كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها

أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار القيرواني [ ابن الجزّار ]

كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها

المؤلف:

أحمد بن ابراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار القيرواني [ ابن الجزّار ]


المحقق: سلمان قطابة
الموضوع : الطّب
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٩

القيروان ومدرستها الطبية

لم يكن قبل وصول العرب الى تونس الاّ بعض القرى المتفرقة هنا وهناك الضعيفة المبنى ، القليلة المساكن ، وبعض الحصون المتلاشية في البراري.

ولكن العرب حينما قدموا فاتحين لم يجدوا سوى خرائب مهدمة تعلوها مسحة من زخرف قديم أبلاه الدهر. و « عبثا يحاول بعض المغرضين من كتاب الافرنج اليوم اظهار البلاد التونسية في مظهر العمران الزاخر ، والزخرف البديع ، وغزارة التمدين قبيل قدوم العرب وحين استيلائهم على افريقية ... فلو كانت في البلاد عاصمة قديمة تناسب الفاتحين لما ارتادوا سواها كما فعلوا بدمشق الشام ، وطليطلة ، ثم قرطبة بالأندلس(١) ».

وأول مدينة أسسها العرب في تونس كانت القيروان أسسها القائد عقبة ابن نافع عام ٥٠ ه‍. ونزل قوم من قبيلته « فهر » وهي من بطن قريش في الجهة الشمالية من الجامع ، وعرف الحي باسم منازل الفهريين.

ثم أعاد بناؤها عام ٦٢ عند ما عاد ثانية الى أفريقيا.

وتوسعت المدينة وازدانت وازدهرت وجدد كبار الولاة الأمويين وزادوا في معالمها فبنى حسان بن النعمان ديوانا للجند ، وآخر للخراج ، وديوانا للرسائل ..

وأسس موسى بن نصير دارا لضرب العملة ، ونظم أسواقها للتجارة والصناعة وكافة المهن الأمير يزيد حاتم المهلبي وبعد مرور مئة عام أصبحت القيروان مدينة كبيرة شهيرة تنافس البلدان الإسلامية في الشرق والغرب.

وفي أواخر القرن الثاني للهجرة نال بنو الأغلب التميميون الاستقلال

٤١

بامارة(٢) أفريقية ، ولم ينسلخوا عن الخلافة في بغداد ، فوصلت القيروان في عصر الأغالبة الى مستوى رفيع من الحضارة والمدنية. وأنشأ الأغالبة مدينتين مجاورتين للعاصمة القيروان وهما العباسية ثم رقّادة واتخذوهما مقرا لسكناهم ومركزا لمصالح الدولة فيهما.

ولم يؤثر ذلك على قيمة القيروان ومركزها من الناحية العلمية الثقافية بحيث كانت تجتذب اليها الطلاب من كل حدب وصوب.

ثم قام الأمير ابراهيم الثاني بتأسيس جامعة علمية (هي دار الحكمة) لدراسة الفلسفة والطب والفلك وتقويم البلدان في مدينة رقادة مقلدا بذلك بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة العباسي المأمون في بغداد. وزوده بالكتب الكثيرة ، وكان يرتاده العلماء من كل أنواع الاختصاص ، فترجمت كتب كثيرة ، وألف غيرها.

وعند ما استولى الفاطميون على تونس اهملت القيروان لأنها كانت معقلا من معاقل السنة المالكيين. وبنى عبيد الله عاصمة جديدة له أسماها المهدية. ولكن تأثير القيروان كان قد ذهب بعيدا الى فاس وقرطبة.

وكان في القيروان بيمارستان هو الأول من نوعه في افريقية انشىء في مكان يدعى « الدمنة » فأصبح اسم المستشفى « الدمنة »(٣).

ويبدو أنه كان كبيرا فيه اكثر من ثلاثين غرفة للمرضى ، وكان يزوره الأطباء ، كما كان يزوره أمراء الأغالبة في المناسبات لتفقد أحوال المرضى وأشهر من اهتم به هو زيادة الله الأكبر. كما ألحقت به مجذمة.

وكان الوجهاء والأغنياء يتبرعون بالمال والعطايا لمساعدته.

وظل المستشفى قائما حتى خراب القيروان من جراء الزحفة الهلالية في منتصف القرن الخامس للهجرة.

ومن المؤسف أنه لم يصلنا وصف مفصل ودقيق للبيمارستان القيرواني ولكننا نجزم بأنه كان لا يقل تنظيما عن مثيلاته من بيمارستانات الشرق (٤)كالبيمارستان العضدي.

والمعلوم أنه كان لكل بيمارستان أوقاف كثيرة تموله علاوة على الهدايا

٤٢

والهبات ، كذلك كان يعمل به عدد وافر من الأطباء كل في اختصاصه (٥): كالجرائحي ، والكحال ، والطب الداخلي. وكان للأطباء رئيس وفيه قسم للأمراض السارية الخطرة كالجذام ، وقسم للمجانين. وصيدلية يقوم عليها صيدلي ومساعدون.

وكان البيمارستان عبارة عن مدرسة طبية أيضا فيها أساتذة كبار وطلاب من مختلف الأصقاع والأقطار(٦) ، ومكتبات عامرة.

ونظرا للمكانة التي كان يتمتع بها ابن الجزّار فلا شك بأنه كان استاذا في هذا البيمارستان الشيء الذي دفعه الى تأليف الكتب العديدة لحاجة الطلاب لها. كذلك طلابه الذين تخرجوا عنه ، والأطباء الكثيرون الذين ذكروا مؤلفاته في كتبهم.

وهكذا تشكلت في القيروان مدرسة طبية تدعى بالمدرسة الطبية القيروانية. وتضم « المدرسة القيروانية الطبية » لفيفا من مشاهير الأطباء العرب.

وكان أول من بدأ الطب فيها اسحاق بن عمران(٧) ، وهو مسلم النحلة ، على عكس ما يوحي به اسمه. وكان يلقب بسم ساعة أي أنه كان سريع شفاء المرض. ولد ونشأ في بغداد ولا نعرف عن نشأته الا القليل ولكننا بمقارنة الزمن الذي عاش فيه ، لا بد أنه قد أخذ عن أكابر العلماء في ذلك في « بيت الحكمة العباسي » وبلغ من شهرته أن استدعاه الخليفة الأغلبي زيادة الله. وقصة وروده الى افريقية والشروط الثلاثة التي وعد بها الخليفة ثم حنث بها مشهورة.

وهكذا قتل ابن عمران عام ٢٩٤ أو ٢٩٥ ه‍ (٩١٧ ـ ٩٠٨ م) ، ولم تلبث دولة الأغالبة بعد وفاته بقليل أن انهارت *.

وقضى في تونس قرابة العشرين عاما. ويذكر ابن أبي أصيبعة له : ثلاثة عشر كتابا في مختلف المواضيع الطبية.

فيكون اسحق رأس المدرسة الطبية القيروانية التي كانت امتدادا

____________________

(*) انتهى زيادة الله الاغلبي نهاية يائسة فقد هرب الى مصر بعد أن ، استولى عبيد الله على الحكم ، ثم الى القدس حيث توفي فيها فقيرا يائسا.

٤٣

للمدرسة الشرقية البغدادية وجزءا منها.

ومنهم أيضا : اسحاق بن سليمان الاسرائيلي(٩) ، وهو أستاذ أحمد بن الجزّار ، نشأ في مصر وتعاطى الكحالة ، ثم قدم الى تونس لخدمة الأمير زيادة الله الثالث عام ٢٩٢ ه‍ ـ ٩٠٥ م ، وتتلمذ على ابن عمران. وعمّر طويلا حوالي المئة سنة.

وعند ما انتهت دولة الأغالبة ، انقلب عليهم وانضم الى خدمة عبيد الله المهدي ، وكان الى جانب براعته في الطب بارعا في المنطق والفلسفة.

« وكان معاصروه من يهود افريقية يجلونه اجلالا عظيما حتى انهم اسندوا اليه رياستهم الدينية ، وقد ألّف لهم كثيرا من الكتب في تفسير تعاليمهم كما سن لهم تقاليد شرعية ساروا عليها الى زمن الزحفة الهلالية وبعدها بقليل(١٠) ».

وله كتب كثيرة ، كان يفتخر بأحدها وهو كتاب الحميات الذي ترجمه قسطنطين الافريقي الى اللاتينية ، وهو الكتاب الوحيد الذي لم ينتحله لنفسه وذكر اسم مؤلفه الحقيقي ... ربما لقلة أهميته.

ومن أطباء القيروان أيضا : بنو الجزّار(١١). أولهم عم أحمد ، الذي تتلمذ على ابن عمران وتلميذه الاسرائيلي ، كما أخذ عنه أحمد وصفات طبية عديدة يذكرها في كتبه.

وابراهيم بن الجزار ، والد أحمد ، كان كحالا ويعمل مع أخيه.

ومن أطباء المدرسة القيروانية ايضا زياد بن خلفون(١٢) ، وخدم المهدي.

ويصفه ابن عذارى(١٣) بقوله : « وكان زياد بن خلفون عالما بالطب حسن الذهن فيه وكان عبيد الله قد احتاج الى زياد فقربه من نفسه ».

وقتله بعض حساده في القيروان عام ٣٠٨ ه‍ / ٩٢٠ م.

ومن المعلوم أن أطباء ذلك الزمان كانوا يجمعون العلم والأدب والفلسفة ، الاّ أن ابن ظفر(١٤) غلب عليه الأدب ، اذ كان شاعرا وأديبا ، قال عنه ابن عذارى « كان أديب دهره ، وطريف عصره ، علما وفقها وأدبا ووفاء » ولم تقتصر شهرة وتأثير وفضل المدرسة القيروانية على افريقية

٤٤

والمغرب والأندلس ، بل كان لها باع طويل في نشر العلم في أوروبا نفسها ، وتأسيس أحد أركان النهضة الأوربية.

اذ انتشرت العلوم الطبية العربية الى أوربا عن عدة طرق : الأندلس ، وذلك بالترجمات التي جرت بشكل خاص في طليطلة على يد جيرار الكريموني.

ومباشرة من الشرق عن طريق الحروب الصليبية والطرق التجارية ، وبعض الرحالة أمثال الباجو الذي زار دمشق ، ومكث فيها ردحا من الزمن وترجم بعض الكتب.

أو عن القاهرة والاسكندرية بالطرق نفسها.

كذلك عن طريق هام جدا ألا وهو جزيرة صقلية ومدرسة ساليرنو في جنوب ايطاليا.

وعن هذه الطريق الأخيرة انتشرت المدرسة الطبية القيروانية. وكان في ساليرنو مستشفى منذ القرن السابع الميلادي ، وانشئت فيها مدرسة طبية. وفي بداية القرن العاشر جعل الملوك يستدعون أطباءها ويترددون عليها للعلاج(١٥).

ولكن طب ساليرنو كان اغريقيا لاتينيا.

وشعر أمراء المدينة بتفوق الطب العربي وتقدمه ، فبدأ الملوك النورمانديون أمثال فريدريك الثاني بتشجيع العلماء العرب على القدوم اليهم ، وعلى ترجمة كتبهم.

لذلك فعند ما قدم قسطنطين الافريقي الى ساليرنو كانت التربة مهيأة لغرس الطب العربي فيها(١٦).

وحياة قسطنطين فيها قسمان (حسب ما جاء في سيرته التي كتبها بير داكر P. DACRE) الأول : شبه مجهول وخرافي اذ يقال انه ولد في قرطاجنة (التي تعني تونس على الأكثر) (١٧)، ثم ذهب الى العراق وسوريا ومصر ، ومنهم من يضيف الحبشة والهند ، وعند ما عاد الى تونس من جديد اتهم بالسحر والزندقة فهرب الى ساليرنو.

٤٥

الاّ أننا لا نجد لا سمه ذكرا في كتابات الأطباء أو المؤرخين العرب.

كذلك فان العلم في تونس كان قد بلغ شأوا عاليا فلما ذا اتهم بالسحر ويهرب سرا؟؟.

كلها أسئلة لا تزال بدون جواب!.

المهم أنه تونسي (١٠١٥ ـ ١٠٨٧ م) نقل العلم العربي الى أوربا.

وكما يقول لوكلير(١٨) ان ذلك لا يعني الا شيئا واحدا وهو أنه جزء من المدرسة العربية وقد سبب في أوربا بداية النهضة الطبية ولهذا فان مكانته ستظل هامة في تاريخ طب العصور الوسطى ». ويبدو أنه كان مسلما ثم تنصّر.

أما القسم الثاني من حياته فهو معروف اذ أنه بعد أن تعرف على أمير ساليرنو دخل في رهبنة مونتي كاسينو ، وكتب كتبا كثيرة. ذهب بها تلميذه حنا JEAN الى نابولي ومات هناك ، وهو عربي فارسي الأصل.

ويقول لوكلير(١٩) « يعطي (قسطنطين) اسم المؤلف الحقيقي للكتب التي ترجمها مرة واحدة فقط * ، بينما في الكتب الأخرى ، وهي أهم ما ترجمه ، لا يكتفي بكتمان الاسم الأصلي للمؤلف ، بل نجده يضع في المقدمة أسماء أطباء يونانيين ، كما لو أنه كان يريد تقديم البديل ».

أما كتاب ابن الجزار « زاد المسافر » فقد ترجمه تحت اسم VIATIQUE ولم يذكر اسم ابن الجزّار.

كذلك فعل بكتاب علي بن العباس المجوسي : الكتاب الملكي اذ ترجمه تحت اسم PENTAGNI.

والأقبح أنه كتب في مقدمة كتاب ابن الجزّار ما يلي(٢٠) : « أنا ، قسطنطين راهب مونتي كاسينو ، أعمل لخير الجميع ، لقد نشرت كتاب بانتاغني ، حيث يجد البعض فيه النظريات ، ويجد البعض الآخر النظري والعملي ، أما بالنسبة للمبتدئين ، فقد ألفت كتابا أسهل ... واذا ما وضع بعضهم أنيابهم على الكتاب ، فلسوف ألقي بهم نياما في ضلالاتهم .. اعتقدت

____________________

(*) هو اسم اسحق بن سليمان الاسرائيلي مؤلف كتاب الحميات كما سبق وقلنا.

٤٦

بأنه من الضروري أن أنبّه الى هذا ، لان رجالا حسودين من عمل الآخرين ، عند ما يقع بين أيديهم كتاب غريب ، فسرعان ما ينتحلونه لأنفسهم ويضعون اسمهم عليه؟ ».

وهذا ما كان يفعله هو تماما. اذ كان ينتحل الكتب التي يترجمها لنفسه. وترجم مع مساعديه قرابة الأربعين كتابا.

وقد ترجم « زاد المسافر » الى اليونانية. ويعتقد لوكلير أن قسطنطين قد ترجمه بمساعدة أحد الرهبان لأنه لم يكن يتقن سوى اللاتينية.

وانتشر العلم العربي من مدرسة ساليرنو الى سائر جامعات أوروبا اذ أن جمعا منهم (٢١)ذهب عام ١١٦٠ م الى جنوب فرنسا وخاصة مونبيليه التي تعد وريثة ساليرنو. ومن علمائها بيير جيل دور كوربي * الذي نقل تعاليمها الى مونبيليه ثم باريس وأصبح طبيب الملك فيليب أوغست ولقب « برسول ساليرنو عبر الألب ».

وكان لها أيضا تأثير كبير على جامعات باليرمو ، وبولونيا ، وبادوفا في ايطاليا. وهي المدارس التي انطلقت منها النهضة الأوروبية.

وهكذا وكما يقول لوكلير « نعتقد مع دالا نبرغ أننا مدينون له (لقسطنطين) بالكثير لأنه فتح عيون اللاتينيين على كنوز الشرق وبالنتيجة على اليونان وأنه يستحق لقب مطعم الغرب بالرسائل الطبية الشرقية ، وأنه من العدالة أن يقام له تمثال قرب ساليرنو ». وكان الفضل في هذا يعود الى التونسي قسطنطين سليل المدرسة القيروانية العربية.

* * *

____________________

(*) PIERE ـ GILLES DE CORBEIL الذي كان أستاذا في كلية الطب بباريس وألف ارجوزة طبية تقليدا للاطباء العرب وفيها مقاطع هامة مأخوذة من كتاب البول لاسحق بن سليمان.

٤٧

١ ـ عبد الوهاب حسن حسني : ورقات عن الحضارة العربية بأفريقية التونسية ـ القسم الأول ـ مكتبة المنار ـ تونس ـ الطبعة الثانية ـ ١٩٧٢ ـ ص : ٤١.

٢ ـ عبد الوهاب حسن حسني : ص : ٦٤.

٣ ـ عبد الوهاب حسن حسني : ص : ٢٧٣.

٤ ـ د. عيسى بك أحمد : تاريخ البيمارستانات في الاسلام ـ المطبعة الهاشمية ـ دمشق ١٩٣٩ ـ ص : ١٧٨.

٥ ـ د. عيسى بك أحمد : ص : ١٨ ـ ٤٣.

٦ ـ الدكتور سلمان قطاية : التعليم الطبي عند العرب ـ مجلة « الباحث » ـ العدد الرابع آذار ١٩٧٩ ـ باريس.

٧ ـ ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء ـ دار الحياة ـ بيروت ـ ١٩٦٥ ـ ص : ٤٧٨.

٨ ـ ابن أبي أصيبعة : ص : ٤٧٩.

٩ ـ ابن أبي أصيبعة : ص : ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

١٠ ـ المصدر رقم ١ ، ص : ٢٣٧.

١١ ـ المصدر رقم ١ ، ص : ٢٣٩.

١٢ ـ المصدر رقم ١ ، ص : ٢٤١.

١٣ ـ المصدر رقم ١ ، ص : ٢٤٢.

١٤ ـ المصدر رقم ١ ، ص : ٢٤٣.

١٥ ـ غليونجي بول : ابن النفيس ـ اعلام العرب ـ الدار المصرية للتأليف والترجمة ، القاهرة ص : ١٤٩. د. الشطي أحمد شوكت : العرب والطب ـ وزارة الثقافة ـ دمشق : ١٩٧٠ ، ص : ١٢٠.

١٦ ـ Lucien Lecrerc : Histoire de la Medecine Arabe ـ N. Y. ١٨٧٨ ـ Tome ١ ـ P : ٥٣٩ ..

١٧ ـ Tome I ـ P. ٥٣٩ ..

١٨ ـ Tome I ـ P : ٥٤٠ ..

١٩ ـ Tome I ـ P : ٥٤٠ ..

٢٠ ـTome II,P. ٣٥٦ ..

٢١ ـ المصدر رقم ١٥ ، ص : ١٥١.

٤٨

٤٩

٥٠

٥١

٥٢

٥٣

٥٤

الكتاب

٥٥
٥٦

الكتاب

تؤكد كل المراجع على أن لابن الجزار كتابا عن أمراض المعدة. ويرد اسم الكتاب بأشكال مختلفة. فهو كتاب « في المعدة وأمراضها ومداولتها » بالنسبة لابن أبي أصيبعة ، وكتاب « في المعدة » أو « في طب المعدة » كما ورد في مخطوطة الظاهرية.

ويذكره كل من بروكلمان ، وأولمان ، وسيزكين.

ويؤكدون جميعا على أن قسطنطين الافريقي قد ترجمه الى اللاتينية ونسبه الى نفسه.

ويدعي بعضهم أنه أخذه عن كتاب لروفس وهو « مقالة في تدبير المسافر » ، كما أننا نجد ذكرا لكتاب ابن الجزار الآخر « زاد المسافر » في الكتاب ، مما يؤكد نسبته ، ويدل على أنه قد ألفه بعده.

كذلك فان ابن الجزار لا يني يذكر وصفات أخذها عن عمه محمد بن أحمد. والمعروف أن ابن الجزّار سليل عائلة اشتهر أفرادها بمزاولة الطب ومنها عمه محمد.

وتوجد في العالم نسختان فقط من الكتاب : الواحدة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت الرقم : [ ١٥ ط ] الرقم القديم ٣١٦٦ طب ٩٩ وهي التي اعتمدناها لأنها الأكمل ، وتقع في ١٤٠ ورقة أبعادها : ١٦ * ٢٥ سم. وتحتوي كل صفحة على ١٣ سطر تقريبا ، وكل سطر على ٨ كلمات وسطيا.

والخط نسخي قديم رديء ، صعب القراءة ، بلونين أسود وأحمر ، وبعض المقاطع مطموسة لا تقرأ.

وقد كتب على الصفحة الأولى كلام يفهم منه أن معتوق بن بكر بن عمر

٥٧

ابن البروري البغدادي قد كتبه عام ٦٩٥ ه‍ (١٢٩٥ م) وأن ابنه محفوظا قد أوقفه على طالبي العلم من سائر طوائف المسلمين ، وقفا مؤبدا بخزانة « نزيه الواقف بسفح جبل قاسيون بالصالحية بزقاق مجاور لمسجد بن براق » على أن يكون لاولاده من بعده « الأرشد فالأرشد » وعلى كل من يقرأة أن يقرأ الفاتحة على روح الواقف.

ثم ينزل اللعنات على كل من يخالف ذلك. ويذكر تاريخا لكنه بكل أسف غير كامل لأن أسفل الصفحة ممزق.

وبعد الصفحة الاولى نلاحظ نقصا بسبب بتر النص والانتقال من المقدمة الى الكلام عن القوى الأربع.

ثم يستمر الكتاب بشكل متسلسل ويتوقف ثانية بعد الورقة : ٦٥ ، والكتاب مخروم الآخر.

أما النسخة الثانية فهي موجودة في مكتبة دير الاسكوريال باسبانيا ضمن مجموعة تحت الرقم ٨٢ ، والكتاب يقع في القسم الرابع ، ومؤلف من اثني عشر ورقة فقط ، من الورقة ٦٨ الى الورقة ٨٠ أي أنه جزء من الكتاب وليس كله.

وأبعاد صفحاته : ٢٣ * ١٥. وعدد الاسطر في كل صفحة ٢٢ تقريبا. وفي كل سطر : ١٠ كلمات.

والخط أندلسي جميل وواضح. إلا أن أجزاء بعض الورقات مطموسة.

ومن حسن الحظ أن هذه الورقات على قلتها جاءت تكمل نقص نسخة الظاهرية تقريبا.

فبعد انقطاع النص في نسخة الظاهرية في البداية يأتي نص نسخة الاسكوريال ليتحدث عن تشريح المعدة ، وعن وظيفتها.

وتكمل نسخة الاسكوريال نهاية نسخة الظاهرية مع تاريخ نسخها وهو : ٥٧٥ ه‍.

ولكننا مع ذلك نشك في صحة هذه النسخة. إذ يرد فيها قوله « ولقد كلمت حنين بن اسحق ، وهو أحد الحذاق من الفلاسفة بصناعة الطب في

٥٨

ماهية المعدة ، فقال .... ».

والفارق الزمني بين الاثنين كبير ، لا يقل في أضعف الأحوال عن خمسين سنة.

إذ ليس من المعقول أن يكون ابن الجزّار قد ذهب الى بغداد وعرف حنين ، ولربما أن ابن الجزّار نسخ هذا المقطع من كتاب لأحد المؤلفين الذين عاصروا حنينا ، أمثال يوحنا بن ماسويه الذي خدم هارون الرشيد وولديه المأمون والأمين وعاش حتى أيام المتوكل إذ توفي عام ٢٤٣ ه‍ / ٨٥٧ م في سر من رأى.

أما الورقة ٦٧ ، فقد أهملناها لأنها مبللة ومبقّعة ، وصعبة القراءة ولأننا لم نستطع أن نجد لها مكانا في تسلسل الأوراق. وللامانة العلمية نشرنا صورتها بالدقة اللازمة.

وللكتاب مكانة خاصة ، فهو من الكتب الأولى والنادرة المكرسة كليا لمرض عضو واحد. والعضو هذا ذو أهمية كبرى نظرا لكثرة اصابته في البلاد المتوسطة ، بسبب النظام الغذائي الذي يعتمده سكانها ، وهو نباتي يدخله الدهن ، والقليل من اللحم. الى جانب الأمراض ـ الهضمية الناجمة عن الجراثيم والميكروبات ، وخاصة على الطفيليات المختلفة.

ورغم أن الكتاب غير مقسّم الى فصول وأبواب ، فهو مكتوب بروح علمية واضحة بحيث أنه بامكاننا تقسيمه الى ثلاثة أقسام :

الأول : مكرس لتشريح المعدة ووظيفتها.

والثاني : مكرس للامراض الناجمة عن اضطراب الوظيفة الهضمية.

والثالث : للأمراض الخاصة كالأورام وغيرها.

ويبدو الكتاب أقرب الى مفهوم الكناش. فلا تبويب فيه ، ولا مقالة بل قول ، ولا باب ولا فصل.

انما قول في مرض ما أو عرض للمعدة يقدم بشكل جيد مبسط وتتبعه وصفات علاجية مختلفة متعددة. وهو في هذا كثير الشبه بكتاب « المنصوري » للرازي. والذي يبدو لي أن ابن الجزّار قد تأثر بهذا الأخير

٥٩

كما سبق وأشرنا اليه.

يبدأ الكتاب باشارة الى أنه مهدي لولي العهد ابن أمير المؤمنين فإذا كان أمير المؤمنين المعز لدين الله فلا شك أن ولي عهده وهو العزيز ابنه.

ولا نرى صفة أو مديحا للامير. بل على العكس مديحا طويلا لمن « صرف رأيه وهمه ولطيف عنايته وفكره الى الاجتهاد ». مما يدل على اعتزاز ابن الجزّار بعلمه وتقديمه الاجتهاد على كل شيء.

ولكنه يعود فيذكر الأمير فيقول : « وحق ما عظم الله من حق الأمير سيدي ومولاي لو اقتصر الأطباء على واحد من هذه المزاجات وعالجوا به من ضعف ذا العلل المتولدة في المعدة من البرد لكان فيه مبلغ وكفاية لشرف هذه المزاجات وفضلها وما تعرفناه من نجحها » فهو في هذه الفقرة ، يؤكد احترامه للأمير ولكنه أيضا يشدد على اعتداده بنفسه وبعلمه وثقته بنفسه.

ويعتمد ابن الجزار في كتابه على آراء وأقوال كل من أبقراط وجالينوس وبروفوس وقولوبوس وأفلاطون ، وفولوبوس ، ولكنه لا يمجدهم ، ولا يضيف عليهم تلك الهالة القدسية التي يضيفها غيره من المؤلفين خاصة من المتأخرين منهم.

أما من الأطباء العرب فهو يذكر يحيى بن ماسويه ، اسحق بن عمران ، وابن بطلان وسابور بن سهل ، إذ يأخذ عنهم ويستشهد بآرائهم.

كذلك فهو يذكر عمه محمد بن أحمد ، وما خلا ذلك فهو يكتب ، وكثيرا ما يؤكد ، على أنه ألف الشراب كذا ، أو الدهن كذا ، ويقول أنه قد جربه وتأكد من نجاحه.

وفي المقدمة نراه ينتقد عددا من المؤلفين القدامى أمثال : تياذوق ، وجرجيس بن يختيشوع يوحنا بن ماسويه ، واهرن القس. وذلك لأنهم لم يشرحوا بشكل مفصل وجيد الأسباب والعلامات التي يجدها المرء في أمراض المعدة.

وينتقد بشكل خاص اهرن الذي قال بأن من قرأ كتب جالينوس استغنى عن كل ما كتب. ويتهمه بأنه لا يريد تعليم الناس الطب ، فهو يضن

٦٠