله : وما حقه؟ قال : تذبحه فتأكله ، ولا تقطع رأسه وترمى به ».
وفي سننه أيضا ـ عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه ـ قال : « سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقول : من قتل عصفورا عبثا ، عج إلى الله يقول : يا رب ، إن فلانا قتلني عبثا ، ولم يقتلني لمنفعة (٣) ».
ولحمه : حار يابس ، عاقل للطبيعة ، يزيد في الباه. ومرقه : يلين الطبع ، وينفع المفاصل. وإذا أكلت أدمغتها بالزنجبيل والبصل : هيجت شهوة الجماع. وخلطها غير محمود.
( لحم الحمام ) : حار رطب ، وخشيه أقل رطوبة ، وفراخه أرطب وخاصة (٤) ما ربى في الدور. وناهضه أخف لحما ، وأحمد غذاء. ولحم ذكورها شفاء من الاسترخاء والخدر ، والسكتة والرعشة. وكذلك : شم رائحة أنفاسها. وأكل فراخها معين على النساء. وهو جيد للكلي. يزيد في الدم.
وقد روى فيها حديث باطل لا أصل له ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ : « أن رجلا شكا إليه
__________________
(١) بالزاد : مويه. وبالاحكام ٢ / ٩٦ والأصل : توبة. وفيه وفى الخلاصة : ابن عمرو. والصواب ما أثبتناه. راجع : سنن أبي داود ٣ / ٣٥٤ ، والتهذيب ١ / ٤٣٤ و ٧ / ٤٥٥ والخلاصة ٤٦ و ١٤٠.
(٢) بالأحكام : الحبارى.
(٣) أي : دوائية أو غذائية. كما قال صاحب الاحكام.
(٤) كذا بالأحكام ٩٧. وبالأصل : خاصة. وبالزاد : خاصية وما. وأصلهما وما أثبتناه.
الوحدة ، فقال : اتخذ زوجا من الحمام ». وأجود من هذا الحديث : « أنه صلىاللهعليهوسلم رأى رجلا يتبع حمامة ، فقال : شيطان (١) يتبع شيطانة ».
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ في خطبته ـ يأمر بقتل الكلاب ، وذبح الحمام.
( لحم القطا ) : يابس يولد السوداء ، ويحبس الطبع. وهو من شر الغذاء ، إلا أنه ينفع من الاستسقاء.
( لحم السماني ) : حار يابس ، ينفع المفاصل ، ويضر بالكبد الحار ودفع مضرته : بالخل والكسبرة (٢). وينبغي أن يجتنب من لحوم الطير ، ما كان في الآجام والمواضع العفنة.
ولحوم الطير كلها أسرع انهضاما من المواشي. وأسرعها انهضاما أقلها غذاء ، وهى : الرقاب ولا جنحة. وأدمغتها أحمد من أدمغة المواشي.
( الجراد ). في الصحيحين ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : « غزونا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبع غزوات ، نأكل الجراد ». وفى المسند عنه : « أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد ، والكبد والطحال ». يروى مرفوعا ، وموقوفا على ابن عمر رضى اله عنه.
وهو حار يابس ، قليل الغذاء. وإدامة أكله تورث الهزال. وإذا تبخر به : نفع من تقطير البول وعسره ، وخصوصا للنساء. ويتبخر به للبواسير. وسمانه ( التي لا أجنحة لها ) تشوى ، وتؤكل (٣) للسع العقرب. وهو ضار لأصحاب الصرع ردئ الخلط.
وفى إباحة ميته (٤) بلا سبب ، قولان : فالجمهور (٥) على حله ، وحرمه مالك. ولا خلاف في إباحة ميته (٤) إذا مات بسبب : كالكبس والتحريق ونحوه.
__________________
(١) كذا بالأصل والفتح الكبير ٢ / ١٨٠. وبالزاد : شيطانا. ولعله تحريف.
(٢) هي نبات الجلجلان. و « الكزبرة » : من الأبازير والتوابل. كما في القاموس ٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧. ولفظ الأصل والزاد : الكسفرة. ولعله لغة أخرى فيما أثبتناه.
(٣) كذا بالأحكام (٢ / ٩٨) والزيادة عنها. وبالأصل والزاد : يشوى ويؤكل. وهو تصحيف.
(٤) بالزاد ١٨٩ : ميتته. ولعله تحريف في الموضعين.
(٥) هذا إلى قوله : مالك ، قد ورد بالأصل والزاد بعد قوله : ونحوه. ونرجح أن تأخيره من عبث الناسخ. وراجع الاحكام.
( فصل ) وينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم : فإنه يورث الأمراض الدموية والامتلائية ، والحميات الحادة (١). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « إياكم واللحم : فإن له ضرواة كضراوة الخمر ، وإن الله يبغض أهل بيت اللحمين (٢) ». ذكره مالك في الموطأ عنه. وقال أبقراط (٣) : « لا تجعلوا أجوافكم مقبرة للحيوان ».
٢ ـ ( فصل ) ( لبن ). قال الله تعالى : ( وإن لكم في الانعام لعبرة ، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ). وقال في الجنة : ( فيها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ).
وفى السنن مرفوعا : « من أطعمه الله طعاما ، فليقل : اللهم ، بارك لنا فيه ، وارزقنا خيرا منه. ومن سقاه الله لبنا ، فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه. فإني لا أعلم ما يجزى (٤) من الطعام والشراب ، إلا اللبن ».
اللبن وإن كان بسيطا في الحس ، إلا أنه مركب في أصل الخلقة تركيبا طبيعيا ، من جواهر ثلاثة : الجبنية ، والسمنية ـ ، والمائية. فالجبنية باردة رطبة ، مغذية للبدن. والسمنية معتدلة في (٥) الحرارة والرطوبة ، ملائمة للبدن الإنساني الصحيح ، كثيرة المنافع. والمائية حارة رطبة ، مطلقة للطبيعة ، مرطبة للبدن. واللبن ـ على الاطلاق ـ أبرد وأرطب من المعتدل. وقيل : قوته عند حلبه الحرارة والرطوبة. وقيل : معتدل في الحرارة والبرودة.
وأجود ما يكون اللبن : حين يحلب (٦). ثم لا يزال تنقص جودته على ممر الساعات ،
__________________
(١) كذا بالزاد. وصحف في الأصل بالراء.
(٢) كذا بالأحكام ٢ / ٩٤ ، والنهاية ٤ / ٥٢. وفى رواية بها : « اللحم وأهله ». ولفظ الأصل والزاد : « اللحمي ». وهو مع صحته محرف. وهذا الأثر لم يرد في بعض نسخ الموطأ ، وورد بدون الجملة الأخيرة موقوفا : في نسخة شرح الباجي ٧ / ٢٥٣ ، والزرقاني ٤ / ٣١٧. وانظر : شرح السيوطي ٣ / ١١٧. وورد بها مرفوعا في الاحكام. وانظر : النهاية ٣ / ١٨.
(٣) بالزاد : بقراط. والزيادة الآتية عنه. وبالاحكام : سقراط.
(٤) كذا بالأصل والزاد. وفى سنن أبي داود ٣ / ٣٣٩ : يجزئ. وانظر ما تقدم : (ص ١٨٣).
(٥) ورد بالأصل والاحكام ٢ / ٩٨ ، ولم يرد بالزاد.
(٦) بالأحكام ٩٩ زيادة : وهو حار.
فيكون حين يحلب أقل برودة ، وأكثر رطوبة. والحامض بالعكس. ويختار اللبن بعد الولادة بأربعين يوما. وأجوده : ما اشتد بياضه ، وطاب ريحه ، ولذ طعمه ، وكان فيه حلاوة يسيرة ، ودسومة معتدلة ، واعتدل قوامه في الرقة والغلظة ، وحلب من حيوان فتى صحيح : معتدل اللحم ، محمود المرعى (١) والمشرب. وهو محمود : يولد دما جيدا ، ويرطب البدن اليابس ، ويغذو غذاء حسنا ، وينفع من الوسواس والغم والأمراض السوداوية. وإذا شرب مع العسل : نقى القروح الباطنة ، من الاخلاط العفنة. وشربه مع السكر يحسن اللون جدا.
والحليب يتدارك ضرر الجماع ، ويوافق الصدر والرئة ، جيد لأصحاب السل ، ردئ للرأس والمعدة والكبد والطحال. والاكثار منه مضر بالأسنان واللثة. ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء. وفى الصحيحين : « أن النبي صلىاللهعليهوسلم شرب لبنا ، ثم دعا بهاء فتمضمض ، وقال : إن له دسما ».
وهو ردئ للمحمومين وأصحاب الصداع ، مؤذ للدماغ والرأس الضعيف. والمداومة عليه تحدث ظلمة البصر والغشاء (٢) ، ووجع المفاصل ، وسدة الكبد ، والنفخ في المعدة والاحشاء. وإصلاحه : بالعسل والزنجبيل المربى ونحوه. وهذا كله لمن لم يعتده.
( لبن الضأن ) : أغلط الألبان وأرطبها ، وفيه ـ : من الدسومة والزهومة. ـ ما ليس في لبن الماعز والبقر. يولد فضولا بلغمية ، ويحدث في الجلد بياضا : إذا أدمن استعماله. ولذلك ينبغي أن يشرب (٣) هذا اللبن بالماء : ليكون ما نال البدن منه أقل. وتسكينه للعطش أسرع ، وتبريده ( للبدن ) أكثر.
( لبن المعز ) : لطيف معتدل ، مطلق للبطن ، مرطب للبدن اليابس ، نافع من قروح الحلق ، والسعال اليابس ، ونفث الدم.
__________________
(١) بالأحكام. الرعى والمورد.
(٢) كذا بالزاد. وبالأصل : والغشا. وبالاحكام : الغشاوة. وسدد
(٣) بالأحكام ٢ / ١٠٠. يشاب. والزيادة الآتية عنها.