رسالة في تواريخ النبيّ والآل عليهم السلام

الشيخ محمّد تقي التستري

رسالة في تواريخ النبيّ والآل عليهم السلام

المؤلف:

الشيخ محمّد تقي التستري


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٣

أبو أحمد العلوي النصيبي ، وصفه أبو المفضّل الشيباني بالشيخ الشريف الصالح ، وقال : حضرنا ببغداد ، كما روى الخطيب (١).

والحسن بن عليّ بن الحسن بن عمر بن علي أبو محمّد الاطروش. وسيأتي في المقدوحين : أنّه ممدوح وأنّ العلاّمة توهّم في قدحه فيه.

وممدوحوا ولد الباقر عليه‌السلام

عبد الله ، قال المفيد : كان يشار إليه بالفضل والصلاح (٢). وروى هو وأبو الفرج قتل بعض ولاة بني اميّة له بالسمّ (٣).

وممدوحوا ولد الصادق عليه‌السلام

عليّ وإسحاق ، كانا قائلين بإمامة أخيهما الكاظم عليه‌السلام قال المفيد : وكانا من الفضل والورع ما لا يختلف فيه اثنان (٤).

والعبّاس ، قال المفيد : كان رحمه‌الله فاضلا نبيلا (٥).

وممدوحوا ولد الكاظم عليه‌السلام

أحمد ، قال المفيد : كان كريما جليلا ورعا ، وكان أبو الحسن عليه‌السلام يحبّه ويقدّمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة. قال ويقال إنّه رضى الله عنه أعتق ألف مملوك (٦).

إلاّ أنّ النوبختي قال في فرقه : إنّ فرقة قالت بإمامة أحمد بعد الرضا عليه‌السلام وأجازوها في أخوين (٧).

وروى الكشّي ـ في إبراهيم وإسماعيل ، ابني أبي سمّال ـ مسندا عن محمّد بن أحمد

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٠ : ٣٤٨ ، الرقم ، ٥٤٩١.

(٢) الإرشاد : ٢٧٠.

(٣) الإرشاد : ٢٧٠ ، ومقاتل الطالبيّين : ١٠٩.

(٤) الإرشاد : ٢٨٩.

(٥) الإرشاد : ٢٨٧.

(٦) الإرشاد : ٣٠٣.

(٧) فرق الشيعة : ٨٥.

١٠١

ابن اسيد قال : لمّا كان من أمر أبي الحسن عليه‌السلام ما كان قال ابنا أبي سمّال فنأت أحمد ابنه ، قال : فاختلفا إليه زمانا ، فلمّا خرج أبو السرايا خرج أحمد بن أبي الحسن عليه‌السلام معه فأتينا إبراهيم وإسماعيل وقلنا لهما : إنّ هذا الرجل قد خرج مع أبي السرايا فما تقولان؟ قال : فأنكرا ذلك من فعله ورجعا عنه ، وقالا : أبو الحسن حيّ نثبت على الوقف (١).

ومحمّد قال : كان من أهل الفضل والصلاح وروى عن هاشميّة مولاة رقيّة بنت موسى عليه‌السلام : أنّه كان صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي فيسمع سكب الماء ثمّ يصلّي ليلا ، ثمّ يهدأ ساعة فيرقد ويقوم ، فيسمع سكب الماء ثمّ يصلّي ليلا ، فلا يزال كذلك حتّى يصبح ، وما رأيته قطّ إلاّ ذكرت قول الله تعالى : ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) (٢).

والقاسم ، روى الكافي في باب النصّ على الرضا عليه‌السلام عن الكاظم عليه‌السلام قال : إنّي خرجت فأوصيت إلى ابني عليّ ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي له ورأفتي عليه ، ولكن ذلك إلى الله تعالى (٣). وروى في باب عسر الموت : أنّه عليه‌السلام قال لابنه القاسم : قم يا بنيّ فاقرأ عند رأس أخيك ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ) الخبر (٤).

والحسين ، روى قرب الإسناد عن البزنطي ، عن الجواد عليه‌السلام في خبر وقلت له يوما : أيّ عمومتك أبرّ بك؟ قال : الحسين ، فقال أبوه : صدق والله! هو أبرّهم به وأخيرهم له (٥) صلّى الله عليهما جميعا.

وإسماعيل ، قال الشيخ والنجاشي : له كتب يرويها عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (٦).

وحكيمة ، روى المناقب تولّيها ولادة الجواد عليه‌السلام بأمر الرضا عليه‌السلام كما تولّت حكيمة بنت الجواد عليه‌السلام ولادة الحجّة عليه‌السلام بأمر العسكري عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) الكشّي : ٤٧٢ ، الرقم ، ٨٩٨.

(٢) الإرشاد : ٣٠٣.

(٣) الكافي ١ : ٣١٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٢٦.

(٥) قرب الإسناد : ٣٧٨ ، الرقم ، ١٣٣٤.

(٦) الفهرست : ٢٦ ، الرقم ٣١ ، النجاشي : ٢٦ ، الرقم ٤٨.

(٧) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٣٩٤.

١٠٢

وروى الكافي بإسناده عنها : أنّها رأت الرضا عليه‌السلام يناجي الجنّ فقالت : يا سيّدي أحبّ أن أسمع كلامه ، فقال عليه‌السلام : إذا سمعت به حممت سنة ، قالت : فاستمعت فسمعت شبه الصفير وركبتني الحمّى فحممت سنة (١).

وفاطمة ، ولم يكن في ولد الكاظم عليه‌السلام مع كثرتهم بعد الرضا عليه‌السلام مثلها ، كامّ عبد الله في ولد الحسن عليه‌السلام ، روى ابن قولويه في كامله بإسناده عن البوفكي عمّن ذكره عن ابن الرضا عليه‌السلام قال : من زار عمّتي بقم فله الجنّة (٢).

وروى هو والصدوق بإسنادهما عن سعد بن سعد ، عن الرضا عليه‌السلام قال : من زارها فله الجنّة (٣).

قلت : يظهر من الخبر أنّ وفاتها كانت قبل الرضا عليه‌السلام.

والممدوحين من ولد الجواد عليه‌السلام

حكيمة وخديجة جليلتان قائلتان بالحجّة عليه‌السلام وتولّت الاولى ولادته عليه‌السلام.

ومن ولد الهادي عليه‌السلام

الحسين (٤) فقد نقل عن بعض الأخبار التعبير عنه وعن أخيه الحسن (٥) بالسبطين تشبيها بالحسنين عليهما‌السلام.

وفي خبر أبي الطيّب الّذي روى أمالي المفيد تشرّفه برؤية الحجّة عليه‌السلام وإذنه له بدخول الدار للزيارة : وقد كان يحتاط في الدخول ويزور من وراء الشباك ، قال : « إليّ يا ابن أبي الطيّب » بصوت يشبه صوت الحسين بن عليّ بن أبي جعفر بن الرضا عليه‌السلام فقلت : هذا حسين! قد جاء يزور أخاه ... الخبر (٦) وهو دالّ على اعترافه

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٩٥.

(٢) كامل الزيارات : ٣٢٤.

(٣) كامل الزيارات : ٣٢٤ ، ثواب الأعمال : ١٢٤.

(٤) في الأصل بعدهما رمز عليه‌السلام ، وحيث إنّ التسليم في عرفنا خاصّ بالمعصومين لم نورده.

(٥) في الأصل بعدهما رمز عليه‌السلام ، وحيث إنّ التسليم في عرفنا خاصّ بالمعصومين لم نورده.

(٦) لم نعثر عليه.

١٠٣

بأخيه وإلاّ لما جاء لزيارته حتّى يظنّ الرجل ذلك.

ومحمّد ، فقد شقّ العسكري عليه‌السلام قميصه عليه ، وكان في زعم الناس مرشّحا للخلافة.

روى الكليني عن العطّار ، عن سعد ، عن جماعة من بني هاشم : أنّهم حضروا يوم توفّي محمّد دار أبيه ، وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العبّاس وقريش مائة وخمسون رجلا ، سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن عليّ عليه‌السلام وقد جاء مشقوق الجيب حتّى جاء عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه‌السلام بعد ساعة [ من قيامه ] (١) ثمّ قال : يا بنيّ أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا ، فبكى الحسن عليه‌السلام واسترجع ... الخبر (٢).

وحيث إنّه متضمّن على أنّ عمر العسكري عليه‌السلام كان وقت وفاته نحوا من عشرين سنة ، يفهم منه أنّ وفاة محمّد هذا كانت في حدود سنة اثنتين وخمسين بعد المائتين ، حيث إنّه عليه‌السلام توفّي سنة ستّين عن ثماني وعشرين.

وقال النوري رحمه‌الله خلّفه أبوه في المدينة طفلا وقدم عليه سامراء مشتدّا ونهض بالرجوع إلى الحجاز ، ولما بلغ بلدا على تسعة فراسخ مرض وتوفّي (٣).

قلت : لم يذكر مستنده. وظاهر خبر الكافي المتقدّم : أنّ وفاته كانت بسامراء لقوله : « دار أبيه » ولاشتماله على حضور مائة وخمسين رجلا من الطالبيّين والعباسيّين وباقي قريش احتضاره ، فلا بدّ أن يكون في البلد لا في بلد.

وكيف كان ، فكانت جماعة قائلين بإمامته يقال لهم : المحمّدية ، إلاّ أنّهم انقرضوا ، كما صرّح به الشيخ في غيبته (٤).

__________________

(١) لم يرد في الكافي.

(٢) الكافي ١ : ٣٢٦.

(٣) لم نقف عليه.

(٤) الغيبة للشيخ الطوسي : ٥٤.

١٠٤

فصل

فيمن ورد فيه قدح من ولدهم عليهم السلام

فمن ولد أمير المؤمنين عليه‌السلام

عبيد الله ، قال المسعودي في اثباته : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جمع في حال احتضاره أهل بيته ، وهم اثنا عشر ذكرا ، وقال : إنّ الله تبارك وتعالى أحبّ أن يجعل فيّ سنّة يعقوب إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرا ، فقال : إنّي اوصي إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره ، وإنّي اوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما. فقام إليه عبيد الله فقال : يا أمير المؤمنين أدون محمّد! يعني ابن الحنفية ، فقال عليه‌السلام له : أجرأة في حياتي! كأنّي بك وقد وجدت مذبوحا في خيمة (١).

وروى الخرائج عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : جمع أمير المؤمنين عليه‌السلام ... إلخ مثله ، وزاد : « لا يدرى من قتلك » فلمّا كان في زمن المختار أتاه ، فقال : لست هناك! فغضب فذهب إلى مصعب بن الزبير ـ وهو بالبصرة ـ فقال ولّني قتال أهل الكوفة ، فكان على مقدّمة مصعب ، فالتقوا بحرورا ، فلمّا حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحا في فسطاطه! لا يدرى من قتله (٢).

وقال أبو الفرج : قتله أصحاب المختار ، وكان صار إليه فسأله أن يدعو إليه

__________________

(١) إثبات الوصيّة : ١٣١.

(٢) الخرائج والجرائح ١ : ١٨٣.

١٠٥

ويجعل الأمر له ، فلم يفعل ، فخرج فلحق بالمصعب ، فقتل في الوقعة وهو لا يعرف (١).

قلت : وتقدّم وهم جمع في قتله بالطفّ (٢).

وعمر فروى الإرشاد : أنّه لمّا ولي عبد الملك ردّ إلى السجّاد عليه‌السلام صدقات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج عمر إليه يتظلّم من ابن أخيه ، فقال عبد الملك : أقول كما قال ابن أبي الحقيق :

إنّا إذا مالت دواعي الهوى

وأنصت السامع للقائل

واصطرع القوم بألبابهم

نقضي بحكم علال فاصل

لا نجعل الباطل حقّا

ولا نلطّ دون الحقّ بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا

فنخمل الدهر مع الخامل (٣)

ورواه المناقب ، وزاد : أن عبد الملك قال : قم يا عليّ بن الحسين ، فقد ولّيتكها ، فقاما ، فلمّا خرجا تناوله عمر ، فسكت عليه‌السلام عنه ولم يزد عليه شيئا (٤). ونقل المناقب قتله بالطفّ (٥) وهم.

ومن ولد الحسن عليه‌السلام

الحسن المثنّى ، فإنّه حضر الطفّ إلاّ أنّه لم يقتل ، بل اسر فانتزعه أسماء بن خارجة من بين الاسارى.

وروى المفيد : أنّه وقف على عليّ بن الحسين عليه‌السلام رجل من أهل بيته ، فأسمعه وشتمه ( إلى أن قال ) قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن (٦).

وزيد ، قال المفيد : كان مسالما لبني اميّة ومتقلّدا من قبلهم الأعمال ... الخ (٧).

وبالواسطة :

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين : ٨٤.

(٢) تقدّم في ص ٧٨.

(٣) الإرشاد : ٢٥٩.

(٤) المناقب ٤ : ١٧٢.

(٥) المناقب ٤ : ١١٢.

(٦) الإرشاد : ٢٥٧.

(٧) الإرشاد : ١٩٥.

١٠٦

الحسن المثلّث ، فروى الاحتجاج عن ابن أبي يعفور قال : لقيت أنا ومعلّى بن خنيس الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، فقال : يا يهوديّ! فأخبرت بما قال جعفر ابن محمّد عليه‌السلام فقال : هو أولى باليهوديّة منكما ، إنّ اليهوديّ من شرب الخمر (١).

وعنه ، عن الصادق عليه‌السلام : لو توفّي الحسن بن الحسن بن عليّ على الزنا كان خيرا ممّا توفّي عليه (٢).

قلت : الظاهر سقوط كلمة « بن الحسن » من الخبرين حتّى ينطبقا على المثلّث لا المثنّى ، بشهادة الطبقة. ويمكن أن يكون كلمة « بن عليّ » فيهما زائدة ، ليصحّ إرادته.

وعبد الله بن الحسن المثنّى ، فعن الصادق عليه‌السلام قال : أما تعجبون من عبد الله؟

يزعم أنّ أباه عليّا عليه‌السلام لم يكن إماما (٣).

وفي خبر أنّ عبد الله قال للصادق عليه‌السلام إنّ الحسين عليه‌السلام كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسنّ من ولد الحسن عليه‌السلام (٤).

ومحمّد بن عبد الله بن الحسن ، ففي خبر : أنّه أرسل إلى الصادق عليه‌السلام ليذهب إلى منزله فامتنع عليه‌السلام فضحك محمّد وقال : ما يمنعه من إتياني إلاّ أنّه ينظر في الصحف ، فقال عليه‌السلام إنّي أنظر في الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى ... إلخ (٥).

وفي خبر : أنّه أمر بحبس الصادق عليه‌السلام (٦).

والحسن بن زيد بن الحسن ، فكان واليا من قبل العبّاسيّين كما كان أبوه من قبل الامويّين.

وفي الخبر : أنّه لمّا كان من قبل المنصور على الحرمين كتب المنصور إليه : أن أحرق على جعفر بن محمّد داره ، ففعل فأخذت النار في الباب والدهليز فخرج الصادق عليه‌السلام يمشي في النار ويقول : أنا ابن إبراهيم خليل الله (٧).

__________________

(١) الاحتجاج : ٣٧٤. وفيه ( أبي يعقوب ) بدل ابن أبي يعفور.

(٢) الاحتجاج : ٣٧٤.

(٣) بصائر الدرجات : ١٥٣.

(٤) الكافي ١ : ٣٥٩.

(٥) بصائر الدرجات : ١٣٨.

(٦) الكافي ١ : ٣٦٣.

(٧) المناقب ٤ : ٢٣٦.

١٠٧

قلت : وهو من أجداد عبد العظيم الحسني المتقدّم ، فإنّه عبد العظيم بن عبد الله ابن عليّ بن الحسن هذا ، كما تقدّم (١).

وفي خبر : أنّ رجلا قال للصادق عليه‌السلام : يعرف هذا ـ أي أمر إمامتهم عليهم‌السلام ـ ولد الحسن عليه‌السلام؟ فقال عليه‌السلام : كما يعرفون أنّ هذا ليل ، ولكن يحملهم الحسد ، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيرا لهم ، ولكنّهم يطلبون الدنيا (٢).

ومن ولد السجّاد عليه‌السلام

عيسى بن زيد بن عليّ ، روى الكافي خبرا في خروج محمّد بن عبد الله وإحضاره الصادق عليه‌السلام وأمره بحبسه ، فضحك عليه‌السلام وقال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله! أو تراك يسجنني؟ قال : نعم والّذي أكرم محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة لأسجننّك ولأشدّن عليك! فقال عيسى بن زيد : احبسوه في المخبأ وذلك دار ريطة اليوم ، فقال عليه‌السلام أما والله! إنّي سأقول ثمّ أصدق ، فقال له عيسى : لو تكلّمت لكسرت فمك! فقال عليه‌السلام له : يا أكشف يا أزرق لكأنّي بك تطلب لنفسك جحرا تدخل فيه ، وما أنت في المذكورين عند اللقاء (٣).

والحسن بن عليّ بن عليّ عليه‌السلام الأفطس ، ففي الخبر : أنّه حمل على الصادق عليه‌السلام بالشفرة (٤). ونقل الكافي في ١١ من ٣٥ وصاياه خبره بلفظ : اعطوا الحسن بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ( وهو الأفطس ) سبعين دينارا (٥).

وجعفر بن عمر بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ عليه‌السلام كان من عمّال بني العبّاس. روى العيون عن الحسين بن موسى قال : كنّا حول الرضا ونحن شباب من بني هاشم ، إذ مرّ جعفر بن عمر علينا وهو رثّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى

__________________

(١) تقدّم في ص ٩٧.

(٢) لم نعثر عليه بالمتن المذكور ، راجع الاحتجاج : ٣٧٤.

(٣) الكافي ١ : ٣٦٣.

(٤) الكافي ٧ : ٥٥.

(٥) المصدر السابق.

١٠٨

بعض وضحكنا من هيئته ، فقال الرضا عليه‌السلام : لترونّه عن قريب كثير المال كثير التبع ، فما مضى إلاّ شهر أو نحوه حتّى ولي المدينة ... الخبر (١).

هذا ، وأمّا الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ عليه‌السلام أبو محمّد الاطروش فلا نعلم فيه قدح ، وإن عنونه العلاّمة في خلاصته في مذمومي كتابه وقال في حقّه : « إنّه كان يعتقد الإمامة لنفسه » انتهى (٢) لأنّه سهو منه ، فإنّ مأخذه كلام النجاشي ، وهو إنّما قال : « كان يعتقد الإمامة وصنّف فيها كتبا ... الخ » (٣) ومراده : أنّه كان يعتقد بإمامة الأئمّة عليهم‌السلام والدليل عليه : أنّه قال قبل ذلك : « رحمه‌الله » وقال بعد ذلك :

« له كتاب في الإمامة صغير ، كتاب في الإمامة كبير ( إلى أن قال ) كتاب أنساب الأئمّة عليهم‌السلام ومواليدهم ... إلخ » فحيث لم يتدبّر كلامه إلى آخره توهّم أنّ مراده اعتقاد الإمامة لنفسه.

ومن ولد الصادق عليه‌السلام

عبد الله الأفطح ، إمام الفطحيّة. قال المفيد : كان يخالط الحشويّة ويميل إلى مذهب المرجئة ، وادّعى بعد أبيه الإمامة ... الخ (٤).

ومحمّد ، فروى العيون : أنّه خرج ودعا بأمير المؤمنين ، فقال له الرضا عليه‌السلام لا تكذّب أباك ولا أخاك (٥).

وروى أيضا عنه عليه‌السلام قال : جعلت على نفسي ألاّ يظلّني وإيّاه سقف! قال عمر ابن يزيد : فقلت في نفسي : هذا يأمرنا بالبرّ والصلة ويقول هذا لعمّه! فنظر إليّ فقال : هذا من البرّ والصلة ، إنّه متى يأتيني ويدخل عليّ فيقول فيّ فيصدّقه الناس ، وإذا لم يدخل عليّ ولم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال (٦).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٨.

(٢) الخلاصة : ٢١٥.

(٣) رجال النجاشي : ٥٧.

(٤) الإرشاد : ٢٨٥.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٧.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٤.

١٠٩

وروى أنّه أيضا ممّن سعى بالكاظم عليه‌السلام إلى هارون (١).

وبالواسطة :

محمّد وعليّ ابنا إسماعيل بن جعفر ، فروى الكشّي : أنّ الصادق عليه‌السلام قال لعبد الله الأفطح : إليك ابني أخيك فقد ملآني بالسفه ، فإنّهما شرك شيطان (٢).

قلت : إنّما قال عليه‌السلام لعبد الله : « ابني أخيك » حيث إنّ إسماعيل كان أخا الأفطح لامّه.

ثمّ إنّ أبا الفرج والمفيد والعيون رووا سعاية عليّ بن إسماعيل في قتل الكاظم عليه‌السلام (٣) والكليني والكشّي رويا سعاية محمّد بن إسماعيل (٤) وقال المجلسي : يمكن أن يكون كلّ منهما فعل ذلك (٥).

قلت : اتّحاد مضمون خبريهما في موت الساعي بالذبحة قبل أن يصل إليه شيء أمر به له هارون في مقابل سعايته وبذل الكاظم عليه‌السلام مالا كثيرا مع علمه بأنّه يذهب للسعاية ليوجب قصر عمره يبعد التعدّد. فالظاهر أنّ الأصل فيهما واحد والآخر اشتباه.

ومن ولد الكاظم عليه‌السلام

العبّاس ، فحاكم أخاه الرضا عليه‌السلام إلى القاضي وواجهه بكلمات شديدة وفضّ وصيّة أبيه مع لعنه عليه‌السلام من فعل ذلك ، كما رواه الكليني في وصاياهم عليهم‌السلام (٦).

وزيد النار ، فروى العيون : أنّ الرضا عليه‌السلام قال له في خبر : إن كنت ترى أنّك تعصي الله وتدخل الجنّة وموسى بن جعفر عليه‌السلام أطاع الله ودخل الجنّة فأنت إذا أكرم على الله من موسى بن جعفر ما نال أحد ما عند الله عزّ وجلّ إلاّ بطاعته ، وزعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت! فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك. فقال عليه‌السلام له : أنت أخي ما أطعت الله عزّ وجلّ ، إنّ نوحا قال : ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٧٣.

(٢) رجال الكشّي : ٢٦٥.

(٣) مقاتل الطالبيّين : ٣٣٤ ، الإرشاد ٢٩٩ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٧٢.

(٤) الكافي ١ : ٤٨٥ ، رجال الكشّي : ٢٦٤.

(٥) البحار ٤٨ : ٢٤٠.

(٦) الكافي ١ : ٣١٨.

١١٠

أَهْلِي ) ـ إلى أن قال ـ فأخرجه الله عزّ وجلّ من أن يكون من أهله بمعصيته (١).

وفي خبر آخر قال له عليه‌السلام أغرك قول ناقلي الكوفة ـ إلى أن قال ـ : إنّ عليّ ابن الحسين عليه‌السلام كان يقول : لمحسننا كفلان من الأجر ، ولمسيئنا ضعفان من العذاب (٢).

وإبراهيم ، فروى الكافي بإسناده عن عليّ بن أسباط قلت للرضا عليه‌السلام : إنّ رجلا لقي أخاك إبراهيم فذكر أنّ أباك في الحياة وأنّك تعلم من ذلك ما لا نعلمه ، فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يموت موسى عليه‌السلام؟ وقد والله مضى كما مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن الله تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمنّ بهذا الدين على أولاد الأعاجم ويصرفه عن قرابة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء ، لقد قضيت عنه في هلال ذي الحجّة ألف دينار بعد أن أشفى على طلاق نسائه وعتق مماليكه ، ولكن قد سمعت ما لقي يوسف عن إخوته (٣).

وروى العيون عن بكر بن صالح ، قلت لإبراهيم بن أبي الحسن موسى بن جعفر : ما قولك في أبيك؟ قال : هو حيّ (٤).

وقال المسعودي (٥) : إنّه حجّ بالناس في سنة اثنتين ومائتين وهو أوّل طالبيّ أقام للناس الحجّ في الإسلام ، على أنّه أقام متغلّبا عليه لا مولى من قبل خليفة. وكان ممّن سعى في الأرض بالفساد وقتل أصحاب إبراهيم عبيد الله الحجبي وغيره في المسجد الحرام ... إلخ (٦).

وعبد الله بن موسى ، فروى المسعودي في إثباته وفي الاختصاص والمناقب والكتاب المعروف بدلائل الطبري إفتاءه بغير علم وإنكار الجواد عليه‌السلام عليه (٧).

ومرّ في فصل ممدوحيهم عن فرق النوبختي قول فرقة بإمامة أحمد بعد الرضا عليه‌السلام (٨) كما مرّ خبر الكشّي في قول ابني أبي سمّال به زمانا ، ثمّ لمّا خرج

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٣٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٣٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٨٠.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٩.

(٥) في الأصل : ابن النديم ، وهو سهو.

(٦) مروج الذهب ٤ : ٣٠٩.

(٧) إثبات الوصيّة : ١٨٦ ، الاختصاص : ١٠٢ ، دلائل الإمامة : ٢٠٥ ، وفي المناقب لم يذكر إنكاره عليه‌السلام ، راجع المناقب ٤ : ٣٨٣.

(٨) تقدّم في ١٠١.

١١١

أحمد مع أبي السرايا أنكرا ذلك منه ورجعا إلى الوقف (١).

ومنهم بالواسطة :

محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى وأبوه ، فروى الكافي عن ابن الكردي عنه قال : ضاق بنا الأمر ، فقال لي أبي : امض بنا حتّى نصير إلى هذا الرجل يعني أبا محمّد عليه‌السلام فإنّه قد وصف عنه سماحة فقلت : تعرفه؟ فقال : ما أعرفه ولا رأيته قطّ ، قال : فقصدناه فقال لي أبي وهو في طريقه : ما أحوجنا أن يأمر لنا بخمسمائة درهم! مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدين ومائة درهم للنفقة ، وقلت في نفسي : ليت أمر لي بثلاثمائة! اشتري بمائة حمارا ومائة للنفقة ومائة للكسوة فأخرج إلى الجبل. قال : فلمّا دخلنا عليه وسلّمنا قال لأبي : يا عليّ ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟ فقال : يا سيّدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال. فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه ، فناول أبي صرّة وقال : هذه خمسمائة درهم ، مائتان للكسوة ومائتان للدين ومائة للنفقة وأعطاني صرّة وقال : هذه ثلاثمائة درهم ، اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ـ إلى أن قال ـ ومع هذا يقول بالوقف. وقال له ابن الكردي : أتريد أمرا أبين من هذا؟ فقال : صدقت ولكنّا على أمر قد جرينا عليه (٢).

ويظهر من الخبر : أنّ أكثر الموسوية من غير ولد الرضا عليه‌السلام كانوا قائلين بالوقف حيث خرج عنهم الأمر ، كما أنّ أكثر بني الحسن عليه‌السلام حيث خرج عنهم الأمر كانوا عامّية أو زيدية. وكذلك باقي ولد المعصومين عليهم‌السلام من غير المعصوم.

وقد قال الشريف الرضيّ في كتابه خصائص الأئمّة : إنّه لمّا أراد التوجّه عشيّة عرفة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة إلى مشهد الكاظم والجواد عليهما‌السلام قال له بعض الرؤساء ممّن غرضه القدح في صفاته : متى كان ذلك؟ يعني أنّ جمهور الموسويّين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف والبراءة ممّن قال بالقطع وهو عارف بأنّ الإمامة مذهبي وعليها عقدي ومعتقدي ـ إلى أن قال ـ إنّ ذلك صار سببا لتأليف

__________________

(١) تقدّم في ص ١٠٢.

(٢) الكافي ١ : ٥٠٦.

١١٢

ذلك الكتاب ليتبيّن أنّه من الإمامية (١) وقد أشار إلى ذلك أيضا في أوّل نهج البلاغة (٢).

وفي خبر يزيد بن سليط الّذي روى النصّ على الكاظم والرضا والجواد عليهم‌السلام : وكان اخوة عليّ عليه‌السلام يرجون أن يرثوه فعادوني من غير ذنب (٣).

ومن ولد الجواد عليه‌السلام

موسى المبرقع ، قال المفيد : روى الحسن بن الحسن الحسيني عن يعقوب بن ياسر ، قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم! قد أعياني أمر ابن الرضا عليه‌السلام وجهدت أن يشرب معي وينادمني وجهدت أن آخذ فرصة في هذا المعنى فلم أجدها فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده في هذه الحالة ، فهذا أخوه موسى قصّاف عرّاف يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع فأحضره وأشهره ، فإنّ الخبر يشيع على ابن الرضا ولا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل أفعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مكرّما ، فاشخص مكرّما ، فتقدّم المتوكّل أن يتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد وسائر الناس ، وعمل على أنّه إذا رآه أقطعه وبنى له فيها وحوّل إليه الخمّارين والقيان ، وتقدّم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلا سريّا يصلح أن يزوره هو فيه. فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن عليه‌السلام في قنطرة وصيف ـ وهو موضع يتلقّى فيه القادمون ـ فسلّم عليه ووفّاه حقّه ثمّ قال : إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذا ، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظورا! فقال له موسى : إنّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : لا تضع من قدرك ولا تعص ربّك ولا تفعل ما يشينك فما غرضه إلاّ هتكك ، فأبى عليه موسى وكرّر عليه أبو الحسن عليه‌السلام القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال له : أما إنّ المجلس الّذي يريد الاجتماع معك عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبدا. قال : فأقام موسى ثلاث سنين يبكّر إلى باب المتوكّل فيقال : قد

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام : ٣.

(٢) نهج البلاغة : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) الكافي ١ : ٣١٦.

١١٣

تشاغل اليوم ، فيروح فيقال : قد سكر ، فيبكّر فيقال له : قد شرب دواء ؛ فما زال على هذا ثلاث سنين حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه على شراب (١).

ومن ولد الهادي عليه‌السلام

جعفر الكذّاب ، روى الكافي عن فاطمة بنت ابن سيابة أنّها كانت في دار الهادي عليه‌السلام وقت ولادة جعفر ، فرأت سرور أهل الدار به ولم تر الهادي عليه‌السلام مسرورا وقال عليه‌السلام لها : يهون عليك أمره ، فإنّه سيضلّ خلقا كثيرا (٢).

وفي خبر الثمالي عن السجّاد عليه‌السلام في وجه تلقيب الصادق عليه‌السلام بالصادق : أنّ الخامس من ولده يدّعي الإمامة اجتراء على الله وكذبا عليه ، فهو عند الله جعفر « الكذّاب » المفتري على الله ، ثمّ بكى السجّاد عليه‌السلام فقال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله والمغيّب في حفظ الله والتوكيل بحرم أبيه ، جهلا منه بولادته ، وحرصا على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير حقّه (٣).

وروى الكافي والإكمال والإرشاد خبرا عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان عامل السلطان وأنصب خلق الله خبرا في وصف العسكري عليه‌السلام وبيان جلاله. وفي الخبر : فسئل أحمد بن عبيد الله عن أخي العسكري عليه‌السلام جعفر ، فقال : ومن جعفر حتّى يسأل عن خبره أو يقرن به؟ إنّ جعفرا معلن بالفسق ماجن شرّيب للخمور أقلّ من رأيت من الرجال وأهتكهم لستره قليل في نفسه خفيف ، والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ ما تعجّبت منه وما ظننت أنّه يكون ؛ وذلك أنّه لما اعتلّ الحسن بن عليّ بعث إليّ أبي أنّ ابن الرضا قد اعتلّ ، فركب من ساعته مبادرا إلى دار الخلافة ثمّ رجع ومعه خمسة نفر من خدم الخليفة

__________________

(١) الإرشاد : ٣٣١.

(٢) لم نجده في الكافي ، بل وجدناه في إكمال الدين : ٣٢١.

(٣) الاحتجاج : ٣١٨.

١١٤

كلّهم من ثقاته وخاصّته منهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن بن عليّ ـ إلى أن قال ـ فلمّا دفن وتفرّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور ، وتوقّفوا عن قسمة ميراثه ولم يزل الّذين وكّلوا بحفظ الجارية الّتي توهّموا عليها الحمل ملازمين لها سنتين وأكثر حتّى تبيّن لهم بطلان الحمل ، فقسّم ميراثه بين امّه وأخيه جعفر ، وادّعت امّه وصيّته. قال : والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده ، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له : اجعل لي مرتبة أبي وأخي واوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار ، فقال له أبي : فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة لك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ولا غير سلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا. واستقلّه عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه ، فلم يأذن له بالدخول عليه أبي حتّى مات (١).

وروى الحضيني عن الهادي عليه‌السلام أنّه قال : جعفر منّي بمنزلة ابن نوح من نوح (٢). وعن العسكري عليه‌السلام أنّه قال : إنّى وجعفر كهابيل وقابيل ، لو كان قادرا على قتلي لقتلني (٣). وروى غيبة الشيخ في باب توقيعات الحجّة عليه‌السلام : أنّ أحمد بن إسحاق الأشعري كتب إليه عليه‌السلام أنّ جعفرا كتب إلى بعض الشيعة يدعوه أنّه القيّم بعد أخيه ، فكتب عليه‌السلام إليه : وقد ادّعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما افتراه ، فلا أدري بأيّة حالة هي له رجا أن يتمّ دعواه؟ أبفقه في دين الله فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرّق بين خطأ وصواب ، أم بعلم فما يعلم حقّا من باطل ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حدّ الصلاة ووقتها ، أم بورع فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة. ولعلّ خبره تؤدّى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة وآثار عصيانه لله عزّ وجلّ مشهورة (٤).

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٠٤ ، كمال الدين : ٤٠ ، الإرشاد : ٣٣٩.

(٢) الهداية : ٣٨١.

(٣) الهداية : ٣٨٢.

(٤) الغيبة : ١٧٥.

١١٥

فصل

في مكارم أخلاقهم وعلوّ مقامهم عليهم السلام

روى الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال : بينا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالس في المساجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قاعد ، فأخذت بطرف ثوبه ، فقام لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تقل شيئا ولم يقل لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا ، حتّى فعلت ذلك ثلاث مرّات لا تقول له شيئا ، ولا يقول لها شيئا ، فقام لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرابعة وهي خلفه فأخذت هدبة من ثوبه ثمّ رجعت. فقال لها الناس : فعل الله بك وفعل! حبست النبيّ عليه‌السلام ثلاث مرّات لا تقولين له شيئا ولا هو يقول لك شيئا ، فما كانت حاجتك إليه؟ قالت : إنّ لنا مريضا فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه يستشفى بها ، فلمّا أردت أن آخذها رآني فقام ، استحييت أن آخذها وهو يراني ، وأكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها (١).

وروى قرب الإسناد عن الصادق عليه‌السلام أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام صاحب رجلا ذمّيا فقال له الذمّي : أين تريد يا عبد الله؟ قال : اريد الكوفة ، فلمّا عدل بالذمّي الطريق عدل عليه‌السلام معه فقال له الذمّي : ألست زعمت تريد الكوفة؟ قال : بلى ، قال : فقد تركت الطريق ، فقال : قد علمت ، فقال : فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال عليه‌السلام له : من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيهة إذا فارقه ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٠٢.

١١٦

فكذلك أمرنا نبيّنا ، فقال : هكذا أمر نبيّكم؟ قال : نعم ، فقال : لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، وأنا اشهدك أنّي على دينك ، فرجع الذمّي معه عليه‌السلام فلمّا عرفه أسلم (١).

وروى العلل عن الحسن عليه‌السلام قال : رأيت امّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح سمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا امّاه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت : يا بنيّ الجار ثمّ الدار (٢).

وفي المناقب عن الروياني : مرّ الحسن والحسين عليهما‌السلام على شيخ يتوضّأ ولا يحسن فأخذا في التنازع يقول كلّ واحد منهما : أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا : أيّها الشيخ كن حكما بيننا يتوضّأ كلّ واحد منّا فتوضّآ ثمّ قالا : أيّنا يحسن؟ قال : كلّ تحسنان ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الّذي لم يكن يحسن وقد تعلّم الآن منكما (٣).

قلت : وكلّ واحد منهما عليهما‌السلام قال : « أنت لا تحسن الوضوء » من باب إيّاك أعني واسمعي يا جارة.

وفيه : روى المبرّد وابن عائشة : أنّ شاميّا رأى الحسن عليه‌السلام راكبا فجعل يلعن ، والحسن عليه‌السلام لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل عليه‌السلام عليه فسلّم عليه وضحك وقال : أظنّك غريبا ، ولعلّك شبّهت ، فلو استسعفتنا أسعفناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعا أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجا أغنيناك ، وإن كنت طريدا آويناك ، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك ، ولو حوّلت رحلك وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا. فلمّا سمع الرجل كلامه عليه‌السلام قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحبّ خلقه إليّ ـ وحوّل رحله إليه عليه‌السلام إلى أن ارتحل (٤).

وروى العيّاشي عن مسعدة ، قال : مرّ الحسين بن عليّ عليهما‌السلام بمساكين قد

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٠.

(٢) علل الشرائع : ١٨١.

(٣) المناقب ٣ : ٤٠.

(٤) المناقب ٤ : ١٩.

١١٧

بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسرا ، فقالوا : هلمّ يا ابن رسول الله ، فثنّى وركه فأكل معهم ، ثمّ تلا إنّ الله ( لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) (١) ثمّ قال : قد أجبتكم فأجيبوني ، فقاموا معه حتّى أتوا منزله ، فقال للجارية : أخرجي ما كنت تدّخرين (٢).

قلت : وتلك الكسر وإن كانت من الناس عليهم صدقة والصدقة عليهم عليهم‌السلام محرّمة ، إلاّ أنّها كانت منهم بعد تملّكهم لها إليه عليه‌السلام ضيافة. فلمّا تصدّقوا على بريرة بلحم أتت به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت لها عائشة : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأكل الصدقة وهذا صدقة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة كانت صدقة ممّن أعطاها ، وأمّا منها إليّ فهديّة (٣).

وروى الإرشاد وغيره عن محمّد بن جعفر وغيره ، قالوا : وقف على عليّ بن الحسين عليه‌السلام رجل من أهل بيته ـ قال الراوي هو الحسن بن الحسن ـ فأسمعه وشتمه فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه لقد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا احبّ أن تبلغوا معي إليه تسمعوا منّي ردّي عليه ، قالوا له : تفعل! ولقد كنّا نحبّ أن تقول له وتقول (٤) فأخذ نعليه ومشى وهو يقول ( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (٥) قالوا : فعلمنا أنّه لا يقول له شيئا ، فخرج حتّى أتى منزل الرجل فصرخ به ، فقال : قولوا له : هذا عليّ بن الحسين. فخرج متوثّبا للشرّ ـ وهو لا يشكّ أنّه عليه‌السلام إنّما جاء مكافئا له على بعض ما كان منه ـ فقال عليه‌السلام له : يا أخي كنت وقفت عليّ آنفا وقلت وقلت ، فإن كنت قلت ما فيّ فأستغفر الله منه ، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك ، فقبّل الرجل بين عينيه وقال : بلى قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحقّ به (٦).

وفي الإرشاد : روى الواقدي عن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ قال : كان هشام بن إسماعيل يسيء جوارنا ولقي منه عليّ بن الحسين عليه‌السلام أذى شديدا ،

__________________

(١) كذا في تفسير العيّاشي أيضا ، وفي المصحف الشريف ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) سورة النحل : ٢٣.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٢٥٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٨٦.

(٤) في المصدر : قالوا له : نفعل ، ولقد كنّا نحبّ أن تقول له ونقول.

(٥) الإرشاد : ٢٥٧.

(٦) الإرشاد : ٢٥٨.

١١٨

فلمّا عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس ، فمرّ عليه‌السلام له وقد وقف عند دار مروان ، فسلّم عليه‌السلام عليه ، وكان عليه‌السلام قد تقدّم إلى خاصّته أن لا يعرض له أحدا (١).

وفيه عن سليمان بن قرم : كان أبو جعفر الباقر عليه‌السلام يجيزنا بالخمسمائة درهم إلى الستّمائة إلى الألف درهم ، وكان لا يملّ من صلة الاخوان وقاصديه وراجيه (٢).

وفي المناقب : قال نصراني للباقر عليه‌السلام : أنت بقر! قال : لا أنا باقر ، قال : أنت ابن الطّباخة ، قال : ذاك حرفتها ، قال : أنت ابن السوداء الزنجيّة البذيّة ، قال : إن كنت صدقت غفر الله لها ، وإن كنت كذبت غفر الله لك ، فأسلم النصراني (٣).

وفي المناقب : نام رجل من الحاجّ في المدينة ، فتوهّم أنّ هميانه سرق ، فخرج فرأى جعفر الصادق عليه‌السلام مصلّيا ولم يعرفه فتعلّق به وقال : له أنت أخذت همياني ، قال : ما كان فيه؟ قال : ألف دينار ، فحمله إلى داره ووزن له ألف دينار ، وعاد إلى منزله فوجد هميانه فعاد إليه عليه‌السلام بالمال معتذرا ، فأبى قبوله وقال : « شيء خرج من يدي لا يعود إليّ » فسأل الرجل عنه ، فقيل : هذا جعفر الصادق ، قال : لا جرم هذا فعال مثله (٤).

وروى مقاتل أبي الفرج عن ابن عقدة عن يحيى بن الحسن قال : كان موسى ابن جعفر عليه‌السلام إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينارا ، فكانت صرار موسى عليه‌السلام مثلا (٥).

وروى هو والإرشاد : أنّ رجلا من ولد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي موسى بن جعفر ويسبّه إذا رآه ويشتم عليّا عليه‌السلام فقال له بعض حاشيته يوما : دعنا نقتل هذا الفاجر ، فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي وزجرهم أشدّ الزجر ، وسأل عن موضع العمري فقيل له : إنّه يزرع في ناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه فوجده في مزرعة له فدخل المزرعة بحماره ، فصاح به العمري لا توطّأ زرعنا! فتوطّأه بالحمار حتّى وصل إليه وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له : كم غرمت على

__________________

(١) الإرشاد : ٢٥٨.

(٢) الإرشاد : ٢٦٦.

(٣) المناقب ٤ : ٢٠٧.

(٤) المناقب ٤ : ٢٧٤.

(٥) مقاتل الطالبيّين : ٣٣٢.

١١٩

زرعك هذا؟ قال : مائة دينار ، قال : فكم ترجو أن تصيب؟ قال : لست أعلم الغيب! قال له : إنّما قلت : كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قال : أرجو أن يجيء مائتا دينار ، فأخرج عليه‌السلام له صرّة فيها ثلاثمائة دينار وقال : هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو. فقام العمري فقبّل رأسه عليه‌السلام وسأله أن يصفح عن فارطه ، فتبسّم عليه‌السلام إليه وانصرف وراح عليه‌السلام إلى المسجد ، فوجد العمري جالسا ، فلمّا نظر إليه عليه‌السلام قال : الله أعلم حيث يجعل رسالته (١) وفوثب إلى العمري أصحابه فقالوا : ما قصّتك؟ قد كنت تقول غير هذا! قال لهم : قد سمعتم ما قلت الآن ـ وجعل يدعو له عليه‌السلام ـ فخاصموه وخاصمهم ـ فلمّا رجع عليه‌السلام إلى داره قال لجلسائه الّذين سألوه قتله أيّما كان خيرا؟ ما أردتم أم ما أردت (٢).

وروى العيون عن إبراهيم بن العبّاس قال : ما رأيت الرضا عليه‌السلام جفا أحدا بكلامه قطّ ، وما رأيت قطع على أحد كلامه حتّى يفرغ منه ، وما ردّ أحدا عن حاجة يقدر عليها ، ولا مدّ رجليه بين يدي جليس له قطّ ، ولا اتّكأ بين يدي جليس له قطّ ولا رأيته شتم أحدا من مواليه ومماليكه قطّ ، ولا رأيته تفل ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ بل كان ضحكه التبسّم ، وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه حتّى البوّاب والسائس ، وكان عليه‌السلام قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح ، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيّام في الشهر ويقول : ذلك صوم الدهر ، وكان عليه‌السلام كثير المعروف والصدقة في السرّ ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة ، فمن زعم أنّه رأى مثله فلا تصدّقوه (٣).

وفي المناقب : دخل الرضا عليه‌السلام الحمّام فقال له بعض الناس دلّكني ، فجعل يدلّكه ، فعرّفوه ، فجعل الرجل يستعذر منه وهو عليه‌السلام يطيّب قلبه ويدلّكه (٤).

وفي الكافي عن إبراهيم بن هاشم : استأذن على أبي جعفر الجواد عليه‌السلام قوم من أهل النواحي فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين : ٣٣٢ ، الإرشاد : ٢٩٧.

(٢) مقاتل الطالبيّين : ٣٣٢ ، الإرشاد : ٢٩٧.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٤.

(٤) المناقب ٤ : ٣٦٢.

١٢٠