الدكتور محمّد سالم محيسن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦
وقال « تاج الدين السبكي » : كان « الجعبري » فقيها مقرئا ، متقنا ، له التصانيف المفيدة في القراءات ، والمعرفة بالحديث. اهـ (١).
وقال « جمال الدين الأسنوي » : كان « الجعبري » إماما في القراءات عارفا بالفقه والعربية. اهـ (٢).
وقال « الحافظ ابن كثير » : كان « الجعبري » من المشايخ المشهورين بالفضائل والرئاسة ، والخير والديانة ، والعفة والصيانة. اهـ (٣).
وقال « عبد الرحمن العليمي » : « الجعبري » الشيخ الإمام العالم العلامة القدوة المحقق المقرئ ، شيخ الخليل ، رحل الناس إليه ووليّ مشيخة « الخليل » (٤).
فهذا الثناء العاطر على « الجعبري » يصوّر لنا تصويرا واضحا شخصية هذا العالم المتبحر في العلوم ، فضلا عن علوّ مكانته العلمية ، ومؤلفاته المفيدة ، فقد ترك للمكتبة الإسلامية الكثير من المصنفات في شتى علوم المعرفة : القراءات ، وعلوم القرآن ، وعلوم الحديث ، والفقه وأصوله ، والنحو والصرف ، واللغة ، والبلاغة ، والأدب ، والعروض.
فمؤلفاته في القراءات بلغت ستة عشر مصنفا ، وفي علوم القرآن ثلاثة وثلاثين ، وفي علوم الحديث سبعة عشر ، وفي الفقه أربعة عشر.
توفي « الجعبري » « بالخليل » سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة من الهجرة. رحمه الله رحمة واسعة ، إنه سميع مجيب.
__________________
(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ، ج ٦ ، ص ٨٢.
(٢) انظر : طبقات الشافعية للاسنوي ج ١ ، ص ٣٨٥.
(٣) انظر : البداية والنهاية لابن كثير ، ج ١٤ ، ص ١٦٠.
(٤) انظر : الأنس الجليل ، ج ٢ ، ص ١٥٣.
رقم الترجمة / ٤
« إبراهيم بن حسن » (١) ت ١٢٢٣ هـ
هو : إبراهيم بن حسن بن أحمد بن محمد اليعمري. وهو من خيرة حفاظ القرآن ، ومن الفقهاء العاملين ، المشهورين بالزهد ، والتقوى ، والعمل بكتاب الله تعالى وسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
ولد « إبراهيم بن حسن » سنة أربع وستين ومائة وألف ، وقرأ القرآن الكريم على خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « صالح الجرادي » كما أخذ علومه على عدد من العلماء ، فأخذ الفقه ، والفرائض على « السيد علي بن حسن الصعدي » وأخذ علم السنة على العلامة « الحسين بن عبد الله الكبسي ».
وانتفع بعلمه فعمل به ، وعكف على العبادة ، وتحلّى بالزهد ، وانتهى إليه الورع ، وحسن السمت ، والتواضع ، والاشتغال بخاصة النفس واتفق الناس على الثناء عليه ، والمدح لشمائله. توفي « إبراهيم بن حسن » لعشرين خلت من شهر شوال سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف.
رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ١١ ، ورقم الترجمة / ٥.
رقم الترجمة / ٥
« إبراهيم الطّبري » (١) ت ٣٩٣ هـ
هو : إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق الطبري المالكي البغدادي. ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ ه ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن ، كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه ضمن علماء القراءات.
أخذ « إبراهيم الطبري » القراءة عن عدد كبير من خيرة حفاظ القرآن يقول « ابن الجزري » : قرأ « إبراهيم الطبري » على أحمد بن عثمان بن بويان ، وأحمد بن عبد الرحمن الولي ، وأبي بكر النقاش ، وأبي بكر بن مقسم ، ومحمد بن علي بن الهيثم ، وأبي عيسى بكار ، ومحمد بن الحسن بن الفرج الأنصاري ، وعبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم ، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن مرة بن أبي عمر الطوسي النقاش ، وعبد الوهاب بن العباسي.
وقرأ الحروف على أحمد بن عبد الله بن محمد المكي عن العنزي صاحب البزّي ، وإبراهيم بن أحمد بن الحسن القرماسيني عن أبي بكر الأصبهاني وغيره ، وأبي سليمان محمد بن عبد الله بن سلميان بن الطيب بن يوسف السعدي ، الدمشقي عن أحمد بن عبد الله بن ذكوان وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي عن صاحب خلف ، وأبي بكر أحمد جعفر بن أحمد الشعيري عن صاحب أبي حمدون ، وغير هؤلاء كثير (٢).
__________________
(١) انظر ترجمته في المراجع الآتية :
تاريخ بغداد ج ٦ ، ص ١٩ ، ومعرفة القراء ج ١ ص ٣٥٨. وطبقات القراء ، ج ١ ص ٥.
والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ٢٠٩. وشذرات الذهب ج ٣ ص ١٤٢.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ص ٥.
وقد رحل « أبو إسحاق الطبري » في سبيل العلم إلى كثير من الأمصار يأخذ عن علمائها ، وفي هذا المعنى يقول « الخطيب البغدادي » : كان « إبراهيم الطبري » أحد الشهود ببغداد ، وذكرني « أبو القاسم التنوخي » أنه شهد أيضا بالبصرة ، وواسط ، والأهواز ، والكوفة ، ومكة ، والمدينة المنورة ، قال : وأم بالناس في المسجد الحرام أيام الموسم وما تقدم فيه من ليس بقرشي غيره.
ثم يقول « الخطيب البغدادي » : وسكن « إبراهيم الطبري » بغداد وحدث بها عن « إسماعيل بن محمد الصفار ، وأبي عمرو بن السمّاك ، وأحمد بن سليمان العباداني ، وعلي بن إدريس الستوري » ومن في طبقتهم وبعدهم. اهـ.
ثم يقول : وكان « أبو الحسن الدار قطني » خرج له خمسمائة جزء ، وكان كريما سخيا مفضلا على أهل العلم ، حسن المعاشرة ، جميل الأخلاق ، وداره مجمع أهل القرآن ، والحديث ، وكان ثقة. اهـ (١).
تصدر « إبراهيم الطبري » لتعليم القرآن ، وتتلمذ عليه الكثيرون وفي مقدمتهم : الحسين بن علي العطار ، والحسن بن أبي الفضل الشرمقاني وأبو علي الأهوازي ، وأبو علي البغدادي صاحب كتاب « الروضة » وأبو نصر أحمد بن مسرور ، وأحمد بن رضوان ، وأبو عبد الله محمد بن يوسف الأفشيني ، روى عنه الحروف (٢).
احتل « إبراهيم الطبري » مكانة سامية مما استوجب ثناء العلماء عليه ، يقول « الإمام ابن الجزري » : كان « الطبري » ثقة ، مشهورا ، أستاذا (٣).
توفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر : تاريخ بغداد ج ٦ ، ص ١٩.
(٢) انظر : طبقات القراء ج ١ ، ص ٥.
(٣) انظر : طبقات القراء ج ١ ، ص ٥.
رقم الترجمة / ٦
« إبراهيم بن عمر » (١) ت ٨٨٥ هـ
هو : إبراهيم بن عمر بن حسن بن الربا : بضم الراء بعدها باء موحدة خفيفة ، ابن أبي بكر البقاعي. نزيل القاهرة ثم دمشق.
وهو أستاذ ثقة ضابط حجة ، قارئ ، محدث ، مفسّر ، مؤلف.
ولد تقريبا سنة تسع وثمان مائة بقرية من عمل « البقاع » ثم تحوّل إلى « دمشق » ثم فارقها ودخل بيت المقدس ، ثم رحل إلى « القاهرة » ، وفي القاهرة اتصل بعلمائها وأخذ عنهم القراءات القرآنية ، والفقه ، والنحو ، وغير ذلك من العلوم.
فقد قرأ القراءات على « الجزري » جمعا بالعشرة ، إلى سورة « البقرة ».
وقرأ على « التاج بن بهادر » الفقه ، والنحو.
وأخذ عن « الحافظ ابن حجر ، وأبي الفضل المغربي » وغيرهما وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران.
ثم صنف الكثير من الكتب في شتى العلوم ، وفي هذا يقول « محمد بن علي الشوكاني » ت ١٢٥٠ ه :
ومن أمعن النظر في كتاب « إبراهيم بن عمر » الذي جعله في المناسبات بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علمي المعقول ، والمنقول.
__________________
(١) انظر : ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ١٩ ورقم الترجمة / ١٢.
ثم يستطرد « الشوكاني » قائلا : وكثيرا ما يشكل عليّ شيء في الكتاب العزيز فأرجع إلى مطولات التفسير ، ومختصراتها ، فلا أجد ما يشفي ، وأرجع الى هذا الكتاب فأجد ما يفيد في الغالب (١).
وقد رحل « إبراهيم بن عمر » إلى الحجاز فأدّى فريضة الحج ، ثم عاد إلى « القاهرة » وجلس للتعليم ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، ويتتلمذون عليه في شتى الفنون. ثم عاد إلى « دمشق » بعد حياة حافلة بطلب العلم ، والتعليم والتصنيف فوافاه الأجل المحتوم وتوفي ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين وثمانمائة ، ودفن خارج « دمشق » من جهة قبر عاتكة.
وتذكر لنا كتب التاريخ أن « إبراهيم بن عمر » رثى نفسه في حياته فقال :
نعم انني عما قريب لميت |
|
ومن ذا الذي يبقى على الحدثان |
كأنك بي أنعى عليك وعندها |
|
ترى خيرا صمّت له الأذنان |
فلا حسد يبقى لديك ولا قلى |
|
فينطق في مدحي بأيّ معان |
وتنظر أوصافي فتعلم أنها |
|
علت عن مدان في أعزّ مكان |
فكم من عزيز بي بذل جماحه |
|
ويطمع فيه ذو شقا وهوان |
فيا ربّ من تفجأ بهول يودّه |
|
ولو كنت موجودا لديه دعاني |
رحم الله « إبراهيم بن عمر » وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٢٠.
رقم الترجمة / ٧
« إبراهيم بن محمّد » (١) ت ٨٤١ هـ
هو : إبراهيم بن محمّد بن خليل البرهان الطرابلسي الأصل الشاميّ المولد ، الشافعي.
وهو من خيرة العلماء والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء ، ولد في ثاني عشر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بالجلّوم : بفتح الجيم ، وتشديد اللام المضمومة ، توفي والده وهو صغير ، فكفلته أمه وانتقلت به إلى « دمشق » فحفظ بها بعض القرآن ، ثم رجعت إلى « حلب » فنشأ بها وأدخلته أمه مكتب الأيتام فأكمل به حفظ القرآن ، وصلى به التراويح في رمضان.
ثم قرأ تجويد القرآن على خيرة العلماء وفي مقدمتهم : « الحسن السائس المصري ، والشهاب بن أبي الرضى ».
وأخذ الفقه عن جماعة من خيرة الفقهاء منهم : « ابن العجمي » وأخذ الحديث عن مشاهير علماء الحديث ، أمثال : « الزين العراقي ، والبلقيني ، وابن الملقّن » كما أخذ اللغة عن « مجد الدين » صاحب « القاموس المحيط ».
رحل « إبراهيم بن محمد » إلى كثير من الأقطار من أجل العلم والأخذ عن العلماء الثقات. فرحل إلى « مصر » مرتين ، والاسكندرية ، ودمشق ، وبيت المقدس ، وغزة ، والرملة ، ونابلس ، وحماه ، وحمص ، وطرابلس ، وبعلبك.
روي عنه أنه قال : مشايخي في الحديث نحو المائتين ، ومن رويت عنه شيئا
__________________
(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ورقم الترجمة / ١٦ ج ١ ، ص ٢٨.
من الشعر دون الحديث بضع وثلاثون ، وفي العلوم غير الحديث نحو الثلاثين.
وقد جمع كل أساتذته كل من « النجم بن فهد ، والحافظ بن حجر ». واستقرّ بحلب ، ولما هاجمها « تيمور لنك » طلع بكتبه إلى القلعة ، فلما دخل البلد وسلبوا الناس كان فيمن سلب حتى لم يبق معه شيء ، ثم أسروه وبقي معهم ، إلى أن رحلوا إلى « دمشق » فأطلق سراحه ، ورجع إلى بلده.
وقد اجتهد « إبراهيم بن محمد » في الحديث اجتهادا كبيرا ، وسمع العالي ، والنازل ، وقرأ البخاري أكثر من ستين مرّة ، ومسلما نحو العشرين.
واشتغل بالتصنيف : فكتب تعليقا لطيفا على سنن « ابن ماجة » وشرحا مختصرا على البخاري سماه : « التلقيح لفهم قارئ الصحيح » وهو في أربعة مجلدات. و « المقتضى في ضبط ألفاظ الشفا » في مجلّد. و « نور النبراس على سيرة ابن سيّد الناس » في مجلدين. وكتاب « التيسير على ألفية العراقي » وشرحها مع زيادة أبيات غير مستغنى عنها. وكتاب « نهاية السول في رواة الستة الأصول » في مجلد ضخم ، وكتاب « الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث » في مجلد. وكتاب « التبيين لأسماء المدلسين » في كراستين.
قال « السخاوي » : كان « إبراهيم بن محمد » إماما ، علامة ، حافظا خيّرا ، ديّنا ، ورعا ، متواضعا ، وافر العقل ، حسن الأخلاق ، متخلقا بجميل الصفات ، جميل العشرة ، محبّا للحديث وأهله ، كثير النصح والمحبة لأصحابه ، ساكنا متعففا عن التردد إلى بني الدنيا ، قانعا باليسير ، طارحا للتكلف ، رأسا في العبادة والزهد والورع ، مديم الصيام والقيام ، سهلا في التحدث ، كثير الانصاف والبشر لمن يقصده للأخذ عنه خصوصا الغرباء ، مواظبا على الاشتغال ، والاقبال على القراءة بنفسه ، حافظا لكتاب الله ، كثير التلاوة له ، صبورا على الإسماع ، ربما أسمع اليوم كاملا من غير ملل ولا ضجر ، عرض
عليه قضاء الشافعية ببلده فامتنع (١).
لم يزل « إبراهيم بن محمد » على جلالته وعلوّ قدره حتى توفّاه الله تعالى يوم الاثنين سادس عشر شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ، وهو يتلو القرآن ، ولم يغب له عقل ، ودفن بالجبل عند أقاربه.
رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر : البدر الطالع ج ١ ، ص ١٦.
رقم الترجمة / ٨
« إبراهيم بن محمد » (١) ت ٩٢٣ هـ
هو : إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان المقدسي ثم القاهري الشافعي. وهو من خيرة القراء ، والفقهاء ، المشهود لهم بالثقة والإتقان.
ولد ليلة الثلاثاء ثامن عشر ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثمان مائة ببيت المقدس ونشأ به.
وحفظ « القرآن » وهو ابن سبع سنين ، ثم جوّده « لابن كثير المكي وأبي عمرو البصري ».
أخذ « إبراهيم بن محمد » علومه عن خيرة العلماء : فأخذ عن « سراج الرومي » العربية ، والأصول ، والمنطق. وعن « يعقوب الرومي » العربية ، والمعاني ، والبيان في البلاغة.
ثم رحل « إبراهيم بن محمد » إلى « القاهرة » ، من أجل الاستزادة من العلم والتقى بالعلماء وأخذ عنهم : فقرأ على « الجلال المحلى » شرحه لجمع الجوامع في أصول الفقه. وقرأ على غيره الكثير من العلوم المتعددة.
ثم رحل إلى « مكة المكرمة » سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة ، وأدى فريضة الحج ، والتقى بعلماء « مكة » وأخذ عنهم ، ومن شيوخه بمكة المكرمة « التقي بن فهد ، وأبو الفتح المراغي ، والمحب الطبري » وغير هؤلاء.
وبعد أن كملت مواهب « إبراهيم بن محمد » ولي قضاء الشافعية بالقاهرة
__________________
(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٢٦ ، ورقم الترجمة / ١٥.
في ذي الحجة سنة ست وتسعمائة.
وجلس للتدريس واشتهر بين الناس بالثقة ، والضبط ، وأقبل عليه الطلاب واستقر في تدريس تفسير القرآن الكريم بجامع « ابن طولون » وغيره من الجوامع ، والمدارس ، ودرّس عدة فنون.
وعرف عن « إبراهيم بن محمد » قول الشعر ، ومن ذلك قوله :
دموعي قد نمت بسرّ غرامي |
|
وباح بوجدي للوشاة سقامي |
فأضحى حديثي بالصبابة مسندا |
|
بمرسل دمعي من جفون دوامي |
احتل « إبراهيم بن محمد » مكانة سامية بين الناس مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول العلامة الشوكاني : برع « إبراهيم بن محمد » في الفنون ، وأذن له غير واحد بالإقراء والإفتاء وصنّف التصانيف منها :
« شرح الحاوي » في مجلّد ضخم ، و « شرح قواعد الإعراب » في نحو عشرة كراريس ، و « شرح العقائد » لابن دقيق العيد ، و « شرح المنهاج الفرعي ».
وله مختصرات كثيرة منها : « تهذيب المنطق للتفتازاني ، والورقات في أصول الفقه ، لإمام الحرمين ، وشذور الذهب في النحو ، وعقائد النسفي ، واختصر الرسالة القشيرية » وله مصنفات غير هذه (١).
ظلّ « إبراهيم بن محمد » يعلّم ، ويصنف ، حتى توفاه الله تعالى يوم الجمعة ثاني شهر المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة ، وصلى عليه الخليفة « المتوكل على الله » العباسي عقب صلاة الجمعة.
__________________
(١) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٢٦.
رقم الترجمة / ٩
« أحمد بن إبراهيم » (١) ت ٧٠٨ هـ
هو : أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب ، أبو جعفر ، الأندلسي ، النحوي ، القارئ ، المحدث ، الفقيه. وهو من خيرة العلماء الثقات المشهود لهم بالأمانة والثقة.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة.
أخذ « أحمد بن إبراهيم » علومه عن خيرة العلماء : فقد قرأ بالقراءات السبع ، على « أبي الحسن الساوي ». وأخذ الكثير من العلوم عن « إسحاق بن إبراهيم الطوسي » بفتح الطاء ، وإبراهيم بن محمد بن الكمال » وغيرهما.
وبعد أن كملت مواهبه جلس للتعليم ، واشتهر بالثقة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه ، وفي مقدمة من أخذ عنه « العلامة أبو حيان الأندلسي » وعليه تخرج وصار علاّمة عصره في القراءة ، والحديث.
صنف « أحمد بن إبراهيم » للمكتبة الإسلامية الكتب النافعة المفيدة ، ومن مصنفاته : كتاب في التفسير سمّاه : « ملاك التأويل » وكتاب « تاريخ علماء الأندلس » وغيرهما.
احتلّ « أحمد بن إبراهيم » مكانة سامية بين العلماء مما جعلهم يثنون عليه ، وفي هذا يقول تلميذه العلاّمة « أبو حيان الأندلسي » : كان « أحمد بن إبراهيم » يحرّر اللغة ، وكان أفصح عالم رأيته ، وتفقه عليه خلق (٢).
وقال غيره : « إنه انفرد بالإفادة ، ونشر العلم ، وحفظ الحديث وتمييز
__________________
(١) انظر : ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٣ ، ورقم الترجمة / ٢٠.
(٢) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٣٤.
صحيحه من سقيمه ».
وقال بعض من ترجم له : « كان ثقة قائما بالمعروف ، والنهي عن المفكر ، دافعا لأهل البدع ، وكان معظّما عند الخاصة ، والعامة » (١).
وبعد حياة حافلة بطلب العلم وتعليمه ، وتصنيف الكتب ، توفي « أحمد بن إبراهيم » سنة ثمان وسبعمائة ، من ثاني عشر شهر ربيع الأول.
رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه إليه أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر البدر الطالع للشوكاني ج ١ ، ص ٣٤.
رقم الترجمة / ١٠
« أحمد بن إسماعيل » (١) ت ٧٨٣ هـ
وأحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن بريدة ، بالتصغير ، الشهاب الإبشيطي ، القاهري الأزهري الشافعي.
كان رحمهالله تعالى من خيرة القراء ، والفقهاء ، والمحدثين ، والمؤلفين. ولد سنة اثنتين وثمان مائة بإبشيط : بكسر الهمزة ثم موحدة ساكنة بعدها شين معجمة ، ثم ياء تحتية ، وطاء مهملة : قرية من قرى المحلة الكبرى من الغربية إحدى مدن مصر ، ونشأ ببلدته ، وحفظ القرآن ، وكذا العمدة ، والتبريزي ، وأخذ الفقه عن « ابن الصواف ، وابن حميد » وتلا القرآن على الشيخ « الرمسيسي ».
ثم انتقل إلى القاهرة في سنة عشرين وثمان مائة ، وقطن بالجامع الأزهر مدّة من الزمن لتلقي العلم عن العلماء ، فأخذ الفقه عن « البرهان البيجوري » والشمس البرماوي » وغيرهما. وأخذ المنطق عن « العز بن عبد السلام » والنحو عن « الشهاب أحمد الصنهاجي » وغيره ، وسمع الحديث عن جماعة منهم : الحافظ ابن حجر ».
وبرع في كثير من العلوم منها : الفقه ، وأصوله ، وعلوم العربية ، والفرائض والحساب ، والعروض ، والمنطق ، وغير ذلك.
تصدّر « أحمد بن إسماعيل » للإقراء ، واشتهر بين الناس بالثقة وكثرة العلم ، وجودة القراءة ، وأقبل عليه الطلاب يأخذون عنه. وممن أخذ عنه « البكري ، والجوهري » وغيرهما.
__________________
(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٧. ورقم الترجمة ٢٣.
عرف « أحمد بن إسماعيل » بقول النظم ، ومن نظمه في السبع المنجيات :
المنجيات السبع منها الواقعة |
|
وقبلها ياسين تلك الجامعة |
والخمس الانشراح والدخان |
|
والملك والبروج والإنسان |
احتلّ « أحمد بن إسماعيل » مكانة سامية ، ومنزلة رفيعة بين الخاص والعام مما جعل العلماء يثنون عليه ، وفي هذا يقول « الإمام الشوكاني » : عرف « أحمد ابن اسماعيل » بالزهد ، والعبادة ، ومزيد التقشف ، والإيثار ، والانعزال ، والإقبال على الخير مع قلة ذات يده ، بحيث لم يكن في بيته شيء يفرشه ، لا حصير ولا غيره ، بل كان ينام على « باب ». ثم حج في سنة سبع وخمسين وسبعمائة ، وزار المسجد النبوي الشريف ، وسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وانقطع بالمدينة المنورة ، وعظم انتفاع أهلها به ، وكان ذلك كلمة إجماع ، وصار في غالب السنين يحج من المدينة المنورة ، ثم جاور بمكة ، في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة (١).
ترك « أحمد بن إسماعيل » للمكتبة الإسلامية بعض التصانيف منها : « ناسخ القرآن ومنسوخه » ونظم « أبي شجاع » في الفقه الشافعي ، ونظم « الناسخ والمنسوخ » للبارزي ، وشرح « الرحبية » و « المنهج » ، و « مختصر ابن الحاجب » و « تصريف ابن مالك » وإيساغوجي ، والخزرجية ، وغير ذلك.
وبعد هذه الحياة المزهرة بالعلم ، والتصنيف ، والتعليم ، توفي « أحمد بن إسماعيل » بالمدينة المنورة بعد عصر يوم الجمعة تاسع رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. ودفن بالبقيع بالقرب من قبر الإمام مالك رحمهما الله تعالى.
__________________
(١) انظر البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٨.
رقم الترجمة / ١١
« أحمد بن إسماعيل » (١) ت ٧٩٣ هـ
هو : أحمد بن إسماعيل بن عثمان التبريزي القاهري ، ثم الرومي الشافعي عالم بلاد الروم. وهو من خيرة العلماء في القراءات ، والفقه ، والحديث ، والنحو.
ولد سنة ثلاث عشرة وثمان مائة بقرية من « كوران » ثم حفظ « القرآن الكريم » وقرأ بالسبعة على « القزويني البغدادي » وقرأ عليه « الكشاف » وحاشيته « للتفتازاني ».
كما أخذ عن « القزويني البغدادي » الكثير من العلوم مثل : النحو ، والبيان ، والمعاني ، والعروض ، والفقه ، وغير ذلك. كما أخذ عن « الجلال الحلواني » علوم العربية ، وهكذا اشتغل بتحصيل العلوم حتى برع في علوم العربية ، والبلاغة وغير ذلك من العلوم العقلية.
ثم جال في « بغداد ، وديار بكر » وبعد ذلك رحل إلى « دمشق » في حدود الثلاثين وثمان مائة فلازم « العلاء البخاري » وانتفع به.
ثم قدم مع شيخه « الجلال الحلواني » بيت المقدس ، وقرأ عليه في كتاب « الكشاف » للتفتازاني.
ثم قدم « القاهرة » في حدود سنة خمس وثلاثين وثمان مائة ، وهو فقير جدّا ، فأخذ عن « ابن حجر » « البخاري » وشرح الألفية للعراقي ، ولازمه. وسمع صحيح مسلم عن « ابن الزركشي » ولازم الشيخ « الشرواني » كثيرا وقرأ عليه « صحيح مسلم والشاطبية ». ولازم حضور مجالس العلماء كمجلس قراءة البخاري بحضرة « السلطان » وغيره. واتصل بالكمال البازري فنوّه به
__________________
(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٣٩. ورقم الترجمة ٢٤.
حتى اشتهر ، وناظر الأماثل.
واشتهر بالطلاقة ، والبراعة حتى ذاع صيته فانثالت عليه الدنيا وأتته طائعة.
جلس « أحمد بن إسماعيل » للتعليم واشتهر بين الناس بالثقة وكثرة العلم وأقبل عليه الطلاب ، يأخذون عنه ، وانتفع به الكثيرون.
ثم خرج من « القاهرة » وعاد إلى « الروم » وعظم أمره عند ملك « الروم » وحسنت حاله بحيث لم يكن عند السلطان « محمد مراد » أحظى منه ، وما زال يترقى في المناصب حتى استقر في قضاء العسكر ، ثم انتقل من قضاء العسكر إلى منصب الفتوى ، وتردد إليه الأكابر.
وقد مدح « السلطان محمد مراد » بعدة قصائد ، ومما جاء فيها :
هو الشمس إلا أنه الليث باسلا |
|
هو البحر إلا أنه مالك البرّ |
صنّف « أحمد بن إسماعيل » بعض الكتب النافعة المفيدة منها : شرح على البخاري ، وعمل تفسيرا للقرآن الكريم.
ثم أنشأ « باسطنبول » جامعا ومدرسة سمّاها « دار الحديث » وانثالت عليه الدنيا ، وعمّر الدور ، وانتشر علمه.
ولم يزل على جلالته حتى مات في أواخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وصلى عليه السلطان.
رحمه الله رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
رقم الترجمة / ١٢
« أحمد التّستري » (١)
هو : أحمد بن محمد بن عبيد الله بن إسماعيل أبو العباس العجلي التستري نزيل الأهواز.
ذكره « الذهبي » ت ٧٤٨ هـ. ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن كما ذكره « ابن الجزري » ت ٨٣٣ ه ، ضمن علماء القراءات.
أخذ « التستري » القراءة عن خيرة العلماء ، وفي مقدمتهم : « أحمد بن محمد ابن عبد الصمد الرازي ، والخضر بن الهيثم الطوسي ، ومحمد بن موسى الزينبي ، وأحمد بن شبيب » (٢).
تصدر « التستري » لتعليم القرآن ، واشتهر بالثقة وصحة القراءة وأقبل عليه حفاظ القرآن ، وفي مقدمة من أخذ عنه القراءة : « أبو علي الأهوازي » (٣).
لم يذكر المؤرخون تاريخ وفاة « التستري » إلا أن « الحافظ الذهبي » قال : بقي إلى قريب الثمانين وثلاثمائة من الهجرة.
رحم الله « التستري » رحمة واسعة ، وجزاه الله أفضل الجزاء.
__________________
(١) انظر ترجمته في : معرفة القراء ج ١ ص ٣٣٨ وطبقات القراء ج ١ ، ص ١٢٣.
(٢) انظر طبقات القراء ج ١ ، ص ١٢٣.
(٣) انظر القراء الكبار ج ١ ، ص ٣٣٨.
رقم الترجمة / ١٣
« أحمد بن حجر العسقلانيّ » (١) ت ٨٥٢ هـ
هو : أحمد بن علي بن محمد بن أحمد أبو الفضل العسقلاني القاهري الشافعي ، المعروف بابن حجر ، وهو لقب لبعض آبائه ، الحافظ الكبير الإمام الشهير المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخّرة.
ولد بمصر على ضفاف النيل في ثاني عشر شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ، وماتت أمه قبل ذلك ، فنشأ يتيما محروما من حنان الأب ، وعطف الأم ، فربّي في كنف أحد أوصيائه « الزكيّ الخروبيّ » ودخل الكتّاب وله خمس سنين ، وحفظ القرآن وله تسع سنين ، وحباه الله بفضله ، فكان له ذكاء نادر ، وسرعة بديهة ، فيحكى أنه حفظ « سورة مريم » في يوم واحد ، وكان يحفظ الصحيفة من « كتاب الحاوي » من مرتين : الأولى تصحيحا ، والثانية قراءة في نفسه ، ثم يعرضها حفظا في المرّة الثالثة ، كما حفظ ألفية الحديث للعراقي ، ومختصر ابن الحاجب في أصول الفقه.
أخذ « أحمد بن حجر العسقلاني » سائر علومه عن مشاهير علماء عصره ، إذ أدرك من الشيوخ جماعة كل واحد رأس في فنّه الذي اشتهر به. فالشيخ « التنوخي » في علم القراءات ، و « العراقي » في الحديث ، و « البلقيني » في سعة الحفظ وكثرة الاطلاع ، و « ابن الملقّن » في كثرة التصانيف و « المجد » صاحب القاموس في حفظ اللغة ، و « العزّ بن جماعة » في تفننه في علوم كثيرة ، بحيث كان يقول : أنا أقرأ في خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها.
وقد منّ الله تعالى على « ابن حجر » فحجّ في أواخر سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، وجاور بمكة المكرمة في السنة التي بعدها ، وكان وصيّه « الزكيّ
__________________
(١) انظر ترجمته في البدر الطالع ج ١ ، ص ٨٧ ، ورقم الترجمة ٥١.
الخروبي » كبير تجار مصر قد جاور في تلك السنة ، استصحبه معه ، وسمع في تلك السنة « صحيح البخاري » على « مسند الحجار : الشيخ عفيف الدين عبد الله النشاوري » خاتمة أصحاب الإمام رضي الدين الطبري.
ثم حبّب الله « لابن حجر » فن الحديث فأقبل عليه بكليته ، من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، فما بعدها ، فعكف على الشيخ « الزين العراقي » وحمل عنه جملة نافعة من علم الحديث سندا ، ومتنا ، وعللا ، واصطلاحا ، وارتحل إلى بلاد الشام ، والحجاز ، واليمن ، ومكة المكرمة ، وما بين هذه النواحي ، وأكثر جدّا من المسموع ، فسمع العالي والنازل ، واجتمع له من ذلك ما لم يجتمع لغيره.
وكان « ابن حجر » رحمهالله تعالى تفقه على الشيخ « البلقيني ، والبرماوي ، وابن الملقّن ، والعزّ بن جماعة » وعليه أخذ غالب العلوم الآلية ، والأصولية مثل : « المنهاج ، وجمع الجوامع ، وشرح المختصر ، والمطوّل ». احتل « ابن حجر » مكانة سامية بين الجميع ، وقد أثنى عليه الكثيرون. وفي هذا يقول « الإمام الشوكاني » :
درّس « ابن حجر » بمواطن متعددة ، واشتهر ذكره ، وبعد صيته ، وارتحل إليه العلماء ، وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة ، وألحق الأصاغر بالأكابر ، وامتدحه الكبار ، وتسابق فحول الشعراء بمطارحته ، إذ كان له يد طولى في الشعر.
وقد أورد منه جماعة من الأدباء المصنفين أشياء حسنة جدّا ، وكلهم بعلوّ درجته في ذلك ، ومن شعره قوله :
خليليّ ولّى العمر منا ولم نتب |
|
وننوي فعال الصالحات ولكنّا |
فحتى متى نبني البيوت مشيّدة |
|
وأعمارنا منا تهدّ وما تبنى |