أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٨
نقل بعضهم عليه الإجماع (١) ، وتدلّ عليه المستفيضة من الأخبار.
كصحيحة عليّ المتقدّمة ، وفيها : « وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة » (٢).
وابن عمّار : عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة ، قال : « لا بأس » (٣).
والحلبي : من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال : « من الجحفة ، ولا يجاوز الجحفة إلاّ محرما » (٤).
وأبي بصير : خصال عابها عليك أهل مكّة ، قال : « وما هي؟ » قلت : قالوا : أحرم من الجحفة ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحرم من الشجرة ، فقال : « الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما وكنت عليلا » (٥).
ورواية الحضرمي ، وفيها : « وقد رخّص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن كان منكم مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة » (٦).
وهل جواز الإحرام منها مقيّد بحال الضرورة ، أي المشقّة التي يعسر تحمّلها ، كما فعله الأصحاب من غير خلاف ظاهر إلاّ من نادر ، عملا بالأدلّة الدالة على توقيت الشجرة الظاهرة في عدم جواز العدول عنها بالمرّة ، خرجت عنها حال الضرورة بالإجماع والمعتبرة ، فبقي الباقي تحتها مندرجة؟
__________________
(١) كما في المدارك ٧ : ٢١٩.
(٢) التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٥.
(٣) الفقيه ٢ : ١٩٩ ـ ٩٠٨ ، الوسائل ١١ : ٣١٦ أبواب المواقيت ب ٦ ح ١.
(٤) التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٧ ، الوسائل ١١ : ٣١٦ أبواب المواقيت ب ٦ ح ٣.
(٥) التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٦ ، الوسائل ١١ : ٣١٧ أبواب المواقيت ب ٦ ح ٤.
(٦) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ٣١٧ أبواب المواقيت ب ٦ ح ٥.
أو مطلق ، كما عن الجعفي والوسيلة (١) ، لإطلاق الصحاح الثلاثة؟
الظاهر هو : الأول ، لأنّ الصحاح وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّها من هذه الحيثيّة شاذّة ، للحجّية غير صالحة ، ومع ذلك يجب تقييدها بالرواية الأخيرة ، لأنّها لمعنى الشرط متضمّنة ، فتدلّ بالمفهوم على اختصاص الرخصة بالمريض والضعيف ، ومثلهما في المشقّة.
هذا ، مع ما في الصحاح من قصور الدلالة على العموم ، سيّما الأولى ، إذ ليس المراد : أنّ أهل المدينة يحرمون من الموضعين ، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ ، فمجازه يمكن أن يكون التوقيت في الجملة ولو في حال الضرورة.
بل وكذا الثانية ، لجواز أن يكون السؤال عن رجل من أهل المدينة ـ أي ساكنيها ـ مرّ على طريق الشام ، وكأنّ السائل توهّم أنّ الشجرة ميقات أهل المدينة مطلقا وإن مرّ على طريق آخر.
بل وكذا الثالثة ، إذ لا شك أنّ بعد التجاوز عن الشجرة يكون العود إليها والإحرام منها مشقّة وضرورة ، سيّما مع إيجابه التخلّف عن الرفقة.
ثم على ما ذكرنا من تقييد جواز التأخير بحال الضرورة ، فهل يجوز سلوك طريق لا يؤدّيه إلى الشجرة اختيارا فيحرم من الجحفة ، كما اختاره في الدروس والمدارك (٢) وغيرهما (٣) ، للأصل وعموم جواز الإحرام من أيّ ميقات اتّفق المرور عليه ولو لغير أهله ، وكون المراد بأهل كلّ ميقات من يمرّ عليه؟
__________________
(١) حكاه عن الجعفي في الدروس ١ : ٤٩٣ ، الوسيلة : ١٦٠.
(٢) الدروس ١ : ٣٤١ ، المدارك ٧ : ٢٢٠.
(٣) كالرياض : ٣٥٩.
وأيضا على ما ذكرنا ، لو عصى من لا ضرورة له وترك الإحرام من الشجرة ، هل يصحّ له الإحرام حينئذ من الجحفة ، كما عن الدروس والمدارك؟ أو لا ، كما يظهر من بعض (١)؟
الوجه : التفصيل بالإمكان وعدم المشقّة فلا يصحّ ، وإلاّ فيصح.
فرع : وإذا عرفت تعيّن الإحرام من مسجد الشجرة ، فلو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما فيه مجتازين ، لحرمة اللبث.
وإن تعذّر بدونه ، فهل يحرمان من خارجه ، كما صرّح به الشهيد الثاني والمدارك والذخيرة (٢) ، لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكّة محرما؟
أم يؤخّرانه إلى الجحفة ، لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟
الأحوط : الإحرام منهما وإن كان الأظهر الثاني ، لما ذكر ، ولعدم دليل على توقيت الخارج لمثلهما ، ومنع وجوب قطع المسافة محرما عليه.
وتمثيل الضرورة في الأخبار بالعلّة والمرض والضعف لا يوجب التخصيص بعد اتّحاد العلّة قطعا وعدم القول بالفصل ظاهرا ، فتدبّر.
الثالث : الجحفة.
وهو ميقات أهل الشام بلا خلاف يوجد ، لصحاح الحلبيّين (٣) ورفاعة (٤)
__________________
(١) انظر الحدائق ١٤ : ٤٤٦.
(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٤ ، المدارك ٧ : ٢١٩ ، الذخيرة : ٥٧٦.
(٣) الأولى في : الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.
الثانية في : الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٤.
(٤) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ١١ : ٣١٠ أبواب المواقيت ب ١ ح ١٠.
وعليّ (١) وعمر بن يزيد (٢) المتقدّمة ، وهي أيضا ميقات أهل مصر والمغرب ، كما صرّح به في صحاح ابن عمّار (٣) والخزّاز (٤) وعليّ السابقة.
الرابع : ـ وهو ميقات أهل اليمن ـ يلملم.
ويقال : ألملم ويرمرم ، جبل على مرحلتين من مكّة ، وكونه ميقاتا ممّا لا خلاف فيه أيضا ، ووقع التصريح به في الصحاح المستفيضة المتقدّمة.
الخامس : قرن المنازل.
بفتح القاف وسكون الراء ، وهو ميقات أهل الطائف ، وهو قرية عند الطائف ، أو اسم الوادي كلّه ، قاله في القاموس ، قال : وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه ، لأنّه منسوب إلى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد (٥). بل قيل : اتّفق العلماء في تغليطه فيهما ، وإنّما أويس من بني قرن بطن من مراد (٦).
ولا يخفى أنّه لم يصرّح بالتحريك ولا بنسبة أويس إليه ، وإنّما قال : والقرن حيّ من اليمن ومنه أويس القرني (٧).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٥.
(٢) التهذيب ٥ : ٥٦ ـ ١٧٠ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٦.
(٣) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ١٦٦ ، الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١ ح ٢.
(٤) الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٨ ، الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١ ح ١.
(٥) القاموس المحيط ٤ : ٢٦٠.
(٦) الرياض ١ : ٣٥٩.
(٧) الصحاح ٦ : ٢١٨١ ، وفيه : والقرن : موضع ، وهو ميقات أهل نجد ، ومنه أويس القرنيّ.
وبالجملة : لا كلام في كونه ميقاتا ، وبه صرّح كثير من الصحاح المتقدّمة.
فائدة : قال في المنتهى : أبعد تلك المواقيت ذو الحليفة ، وهو على عشر مراحل من مكّة على ميل من المدينة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة ، بينها وبين مكّة ليلتان قاصدتان (١).
السادس : مكّة.
وهو ميقات حجّ المتمتّعين في حجّهم خاصّة ، كما يأتي بيانه.
السابع : ميقات من كان منزله أقرب من المواقيت الخمسة إلى مكّة.
فإنّ ميقاته دويرة أهله ـ أي منزله ـ بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (٢) ، وفي المدارك : أنّه مجمع عليه بين الأصحاب (٣) ، وعن المنتهى : أنّه قول أهل العلم كافّة إلاّ مجاهد (٤).
وتدلّ عليه المستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الميقات الأول (٥).
والأخرى : « من كان منزله دون الوقت إلى مكّة [ فليحرم ] من منزله » (٦).
وفي حديث آخر ـ كما نقله الشيخ ـ : « إذا كان منزله دون الميقات إلى
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٦٧.
(٢) الذخيرة : ٥٧٦.
(٣) المدارك ٧ : ٢٢٢.
(٤) المنتهى ٢ : ٦٦٧.
(٥) راجع ص : ١٦٧.
(٦) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٣ ، الوسائل ١١ : ٣٣٣ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ١ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : فليخرج ، وما أثبتناه من المصدر.
مكّة فليحرم من دويرة أهله » (١).
وحسنة مسمع : « إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله » (٢).
وفي صحيحة ابن مسكان : عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة ، قال : « يحرم منه » (٣).
وفي رواية رباح ـ بعد السؤال عمّا روي عن علي عليهالسلام ـ : « أنّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك ، وإنّما معنى دويرة أهله : من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة » (٤).
ومرسلة الصدوق : عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال : « من منزله » (٥).
والأخرى : « من كان منزله دون المواقيت ما بينها وبين مكّة فعليه أن يحرم من منزله » (٦) ، إلى غير ذلك.
وأمّا اعتبار القرب إلى عرفات ـ كما ذكره جماعة (٧) ـ فلا دليل عليه.
ثم الحكم يعمّ أهل مكّة أيضا على المشهور بين الأصحاب ، بل نفى بعضهم الخلاف فيه (٨) ، وتدلّ عليه مرسلة الصدوق المتقدّمة ، وما روي عن
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٤ ، الوسائل ١١ : ٣٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٢.
(٢) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٥ ، الوسائل ١١ : ٣٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٣.
(٣) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٦ ، الوسائل ١١ : ٣٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٤.
(٤) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٧ ، الوسائل ١١ : ٣٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٥.
(٥) الفقيه ٢ : ١٩٩ ـ ٩١١ ، الوسائل ١١ : ٣٣٥ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٦.
(٦) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٢ ، الوسائل ١١ : ٣٣٥ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٧.
(٧) منهم المحقّق في المعتبر ٢ : ٧٨٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٤ ، الروضة ٢ : ٢٢٥.
(٨) كما في الرياض ١ : ٣٦٠.
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله » (١).
بل يمكن الاستدلال عليه بصحيحة ابن عمّار المشار إليها أيضا ، إذ معناها : أنّ من كان منزله خلف هذه المواقيت من طرف مكّة ، ولا شكّ أنّ أهل مكّة أيضا كذلك.
بل يمكن الاستدلال بجميع الأخبار المتقدّمة سوى المرسلة الأخيرة ، بأن يفسّر نحو قوله : « من كان منزله دون الميقات إلى مكّة » بأنّ المراد : من كان منزله في جميع ذلك الموضع المبتدأ بدون الميقات المنتهي بمكّة.
واستشكل بعضهم فيهم من جهة أنّ الأقربيّة إلى مكّة تقتضي المغايرة ، ومن جهة الصحيحين الواردين في المجاور أنّه يحرم من الجعرانة (٢) ، سواء انتقل فرضه إلى أهله أم لا (٣).
ولا يخفى أنّ الأقرب إنّما ورد في كلام الأصحاب دون أخبار الأطياب ، والصحيحان واردان في حكم المجاور ، فلعلّ هذا مختص به ، مع أنّه يأتي شذوذ تلك الأخبار أيضا.
الثامن : محاذاة الميقات.
وهو ميقات من حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت ، ومنه طريق البحر. وكونها ميقاتا لمن ذكر مشهور بين الأصحاب ، بل نسبه
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٨ ـ ١١٨١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩.
(٢) الأول : صحيح البجلي ، رواه في : الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٢٦٧ أبواب أقسام الحج ب ٩ ح ٥.
الثاني : صحيح سماعة بن مهران ، رواه في : الفقيه ٢ : ٢٧٤ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٠ أبواب أقسام الحج ب ١٠ ح ٢.
(٣) انظر الرياض ١ : ٣٦٠.
بعضهم إلى الشهرة العظيمة (١).
لصحيحة ابن سنان : « من أقام بالمدينة ـ وهو يريد الحجّ ـ شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها » (٢).
وصحيحته الأخرى ، وفيها : « فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال ، فيكون حذاء الشجرة من البيداء » (٣).
ويتعدّى إلى سائر المواقيت بالإجماع المركّب.
ولا تعارضها مرسلة الكافي : « يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أيّ طريق شاء » (٤) ، لعدم دلالتها على الوجوب أولا ، وشذوذها ثانيا ، وإيجابه الحرج في بعض الأحيان ثالثا.
وهل الميقات ـ الذي يحرم ذلك من محاذاته ـ هو الميقات الأقرب إلى الطريق ، كما هو مذهب الأكثر ، وإليه ذهب الفاضل في المنتهى والتذكرة (٥)؟
أو إلى مكّة ، كما عن القواعد (٦) وغيره (٧)؟
أو أيّ ميقات كان ، كما عن الإسكافي والحلّي (٨) ، واختاره في
__________________
(١) كما في الرياض ١ : ٣٦٠.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٣ ، الوسائل ١١ : ٣١٨ أبواب المواقيت ب ٧ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٨ ، الوسائل ١١ : ٣١٧ أبواب المواقيت ب ٧ ح ١.
(٤) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ذ ح ٩ ، الوسائل ١١ : ٣١٨ أبواب المواقيت ب ٧ ح ٢.
(٥) المنتهى ٢ : ٦٧١ ، التذكرة ١ : ٣٢٢.
(٦) القواعد ١ : ٧٩.
(٧) كالروضة ٢ : ٢٢٧ ، المسالك ١ : ١٠٤.
(٨) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٦٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٢٩.
الإرشاد (١)؟
ومقتضى الصحيحين : الأول ، فهو المختار في العمل ، وتكفي المحاذاة التقريبيّة ، لعدم إمكان التحقيق غالبا ، ولأنّها المتحقّقة في ستّة أميال.
قالوا : ويكفي الظنّ بالمحاذاة ، لعدم حصول غير الظنّ إمّا مطلقا أو غالبا ، فلا يكون متعلّق التكليف إلاّ الظنّ.
ومن لم يكن له سبيل إلى الظنّ أيضا يحرم من أول موضع يحتمل المحاذاة ، ويجدّد النيّة إلى آخر موضع كذلك ، ولا حرج فيه.
ومنع تقديم الإحرام على الميقات إنّما هو لا فيما كان بنيّة الاحتياط.
واختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها ، وهو خلاف لا فائدة فيه ، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب ، ولو فرض إمكان فالمختار الإحرام من أدنى الحلّ ، لأصالة البراءة عن الزائد.
ويمكن أن يقال بذلك فيمن لا سبيل له إلى الظنّ أيضا ، لما ذكر ، بضميمة أنّ المتبادر من الصحيحة غير ذلك الشخص.
التاسع : أدنى الحلّ.
وهو ميقات العمرة المفردة الواقعة بعد حجّ الإفراد والقران ، فإنّ المفرد والقارن إذا أرادا الاعتمار بعد الحجّ لزمهما الخروج إلى أدنى الحلّ ، فيحرمان منه ثم يعودان إلى مكّة للطواف والسعي ، بلا خلاف فيه كما صرّح به في المنتهى (٢).
__________________
(١) الإرشاد ١ : ٣١٥.
(٢) المنتهى ٢ : ٦٦٧.
وتدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد : « من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبههما » (١) ، وغير ذلك من الأخبار (٢).
وإطلاقها يشمل كلّ من أراد العمرة المفردة من مكّة أيضا وإن لم يكن مفردا أو قارنا ، بل أراد التقرّب بالعمرة والتحلّل من الحجّ الفاسد ، وهو كذلك.
العاشر : فخّ ، وهو ميقات الصبيان في غير حجّ التمتّع عند جماعة (٣) ، وجعله آخرون موضع التجريد وإن كان موضع إحرامهم كغيرهم (٤) ، ويأتي تحقيقه في المسألة الثانية من بحث أحكام الإحرام.
وها هنا مسائل :
المسألة الأولى : الحجّ والعمرة متساويان في المواقيت المذكورة ، فمن قدم إلى مكّة حاجّا أو معتمرا ومرّ بها يجب عليه الإحرام منها ، سواء كانت العمرة عمرة تمتّع أو إفراد ، وسواء كان الحجّ قرانا أو إفرادا ، إلاّ حجّ التمتّع فميقاته مكّة ، والعمرة المفردة لمن أرادها من مكّة فميقاتها أدنى الحلّ كما مرّ.
المسألة الثانية : كلّ من حجّ أو اعتمر على طريق ـ كالعراقي يمرّ بمسجد الشجرة ـ فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق ، بغير خلاف فيه يوجد
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٣١٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٣٤١ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ١.
(٢) انظر : الوسائل ١١ : ٣٤١ أبواب المواقيت ب ٢٢.
(٣) كما في المعتبر ٢ : ٨٠٤ ، الدروس ١ : ٣٤٢ ، الرياض ١ : ٣٦٠.
(٤) حكاه في المعتبر ٢ : ٨٠٤.
كما صرّح به جماعة (١) ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه (٢) ، بل هو إجماع محقّق أيضا ، فهو الحجّة فيه.
مضافا إلى انتفاء العسر والحرج في الشريعة ، والنبويّ : « هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ » (٣).
وصحيحة صفوان ، وفيها : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علّة ، فلا يجاوز الميقات إلاّ من علّة » (٤) ، وغير ذلك.
المسألة الثالثة : من أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه بالإجماع ، كما حكي عن جماعة منهم المنتهى (٥) ، وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة جدّا من الصحاح وغيرها.
منها : صحيحة الحلبي المتقدّمة (٦) في الميقات الأول ، وصحيحة ابن أذينة : « من أحرم دون الميقات فلا إحرام له » (٧).
وفي رواية زرارة : « وليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعا » (٨).
__________________
(١) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ٦٦٧ ، السبزواري في الذخيرة ٥٧٧ ، صاحب الرياض ١ : ٣٦٠.
(٢) المدارك ٧ : ٢٢٦ ، كشف اللثام ١ : ٣٠٧ ، الحدائق ١٤ : ٤٥٥.
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٨ ـ ١١٨١.
(٤) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ٢ ، الوسائل ١١ : ٣٣١ أبواب المواقيت ب ١٥ ح ١.
(٥) المنتهى ٢ : ٦٦٨.
(٦) الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ـ الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.
(٧) الكافي ٤ : ٣٢٢ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٥٢ ـ ١٥٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٢ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ١١ : ٣٢٠ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٣.
(٨) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٥١ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ١١ : ٣٢٣ أبواب المواقيت ب ١١ ح ٣.
وفي رواية إبراهيم الكرخي : عن رجل أحرم بحجّة في غير أشهر الحجّ دون الميقات الذي وقّته رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : « ليس إحرامه بشيء ، فإن أحبّ أن يرجع إلى أهله فليرجع ، فإنّي لا أرى عليه شيئا » (١).
والمرويّ في العلل : « لا يجوز الإحرام دون الميقات » (٢) ، إلى غير ذلك.
واستثنيت من ذلك صورتان :
إحداهما : من نذر الإحرام من موضع معيّن قبل أحد هذه المواقيت فيصحّ ، بشرط أن يقع في أشهر الحجّ لو كان للحجّ أو عمرة يتمتّع بها ، ومطلقا للعمرة المفردة على الأقوى ، وفاقا للشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف والتهذيبين والمفيد والديلمي والقاضي وابن حمزة (٣) ، وأكثر المتأخّرين (٤) ، بل الأكثر مطلقا كما قيل (٥).
لصحيحة الحلبي (٦) ، وموثّقة أبي بصير (٧) ، ورواية عليّ بن أبي
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٥٢ ـ ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٢ ـ ٥٣٠ ، العلل : ٤٥٥ ـ ١٢ بتفاوت يسير ، الوسائل ١١ : ٣١٩ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٢.
(٢) لم نعثر عليه في العلل ، لكنّه موجود في عيون أخبار الرضا « ع » ٢ : ١٢٢ ، الوسائل ١١ : ٣٢٠ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٤.
(٣) النهاية : ٢٠٩ ، المبسوط ١ : ٣١١ ، الخلاف ٢ : ٢٨٦ ، التهذيب ٥ : ٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ ، نقله عن المفيد في المدارك ٧ : ٢٢٩ ، الديلمي في المراسم : ١٠٨ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٤١٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٩.
(٤) كما في الرياض ١ : ٣٦٠.
(٥) انظر الرياض ١ : ٣٦٠.
(٦) التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦٢ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٤ ، الوسائل ١١ : ٣٢٦ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ١.
(٧) التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ١٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٦ ، الوسائل ١١ : ٣٢٧ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٣.
حمزة (١) ، المنجبرة ضعف بعضها أو الجميع على ما قيل (٢) بما مرّ.
وخلافا للحلّي والمختلف ، فمنعا عن الاستثناء ، لأنّه نذر غير مشروع (٣).
وفيه : أنّه شرّع بالنصوص المذكورة ، وإبداء بعض الاحتمالات البعيدة فيها غير ضائر.
ولو احتاط بالجمع بين الإحرام عن الموضع المنذور والميقات المقرّر كان أولى وأفضل ، وحكم باستحباب الجمع بعضهم (٤) ، ومنهم من أوجبه إذا كان النذر في الإحرام الواجب (٥).
وثانيتهما : أن يعتمر في شهر رجب إذا خاف خروجه قبل الوصول إلى أحد المواقيت ، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات ليدرك فضل الشهر ، بلا خلاف فيه يعرف ، واتّفاقهم عليه منقول في كلامهم ، وتدلّ عليه صحيحة ابن عمّار (٦) ، وموثّقة إسحاق (٧) ، والاحتياط فيه أيضا تجديد الإحرام من الميقات.
المسألة الرابعة : لا يجوز لمريد النسك تأخير الإحرام عن الميقات ، إجماعا فتوى ونصّا ، لأنّ ذلك مقتضى التوقيت ، مضافا إلى التصريح به في جملة من النصوص المعتبرة ، كصحيحة صفوان المتقدّمة في المسألة
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٥ ، الوسائل ١١ : ٣٢٧ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٢.
(٢) انظر الرياض ١ : ٣٦٠.
(٣) الحلي في السرائر ١ : ٥٢٦ و ٥٢٧ ، المختلف : ٢٦٣.
(٤) كصاحب الرياض ١ : ٣٦١.
(٥) كما في المراسم : ١٠٨.
(٦) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ١١ : ٣٢٥ أبواب المواقيت ب ١٢ ح ١.
(٧) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٦٢ ـ ٥٣٢ ، الوسائل ١١ : ٣٢٦ أبواب المواقيت ب ١٢ ح ٢.
الثانية (١) ، وصحيحة ابن أذينة (٢) ، والمرويّ في العلل (٣).
[ وفي رواية الفضيل ] (٤) : « ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم » (٥).
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد : عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيّام ـ يعني الإحرام من الشجرة ـ فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها ، فقال : « لا » وهو مغضب « من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلاّ من المدينة » (٦).
أقول : أراد من المدينة : ميقات أهلها.
وفي بعض الصحاح : « من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من الميقات الذي وقّته رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم » (٧) ، وفي آخر : « لا يجاوز الجحفة إلاّ محرما » (٨).
المسألة الخامسة : لو كان له عذر يمنع من الإحرام في الميقات ، فعن الشيخ (٩) وجماعة (١٠) تجويز التأخير ، وتدلّ عليه صحيحة صفوان المتقدّمة ، ومرسلة المحاملي : « إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى
__________________
(١) في ص : ١٩١.
(٢) المتقدّمة في ص : ١٩١.
(٣) المتقدّم في ص : ١٩٢.
(٤) بدل ما بين القوسين في « ح » : وهي فيه جميل بن صالح الفضيل ، وفي « س » : وفي الفضيل ، وفي « ق » : وهي الفضيل ، والأنسب ما أثبتناه.
(٥) الكافي ٤ : ٣٢٢ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ٣١٩ أبواب المواقيت ب ٩ ح ١.
(٦) التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٩ ، الوسائل ١١ : ٣١٨ أبواب المواقيت ب ٨ ح ١.
(٧) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ١٦٦ ، الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١ ح ٢ ، بتفاوت يسير.
(٨) التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٧ ، الوسائل ١١ : ٣١٦ أبواب المواقيت ب ٦ ح ٣.
(٩) في النهاية : ٢٠٩.
(١٠) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٠.
الحرم » (١).
ومنعه الحلّي والفاضل في جملة من كتبه (٢) ، وحملوا قول الشيخ [ على ] (٣) تجويز تأخير صورة الإحرام وإظهاره ، من التعرّي ولبس الثوبين ، وقالوا : إنّ المرض والتقيّة لا يمنعان النيّة والتلبية.
وأيّد ذلك بحديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٤) ، وببعض الحديث المتضمّن لحكم من مرّ على المسلخ مع العامّة بأنّه يحرم من الميقات من غير تلبّس الثياب وإظهار له ، ثم يظهره من ميقاتهم (٥).
أقول : أمّا حديث المسلخ فغير ما نحن فيه ، لتصريح بالإحرام خفيّا ، ولكنّه يلبس الثياب بعده ، وهذا لا كلام فيه.
ولا يتمّ الاستدلال بحديث : « الميسور لا يسقط بالمعسور » كما بيّناه في موضعه ، فلا معارض للصحيح والمرسل.
نعم ، يمكن أن يقال بلفظيّة النزاع ، لأنّ مرادنا : ما إذا لم يتمكّن من الإحرام أصلا ، ومرادهما : ما إذا تمكّن منه باطنا وإن لم يتمكّن من استدامته أو إظهاره.
وبالجملة : لو لم يتمكّن أصلا ـ وإن كان فرضا نادرا ـ أخّر ، ولو تمكّن باطنا يجب الإتيان به ويؤخّر الإظهار ، وإن تمكّن من بعض واجباته دون بعض فالأولى الإتيان بما أمكن ، بل الظاهر الوجوب ، لعدم ثبوت الارتباط.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨٢ ، الوسائل ١١ : ٣٣٣ أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٣.
(٢) الحلي في السرائر ١ : ٥٢٧ ، الفاضل في المختلف ٢٦٣ ، والمنتهى ٢ : ٦٧١.
(٣) أضفناها لاستقامة العبارة.
(٤) غوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ـ ٢٠٥.
(٥) انظر الإحتجاج : ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ١٠.
المسألة السادسة : لو لم يحرم من الميقات ـ لمانع أو سهو أو جهل بالحكم أو الوقت ـ يجب الرجوع إليه والإحرام منه مع الإمكان ، بلا خلاف فيه بين العلماء كما عن المنتهى (١) ، لتوقّف الواجب عليه ، والمستفيضة من الأخبار :
كصحيحة الحلبي : عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، فقال : « يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، وإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » (٢).
والأخرى : في رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم ، قال : « قال أبي : عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه ، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم » (٣).
وصحيحة ابن عمّار : عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم ، قال : « إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه ، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحجّ فتحرم » (٤).
وأمّا ما في طائفة من الأخبار في الجاهل والناسي ، من الأمر بالخروج
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٧٠.
(٢) التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨٠ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.
(٣) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٣ ـ ٩٦٥ ، الوسائل ١١ : ٣٢٨ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٨٩ ـ ١٣٦٢ ، الوسائل ١١ : ٣٢٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٤.
إلى خارج الحرم بقول مطلق ، كصحيحة ابن سنان (١) ، ورواية الكناني (٢) ، أو بالإحرام من مكانه أو مكّة أو المسجد كذلك ، كموثّقة زرارة (٣) ، وموثّقة سورة بن كليب (٤).
فيجب حملها على صورة عدم التمكّن من الخروج إلى الميقات كما هو الغالب ، فيحمل الإطلاق عليه حملا للمطلق على المقيّد ، واقتصارا في الإطلاق على المتيقّن.
نعم ، في المرويّ عن قرب الإسناد (٥) ما لا يمكن الحمل عليه ، إلاّ أنّه ـ لشذوذه مع عدم وضوح سنده ـ لا يكافئ ما مرّ.
المسألة السابعة : لو تعذّر رجوع الناسي أو الجاهل إلى الميقات فليرجع إلى قرب الميقات بقدر الإمكان ، وفاقا للشهيد (٦) وبعض آخر (٧) ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة (٨) ، واختصاصها بالجاهل غير ضائر ، لعدم القول بالفصل.
وذكر في المدارك ـ بعد نقل الصحيحة ـ : أنّه يمكن حملها على الاستحباب ، لعدم وجوب ذلك على الناسي والجاهل مع الاشتراك في
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨١ ، الوسائل ١١ : ٣٢٨ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٢.
(٢) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٤ ـ ٩٦٦ ، الوسائل ١١ : ٣٢٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٦.
(٤) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١٢ ، الوسائل ١١ : ٣٢٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٥.
(٥) قرب الإسناد : ٢٤٢ ـ ٩٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٣١ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٩.
(٦) في الدروس : ٩٥.
(٧) كالرياض ١ : ٣٦١.
(٨) في ص : ١٩٦.
العذر ، ولموثّقة زرارة المشار إليها ، الواردة في حكم مثل المرأة المذكورة ، الحاكمة بأنّها تحرم من مكانها (١).
وفيه أولا : أنّ كلامه يدلّ على إجماعيّة عدم وجوب الرجوع على الجاهل والناسي ، وهي ممنوعة.
وثانيا : أنّه قياس مستنبط.
وثالثا : أنّ الموثقة أعمّ مطلقا من الصحيحة ، فيجب التخصيص بها.
وإن لم يمكن القرب ، فإن كان خارج الحرم فليحرم من موضعه ، بلا خلاف فيه يوجد كما قيل (٢) ، لصحيحتي الحلبي المتقدّمتين ، اللاّزم تقييد إطلاقهما ـ بالنسبة إلى داخل الحرم وغيره ـ بما يأتي.
وإن كان داخل الحرم ، فإن أمكن الخروج إلى أدنى الحلّ خرج وجوبا وأحرم منه ، لذيل صحيحتي الحلبي ، وصحيحة ابن سنان : عن رجل مرّ على الوقت الذي أحرم منه الناس ، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكّة ، فخاف إن يرجع إلى الوقت أن يفوته الحجّ ، فقال : « يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك » (٣) ، وقريبة منها رواية الكناني في الجاهل.
وبتلك الأخبار تقيّد مطلقات الإحرام من مكانه أو من مكّة أو المسجد.
ولو تعذّر الخروج من الحرم أحرم في موضعه ، لما مرّ من الأخبار ، مضافا إلى رواية سورة بن كليب.
__________________
(١) المدارك ٧ : ٤٨٧.
(٢) انظر الرياض ١ : ٣٦١.
(٣) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨١ ، الوسائل ١١ : ٣٢٨ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٢.
المسألة الثامنة : ذو المانع من الإحرام في الميقات في الحرم كالناسي والجاهل في الأحكام المذكورة ، لإطلاق صحيحة الحلبي الأولى (١).
وكذا من لا يريد النسك أولا ممّن لا يريد دخول مكّة ، أو جاز له دخول مكّة بغير إحرام ، كالمتكرّر مثلا إذا قصد النسك بعد مروره على الميقات ، أو تجدّد له قصد دخول مكّة بعد المرور عليه.
بل وكذا تارك الإحرام عمدا عصيانا ، فإنّه كمن ذكر في جميع الأحكام ، أمّا في الرجوع إلى الميقات والإحرام منه فبالإجماع ، ووجهه ظاهر ، وأمّا في باقي الأحكام فوفاقا للمحكيّ عن المبسوط والمصباح ومختصره (٢) ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين (٣) ، لإطلاق صحيحة الحلبي الأولى. ودعوى عدم انصرافه إلى العامد ممنوعة.
وخلافا للأكثر ، فحكموا بفوات الحجّ عنه ، لعدم ثبوت الإذن له من الشارع ، وللإطلاقات المتقدّمة النافية للإحرام عمّن أحرم دون الميقات.
ويردّ بثبوت الإذن بما مرّ ، وشمول الإطلاقات لما قبل الميقات أيضا ، فتكون أعمّ مطلقا ، فيجب تخصيصها بما مرّ قطعا.
المسألة التاسعة : حكم من كان منزله دون الميقات في مجاوزة منزله إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة ، لأنّ منزله ميقاته ، فهو في حقّه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي ، كذا ذكره في المدارك (٤) ، ولا بأس به.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨٠ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.
(٢) المبسوط ١ : ٣١٢ ، مصباح المتهجد : ٨.
(٣) كصاحب المدارك ٧ : ٢٣٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٧٥ ، صاحب الحدائق ١٤ : ٤٧١.
(٤) المدارك ٧ : ٢٣٦.
المسألة العاشرة : لو نسي الإحرام أو جهله حتى قضى المناسك كلّها ، يجزئه ولا قضاء عليه ، وفاقا للتهذيبين والنهاية والمبسوط والجمل والعقود والإقتصاد والوسيلة والمهذّب والجامع والمعتبر والقواعد والتحرير والمنتهى والتنقيح والنكت والمسالك (١) وغيرها (٢) ، بل الأكثر كما قيل (٣) ، وعن المسالك : أنّه فتوى المعظم ، وعن الدروس : أنّه فتوى الأصحاب عدا الحلّي (٤).
لصحيحة علي : عن رجل كان متمتّعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده ، ما حاله؟ قال : « إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه » (٥).
والأخرى : عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره وهو بعرفات ، ما حاله؟
قال : « يقول : اللهمّ على كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى يرجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه » (٦).
ومرسلة جميل : في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها [ وطاف وسعى ، قال : « تجزئه نيّته ] إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجه
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٦٠ ، نقله عن الإستبصار في الرياض ١ : ٣٦٢ ، النهاية : ٢١١ ، المبسوط ١ : ٣١٤ ، الرسائل العشر ( الجمل والعقود ) : ٢٣٣ ، الإقتصاد : ٣٠٥ ، الوسيلة : ١٥٩ ، المهذّب ١ : ١٤٣ ، الجامع : ١٨٠ ، المعتبر ٢ : ٨١٠ ، القواعد ١ : ٧٩ ، التحرير ١ : ٩٧ ، المنتهى ٢ : ٧١٥ ، التنقيح ١ : ٤٥١.
(٢) كالرياض ١ : ٣٦٢.
(٣) الرياض ١ : ٣٦٢.
(٤) الدروس ١ : ٣٥٠.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٧٨ ، الوسائل ١١ : ٣٣٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.
(٦) التهذيب ٥ : ١٧٥ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٨.