إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥)

(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. كل : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. والجملة الفعلية «تدمر كل ..» في محل رفع صفة لريح.

(بِأَمْرِ رَبِّها) : جار ومجرور متعلق بتدمر أو متعلق بحال من ضمير «تدمر» بمعنى : مأمورة أو مسيرة بأمر. رب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسر وهو مضاف و «ها» ضمير متصل في محل جر مضاف إليه ثان.

(فَأَصْبَحُوا لا يُرى) : الفاء سببية. أصبحوا : فعل ماض ناقص من أخوات «كان» مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «أصبح» والألف فارقة. لا : نافية لا عمل لها. يرى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والجملة الفعلية «لا يرى إلا مساكنهم» في محل نصب خبر أصبح.

(إِلَّا مَساكِنُهُمْ) : أداة حصر لا عمل لها. مساكن : نائب فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه وجاء الفعل بصيغة التذكير لأنه مفصول عن اسمه بفاصل بمعنى فأصبحوا هلكى لا يرى من آثارهم شيء سوى مساكنهم الخالية وأما هم فقد هلكوا بها.

(كَذلِكَ نَجْزِي) : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. التقدير : مثل ذلك الجزاء الذي جزيناهم نجزي القوم المجرمين أي الكافرين. والجملة الفعلية «نجزي القوم المجرمين» في محل رفع خبر المبتدأ أو تكون في محل نصب صفة أو نائبة عن مفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف. التقدير : نجزي القوم المجرمين جزاء مثل جزاء القوم الجاهلين. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. نجزي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن.

٣٢١

(الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. المجرمين : صفة ـ نعت ـ للقوم منصوب مثله وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢٦)

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) : الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. مكن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به.

(فِيما إِنْ) : حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بفي والجار والمجرور متعلق بمكن. إن : مخففة مهملة بمعنى «ما» النافية و «إن» صلة «ما» لا محل لها. وقيل : إن : شرطية محذوفة الجواب. التقدير : ولقد مكناهم من الثروة والقوة فيما إن مكناكم فيه كان بغيكم أشد من بغيهم وعلى الوجه الأول من إعراب «ما» نافية يكون المعنى : ولقد مكناهم بمعنى : أمددناهم ومكناهم في المال وغيره فيما لم نمكنكم فيه من الثروة والقوة يا أهل مكة وبمقدار لم تبلغوا مثله.

(مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) : أعربت. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. فيه : جار ومجرور متعلق بمكن.

(وَجَعَلْنا لَهُمْ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «مكنا» الأولى وتعرب مثلها. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام.

(سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. والجار والمجرور «لهم» متعلق بجعلنا. وأبصارا وأفئدة : معطوفان بواوي العطف على «سمعا» ويعربان إعرابه بمعنى : وجعلنا لهم أسماعا ..

٣٢٢

(فَما أَغْنى عَنْهُمْ) : الفاء استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. أغنى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. عن : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بأغنى وهو في مقام المفعول به المقدم بمعنى فما نفعهم.

(سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ) : فاعل مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه وكلمتا «أبصارهم» و «أفئدتهم» معطوفتان بواوي العطف على «سمعهم» وتعربان إعرابها و «لا» زائدة لتأكيد معنى النفي.

(مِنْ شَيْءٍ) : حرف جر زائد لتأكيد النفي. شيء : اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به بتقدير : شيئا. ويجوز أن يكون الجار والمجرور «من شيء» متعلقا بحال محذوفة من «ما» في «فما أغنى عنهم» إذا أعربت «ما» اسم استفهام مبنيا على السكون في محل نصب مفعولا به لأغنى لأن «من» حرف جر بياني بمعنى : من شيء من الاغناء وهو القليل منه.

(إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ) : ظرف للزمن مبني على السكون في محل نصب متعلق بأغنى وقد جرى هنا مجرى التعليل لأن المعنى لأنهم كانوا يكفرون. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يجحدون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «كانوا يجحدون ..» في محل جر مضاف إليه.

(بِآياتِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بيجحدون. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

(وَحاقَ بِهِمْ) : الواو عاطفة. حاق : فعل ماض مبني على الفتح. بهم : جار ومجرور متعلق بحاق و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء.

(ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. كانوا يستهزءون : تعرب إعراب «كانوا يجحدون» والجملة الفعلية

٣٢٣

«كانوا به يستهزءون» صلة الموصول لا محل لها و «به» جار ومجرور متعلق بيستهزءون.

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٧)

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا) : الواو عاطفة. اللام للابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. أهلك : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(ما حَوْلَكُمْ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. حول : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بفعل محذوف تقديره : وجد .. كان .. استقر. وهو مضاف. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور والمخاطبون هم أهل مكة. والجملة الفعلية «كان حولكم» صلة الموصول لا محل لها بمعنى : ما كان جواركم.

(مِنَ الْقُرى) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «ما» التقدير : حالة كونها من القرى و «من» حرف جر بياني. وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر كحجر ثمود وقرى قوم لوط وعاد ..

(وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «أهلكنا» وتعرب إعرابها. الآيات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم بمعنى : وكررنا الآيات على وجوه شتى.

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : حرف مشبه بالفعل وهو من أخوات «إن» و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل نصب اسم «لعل». يرجعون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لعل» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى ليرجعوا إلى الله أو ليثوبوا إلى الله فلم يفعلوا.

(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨)

٣٢٤

(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ) : الفاء استئنافية. لو لا : حرف توبيخ وتنديم بمعنى : هلا. نصر : فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير متصل في محل نصب مفعول به مقدم.

(الَّذِينَ اتَّخَذُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. اتخذوا : الجملة الفعلية وما بعدها صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : اتخذوهم والضمير هو المفعول به الأول للفعل «اتخذ» بمعنى : فهلا نصرهم الذين اتخذوهم آلهة ليقربوهم إلى الله ويشفعوا لهم عنده باعتبار أنهم شفعاؤهم إليه أو فهلا نصرتهم آلهتهم التي عبدوها وفي القول الكريم تهكم وسخرية بهم.

(مِنْ دُونِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «آلهة» الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.

(قُرْباناً آلِهَةً) : حال من ضمير الآلهة في «اتخذوها» منصوب وعلامة نصبه الفتحة أو يكون مفعولا من أجله بمعنى : للتقرب بهم إلى الله تعالى. آلهة : مفعول به ثان منصوب باتخذ المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : اتخذوها شفعاء متقربا بها إلى الله. وقيل : يجوز أن يكون «آلهة» عطف بيان أو بدلا من «قربانا» وقال الزمخشري : لا يصح أن يكون «قربانا» مفعولا ثانيا و «آلهة» بدلا منه للإخلال بالمعنى أو فيه فساد المعنى وخالفه الإمام أحمد.

(بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) : حرف استئناف للاضراب وهو لابطال ما قبله وإثبات ما بعده. ضلوا : تعرب إعراب «اتخذوا» عن : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بضلوا بمعنى : بل غابوا عن نصرتهم.

٣٢٥

(وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) : الواو استئنافية. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. إفك : خبر «ذلك» مرفوع بالضمة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. بمعنى : وذلك اختلاقهم وكذبهم أي عدم نفع آلهتهم لهم سببه كذبهم وافتراؤهم بأن لله شركاء .. والإشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم وضلالهم عنهم.

(وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) : الواو عاطفة. ما : مصدرية كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. يفترون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «كانوا يفترون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع لأنه معطوف على مرفوع «إفكهم» التقدير : وافتراؤهم الأباطيل.

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (٢٩)

(وَإِذْ صَرَفْنا) : الواو استئنافية. إذ : اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره واذكر. صرف : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل بمعنى وإذ أملنا. وجملة «صرفنا ..» في محل جر بالإضافة.

(إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) : جار ومجرور متعلق بصرفنا. نفرا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. من الجن : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «نفرا» بمعنى طائفة أو جماعة من الجن.

(يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «الجن» أو من «نفر» بعد تخصصها. وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. القرآن : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

٣٢٦

(فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا) : تعرب إعراب «فلما رأوه .. قالوا» الواردة في الآية الكريمة الرابعة والعشرين بمعنى يستمعون إليه وأنت تقرأه فلما حضروا تلاوته أو حضروا تلاوته وأنت تقرأه قال بعضهم لبعض : أنصتوا.

(أَنْصِتُوا فَلَمَّا) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : أصغوا إليه أي اسكتوا مستمعين. فلما : أعرب.

(قُضِيَ وَلَّوْا) : الجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد «لما» وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ولوا : تعرب إعراب «قالوا» بمعنى فحين أتممت قراءته أي فرغت من قراءته ذهبوا.

(إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) : جار ومجرور متعلق بولوا. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. منذرين : حال من ضمير «ولوا» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : ينذرون قومهم العذاب أي يخوفونهم من العذاب إذا لم يؤمنوا به أو مخوفيهم من ترك قبول الحق.

(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠)

(قالُوا يا قَوْمَنا) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. يا : أداة نداء. قوم : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. بمعنى : قالوا لهم يا قومنا والجملة بعده «إنا سمعنا كتابا» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ

(إِنَّا سَمِعْنا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» المدغمة بنون «إن» أصله : إننا .. حذفت إحدى النونين تخفيفا واختصارا ولكثرة الاستعمال

٣٢٧

ضمير متصل مبني على السكون ـ ضمير المتكلمين ـ في محل نصب اسم «إن». سمعنا : الجملة الفعلية وما بعدها في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(كِتاباً أُنْزِلَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أنزل : الجملة الفعلية في محل نصب صفة ـ نعت ـ للموصوف «كتابا» وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

(مِنْ بَعْدِ مُوسى) : جار ومجرور متعلق بأنزل. موسى : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه اسم ممنوع من الصرف للعجمة وقدرت الحركة على الألف المقصورة للتعذر.

(مُصَدِّقاً لِما) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «كتابا» وعلامة نصبه الفتحة المنونة. اللام حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق باسم الفاعل «مصدق» على تأويل فعله.

(بَيْنَ يَدَيْهِ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بفعل محذوف تقديره : وجد .. كان وهو مضاف والجملة الفعلية «وجد بين يديه» صلة الموصول لا محل لها. يديه : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى وأصله : يدين .. حذفت النون للإضافة وهو مضاف والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه ثان. بمعنى : للكتب التي سبقته أو تقدمته أي لما تقدمه من الكتب المنزلة.

(يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. إلى الحق : جار ومجرور متعلق بيهدي وهو مفعول الفعل الذي تعدى إليه بحرف جر والجملة الفعلية «يهدي إلى الحق» في محل نصب صفة أخرى للموصوف «كتابا» ويجوز أن يكون في محل نصب حالا من «كتابا» لأنه تخصص أي اسم

٣٢٨

نكرة موصوف. بمعنى : يرشد إلى الدين الحق. وبعد حذف الموصوف «الدين» حلت صفته «الحق» محله.

(وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) : معطوف بالواو على «إلى الدين الحق» ويعرب إعرابها و «مستقيم» صفة ـ نعت ـ لطريق مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الصفة والموصوف ـ الكسرة المنونة بمعنى : ويهدي إلى طريق قويم.

(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٣١)

(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا) : أعرب في الآية الكريمة السابقة وهو تتمة قول الجن لقومهم. أجيبوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(داعِيَ اللهِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة بمعنى : الداعي إلى الله وهو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(وَآمِنُوا بِهِ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «أجيبوا» وتعرب إعرابها. به : جار ومجرور متعلق بآمنوا أي وصدقوا به.

(يَغْفِرْ لَكُمْ) : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب ـ الأمر ـ وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لكم : جار ومجرور متعلق بيغفر والميم علامة جمع الذكور.

(مِنْ ذُنُوبِكُمْ) : جار ومجرور متعلق بيغفر و «من» حرف جر للتبعيض. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور وحذف مفعول «يغفر» لأن «من» التبعيضية دالة عليه بمعنى يغفر لكم بعض ذنوبكم .. أي ما كان منها يخص الله تعالى بمعنى المتعلقة بحقوق الله تعالى أما حقوق العباد فلا تغفر بالإيمان وإنما تسقط برضا أصحابها ـ هذا ما جاء في تفسير «التفسير الوجيز».

٣٢٩

(وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «يغفر» وتعرب إعرابها وعلامة جزم الفعل سكون آخره ـ أصله : يجيركم ـ حذفت الياء تخفيفا ولالتقاء الساكنين والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به. والميم علامة جمع الذكور. من عذاب : جار ومجرور متعلق بيجير. أليم : صفة ـ نعت ـ لعذاب مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الصفة والموصوف ـ الكسرة المنونة.

(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢)

(وَمَنْ لا يُجِبْ) : الواو استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». لا : نافية لا عمل لها. يجب : فعل مضارع مجزوم بمن لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه سكون آخره ـ أصله : يجيب ـ حذفت الياء تخفيفا ولالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «من» والجملة الفعلية «لا يجب داعي الله» صلة الموصول لا محل لها.

(داعِيَ اللهِ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة. المعنى : ومن لا يستجيب لدعوة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الله والإسلام.

(فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. ليس : فعل ماض ناقص مبني على الفتح «من أخوات كان» واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. الباء حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. معجز : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر «ليس» وهو اسم فاعل يعمل عمل فعله المتعدي وحذف مفعوله اختصارا لأنه معلوم التقدير والمعنى فليس معجزا الله أي بمفلت منه أو من عقابه.

(فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ) : جار ومجرور متعلق بمعجز. الواو عاطفة. ليس : أعرب. له : جار ومجرور متعلق بخبر «ليس» المقدم.

(مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) : جار ومجرور متعلق بحال مقدمة من «أولياء» لأنه صفة له قدم عليه والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. أولياء : اسم

٣٣٠

«ليس» المؤخر مرفوع بالضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن ـ أفعلاء ـ أي نصراء.

(أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب. في ضلال : جار ومجرور متعلق بخبر «أولئك». مبين : صفة ـ نعت ـ لضلال مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٣)

(أَوَلَمْ يَرَوْا) : الهمزة همزة إنكار وتعجيب وتقرير بلفظ استفهام. الواو عاطفة على محذوف. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يروا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : ألم يعلم منكرو البعث.

(أَنَّ اللهَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «أن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.

(الَّذِي خَلَقَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة. خلق : الجملة الفعلية وما بعدها صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «أن» وما في حيزها من اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يروا».

(السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» منصوبة مثلها وعلامة نصبه الفتحة.

(وَلَمْ يَعْيَ) : الواو عاطفة. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يعي : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة ـ الألف المقصورة وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بمعنى : لم يعجز أو من : عييت بالأمر : إذا لم تعرف وجهه.

٣٣١

(بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) : جار ومجرور متعلق بيعي و «هن» ضمير الإناث مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. الباء حرف جر زائد لتأكيد النفي. قادر : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه خبر «أن».

(عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) : حرف جر. أن : حرف مصدري ونصب. يحيي : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الموتى : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والجملة الفعلية «يحيي الموتى» صلة حرف مصدري لا محل لها. و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق باسم الفاعل «قادر» التقدير : قادر على إحياء الموتى.

(بَلى إِنَّهُ) : حرف جواب لا عمل له يجاب به عن النفي ويقصد به الإيجاب أي يبطل النفي ويثبت المنفي وهو هنا جواب الاستفهام منفي. المعنى : نعم هو قادر على ذلك. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل يفيد هنا التعليل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن».

(عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) : جار ومجرور متعلق بقدير. شيء : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. قدير : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة وهو من صيغ المبالغة ـ فعيل بمعنى فاعل ـ أي كثير القدرة.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٤)

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة العشرين.

(أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) : الهمزة همزة إنكار دخلت على المنفي فرجع إلى معنى التقرير وهو ليس استفهاما أو هو استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات. ليس : فعل ماض ناقص مبني على الفتح من أخوات «كان» هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم «ليس» وهو إشارة إلى العذاب بدليل قوله : فذوقوا العذاب وفي القول الكريم تهكم بهم وتوبيخ

٣٣٢

لهم على استهزائهم بوعد الله ووعيده وقولهم : وما نحن بمعذبين. الباء حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. الحق : اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر «ليس» والجملة الفعلية «أليس هذا بالحق» في محل رفع نائب فاعل لفعل محذوف بتقدير : يقال لهم أليس هذا العذاب بحق؟

(قالُوا بَلى) : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بلى : أعرب وشرح في الآية الكريمة السابقة. المعنى : قالوا نعم هو حق علينا أو حق الله ربنا إنه أي العذاب الحق.

(وَرَبِّنا قالَ) : الواو واو القسم حرف جر رب : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه بمعنى : وحق ربنا فحذف المضاف المقسم به «حق» وأقيم المضاف إليه «ربنا» مقامه. قال : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية بعده «فذوقوا العذاب» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(فَذُوقُوا الْعَذابَ) : الفاء سببية. ذوقوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. العذاب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة أي قال الله تعالى.

(بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) : الباء حرف جر. ما : مصدرية. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. تكفرون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «كنتم تكفرون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بذوقوا. التقدير : بسبب كفركم بالله وبهذا العذاب في الدنيا.

٣٣٣

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣٥)

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا) : الفاء استئنافية. اصبر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الكاف حرف جر للتشبيه. ما : مصدرية. صبر : فعل ماض مبني على الفتح. أولو : فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف والكلمة تكتب بواو ولا تلفظ وهي جمع بمعنى : ذوو لا واحد له وقيل : هو اسم جمع مفرده ذو بمعنى : صاحب. والجملة الفعلية «صبر أولو العزم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» المصدرية وما بعدها : بتأويل مصدر في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف. التقدير : فاصبر يا محمد على أذى قومك صبرا مثل صبر أولي العزم أي كصبرهم أو تكون الكاف اسما مبنيا على الفتح في محل نصب صفة لمصدر محذوف أو نائبا عنه. التقدير : فاصبر صبرا كصبر أي مثل صبر أولي العزم والجملة الفعلية «اصبر» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ أي قال تعالى : فاصبر يا محمد ..

(الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. من الرسل : جار ومجرور متعلق بحال محذوف من «أولي العزم» بمعنى : حالة كونهم رسلا من الرسل أو تكون «من» للتبعيض والمراد بأولي العزم بعض الأنبياء ويجوز أن تكون «من» بيانية فيكون أولو العزم صفة الرسل كلهم.

(وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) : الواو عاطفة. لا : ناهية جازمة. تستعجل : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بتستعجل بمعنى : ولا تستعجل لكفار قريش بالعذاب أي لا تدع لهم بتعجيله فإنه نازل بهم وإن تأخر.

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ) : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن» و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل نصب اسم «كأن» يوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية

٣٣٤

وعلامة نصبه الفتحة متعلق بلم يلبثوا. والجملة الفعلية بعده «يرون» في محل جر مضاف إليه.

(يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يوعدون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما يوعدونه أو يكون العائد ـ الصلة ـ حرف جر محذوفا. التقدير : ما يوعدون به من العذاب.

(لَمْ يَلْبَثُوا) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «كأن». لم : حرف نفي وجزم وقلب. يلبثوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى لم يمكثوا في ظنهم إلا مقدار ساعة في الدنيا.

(إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) : أداة حصر لا عمل لها. ساعة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة ويجوز أن يكون منصوبا على الظرفية الزمانية ـ مفعولا فيه ـ متعلقا بيلبثوا. من نهار : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من ساعة.

(بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا بمعنى : هذا بلاغ أي تبليغ من الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أي تبليغ لهم أو بمعنى : هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة أي تبليغ من الله أو بمعنى : هذه السورة بلاغ أي كفاية وتبليغ ويجوز أن يكون «بلاغ» مبتدأ محذوف الخبر .. أي بلاغ من الرسول لهم. الفاء استئنافية. هل : حرف استفهام يفيد النفي بمعنى لا يهلك. يهلك : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

(إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) : أداة حصر لا عمل لها. القوم : نائب فاعل مرفوع بالضمة. الفاسقون : صفة ـ نعت ـ للقوم مرفوع مثله وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : فهل يهلك إلا الخارجون عن الاتعاظ به والعمل بموجبه.

٣٣٥

سورة محمد

معنى السورة : محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هو محمد بن عبد الله نبي الله الكريم ورسوله الأمين وهو من بني هاشم ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة دعا إلى دين الله دين الاسلام وإلى التوحيد ونبذ الشرك وأمه آمنة بنت وهب توفيت وتركته طفلا وقد كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب .. تزوج خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره بدأ دعوته في مكة هاديا الناس إلى الإيمان بالله ودينه القويم فاضطهده أهله فهاجر إلى المدينة «يثرب» حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار فصارت سنة ٦٢٢ «تاريخ هجرته» بدء التاريخ الهجري انتصر على المشركين في بدر الثانية من الهجرة ـ ٦٢٤ ميلادية ـ وغلب في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة ـ ٦٢٥ للميلاد ـ غير أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عاد وانتصر على مشركي قريش في معركة الخندق في السنة الخامسة للهجرة ـ ٦٢٧ للميلاد ـ وكان انتصاره الحاسم يوم فتح مكة فدخلها ظافرا في السنة الثامنة للهجرة سنة ثلاثين وستمائة ميلادية ولحق بالرفيق الأعلى بعد أن حج حجة الوداع. وأولاده ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبعة هم : القاسم .. زينب .. رقية .. فاطمة .. أم كلثوم .. عبد الله .. وإبراهيم. وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فمن مارية القبطية. وقيل : سمي الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمحمد لكثرة خصاله المحمودة لأن اللفظة «محمد» اسم مفعول أي مفعل .. مشتق من «الحمد» وقيل : مفعل ومفعل صفة تلزم من كثر منه فعل ذلك الشيء فمحمد : مفعل لأنه حمد مرة بعد مرة كما تقول كرمته وهو مكرم وعظمته وهو معظم : إذا فعلت به ذلك مرارا.

تسمية السورة : خص الله جلت قدرته إحدى سور كتابه الكريم فسماها باسم نبيه وحبيبه ورسوله كيف لا وهو سبحانه وتعالى خاطبه في معظم آيات الكتاب العظيم .. وما قوله تعالى «فو ربك» وهو إقسام الله تعالى باسمه الكريم جلت أسماؤه مضافا إلى ضمير المخاطب «الكاف» أي إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا تفخيم لشأن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبيان منزلته عنده

٣٣٦

سبحانه ورفع منه كما رفع من شأن السموات والأرض في قوله عزوجل : «فو رب السموات والأرض إنه لحق» صدق الله العظيم.

فضل قراءة السورة : قال الرسول المبشر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان حقا على الله أن يسقيه من أنهار الجنة» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. وأخرج الطبراني في «الأوسط» عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يقرأ سورة «محمد» في صلاة المغرب. وسميت هذه السورة الشريفة أيضا : سورة «القتال».

إعراب آياتها

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (١)

(الَّذِينَ كَفَرُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. كفروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة والجملة الفعلية «كفروا» صلة الموصول لا محل لها بمعنى : كفروا بالله ورسوله.

(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «كفروا» وتعرب إعرابها بمعنى وأعرضوا أو وامتنعوا عن الدخول في الاسلام أو يكون فعلا متعديا محذوف المفعول بمعنى : وصدوا غيرهم أو ومنعوا الناس والجار والمجرور «عن سبيل» متعلق بصدوا. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم وعلامة الجر الكسرة وسبيل الله هو الإسلام.

(أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ «الذين» وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الله سبحانه. أعمال : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل جر مضاف إليه بمعنى : أبطل أعمالهم وأحبطها. أي جعلها كالضالة في الإبل أي المضيعة والمراد بضمير الغائبين هؤلاء الكافرين الصادين الناس عن الإسلام وهم كفار قريش من أهل مكة.

٣٣٧

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (٢)

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) : معطوف بالواو على «الذين كفروا وصدوا» في الآية الكريمة السابقة ويعرب إعرابه.

(الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. وآمنوا : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «عملوا» وتعرب مثلها بمعنى والذين صدقوا بالله ورسوله وعملوا صالح الأعمال.

(بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) : الباء حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بآمنوا. نزل : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجار والمجرور «على محمد» متعلق بنزل بمعنى وصدقوا بالقرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه الكريم.

(وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) : الواو اعتراضية والجملة الاسمية بعدها جملة اعتراضية لا محل لها فيها تأكيد للإيمان بالمنزل على الرسول الكريم. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الحق : خبر «هو» مرفوع بالضمة. من رب : جار ومجرور متعلق بحال من «الحق» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «الذين آمنوا» كفر : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عن : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بكفر. سيئات : تعرب إعراب «الصالحات» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «كفر سيئاتهم» وتعرب مثلها وعلامة نصبه «بال» الفتحة أي حالهم.

٣٣٨

** (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية و «بالهم» بمعنى : حالهم. يقال : ما بالك؟ أي ما حالك وما شأنك؟ ومحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هو الرسول الكريم نزل عليه الحق أي القرآن .. وسمي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بهذا الاسم وهو اسم مفعول فعله «حمد» لكثرة خصاله المحمودة ولهذا قيل : خير الأسماء ما حمد وعبد. يقال حمد العبد ربه : بمعنى : أثنى عليه المرة بعد المرة وقال : الحمد لله. يقال : حمده ـ بفتح الميم ـ أي شكره وحمده ـ بكسر الميم ـ ضد «ذمه» ومصدر «حمد» بفتح الميم وكسرها : حمدا .. ومصدر «حمد» بتشديد الميم : تحميدا. والتحميد : أبلغ من «الحمد» و «الحمد» : أعم من الشكر. يحكى أن رجلا قال للرشيد : الحمد لله عليك. فقال له : ما معنى هذا الكلام؟ قال : أنت نعمة حمدت الله عليها. وقيل : أول من سمي باسم النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في الإسلام هو محمد بن حاطب. حين ولد بأرض الحبشة في الهجرة الأولى. و «النبي» جمعه : أنبياء وعن النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه سئل عن عدد الأنبياء فقال : مائة ألف وأربعة عشرون ألفا. قيل : فكم الرسل منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا وقيل : الفرق بينهما أن الرسول من الأنبياء هو من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول : هو من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله. وقيل : إن جميع أسماء الأنبياء أعجمية إلا أربعة : محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وصالح وشعيب وهود ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين. وقيل : بل هم خمسة .. بإضافة اسماعيل ـ عليه‌السلام ـ أما «يوسف» فقد اختلف حول كونه اسما عربيا أم غير عربي. وعن عائشة أنها قالت : لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة : لقد نزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ بصورتي في راحته حين طلب من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يتزوجني ولقد تزوجني بكرا ولقد توفي وإن رأسه لفي حجري ولقد قبر في بيتي ولقد حفته الملائكة في بيتي وإن الوحي لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه وإنه كان ينزل عليه وأنا معه في لحافه وإني لابنة خليفته وصديقه ولقد نزل عذري من السماء ولقد خلقت طيبة عند طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما. وقيل : لم يجمع الله تعالى اسمين من أسمائه عزوجل لأحد غير رسول الله محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في قوله تعالى في سورة «التوبة» (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) والاسمان هما : رءوف رحيم وهما من أسمائه سبحانه ـ جلت أسماؤه ـ أي من أسماء الله الحسنى يروى أنه قيل : يا رسول الله أرأيت قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : هذا من العلم المكنون ولو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به .. إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذانك الملكان : غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين : آمين. ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذانك الملكان : لا غفر الله لك وقال الله تعالى وملائكته لذينك الملكين آمين «صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

** (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الرابعة .. المعنى فإذا صادفتم أو واجهتم الكافرين في أثناء القتال أو الحرب فاقتلوهم .. أصله : فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر وحذف تنوينه بعد إضافته إلى الرقاب حتى إذا أغلظتم في قتلهم أي جعلتموه ثخينا غليظا أو حتى إذا أوهنتموهم أي أضعفتموهم بالقتل والجرح أو أكثرتم فيهم القتل وقهرتموهم فأسروهم

٣٣٩

وأحكموا وثاقهم ـ وهو ما يوثق به أي ما يربط ـ أو رباطهم أي شدهم بالحبال أو القيود لئلا يهربوا. وقوله «شدوا الوثاق» هو كناية عن الأسر.

** (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) : أي فإذا انتهى القتال فإما تمنون عليهم منا باطلاقهم بغير مقابل أو تفادوهم فداء بمبادلة الأسرى بالنفس أو المال أو منوا عليهم منا بالطلاق أو خذوا منهم الفدية أي تفدونهم فداء حتى تضع الحرب أوزارها. وهذا القول الكريم كناية عن انتهاء الحرب أي حتى تضع الحرب أثقالها .. أي كناية عن انقضاء الحرب. والتقدير : حتى يضع أهل الحرب أثقالهم. وأوزار : جمع «وزر» أي «ثقل» وفي القول الكريم حذف المضاف «أهل» فأسند الفعل إلى الحرب مجازا .. وسميت الأوزار : أثقالا لأن السلاح يسمى وزرا لثقله على لابسه .. وقال الفيومي : واشتقاق «الوزير» من ذلك لأنه يحمل عن الملك ثقل التدبير يقال وزر للسلطان ـ يزر ـ وزرا ـ من باب «وعد» فهو وزير وعلى ذكر «الحرب» ثمة خطأ شائع هو قولهم : إن الدولة تحارب أو تكافح ضد الجهل والفقر والمرض .. والصواب أن يقال : تحارب الجهل والفقر والمرض. لأن الذي يحارب ضد الشيء يكون مؤيدا ومحاربا في جبهته.

** (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى : ويدخلهم إلى الجنة التي عرفها لهم فحذفت الصفة «التي» وبقي الموصوف «الجنة» ولما حذف حرف الجر «إلى» انتصب المجرور «الجنة» انتصاب المفعول به أي عدي الفعل «يدخل» إليه مباشرة فصار مفعولا به ثانيا وعرفها : بمعنى : أعلمها لهم وبينها أو طيبها لهم .. من العرف وهو طيب الرائحة. بفتح العين ـ و «العرف» هو الرائحة مطلقا وأكثر استعماله في الطيبة .. يقال : ما أطيب عرفه : أي رائحته .. ويقال هذه أرض معروفة : أي طيبة العرف.

** (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة .. وتعسا : معناها : هلاكا .. أي فعثارا لهم وسقوطا .. ونقيضها : لعا وهو دعاء بعدم العثار وعدم السقوط قال الفيومي : فعله من بابي «تعب» و «نفع» يقال : تعس ـ يتعس ـ تعسا ـ من باب «نفع» بمعنى أكب على وجهه فهو تاعس ـ اسم فاعل ـ وتعس ـ يتعس ـ تعسا ـ من باب «تعب» لغة فهو تعس مثل تعب ـ فعل بمعنى فاعل ـ ويتعدى هذا الفعل بالحركة وبالهمزة فيقال : تعسه الله وأتعسه .. وفي الدعاء : تعسا له. وفلان تعس ونكس. فالتعس : أن يخر لوجهه والنكس ـ بضم النون ـ أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشد من الأولى. والتعس ـ بفتح التاء وسكون العين ـ هو الهلاك وأصله : الكب وهو ضد الانتعاش ويقال : تعسا لفلان : أي ألزمه الله هلاكا وعكسه القول : لعا لك. وهو دعاء يقال للعاثر : أي دعاء له بمعنى : أنعشك الله وأقامك من عثرتك .. وتلفظ بتخفيف عين «لعا» أي من دون تشديد العين .. ويقال : لا لعا لك .. وهو أيضا دعاء عليه بمعنى : لا أنعشك الله : أي لا رفعك وأقامك من عثرتك .. وتعسا له وبعدا له .. ونحوهما : منصوبان أبدا والمعنى مثل معنى «ويلك» أي ألزمه الله هلاكا وفي الآية الكريمة المذكورة آنفا يكون المعنى : فعثارا لهم وسقوطا وقوله : لعا لك : دعاء بأن ينتعش أي ينتهض من سقطته وينشط رافعا رأسه. ومثل هذه اللفظة : ويك .. ويب .. ويح .. ويلا. وقيل عن «الويل» وهو الهلاك : إنه اسم واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره. ولفظة «ويب» مثل «ويل» وزنا ومعنى وكذلك لفظة «ويح» وإن كان من معانيها أيضا : كلمة رحمة وويل كلمة عذاب.

٣٤٠