كانت تشبه إلى حد بعيد بحصير منسوج يبلغ طولها ثلاثين سنتيمترا ولكي يتخلص من مشاق تمشيطها كان يخفيها تحت ملابسه على تلك الصورة الغريبة التي لم يسبقه إليها أحد! فقلت له :

الواقع إنه شيء عجيب .. إنك تحمل فكرا عمليّا مجيدا.

أجل .. أجل. إنني متمرس بأمور الرحلات والسفرات البعيدة وخبير بشؤونها وأحمل على الدوام معي حاجاتها الضرورية. وبهذا الشكل سحت في بلاد الحبشة كلها وأمتعتي كانت منحصرة بمقوى قبعتي!!؟ لا غير.

أين كنت تضع ملابسك إذن؟

بعضها في جيبي أخرجها وقت الحاجة ، أما البقية فكنت أرتديها الواحد فوق الآخر وأذكر أنني عندما أبحرت من مرسيليا كنت أرتدي خمسة أثواب بعضها على بعض .. وما إن كنت أشعر بأن الثوب الفوقاني قد اتسخ حتى أخلعه لكي يظهر الثوب الذي خلفه نظيفا في عيون الناس. والآن لم يبق من تلك الأثواب إلّا ثوبان على جسدي وأعتقد أنهما سيوصلانني إلى فرنسا ..

وفي هذه الأثناء التي كنا نتحدث فيها وأنا مأخوذة بغرابة أطوار هذا الإنسان الذي لا أدري بما ذا أصفه دخل الخادم علينا وسأل الضيف المحترم أيحتاج إلى الماء البارد أم الساخن؟

لا أحتاج إلى كليهما .. لا الماء البارد ولا الساخن إنني منذ مدة قد تحررت من مثل هذه العادات السخيفة ..

أجاب صاحبنا المغوار ، الخادم بهذا الجواب المقتضب وكانت لهجته حادة وشديدة بعض الشيء حتى خيّل إليّ أنه قد شعر بإهانة تلحق به من سؤال الخادم المسكين!!؟ ومن ثم تابع كلامه على الفور وأخذ يسرد عليّ قصص مغامراته وغريب آرائه ومبادئه؟! كأنه لم يحدث أي شيء ..

وهنا رأيت مدام پرتيه بعد سردها هذه القصة الغريبة تقول وتعلو ثغرها ابتسامة جميلة : وهل تصدقون بعد كل ذلك أن ضيفي المحترم هذا بعد فراغه من اعترافاته وأحاديثه أمسك بيدي وقال : لنذهب معا إلى حجرة الطعام وإنني