بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-281-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩٣

الحجّة نقله الكاشف عن السّنة عن حسّ أو المنكشف من حيث ضمّه إلى الكاشف.

(٤٤) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( من جهتي الثّبوت والإثبات ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٨ )

أقول : الفرق بين الجهتين إنّما هو بحسب الاعتبار وإلاّ فليس هنا أمران.

(٤٥) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وهي محقّقة (١) ظاهرا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٨ )

أقول : ما أفاده مخالف أيضا لما أفاده شيخنا قدس‌سره فيما تقدّم : من عدم دلالة اللّفظ على السّبب ؛ من حيث كون الإجماع حقيقة في اتّفاق الكلّ في عصر واحد لا جميع الأعصار ، فاتّحاد معنى الإجماع عند الفريقين الّذي استشهد به لا يقتضي إلاّ إرادة اتّفاق الكلّ في عصر واحد عند الإطلاق ، ومن المعلوم عدم ملازمته لقول المعصوم عليه‌السلام على ما عرفت تفصيل القول فيه.

نعم ، اتّفاق الكلّ في جميع الأعصار يلازم لقول الإمام عليه‌السلام كما لا يبعد إرادته من كلامه ؛ نظرا إلى قوله : ( وربّما بالغوا في أمره ... إلى آخره ) (٢).

إلاّ أنّك قد عرفت الكلام في إمكان تحصيله من طريق الحسّ والوجدان.

(٤٦) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وقد يشتبه الحال ). ( ج ١ / ٢١٨ )

أقول : من حيث توهّم أنّ الوجه في دعوى الإجماع ليس تحصيل الفتاوى في نفس المسألة ، بل من جهة حصول العلم بقول الإمام عليه‌السلام فيها من طريق المكاشفة أو السّماع الغير المتعارف ؛ فيدّعي الإجماع حتّى يقبل منه. وهذا بخلاف

__________________

(١) كذا وفي نسخة الفرائد المطبوعة : « متحقّقة ».

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٢١٩ حاكيا عنه وفي نسخة الفرائد : بالغوا في أمرها ... إلى آخره.

٨١

نقل الإجماع في مقام نقل الخلاف ؛ فإنّه لا يتطرق فيه هذه الاحتمالات.

والمراد من الوجه الأخير هو الثّاني عشر الّذي أضافه إلى وجوه الإجماع وقد عرفته سابقا.

(٤٧) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وإذا لوحظت القرائن ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٩ )

أقول : التّرديد بين الأخذ بما هو متيقّن أو الظّاهر ، لا ينافي كون الرّاجح هو الأخذ بالظّاهر من حيث اقتضاء اللّفظ ، فلا يتوجّه عليه : كون التّرديد بين الأمرين منافيا لما قرّره من الأخذ بظاهر اللّفظ. فالغرض في المقام مجرّد بيان الوجهين لا تحقيق الحقّ.

(٤٨) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وذلك لأنّه ليس إلى آخره ). ( ج ١ / ٢١٩ )

أقول : من المعلوم أنّ نقل السّبب من حيث هو ليس نقلا للسّنة حتّى يشمله ما دلّ على حجيّة نقل السّنة ، فلا بدّ للقائل باعتباره من إقامة الدّليل عليه. فقد استدلّ على اعتباره بوجوه :

أحدها : جريان سيرة الخلف والسّلف على الاعتماد بالأخبار الآحاد في أمثال المقام ممّا كان النّقل فيه على سبيل التّفصيل أو الإجمال.

ثانيها : ما دلّ من الكتاب والسّنة على حجيّة خبر الثّقة العدل بقول مطلق.

ثالثها : ما اقتضى كفاية مطلق الظن وحجيّته فيما لا غنى عن معرفته وهو دليل الانسداد المعروف بينهم. ومن المعلوم عدم الغنى من معرفة الإجماع ؛ فيلزم حجيّة نقل العادل له هذا ملخّص ما ذكره من الوجوه.

٨٢

وأنت خبير بما فيها :

أمّا الوجه الأوّل ؛ فلأنّه إن أريد بما جرى عليه السّيرة ـ كلّ ما له تعلّق بالحكم الشّرعي في الجملة أو الأعمّ منه وممّا ليس له تعلّق به كما هو صريح كلامه بحيث يشمل المقام فيدّعي السيرة في خصوص المقام أيضا ـ ففيه : منع ظاهر سواء أريد سيرة العلماء فقط كما هو ظاهره ، أو هي مع سيرة العوام.

وإن أريد به أمثال المقام في الجملة من غير أن يدّعي جريانها في خصوص المقام ـ ففيه : أنّه لا تفيد شيئا على تقدير التّسليم ؛ إذ اعتبار الخبر في غير المقام لا يلازم اعتباره في المقام وإلاّ لم يكن معنى للتكلّم فيه كما هو واضح. وكأنّه أريد التمسّك بها في المقام بملاحظة تنقيح المناط وهو كما ترى.

وأمّا الوجه الثّاني ؛ فلأنّك قد عرفت : أنّ ما يسلّم دلالته على العموم ـ على تقدير تسليم دلالته على حجيّة الخبر ـ هي آية النّبأ وقد عرفت عدم دلالتها على حجيّة نقل الاتفاق إلاّ فيما كان ملازما لقول الإمام عليه‌السلام.

وأمّا الوجه الثّالث ؛ فلأنّه لا كلام في اندراج نقل الإجماع فيما أفاد الظّن بالحكم ولو من جهة الظّن بالسّنة تحت الدّليل العقلي المقتضي لحجيّة مطلق الظن على تقدير تماميّة مقدّماته ؛ لكنّه لا تعلّق له بالمقصود بالبحث في المقام من حجيّة نقل الإجماع من باب الظّن.

نعم ، من كان مقصوده إثبات الملازمة بين حجيّة الخبر ونقل الإجماع بقول مطلق بأيّ عنوان ثبت حجيّة الخبر ، لا بدّ له من تحرير المقام على ما حرّره قدس‌سره.

٨٣

(٤٩) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وليس شيء من ذلك من الأصول ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢٠ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره : من عدم كون شيء ممّا حكم بحجيّة الخبر فيه من المسائل الأصوليّة الفقهيّة من حيث فرض قيام الخبر فيه على الموضوعات وإن تعلّق بها الأحكام وفساد القول باختصاص الحجيّة بالمسائل الفقهيّة ـ كما ستقف على بعض الكلام فيه ـ ممّا لا خفاء فيه أصلا.

نعم ، الكلام في حجيّة الخبر في بعض ما ذكره كنقل الإجماع في المقام ، بحث في المسألة الأصوليّة على تقدير ؛ لكنّه لا تعلّق له بما أفاده كما هو واضح.

(٥٠) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( ولا من الأمور المتجدّدة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢٠ )

أقول : لا يخفى عليك احتمال القدح أو الجزم به على تقدير كون المذكورات من الأمور المتجدّدة ، إنّما هو فيما إذا أريد إثبات الحجيّة بالسّيرة لا بغيرها من الأدلّة اللفظيّة أو العقليّة فتدبّر.

(٥١) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( ولا ممّا يندر اختصاص ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢٠ )

أقول : الموجود في نسخ « الكتاب » وفي نسخة عندي من « الرّسالة » للمحقّق المتقدّم ذكره (١) هذا الّذي عرفت نقله. وهو إمّا غلط من النّاسخ أو سهو من قلم المحقّق المذكور. قدس‌سره وحقّ العبارة أن يقول : ولا ممّا يختصّ معرفته ببعض.

__________________

(١) أقول : وفي كشف القناع / ٤٠٢ : ولا ممّا يقدّر اختصاص معرفته ... الى آخره.

٨٤

والأمر في ذلك سهل بعد وضوح المراد.

(٥٢) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( بل هو أولى بالقبول ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢١ )

أقول : ما أفاده إشارة إلى ما زعمه بعض : من أنّ اعتبار الظّن في الموضوعات أولى من اعتباره في الأحكام من حيث إنّ اهتمام الشّارع بشأنها بمقتضى منعه عن العمل بالظّن فيها دون الموضوعات ؛ فإذا فرض حجيّة الخبر في الأحكام فيحكم بحجيّته في الموضوعات الّتي منها المقام من باب الأولويّة.

وهو كما ترى لا محصّل له عند التّأمّل ؛ مضافا إلى عدم دليل على اعتبار الأولوية الاعتباريّة ، بل هي أوهن بمراتب من نقل الإجماع.

ودعوى : رجوعها إلى مفهوم الموافقة وفحوى الخطاب كما ترى.

(٥٣) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( الثّالثة : حصول الاستكشاف ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢١ )

أقول : غرضه قدس‌سره من استكشاف الحجيّة المعتبرة أعمّ من أن يكون المنقول تمام السّبب الكاشف أو جزئه كما يفصح عنه كلامه بعد ذلك.

ثمّ إنّه لمّا يختلف الحال من حيث تعلّق النّقل بتمام السّبب أو بعضه ، كما أنّ الأمر في البعض يختلف بحسب مراتب الأبعاض من جهة حال النّاقلين واللّفظ والمسألة والكتاب وزمان النّقل وغير ذلك من الخصوصيات ، فلا بدّ أن يلاحظ المنقول إليه جميعها ويأخذ بما يقتضي النّقل بعد ملاحظتها فيما كان الاقتضاء واضحا ؛ فإذا التبس الأمر عليه فيأخذ بظاهر اللّفظ أو بما هو المتيقن إرادته من

٨٥

اللّفظ على الوجهين اللذين تقدّما وإن كان الرّاجح الأوّل.

(٥٤) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( ثمّ ليلحظ مع ذلك ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢٢ )

أقول : لزوم ملاحظة سائر الأقوال والأمارات الموجودة في المسألة الّتي ادّعي فيها الإجماع فيما كان المنقول جزء السّبب لا خفاء فيه ، وأمّا لزوم ملاحظة ما كان النّقل كاشفا عنه ظنّا على وجه الإجمال فيما كان تمام السّبب أو جزأه ، كما ربّما يستظهر من كلامه قدس‌سره سيّما قوله : ( وربّما يستغني المتتبّع بما ذكر ... إلى آخره ) (١). فلا معنى له إلاّ إذا ادّعي كون نقل الإجماع ظنّا خاصّا مقيّدا بالعجز عن تحصيل العلم بالمنقول ، أو ظنّا مطلقا ؛ فيكون اعتباره مشروطا بالعجز. نعم ، مقتضى الاجتهاد الفحص عن معارضات الأدلّة لا الفحص عن صدقها وكذبها.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الفحص عن المعارضات بالنّسبة إلى خصوص نقل الإجماع ، يوجب الاطّلاع العلمي على حال نقل الإجماع غالبا. ومن هنا قد يستغني المتتبّع من الرّجوع إلى النّقل لاستظهاره عدم مزيّة النّاقل عليه.

(٥٥) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وأخذ فيما اختلف ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢٣ )

أقول : ليس المراد من الأخذ بالأرجح الأخذ به وترجيحه على النقل المخالف بعد الفراق عن حجيّة المتخالفين كما هو الشّأن في باب تعارض الأدلّة ؛ ضرورة أنّه قد لا يكون المرجوح في المقام كافيا في الاستكشاف ولو فرض سلامته عن المعارض الرّاجح ، بل المراد الأخذ به بالنّسبة إلى ما يدلّ اللّفظ عليه من نقل الفتاوى إجمالا وإن لم يكن كاشفا مستقلاّ في الاستكشاف.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٢٢٢ نقلا عن كشف القناع للمحقق المزبور : ٤٠٤.

٨٦

(٥٦) قوله [ المحقق التستري ] قدس‌سره : ( وقد اتضح بما بيّناه ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٢٢٤ )

في المناقشات على إجماعات إبني إدريس وزهره وأضرابهما

أقول : ويشهد له مضافا إلى التتبّع في كلماتهم ـ كما سيأتي الإشارة إلى جملة منها ـ : دعوى الإجماع من ابن زهرة والمرتضى والشيخ وابن إدريس وغيرهم في كثيرة من المسائل وعدم اعتناء معاصريهم بل المتأخّرين منهم بالإجماعات المنقولة في كلماتهم ، بل ربّما يطعنون على إجماعاتهم مثل الشّيخ الحمّصي الّذي أثنى عليه غير واحد من الأعلام من معاصريه وغيرهم ؛ فإنّه قد طعن على إجماعات ابن إدريس بل على كتابه بما هو معروف (١).

ومثل الفاضلين فقد أكثرا من الطّعن على ابن إدريس في دعوى الإجماع والتّواتر بالتغليط والتّشحيط وقلّة التّتبّع والتّحصيل وغيرها ممّا لا يليق ذكره.

ومثل الشّهيد الثّاني حيث نقل عن ابن إدريس دعوى الإجماع على خبر في حكم الكر ، وردّها : « بأنّها دعوى خالية من البرهان ، بل البرهان قائم على خلافها » (٢).

إلى أن قال :

« وإنّما يتم من ضابط ناقد للأحاديث لا من مثل هذا الفاضل » (٣). انتهى كلامه قدس‌سره.

__________________

(١) أورد المحقق التستري في كتابه كشف القناع : ٤٣٨ كلاما من فهرست منتجب الدين حاصله : إنّ شيخه الحمّصي كان يقدح في ابن ادريس بأنه مخلّط لا يعتمد على تصنيفه.

(٢) روض الجنان : ١٤٢ ط ق.

(٣) المصدر نفسه : ١٤٢ ط ق.

٨٧

ومثل بعض المحقّقين من المتأخّرين حيث طعن عليه : « بأنّه قد اضطرب كلامه في أمر الإجماع فمرّة يدّعيه فيما شذّ القائل به ولا يتعرّض للمخالف ، ومرّة يتعرّض له وهو مثل المفيد أو المرتضى والشّيخ أو غيرهم من الأفاضل ويعتذر بمعلوميّة نسبه أو عدم قصده الفتوى ؛ مع أنّه مقتضى كلامه.

وربّما يدّعي إجماع المسلمين فيما ذكر ، وقد يستند إلى عدم العلم بالمخالف ويحتجّ بالإجماع لذلك ، ويظهر من كثير من عباراته : أنّ عمدة ما يعتمده في نقل الإجماع هو دليل الحكم ؛ فإذا وجده بحسب ما أدّى إليه نظره سارع إلى دعوى الإجماع وإن قلّ القائل به أو وجد المخالف ؛ لزعمه أنّه قول الإمام عليه‌السلام ، ومن المعلوم أنّه لا يجوز الاعتماد على مثل هذا النّقل.

وربّما يدّعي الإجماع على حكم ويحتجّ به ثمّ يقوّي خلافه بلا فصل ، يعتذر بأنّا راجعنا أقوال أصحابنا فرأيناها مختلفة مع علمه بالمخالف ونسبه وعدم قدحه في اتّفاق الباقين بزعمه كما اعترف به مرارا.

فإذا كان هذا حاله فغيره أولى بردّ ما ادّعاه ، ولو أردنا أن نستقصي موارد دعواه الإجماع والتّواتر ، وردّ من بعده من العلماء وعدم اعتنائهم بها لاحتجنا إلى تأليف رسالة مفردة » (١). انتهى كلامه.

ومثل المحقّق في أحكام البئر في مسألة ادّعى ابن زهرة الإجماع فيها ؛ فإنّه قد طعن عليه : « بأنّ من المقلّدة من لو طالبته بدليل ذلك ، لادّعى الإجماع لوجوده

__________________

(١) لم نعثر عليه في هذه العجالة والظاهر انه الشهيد الثاني.

٨٨

في كتب (١) الثّلاثة ، وهو غلط وجهالة إن لم يكن تجاهلا » (٢) ، بل الطّاعن على إجماعاته أكثر من الطّاعن على إجماعات ابن إدريس.

ومثل ابن إدريس والفاضلين وغيرهم ؛ فإنّهم طعنوا على إجماعات الشّيخ ولا سيّما ما وجد منها في « الخلاف » ؛ فإنّه أكثر فيه دعوى الإجماع فيما شاع فيه الخلاف. ولذا لم يعبأ بها من عاصره وكثير ممّن تأخّر عنه.

وقد جمع ثاني الشّهيدين أربعين مسألة معظمها من « الخلاف » ، وذكر : أنّه ادّعى الشّيخ فيها الإجماع في كتاب مع أنّ نفسه خالف فيها في موضع آخر منه ، أو في غيره مع التّصريح بمنع الإجماع أو بدونه.

وقال أيضا ـ « في رسالته في صلاة الجمعة » ـ : « وأمّا ما اتّفق لكثير من الأصحاب ـ خصوصا للمرتضى في « الإنتصار » والشيخ في « الخلاف » مع أنّهما إماما الطّائفة ومقتدياهم ـ : من دعوى الإجماع في مسائل كثيرة مع اختصاصهما بذلك القول من بين الأصحاب أو شذوذ الموافق لهما فهو كثير لا يقتضي الحال ذكره. ثمّ ذكر تسعا منها وقال : إلى غير ذلك من المواضع » (٣).

ومثل ابن طاوس ؛ فإنّه قد طعن على إجماعات المرتضى (٤).

ومثل العلاّمة ؛ فإنّه كثيرا ما يطعن على إجماعات المرتضى وغيره من

__________________

(١) الاصل : الكتب والصحيح ما أثبتناه ، والمراد بالثلاثة : المفيد والمرتضى والطوسي.

(٢) المعتبر : ج ١ / ٦٢.

(٣) رسالة وجوب صلاة الجمعة للشهيد الثاني المطبوعة ضمن رسائل الشهيد الثاني : ٩١.

(٤) انظر فرج المهموم للسيّد ابن طاووس قدس‌سره.

٨٩

المتقدّمين ، وقال : إنّي لأعجب ممّا صدر منه من المسامحة في دعوى الإجماع الّذي صنّفه للرّد على المخالفين وما كان ينبغي مثل ذلك لمثله.

ومثل العلاّمة المجلسي في كتاب الصّلاة من « البحار » ؛ فإنّه قد طعن على إجماعاتهم ـ بعد ما بيّن معنى الإجماع ووجه حجيّته عند الأصحاب ـ :

« بأنّهم لمّا رجعوا إلى الفروع كأنّهم نسوا ما أسّسوه في الأصول ؛ فادّعوا الإجماع في أكثر المسائل سواء ظهر الاختلاف فيها أم لا ، وافق الرّوايات المنقولة فيها أم لا ؛ حتّى إنّ السيّد وأضرابه كثيرا ما يدّعون الإجماع فيما يتفرّدون به أو يوافقهم عليه قليل من أتباعهم. وقد يختار هذا المدّعي للإجماع قولا آخر في كتابه الآخر ، وكثيرا ما يدّعي أحدهم الإجماع على مسألة ويدّعي الآخر الإجماع على خلافه ؛ فيغلب على الظّن أنّ مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الأصول » (١). إنتهى كلامه رفع مقامه.

وقال أيضا ـ في مقام الطّعن على إجماعات القدماء في محكي « مرآة العقول » مع غاية تبحّره واطّلاعه على كثير من أصول القدماء وكتبهم ـ :

« بأنّ الإفتاء لم يكن شائعا في زمان الكليني وما قبله بل كان مدارهم على نقل الأخبار وكانت تصانيفهم مقصودة على جمعها وروايتها ، ولهذا يتعسّر بل يتعذّر الاطّلاع على الخبر المجمع عليه بينهم بطريق الإفتاء ويتعسّر معرفة المشهور على هذا الوجه أيضا » (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٨٦ / ٢٢٢.

(٢) لم نعرف الحاكي.

٩٠

وقد حكي عن الورع المحقّق وغيره الطعن على إجماعاتهم في جملة من المسائل هذا.

وأمّا كلماتهم الدالّة على عدم اعتنائهم بنقل الإجماع ، فأكثر من أن تحصى.

فمنها : ما حكي عن العلاّمة في مسألة الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنيّة واحدة لكلّ الشّهر ـ من نقله دعوى الإجماع عليه عن الشّيخ والمرتضى بل عن المفيد ، كما عن محكيّ « المختلف » (١) وعزاه العلاّمة نفسه إلى الأصحاب (٢) ولم ينقل في المسألة خلافا. ومع ذلك أفتى في بعض كتبه بخلافه (٣) ومال إليه في آخر (٤) لعلّة عقليّة لا تصادم الإجماع أصلا ، وردّ الإجماع بعدم الثّبوت وقال : « إنّ ما ذكره أصحابنا في الاحتجاج على الحكم قياس محض لا نقول به ؛ لعدم النّص على الفرع وعلى علّته » (٥).

ونقل أيضا في كفّارة وطيء الحائض عن الشّيخ والمرتضى : الإجماع على الوجوب وكذا عن ابن زهرة وابن إدريس ، واختار الاستحباب ، وردّ الإجماع بأنّا لم نتحقّقه (٦) ، مع أنّه لم ينقل الخلاف إلاّ عن الشيخ في خصوص « النّهاية » (٧) ، وقد

__________________

(١) انظر مختلف الشيعة : ج ٣ / ٢٤٣.

(٢) انظر تذكرة الفقهاء : ج ٦ / ١٦.

(٣) منتهى المطلب : ج ٢ / ٥٦٠ ط ق.

(٤) لم نعثر عليه عاجلا.

(٥) منتهى المطلب : ج ٢ / ٥٦٠ ط ق ، وكذا : ج ٩ / ٣٧ ط آستان قدس رضوي.

(٦) ليس لذكر الإجماع فيما بين أيدينا من كتبه أثر. نعم ، الموجود في المختلف : ان الشيخ في

٩١

حكي عنه في سائر كتبه المتأخّرة عنها الوجوب ، ودعوى الإجماع عليه ، إلى غير ذلك من كلماته الصّريحة في ذلك ، يقف عليها الرّاجع إلى كتبه.

نعم ، المحكيّ عنه في « التّذكرة » (١) و « المنتهى » (٢) الاستدلال بنقل الإجماع في خصوص مسألة التكفير في الصّلاة ، مع أنّ كتبه مشحونة من الاستدلال بما يتراءى كونه من الاعتبارات والاستحسانات العقليّة (٣).

فيحتمل كون ذكره نقل الإجماع فيهما في تلك المسألة وفي محكي « المختلف » في مسائل ، من باب مجرّد التّأييد والاعتضاد ، وإلاّ كيف يجامع ما عرفت : من ردّه نقل الإجماع بعدم الثّبوت الصّريح في عدم حجيّته؟

فهل ترى هذا النّحو من السّلوك في الأخبار؟ وهل يجامع حجيّته مع هذا الّذي صرّحوا به؟ حاشا ثمّ حاشا.

__________________

قوله بالوجوب إحتج بعدّة من الروايات ولم يذكر الإجماع انظر مختلف الشيعة : ج ١ / ١٨٦ ـ المسألة : ١٣١.

انظر النهاية للشيخ الطوسي : ج ١ / ٢٣٧ ط جماعة المدرسين.

(٨) تذكرة الفقهاء : ج ٣ / ٢٩٥.

(٩) منتهى المطلب : ج ٥ / ٢٩٨.

(١٠) قال المحقق المجدد الطهراني رضوان الله تعالى عليه :

« وأمّا ما يتراءى من كلمات آية الله العلاّمة قدس‌سره وغيره من الإستناد إلى الأقيسة والإستحسانات فإنما هو في مقابل العامّة والاّ فالمدرك غير ما ذكر كما لا يخفى على الفقيه الماهر ، وحيث خفي هذا المعنى على بعض من لا خبرة له في الفقه ولا بصيرة له بأحوال الفقهاء رضوان الله عليهم صدر منه ما لا يليق إلاّ به » إنتهى. محجّة العلماء : ج ١ / ٣٣.

٩٢

ومنها : ما عن الفخر ؛ فإنّه وإن كان يوجد في « تعليق الإرشاد » (١) تمسّكه بنقل الإجماع في جملة من المسائل المعدودة ، كنجاسة غسالة الحمّام ، وفساد الصّوم بالحقنة بالمائع ، وردّ الوديعة الممزوجة بالمغصوب إلى المودع وعدم قبول شهادة الولد على والده ، إلى غير ذلك ، إلاّ أنّ موارد اعتراضه على من نقل الإجماع أكثر بمراتب. فلا بدّ أن يحمل كلامه في موارد التمسّك على ما يجامع هذه الموارد الكثيرة الّتي صرّح فيها بعدم اعتباره.

ومنها : ما عن السيّد عميد الدّين ـ ابن أخت العلاّمة وتلميذه ـ فإنّه وإن اختار في الأصول ـ تبعا لشيخه ـ حجيّة نقل الإجماع وذكر ما يقتضي كون الاطّلاع على الإجماع مستحيلا عادة ، إلاّ أنّ أكثر كلماته في الفقه ينادي بالإعراض عن هذا القول. وإن وجد منه التّمسّك على وجه التّأييد والاعتضاد لا الاعتماد في مسائل قليلة.

ومنها : ما عن الشّهيد ؛ فإنّه وإن اختار في الأصول أيضا ما اختاره شيخه وأستاذه عميد الدّين من اعتباره ، واحتجّ به في جملة من الفروع إلاّ أنّه أعرض عنه في فروع أخر ، وصرّح بأنّ حجيّته في حقّ من عرفه كما في « الدّروس » (٢) ، فإنّه ذكر في مسألة شهادة الولد على والده : ( أنّ الأكثر على عدم قبولها وأنّ الشيخ (٣) نقل فيه الإجماع ) ، ثمّ ذكر فتوى المرتضى قدس‌سره بالقبول ، وقال : ( وهو قوي والإجماع

__________________

(١) لم نعثر على الكتاب.

(٢) الدروس الشرعيّة للشهيد الأوّل : ج ٢ / ١٣٢.

(٣) أنظر الخلاف للشيخ الطوسي : ج ٣ / ٣٤١ ـ مسألة ٤٥.

٩٣

حجّة على من عرفه ) (١) ، مع أنّه في « اللّمعة » مال إلى المنع. بل عن « غاية المراد » ـ بعد نقل الشّهرة على المنع ـ قال : ربّما كان إجماعا وحكي نقل الإجماع عليه عن المرتضى في « الموصليّات » وعن الشيخ وابن إدريس. ونقل عن « الإستبصار » و « الفقيه » وجود خبر فيه ومع ذلك لم يعتمد عليه وجعله حجّة على من عرفه ، فإذا لم يعتمد على هذا النّقل فكيف يعتمد على سائر الإجماعات المنقولة؟!

وعن « الذّكرى » ـ بعد نقل قول المرتضى قدس‌سره بوجوب التّكبير في العيدين واستدلاله عليه بالأمر في الآية وبالإجماع ـ قال : ( وأجيب بأنّ الأمر قد يرد للندب فيثبت مع اعتضاده بدليل آخر والإجماع حجّة على من عرفه ) (٢). واختار في سائر كتبه النّدب (٣) أيضا ولم يعبأ بنقل الإجماع في المسألة ؛ مع أنّ المعروف من مذهبه كما سيأتي نقله التمسّك بالشّهرة فهو أوهن منها عنده.

ومنها : ما عن الفاضل السّيوري الشّيخ الأجلّ المقداد في كتبه ، والشّيخ أحمد بن فهد أبي العبّاس الحلّي قدس‌سره والشيخ الفاضل الصّيمري قدس‌سره.

فإنّه وإن وجد في كتبهم التّمسك بنقل الإجماع أحيانا وفي بعض المسائل ، إلاّ أنّ مواضع تمسّكهم في جنب موارد إعراضهم كنسبة القطرة إلى البحر ؛ فيكشف ذلك : عن أنّ تمسّكهم به في مواضعه إنّما هو من باب مجرّد التأييد والاعتضاد للدّليل الموجود عندهم فيها كتمسّكهم كثيرا بالإعتبارات الظّنيّة والاستحسانات

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ج ٢ / ١٣٢.

(٢) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : ج ٤ / ١٧٨.

(٣) البيان : ١١٤ ، والدروس : ج ١ / ١٩٤ ، واللمعة الدمشقيّة : ٣٣.

٩٤

العقليّة ، مع أنّ المعلوم من مذهبهم عدم حجيّتها.

ومنها : ما عن المحقّق الكركي في « جامع المقاصد » وغيره من كتبه ؛ فإنّه وإن تمسّك به في بعض المسائل تأييدا إلاّ أنّه أعرض عنه في أكثر المسائل معلّلا بوجود المخالف ، وهي كثيرة جدّا.

ومنها : ما يشاهد من ثاني الشّهيدين وولده وسبطه وأتباعهم الّذين سلكوا مسالكهم ؛ فإنّ من راجع كتبهم يحصل له العلم بعدم اعتنائهم بنقل الإجماع وإعراضهم عنه بمجرّد وجود المخالف ولو كان متأخّرا عن ناقله ، فلا تغترّ إذن بما اختاره جمع ممّن قارب عصرنا من المشايخ الأعلام من التمسّك بنقل الإجماعات في كثير من المسائل حتّى الإجماعات الموهونة وتشييدهم أمره ؛ حتّى إنّهم جعلوه بمنزلة الخبر الصّحيح.

كلام المحقّق التستّري في عدم حجّيّة نقل الإجماع باعتبار المنكشف

إذا عرفت ذلك فلنصرف العنان إلى نقل كلام الشّيخ المحقّق التّستري في المقام الثّاني من المقامين اللّذين ذكرهما وهو : عدم حجيّة نقل الإجماع باعتبار المنكشف ، وإن كان محصّل كلامه باعتبار نقل الكاشف أيضا يرجع إلى عدم حجيّته بالمعنى المعروف حقيقة ـ حسبما عرفته سابقا ـ قال قدس‌سره :

« المقام الثّاني : عدم حجيّته بالاعتبار (١) الثّاني ؛ وهو ما انكشف للناقل من السّبب بادّعائه. والكلام فيه حيث ظهر منه ادّعاء العلم بقول المعصوم عليه‌السلام أو رأيه

__________________

(١) كذا وفي المصدر : بإعتبار.

٩٥

ونحوه على وجه التّعلق.

وهذا إمّا لتصريحه به ، أو لتعبيره بما يقتضيه من جهة الاصطلاح كلفظ الإجماع ، أو من جهة دعوى الاتفاق في مقام الاحتجاج ، وهو ممّن لا يعتمد عليه بنفسه ، أو لكونه يعتقد الملازمة بينه وبين الكشف. أمّا إذا لم يظهر منه ذلك ، فلا شبهة في عدم حجيّته بهذا الاعتبار.

وأولى منه ما إذا أظهر خلافه كما إذا ادّعي الاتّفاق ونحوه على حكم في غير مقام الاستدلال وخالفه كما تقدّم عن العلاّمة ، أو صرّح بمنع الملازمة ونحوه ما إذا علّق دعوى الإجماع ونحوه على ما لم يعلم هو عند النقل بثبوته ، ولا سيّما إذا لم يكن عليه مبنى الكشف بل مجرّد الاتّفاق واحتمل وجود نظائره ممّا يقدح في ذلك فيما لم نقف عليه من كتب الأصحاب وفتاواهم الّتي يتعذّر حصرها وضبطها والعلم بها.

وذلك كما إذا علّق دعواه على كون مراد فلان كذا ، أو عدوله إلى كذا ، أو تأخّر تصنيف كتابه فلان عن كذا ، أو صحّة طريق فلان في الإجماع أو دعوى الكشف أو نحو ذلك ممّا علّقها عليه ولم يعلم به وإن ظهر لنا ثبوته أو الاستغناء عنه. وهذا خارج في الحقيقة غالبا من الإجماع المنقول المبحوث عنه ، كما هو ظاهر.

ثمّ إذا ظهر منه ادّعاء ما ذكر ، فإن عبّر بما يقتضي دخول المعصوم عليه‌السلام بعينه أو ما في حكمه في المجمعين :

فإن علم أو استظهر كون ذلك باعتبار دعوى الكشف من أحد الوجوه المتقدّمة الغير المقتضية لذلك دخل في محلّ النّزاع. وكذا إذا شك في ذلك ؛ لأنّه مع

٩٦

تعدّد الاحتمالات وتساويها يؤخذ بأدناها.

وإن علم أو استظهر كون ذلك باعتبار دعوى الاطّلاع على قوله أو فعله عليه‌السلام بعينه أو نحوه ، فإن صدر ذلك ممّن يحتمل في حقّه اللّقاء والسّماع ولو بما مرّ في الوجه الثّاني عشر ، بناء على جواز تصديق مدّعيه (١) ، دخل بهذا في باب السّنة والخبر وكان حجّة مع وثاقة ناقله بهذا الاعتبار كما هو الشّأن في سائر ما رواه الثّقات الّذين يحتمل في حقّهم ما ذكر وإن لم يصرّحوا به.

وإن صدر ممّن لا يحتمل في حقّه ذلك ، دخل في الأخبار المرسلة المتعلّقة بما يتوقّف على السّماع أو المشاهدة مع عدم تحقّقهما للمخبر ، فكان كما يوجد في كتب الفريقين من نسبة بعض الأحوال إلى أحد الأئمّة عليهم‌السلام خصوصا أو عموما في ضمن النّقل عن الصّحابة أو التّابعين أو أهل بلد فيه أحدهم ، حيث لم يظهر من القرائن فقد من عداه خاصّة ؛ فيجري عليه حكم ما قرّر في الأخبار وطرقها وما ورد فيما رواه العامّة عن عليّ عليه‌السلام حيث كان النّاقل منهم (٢) ، لا حكم نقل سائر آحاد الأقوال ؛ فإنّه يتسامح في معرفتها من وجوه شتّى كما أشرنا إليه سابقا ؛ لأنّه

__________________

(١) بل بناء على افتراض إمكان الملاقاة في عصر الغيبة الكبرى مع الوليّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلا فإن جواز التصديق وعدمه متفرّع على ذلك ومتأخّر عنه كما هو واضح.

(٢) إشارة إلى الخبر الذي أورده الشيخ الطوسي عليه الرحمة في عدة الأصول مرسلا عن الإمام الصادق عليه‌السلام حيث فيه :

« إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنّا ، فانظروا إلى ما رووا عن علي عليه‌السلام فاعملوا به ». العدّة : ج ١ / ١٤٩.

أقول : ولعلّ الصحيح : فيما روي عنّا ... إلى آخره.

٩٧

لا يعتقد بمعرفتها الاحتجاج بها على وجه الاستدلال ؛ لمعرفة الأحكام وأصول الشّريعة كسائر الأدلّة ولم يقع فيها ـ من الاختلال الّذي يتعذّر أو يتعسّر غالبا إدراكه ويختلف الأنظار فيه ـ ما وقع في أخبار الأئمّة عليهم‌السلام ، ومن ثمّ فرق بينهما فيما ذكر. وقد وقع نظيره في الشّهادات والأقارير أيضا ، فاعتبر في بعضها من التّعيين والتّفصيل ما لم يعتبر في أخرى.

وأمّا ما صدر من كثير من أعاظم الأصحاب وغيرهم من الاعتماد على بعض المراسيل ، فليس ذلك باعتبار قطع المرسل بصدق الخبر ـ كما يظهر من بعض من لا يعتدّ به ، مع شهادة الأمارات بخلاف ذلك ـ بل لاستظهار عدم إرساله إلاّ عن ثقة يعتمد على خبره ، أو من شهدت القرائن الخاصّة برجحان صدقه ، كما بيّن مفصّلا في محلّه (١).

وإذا علم أو استظهر من النّاقل دعوى العلم بقول المعصوم عليه‌السلام أو غيره ممّا سبق بطريق الكشف الناشئ عن أحد الوجوه المتقدّمة الغير المقتضية للعلم بقوله عليه‌السلام ، بعينه أو ما في حكمه وهذا هو الّذي نفينا حجيّته في حقّ غيره.

والدّليل عليه : أنّه أخذ ذلك من مقدّمتين :

الأولى : أنّ الحكم قد تحقّق فيه اتفاق العلماء ، أو علماء العصر ، أو علماء فيهم مجهول النّسب ، أو غير ذلك من أسباب الكشف. وهذه وجدانيّة ، يجوز فيها تصديقه والتّعويل على خبره المستند إلى الحسّ ، ولو باعتبار أسبابه وآثاره مع عدم ظهور خلافه كما سبق. ولا يعوّل فيها على قطعه المستند إلى حدسه الّذي هو

__________________

(١) أنظر الكتب الرجالية ـ التوثيقات العامة ، بحث مشايخ الثقات.

٩٨

حكم عقلي يختصّ اعتباره بنفسه ، مع احتمال قبوله بالنّسبة إلى قول غير المعصوم عليه‌السلام أيضا لما مرّ من التّسامح في أمره.

والثّانية : أنّ كلّ ما كان كذلك فهو موافق لقول المعصوم عليه‌السلام أو رأيه أو مقتضى الدّليل القاطع أو المعتبر مطلقا أو الحكم الظّاهري الّذي هو مناط التّكليف. وهذه من المسائل الأصوليّة النّظريّة الّتي لا يجوز للفقيه أن يعتمد فيها على غيره ، ولا سيّما مع معركة الآراء ومختلف الأهواء. وإن وافق رأيه فيها رأي ما قبل الإجماع فهو من باب توافق الرّأيين ، لا من التّقليد الممنوع منه بلا ريب. ومن ثمّ بنى كلّ منهم في الأصول والفروع على ما أدّى إليه نظره الثّاقب ، كما هو طريقتهم في سائر المطالب.

وإذا لم يجز للفقيه أن يعتمد فيها على غيره لم يجز له ذلك في النّتيجة المأخوذة منها المعدودة من جزئياتها. وذلك لوجهين : إجماليّ وتفصيليّ.

أمّا الأوّل : فهو أنّها فرعها ومن جزئيّاتها ويجري فيها من الحكم بالصّواب والخطأ ما يجري فيها في الحكم ويوافقها فيه ضرورة. ولذلك لو قال الفقيه : إنّ الحكم متّفق عليه بين مجتهدي العصر ، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ ـ على رأي الشّيخ أو على رأي العامّة ـ فالحكم حقّ ، كان باطلا. بل إنّما يكون حقّا على أحد الرأيين خاصّة. فالحكم في الإجماع المنقول أيضا ذلك ، بل هو أولى به.

ولو قال الرّاوي ـ في إثبات فوريّة شيء ـ : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر به. والأمر للفور ، لم يعتمد إلاّ على إخباره بصدور الأمر منه ؛ لأنّه أمر وجدانيّ ، إلاّ إذا أخبر أيضا بمصادفة الأمر لوضع أو قرينة وجدانيّة ، مقتضيين للفوريّة ، فيعتمد عليه فيهما أيضا ؛ لما ذكر. ولهذا صرّح الشيخ والمرتضى والعلاّمة وغيرهم من محقّقي الخاصّة

٩٩

والعامّة : بأنّه لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الرّاوي. وصرّحوا أيضا : بأنّه لا يتعيّن معنى المجمل بحمل الرّاوي له على أحد محتمليه » (١).

إلى أن قال :

« وأمّا الثّاني : فيبنى على توطئة مقدّمة ، وهي : أنّ أدلّة الأحكام منحصرة عند جميع فرق الإسلام على اختلافهم في عددها وشروطها في أمور منها : نقليّة معروفة لا تعرف إلاّ بالسّماع أو المشاهدة والنّقل المسموع المنتهي إليهما.

ومنها : عقليّة معلومة منقسمة إلى مطلقة ومقيّدة ـ بعدم المنافي الرّافع لحكمها من النّقل ـ وإلى مستقلّة ومنضمّة مع السّمع.

وقد اتّفقوا على أنّ الأولى حجّة على من وقف عليها أوّلا ومن يلقيه إليه بالواسطة من طريق التّواتر ونحوه ممّا يوجب العلم ، واختلفوا فيما بلغ منها من طريق الآحاد. واتّفقوا أيضا على أنّ الثّانية حجّة على من أدركها بعقله ، إذا كان من ذوي الإدراك لمثلها ومن أهله ، ما لم يبيّن له خطأه » (٢).

إلى أن قال :

« ثمّ لا ريب أنّ حجيّة ما عبّروا عنه بالخبر والرّواية ونحوهما من أحكامه إنّما هي لكونه حاكيا لما هو الدّليل المقرّر بالأصالة ، وهو السّنة النّبوية وغيرها ، وإذا تعلّق بما ليس بدليل لم يكن من أدلّة نفس الأحكام وإن كان قد يقبل ويعوّل عليه فيما يتعلّق بها أو بغيرها لمقاصد أخرى. وقد أطبق جميع فرق المسلمين ، بل

__________________

(١) كشف القناع : ٤٠٥ ـ ٤٠٨.

(٢) نفس المصدر : ٤٠٩.

١٠٠