الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١
______________________________________________________
ولقائل أن يقول : إن هذا الحكم ثابت ، سواء جوزنا الاذن المطلق أم لا ، فان السفيه لو استقبل بالنكاح من دون إذن حيث لا حاجة ودخل وجب مهر المثل ، وليس هذا خاصا بحال إطلاق الاذن.
ويمكن أن يقال : الفرق قائم مع الاذن المطلق وبدونه ، فإن الإذن يقتضي جرأته على النكاح وقبول المرأة منه ، بخلاف ما إذا لم يكن ، فاعتبار الاذن أقوى (١).
إذا عرفت ذلك فارجع إلى العبارة ، واعلم أنه لو قال : ومع الحاجة يأذن له الولي ، لكان أشمل وأحسن مما إذا قال : يأذن له الحاكم.
واعلم ايضا أن ظاهر قوله : ( وليس الاذن شرطا ) مناف لقوله : ( ومع الحاجة يأذن له الحاكم ) لأن الظاهر أن المراد من قوله : ( يأذن له الحاكم ) اعتبار ذلك في صحة نكاحه وعدم الاعتداد به من دونه ، أي : ومع الحاجة يأذن له الحاكم فيه ولا يستقل به من دون إذنه ولو لا ذلك لم يكن للحجر معنى ، فإنه إذا استقل السفيه ببعض التصرفات وأحسن بإمضائها ، كان ذلك سببا في الاقدام على أي تصرف كان ووسيلة إلى إتلاف المال ، ومتى كان هذا هو المعنى المراد كان قوله : ( وليس الاذن شرطا ) منافيا له ، لأن مقتضاه جواز الاستقلال من دونه.
وسيأتي في كلامه في المطلب الثالث أنه لو تزوج من غير إذن فسد ، وهو صريح في المراد.
وطريق التأليف بين الكلامين أمران :
أحدهما : حمل قوله ( ومع الحاجة يأذن له الحاكم ) على أن المراد أن الحاكم لا يمنعه في هذه الحالة ولا يحجر عليه ، بل يخلّي بينه وبين النكاح ، وهذا هو المطابق
__________________
(١) في « ش » : بخلاف ما إذا لم يكن باعتبار أقوى.
فإن زاد عن مهر المثل بطل الزائد.
______________________________________________________
لكلامه في التحرير (١) ولعبارة (٢) صاحب الشرائع (٣) ، إلاّ أن ما سيأتي في كلامه في المطلب الثالث ـ من أنه لو تزوج بغير إذن فسد ـ ينافي هذا.
الثاني : حمل قوله ( وليس الاذن شرطا ) على أنه ليس شرطا على كل حال (٤) ، بل يصح النكاح إذا تعذر الاذن من الولي والحاكم استقلالا بمهر المثل لمن يليق بحاله ، وإن كان غير مطابق ، لما سيأتي من كلامه كمال المطابقة ، لأنه تردد في ذلك ثمة ، فجزمه هنا بخلاف ذلك.
وكيف كان فالثاني أولى ، وهو المفتي به ، فإن فائدة الحجر على السفيه تنتفي لو لم يشترط اذن الولي في نكاحه ، هو مختاره في التذكرة (٥).
وقوله : ( فان زاد عن مهر المثل بطل الزائد ).
تفريع على ما قبله.
وتحقيقه : أنه إذا أذن له الولي في التزويج ولم يعين له الزوجة ، أو عيّنها ولم يعيّن له لمهر ، أو استقل هو بالنكاح ابتداء لو لم نجعل الاذن شرطا فعقد على امرأة تليق به بأزيد من مهر مثلها لم يفسد النكاح ، لأن المهر غير شرط في صحته بل تبطل الزيادة لأنها تبرع ، وهو من السفيه ممتنع.
ويحتمل بطلان النكاح ، لأن التراضي إنما وقع على المسمّى وقد فات ، فلا نكاح حينئذ ، وأطلق المصنف القول بصحة النكاح وبطلان الزائد ، محتجا بأن الخلل في الصداق لا يقتضي فسخ النكاح ، وكذا غيره ، وهذا متجه إذا كانت المرأة عالمة بأنه سفيه ، أما مع جهلها فيشكل ثبوت النكاح في حقها بمهر المثل على وجه قوي.
__________________
(١) التحرير ٢ : ٦.
(٢) في « ض » : واختاره.
(٣) الشرائع ٢ : ٢٧٧.
(٤) في « ش » : على حال.
(٥) التذكرة ٢ : ٦١٠ ـ ٦١١.
وولاية القرابة مقدمة على ولاية الحاكم ، وولاية الملك مقدمة على الجميع.
ولو اجتمع الأب والجد واختلفا في الاختيار قدّم اختيار الجد ، فإن عقدا قدم السابق ، فإن اقترنا قدّم عقد الجد ، ولا ولاية عندنا بالتعصيب ولا بالعتق.
______________________________________________________
قوله : ( وولاية القرابة مقدمة على ولاية الحاكم ، وولاية الملك مقدمة على الجميع ).
وجهه : أن الولي بالقرابة ولي خاص ، فيقدم على الحاكم لأنه ولي عام ، والولاية الخاصة أقوى ، وللنصوص (١) الدالة على تقديم الأب والجد له على كل أحد ، وهذا في غير من تجدد سفهه ، وإن ثبت ما ذكرناه فيمن تجدد جنونه فهو كذلك.
وأما ولاية الملك فلأنها أقوى من الكل ، ولأن الناس مسلطون على أموالهم (٢).
واعلم : أن ولاية الوصي عن الأب والجد مقدمة على ولاية الحاكم أيضا ، لأنه نائب للولي الخاص.
قوله : ( ولو اجتمع الأب والجد واختلفا في الاختيار قدّم اختيار الجد ، فان عقدا قدّم السابق ، فان اقترنا قدم عقد الجد ).
يدل على ذلك ما رواه عبيد بن زرارة في الموثق قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها تزويجها من رجل ، قال : « الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن زوّجها قبله » (٣).
قوله : ( ولا ولاية عندنا بالتعصيب ولا بالعتق ).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ حديث ٥٨ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٩٢ و ١١٩٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦٠ ـ الى ـ ١٥٦٥.
(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.
(٣) الكافي ٥ : ٣٩٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ حديث ١١٩٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦٠.
المطلب الثاني : في مسقطات الولاية وهي أربعة :
الأول : الرق ، فلا ولاية للمملوك على ولده ، حرا كان الولد أو عبدا للمولى أو لغيره.
ولو أذن له المولى صح ، وكذا المدبر والمكاتب وإن تحرر بعضه.
ولو وكله غيره في الإيجاب أو القبول صح باذن السيد وغيره.
______________________________________________________
قد نبهنا فيما سبق على انتفاء الولاية في النكاح عن العصبة ، وهم : المتقربون بالأب ، وكذا عن كل من عدا الأب والجد له ، فانتفت ولاية المعتق ومن تقرب به ، خلافا لجمع من العامة (١).
قوله : ( المطلب الثاني : في مسقطات الولاية ، وهي أربعة :
الأول : الرق ، فلا ولاية لمملوك على ولده ، حرا كان الولد أو عبدا للمولى أو لغيره ، ولو أذن له المولى صح ، وكذا المدبّر والمكاتب وإن تحرر بعضه ، ولو وكله غيره في الإيجاب أو القبول صح باذن السيد وغيره ).
لا ريب أن الرق من الأسباب المسقطة للولاية ، فلو كان الأب أو الجد للأب رقيقا لم تكن له ولاية التزويج ولا غيره ، لأنه ليس أهلا لذلك ، لنقصه بالرق المقتضي لكونه لا يقدر على شيء ، ولأنه لا يستطيع تزويج نفسه فغيره أولى ، ولأن الولاية تستدعي البحث والنظر ، والعبد مشغول بخدمة سيده لا يتفرغ لهما.
ولا فرق في سقوط ولايته عن ولده بين كونه حرا أو عبدا ملكا لسيده أو غيره ، هذا إذا لم يأذن له مولاه.
فان أذن له صح ، وينبغي أن يكون موضع الصحة ما إذا كان الولد مملوكا فأذن له مولاه أيضا في تزويجه ، أما لو كان حرا صغيرا ، فانّ ثبوت ولايته عليه باذن المولى
__________________
(١) انظر : المغني لابن قدامة ٧ : ٣٦٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣.
الثاني : النقص عن كمال الرشد كالصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران ، ولو زال المانع عادت الولاية.
______________________________________________________
له مشكل ، لأن المقتضي لسلب ولايته هو الرق ، ولا يزول بالاذن.
ولا فرق في المملوك بين كونه قنا أو مدبرا أو مكاتبا ، ولو تحرر بعضه فكالقن (١).
ويجوز أن يكون العبد وكيلا عن النكاح كغيره من العقود ، لأن عبارته صحيحة قطعا ، ولا فرق بين أن يأذن له المولى أو لا ، لأنه ( لا يمنع من التكلم بما يزيد ولا يتوقف جوازه على إذن المولى ، لكن يشترط أن لا يستضر المولى بذلك و) (٢) لا يمنع شيئا من حقوقه ، ولو نهاه المولى عن ذلك فالمتجه المنع (٣).
قوله : ( الثاني : النقص عن كمال الرشد ، كالصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران ، ولو زال المانع عادت الولاية ).
لما كان تصرف الولي منوطا بالغبطة والمصلحة ـ وإنما يحصل بالبحث والنظر ممن له أهلية معرفة ذلك ـ اعتبر في الولي :
أن لا يكون صبيا ، لنقصه ، وعدم اعتبار أفعاله وأقواله التي من جملتها نظره وعبارته وإن كان مراهقا ، ومعلوم أنه يمتنع في الأب والجد أن يكونا صبيين.
وكذا المجنون إذا كان جنونه مطبقا ، لما قلناه في الصبي ، بل هنا أولى ، وإن كان منقطعا فولايته ثابتة ، لأنه كالإغماء ، ويحتمل سلب ولايته بذلك كالمطبق ، وهو ظاهر عبارة الكتاب ، والأول أقرب مع قصر زمانه.
__________________
(١) جاء في النسخة الحجرية بعد هذا الكلام : ويمكن أن يكون العبد وليا بالوصاية والحكم إن جوزنا له ولاية القضاء ، لكن بشرط إذن المولى.
(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ش ».
(٣) جاء في « ش » بعد هذا الكلام : اختار المصنف في المختلف بقاء ولاية العبد على ولده الصغير بعد أن حكى عن ابن الجنيد زوال ولايته بالرق وردّه ، وهو الظاهر من عبارة الكتاب هنا ، فإنه لا ريب في اعتبار اذن المولى في نص ، فإنه لكن يشكل عليه جواز توكيله في العقد على الغير من دون اعتبار الاذن هنا.
الثالث : الكفر ، وهو يسلب الولاية عن ولده المسلم ، صغيرا أو مجنونا ، ذكرا أو أنثى ، ولا تسلب ولايته عن الكافر ، ولو كان الجد مسلما
______________________________________________________
والإغماء إن كان مما يدوم يوما ويومين وأكثر تزول الولاية به حال الإغماء ، لكن إذا زال عادت مع وجود مقتضيها كالأبوة والجدودة ، وإن قصر زمانها غالبا فهي كالنوم لا تزول بها الولاية.
والسكر إن بلغ حدا يزول معه التمييز فليس له أن يزوّج في هذه الحالة قطعا ، وإن بقي التمييز فقد قال المصنف في التذكرة : الوجه أنه لا يزول في الحال (١) ، وكأنه نظر إلى أن ذلك مانع من البحث عن الغبطة وتحصيل المصلحة.
والأمراض الشديدة (٢) ، والأسقام المغلقة الشاغلة عن النظر ، ومعرفة وجوه المصلحة كذلك ، فتزول الولاية بها وينتقل إلى الأبعد ، صرح به في التذكرة (٣).
والسفه مانع ، لأنه سبب في ثبوت الولاية على السفيه ، فوجب أن لا تكون له ولاية على غيره على الأقرب.
إذا عرفت ذلك فإذا زال المانع عادت الولاية ، وهذا في الأبوة والجدودة ظاهر ، أما في الوصاية فإنها إذا بطلت لا تعود الولاية إلاّ أن ينص الموصي على عودها بعد زوال المانع.
واعلم : أن الفسق غير قادح في بقاء الولاية إذا حافظ على مقتضياتها ، فلا يعتبر في الرشد ان يكون الشخص مصلحا لدينه ، لأن المعتبر في المعاملات هو الرشد الدنيوي لا الديني على الأصح.
قوله : ( الثالث : الكفر ، وهو يسلب الولاية عن ولده المسلم ، صغيرا أو مجنونا ذكرا أو أنثى ، ولا تسلب ولايته عن الكافر ، ولو كان الجد مسلما
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٦٠٠.
(٢) في « ض » : والأغراض الصحيحة.
(٣) التذكرة ٢ : ٦٠٠.
تعيّنت ولايته على الكافر والمسلم دون الأب الكافر ، وبالعكس.
______________________________________________________
تعينت ولايته على الكافر والمسلم دون الأب الكافر ، وبالعكس ).
لا خلاف عندنا في أن الكافر لا تثبت ولايته على المسلم قال الله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) وقال عليهالسلام : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٢) فلو كان للكافر ولد مسلم صغير أو مجنون ذكر أو أنثى لم يكن له عليه ولاية.
ويتصور إسلام الولد في هذه الحالة بإسلام امه ، أو جدّه على القول بأن الولد يتبع الجد في الإسلام ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في أحكام الكفر من موانع الإرث ، وكذا يتصور إذا أسلم بعد بلوغه ثم جنّ ، أو كانت أنثى على القول بثبوت الولاية على البكر البالغ.
أما الولد الكافر ، فان ولايته عليه ثابتة ، كما تثبت ولاية الأب الفاسق على ولده الفاسق ، للعموم ، ولأن الاحتياط في إنكاحه مستند إلى الشفقة المسببة عن القرابة ، وهي حاصلة حين الكفر.
ولو كان الجد مسلما مع كون الأب كافرا تعينت ولايته على الولد الكافر والمسلم ، وينبه على ذلك قوله تعالى ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) (٣) حيث أن نفي الاستواء يفيد العموم ، وقوله عليهالسلام : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ».
ويتصور كون الولد كافرا مع إسلام الجد : بأن يتجدد إسلام الجد بعد بلوغ الولد كافرا ثم يعرض له الجنون ـ على القول بعدم تبعية الصغير له مع كفر الأبوين ـ
__________________
(١) النساء : ١٤١.
(٢) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٨ ، عوالي اللآلي ١ : ٢٢٦ حديث ١١٨.
(٣) الحشر : ٢٠.
الرابع : الإحرام ، وهو يسلب عبارة العقد إيجابا وقبولا.
ولا يمنع من الانعقاد بشهادته ، إذ الشهادة عندنا ليست شرطا لكنه فعل محرما.
ولا يمنع من الرجعة وشراء الإماء والطلاق ، فإن زال المانع عادت ولايته.
ولا تنتقل الولاية عنه إلى الحاكم حالة الإحرام.
والعمى والمرض الشديد إذا بقي معه التحصيل ، والغيبة والفسق غير مانعة.
______________________________________________________
أو بأن يكون الولد الكافر أنثى ، بناء على ثبوت الولاية على البكر البالغ.
وينعكس الحكم لو انعكس الفرض ، فإذا كان الأب مسلما والجد كافرا ، تعينت الولاية للأب على الولد المسلم والكافر دون الجد وبقرينة ما سبق.
ويتصور كفر الولد بتجدد إسلام أبيه بعد بلوغه كافرا ثم يعرض له الجنون ، وفي البكر البالغ.
قوله : ( الرابع : الإحرام ، وهو يسلب عبارة العقد إيجابا وقبولا ، ولا يمنع من الانعقاد بشهادته ـ إذ الشهادة عندنا ليست شرطا ـ لكنه فعل محرّما ، ولا يمنع من الرجعة وشراء الإماء والطلاق ، فان زال المانع عادت ولايته ، ولا تنتقل الولاية عنه إلى الحاكم حالة الإحرام والعمى والمرض الشديد إذا بقي معه التحصيل والغيبة والفسق ).
لا خلاف عندنا في أن الإحرام يمنع صحة النكاح إيجابا وقبولا ، لسلب ولاية إيقاع النكاح حالة الإحرام ولو توكيلا ، لقول الصادق عليهالسلام : « ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج محلا ، فان تزوج أو زوج فتزويجه باطل » (١).
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٣٠ حديث ١٠٩٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ حديث ١١٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ حديث ٦٤٧.
______________________________________________________
ولا يقدح في صحة التزويج كون المحرم شاهدا عندنا ، لأن الشهادة غير شرط فيه ، ولا يمنع الإحرام من الرجعة ، لأنها استدامة للعقد لا ابتداء نكاح ، وكذا شراء الإماء ، إذ ثمرة الشراء انتقال الملك ، وليس بنكاح وإن اندرج في استحقاق المنافع جواز الوطء ، وكذا جميع أسباب الملك ، والطلاق قطع لعصمة (١) النكاح وليس بنكاح فلا يحرم.
ومن فاته الحج بعد الإحرام به لا يجوز له التزويج والتزويج ، لأنه محرم ، وتحلله بالعمرة عبارة عن عدوله بإحرام الحج إلى العمرة والإتيان بباقي أفعالها (٢).
إذا عرفت ذلك فاعلم : أن إحرام الولي لا يقتضي نقل الولاية عنه إلى الحاكم ، لأنه عارض سريع الزوال ، لكن لو اضطر المولّى عليه في هذه الحالة أمكن القول بأن الحاكم يزوجه للضرورة ، ولا أثر للإحرام الفاسد ، [ لأن ] (٣) منشأه محل.
فرع : لو كان المولّى عليه سفيها ، فاحتاج إلى إذن الولي له في النكاح ، فهل للولي الاذن إذا كان محرما بحيث يقع منه صحيحا؟ يحتمل ذلك ، لأنه ليس بنكاح.
واعلم : أن العمى لا يسلب ولاية النكاح عندنا ، سواء كان خلقة أو متجددا ، لأن الأعمى أهل البحث والنظر واستعلام حال الأصلح من الرجال ، خلافا لبعض العامة (٤).
وكذا الخرس مع وجود الإشارة المفهمة وما في معناها كالكتابة ـ خلافا لبعض العامة ـ وبدونها تزول ولايته قطعا ، سواء كان خلقة أو متجددا.
وكذا الصمم والمرض الشديد إذا لم يشغل عن مقصود الولاية لا يزيلها ،
__________________
(١) في « ض » : لسلطنة.
(٢) في « ض » : حينئذ فيحل.
(٣) في « ش » و « ض » : لا ، والمثبت من النسخة الحجرية وهو الصحيح.
(٤) المجموع ١٦ : ١٥٧ ـ ١٦٠.
المطلب الثالث : في المولى عليه ، لا ولاية في النكاح إلاّ على ناقص بصغر أو جنون أو سفه أو رق.
وللأب أن يزوج المجنون الكبير عند الحاجة ولا يزيد على واحدة ، وله أن يزوج من الصغير أربعا ، وأن يزوج المجنون الصغير وإن لم يكن ذلك للحاكم ، ويزوج المجنونة الصغيرة والبالغة ، وكذا الحاكم مع المصلحة بكرا كانت أو ثيبا.
ولا يفتقر الحاكم إلى مشاورة أقاربها ولا الحاجة ، بل يكفي المصلحة فيها.
______________________________________________________
بخلاف غيره.
وكذا الغيبة والفسق ، ولا تزول بهما الولاية عندنا فللفاسق أن يزوج ابنته الصغيرة والمجنونة ، سواء كان الفسق سابقا أو متجددا ، لأنه لا يسلب أهلية البحث والنظر عن الأصلح من الرجال ، ولو أراد تزويجها بمن لا مصلحة فيه منعه الحاكم ، وكذا القول في الغيبة ، لكن لو عرضت ضرورة إلى التزويج مع غيبة الولي تولاه الحاكم ، دفعا للضرورة.
قوله : ( المطلب الثالث : في المولّى عليه لا ولاية في النكاح إلاّ على ناقص بصغر أو جنون أو سفه أو رق ، وللأب أن يزوج المجنون الكبير عند الحاجة ولا يزيد على واحدة ، وله أن يزوج من الصغير أربعا وأن يزوج المجنون الصغير ـ وإن لم يكن ذلك للحاكم ـ ويزوج المجنونة الصغيرة والبالغة ، وكذا الحاكم مع المصلحة ، بكرا كانت أو ثيبا ، ولا يفتقر الحاكم إلى مشاورة أقاربها ولا الحاجة ، بل تكفي المصلحة فيها ).
______________________________________________________
قد علم أن مناط الولاية في النكاح هذه الأمور ، فلا تثبت إلاّ بواحد منها ، لكن على القول بأن إذن الحاكم ليس شرطا في نكاح السفيه لا يكاد يتحقق للولاية عليه في النكاح معنى.
فان قيل : معنى الولاية عليه منعه في غير محل الحاجة.
قلنا : لكل أحد هذا المنع من باب الحسبة ، فلا معنى للولاية عليه حينئذ.
إذا عرفت ذلك فقد تقدم كثير من أحكام المولّى عليهم ، واستيفاء الباقي هنا.
فاعلم : أن للأب أن يزوج المجنون الكبير عند حاجته إلى النكاح لا بدونها ، لأن لوازم النكاح ـ من المهر والنفقة ـ تقتضي إتلاف ماله من غير حاجة ولا مصلحة في ذلك ، وحصول الولد غير منظور إليه هنا ، لأن الواجب على الولي حفظ المال وصيانته عن التلف ، فيقتصر في ذلك على موضع الحاجة.
وتتحقق الحاجة برغبته في النساء وتتبّعهنّ وتعلّقه بهنّ وطلب الفعل منهنّ وما أشبه ذلك ، وكذا تتحقق إذا احتاج إلى امرأة تخدمه وتتعهده بالقيام به ولا يوجد من يقوم بذلك ، وتكون مؤنة الزواج أخف من شراء أمة تخدمه ، أو لا تتفق أمة تقوم مقام الزوجة في خدمته ، فحينئذ تستأجر ، لئلا ترجع عن الوعد بالخدمة ، فإن ذلك ليس واجبا عليها ، ومثله ما لو ظن شفاؤه بذلك استنادا إلى قول عارف أو تجربة سابقة ، فحينئذ يزوجه الأب أو الجد له ، ومع عدمهما فالحاكم.
ولا يزيد على الواحدة ، لزوال الضرورة بها ، وهذا واضح إذا كان الداعي هو شهوة الجماع أو ظن الشفاء ، أما إذا كان الداعي هو الحاجة إلى الخدمة فإنه يقتضي التعدد ، فحينئذ يزوجه قدر ما تقتضيه الحاجة مراعيا للمصلحة ، وقد أومأ إليه المصنف في التذكرة في نكاح السفيه (١).
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠.
______________________________________________________
وللأب والجد له ووصي أحدهما ـ على القول بثبوت ولايته في النكاح ـ تزويج الصغير بما فوق الواحدة إلى أربع ، للنص (١) والإجماع على أن للأب والجد له تزويجه وأن نكاحه منوط بالمصلحة لا بالحاجة ، وقد توجد المصلحة في الأربع ، وإطلاق النصوص صالح لتناول نكاح الأربع ، وهو مقرب التذكرة (٢).
ويحتمل المنع مما زاد على الواحدة لئلا تكثر المؤنة عليه ، وضعفه ظاهر ، لأن الحكم هنا دائر مع المصلحة.
وليس للحاكم ذلك ، لأن ولايته إنما تثبت في محل الضرورة اتفاقا ، ولا ضرورة في حال الصغر إلى النكاح.
ولقائل أن يقول : إن الحاجة إلى الخدمة قد تدعو إليه على وجه لا يندفع إلاّ به ، وكأنهم إنما أعرضوا عن ذلك لندور وقوعه.
ولو كان الصغير مجنونا فللأب ومن في حكمه تزويجه واحدة بالمصلحة ، وهل يجوز تزويجه أربعا؟ فيه وجهان :
أحدهما : ـ وهو المختار هنا ـ نعم ، لأن تصرفات الأب للصغير منوطة بالمصلحة ، والفرض وجودها في المتنازع ، ولو لا ذلك لم يجز تزويجه إياه واحدة أيضا ، لتناول إطلاق النصوص ـ الدالة على ثبوت الولاية للأب والجد له على الصغير المجنون ـ تزويجه الأربع.
والثاني : لا يجوز ما فوق الواحدة ، لئلا تلزم زيادة المؤنة ، ولأن الكبير كذلك فالصغير أولى.
ويمكن الفرق : بأن التصرف على الكبير منوط بالضرورة ، بخلاف الصغير ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ باب ٥٨ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ حديث ١٥٦٠ ـ إلى ـ ١٥٦٥.
(٢) التذكرة ٢ : ٦١٠.
______________________________________________________
فإن التصرف عليه منوط بالمصلحة ، وتردد المصنف في التحرير (١) ، ومختار الكتاب قويّ ، تمسكا بظاهر النصوص.
وأما المجنونة فيجوز تزويجها ـ صغيرة كانت أو كبيرة ، بكرا كانت أو ثيبا ـ للأب والجد له ثم الحاكم ، وليست كالمجنون ، لأنها تستفيد من النكاح المهر والنفقة (٢) ، والمجنون يغرمها ، ولا يجوز تزويجها إلا مع وجود المصلحة.
وصرح المصنف في التذكرة بأنه لا فرق بين من سبق بلوغها ورشدها ثم جنت ، وبين المجنونة الصغيرة إذا استمر جنونها ، في أن الولاية عليها للأب والجد له ، ومع فقدهما فللحاكم ، وحكى عن الشافعي (٣) وجها بأن التي تجدد جنونها بعد بلوغها تكون الولاية عليها للسلطان كالمال ، ثم رده بمنع الأصل (٤) ، وكذا صرح في التحرير (٥) في هذا الباب ، والمنقول عن شيخنا الشهيد (٦) من أن الولاية للحاكم ، وليس ببعيد.
وحكى المصنف (٧) عن أكثر الأصحاب أن المجنونة الصغيرة لا يزوجها الحاكم إذا فقد الأب والجد له ، لانتفاء حاجتها إلى النكاح في الحال ، وغير الأب والجد لا يملك الإجبار ، ولم يرجح شيئا.
ومختاره هنا الجواز ، لأن النكاح بالنسبة إلى الأنثى محض مصلحة ولا ضرر فيه ،
__________________
(١) التحرير ٢ : ٨.
(٢) في « ش » : لأنها تستفيد النفقة والمهر.
(٣) مغني المحتاج ٣ : ١٦٩.
(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠.
(٥) التحرير ٢ : ٦.
(٦) لفظ ( الشهيد ) لم يرد في « ض ».
(٧) لفظ ( المصنف ) لم يرد في « ش ».
والسفيه لا يجبر ، لأنه بالغ ، ولا يستقل ، لأنه سفيه ، لكن يتزوج بإذن الولي مع الحاجة ، ولا يزيد على مهر المثل.
وإذا لم يعيّن له المرأة لم ينكح على خلاف المصلحة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله.
______________________________________________________
والكفؤ قد لا يتفق بعد البلوغ.
ويشكل : بأن ثبوت ولايته هنا تقتضي ثبوت الولاية له على الصغيرة العاقلة بطريق أولى ، وولاية الإجبار لا تثبت لغير الأب والجد ، لانتفاء الدليل ، وقد سبق في كلامه في المطلب الأول أن الحاكم لا ولاية له على الصغيرين.
ويمكن أن يحمل قوله هنا : ( وكذا الحاكم مع المصلحة ) أن ذلك له في البالغة المجنونة ، فينتفي التنافي بين العبارتين ، إلاّ أنه خلاف الظاهر.
ومتى انتهى أمر الولاية إلى الحاكم لم يفتقر إلى مشاورة أقرباء المجنونة ، إذ لا حق لهم في الولاية عندنا ، وقد عرفت أن المصلحة حينئذ كافية ، فلا يتوقف على الحاجة.
قوله : ( والسفيه لا يجبر لأنه بالغ ، ولا يستقل لأنه سفيه ، لكن يتزوج بإذن الولي مع الحاجة ولا يزيد على مهر المثل ، وإذا لم يعين المرأة لم ينكح على خلاف المصلحة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله ).
لا ريب أن السفيه لا يجبر على النكاح ، لأنه بالغ عاقل ، ولا يجوز له الاستقلال به ، لأنه لسفهه وتبذيره محجور عليه شرعا ممنوع من التصرفات المالية ، فلا بد من إذن الولي ، فإذا أذن له تولّى العقد بنفسه لصحة عبارته أو وكل من شاء ، وإنما يجوز للولي الإذن له مع الحاجة قطعا.
والحاجة إما شهوة النكاح ، أو الاحتياج إلى الخدمة على وجه لا تكون المصلحة إلاّ في النكاح ، وعلى هذا فلو احتاج إلى أزيد من واحدة جاز إنكاحه الزائد مع
ولو تزوج بغير اذن فسد ، فإن وطأ وجب مهر المثل على اشكال.
______________________________________________________
المصلحة على ما ذكرناه سابقا ، وبه صرح في التذكرة (١).
ومعلوم أنه إذا أذن له الولي في النكاح لا يجوز أن يأذن له فيما زاد على مهر المثل ، وقد أسلفنا أنه إذا لم يعيّن له المرأة ولا المهر لا يجوز له أن ينكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله على خلاف المصلحة ، وهذا بناء على جواز إطلاق الاذن من الولي ، أما على العدم ، فالإذن المطلق لاغ.
وقد يستفاد من قوله : ( على خلاف المصلحة ) أن المصلحة لو اقتضت نكاح الشريفة المذكورة كما لو كان شريفا ولم يتفق من تليق بحاله سواها جاز ، وهو محتمل.
قوله : ( ولو تزوج بغير اذن فسد ، فإن وطأ وجب مهر المثل على إشكال ).
قد حققنا أن الحجر على السفيه وثبوت الولاية عليه لا يكاد يتحصل له معنى ، إلاّ إذا توقف نكاحه ـ في موضع حاجته إلى النكاح ـ على إذن الولي ، وبدونه يقع العقد فاسدا ، وقد بينا منافاة هذا الكلام السابق وطريق التأليف ، فلا حاجة إلى إعادته.
وينبغي أن يراد بالفساد ما لا ينافي وقوعه موقوفا ، إذ ليس هو أسوأ حالا من عقد الفضولي ، فإذا عقد السفيه بدون الاذن ودخل ففي وجوب مهر المثل إشكال ينشأ :
من أن المقتضي للمنع من نكاحه هو المقتضي من لزوم المهر ، فلو أوجبناه بالوطء فات الغرض ، ولأن ذلك يجري مجرى ما إذا تلف المبيع في يد السفيه وقد اشتراه بعد الحجر ، فإنه يضيع على بائعه وإن كان جاهلا.
ومن أن استيفاء منفعة البضع إتلاف ، فيضمن قيمته في ماله كسائر المتلفات ،
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦١٠.
______________________________________________________
وذلك مهر المثل ، ولأن الوطء المحترم لا يخلو من مهر.
واعلم ان للأصحاب في هذه المسألة ثلاثة أقوال :
أ : وجوب مهر المثل ، لما قلناه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).
ب : لا شيء أصلا ، نقله الشيخ فيه عن قوم ، وقال : إنه قويّ (٢) ، لأنها المتلفة لمنفعة بضعها بتسليم نفسها (٣) ، وفيه نظر ، لأن التسليم ليس إتلافا ، وإنما المتلف من استوفى المنفعة.
ج : التفصيل بكونها عالمة بالحال فلا مهر لها ، وجاهلة فلها مهر المثل ، وهو اختيار ابن البراج (٤) ، واستحسنه المصنف في المختلف (٥) ، وزاد تفصيلا آخر وهو : جهلها بالحكم أيضا ، فلو علمت بالسفه وجهلت الحكم فكالجاهلة بالسفه ، وهذا أقوى.
ويحتمل أن يقال : إذا كان المسمّى مهر المثل فما دون يصح النكاح ، لأن إبطاله حينئذ يقتضي الضرر وفوات الحكمة المطلوبة من إبطاله.
وليس بشيء ، لأن العقد إذا وقع غير صحيح كيف يصح بالدخول.
ويمكن أن يقال : إن النكاح لما كان موقوفا على إجازة الولي ، فالأغبط في هذه الصورة إجازته ، وحينئذ فيصح النكاح ولا يجب مهر المثل وإن كان المسمى زائدا على مهر المثل ، إذا لم تكن الزيادة زائدة على مهر آخر (٦) ، وهذا قوي ، ولم أجد به تصريحا لأحد ولا احتمال.
__________________
(١) المبسوط ٤ : ٢٩٣.
(٢) في المبسوط : أقوى.
(٣) المبسوط ٤ : ٢٩٣.
(٤) المهذب ٢ : ٢١٠.
(٥) المختلف : ٥٥١.
(٦) في « ض » : المثل.
ولو لم يأذن له الولي مع الحاجة أذن له السلطان ، فإن تعذر ففي صحة استقلاله نظر ،
______________________________________________________
نعم لو لم تكن للسفيه حاجة إلى النكاح ، فهنا لا بد من القول بلزوم مهر المثل وبطلان العقد.
فرع : لو علم الولي حاجة السفيه إلى النكاح فهل يصح قبوله له من دون إذنه؟ فيه احتمالات ، وصرح الشيخ بعدم اشتراط الاذن (١).
قوله : ( ولو لم يأذن له الولي مع الحاجة أذن له السلطان ، فان تعذر ففي صحة استقلاله نظر ).
إذا لم يأذن الولي للسفيه في موضع الحاجة وأمكن الوصول إلى الحاكم استأذنه وسقط اعتبار الولي ، لأن الحاكم هو الولي العام عند عدم الولي الخاص ، ومع تعذر الاذن من الولي الخاص جرى مجرى المعدوم ، ولم يعتبر في التذكرة (٢) استئذان السلطان وكذا الشيخ (٣) ، وهو واضح بناء على أن الاذن ليس بشرط ، أما على اشتراطه فلا ، فما هنا أوجه.
فإن تعذر الوصول إلى الحاكم ، ففي صحة استقلال السفيه بالعقد نظر ، ينشأ : من أن حق النكاح قد تعين له ، فإذا تعذر أن يستوفيه بغيره جاز له أن يستوفيه بنفسه ، كمن له دين عند غيره فمنعه وتعذر الوصول إلى الحاكم ، فإنه يستقل بالاستيفاء بغير رضى المديون ، ولما فيه من الضرر العظيم المنفي بالآية (٤) والحديث (٥).
__________________
(١) المبسوط ٤ : ١٦٥.
(٢) التذكرة ٢ : ٦١١.
(٣) المبسوط ٤ : ١٦٦.
(٤) وهي قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨.
(٥) وهي قوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا ضرار » الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ وصفحة ٢٩٤ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٤٧ و ١٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ حديث ٦٥١ و ٧٢٧ ، مسند أحمد ١ : ٣١٣.
ولا يدخل تحت الحجر طلاقه ولا طلاق العبد.
ولو طلب الرقيق النكاح لم يجب الإجابة ، وأمة المرأة تزوجها سيدتها ، ولا يحل نكاحها من دون اذنها ، سواء المتعة والدائم على رأي.
______________________________________________________
ومن أنه محجور عليه ، فلا يصح تصرفه أصلا كالمجنون والصبي.
والفرق قائم : فإن عبارته صحيحة ، بخلاف الصبي والمجنون ، وضرر التبذير يندفع بمراعاة مهر المثل ونكاح المرأة اللائقة بحاله ، وهذا أصح (١).
قوله : ( ولا يدخل تحت الحجر طلاقه ولا طلاق العبد ).
لا ريب أنه لا يدخل تحت الحجر طلاق السفيه ولا طلاق العبد ، لقوله عليهالسلام : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٢) فيتولّى كل منهما الطلاق بمشيئته ، ولو كان السفيه مطلاقا اشتري له جارية.
ويجب أن يستثني من إطلاق الحكم في العبد ما إذا كانت زوجته أمة مولاه ، فإنّ أمر التفريق بينهما راجع إلى المولى ، أما أمة الغير والحرة فطلاقها بيده.
قوله : ( ولو طلب الرقيق النكاح لم تجب الإجابة ، وأمة المرأة تزوّجها سيدتها ، ولا يحل نكاحها من دون إذنها ، سواء المتعة والدائم على رأي ).
لا يجب على السيد إنكاح رقيقه وإن طلبه ، لما في ذلك من الضرر ، لأن كثيرا من مطالبه تتعطل ، وكثيرا من منافع العبد تفوت ، ويلزم المولى بسبب ذلك مهر ونفقة ، وذلك ضرر عظيم.
وقال جمع من العامة : إذا طلب العبد النكاح اجبر المولى عليه ، وليس بشيء.
ولو خشي الرقيق ضررا بسبب عدم التزويج وظهرت أمارته ، فهل يجب بيعه أم تزويجه أم لا يجب شيء منهما؟ كل محتمل ، والاستحباب مع الطلب لا بحث فيه.
__________________
(١) في « ش » : صرح في التذكرة آخرا : بأن من تجدد سفهه يزوجه الأب والجد ثم الحاكم.
(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٢ حديث ٢٠٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٦٠.
______________________________________________________
وقد قدمنا أن للسيد إجباره على النكاح ، فله أن يتولّى القبول وأن يجبره على القبول ، ويقع صحيحا عندنا كإجبار الحاكم الولي على إنكاح المولّى عليه ، نعم لو ارتفع قصده أصلا لم يعتد بالقبول ، ويقبل إقرار السيد على العبد بالنكاح كإقرار الأب على ابنته ، صرح بذلك في التذكرة (١).
وكما أن رقيق الرجل لا يتزوج إلاّ بإذنه ، فكذا رقيق المرأة ، سواء العبد والأمة الدائم والمتعة ، ذهب إلى ذلك أكثر أصحابنا ، لقوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) (٢) وقوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣) ولأنه تصرف في ملك الغير بغير اذنه.
وجوز الشيخ في النهاية (٤) المتعة بأمة المرأة بغير إذنها ، قائلا : بأن الأفضل استئذانها ، احتجاجا بما رواه سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها؟ قال : « لا بأس به » (٥).
وهذه رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب ، فان التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح عقلا منهيّ عنه شرعا ، خصوصا الفروج التي يطلب فيها كمال الاحتياط ، وقد يتعلق بذلك نسل ويجر إلى كثير من الأحكام كالإرث والمحرمية.
والاقدام على ذلك بمثل هذه الرواية ـ التي أعرض جميع الأصحاب عن العمل بها ، حتى أن الشيخ رجع عن قوله في النهاية إلى المنع (٦) ، مع كثرة الدلائل
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٩٠.
(٢) النحل : ٧٥.
(٣) النساء : ٢٥.
(٤) النهاية : ٤٩٠.
(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٧ حديث ١١١٤.
(٦) رجع عن قوله في جواب المسائل الحائريات كما في السرائر : ٣٠٤.
ولا يكفي سكوت البكر في حق أمتها ، ويكفي في حقها.
______________________________________________________
الدالة على المنع ـ بعيد عن الاحتياط ومجانب لطريقة الورع ، والأصح الأول.
قوله : ( ولا يكفي سكوت البكر في حق أمتها ويكفي في حقها ).
الفرق بينهما : أنها تستحي في نكاح نفسها غالبا دون نكاح أمتها ، فاكتفي بسكوتها في نكاح نفسها في كونه إذنا دون أمتها ، فلا بد من التصريح بالاذن ، وقد أطبقوا على أن البكر يكفي في أذنها سكوتها.
وروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : « لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، وإن سكوتها إذنها » (١).
ومن طريق الخاصة ما رواه داود بن سرحان عن الصادق عليهالسلام ، في رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : « يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها » (٢).
وفي حكم البكر من زالت بكارتها : بطفرة ، أو وثبة ، أو سقطة ، أو بالإصبع ، أو حدّة الطمث ، أو طول التعنيس (٣) ، أو الدودة المسماة بالحرقوص على أرجح الوجهين ، وهو مقرب التذكرة (٤) ، لأن حكم الأبكار يزول بمخالطة الرجال ولم يحصل ، فهي على غباوتها وحيائها.
أما من زالت بكارتها بالجماع فإنها ثيب ، سواء كان الجماع بالعقد أو بالملك أو الشبهة أو الزنا ، صغيرة كانت حين الوطء أو كبيرة ، لصدق أنها ثيب ، ولزوال الحياء بممارسة الرجال.
نعم لو وطأت قبل سن التمييز فزالت بكارتها أمكن القول بأنها كالبكر ، وفي
__________________
(١) سنن البيهقي ٧ : ١٢٢.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥١ حديث ١١٩٦ ، التهذيب ٧ : ٣٨٦ حديث ٥٥٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ حديث ٨٥٦.
(٣) عنست الجارية تعنس بالضم عنوسا وعناسا فهي عانس ، وذلك إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار ، قاله الجوهري في الصحاح ٣ : ٩٥٣ عنس.
(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٨٧.