البحث الثالث
( الحرية )
الحرية شرط في وجوب الزكاة ، فلا تجب على العبد ، لأنه غير مالك عندنا ، لقوله تعالى ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) (١) وقوله تعالى ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٢) ولأنه مال فلا يملك بالتمليك كالدابة.
أما على قول بعض علمائنا ، فإنه يملك فاضل الضريبة. وأرش الجناية وما يملكه مولاه ، فتجب الزكاة عليه. ويحتمل أن لا تجب لنقص الملك فيه.
وعلى ما اخترناه تجب الزكاة على المولى ، لأنه مالك لما تجب فيه الزكاة.
والمدبر وأم الولد كالقن ، أما المكاتب فإن كان مشروطا فكالقن لا زكاة عليه ، لأن ما في يده لمولاه ، فلا زكاة عليه ولا على المولى أيضا ، لأنه ممنوع من التصرف فيه ، ولقوله عليهالسلام لا زكاة في مال المكاتب (٣). ولأنه ممنوع من التصرف بغير ، الاكتساب.
ولو عجز فرده مولاه إلى الرق ، ملك المولى المال تبعا له ، واستقبل الحول حينئذ وضمه إلى ماله وكمل به النصاب.
وأما المطلق : فإن لم يؤد شيئا ، لم تجب عليه زكاة ، لأنه بعد مملوك فلا يملك المال ملكا تاما ، وهو ممنوع من التصرف فيه بغير الاكتساب.
وإن قد أدى تحرر منه بقدر ما أدى وكان الباقي رقيقا. فإذا ملك مالا قسط على نسبة الحرية والرقية ، فإن كان نصيب الحرية نصابا ، وجب عليه فيه الزكاة ، لأنه مالك ملكا تاما فكان كالحر.
__________________
(١) سورة النحل : ٧٥.
(٢) سورة الروم : ٢٨.
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٠ ح ٥.
وكذا من انعتق بعضه بغير المكاتبة إن بلغ نصيب الحرية نصابا ، وجب فيه الزكاة ، وإلا فلا.
وإذا أعتق المكاتب ، استقبل الحول مما في يده من حين العتق ، لأنه وقت استقرار الملك ، فلو ظهر بطلان العتق : إما بأن كان المدفوع معيبا ، أو ملك الغير ، أو أعتق الوارث وهناك دين خفي ولا شيء بعد دفع الزكاة ، استردها ، لظهور عدم الاستحقاق وكون المدفوع مال الغير.
البحث الرابع
( الملك التام )
يشترط في وجوب الزكاة تمامية الملك ، فلا تجب الزكاة على غير مالك إجماعا. وأسباب نقص الملك ثلاثة :
السبب الأول
( منع التصرف )
فلو منع المالك من التصرف في ماله ، لم تجب الزكاة فيه ، لأن التمكن من التصرف طول الحول شرط في الوجوب ، فلا تجب في المغصوب ، ولا الضال ، ولا المجحود بغير بينة ، ولا المسروق. لأنه ملك خرج عن يده وتصرفه وصار ممنوعا منه ، فلم يلزمه زكاته ، كمال المكاتب. وقول الصادق عليهالسلام : لا صدقة على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك (١).
وإذا عاد صار كالمستعاد يستقبل به حولا من حين العود والتمكن من التصرف. ولا يجب عليه الزكاة عما مضى ، سواء عاد بتمامه أو لا.
نعم يستحب له إذا عاد بعد سنين أن يزكيه لسنة واحدة ، لقول الصادق عليهالسلام : فإذا عاد خرج زكاة لعام واحد (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٣ ح ٦.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٣ ح ٧.
ولو غصبه (١) في أثناء الحول ثم عاد ، استأنف من حين العود ، لعدم الشرط حالة الغصب ، فيعدم المشروط.
والضال كالمغصوب لا زكاة فيه ، لأن النسيان عذر. وكذا لو دفنه في داره وضل عنه ، لأن المقتضي للوجوب وهو التمكن من التصرف منتف.
ولو أيسر المالك وحيل بينه وبين ماله ، فلا زكاة ، وإن تمكن من التصرف فيه بالبيع وشبهه ، لنقص التصرف. ولو تمكن من أنواع التصرفات فيه ، وجب لوجود الشرط ، وهو إمكان التصرف.
وأما الدين : فإن كان على معسر ، أو جاحد ، أو مماطل ، أو كان مؤجلا ، لم تجب فيه الزكاة ، لأن الشرط وهو التمكن من التصرف مفقود ، ولقول الصادق عليهالسلام : كل دين يدعه صاحبه إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاته (١). والمؤجل لا يقدر على انتزاعه ، فلم يكن متمكنا من التصرف.
وإن كان على ملي باذل ، فالأقوى عدم الوجوب أيضا ، سواء كان من النعم أو لا ، لأنه غير متعين ، وللمديون الخيار في تعيين القضاء من أي جهة شاء ، وإنما يتعين بالقبض ، فيكون ملكه ناقصا ، ولأنه غير تام ، فأشبه عوض المنفعة (٢) ولقول الصادق عليهالسلام : ليس في الدين زكاة (٢).
فإذا قبضه ، استقبل الحول من حين القبض ، ولا يزكيه عما مضى ، ولا يحتسب من الحول أيضا ، لقول الكاظم عليهالسلام وقد سأله إسحاق بن عمار الدين عليه زكاة؟ قال : لا حتى يقبضه ، قلت : فإذا قبضه عليه زكاة؟ قال : لا حتى يحول عليه الحول في يده (٣).
__________________
(١) في « س » غصب.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٤ ح ٥ و ١٤.
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٤ ح ٤.
(٤) في « ق » فأشبه عرض النفقة.
(٥) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٢ ح ٣.
وأما الغائب : فإن كان مقدورا معلوم عليهالسلامة ، وجبت الزكاة عليه ، لوجود المقتضي جامعا للشرائط. وينبغي أن يخرج في بلد المال ، ولو أخرج في غيره جاز ، ولا فرق بين أن يكون مستقرا في بلد أو سائرا. وإن لم يكن مقدورا عليه فلا زكاة ، لعدم التمكن منه.
والمستودع إذا جحد الوديعة ، فكالغاصب ، ولو كان له بينة وقدر على انتزاعه ، وجبت الزكاة.
ولو اشترى نصابا معينا ولم يقبضه حتى مضى حول في يد البائع ، فإن كان ممنوعا من قبضه ، أما من البائع أو من غيره ، فلا زكاة ، أما على البائع فلانتقال ملكه عنه ، وأما على المشتري فلعدم تمكنه من التصرف. وإن لم يكن ممنوعا من التصرف ولا من القبض ، وجبت عليه الزكاة ، لوجود المقتضي جامعا لشرائطه.
ولو لم يكن معينا ، كان كالدين ، ولو قبضه جرى في الحول من حينئذ ، سواء كان في مدة الخيار أو لا ، لأنه مالك تام الملك. وكذا لو شرط البائع خيارا لم يمنع وجوب الزكاة على المشتري ، إلا أن يفسخ قبل الحول.
والوقف من الغنم السائمة لا زكاة فيه لنقص التصرف ، ولأن الزكاة تجب في العين ، فتخرج عن الوقف.
السبب الثاني
( تسلط الغير عليه )
فلا تجب في المرهون وإن كان في يده ، لأن تسلط الغير يمنع المالك من التصرف فيه. ولو كان قادرا على الافتكاك ، وجبت الزكاة ، لتمكنه من التصرف ، ولا يخرجها من النصاب ، لتعلق حق المرتهن به تعلقا مانعا من تصرف الراهن.
ولو رهن ألف درهم على ألف اقترضها وبقيت في يده حولا ، وجبت عليه الزكاة فيها لأنه ملك بالقرض ما اقترضه ، وهو متمكن من فك الرهن.
ومال القرض إن تركه المقترض بحاله حولا ، سقطت الزكاة عن المقترض ، لخروجه عن ملكه ، ووجبت على المقترض ، لأنه ملكه بالقرض ، ولقول الباقر عليهالسلام : القرض زكاته على المقترض أن كان موضوعا عنده حولا (١). وليس على المقرض زكاته لأنه مال المقترض ليس ذلك لأحد غيره.
ولا زكاة في منذور الصدقة ، لتسلط حق الفقراء عليه إذا كان النذر قبل الحول ، ولو كان بعده لم ينعقد في الفريضة إذا نوى غير الزكاة فلم يضمنها.
ولو نذر جعل هذه الأغنام ضحايا. أو هذا المال صدقة قبل الحول ، سقطت الزكاة أيضا ، بل كان السقوط أقوى من منذور الصدقة ، لأن هذا خرج بالنذر عن ملكه ، بخلاف منذور الصدقة ، فإنه لا يخرج إلا بالصدقة.
ولو نذر الصدقة بأربعين شاة وأطلق ، لم تسقط الزكاة ، لأن الدين غير مانع. ولو كان النذر مشروطا ، احتمل الوجوب إذا حال الحول قبل الشرط ، لأنه مال مملوك حال عليه الحول. وعدمه ، لمنعه من التصرف فيه ، وهو الأقوى.
ولو استطاع بالنصاب ووجب الحج ، ثم مضى الحول على النصاب ، فالأقوى عدم منع الحج من الزكاة ، لتعلقها بالعين.
ولو اجتمع الدين والزكاة ، قدمت الزكاة ، لتعلقها بالعين والدين بالذمة.
ولو حجر الحاكم على المالك لإفلاسه ، ثم حال الحول ، فلا زكاة ، لأنه ممنوع من التصرف.
ولو استقرض الفقير نصابا وتركه حولا ، وجبت الزكاة عليه ، لأنه مالك نصابا ، والدين لا يمنع الزكاة لأنها متعلقة بالعين والدين متعلق بالذمة ، فيغاير المحل ، فلا منافاة.
ولو حجر عليه الحاكم بعد الحول ، لم تسقط الزكاة وتناول الحجر ما عدا الزكاة. وإن حجر قبل الحول ، فلا زكاة ، للمنع من التصرف وتسلط حق الغير
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٦٧.
عليه ، سواء قسمه الحاكم ، أو عينه من غير قسمة أو لا.
ولو اشترط المقترض الزكاة على المالك (١) ، لم يصح ، وكان الزكاة عليه ، لمخالفة الشرط مقتضى الدليل. وإن أبطلنا القرض لبطلان الشرط ، فالزكاة على المالك إن تمكن من التصرف ، وإلا فلا.
ولو عزل لأهله نفقة هي نصاب ، فإن كان حاضرا وحال الحول عليها ، وجبت الزكاة ، لأنها لم تخرج عن ملكه بمجرد العزل ، وهو متمكن من التصرف بحضوره.
وإن غاب قبل الحول ، فلا زكاة فيها ، لأنها في معرض الإتلاف.
ولو كسب نصابا ، وجب الخمس حال حصوله ، لكن أخره الشارع حولا إرفاقا به ، فإذا حال الحول فلا زكاة ، لتعلق الخمس به أولا ، فنقص عن النصاب.
السبب الثالث
( عدم قرار الملك )
فلا يجري الموهوب في الحول إلا بعد القبول والقبض ، لأنه قبله غير مملوك ، ولا فرق بين المتهب الأجنبي والقريب ، لأن ملك الأجنبي وإن كان متزلزلا إلا أنه تام ، ولا يزول إلا بالرجوع.
ولو أوصى له بنصاب اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول لتمام الملك لا بأحدهما ، نعم يشترط إمكان التصرف.
ولو استقرض نصابا ، جرى في الحول حين القبض ، لأن الملك يحصل به.
ولا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة ، سواء كانت جنسا واحدا أو أجناسا مختلفة ، وسواء اختاروا التملك أو لا لأن الغانمين وإن ملكوا الغنيمة
__________________
(١) في « س » على المقرض حال القرض.
باختيار التملك إلا أن ملكهم في غاية الضعف ولهذا يسقط بمجرد الإعراض. وللإمام أن يقسمها بينهم قسمة تحكم ، فيخص بعضهم ببعض الأنواع وبعض الأعيان إن اتحد النوع.
ولا يجوز مثل هذه القسمة في سائر الأملاك المشتركة إلا بالتراضي. وإنما يملك الغانم بالقسمة ، ولا يكفي عزل الإمام إلا بعد قبض الغانم.
ولو أصدقها نصابا معينا ، ملكته بالإصداق ، سواء دخل بها أو لا ، فإن قبضها إياه ، أو مكنها من التصرف فيه جرى في الحول حينئذ ، وإلا فلا. فإن حال الحول وهو مقبوض ، وجبت الزكاة عليها ، لاستقرار الملك حولا.
فإن طلقها قبل الدخول أخذ الزوج النصف كملا ، وكان حق الفقراء عليها أجمع ، لأنها مالكة للنصاب حولا ، وزوال ملكها عن النصف بالطلاق بعد استحقاق الفقراء لا يؤثر فيه لاستقرار الحكم بوجود علته التامة.
وإن كانت قد أخرجت الزكاة من العين ثم طلق ، أخذ نصف الصداق من الموجود ، ويجعل المخرج من نصيبها ، فإن تساوت القيم وكانت أغناما ، مثلا أخذ عشرين منها. وإن تفاوت أخذ النصف بالقيم ، ويحتمل أخذ نصف الأغنام الباقية ونصف قيمة الشاة المخرجة.
وإن كانت قد أخرجت من غير العين ، رجع الزوج بنصف الأربعين ، لأن الزكاة وإن تعلقت بالعين إلا أنها ليست على سبيل الشركة. ولو تلف النصف بتفريطها ، تعلق حق الساعي بالعين وضمنت للزوج.
ولو آجر داره حولين بأربعمائة درهم وقبضها ، وجب عند كمال الحول الأول زكاة الجميع ، وإن كان في معرض التشطير بالانهدام ، لثبوت الملك التام في الجميع. ولهذا لو كانت الأجرة جارية حل وطؤها ، والسقوط بالانهدام لا يوجب ضعف الملك ، كالزوجة تلزمها زكاة الصداق قبل الدخول ، وإن كان في معرض السقوط بارتدادها ، أو سقوط نصفه بالطلاق.
ويحتمل أن يقال : إنما يملك الموجر الأجرة شيئا فشيئا ، فحينئذ لا يجري
نصاب الزكاة في الحول الأول إلا عما تبين بعد تمامه لا غير ، إن تساوت أجرة السنين ، أو كانت أجرة المثل في الأول أكثر.
تتمة :
تشتمل على مسائل :
الأول : إمكان الأداء شرط في الضمان دون الوجوب ، فلو أتلف النصاب بعد الحول قبل إمكان الأداء ، وجبت عليه الزكاة ، سواء قصد بذلك الفرار أو لا. وكذا لو تلف بغير فعله بعد تمكنه من الأداء بعد الحول ، لأنه قصد بحبس الحق عن المستحق ، سواء طولب بالأداء أو لا.
ولو لم يتمكن من الأداء بعد الحول وتلف المال بغير تفريط منه ، لم يضمن ، كما لو جن بعد دخول وقت الصلاة قبل تمكنه من الأداء.
ولو تلف البعض بعد الحول قبل التمكن من الأداء ، سقط من الواجب على النسبة.
فلو حال الحول على خمس من الإبل ، ثم تلفت واحدة قبل التمكن من الإخراج ، سقط خمس الشاة ووجب الباقي ، لأنه قد استقر بالإمكان.
الثاني : الكافر عندنا مخاطب بفروع العبادات ، لوجود المقتضي وهو عموم الأمر السالم عن معارضة الكفر ، لعدم صلاحيته للمانعية ، لتمكنه من الفعل بتقديم الإسلام كالمحدث ، فحينئذ إذا ملك نصابا وحال عليه الحول وهو على الكفر ، وجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أدائها إلا بعد الإسلام.
فإذا أسلم بعد الحول سقطت عنه ، لقوله عليهالسلام : الإسلام يجب ما قبله (١). ولو أسلم قبل الحول بلحظة ، وجبت الزكاة. ولو كان الإسلام بعد الحول ولو بلحظة ، فلا زكاة ، سواء كان المال باقيا أو تالفا بتفريط منه ، أو بغير تفريط. أما المسلم فإذا تمكن من الأداء بعد الوجوب وأهمل ضمن ، وكذا المرشد.
__________________
(١) الخصائص الكبرى ١ ـ ٣٤٩.
ولو قلنا بوجوب الزكاة في غلاة الأطفال والمجانين ومواشيهم ، ففرط الولي ، أو أتلف ، فالضمان عليه لا عليهما ، لسقوط التكليف في حقهما.
الثالث : مال اللقطة يجري في الحول من حين الملك ، وهو بعد حولان : حول التعريف ونية التملك عندنا ، وعند الشيخ أنه يدخل في ملكه بغير اختياره بعد حول التعريف ، فيبتدأ الحول من حينئذ وإن لم ينو التملك.
الفصل الثاني
( في الشرائط الخاصة )
إنك ستعلم أن الأجناس التي تجب فيها الزكاة تسعة ، تنقسم أقساما ثلاثة : الأنعام ، والغلاة ، والنقدان. فهنا مباحث :
البحث الأول
( في شرائط الأنعام )
وهي أربعة :
الأول : النصاب ، وسيأتي في كل جنس من الأجناس عند تفصيل الكلام فيها.
الثاني : الحول ، ولا خلاف بين العلماء في اعتباره في الأنعام والنقدين وزكاة التجارة ، لعموم قوله عليهالسلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (١). خرج عنه الغلاة ، فيبقى معمولا (١) به في الباقي.
والأصل فيه : أن ما اعتبر فيه الحول مرصد للنماء ، كالأنعام مرصدة للذر والنسل ، وعروض التجارة مرصدة للربح ، وكذا الأثمان ، فاعتبر له الحول ، فإنه مظنة النماء ، ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل ، ولأن الزكاة
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٧١ الرقم ١٧٩٢.
(٢) في « س » معلولا.
وجبت مواساة. ولم تعتبر حقيقة النماء ، لكثرة اختلافه وعدم انضباطه ، فاعتبرت مظنته ، ولأنها تتكرر في هذه الأموال ، فلا بد لها من ضابط ، لئلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الفرض الواحد ، فينفد مال المالك.
أما الزرع والثمار فهي نماء في نفسها تكامل (١) عند إخراج الزكاة منها ، فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ، ثم تعود في النقص لا في النماء ، فلا تجب فيها زكاة ثانية ، لعدم إرصادها للنماء ، ولقول الباقر والصادق عليهماالسلام : كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا زكاة عليه (١).
ويتم الحول بمضي إحدى عشرة شهرا كاملة عند استهلال الثاني عشر ، لقول الصادق عليهالسلام : إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة (٢). والأقرب احتساب الثاني عشر من الحول الأول.
وإذا دخل الثاني عشر ، وجبت الزكاة إن استمرت شرائط الوجوب في المال طول الحول ، ولا يكفي طرفاه. فلو اختل بعض الشرائط قبل كمال الحول ثم عاد ، استؤنف الحول من حين العود.
فلو عاوض النصاب بمثله ، أو بغير جنسه في أثناء الحول ، سقط اعتبار الأول واستؤنف الحول للثاني من حين ملكه ، لأنه أصل بنفسه ، فلم يبن على حول غيره ، ولقوله عليهالسلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٣). ولو استرجع الأول ، استأنف الحول في الراجع من حين رجوعه أيضا.
ولو باع بعض النصاب قبل الحول ، أو أتلفه قصدا للفرار ، سقطت ، سواء كان قبل الحول بقليل أو كثير ، لأنه نقص قبل تمام حوله ، فلم تجب فيه الزكاة ، كما لو أتلفه لحاجته.
ولو باعه بشرط الخيار ثم استرده ، استأنف الحول ، لزوال ملكه بالبيع.
__________________
(١) في « س » تكاملت.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨٢ ح ١.
(٣) فروع الكافي ٣ ـ ٥٢٦.
(٤) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٧١.
ولو حال الحول على النصاب الذي اشتراه بالخيار ولم تنقض مدته ، وجبت فيه الزكاة ، لوجود المقتضي. فإن اختار البائع الرجوع ، رجع في العين لتعلق حقه أولا ، وكانت الزكاة على المشتري. ولو كان قد أخرجها كان للبائع المطالبة بالقيمة عن المخرج.
ولو وجد المشتري به عيبا قبل إخراج زكاته ، فله الرد ، فإن الزكاة وإن وجبت في العين عندنا إلا أنه ليس باعتبار استحقاق الفقراء جزءا من العين ، بل بمعنى تعلق وجوبه به ، كتعلق الأرش بالجاني ، فإذا رد النصاب ، أخرج الزكاة من مال آخر. ولو أخرج الزكاة لم يكن له رد الباقي ، لما فيه من تفريق الصفقة ، ولحدوث عيب التنقيص.
ولو كان البيع فاسدا ، انقطع الحول به ، لعدم تمكن المالك من التصرف فيه ، ولا زكاة على المشتري ، لعدم تملكه له.
والسخال لا تعد مع الأمهات إلا بعد سومها ، وليس حول الأمهات حولها ، لقوله عليهالسلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (١). وابتداء حولها من حين السوم.
ولو كان عنده أربع ، ثم نتجت واحدة ، وجبت الشاة إذا استغنت السخلة بالرعي حولا. ولا فرق بين أن يكمل النصاب بالسخال أو بالأمهات ، في عدم ضمها إليها.
ولو كان عنده نصاب ، فنتج في أثناء الحول ، اعتبر لها حول بانفرادها ، ولا يكون حول أمهاتها حولها ، لقول الباقر عليهالسلام : ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شيء إلا ما حال عليه الحول عند الرجل ، وليس في أولادها شيء حتى يحول عليه الحول (٢).
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٧١.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨٤ ح ٥.
فروع :
الأول : لا فرق في عدم الانضمام بين أن يحدث قبل تمام الحول أو بعده ، ولا بين أن يحدث من نفس المال ، أو يستفيدها بالشراء والإرث والهبة وشبهها ، ولا بين أن يكون حدوث الفروع بعد بلوغ الأمهات نصابا أو لا.
الثاني : إذا حال على السخال الحول سائمة ، وجبت الزكاة ، وإن لم يكن معها كبار.
الثالث : لو باع النصاب بخيار فلم ينقض الحول حتى رد ، استقبل البائع به حولا من حين الرد ، سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما ، لأنه تجديد ملك.
الرابع : لو تلف بعض النصاب قبل الحول ، فلا زكاة ، وبعده يجب في الجميع إن فرط وإلا فبالنسبة.
الخامس : لو ملك خمسا من الإبل نصف حوله ، ثم ملك أخرى ، ففي كل واحدة عند كمال حولها شاة ، لوجود المقتضي وهو تملك النصاب حولا.
ولو تغير الفرض بالثاني ، بأن ملك إحدى وعشرين ، وجبت الشاة عند تمام حول الخمسة الأولى ، لوجود المقتضي. وإذا كمل حول أحد وعشرين ، وجبت عليه أحد وعشرين جزءا من ستة وعشرين جزءا من بنت مخاض ، لأنه يصدق عليه أنه ملك ستة وعشرين من الإبل حولا ، وقد أخرج عن الخمس ما وجب عليه ، فيجب في الثاني بالنسبة من بنت المخاض.
ولو ملك عشرين من الإبل نصف حول ، ثم ملك عشرة أخرى ، وجب عند كمال حول العشرين أربع شياه ، فإذا كمل حول العشرة وجب ثلث مخاض. فإذا حال حول ثاني على العشرين ، فعليه ثلثا بنت مخاض.
[ فإذا حال الحول على العشر ، فعليه ثلث بنت مخاض (١) ].
__________________
(١) الزيادة غير موجودة في « ق ».
وعلى هذا إذا حال الحول الثاني على الخمسة في الصورة الأولى ، وجب عليه خمسة أجزاء من ست وعشرين جزءا من بنت مخاض. فإذا كمل الحول الثاني لأحد وعشرين ، وجب عليه أحد وعشرون جزءا من ستة وعشرين جزءا من بنت مخاض.
ويحتمل في صورة الثلاثين ، وجوب أربع شياه عند كمال حول العشرين ، وشاتين عند كمال حول العشر وهكذا. لأن كلا منهما نصاب ، بخلاف الصورة الأخرى ، لأنا لو اعتبرنا كل واحد منهما بانفراده ، لم تجب في الواحدة الزائدة شيء ، وهو ضرر على الفقراء.
السادس : لو ملك ثلاثين بقرة ستة أشهر ، ثم ملك عشرا ، وجب عند تمام حول الثلاثين تبيع أو تبيعة ، وعند تمام حول العشر ربع مسنة. فإذا تم حول الآخر على الثلاثين ، وجب عليه ثلاثة أرباع مسنة. وإذا حال آخر على العشرة ، فعليه ربع مسنة.
ويحتمل قويا وجوب التبيع عند كل حول للثلاثين ، وربع المسنة عند كل حول للعشرة.
ويحتمل أن لا ينعقد الحول على العشرة حتى يتم حول الثلاثين ، ثم يستأنف الحول على الجميع.
السابع : لو ملك أربعين من الغنم ، ثم ملك أربعين أخرى بعد ستة أشهر ، فعند تمام حول الأولى تجب فيها شاة ، فإذا تم حول الثانية ، فالوجه عدم وجوب شيء فيها ، لأن الثمانين ملك لواحد ، فلا تجب فيها أكثر من شاة ، كما لو ملكها دفعة.
ولقول الباقر والصادق عليهماالسلام في الشاة في كل أربعين شاة شاة ، وليس فيما دون الأربعين شيء. ثم ليس فيهما شيء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها شاتان (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٧٨ ح ١.
فإن تلفت الأولى قبل الحول فابتداء حول الثانية من حين ملكها لا من حين تلف الأولى ، لأن المقتضي لعدم الاحتساب ـ وهو وجوب الشاة في الأولى مفقود وعدم اعتباره لو وجبت الشاة لسلامة نصابها لا يخرجها عن حصولها في ملكه حولا.
وإن تلفت بعده ، فابتداء حول الثانية من حين انتهاء حول الأولى.
ولو ملك في الثانية ما يغير الفرض ، كما لو ملك مائة ، وجب عليه عند كمال حول الأولى شاة ، فإن كمل حول الثانية ، وجب ما يخصها من الشاة الثانية كما تقدم.
الثامن : قد بينا أن المرتد تجب عليه الزكاة ، فإن كان ارتداده عن فطرة بعد الحول ، وجب إخراج الزكاة ، فإن كان قبله استأنف ورثته الحول حينئذ ، لتجدد ملكهم حين الارتداد. وإن كان عن غير فطرة لم يزل ملكه ، وإذا حال الحول وهو باق لم يحجر عليه وجبت الزكاة ، وإلا فلا.
التاسع : لو كان عنده أربعون شاة ، فضلت واحدة ثم عادت قبل حؤول الحول أو بعده ، قال الشيخ : وجبت عليه شاة (١). لأن النصاب والملك وحولان الحول قد حصلت فيه ، وإن قلنا إنها حين ضلت انقطع الحول ، لأنه لم يتمكن من التصرف فيها مثل مال الغائب ، فلا يلزمه شيء وإن عادت كان قويا.
وما قواه الشيخ هو الحق ، لكن ينبغي مراعاة الاسم هنا ، فلو ضلت لحظة ، ثم عادت لم يعتد بها ووجبت الزكاة ، لصدق ملكه النصاب حولا.
الشرط الثالث : السوم ، وهو قول علمائنا أجمع ، لقوله عليهالسلام : في سائمة الغنم الزكاة (٢). دل بمفهومه على نفيها عن المعلوفة ، وعن علي عليهالسلام : ليس في البقر العوامل صدقة (٣). وقال الباقر والصادق عليهما
__________________
(١) المبسوط ١ ـ ٢٠٣.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨١ ح ٦ ما يدل على ذلك.
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨١ ح ٥.
السلام : ليس على المعلوفة شيء ، إنما ذلك على السائمة الراعية (١). ولأن الزكاة تجب في المال النامي والعلف يستوعبه.
ويشترط سومها طول الحول ، لأن السوم شرط في الزكاة ، فاعتبر في جميع الحول كالملك وكمال النصاب ولأن العلف مسقط والسوم موجب ، فلما اجتمعا غلب المسقط ، كما لو ملك نصابا بعضه سائمة وبعضه معلوفة.
ولا يكفي السوم أكثر الحول ، وللشيخ قول أنه لو علفها بعض الحول اعتبر الأغلب. وليس بجيد.
فلو اعتلفت ولو يوما في أثناء الحول ثم عاده إلى السوم استؤنف الحول حينئذ. ويحتمل اعتبار الاسم وصدقه ، فإن صدق عليها السوم طول الحول مع العلف يوما وجبت الزكاة. أما اللحظة الواحدة فلا عبرة بها ، ولا يخرج عن كونها سائمة.
ولا فرق في الإسقاط بالعلف بين أن يعلفها مالكها ، أو غيره بإذنه ، أو بغير إذنه من مال المالك ، أو اعتلفت من نفسها. ولا بين كون العلف لعذر كالثلج أو لا ، لانتفاء الشرط في هذه الأحوال كلها.
ولا زكاة في السخال حتى تستغني عن الأمهات وتسوم حولا لما تقدم. ولو علفها الأجنبي من مال نفسه ، احتمل السقوط ، لانتفاء الشرط. والوجوب ، لمساواته السوم في خفة المئونة عن المالك.
الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل ، لقوله عليهالسلام : ليس على البقر العوامل شيء (٢). وقول الباقر والصادق عليهماالسلام : ليس على الإبل والبقر العوامل شيء ، إنما الصدقة على السائمة الراعية (٣). ولأن مناط الوجوب النمو ، والإيجاب في العوامل ينافيه. والأصح عدم اشتراط الأنوثية عملا بالعموم.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨٠ ح ١.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨٠.
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٨١ ح ٥.
البحث الثاني
( في شرائط الغلاة )
وهي ثلاثة :
الأول : النصاب ، وسيأتي.
الثاني : بدو الصلاح ، فلا تجب الزكاة قبله بالإجماع ، لأن الوجوب يتناول الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وإنما يسمى بذلك بعد بدو الصلاح فلا وجوب قبله.
ونعني به اشتداد الحب واحمرار الثمرة أو اصفرارها وانعقاد الحصرم على الأقوى ، لنص أهل اللغة على أن البسر نوع من التمر ، وإذا وجب في البسر فكذا في الحب المشتد والحصرم ، لعدم القائل بالفرق.
الثالث : تملك الغلة بالزراعة لا بغيرها ، فلو اشترى الغلة أو الثمرة بعد بدو الصلاح ، فالزكاة على البائع ، لأن السبب وجد في ملكه فيوجد المسبب.
ولو اشترى الزرع أن الثمرة قبل بدو الصلاح ، ثم بدا صلاحها في ملكه ، فالزكاة عليه.
ولو مات المالك وعليه دين مستوعب ، فالزكاة واجبة إن مات بعد بدو الصلاح ، لتعلق الزكاة بالعين ، فهي أولى من الدين المتعلق بالذمة.
ولو مات قبل بدو الصلاح ، فلا زكاة ، سواء قلنا بانتقال التركة إلى الوارث ، أو قلنا إنها على حكم مال الميت ، لمنع الوارث من التصرف فيها ، فانتفى شرط الوجوب. ولو لم يستوعب الدين التركة ، فإن فضل قدر النصاب ، وجبت الزكاة ، لانتقال التركة إلى الوارث.
وعامل المساقاة والمزارعة ، تجب عليه الزكاة ، إن بلغ نصيبه النصاب على الأقوى ، لأنه ملك نصابا قبل بدو الصلاح.
البحث الثالث
( في شرائط النقدين )
وهي ثلاثة :
الأول : النصاب ، وسيأتي.
الثاني : الحول. وهو حول الأنعام ، وقد سبق.
الثالث : كونهما مضروبين دراهم ودنانير منقوشين بسكة المعاملة ، أو ما كان يتعامل بها ، فلا زكاة في السبائك والنقار ، لأنها تجري مجرى الأمتعة ، ولقول الكاظم عليهالسلام : ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة ، وكل مال لم يكن ركازا فلا زكاة فيه. قال علي بن يقطين قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش (١). وعن الصادق والكاظم عليهماالسلام : ليس على التبر زكاة ، إنما هي على الدنانير والدراهم (٢).
والحلي ، لا زكاة فيه سواء كان محرما كحلي المرأة للرجل أو محللا ، لقوله عليهالسلام : ليس في الحلي زكاة (٣). وقول الصادق عليهالسلام وقد سأله بعضهم في الحلي زكاة ، فقال : لا (٤). ولأنه معد للانتفاع لا للاستمناء ، فأشبه ثياب البذلة والعوامل ، ولأن الزكاة تجب في مال تام والنقد غير تام في نفسه ، إنما يلحق بالناميات لكونه متهيأ للإخراج وبالصياغة بطل التهيؤ.
فروع :
الأول : لو فر بسبك الذهب والفضة ، فإن كان قبل الحول ، فلا زكاة ، وإلا وجبت. وقد تقدم مثله.
الثاني : لا يضم الدراهم إلى النقار ، ولا السبائك إلى الذهب.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٠٥ ح ٢.
(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٠٦ ح ٥.
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٠٦ ح ٢.
(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٠٦ ح ٤.
الثالث : لو كان الحلي معدا للإجارة أو غيرها من وجوه الاكتساب ، لم تجب فيه الزكاة ، لعدم الشرط وهو النقش.
الرابع : لو كسرت بعد نقشها ، فإن خرجت عن النقش بالكلية وصارت مطحونة ، سقطت الزكاة عنها ، وإلا وجبت.
الخامس : لو صاغ الدراهم أو الدنانير حليا محرما أو محللا ، فلا زكاة إن كان قبل الحول وإن قصد الفرار ، كما قلنا لو عاوض النصاب بمثله في الحول ، أو أخرجه بسبب من الأسباب.
ولو باع في الأثناء بطل الحول ، لخروجه عن ملكه ، فإن عاد بفسخ العيب أو خيار ، استؤنف الحول حين العود ، لتجدد الملك حينئذ.