• الفهرس
  • عدد النتائج:

ملحفة من الصوف ، متوجهاً إلى ربّه يترنّم بآيات الوعد والوعيد ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه. فاخذ على ما وجد عليه وحُمل إلى المتوكل حالاًّ ، فمثل بين يديه ، وكان بيد المتوكل كأس من شراب وقد شرب منه.

فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، وناوله الكأس الذي في يده! فقال له : يا أمير المؤمنين! ما خامر لحمي ودمي قط! فاعفني منه! فعافاه عنه ولكنه قال : فأنشدني شعراً أستحسنه! فقال له : إني لقليل الرواية للأشعار. قال : لابدّ أن تُنشدني! فأنشده :

باتوا على قُلل الأجبال تحرسهم

غُلب الرجال ، فما أغنتهم القُلل

واستُنزلوا ـ بعد عزّ ـ عن معاقلهم

فاودعوا حفراً! يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ ـ من بعد ما قُبروا :

أين الأسرّة والتيجان والحُلل

أين الوجوه التي كانت منعَّمةً

من دونها تُضرب الأستار والكِلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم :

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا

وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم

ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادّخروا

فخلّفوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفراً معطّلة

وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

فأشفق من حضر وظنّوا أن بادرة تبدر من المتوكل إلى علي عليه‌السلام ولكنّه بكى فبكى من حضر ، وأمر برفع الشراب!

ثمّ التفت إلى أبي الحسن وقال له : أعليك دَين؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار! فأمر بها إليه وردّه إلى منزله مكرّماً (١)!

__________________

(١) مروج الذهب ٤ : ١٠ ـ ١٢ ، وعنه في تذكرة الخواص ٢ : ٤٩٦ ـ ٤٩٨ وبهامشه