الخامس : أن يبلى الميت ويصير رميما ، فإنه يجوز نبشه لدفن غيره فيه ، أو لمصلحة المالك المعير.
ولو شك رجع إلى أهل الخبرة ، ويختلف باختلاف الأهوية والترب. فإن نبش فوجد فيه عظاما ، دفنها وحفر في غيره.
ويحرم دفن غير المسلمين وأطفالهم في مقبرة المسلمين ، سواء كان حربيا أو مرتدا أو كافرا أو ذميا بإجماع العلماء ، لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم ، إلا الذمية الحامل من المسلم ، فإنها تدفن في مقبرة المسلمين ، لرحمة ولدها لأن له حرمة أجنة المسلمين ، ولهذا لو سقط لم تدفن إلا في مقابرهم. ويستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر ، ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن.
ويحرم قطع شيء من أعضاء الميت والتمثيل به كالحي ، وشق بطنه إلا الحامل إذا لم يمت ولدها بموتها ، فإنه يشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج الولد ويخاط الموضع ، لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز ، كما لو خرج بعضه حيا ، ولم يتمكن من إخراج باقيه إلا بالشق ، ولقول الكاظم عليهالسلام : يشق عن الولد (١). والخياطة لحرمة الميتة.
ولو شك في حياته ، فالأولى الصبر حتى يتيقن الحياة أو الموت ، ويرجع في ذلك إلى قول العارف.
ولو مات الولد خاصة ، أدخلت القابلة ، أو من يقوم مقامها ، أو الزوج ، أو غيره عند التعذر ـ وإن كان أجنبيا ـ يده في فرجها وقطع الصبي ، ويخرج قطعة قطعة ، لأن حفظ حياة الأم أولى من حفظ بنيه الميت وللرواية (٢).
ولو بلع الميت جوهرة أو مالا لغيره ، قال الشيخ : الأولى أن لا يشق جوفه ، لعموم قوله عليهالسلام : حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا (٣).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٤ ح ٦.
(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٣ ح ٣.
(٣) الخلاف ١ ـ ٢٩٨.
ويحتمل عندي جواز الشق ، لما فيه من رفع الضرر عن المالك بدفع ماله إليه وعن الميت بإبراء ذمته وعن الورثة بحفظ التركة لهم.
ولو كان المال له ، لم يشق بطنه عند الشيخ ، لأنه ماله استهلكه في حياته ، فلم يثبت للورثة فيه حق. ويحتمل الشق ، لأنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة.
ولو أذن المالك في الابتلاع ، صار كماله ، فإن قلنا بشقه هناك شق هناك. وهل يكون للورثة؟ الأقرب أنه على ملك صاحبه ، إلا أن يكون قد وهبه إياه ، فيخرج عن ملكه بالإتلاف. وإذا منعنا من الشق كما اختاره الشيخ أخذت قيمة ما ابتلعه من مال غيره من التركة ، لأنه حال بينه وبين صاحبه.
ولو لم يترك الميت تركة وتطاولت المدة وبلي الميت ، جاز النبش وإخراج ذلك المال ، لعدم المثلة حينئذ ، وكذا لو كان له.
ولو كان في أذن الميت حلقة ، أو في يده خاتم ، أخذ. فإن تصعب توصل إلى إخراجه أو كسره ، للنهى عن تضييع المال. ولا يجوز خرق أذن الميت ولا قطع إصبعه.
المطلب الرابع
( في المكروهات )
وهي :
الأول : يكره أن يهيل ذو الرحم التراب على رحمه ، لأن بعض أصحاب الصادق عليهالسلام مات له ولد ، فحضره الصادق عليهالسلام ، فلما ألحد تقدم أبوه يطرح التراب ، فأخذ الصادق عليهالسلام بكفيه وقال : لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فقلنا : يا ابن رسول الله تنهانا عن هذا وحده ، فقال : أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام ، فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسى قلبه بعد من ربه (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٥٥ ح ١.
الثاني : يكره أن يطرح في القبر من غير ترابه ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى أن يزاد في القبر على حفيرته ، وقال : لا تجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه (١). وعن الصادق عليهالسلام قال : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه (٢).
الثالث : يكره تسنيم القبور ، لأن السنّة التسطيح ، وقبور المهاجرين والأنصار بالمدينة مسطحة ، وهو يدل على أنه المتعارف.
الرابع : يكره نقل الميت من بلد موته بإجماع العلماء ، لقوله عليهالسلام : عجلوهم إلى مضاجعهم (٣). نعم يستحب نقله إلى أحد مشاهد الأئمة عليهمالسلام رجاء لشفاعته وتبركا بتربته وتباعدا عن عذاب الله تعالى.
اما لو دفن في غير المشاهد ، فإنه لا يجوز نقله وإن كان إلى أحد المشاهد ، لإطلاق تحريم النبش. وسوغه بعض علمائنا ، وقال الشيخ : سمعناه مذاكرة.
الخامس : يكره دفن ميتين في قبر واحد إذا دفنا ابتداء. أما لو دفن أحدهما ثم أريد نبشه ودفن آخر فيه قال في المبسوط يكره (٤) ، والوجه المنع ، لأنه صار حقا للأول ، فلم يجز مزاحمته بالثاني ، نعم لو كان في أزج وضع لدفن الجماعة كان مكروها لا محرما.
السادس : يكره حمل ميتين على جنازة واحدة. لأن العسكري عليهالسلام لما كتب إليه الصفار ، وقع : لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد (٥).
السابع : يكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة كنداوة الأرض ، لما فيه
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٤ ح ١.
(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٤ ح ١.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٦ ح ٧ ما يشبه ذلك ، سنن أبي داود ٣ ـ ٢٠٢.
(٤) المبسوط ١ ـ ١٨٧.
(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٨ ب ٤٢.
من إتلاف المال لغير غرض ، أما مع الضرورة فإنه جائز ، دفعا للمشقة ، وللرواية (١).
الثامن : يكره تجصيص القبور إجماعا ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عنه (٢) ، وقال الكاظم عليهالسلام : لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه (٣).
التاسع : يكره تطيينه بعد اندراسه لهذه الرواية ، ولا بأس به ابتداء للرواية.
العاشر : يكره البناء على القبر ، لما تقدم في الرواية (٤). ونهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يقعد عليه ، وأن يكتب عليه (٥). ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه.
الحادي عشر : يكره تجديد القبور ، لقول علي عليهالسلام : من حدد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام (٦). ورواه محمد بن الحسن الصفار بالجيم (٧) ، أي جدد بناها أو يطينها. وحكي أنه لم يكره دفنها. وقال البرقي بالجيم والثاء (٨) ، أي يجعل القبر جدثا مرة أخرى. وقال سعد بن عبد الله بالحاء من حد (٩) وعني التسنيم ، وقال المفيد بالخاء المعجمة (١٠) وهي شقها من خددت الأرض أي شققتها.
الثاني عشر : يكره الجلوس على القبر ، والاتكاء عليه ، والمشي عليه ، لأنه عليهالسلام نهى عن الجلوس على القبر ، وقال : لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم (١١) ولأن فيه نوع استهانة. ولا
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٥٣ ح ١ ب ٢٧.
(٢) جامع الأصول ١١ ـ ٤٣٤.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٩ ح ١.
(٤) نفس الرواية المتقدمة.
(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٩ ح ٢.
(٦) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٨ ح ١.
(٧) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٨ ح ١.
(٨) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٨ ذيل ح ١.
(٩) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٨ ذيل ح ١.
(١٠) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٦٨ ذيل ح ١.
(١١) جامع الأصول ١١ ـ ٤٤٣.
فرق بين كراهة الجلوس للغائط وغيره.
الثالث عشر : التغوط بين القبور ، لما فيه من تأذي المسترحمين والمترددين لزيارتهم. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق.
الرابع عشر : يكره المقام عندها ، لما فيه من ترك الرضا بقضائه تعالى ، أو للاشتغال عن مصالح المعاد والمعاش ، أو لعدم الاتعاظ.
الخامس عشر : يكره أن يتخذ مساجد ، لقوله عليهالسلام : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (١).
المطلب الخامس
( في اللواحق )
وهي :
الأول : يستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع ، فإذا كان بمكة ففي مقبرتها. وكذا بالمدينة ومشاهد الأئمة عليهمالسلام ، وفي المقبرة إن كثر فيها الصالحون والشهداء لتناله بركتهم ، وكذا في البقاع الشريفة ، لأن موسى عليهالسلام لما حضرته الوفاة سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رميته بحجر ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (٢).
الثاني : ينبغي جمع الأقارب في الدفن ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما دفن عثمان بن مظعون قال : أدفن إليه من مات من أهله (٣) ، ولأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليه. وينبغي تقديم الأب ، ثم من يليه في السن ، والفضيلة إذا أمكن.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٨٧ ح ٢ ب ٦٥.
(٢) صحيح البخاري ٢ ـ ٩٨ ط مصر.
(٣) جامع الأصول ١١ ـ ٤٣٥.
وينبغي دفن الشهيد حيث قتل ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ادفنوا القتلى في مضاجعهم (١).
ولو طلب بعض الورثة الدفن في المسبلة والبعض في الملك ، دفن في المسبلة ، لأنه أقل ضررا على الورثة.
فإن تشاحا في الكفن ، قدم قول من يكفنه من ملكه ، لأن فيه منة يتضرر بها الوارث. ولو أوصى بأن يدفن في داره ، كان من الثلث.
وينبغي أن يكون للإنسان مقبرة يدفن فيه أهله وأقاربه. ولو تشاح اثنان في الدفن في المسبلة ، قدم قول أسبقهما ، كما لو تنازعا في رحال الأسواق. فإن تساويا أقرع.
الثالث : يجوز الدفن ليلا ، لأن ذا النجارين دفن ليلا ، واستقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم القبلة ، وقال : اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه.
ودفن علي عليهالسلام فاطمة عليهاالسلام ليلا. وكذا لو دفن أبو بكر وعثمان وعائشة.
الرابع : إذا دفن جماعة في قبر استحب تقديم الأفضل إلى القبلة. ولو كان رجلا وصبيا فالرجل إلى القبلة.
وينبغي وضع حاجز بين كل اثنين ، ليكونا كالمنفردين. ولو خدد لهم أخدود وجعل رأس كل واحد عند رجل الآخر جاز ، وإن كان اللحد أفضل.
الخامس : لو مات في سفينة في البحر ولم يقدر على الشط ، غسل وكفن وصلي عليه وثقل ليرسب في الماء ، ويجعل في خابية ويسد رأسها ويلقى في البحر. لأن المقصود من دفنه ستره وهو يحصل بذلك ، ولقول الصادق عليهالسلام : ولو مات في بئر فإن أمكن إخراجه وجب تحصيلا للتغسيل وغيره ،
__________________
(١) سنن أبي داود ٣ ـ ٢٠٢.
إن تعذر إلا بالتمثيل به لم يجز وطمت وكانت قبره ، لقول الصادق عليه لسلام : ويجعل قبرا (١).
ولو اضطر إلى البئر إلى استعمالها وخافوا التلف ، جاز إخراجه بكلاليب وإن تقطع إذا لم يمكن إلا بذلك. وكذا لو كان طمها يضر بالمارة ، سواء أفضى إلى المثلة أو لا ، لما فيه من الجمع بين الحقوق من نفع المارة وغسل الميت وحفظه من المثلة ببقائه ، لأنه ربما أنتن وتقطع.
السادس : الشهيد يدفن بثيابه أصابه الدم أو لا إجماعا ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادفنوهم بثيابهم (٢). والأقوى وجوب دفن السروال أيضا لأنه من الثياب ، ولا يكفن إلا أن يجرد ، فإن لم يجرد لم يجز تجريده وتكفينه. نعم يجوز أن يزاد على ثيابه ، لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دفن حمزة في ثيابه التي أصيب فيها وزاده برداء فقصر عن رجليه فدعى بآخر فطرح عليه ، وصلى عليه سبعين تكبيرة (٣). وفي رواية أنه كان جرد (٤).
ولا يدفن معه الفرو والقلنسوة ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر في قتلى أحد بأن ينزع عنهم الحديد والجلود. وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم ، ولا يدفن معه الخف ولا الفرو ، فإن أصابهما الدم دفنا معه (٥).
السابع : لو خرج من الميت نجاسة بعد التكفين لاقت كفنه ، غسلت ما لم يطرح في القبر ، فإن طرح قرضت ، لقول الصادق عليهالسلام : إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشيء وبعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض (٦).
الثامن : إذا نزل الميت القبر قال الشيخ : استحب أن يغطى القبر
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧٥ ب ٥١.
(٢) جامع الأصول ١١ ـ ٤٣٠.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٠٠ ح ٨.
(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٠٠ ح ٧.
(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٠١ ح ١٠.
(٦) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٢٣ ح ٤.
بثوب ، سواء كان الميت رجلا أو امرأة ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما دفن سعد بن معاذ ستر قبره بثوب. وقال الصادق عليهالسلام : وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاهد فلم ينكر ذلك (١). ولأنه يحل عقد كفنه وسيوبه وجعل ما ينبغي ستره. وعند المفيد يستحب في المرأة دون الرجل.
التاسع : لا يمنع أهل الميت من رؤيته وتقبيله ، لأن جابرا لما قتل أبي جعل يكشف الثوب عن وجهه ويبكي والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينهاه. وقبل رسول الله صلى عليه وآله عثمان بن مظعون وهو ميت ، حتى كانت الدموع تسيل (٢). وكشف الصادق عليهالسلام عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبل وجهه.
العاشر : المقتول الذي يجب تغسيله يغسل عنه الدم أولا ، ويبدأ بيديه ودبره ويربط جراحاته بالقطن والحنوط. وإذا وضع عليه القطن عصبه ، وكذا موضع الرأس والرقبة ، ويجعل له من القطن شيئا كثيرا ، ويدر عليه الحنوط ، وإن استطاع أن يعصبه فعل. وإن كان الرأس قد بان من الجسد غسل الرأس إذا غسل اليدين وسفله ، ويوضع القطن فوق الرقبة ، ويضم إليه الرأس ، ويجعل في الكفن. وإذا دفن تناول الرأس والجسد وأدخله اللحد ووجهه إلى القبلة ، روى ذلك العلاء بن سيابة عن الصادق عليهالسلام (٣).
الحادي عشر : إذا اجتمع أموات بدأ بمن يخشى فساده ، فإن لم يكن قال في المبسوط : الأولى تقديم الأب ، ثم الابن وابن الابن ، ثم الجد. ولو كان أخوان في درجة قدم الأكبر ، فإن تساويا أقرع. وتقدم أسن الزوجتين ، ويقرع إن تساويا (٤). وللولي التخيير.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧٥ ب ٥٠.
(٢) جامع الأصول ١١ ـ ٤٠٣.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٧٠١ ب ١٥.
(٤) المبسوط ١ ـ ١٧٦.
الثاني عشر : يستحب للمصاب الاستعانة بالله والصبر واستنجاز ما وعد الله تعالى عليها في قوله ( وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (١).
وليتحفظ من التكلم بشيء ينحبط أجره به ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة ، فإن الله تعالى عدل لا يجور ولا يدعو على نفسه ، لنهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عنه.
ويحتسب ثواب الله ويحمده. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا قبض ولد المؤمن والله أعلم بما قال العبد ، فيسأل الملائكة قبضتم ولد فلان المؤمن؟ فيقولون نعم ربنا ، فيقول : فما ذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك ربنا واسترجع ، فيقول عز وجل ، ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد (٢).
الثالث عشر : البكاء جائز إجماعا وليس بمكروه ، قبل خروج الروح وبعدها ، قال الصادق عليهالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ، وقال كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا (٣).
ويجوز النوح والندب بتعداد فضائله واعتماد الصدق ، لأن فاطمة عليهاالسلام كانت تنوح على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فتقول : يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرائيل أنعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه (٤).
ولو اقترن بالكذب والدعاء بالويل والثبور ، لم يجز. ويجوز الوقف على النائحة لأنه فعل سائغ فجاز الوقف عليه كغيره.
الرابع عشر : يجوز شق الثوب على موت الأب والأخ ، لأن العسكري
__________________
(١) سورة البقرة : ١٥٧.
(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٩٦ ح ١.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٩٢٢ ح ٦.
(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٩٢٢.
عليهالسلام شق على أبيه الهادي عليهالسلام من خلف وقدام (١). ولا يجوز للرجل شقه على غيرهما. أما المرأة فيجوز مطلقا.
الخامس عشر : كل ما يفعل من القرب والطاعات يهدي ثوابه إلى الميت ، فإنه يصله وينفعه ، قال الله تعالى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ) (٢) ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) (٣) وقال رجل للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن أمي ماتت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال : نعم (٤). وقال الصادق عليهالسلام : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، ويكتب أجره للذي يفعله وللميت (٥). وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من دخل المقابر ، فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات (٦). ولا فرق بين الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار وغيرها ، لقول الصادق عليهالسلام : من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا ، أضعف له أجره ، ونفع الله به الميت (٧).
السادس عشر : يستحب تعزية أهل الميت إجماعا ، لقوله عليهالسلام : من عزى مصابا فله مثل أجره (٨). وقال عليهالسلام : من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها (٩). وقال عليهالسلام : التعزية تورث الجنة (١٠).
والمراد منها تسلية أهل المصيبة ، وقضاء حقوقهم ، والتقرب إليهم ، وإطفاء نار الحزن عنهم ، وتسليتهم بمن سبق من الأنبياء والأئمة عليهم
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٩١٦ ح ٣.
(٢) سورة الحشر : ١٠.
(٣) سورة محمد : ١٩.
(٤) جامع الأصول ٧ ـ ٣١٦.
(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٥٥ ح ٣.
(٦) راجع جواهر الكلام ٤ ـ ٢٢. سنن أبي داود ٣ ـ ١٩١.
(٧) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٥٥ ح ٤.
(٨) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧١ ح ٢ ، جامع الأصول ١١ ـ ٤٤٥.
(٩) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧٢ ح ٩ و ٧.
(١٠) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧١ ح ٨ و ٦.
السلام ، ويذكرهم الثواب على الصبر واللحاق بالميت.
ويجوز قبل الدفن وبعده ، قال هشام بن الحكم : رأيت الكاظم عليهالسلام يعزي قبل الدفن وبعده (١).
ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة من الكبار والصغار ، خصوصا من ضعف منهم عن تحمل المصيبة. ولا فرق بين الرجل والمرأة ، لقوله عليهالسلام : من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة (٢).
ويجوز تعزية الكفار ، فيقول له : أخلف الله عليك. وفي تعزية المسلم بالكافر أعظم الله أجرك وأخلف عليك.
وليس في التعزية شيء موظف ، قال زين العابدين عليهالسلام : لما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول : إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات ، فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب.
ويكفي في التعزية أن يراه صاحب المصيبة. وقال الصادق عليهالسلام : كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة » (٣).
قال الشيخ : يكره الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة (٤). وأنكره ابن إدريس ، لأنه تزاور مستحب.
ولا يجوز أن يتميز صاحب المصيبة عن غيره بإرسال طرف العمامة ، وأخذ ميزر فوقها. قال الشيخ : إلا على الأب والأخ لا غيرهما (٥). والوجه عندي الجواز ، لأن الصادق عليهالسلام لما مات إسماعيل تقدم السرير بغير رداء ولا حذاء. وقال عليهالسلام : ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧٢ ب ٤٧.
(٢) جامع الأصول ١١ ـ ٤٤٤.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧٤ ح ٤.
(٤) المبسوط ١ ـ ١٨٩.
(٥) نفس المصدر.
الناس أنه صاحب المصيبة (١). وقد نهي من وضع الرداء عن مصيبة الغير.
السابع عشر : يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إجماعا ، إعانة لهم وجبرا لقلوبهم ، ولأنهم مشتغلون بمصابهم وبالواردين إليهم من إصلاح طعام لأنفسهم. ولما جاء نعي جعفر عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم (٢). وقال الصادق عليهالسلام : لما قتل جعفر أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة عليهاالسلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساءها وأن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام ، فجرت بذلك السنّة (٣).
الثامن عشر : يستحب زيارة المقابر ، لقوله عليهالسلام : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت. وقال الرضا عليهالسلام : من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية يضع يده وقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن من الفزع الأكبر (٤).
ولا يكره ذلك للنساء ، لأن فاطمة عليهاالسلام كانت تأتي قبور الشهداء في غداة كل سبت فتأتي قبر حمزة عليهالسلام ، وتترحم عليه وتستغفر له (٥).
تم الجزء الأول من كتاب « نهاية الإحكام في معرفة الأحكام » بعون الله تعالى وحسن توفيقه ومنّه.
ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى كتاب الزكاة وفيه مقاصد ، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد خير خلقه النبي وعترته الطاهرين. فرغ المصنف ( قدس الله روحه ) من تصنيفه في شعبان سنة خمس وسبعمائة.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ ٦٧٥.
(٢) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٩٠. ب ٦٨ جامع الأصول ١١ ـ ٤٤٥.
(٣) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٨٩ ح ٧.
(٤) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٨١ ح ١.
(٥) وسائل الشيعة ٢ ـ ٨٧٩ ح ٢.
كتاب الزكاة
وفيه مقاصد
المقصد الأول
في زكاة المال
وفيه فصول
الفصل الأول
( في الشرائط العامة )
مقدمة :
الزكاة لغة : النمو والزيادة ، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه. وهي في الشريعة : عبارة عن حق تجب في المال المخصوص على شرائط مخصوصة.
وهي واجبة بالنص والإجماع. قال الله تعالى ( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (١) وقال تعالى ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) (٢) وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معاذا إلى اليمن ، فقال : أعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم (٣). وقال عليهالسلام : مانع الزكاة في النار (٤).
وهي أحد الأركان الخمسة في الإسلام. وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها ، فمن أنكر وجوبها جاهلا (١) به وكان ممن يجهل ذلك ، إما لقرب عهده بالإسلام ، أو لبعده عن أهله ، بأن يكون من أهل بادية بائنة عن
__________________
(١) سورة البقرة : ٤٣ و ٨٣ و ١١٠ و ٢٧٧ وغيرها.
(٢) سورة فصلت : ٧
(٣) جامع الأصول ٥ ـ ٢٩٥.
(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٧ ح ٢٧ ما يشبه ذلك.
(٥) في « س » جهلا.
الأمصار ، عرّف وجوبها ولا يحكم بكفره ، لأنه معذور.
وإن كان مسلما نشأ في الإسلام وعرف محاسنه ، فهو مرتد ، لأنه جحد ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، ولا يكاد يخفى عليه حاله ، فجحوده لها إنما يكون لتكذيبه الكتاب والسنّة المتواترة.
فإن منعها مع اعتقاد وجوبها ، أخذها الإمام منه قهرا وعزره ، ولا يأخذ زيادة عليها.
وإن غل ماله فكتمه حتى لا يأخذ الإمام زكاته فظهر عليه ، لقوله عليهالسلام : ليس في المال حق سوى الزكاة (١).
ولو لم يدفعها إلاّ بالقتال ، وجب ، لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يحكم بكفره لقتاله عليها. ولا يسبى هو ولا ذريته. فإن ظفر الإمام به دون ماله ، دعاه إلى أدائها واستتابه ثلاثا ، فإن تاب وأدى ، وإلا قتل.
ولا يحكم بكفره ، لأنها من فروع الدين ، فلم يكفر تاركه كالحج ، وإذا لم يكفر بتركه لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي.
ولو لم يكن في قبضة الإمام واعتصم بقوم ، قاتلهم الإمام لمساعدتهم إياه على الامتناع من أداء الواجب ، وهو محرم.
واعلم أن الشروط العامة أربعة يشتمل عليها أربعة مباحث :
البحث الأول
( البلوغ )
البلوغ شرط في وجوب الزكاة ، فلا تجب زكاة العين على الصبي عند علمائنا كافة ، لقوله عليهالسلام : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق (٢). وقول الباقر عليهالسلام : ليس في مال اليتيم زكاة (٣). ولأن الزكاة
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٧٠ الرقم ١٧٨٩
(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٦٥٨ الرقم ٣٠٤١
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥٨ ح ٨.
تكليف ، وهو منوط بالبلوغ ، ولأنها عبادة فلا تجب عليه كالصلاة والحج.
والأصح أنها لا تجب في غلاتهم لما تقدم ، ولقول الصادق عليهالسلام : وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة (١).
ولا تجب أيضا في مواشيهم على الأصح. لعموم « ليس على مال اليتيم زكاة » (٢).
ولو اتجر له الولي في ماله إرفاقا به وشفقة عليه ، استحب له إخراج الزكاة عن الطفل عند علمائنا ، لقول الصادق عليهالسلام : ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتجر به (٣). ولأنه مال تجارة فاستحب فيه الزكاة كمال البالغ.
ولو ضمن الولي المال واتجر لنفسه ، كان الربح له إن كان مليا ، وعليه الزكاة استحبابا ، لأن له ولاية الاقتراض منه فملك ، وكان النماء له وكان ضامنا ، لأنه ملكه بالقرض ، ولقول الصادق عليهالسلام وقد سأله منصور بن الفضل (١) عن مال اليتيم يعمل به : إذا كان عندك مال وضمنته ولك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به ، فالربح للغلام وأنت ضامن (٤).
ولو لم يكن مليا وإن كان وليا. [ أو لم يكن وليا. وإن كان مليا (٢) ] وضمن واتجر لنفسه ، ضمن المال لليتيم ، وكان الربح لليتيم ولا زكاة ، لأن الولي إنما له الاقتراض مع المصلحة ، وهي منتفية مع عدم الملاءة ، فكان الاقتراض باطلا.
وكذا لو كان مليا ولم يكن وليا ، إذ لا ولاية لغير الولي ، والربح نماء مال
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥٦ ح ١١.
(٢) المتقدم آنفا.
(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥٧ ح ١ و ٢.
(٤) في الوسائل : منصور الصيقل.
(٥) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥٨ ح ٧.
(٦) الزيادة من « ر » و « س ».
الطفل ، فلا يملكه. العامل إذا اشترى بالعين ، ولا زكاة لأنها تجارة باطلة ، ولما رواه سماعة قال : قلت للصادق عليهالسلام الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال : نعم ، قلت : فعليه زكاة؟ قال : لعمري لا أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة (١).
ويستحب في غلات الطفل ومواشيه على رأي ، ويتناول التكليف بالإخراج الولي وجوبا إن قلنا بالوجوب ، واستحباب إن قلنا به ، كما يخرج عنه قيم المتلفات وأروش الجنايات ونفقة الأقارب ، وتعتبر نية الولي في الإخراج كما تعتبر النية من رب المال.
ولا فرق بين المميز وغيره ، ولا بين المراهق وغيره في جميع ما تقدم ، لصدق وصف الصغر عليهم.
البحث الثاني
( العقل )
العقل شرط في وجوب الزكاة ، فلا تجب زكاة العين على المجنون ، عند علمائنا أجمع ، لأن مناط التكليف معدوم ، ولقوله عليهالسلام : وعن المجنون حتى يفيق (٢).
وكذا لا تجب في غلاته ومواشيه على الأصح ، لكن تستحب.
ولو كان الجنون يعتوره أدوارا ، اشترط في الوجوب العقل طول الحول. ولو عرض له الجنون في أثنائه ، سقط اعتبار ذلك الحول.
وابتداء الحول من حين العود إلى الصحة ، لسقوط التكليف به.
وحكم المغمى عليه حكم المجنون.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥٨ ح ٥.
(٢) سنن ابن ماجة ١ ـ ٦٥٨