شمس الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب الزّرعي [ ابن القيّم ]
الموضوع : الطّب
المطبعة: دار إحياء الكتب العربية ـ قاهرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤
فإنه يعصم البطن ، ويصفر اللون ، ويذهب بهاء الوجه ».
وكل حديث في الطين فإنه لا يصح ، ولا أصل له عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. إلا أنه ردئ مؤذ : يسد مجارى العروق. وهو بارد يابس ، قوى التجفيف. ويمنع استطلاق البطن ، ويوجب نفث الدم ، وقروح الفم.
٣ ـ ( طلح ). قال تعالى : ( وطلح منضود ). قال أكثر المفسرين : « هو الموز. و ( المنضود ) هو : الذي قد نضد بعضه على بعض كالمشط ». وقيل : « الطلح : الشجر ذو الشوك ، نضد مكان كل شوكة ثمرة. فثمره قد نضد بعضه إلى بعض ، فهو مثل الموز ». وهذا القول أصح. ويكون من ذكر الموز ـ : من السلف. ـ أراد التمثيل ، لا التخصيص. والله أعلم.
وهو حار رطب. أجوده : النضيج الحلو. ينفع من خشونة الصدر والرئة والسعال ، وقروح الكليتين والمثانة. ويدر البول ، ويزيد في المنى ، ويحرك شهوة الجماع ، ويلين البطن. ويؤكل قبل الطعام. ويضر المعدة ، ويزيد في الصفراء والبلغم. ودفع ضرره : بالسكر أو العسل.
٤ ـ ( طلع ) قال تعالى : ( والنخل باسقات لها طلع نضيد ). وقال تعالى : ( ونخل طلعها هضيم ) طلع النخل : ما يبدو من ثمرته في أول ظهوره. وقشره يسمى : الكفرى. و ( النضيد ) : المنضود الذي قد نضد بعضه على بعض. وإنما يقال له نضيد : ما دام في كفراه فإذا انفتح فليس بنضيد. وأما ( الهضيم ) فهو : المنضم بعضه إلى بعض. فهو كالنضيد أيضا. وذلك يكون قبل تشقق الكفرى عنه.
والطلع نوعان : ذكر وأنثى. و ( التلقيح ) هو : أن يؤخذ من الذكر ـ وهو مثل دقيق الحنطة ـ فيجعل في الأنثى ، وهو : التأبير. فيكون ذلك بمنزلة اللقاح بين الذكر والأنثى.
وقد روى مسلم في صحيحه ، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، قال : « مررت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نخل ، فرأى قوما يلقحون ، فقال : ما يصنع هؤلاء؟ قالوا : يأخذون من
الذكر ، فيجعلونه في الأنثى. قال : ما أظن ذلك يغنى شيئا. فبلغهم فتركوه : فلم يصلح فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إنما هو ظن ، فإن كان يغنى شيئا فاصنعوه. فإنما أنا بشر مثلكم ، وإن الظن يخطئ ويصيب. ولكن : ما قلت لكم عن الله عز وجل ، فلن أكذب على الله » انتهى.
طلع النخل ينفع من الباه ، ويزيد في المباضعة. ودقيق طلعه إذا تحملت به المرأة قبل الجماع : أعان على الحبل إعانة بالغة. وهو في البرودة واليبوسة ، في الدرجة الثانية. يقوى المعدة ويجففها ، ويسكن ثائرة الدم مع غلظة وبطء (١) هضم.
ولا يحتمله إلا أصحاب الأمزجة الحارة. ومن أكثر منه فإنه ينبغي أن يأخذ عليه شيئا من الجوارشات الحارة. وهو يعقل الطبع ، ويقوى الأحشاء. والجمار يجرى مجراه ، وكذلك البلح والبسر. والاكثار منه يضر بالمعدة والصدر ، وربما أورث القولنج. وإصلاحه : بالسمن ، أو بما تقدم ذكره!.
حرف العين
١ ـ ( عنب ). في الغيلانيات ـ من حديث حبيب بن يسار ، عن ابن عباس رضي الله عنهما (٢) ـ قال : « رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأكل العنب خرطا ».
قال أبو جعفر العقبلي : « لا أصل لهذا الحديث ». قلت : وفيه داود بن عبد الجبار أبو سليم الكوفي ، قال يحيى بن معين : كان يكذب.
ويذكر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : « أنه كان يحب العنب والبطيخ ».
وقد ذكر الله سبحانه العنب ـ في ستة مواضع من كتابه ـ في جملة نعمه التي أنعم بها على عباده : في هذه الدار ، وفى الجنة. وهو من أفضل الفواكه وأكثرها منافع. وهو يؤكل رطبا ويابسا ، وأخضر ويانعا ، وهو فاكهة مع الفواكه ، وقوت مع الأقوات ،
__________________
(١) كذا بالزاد ١٧٤. وبالأصل : وبطوء. وهو تحريف عنه أو عن « بطاء ».
(٢) بالزاد : عنه.
وأدم مع الادام ، ودواء مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة. وطبعه طبع الحبات (١) : الحرارة والرطوبة. وجيده : الكبار المائي. والأبيض أحمد من الأسود : إذا تساويا في الحلاوة. والمتروك بعد قطفه يومين أو ثلاثة ، أحمد من المقطوف في يومه : فإنه منفخ مطلق للبطن. والمعلق حتى يضمر قشره : جيد للغذاء ، مقو للبدن. وغذاؤه كغذاء التين والزبيب. وإذا ألقى عجم العنب : كان أكثر تليينا للطبيعة. والاكثار منه مصدع للرأس. ودفع. مضرته : بالرمان المز. ومنفعة العنب : يسهل (٢) الطبع ، ويسمن ويغذو جيده غذاء حسنا.
وهو أحد الفواكه الثلاث ـ التي هي ملوك الفواكه ـ هو والرطب والتين.
٢ ـ ( عسل ). قد تقدم ذكر منافعه (٣).
قال ابن جريج : قال الزهري : « عليك بالعسل ، فإنه جيد للحفظ ».
وأجوده أصفاه وأبيضه ، وألينه حدة ، وأصدقه حلاوة. وما يؤخذ من الجبال والشجر ، له فضل على ما يؤخذ من الخلايا. وهو بحسب مرعى نحله.
٣ ـ ( عجوة ) في الصحيحين ـ من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : « من تصبح بسبع تمرات عجوة ، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ».
وفى سنن النسائي وابن ماجة ـ من حديث جابر وأبى سعيد رضي الله عنهما ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ : « العجوة من الجنة ، وهى شفاء من السم. والكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين » (٤).
وقد قيل : إن هذا في عجوة المدينة. وهى أحد أصناف التمر بها ، ومن أنفع تمر الحجازعلى الاطلاق. وهو صنف كريم ملزز (٥) ، متين الجسم والقوة (٦) ، من ألين التمر وأطيبه وألذه.
__________________
(١) كذا بالزاد. وبالأصل : الحياة. وهو تصحيف.
(٢) كذا بالزاد. وهو الملائم. وبالأصل : تسهيل.
(٣) راجع صفحة : ٢٥ ـ ٢٨. (٤) وأخرجه أيضا أحمد اه ق.
(٥) بالأصل والزاد ١٧٥ : « ملذذ .. للجسم ». وهو تصحيف. انظر : أحكام الحموي ١ / ١٠٣ ، واللسان ٧ / ٢٧٢ ، والمختار ( لز ).
(٦) كذا بالزاد والاحكام ٢ / ١٢٥. وبالأصل : والعجوة. ولعله تصحيف.
وقد تقدم ذكر التمر وطبعه ومنافعه في حرف التاء ، والكلام على دفع العجوة للسم والسحر. فلا حاجة لإعادته (١).
٤ ـ ( عنبر ). تقدم (٢) في الصحيحين ، من حديث جابر ، في قصة أبى عبيدة وأكلهم من العنبر نصف شهر ، وأنهم تزودوا من لحمه وشائق إلى المدينة ، وأرسلوا منه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. وهو أحد ما يدل : على أن إباحة ما في البحر لا يختص بالسمك ، وعلى أن ميتته حلال.
واعترض على ذلك : بأن البحر ألقاه حيا ، ثم جزر عنه الماء فمات. وهذا حلال : فإن موته بسبب مفارقته للماء.
وهذا لا يصح : فإنهم إنما وجدوه ميتا بالساحل ، ولم يشاهدوه قد خرج عنه حيا ، ثم جزر عنه الماء. (وأيضا) : فلو كان حيا لما ألقاه البحر إلى ساحله ، فإنه من المعلوم أن البحر إنما يقذف إلى ساحله الميت من حيواناته ، لا الحي منها.
( وأيضا ) : فلو (٣) قدر احتمال ما ذكروه ، لم يجز أن يكون شرطا في الإباحة : فإنه لا يباح الشئ مع الشك في سبب إباحته. ولهذا منع النبي صلىاللهعليهوسلم من أكل الصيد : إذا وجده الصائد غريقا في الماء ، للشك في سبب موته : هل هو الآلة؟ أم الماء؟.
وأما العنبر الذي هو أحد أنواع الطيب ، فهو من أفخر أنواعه بعد المسك. وأخطأ من قدمه على المسك ، وجعله سيد أنواع الطيب. وقد ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال في المسك : « هو أطيب الطيب ». وسيأتى ـ إن شاء الله تعالى ـ ذكر الخصائص والمنافع التي خص بها المسك ، حتى إنه طيب الجنة. والكثبان ـ التي هي مقاعد الصديقين هناك ـ من مسك لا من عنبر.
والذي غر هذا القائل : أنه لا يدخله التغير على طول الزمان ، فهو كالذهب. وهذا لا يدل
__________________
(١) راجع صفحة : ٧٦ ـ ٧٩ ، ٢٢٤ ـ ٢٢٥.
(٢) ص ٢٥٢. وقال د : البحث الطبي لم يثبت أي فائدة علاجية له ، خلاف رأى العلامة من الناس. فإنهم لا يزالون يستعملونه كمقو للجماع وفى حالات الشلل. ويستعمل الآن طبيا في صناعة الأرواح العطرية فقط اه.
(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : لو.
على أنه أفضل من المسك : فإنه بهذه الخاصية الواحدة ، لا يقاوم ما في المسك من الخواص.
وبعد : فضروبه كثيرة ، وألوانه مختلفة. فمنه : الأبيض والأشهب ، والأحمر والأصفر ، والأخضر والأزرق ، والأسود وذو الألوان. وأجوده : الأشهب ، ثم الأزرق ، ثم الأصفر. وأردؤه : الأسود.
وقد اختلف الناس في عنصره ، فقالت طائفة : هو نبات ينبت في قعر البحر ، فيبتلعه بعض دوابه ، فإذا ثملت منه : قذفته رجيعا ، فيقذفه البحر إلى ساحله.
وقيل : طل ينزل من السماء في جزائر البحر ، فتلقيه الأمواج إلى الساحل. وقيل : روث دابة بحرية ، تشبه البقرة. وقيل : بل هو جفاء (١) من جفاء (١) البحر ، أي : زبد.
وقال صاحب القانون : « هو ـ فيما يظن ـ ينبع من عين في البحر. والذي يقال ـ : أنه زبد البحر ، أو روث دابة. ـ بعيد » انتهى.
ومزاجه حار يابس : مقو للقلب والدماغ والحواس وأعضاء البدن ، نافع من الفالج واللقوة ، والأمراض البلغمية ، وأوجاع المعدة الباردة ، والرياح الغليظة ، ومن السدد ، إذا شرب أو طلى به من خارج. وإذا تبخر به : نفع من الزكام والصداع ، والشقيقة الباردة.
٥ ـ ( عود ). العود الهندي نوعان : ( أحدهما ) يستعمل في الأدوية ، وهو : الكست. ويقال له (٢) : القسط. وسيأتى في حرف القاف. ( الثاني ) يستعمل في الطيب ويقال له : الألوة.
وقد روى مسلم في صحيحه ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما : « أنه كان يستجمر بالألوة غير مطراة وبكافور يطرح معها ، ويقول : هكذا كان يستجمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ». وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجنة : « مجامرهم الألوة ».
و ( المجامر ) جمع « مجمر » ، وهو : ما يتجمر به من عود وغيره. وهو أنواع : أجودها
__________________
(١) بالأصل والزاد : جثاء. وهو تصحيف وإن ورد ـ في القاموس ٤ / ٣١١ ـ بمعنى الشخص. انظر : النهاية ١ / ١٦٦.
(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : إنه. وهو خطأ وتحريف.
الهندي ، ثم الصيني ، ثم القماري ، ثم المندلي. وأجوده : الأسود والأزرق الصلب الرزين الدسم. وأقله جودة : ما خف وطفا على الماء. ويقال : إنه شجر يقطع ويدفن في الأرض سنة ، فتأكل الأرض منه مالا ينفع ، ويبقى عود الطيب لا تعمل فيه الأرض شيئا ، ويتعفن منه قشره وما لا طيب فيه.
وهو حار يابس في الثالثة. يفتح السدد ويكسر (١) الرياح ، ويذهب بفضل الرطوبة ، ويقوى الأحشاء والقلب ويفرحه ، وينفع الدماغ ، ويقوى الحواس ، ويحبس البطن ، وينفع من سلس البول الحادث عن برد المثانة.
قال ابن سمجون (٢) : « العود ضروب كثيرة ، يجمعها اسم الألوة. ويستعمل من داخل وخارج ، ويتجمر به مفردا ومع غيره. وفى خلط (٣) الكافور به عند التجمير معنى طبي ، وهو : إصلاح كل منهما بالآخر. وفى التجمير (٤) مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه : فإنه أحد الأشياء السنة الضرورية ، التي في صلاحها إصلاح الأبدان ».
٦ ـ ( عدس ). قد ورد فيه أحاديث كلها باطلة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لم يقل منها (٥) شيئا. كحديث : « إنه قدس فيه سبعون نبيا » ، وحديث : « إنه يرق القلب ، ويغزر الدمعة ، وإنه مأكول الصالحين ». وأرفع شئ جاء فيه وأصحه : « إنه شهوة اليهود التي قدموها على المن والسلوى ».
وهو قرين الثوم والبصل في الذكر. وطبعه طبع المؤنث : بارد يابس. وفيه قوتان متضادتان ، ( إحداهما ) : يعقل الطبيعة. ( والاخرى ) : يطلقها. وقشره حار يابس في الثالثة ، حريف مطلق للبطن. وترياقه في قشره. ولهذا كان صحاحه أنفع من مطحونه ، وأخف على المعدة ، وأقل ضررا. فإن لبه بطئ الهضم : لبرودته ويبوسته.
__________________
(١) كذا بالأصل والزاد ١٧٦. ولعله مصحف عن « ويكثر ».
(٢) كذا بطبقات الأطباء ٢ / ٥١ و ٢١٢ ، وأحكام الحموي ٢ / ١٢٣. وصحف بالحاء في الأصل والزاد.
(٣) بالزاد : الخلط للكافور. وما في الأصل أظهر.
(٤) بالأصل والزاد : التجمر. وهو تحريف على ما في المصباح : (جمر).
(٥) بالزاد : شيئا منها.
وهو مولد للسوداء ، ويضر بالماليخوليا ضررا بينا ، ويضر بالأعصاب والبصر.
وهو غليظ الدم. وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء وإكثارهم منه يولد لهم أدواء رديئة : كالوسواس ، والجذام ، وحمى الربع. ويقلل ضرره السلق والاسفاناخ ، وإكثار الدهن. وأردأ ما أكل بالمكسود. وليتجنب خلط الحلاوة به : فإنه يورث سددا كبدية. وإدمانه يظلم البصر : لشدة تجفيفه ، ويعسر البول ، ويوجب الأورام الباردة ، والرياح الغليظة. وأجوده : الأبيض السمين السريع النضاج.
وأما ما يظنه الجهال : أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه ، فكذب مفترى. وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشوى ، وهو : العجل الحنيذ.
وذكر البيهقي عن إسحاق ، قال : « سئل ابن المبارك عن الحديث الذي جاء في العدس : أنه قدس على لسان سبعين نبيا. فقال : ولا على لسان نبي واحد ، وإنه لمؤذ منفخ ، من حدثكم به؟ قالوا : سلم بن سالم. فقال : عمن؟ قالوا : عنك. قال : وعنى أيضا؟! ».
حرف الغين
١ ـ ( غيث ). مذكور في القرآن في عدة مواضع. وهو لذيذ الاسم على السمع ، والمسمى على الروح والبدن : تبتهج الاسماع بذكره ، والقلوب بوروده. وماؤه أفضل المياه وألطفها ، وأنفعها وأعظمها بركة ، ولا سيما : إذا كان من سحاب راعد ، واجتمع في مستنقعات الجبال.
وهو أرطب من سائر المياه : لأنه لم تطل مدته على الأرض. فيكتسب من يبوستها ، ولم يخالطه جوهر يابس. ولذلك يتغير ويتعفن سريعا : للطافته ، وسرعة انفعاله.
وهل الغيث الربيعي ألطف من الشتوي ، أو بالعكس؟ فيه قولان.
قال من رجح الغيث الشتوي : حرارة الشمس تكون حينئذ أقل ، فلا تجتذب (١)
__________________
(١) بالزاد : يجتذب. ولعله تصحيف.
من ماء البحر إلا ألطفه. والجو صاف ، وهو خال من الأبخرة الدخانية والغبار المخالط للماء. وكل هذا يوجب لطفه وصفاءه ، وخلوه من مخالط.
وقال من رجح الربيعي : الحرارة توجب تحلل الأبخرة الغليظة ، وتوجب رقة الهواء ولطافته. فيخف بذلك الماء وتقل أجزاؤه الأرضية ، وتصادف وقت حياة النبات والأشجار وطيب الهواء.
وذكر الشافعي ـ رحمه الله ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : « كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأصابنا مطر : فحسر ثوبه (١) منه ، وقال : إنه حديث عهد بربه ». وقد تقدم في هديه في الاستسقاء ، ذكر استمطاره صلىاللهعليهوسلم وتبركه بماء الغيث عند أول مجيئه.
حرف الفاء
١ ـ ( فاتحة الكتاب ) ، وأم القرآن ، والسبع المثاني ، والشفاء التام ، والدواء النافع ، والرقية التامة ، ومفتاح الغنى والفلاح ، وحافظة القوة ، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن ، لمن عرف مقدارها ، وأعطاها حقها ، وأحسن ترتيلها (٢) على دائه ، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها ، والسر الذي لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك : رقى بها اللديغ ، فبرأ لوقته. فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : « وما أدراك أنها رقية ».
ومن ساعده التوفيق ، وأعين بنور البصيرة ـ حتى وقف على أسرار هذه السورة ، وما اشتملت عليه : من التوحيد ، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والافعال ، وإثبات الشرع والقدر والمعاد ، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية ، وكمال التوكل والتفويض إلى من له
__________________
(١) حتى أصابه من المطر. وعبارة الأصل : فحسى ( شرب ) منه. والزاد : فحسر عنه. وهى محرفة. انظر : السنن الكبرى ٣ / ٣٥٩ ، والزاد ١ / ١٢٦ ، والام ١ / ٢٢٣.
(٢) بالزاد ١٧٧ : تنزيلها. ولعله تصحيف.
الامر كله ، وله الحمد كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الامر كله ، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين. وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ، ودفع مفاسدهما ، وأن العافية (١) المطلقة التامة ، والنعمة الكاملة ، منوطة بها ، موقوفة على التحقق بها. ـ أغنته عن كثير من الأدوية والرقى ، واستفتح بها من الخير أبوابه ، ودفع بها من الشر أسبابه.
وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى ، وعقل آخر ، وإيمان آخر. وتالله : لا تجد مقالة فاسدة ، ولا بدعة باطلة ، إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها ، بأقرب طريق (٢) وأصحها وأوضحها. ولا تجد بابا من أبواب المعارف الإلهية وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها ، إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحه ، وموضع الدلالة عليه. ولا منزلا من منازل السائرين إلى رب العالمين ، إلا وبدايته ونهايته فيها.
ولعمر الله : إن شأنها لأعظم من ذلك ، وهى فوق ذلك. وما تحقق عبد بها ، واعتصم بها ، وعقل عمن تكلم بها ، وأنزلها شفاء تاما ، وعصمة بالغة ، ونورا مبينا : وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغي ـ ووقع في بدعة (٣) ولا شرك ، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا إلماما غير مستقر.
هذا. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض ، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة. ولكن : ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح. ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة ، وتحققوا بمعانيها ، وركبوا لهذا المفتاح أسنانا ، وأحسنوا الفتح به ـ : لو صلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق ، ولا ممانع.
ولم نقل هذا مجازفة ، ولا استعارة ، بل حقيقة. ولكن : لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين ، كماله حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم
__________________
(١) بالزاد : العاقبة. وهو تصحيف.
(٢) بالزاد : طرق.
(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : بدعته. وهو تحريف.
والكنوز المحجوبة قد استخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية : تحول بين الانس وبينها ، ولا تقهرها إلا أرواح علوية شريفة ، غالبة لها بحالها الايماني : معها منه أسلحة لا تقوم لها الشياطين.
وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة : فلا يقاوم تلك الأرواح ، ولا يقهرها ، ولا ينال من سلبها شيئا. فإن « من قتل قتيلا فله سلبه » (١).
٢ ـ ( فاغية ). هي : نور الحناء. وهى من أطيب الرياحين. وقد روى البيهقي في كتابه شعب الايمان ـ من حديث عبد الله بن بريدة ، عن أبيه رضي الله عنه ، يرفعه ـ : « سيد الرياحين ـ في الدنيا والآخرة ـ : الفاغية ». وروى فيه أيضا ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : « كان أحب الرياحين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الفاغية ». والله أعلم بحال هذين الحديثين ، فلا نشهد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما لا نعلم صحته.
وهى معتدلة في الحر واليبس ، فيها بعض القبض. وإذا وضعت بين طي ثياب الصوف : حفظتها من السوس. وتدخل في مراهم الفالج والتمدد. ودهنها يحلل الأعضاء ، ويلين العصب.
٣ ـ ( فضة ). ثبت : « أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان خاتمه من فضة ، وفصه منه. وكانت قبيعة (٢) سيفه فضة ». ولم يصح عنه في المنع من لباس الفضة والتحلي بها شئ البتة ، كما صح عنه المنع من الشرب في آنيتها. وباب الآنية أضيق من باب اللباس والتحلي. ولهذا يباح للنساء لباسا وحلية ، ما يحرم عليهن استعماله آنية. فلا يلزم من تحريم الآنية ، تحريم اللباس والحلية. وفى السنن عنه : « وأما الفضة فالعبوا بها لعبا ». فالمنع يحتاج إلى دليل يثبته : إما نص أو إجماع. فإن ثبت أحدهما ، وإلا : ففي القلب من تحريم ذلك على الرجال شئ. والنبي صلىاللهعليهوسلم أمسك بيده ذهبا وبالأخرى حريرا ، وقال : « هذان حرام على
__________________
(١) اقتباس لحديث مشهور ، مذكور في النهاية : ٢ / ٣٧٣.
(٢) كذا بالأصل والزاد ، والنهاية ٣ / ٢٢٤. وهى : التي تكون على رأس قائم السيف ، أو تحت شاربيه. ومن الغريب أن ق قد أصلحها بكلمة : « قبضة ». وهى جرأة خطيرة. وانظر : القاموس ٣ / ٦٥ ، والمختار واللسان (قبع).
ذكور أمتي ، وحل (١) لاناثهم ».
والفضة : سر من أسرار الله في الأرض ، وطلسم الحاجات ، وأحساب أهل الدنيا بينهم. وصاحبها مرموق بالعيون بينهم ، معظم في النفوس ، مصدر في المجالس : لا تغلق دونه الأبواب ، ولا تمل مجالسته ولا معاشرته ، ولا يستثقل مكانه ، تشير الأصابع إليه وتعقد العيون نطافها عليه ، إن قال سمع قوله ، وإن شفع قبلت شفاعته ، وإن شهد زكيت شهادته ، وإن خطب فكفء : لا يعاب ، وإن كان ذا شيبة بيضاء فهي أجمل عليه من حلية الشباب.
وهى من الأدوية المفرحة ، النافعة من الهم والغم والحزن ، وضعف القلب وخفقانه. وتدخل في المعاجين الكبار ، وتجتذب بخاصيتها ما يتولد في القلب : من الاخلاط الفاسدة ، خصوصا إذا أضيفت إلى العسل المصفى والزعفران.
ومزاجها إلى البرودة واليبوسة (٢). ويتولد عنها ، من الحرارة والرطوبة ، ما يتولد.
والجنان ـ التي أعدها الله عز وجل لأوليائه ، يوم يلقونه ـ أربع : جنتان من ذهب وجنتان من فضة ، آنيتهما ، وحليتهما (٣) ، وما فيهما.
وقد ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم ، في الصحيح ، أنه قال : « الذي يشرب في آنية الذهب والفضة ، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ». وصح عنه صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : « لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما (٤). فإنها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة ».
فقيل : علة التحريم : تضييق النقود ، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة التي وضعت لأجلها : من قيام مصالح بني آدم. وقيل : العلة الفخر والخيلاء. وقيل : العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين ، إذا رأوها وعاينوها.
وهذه العلل فيها ما فيها : فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلي بها ، وجعلها
__________________
(١) كذا بالزاد ٢٠ / ١٧٨. وهو المشهور. وفى الأصل : حرام.
(٢) بالزاد : اليبوسة والبرودة.
(٣) كذا بالزاد. وفى الأصل : وحليهما. ولعله تصحيف.
(٤) بالفتح الكبير ٣ / ٣٢٦ : صحافها. والحديث أخرجه الستة وأحمد.
سبائك ونحوها : مما ليس بآنية ولا نقد. والفخر والخيلاء حرام بأي شئ كان. وكسر قلوب المساكين لا ضابط له : فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة ، والحدائق المعجبة ، والمراكب ( الفارهة ، والملابس ) (١) الفاخرة ، والأطعمة اللذيذة ، وغير ذلك : من المباحات. وكل هذه علل منتقضة : إذ توجد العلة ويتخلف معلولها.
فالصواب أن العلة ـ والله أعلم ـ ما يكسب استعمالها القلب : من الهيئة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة. ولهذا علل النبي صلىاللهعليهوسلم ، بأنها للكفار في الدنيا : إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها (٢) في الآخرة. فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا ، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته ، ورضى بالدنيا وعاجلها من الآخرة. والله أعلم (٣).
حرف القاف
١ ـ ( قرآن ). قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ). والصحيح أن « من » ههنا لبيان الجنس ، لا للتبعيض. وقال تعالى : ( يا أيها الناس ، قد جاءتكم موعظة من ربكم ، وشفاء لما في الصدور ).
فالقرآن هو : الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة. وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به. وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ـ : لم يقاومه الداء أبدا.
وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء : الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والابدان ، إلا وفى القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه ، لمن رزقه الله فهما في كتابه.
__________________
(١) زيادة عن الزاد ، لا يبعد سقوطها من الأصل.
(٢) كذا بالزاد. وفى الأصل : ينالونها. وهو خطأ وتحريف.
(٣) هذه الجملة ليست بالزاد.
وقد تقدم ـ في أول الكلام (١) على الطب ـ بيان إرشاد القرآن العظيم إلى أصوله ومجامعه التي هي : حفظ الصحة ، والحمية ، واستفراغ المؤذى. والاستدلال بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع. وأما الأدوية القلبية ، فإنه يذكرها مفصلة ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها. قال : ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟! ) فمن لم يشفه بالقرآن فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه فلا كفاه الله.
٢ ـ ( قثاء ) (٢). في السنن ـ من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ـ : « أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يأكل القثاء بالرطب ». رواه الترمذي وغيره.
القثاء بارد رطب في الدرجة الثانية ، مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة ، بطئ الفساد فيها ، نافع من وجع المثابة. ورائحته تنفع من الغشى. وبزره يدر البول. وورقه إذا اتخذ ضمادا : نفع من عضة الكلب.
وهو بطئ الانحدار عن المعدة ، برده مضر ببعضها : فينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برودته ورطوبته. كما فعل النبي صلىاللهعليهوسلم : إذ أكله بالرطب. فإذا أكل بتمر أو زبيب أو عسل ـ : عدله.
٣ ـ ( قسط ) و ( كست ) (٣) بمعنى واحد. وفى الصحيحين ـ من حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : « خير ما تداويتم به : الحجامة ، والقسط البحري ».
وفى المسند ـ من حديث أم قيس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ـ : « عليكم بهذا العود الهندي ، فإن فيه سبعة أشفية ، منها : ذات الجنب ».
القسط ضربان (٤) : ( أحدهما ) الأبيض الذي يقال له : البحري. ( والآخر ) : الهندي
__________________
(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : الكتاب. ولعله تصحيف. وراجع صفحة ١ ـ ٧.
(٢) يستعمل كمسهل. ويجب استعماله بحذر اه د. وانظر ما تقدم : (ص ٨٠ ـ ٨١).
(٣) هو على أنواع كثيرة تختلف في مفعولها. فمثلا : القسط الهندي يستعمل كمقو ومنبه. والعربي يستعمل نادرا كمدر للبلغم في حالات الربو ، وفى تحضير العطور. ويمنع العتة عن الملابس اه د. وانظر. ما تقدم : (٦٤ ـ ٦٥ و٧٤ ـ ٧٥).
(٤) بالزاد ١٧٩ : نوعان.
(١٨ ـ الطب النبوي)
وهو أشدهما حرا ، والأبيض ألينهما. ومنافعهما كثيرة جدا.
وهما حاران يابسان في الثالثة : ينشفان البلغم ، قاطعان للزكام. وإذا شربا : نفعا من ضعف الكبد والمعدة ، ومن بردهما ، ومن حمى الدور والربع ، وقطعا وجع الجنب ، ونفعا من السموم. وإذا طلى به الوجه معجونا بالماء والعسل : قلع الكلف. وقال جالينوس : « ينفع من الكزاز ووجع الجنبين ، ويقتل حب القرع ».
وقد خفى على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب ، فأنكروه. ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس ، نزله منزلة النص. كيف : وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين ، على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب؟!. ذكره الخطابي عن محمد ابن الجهم.
وقد تقدم (١) : أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء ، أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء ، وأن بين ما يلقى بالوحي وبين ما يلقى بالتجربة والقياس ـ من الفرق ـ أعظم مما بين الفدم والقرم (٢).
ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى والمشركين ـ من الأطباء ـ : لتلقوه بالقبول والتسليم ، ولم يتوقفوا عن (٣) تجربته.
نعم : نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه ، فمن اعتاد دواء وغذاء : كان أنفع له وأوفق ممن لم يعتده ، بل ربما ( لم ) ينتفع به من لم يعتده.
وكلام فضلاء الأطباء ـ وإن كان مطلقا ـ فهو بحسب الأمزجة والأزمنة ، والأماكن والعوائد. وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم ، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق؟! ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم ، إلا من أمده (٤) الله بروح الايمان ، ونور بصيرته بنور الهدى.
__________________
(١) ص ٦ ـ ٧ وهامش صفحة ١.
(٢) كذا بالزاد. وهو الظاهر. أي بين العيى الثقيل والسيد الجليل. وبالأصل : القدم والفرق. ولعله تصحيف. (٣) بالأصل والزاد : على. والظاهر أنه مصحف عما أثبتنا.
(٤) بالزاد : أيده. والزيادة السابقة المتعينة عنه.
٤ ـ ( قصب السكر ). جاء في بعض ألفاظ السنة الصحيحة ( في ) (١) الحوض : « ماؤه أحلى من السكر ». ولا أعرف « السكر » في الحديث ، إلا في هذا الموضع.
والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدمو الأطباء ، ولا كانوا يعرفونه ، ولا يصفونه في الأشربة. وإنما يعرفون العسل ، ويدخلونه في الأدوية.
وقصب السكر حار رطب : ينفع من السعال ، ويجلو الرطوبة والمثانة ، وقصبة الرئة. وهو أشد تليينا من السكر. وفيه معونة على القئ ، ويدر البول ، ويزيد في الباه. قال عفان بن مسلم الصفار : « من مص قصب السكر بعد طعامه ، لم يزل يومه أجمع في سرور » انتهى. وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق : إذا شوى. ويولد رياحا دفعها : بأن يقشر ويغسل بماء حار.
والسكر حار رطب على الأصح. وقيل : بارد. وأجوده : الأبيض الشفاف (٢) الطبرزذ. وعتيقه ألطف من جديده. وإذا طبخ ونزعت رغوته : سكن العطش والسعال. وهو يضر المعدة التي تتولد فيها الصفراء : لاستحالته إليها. ودفع ضرره : بماء الليمون ، أو النارنج ، أو الرمان اللفاء (٣).
وبعض الناس يفضله على العسل : لقلة حرارته ولينه. وهذا تحامل منه على العسل : فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر ، وقد جعله الله شفاء ودواء (٤) وإداما وحلاوة. وأين نفع السكر من منافع العسل : من (٥) تقوية المعدة ، وتليين الطبع ، وإحداد البصر ، وجلاء ظلمته ، ودفع الخوانيق بالغرغرة به ، وإبرائه من الفالج واللقوة ، ومن جميع العلل الباردة :
__________________
(١) أي : الواردة فيه. والزيادة عن الزاد.
(٢) كذا في القاموس ١ / ٣٥٥ ، والمختار. وبالأصل والزاد : الطبرزد. ولعله تصحيف أو مما ورد بالدال والذال كبغداد.
(٣) يعنى : المقشر ، أو الحقير الصغير. راجع القاموس والمختار : (لفأ). وبالأصل والزاد : اللفان. والظاهر أن أصله ما ذكرناه.
(٤) كذا بالزاد. وفى الأصل : ورواء. وهو تصحيف : لان « الرواء » بالضم : حسن المنظر. وبالكسر القوم الذين حصل لهم الري. وكل غير مراد.
(٥) بالزاد : أمن. وهو تحريف.
التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات ، فيجذبها من قعر البدن ومن جميع البدن. وحفظ صحته وتسخينه ، والزيادة في الباه ، والتحليل والجلاء ، وفتح أفواه العروق ، وتنقية المعى (١) ، وإحدار الدود ، ومنع التخم وغيره من العفن ، والأدم النافع ، وموافقة من غلب عليه البلغم ، والمشايخ ، وأهل الأمزجة الباردة؟!. وبالجملة : فلا شئ أنفع منه للبدن وفى العلاج ، وعجن (٢) الأدوية وحفظ قواها ، وتقوية المعدة. إلى أضعاف هذه المنافع. فأين للسكر مثل هذه المنافع والخصائص ، أو قريب منها؟!.
حرف الكاف
١ ـ ( كتاب للحمى ). قال المروزي : بلغ أبا عبد الله أنى حممت ، فكتب لي من الحمى رقعة فيها : « بسم الله الرحمن الرحيم ، باسم الله ، وبالله ، ومحمد (٣) رسول الله ، ( قلنا : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، وأرادوا به كيدا ، فجعلناهم الأخسرين ). اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل : اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك جبروتك ، إله الخلق (٤). آمين ».
قال المروزي : « وقرئ (٥) على أبى عبد الله ـ وأنا أسمع ـ : حدثنا أبو المنذر عمرو بن مجمع : حدثنا يونس بن حبان ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي ، أن أعلق التعويذ ، قال : إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبي الله ، فعلقه واستشف به ما استطعت. قلت : أكتب هذه من حمى الربع : باسم الله وبالله ومحمد رسول الله ( إلى آخره )؟ قال :؟ ى نعم ».
__________________
(١) واحد الأمعاء كما في المختار ، والنهاية ٤ / ١٠١. ورسم في الأصل والزاد بالألف.
(٢) بالزاد : وعجز. ولعله مصحف عما في الأصل.
(٣) كذا بالأصل ، وطب الذهبي (١٥٠ بهامش التسهيل) ، والاحكام النبوية للحموي ٢ / ٣٩. وبالزاد : محمد.
(٤) بالزاد وطب الذهبي : الحق. وفى الاحكام : يامن له الحلق.
(٥) بالزاد : وقرأ ... وأنا أسمع أبو المنذر.
وذكر الإمام أحمد ـ عن عائشة رضي الله عنها ، وغيرها ـ : أنهم سهلوا في ذلك. قال حرب : « ولم يشدد فيه أحمد بن حنبل ». قال أحمد : « وكان ابن مسعود يكرهه كراهة شديدة جدا ». وقال أحمد ـ وقد سئل ( عن ) (١) التمائم تعلق بعد نزول البلاء؟ قال : « أرجو أن لا يكون به بأس ». قال الخلال : وحدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : « رأيت أبى يكتب التعويذ للذي يفزع ، وللحمى بعد وقوع البلاء ».
( كتاب لعسر الولادة ). قال الخلال : حدثني عبد الله بن أحمد ، قال : رأيت أبى يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها ـ في جام أبيض ، أو شئ نظيف ـ يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما (٢) : « لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، ( الحمد لله رب العالمين ) ، (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) ، (كأنهم يوم يرون ما يوعدون ، لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) ».
قال الخلال : أنبأنا أبو بكر المروزي : « أن أبا عبد الله جاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ، تكتب لامرأة قد (٣) عسر عليها ولدها منذ يومين؟ فقال : قل له يجئ بجام واسع وزعفران. ورأيته يكتب لغير واحد ». ويذكر عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : « مر عيسى ـ صلى الله على نبينا وعليه وسلم ـ على بقرة : وقد (٤) اعترض ولدها في بطنها ، فقالت : يا كلمة الله ، ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه. فقال : يا خالق النفس من النفس ، ويا مخلص النفس من النفس ، ويا مخرج النفس من النفس : خلصها. ( قال ) : فرمت بولدها ، فإذا هي قائمة تشمه. ( قال ) : فإذا عسر على المرأة ولدها ، فاكتبه لها ».
وكل ما (٥) تقدم من الرقي ، فإن كتابته نافعة. ورخص جماعة من السلف في كتابة
__________________
(١) زيادة عن الزاد. وراجع في هذا البحث : طب الذهبي ١٤٨.
(٢) بالزاد : « عنه ... كأنهم يوم يرون ما يوعدون ... بلاغ. كأنهم يوم يرونها ... أو ضحاها ». وانظر : أحكام الحموي ٢ / ٤١ ، وطب الذهبي ١٤٧.
(٣) كذا بأحكام الحموي ٤٢ ، ولفظها : ما تكتب إلخ. وفى الأصل والزاد : وقد. وهو تحريف.
(٤) كذا بالأصل وأحكام الحموي. وفى الزاد : قد. وكل صحيح.
(٥) بالأصل والزاد : وكلما. ولعله رسم قديم.
بعض القرآن وشربه ، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه.
( كتاب أحر لذلك ). يكتب في إناء نظيف : ( إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحقت ، وإذا الأرض مدت ، وألقت ما فيها وتخلت ) ، وتشرب منه الحامل ، ويرش على بطنها.
( كتاب للرعاف ) كان شيخ الاسلام ابن تيمية ـ قدس (١) الله روحه ـ يكتب على جبهته : ( وقيل : يا أرض ابلعي ماءك ، ويا سماء اقلعي ، وغيض الماء ، وقضى الامر ). وسمعته يقول : « كتبتها لغير واحد ، فبرأ » ، فقال : « ولا يجوز كتابتها بدم الراعف ، كما يفعله الجهال. فإن الدم نجس : فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى ».
( كتاب آخر له ) : « خرج موسى عليهالسلام برداء ، فوجد منبعا (٢) فسده بردائه. (يمحو الله ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب) ».
( كتاب آخر للحزاز ). يكتب عليه : « ( فأصابها (٣) إعصار فيه نارفاحترقت ) بحول الله وقوته ».
( كتاب آخر له ). عند اصفرار الشمس ، يكتب عليه : ( يا أيها الذين آمنوا ، اتقوا الله وآمنوا برسوله : يؤتكم كفلين من رحمته ، ويجعل لكم (٤) نورا تمشون به ، ويغفر لكم. والله غفور رحيم ).
( كتاب آخر للحمى المثلثة ). يكتب على ثلاث ورقات لطاف : « باسم الله فرت ، باسم الله مرت ، باسم الله قلت » ، ويأخذ كل يوم ورقة ، ويجعلها في فمه ، ويبتلعها بماء.
( كتاب آخر لعرق النساء ) : « بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم رب كل شئ ، ومليك
__________________
(١) بالزاد : رحمه الله.
(٢) كذا بأحكام الحموي ٢ / ٤٣. وفى الأصل والزاد : « شعيبا فشده ». وهو تصحيف خطير اضطر ناشر مطبوعة حلب أن يثبت بآخر النص قوله : « هكذا في النسختين المطبوعة والمخطوطة ».
(٣) كذا بالزاد ١٨١ ، وأحكام الحموي ٤٢ ، وسورة البقرة : (٢٦٦) وصحف في الأصل بالواو.
(٤) كذا بالزاد والاحكام ٤٣ ، وسورة الحديد : (٢٨). وحرف في الأصل بلفظ : له.
كل شئ ، وخالق كل شئ ، أنت خلقتني ، وأنت خلقت (١) عرق النساء في ، فلا تسلطه علي بأذى ، ولا تسلطني عليه بقطع. واشفني شفاء لا يغادر سقما ، لا شافى إلا أنت ».
( كتاب للعرق الضارب ). روى الترمذي في جامعه ـ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ـ : « أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها ، أن يقولوا : باسم الله الكبير ، أعوذ بالله العظيم ، من شر عرق نعار ، ومن شر حر النار ».
( كتاب لوجع الضرس ). يكتب على الخد الذي يلي الوجع : « بسم الله الرحمن الرحيم ، ( قل : هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار ( والأفئدة ) (٢) ، قليلا ما تشكرون ) ». وإن شاء كتب : ( وله ما سكن في الليل والنهار ، وهو السميع العليم ).
( كتاب للخراج ). يكتب عليه : ( ويسألونك عن الجبال ، فقل : ينسفها ربى نسفا ، فيذرها قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ).
٢ ـ ( كمأة ). ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : « الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين ». أخرجاه في الصحيحين.
قال ابن الاعرابى : « الكمأة جمع واحده : « كمء ». وهذا خلاف قياس العربية : فإن ما بينه وبين واحده التاء ، فالواحد منه بالتاء. وإذا حذفت كان للجمع. وهل هو جمع؟ أو اسم جمع؟ على قولين مشهورين. قالوا : ولم يخرج عن هذا إلا حرفان : كمأة وكمء ، وخبأة وخبء ». وقال غير ابن الاعرابى : « بل هي على القياس : الكمأة للواحد ، والكمء للكثير ». وقال غيرهما : « الكمأة تكون واحدا وجمعا ».
واحتج أصحاب القول الأول : « بأنهم قد جمعوا (كمأ) (٣) على (أكمؤ) ، قال الشاعر :
__________________
(١) بالزاد : خلقت النساء فلا. وانظر أحكام الحموي ٢ / ٤٠.
(٢) الزيادة عن الزاد ، وسورة الملك : (٢٣). وانظر الاحكام.
(٣) كذا بالأصل ، وهو المراد. والغرض إبطال أن الكمء جمع. لان « أكمؤا » جمع قلة. وفى الزاد : كمأة. وهو تحريف وخطأ لا يصح الاحتجاج به إلا لأصحاب المذهب الثالث. فتأمل ، وراجع : اللسان ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، والقاموس ١ / ٢٦ ـ ٢٧ ، وأحكام الحموي ١ / ٦٨.
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا |
|
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر |
وهذا يدل على أن كمأ (١) مفرد ، وكمأة جمع.
والكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع. وسميت كمأة : لاستتارها. ومنه « كمأ الشهادة » : إذا سترها وأخفاها. والكمأة مختفية (٢) تحت الأرض ، لا ورق لها ولا ساق.
ومادتها من جوهر أرضى بخارى ، محتقن في الأرض نحو سطحها : يحتقن ببرد الشتاء ، وتنميه أمطار الربيع ، فيتولد ويندفع نحو سطح الأرض متجسدا. ولذلك يقال لها : جدري الأرض ، تشبيها بالجدري في صورته ومادته : لان مادته رطوبة (٣) دموية تندفع (٤) عند سن الترعرع في الغالب ، وفى ابتداء استيلاء الحرارة ونماء القوة.
وهى مما يوجد في الربيع ، ويؤكل نيئا ومطبوخا. وتسميها العرب : نبات الرعد ، لأنها تكثر بكثرته ، وتنفطر عنها الأرض. وهى من أطعمة أهل البوادي ، وتكثر بأرض العرب. وأجودها : ما كانت أرضها رملية قليلة الماء. وهى أصناف ، منها : صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة. يحدث لأجله الاختناق.
وهى باردة رطبة في الدرجة الثالثة ، رديئة للمعدة ، بطيئة الهضم. وإذا أدمنت أورثت القولنج والسكتة والفالج ، ووجع المعدة ، وعسر البول. والرطبة أقل ضررا من اليابسة.
ومن أكلها فليدفنها في الطين الرطب ، ويسلقها (٥) بالماء والملح والصعتر ، ويأكلها بالزيت والتوابل الحارة. لان جوهرها أرضى غليظ ، وغذاءها (٦) ردئ ، لكن فيها جوهر مائي لطيف يدل على خفتها. والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر ، والرمد الحار.
__________________
(١) رسم بالأصل والزاد هكذا : كمء. ولعله على سبيل الحكاية.
(٢) بالزاد : مخفية.
(٣) كذا بالزاد وأحكام الحموي ١ / ٦٩. وفى الأصل : مادة رطوبته. وهو تحريف.
(٤) بالزاد : فتندفع.
(٥) بالأصل : ويصقلها. وبالزاد : ويصلقها. وكلاهما تصحيف على ما في المختار والمصباح. ولفظ الاحكام : وتسلق.
(٦) بالزاد والاحكام : وغذاؤها. وكل صحيح.