المطلب الثالث : التخصيص بالنداء :

النداء صورةٌ من صُوَرِ التَّخصيصِ. وهو تنبيهُ المَدعُو ليُقبِل عليك(١) ، وفي نداءِ الشَّخص المطلوب تخصيصٌ لشخصِهِ من دونِ غيره ، وفي ذلك قال ابنُ يعيش (ت ٦٤٣ هـ) : «اعلم أنَّ كلَّ منادى مختصٌّ ، تختصُّه فتُناديه من بينِ مَن بحَضْرتك لأمْرك ، ونَهْيك ، أو خبرِك. ومعنى اختصاصك إيَّاه أنْ تقصِده ، وتختصّه بذلك دونَ غيره. وقد أجرتِ العرب أشياء اختصّوها على طريقة النداء لاشتراكهما في الاختصاص ، فاسْتعير لفظُ أحدهما للآخر من حيث شارَكَه في الاختصاص ، كما أجروا التَّسويةَ مجرى الاستفهام ، إذ كانت التَّسوية موجودةً في الاستفهام»(٢).

ومثال ذلك ما نقل عنه عليه‌السلام في مخاطبة يزيد بن معاوية (عليه اللعنة الدائمة) وقد جمعهما مجلسٌ ، فصرّح يزيد بعداوته للإمام ، فقال له الإمام : «اعلمْ يا يزيد ، أنّ إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي ، لأنّ الله تعالى يقول : (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ). وشارك الشيطان حَرْباً عند جِماعِه فولد له صخراً ، فلذلك كان يبغض جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله» ،(٣) فنلحظ أنّ الإمام استعمل أسلوب النداء وخصّ المنادى باسمه ، مع إمكان الاستغناء عن ذلك كلّه ، لأنّ المقام مقام

__________________

(١) ينظر : الأصول في النحو ١ / ٣٢٩.

(٢) شرح المفصل ١ / ٣٦٩.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ١٠٤.