بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستمد ونستعين

الحد لله ربّ العالمين

وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين المعصومين

ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين (١)

__________________

(١) خطبة الكتاب.

٥

تنبيهات الإستصحاب

٦

تنبيهات الإستصحاب

* التنبيه الثاني : جريان الإستصحاب في الزمان والزمانيات

* التنبيه الثالث : عدم جريان الإستصحاب في الأحكام العقليّة

* التنبيه الرابع : الإستصحاب التعليقي

* التنبيه الخامس : استصحاب أحكام الشرائع السابقة

* التنبيه السادس : الأصل المثبت

* التنبيه السابع : أصالة تأخّر الحادث

* التنبيه الثامن : استصحاب صحّة العبادة عند الشك في طروّ المفسد

* التنبيه التاسع : عدم جريان الإستصحاب في الأمور الإعتقادية

* التنبيه العاشر : دوران الأمر بين التمسك بالعام أو استصحاب حكم المخصّص

* التنبيه الحادي عشر : لو تعذّر بعض المأمور به فهل يستصحب وجوب الباقي؟

* التنبيه الثاني عشر : جريان الإستصحاب حتى مع الظن بالخلاف

٧
٨

* التنبيه الثاني

استصحاب الزّمان والزّمانيّات

(٢٣٢) قوله ( دام ظلّه ) : ( إنّه قد علم من تعريف الاستصحاب ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٠٣ )

__________________

(١) قال المحقق الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى أنّ عمدة الاستصحاب هي الأخبار ، ومن المعلوم أنّ الملاك فيها إنّما هو صدق نقض اليقين بشيء بالشّك فيه ، ولا يتفاوت فيه الأمور القارّة والتّدريجيّة ، بداهة صدق نقضه به فيما إذا توقّف بسبب الشّكّ في انقطاع حركة أو مشي أو جريان دم أو نحوها من سائر الأمور التدريجيّة الغير القارّة بعد القطع بتحقّقها من ترتّب آثارها عليها ، والسّرّ أنّها وإن كانت غير مجتمعة الأجزاء بحسب الوجود ، إلّا أنّ وحدتها أو تشخّصها لا ينثلم بذلك ما دامت متّصلة لم يتخلّل العدم فيها فيفصلها ، فكلّ واحد من هذه الأمور ما لم ينقطع واحد بالشّخص حقيقة ، فإذا قطع بثبوته وتحقّقه ثمّ شكّ في ارتفاعه وانقطاعه بذلك ، كان الشّكّ متعلّقا حقيقة باستمرار ما تعلّق به اليقين.

ولا يخفى أنّ البقاء بالمعنى الّذي ذكره أيضا يصدق في غير الزّمان من الأمور التّدريجيّة ، لما عرفت أنّه ما دام متّصلا يكون واحد بالشّخص ، وهو لا يكاد يكون موجودا إلّا بوجود واحد شخصيّ والبقاء إنّما يكون بهذا المعنى في الزّمانيّات ، ضرورة صدقه حقيقة على غيرها من المجرّدات ونفس الزّمان ، فهو بقول مطلق عبارة عن استمرار الوجود الواحد على اختلاف نحوه بالتّعدّد والتّصرّم جزءا فجزءا والاستقرار والقرار ، بل يظهر من ذلك عدم تفاوت الأمور القارّة والتدريجيّة بحسب سائر الأدلة ، بل بحسب التّعريف بالإبقاء كما لا يخفى.

فانقدح أنّ البقاء في الزّمان ونحوه من الأمور التّدريجيّة من الزّمانيّات كغير الزّمانيّات على

٩

أقول : لا يخفى عليك أنّ الكلام في هذا الأمر أيضا متعلّق بالمتيقّن سابقا وما عرفته في الأمر الأوّل من الحيثيّة ملحوظ فيه وفي سائر ما سيمرّ عليك من الأمور ، فمجمل القول فيه :

__________________

نحو الحقيقة وليس على المسامحة ، نعم بعض الأمور التدريجية الّذي يكون مع تخلّل العدم والفصل بين أجزائه كأبعاض كلام واحد عرفي وان لم يكن بواحد شخصي حقيقة ، ويكون البقاء فيه على المسامحة ، إلّا أنّه كذلك عرفا ما لم يقع بين اجزائها فصل يعتدّ به بحسب العرف ، والملاك في الباب هو الوحدة العرفيّة لصدق نقض اليقين بالشك حقيقة معها ، كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر أنّ الإستصحاب يجري في إثبات الّليل والنّهار ، ويجدي في إثبات ما لهما من الآثار كوجوب الإمساك وجواز الإفطار ، وإن كان لا يجدي في إثبات ما أخذ في موضوعه وقوعه في أحدهما إلّا على القول بالأصل المثبت مطلقا » انتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٤٢.

* وقال صاحب قلائد الفرائد قدس‌سره :

« قلت : لمّا كان جريان الإستصحاب في الأمور غير القارّة بمكان من الإشكال ـ كيف! والمأخوذ في موضوع الإستصحاب هو البقاء والقرار ، فكيف يجري فيما أخذ في حقيقته عدم القرار؟ ـ أفرد المصنّف رحمه‌الله أمرا لبيان توجيه جريان الإستصحاب فيها وجعل الكلام فيه في مقامات ثلاث :

تارة : في جريان الإستصحاب في نفس الزمان.

وأخرى : في الزماني.

وثالثا : في الأمر المستقرّ الذي أخذ الزّمان قيدا له.

والفرق بين الأوّل والثاني في غاية الوضوح ، وأمّا الثاني والثالث فالفرق بينهما : بأن الزّمان في الأوّل أخذ قيدا له بحسب التكوين ، وفي الثاني أخذ قيدا له بحسب التشريع » إنتهى.

أنظر قلائد الفرائد : ٢ / ٢٧٤.

١٠

أنّه إمّا أن يكون من الزّمان ، أو غيره. وعلى الثّاني : لا يخلو أيضا إمّا أن يكون متصرّم الوجود كالزّمان فيتجدّد شيئا فشيئا كالتّكلّم ، والكتابة ، والمشي ، بل مطلق ما يكون من قبيل الحركة ، ويسمّى بالزّماني من حيث كون التّميز بين أشخاصه بالزّمان ، أو لا يكون كذلك. وعلى الثّاني : لا يخلو أيضا : إمّا أن يؤخذ أحد القسمين في موضوع حكمه أو لا.

لا إشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأخير ، فلا ينبغي التّكلّم فيه ، إنّما الإشكال في جريان الاستصحاب في سائر الأقسام ، فنقول :

أمّا القسم الأوّل ، فالّذي يقتضيه التّحقيق عدم جريان الاستصحاب فيه بالنّظر إلى الدّقة العقليّة ؛ لأنّك قد عرفت غير مرّة : أنّ الشّرط في تحقّق الاستصحاب موضوعا هو اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة بحيث لم يكن الفارق بينهما إلّا باليقين والشّكّ ، وإلّا لم يصدق البقاء على الالتزام بالحكم في زمان الشّك ولا النّقض على عدم الالتزام به فيه ؛ لأنّ معنى البقاء هو وجود ما كان موجودا في الزّمان الأوّل في الزّمان الثّاني بعينه.

ومن المعلوم أنّ هذا المعنى لا يتصوّر بالنّسبة إلى الزّمان ؛ لأنّ وجود كلّ قطعة منه يتوقّف على انعدام ما قبله ، فيكون وجود جزئه بحسب التّدريج والتّصرّم بحيث لا استقرار لها في الوجود ، فكلّ ما شكّ في وجود جزء منه فيرجع إلى الشّك في الوجود ابتداء ، فيكون من الشّك في الحدوث حقيقة ، ولازمه عدم صدق البقاء مثلا إذا شكّ في جزء في أنّه من اللّيل أو النّهار ، فلا ريب في أنّ العلم بكون ما قبله نهارا لا ينفع بالنّسبة إلى الزّمان المشكوك ؛ لأنّه غيره قطعا. هذا ما يقتضيه التّحقيق في المقام.

١١

ولكن يظهر من جماعة بل الأكثرين : جريان الاستصحاب في هذا القسم ، بل قد عرفت فيما تقدّم : أنّ المحدّث الأسترآبادي حكى اتّفاق الأمّة ، بل الضّرورة على اعتبار استصحاب اللّيل والنّهار (١). ولعلّه مبنيّ على ما ستعرفه ، هذا بناء على اشتراط إحراز الموضوع في باب الاستصحاب بالدّقة العقليّة.

في إمكان توجيه استصحاب الليل والنهار

وأمّا بناء على المسامحة في موضوع الاستصحاب ، فيمكن توجيه استصحاب الليل والنّهار ونحوه بأحد وجهين :

أحدهما : أن يتصرّف في المستصحب فيجعل النّهار مثلا أمرا خارجيّا واحدا ويجعل بقاؤه وارتفاعه عبارة عن : عدم وجود جزئه الأخير ووجوده ، أو عن عدم تجدّد جزء مقابله وتجدّده بادّعاء كون النّهار عند العرف عبارة عن هذا المعنى ، فالنّهار عند العرف مثلا عبارة عن : قطعة من الزّمان وهو ما بين الطّلوع والغروب له استقرار بحسب الوجود ، فإذا شكّ في تجدّد جزء الأخير منه فيحكم ببقائه. ومرجع هذا الوجه كما ترى ، إلى التّصرف في المستصحب مع بقاء لفظ البقاء على حاله.

ثانيهما : أن يتصرّف في لفظ البقاء ويدّعى شموله للمقام تسامحا ، ولعلّ ما عليه الأكثرون : من إجراء استصحاب اللّيل والنّهار في باب الصّوم وغيره مبنيّ على ذلك ، ولكن لا يخفى عليك أنّ بناء على أحد هذين الوجهين إنّما ينفع

__________________

(١) الفوائد المدنيّة : ٢٨٨ ط جماعة المدرسين.

١٢

استصحاب النّهار مثلا بالنّسبة إلى الأحكام المترتّبة على نفس بقاء النّهار ، وأمّا الحكم المترتّب على كون الجزء المشكوك من النّهار فلا ينفع فيه الاستصحاب ؛ إذ إثباته إنّما هو بإثبات كون الجزء المشكوك من النّهار وهو ممّا لا يجوز بناء على عدم التّعويل على الأصل المثبت فتأمل.

نعم ، بناء على جواز التّعويل عليه فلا ريب في جواز إثباته ، وعليه ليس التّخلّص عن الإشكال منحصرا فيما ذكر ؛ لأنّ هنا استصحابات أخر بالنّسبة إلى الأمور المتلازمة مع الزّمان ، كطلوع الشّمس وغروبها ، وذهاب الحمرة ونحوها ، فيستصحب أعدامها الملازمة مع اللّيل أو النّهار ، فيمكن من إجراء الاستصحاب فيها إثبات الزّمان المشكوك ، ولا يحتاج إلى ما عرفت : من الوجهين بالنّسبة إلى الزّمان بعد هذه الملاحظة كما لا يخفى ، وإن كنّا محتاجين بالنّسبة إلى ما يريد استصحابه من الأمور المتجدّدة ؛ حيث إنّ وجودها كوجود الزّمان ممّا يتجدّد شيئا فشيئا.

هذا مقتضى ما ذكره ( دام ظلّه ) في ردّ المحدّث الأسترآبادي عند التّكلّم في الأقوال ، ولكن مقتضى ما صرّح به في مجلس البحث ويظهر ممّا ذكره في المقام عدم الاحتياج فيها إلى الالتزام بأحد الوجهين ؛ لأنّ المراد بالطّلوع مثلا هو طلوع الشّمس من الأفق وبالغروب هو غروبها عنه ، وهذا ليس ممّا يوجد تدريجا. هكذا ذكره في مجلس البحث ، وتحقيق أحد المسلكين ممّا يحتاج إلى التّأمّل في الجملة فتأمّل.

١٣

ثمّ إنّه يظهر من بعض أفاضل من تأخّر (١) للتخلّص عمّا ذكرنا في استصحاب الزّمان التّعلّق باستصحابات أخر فذكر ما حاصله :

أنّا لا نحتاج إلى استصحاب نفس الزّمان ؛ لأنّ هنا استصحابات أخر يستغنى بها عن استصحاب الزّمان ،

أحدها : ما عرفته : من استصحاب الأمور الملازمة مع الزّمان ، وقد عرفت : أنّ التّشبّث باستصحابها لإثبات الزّمان لا يجوز على ما يقتضيه التّحقيق.

نعم ، لو فرض ترتّب حكم على نفس عدم الغروب مثلا ترتّب عليه باستصحاب عدمه على ما صرّح به الأستاذ العلّامة في مجلس البحث.

ثانيها : استصحاب عدم ضدّ الزّمان المشكوك فإذا شكّ في بقاء النّهار يتمسّك باستصحاب عدم الدّليل وإذا شكّ في بقاء اللّيل يتمسّك باستصحاب عدم النّهار وهكذا. وهذا ليس كرّا على ما فرّ ؛ لأن المحذور الّذي كان يرد بالنّسبة إلى استصحاب نفس الزّمان لا يرد بالنّسبة إلى استصحاب عدم ضدّه ؛ لأنّه لا يعقل الحكم بأنّ العدم يتجدّد شيئا فشيئا كما لا يخفى.

وفيه أوّلا : أنّ هذا إنّما يتمّ بالنّسبة إلى نفس الحكم المترتّب على عدم الضدّ ، وأمّا الحكم المترتّب على وجود ضدّه كما هو محلّ الكلام ، فلا ينفع فيه هذا الاستصحاب إلّا على القول بجواز التّعويل على الأصل المثبت الغير الجائز عندنا.

وثانيا : أنّ المحذور اللّازم على تقدير استصحاب نفس الزّمان يلزم على هذا التّقدير أيضا.

__________________

(١) الفصول الغروية : ٣٦٧.

١٤

توضيح ذلك : أنّ القطع بعدم الدّليل في الزّمان الّذي يقطع بكونه من النّهار إنّما هو من حيث انطباق عدمه على النّهار ، لا بمعنى كون النّهار موجودا في زمان لم يوجد فيه اللّيل ؛ لاستحالة أن يصير الزّمان مظروفا وظرفا كما يحكم به ضرورة العقل ، ولا بمعنى كونه مصداقا له ؛ ضرورة بطلان صيرورة الوجود مصداقا للعدم ، بل بمعنى اعتباره ممّا يقارنه حقيقة ، فمعنى القطع بعدم اللّيل في ذلك الزّمان هو القطع بعدم كونه ليلا ولازم هذا المعنى ـ كما لا يخفى ـ أن يكون الشّك في الزّمان المشكوك في أنّه من اللّيل أو النّهار كما هو المشاهد بالعيان ، لا أنّ اللّيل وجد فيه أم لا ؛ ضرورة أنّه لو كان ليلا يكون نفسه لا ظرفه فالقطع بعدم كون الزّمان السّابق ليلا لا ينفع في صدق البقاء بالنّسبة إلى الزّمان المشكوك ، فيكون حال المستصحب العدمي في الزّمان كحال المستصحب الوجودي ، فلا مسرح للاستصحاب في العدمي أيضا إلّا بالالتزام بأحد الوجهين اللّذين عرفتهما بالنّسبة إلى الاستصحاب الوجودي. هذا ملخّص ما أفاده شيخنا الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) في مجلس البحث وهو لا يخلو عن بعض المناقشات.

ثالثها : استصحاب الحكم المترتّب على الزّمان كوجوب الصّوم وجواز الإفطار إلى غير ذلك ؛ لأنّه كان متيقّنا قبل الشّك في انقضاء الزّمان فلا يحتاج حينئذ إلى استصحاب الزّمان أصلا ؛ لأنّ المقصود من استصحاب الزّمان هو ترتيب الآثار الشّرعيّة عليه ، فإذا أجري الاستصحاب في نفسها فلا يحتاج إلى استصحاب الزّمان.

فإن قلت : الشّك في بقاء الحكم المفروض مسبّب عن الشّك في بقاء الزّمان ، فكيف يمكن رفع الشّك عنه بإجراء الاستصحاب في نفسه؟

١٥

قلت : قد عرفت غير مرّة وستعرف أيضا : أنّ الأصل في الشّك المسبّب لا يجري فيما أمكن إجراء الأصل بالنّسبة إلى الشّك السّببي بحيث يرفع الشّك المسبّب حكما ، وأمّا إذا لم يمكن ذلك فلا مانع عنه.

وهذا التّوجيه يظهر من الأستاذ العلّامة في « الكتاب » أيضا فانظر إلى قوله : ( فالأولى التّمسك في هذا المقام ... إلى آخره ) (١) حتّى تعلم حقيقة الحال وإن كان صرّح في ردّ المحدّث المقدّم ذكره في ذلك المقام بعدم تعقّل ذلك هذا.

ولكنّك خبير بفساد هذا الوجه أيضا ؛ لأنّك قد عرفت غير مرّة : أنّه مع الشّك في بقاء الموضوع لا يمكن إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم لا مع استصحاب الموضوع ولا بدونه.

وأمّا ما قرع سمعك : من أنّه مع عدم إمكان إجراء الاستصحاب في الشّك السّببي لا مانع من إجراء الاستصحاب بالنّسبة إلى الشّك المسبّب ، فإنّما هو في غير الشّك في الموضوع والحكم ، وأمّا بالنّسبة إليهما فلا معنى له. وهذا مع وضوحه قد أقمنا عليه البرهان فيما مضى وسنقيم عليه فيما سيأتي أيضا إن شاء الله هذا.

وبالحريّ أن نشير إلى شرح بعض أجزاء ما وقع من الأستاذ العلّامة من الكلام في هذا القسم قبل الخوض في بيان حكم القسمين الأخيرين.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٠٥.

١٦

(٢٣٣) قوله : ( ولعلّه المراد بقوله في المكاتبة المتقدّمة في أدلّة الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٠٥ )

بيان المراد من المكاتبة وانه هل ينطبق على الاستصحاب أم لا؟

أقول : المراد من مرجع الضّمير هو الاستصحاب الحكمي ، وتوضيح تفريع قوله عليه‌السلام ( صم للرّؤية وأفطر للرّؤية ) (١) على قوله عليه‌السلام : ( اليقين لا يدخله الشّك ) (٢) ـ بناء على إرادة الاستصحاب الحكمي كما هو المفروض ـ :

هو أنّه لمّا جاز فعل المفطر بمقتضى استصحاب الجواز فيما لو شكّ في دخول رمضان ووجب الصّوم بمقتضى استصحاب وجوبه فيما شكّ في دخول الشّوال ، فلا بدّ من أن يكون وجوب الصّوم للرّؤية ـ وإلّا كان نقض اليقين بالشّك ـ ومن أن يكون وجوب الإفطار ـ بناء على كونه حكم يوم العيد لا حرمة الصّوم ـ أو جوازه للرّؤية وإلّا كان نقضا لليقين بوجوب الصّوم بالشّك هذا.

ولكنّك خبير بما فيه من المناقشة سواء أريد من استصحاب وجوب الصّوم استصحاب الحكم التّكليفي ـ كما هو الظّاهر على ما عرفته ـ أو استصحاب الشّغل مسامحة.

أمّا لو أريد منه الأوّل. فيتوجّه عليّه :

__________________

(١ و ٢) التهذيب : ج ٤ / ١٥٩ باب ٤١ ـ « علامة أوّل شهر رمضان وآخره ودليل دخوله » ـ ح ٤٤٤ / ١٧. والإستبصار : ج ٢ / ٦٤ باب ٣٣ ـ « علامة أوّل يوم من شهر رمضان » ـ ح ٢١٠ / ١٢.

عنهما الوسائل : ج ١٠ / ٢٥٥ باب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ ح ١٣.

١٧

أوّلا : كون التّكليف بالصّوم في كلّ يوم تكليفا مستقلّا غير مربوط بالتّكليف به في الآخر ، فلا يعقل صيرورة اليقين بوجوب الصّوم في يوم موجبا لصدق دخول الشّك بالنّسبة إليه فيما لو لم يصم في اليوم المشكوك كونه من الرّمضان ، فلا يصلح لتفريع قوله عليه‌السلام : ( وأفطر للرّؤية ) على قوله : ( اليقين لا يدخله الشّك ) ، فيتعيّن حينئذ الرّجوع إلى أصالة عدم الوجوب والبراءة لا إلى أصالة الوجوب.

وثانيا : أنّ التّعلّق باستصحاب الحكم مع الشّك في موضوعه قد عرفت فساده مرارا هذا. إذا أريد استصحاب الوجوب.

وأمّا إذا أريد استصحاب الشّغل.

فيتوجّه عليه أيضا :

أوّلا : أنّا ذكرنا مرارا : أنّه لا معنى لاستصحاب الاشتغال حتّى فيما كان المورد مورد قاعدة الاشتغال ووجوب الاحتياط.

وثانيا : أنّه يتمّ على فرض تسليم ما هو المشهور بينهم : من إجراء الأصلين ، أعني : استصحاب الاشتغال ، وقاعدة الاشتغال ، فيما لو كان المورد مورد قاعدة الاشتغال لا في مثل المقام ؛ لأنّك قد عرفت أنّه بناء على كون التّكليف بالصّوم في كلّ يوم تكليفا مستقلّا ، لا مسرح لجريان قاعدة الاشتغال ، بل المتعيّن هو الرّجوع إلى البراءة على تقدير كون صوم يوم العيد حراما تشريعيّا كما هو المفروض ، وإلّا فالحكم التّخيير لدوران الأمر بين المحذورين.

نعم ، لو قلنا إنّ التّكليف بالصّوم في شهر رمضان تكليف واحد بحيث يكون صوم كلّ يوم جزءا من المكلّف به ، كما ربّما يتوهّم من بعض كلماتهم في باب نيّة

١٨

صوم الشّهر (١) ـ وإن كان خلاف الإجماع ـ كان المتعيّن حينئذ الرّجوع إلى قاعدة الاشتغال والحكم بوجوب صوم يوم الشّك ، وإن قلنا بالبراءة في الشّك في الجزئيّة في الشّبهة الحكميّة ؛ لأنّ المفروض من الشّبهة الموضوعيّة كما هو ظاهر ، وهذا ليس من الاستصحاب في شيء ، فيتعيّن حينئذ أن يكون المراد هو عدم جواز رفع اليد عن اليقين باشتغال الذّمّة بالشّك في البراءة ، بل يلزم تحصيل القطع به. وأين هذا من استصحاب الشّغل؟ وممّا ذكرنا كلّه يظهر : تطرّق المناقشة إلى استصحاب الجواز فيما تردّد بين شعبان ورمضان.

ثمّ إنّ ما ذكره الأستاذ العلّامة هنا ينافي ما ذكره في طيّ الاستدلال بالرّواية عند التّكلّم في الأخبار ، فإنّه جعلها هناك من أدلّة المختار بتقريب : كون المراد منها هو استصحاب الاشتغال لا قاعدته ، وهذا كما ترى ينافي ما ذكره في المقام. وإن أردت الوقوف على تفصيل الكلام في الرّواية فارجع إلى ما ذكره ( دام ظلّه ) وذكرناه ثمّة (٢) ، هذا مجمل القول في حكم القسم الأوّل.

وأمّا الكلام في القسم الثّاني فمجمله : أنّ حكمه حكم القسم الأوّل بالنّظر إلى الدّقة العقليّة لجريان ما عرفت من وجه المنع فيه في هذا القسم أيضا بعينه ، وأمّا بالنّظر إلى المسامحة العرفيّة فالأمر فيه أوضح لوجودها بالنّسبة إلى أكثر أمثلته ، ولا يلزم فيه التّعويل على الأصل المثبت ولا غيره من المحاذير كما لا يخفى.

__________________

(١) أنظر رسائل المرتضى : ج ٢ / ٣٥٥ وكذا الإنتصار : ٦١ والخلاف : ج ١ / ٣٧٥ مسألة ٣ وجواهر الكلام : ج ١٦ / ٢٠٠.

(٢) فرائد الأصول : ج ٣ / ٧١ ، وانظر بحر الفوائد : ج ٣ / ٣٨.

١٩

ثمّ قد يناقش في بعض أمثلة الفرض لا من جهة ما ذكر بل من جهة أخرى ، كما في استصحابي الحيض على ما في « الكتاب » سيّما المثال الأخير ؛ فإنّ استصحاب بقاء اقتضاء الطّبيعة لا يثبت خروج الدّم من المرأة ، كما أنّه لا يثبت اتّصاف الدّم الخارج بالحيضيّة عند الشّك في اليأس. ومن هناك لم يذكرهما في « الكتاب » على وجه الجزم فتأمّل.

وتوهّم : كون الشّك في بقاء المستصحب ناشئا من وجود جزء آخر والأصل عدمه ، فيكون حاكما على الاستصحاب الوجودي مانعا عن جريانه ، مندفع. مضافا إلى عدم إمكان إثبات ارتفاع الكلّي بنفي الفرد بما ذكره ( دام ظلّه ) من الوجهين في « الكتاب » فلا يكون إذن مانع عن جريان الاستصحاب في هذا القسم حيثما يساعد العرف على الحكم بالاتّحاد فيه.

وجعل الموجودات المتعدّدة الغير المجتمعة موجودا واحدا حتّى يتعلّق الشّك ببقائه وارتفاعه فاسد ؛ فإنّ حكم العرف بذلك ليس دائميّا ؛ فإنّه كثيرا ما يحكمون بتعدّد الوجودات وتباينها من جهة تعدّد الدّواعي الموجبة للفعل المستمرّ ، أو لطول الفصل وعدم الاشتغال بالفعل ، وإن كان الدّاعي واحدا أو لغيرهما من الأمور ، فإذا شكّ في بقاء القاري على صفة القراءة من جهة الشّك في حصول الصّارف مع اقتضاء الدّاعي قراءته في زمان الشّك أيضا ، فلا إشكال في جواز الاستصحاب بناء على المسامحة ، ولو مع تخلّل فصل قصير لا يعتدّ به.

وأمّا لو شكّ في قراءته من جهة الشّك في حصول داع آخر ؛ لاشتغاله بعد القطع بانتفاء الدّاعي الموجود أوّلا ، أو شكّ في قراءته بعد رفع يده عنها في زمان طويل وإن كان الدّاعي متّحدا ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب.

٢٠