أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٤

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

وأن اتيه الدهر كبراً على

كل لئيم اصعر الخدّ

كذاك لا اهوى فتاة ولا

خمراً ولا ذا ميعة نهد

قوله « كما قال فتى العبد » هو طرفة بن العبد حيث يقول وقد سئل عن لذات الدنيا ، فقال : مركب وطىّ ، وثوب بهىّ ، ومطعم شهّى ، وسئل امرؤ القيس فقال : بيضاء رعبوبة ، بالشحم مكروبة ، بالمسك مشبوبة ، وسئل الأعشى فقال : صهباء صافية ، تمزجها ساقية ، من صَوب غادية قال العَكوك : فحدثت بذلك أبا دلف فقال :

أطيب الطيبات قتل الأعادي

واختيال على متون الجياد

ورسول يأتي بوعد حبيب

وحبيب يأتي بلا ميعاد

وحُدّث بذلك حميد الطوسي فقال :

ولولا ثلاثٌ هنّ من لذّة الفتى

وحقك لم أحفل متى قام عُوّدي

فمنهن سقى الغانيات بشربة

كُميَتٍ متى ما تُعلَ بالماء تزبد (١)

وكرّى إذا نادى المضاف محنّبا

كسيد الغضا نبّهته المتورد

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب

ببهكنَةٍ تحت الخباء المعمّد

رجعنا إلى ابن ابي الحديد.

وقال :

عن ريقها يتحدّث المسواك

أرجاً فهل شجر الأراك اراك

__________________

١ ـ في معلقة طرفة.

٦١

ولطرفها خُنِث الجبان فان رئت

باللحظ فهو الضيغم الفتاك

شرك القلوب ولم أُخل من قبلها

ان القلوب تصيدها الاشراك

يا وجهها المصقول ماء شبابه

ما الحتف لولا طرفك الفتاك

أم هل أتاك حديث وقفتنا ضحىً

وقلوبنا بشبا الفراق تشاك

لا شيء أفظع من نوى الاحباب أو

سيف الوصيّ كلاهما سفاك

وقال الصفدي يعارض ابن أبي الحديد :

لولا ثلاث هنّ أقصى المنى

لم أهب الموت الذي يُردي

تكميل ذاتي بالعلوم التي

تنفعني إن صرت في لحدي

والسعي في رد الحقوق التي

لصاحب نلتُ به قصدي

وأن أرى الأعداء في صرعة

لقيتها من جمعهم وحدي

فبعدها اليوم الذي حُمّ لي

قد استوت في القرب والبعد

وجاء في الكنى والالقاب للشيخ القمي :

عز الدين عبد الحميد بن محمد بن الحسين بن ابي الحديد المدائني الفاضل الأديب المؤرخ الحكيم الشاعر شارح نهج البلاغة وصاحب القصائد السبع المشهورة ، كان مذهبه الاعتزال كما شهد لنفسه في إحدى قصائده في مدح امير المؤمنين (ع) بقوله :

ورأيت دين الاعتزال وإنني

اهوى لأجلك كل من يتشيع

كان مولده غرة ذي الحجة سنة ٥٨٦ وتوفي ببغداد سنة ٦٥٥ يروي آية الله العلامة الحلي عن أبيه عنه. والمدائني نسبة الى المدائن.

وقال جرجى زيدان في آداب اللغة العربية : ابن ابي الحديد توفي سنة

٦٢

٦٥٥ هـ. هو عبد الحميد بن هبة الله المدائني الفقيه الشاعر الملقب عز الدين. ولد في المدائن قرب بغداد توفي ببغداد ، واشتهر باللغة والنحو والشعر واشهر مؤلفاته.

١ ـ شرح نهج البلاغة ، وفي هذا الشرح فوائد تاريخية ودينية وشرعية كثيرة.

٢ ـ الفلك الدائر على المثل السائر.

٣ ـ العلويات السبع.

واليك قصيدته العينية التي عدد فيها مزايا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام وتخلّص الى مصيبة الحسين (ع) وقد كتبت هذه القصيدة على قبة الإمام ثم كتبت بالميناء على ضريح الإمام.

والقصيدة احدى علوياته السبع

يارسم لارسمتك ريحٌ زعزعُ

وسرت بليل في عراصك خروعُ

لم الف صدري من فؤادي بلقعا

الا وأنت من الأحبّة بلقع

جارى الغمام مدامعي بك فانثنت

جون السحائب وهي حسرى ضلّع

لا يمحك الهتن الملثّ فقذ محا

صبري دثورك مذمحتك الأدمع

لله درك والضلال يقودني

بيد الهوى وانا الحرون فأتبع

يقتادني سكر الصبابة والصبا

ويصيح بي داعي الغرام فاسمع

دهر تقوض راحلاً ما عيب مَن

عقباه الا أنه لا يرجع

يا ايها الوادي أُجلّكُ وادياً

وأعزّ إلا في حماك فاخضع

٦٣

وأسوف تربك صاغراً وأذل في

تلك الربى وانا الجليد فأخنع

اسفي على مغناك اذ هو غابة

وعلى سبيلك وهو لحب مهيع

والبيض تورد في الوريد فترتوي

والسمر تشرع في الوتين فتشرع

والسابقات اللاحقات كأنها الـ

ـعقبان تردى في الشكيم وتمرع

والربع أنور بالنسيم مضمخٌ

والجوّ أزهر بالعبير مروع

ذاك الزمان هو الزمان كأنما

قيض الخطوب به ربيع ممرع

وكأنما هو روضة ممطورة

أو مزنة في عارض لا تقلع

قد قلت للبرق الذي شق الدجى

فكأن زنجيّاً هناك يجُدّع

يا برق إن جئتَ الغريّ فقل له

أتراك تعلم مَن بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم وبعده

عيسى يقفيّه وأحمد يتبع

بل فيك جبريل وميكال واسـ

ـرافيل والملأ المقدّس أجمع

بل فيك نور الله جل جلاله

لذوي البصائر يستشف ويلمع

فيك الإمام المرتضى فيك الوصي

المجتبى فيك البطين الانزع

الضارب الهام المقنّع في الوغى

بالخوف للبهم الكماة يقنِع

والسمهرية تستقيم وتنحني

فكأنها بين الأضالع أضلع

والمترع الحوض المدعدع حيث لا

واد يفيض ولا قليب يترع

ومبدد الأبطال حيث تألّبوا

ومفرّق الأحزاب حيث تجمعوا

والحَبر يصدع بالمواعظ خاشعاً

حتى تكاد له القلوب تصدّع

حتى اذا استعهر الوغى متلظياً

شرب الدماء بغلّة لا تنقع

متجلبباً ثوباً من الدم قانيا

يعلوه من نقع الملاحم برقع

زهد المسيح وفتكة الدهر التي

أودى بها كسرى وفوّز تبع

هذا ضمير العالم الموجود عن

عدم وسرّ وجوده المستودع

هذي الأمانة لا يقوم بحملها

خلقاء هابطة وأطلس ارفع

هذا هو النور الذي عذباته

كانت بجبهة آدم تتطلع

٦٤

وشهاب موسى حيث أظلم ليله

رفعت له لألاؤه تتشعشع

يا من له ردّت ذكاء ولم يفز

بنظيرها من قبل إلا يوشع

يا هازم الاحزاب لا يثنيه عن

خوض الحمام مدجج ومدرع

يا قالع الباب الذي عن هزه

عجزت اكفٌ اربعون واربع

لولا حدوثك قلت انك جاعل الأ

رواح في الأشباح والمستنزع

لولا مماتك قلت انك باسط الأ

رزاق تقدر في العطاء وتوسع

ما العالم العلوي إلا تربة

فيه لجثتك الشريفة مضجع

ما الدهر إلا عبدك القنّ الذي

بنفوذ أمرك في البرية مولع

انا في مديحك ألكنٌ لا أهتدي

وأنا الخطيب الهزبري المصقع

أأقول فيك سميدع كلا ولا

حاشا لمثلك ان يقال سميدع

بل انت في يوم القيامة حاكم

في العالمين وشافع ومشفع

ولقد جهلتُ وكنتُ احذق عالمٍ

أغرار عزمك ام حسامك أقطع

وفقدت معرفتي فلستُ بعارف

هل فضل علمك ام جنابك أوسع

لي فيك معتقد سأكشف سره

فليصغ أرباب النهى وليسمعوا

هي نفثة المصدور يطفئ بردها

حر الصبابة فاعذلوني اودعوا

والله لولا حيدرٌ ما كانت الدنيا

ولا جمع البرية مجمع

من اجله خلق الزمان وضوئت

شهب كنسنَ وجنّ ليلٌ أدرع

علم الغيوب لديه غير مدافع

والصبح أبيض مسفر لا يدفع

وإليه في يوم المعاد حسابنا

وهو الملاذ لنا غداً والمفزع

هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه

سيضرّ معتقداً له أو ينفع

يا من له في أرض قلبي منزل

نعم المراد الرحب والمستربع

اهواك حتى في حشاشة مهجتي

نار تشبّ على هواك وتلذع

وتكاد نفسي ان تذوب صبابة

خلقا وطبعاً لا كمن يتطبع

٦٥

ورأيت دين الاعتزال وانني

اهوى لأجلك كل من يتشيع

ولقد علمت بأنه لا بد من

مهديكم وليومه اتوقع

تحميه من جند الاله كتائب

كاليمّ أقبل زاخراً يتدفع

فيهالآل أبي الحديد صوارمٌ

مشهورة ورماح خط شرّع

ورجال موت مقدمون كأنهم

اسد العرين الربد لا تتكعكع

تلك المنى اما أغب عنها فلي

نفس تنازعني وشوق ينزع

تم تخلّص الى مصيبة الحسين عليه‌السلام بالابيات التي هي في صدر الترجمة.

وقال في احدى علوياته الشهيرة بعد أن عدد مناقب الامام امير المؤمنين عليه‌السلام ذكر الحسين (ع) :

لقد فاز عبد للوليّ ولاؤه

وإن شابَهُ بالموبقات الكبائر

وخاب معاديه ولو حلّقت به

قوادم فتخاء الجناحين كاسر

هو النبأ المكنون والجوهر الذي

تجسد من نور من القدس زاهر

ووارث علم المصطفى وشقيقه

أخاً ونظيراً في العلى والأواصر

تعاليت عن مدح فابلغ خاطب

بمدحك بين الناس أقصر قاصر

فليت ترابا حال دونك لم يحل

وساتر وجه منك ليس بساتر

لتنظر ما لاقى الحسين وما جنت

عليه العدى من مفظعات الجرائر

فيالك مقتولاً تهدمت العلى

وثُلّت به أركان عرش المفاخر

ويا حسرتى إذ لم أكن في اوائل

من الناس يتلى فضلهم في الأواخر

فانصر قواماً إن يكن فات نصرهم

لدى الروع خطارى فمامات خاطري

عجبت لاطواد الاخاشب لم تمد

ولا أصبحت غوراً مياه الكوافر (١)

__________________

١ ـ جمع كافر : هو البحر أو النهر العظيم.

٦٦

وللشمس لم تكسف وللبدر لم يحل

وللشهب لم تقذف بأشأم طائر

أما كان في رزء ابن فاطم مقتضٍ

هبوط رؤس أو كسوف زواهر

ولكنما قدر النفوس سجية

لها وعزيز صاحب غير غادر

بنى الوحى هل ابقى الكتاب لناظم

مقالة مدح فيكم أو لناشر

اذا كان مولى الشاعرين وربهم

لكم بانياً مجداً فما قدر شاعر

فاقسم لولا أنكم سبل الهدى

لضلّ الورى عن لا حب النهج ظاهر

ولو لم تكونوا في البسيطة زلزلت

وأخرب من أرجائها كل عامر

سأمنحكم مني مودة وامق

يغض قِلاً عن غيركم طرف هاجر

ومن احدى علوياته :

حنانيك فاز العرب منك بسؤدد

تقاصر عنه الفرس والروم والنوب

فما ماس موسى في رداء من العلى

ولا آب ذكراً بعد ذكرك ايوب

أرى لك مجداً ليس يجلب حمده

بمدح وكل الحمد بالمدح مجلوب

وفضلاً جليلاً إن وفى فضل فاضل

تعاقب إدلاج عليه وتأويب

لذاتك تقديس لرمسك طهرة

لوجهك تعظيم لمجدك ترحيب

وقد قيل في عيسى نظيرك مثله

فخسرٌ لمن عادى علاك وتتبيب

عليك سلام الله يا خير من مشى

به بازل عبر المهامة خرعوب

وقوله يمدحه في ذكر فتح مكة :

طلعت على البيت العتيق بعارض

يمجّ نجيعا من ظبى الهند أحمرا

فألقى اليك السلم من بعد ما عصى

جُلندى (١) وأعيا تُبّعاً ثم قيصرا

__________________

١ ـ جُلندى بضم الجيم مقصورا اسم ملك لعمان ، وتبع واحد التابعة وهم ملوك اليمن.

٦٧

واظهرت نور الله بين قبائل

من الناس لم يبرح بها الشرك نيرا

وكسرت اصناما طعنت حماتها

بسمر الوشيج اللدن حتى تكسرا

رقيتَ بأسمى غاربٍ أحدقت به

ملائكُ يتلون الكتاب المسطرا

يغارب خير المرسلين وأشرف الـ

ـأنام وأزكى ناعل وطأ الثرى

فسبّح جبريل وقدّس هيبة

وهلل إسرافيل رعباً وكبّرا

فيا رتبة لو شئت أن تلمس السها

بها لم يكن ما رمته متعذرا

ويا قدميه أي قدس وطأتما

وايّ مقامٍ قمتما فيه أنورا

بحيث أفاءت سدرةُ العرش ظلها

بضوجيه (١) فاعتدّت بذلك مفخرا

وحيث الوميض الشعشعاني فايض

من المصدر الاعلى تبارك مصدرا

فليس سواع بعدها بمعظم

ولا اللات مسجوداً لها ومعفّرا

__________________

١ ـ الضوج : الجانب.

٦٨

ابن الابّار

القضاعي المتوفي ٦٥٨

أتنتهب الايام أفلاذ أحمد

وأفلاذ من عاداهم تتودد

ويضحى ويضما أحمد وبناته

وبنت زياد وردها لا يصرّد

أفي دينه في امنه في بلاده

تضيق عليهم فسحة تتورد

وما الدين إلا دين جدهم الذي

به أصدروا في العالمين وأوردوا

رواها صاحب كتاب ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ) في الجزء الثاني ص ٦٠٤ وقال :

انتهى ما سنح لي ذكره من ( درر السمط ) وهو كتاب غاية في بابه ، ولم أورد منه غير ما ذكرته لان في الباقي ما تشم منه رائحة التشيع ، والله سبحانه يسامحه بمنه وكرمه ولطفه.

٦٩

جاء في محاضرة للدكتور عبد اللطيف السعداني من اهل المغرب ( فاس ) وعنوان المحاضرة : حركات التشيع في المغرب ومظاهره.

وبعد أن استطرد في بيانه روى لنا قصيدة صفوان بن ادريس التجيبي من شعراء القرن السادس الهجري والتي رددها ابناء المغرب في شهر المحرم قال :

ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية فنعثر على اثر آخر للفكر الشيعي حيث نلتقي بأحد أدباء الاندلس في النصف الاول من القرن السابع الهجري هو القاضي ابو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي ( المقتول في ٢٠ محرم سنة ٦٥٨ هـ ) ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة موضوعهما هو رثاء سيدنا الحسين. اولهما : ( اللجين في رثاء الحسين ) ولا يعرف اليوم اثر لهذا الكتاب غير اسمه وثانيهما : « درر السمط في اخبار الطيب من غصن الاندلس الرطيب. وقد اعترف المقري بأنه اغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما « يشمّ منه رائحة التشيع » ثم انه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط. ونضيف هذا القول الواضح والشهادة الصريحة الى ما اشرنا اليه سابقا عن علّة سكوت كتب التاريخ وغيرهما من الاشارة الى آثار التشيع في المغرب والاندلس. ولم يحل عم المقري مع ذلك من اعطائه حكما موضوعيا عن هذا الكتاب فقط : « وهو كتاب غاية في بابه » وقد اكتشف هذا الكتاب برمته واستطعنا ان ندرك عن كثب اهميته البالغة في هذا الباب.

ومهما اطلنا في التنويه بهذا الكتاب واسلوبه الجميل وبيانه الرائع وتأثيره البالغ في سامعيه بوصفه لتلك الحوادث المؤلمة في تاريخ الاسلام فانه لا يكفي

٧٠

لبيان منزلته في الادب الشيعي وهو على كل حال يقدم لنا الدليل القاطع على رواج حركة التشيع في الاندلس في هذا العصر. ولكي نأخذ فكرة واضحة عن ذلك انقل بعض الفقرات من هذا الكتاب مما لا يبقى معه شك بتشيع صاحبه. بدأ بتحية آل البيت والشهادة بحبهم :

« اولئك السادة احيى وافدّي والشهادة بحبهم أوفّي وأؤدّي ومن يكتمها فانه آثم قلبه. ثم خاطبهم وذكر نقاء حقيقتهم النبوية وعاقبة أمرهم :

« يا لك أنجم هداية لا تصلح الشمس عن آية ، كفلتم في حجرها النبوة فلله تلك النبوة ذرية بعضها من بعض. سرعان ما بلي منهم الجديد وغري بهم الحديد نسفت أجبلهم الشامخة وشدخت غررهم الشادخة ، فطارت بطررهم الارواح وراحت عن جسومهم الأرواح ، بعد ان فعلوا الافاعيل وعيل صبر اقتالهم وصبرهم ما عيل ».

ويتحسر عليهم ويعرض باعدائهم فيقول :

« اشكو الى الله ضعف الامين وخيانة القوى قعد بالحسين حقه وقام بيزيد باطله واخلاقه حضر موقد القضاء الخصمان وعنت الوجوه للرحمن جاء الحق وزهق الباطل ان الامامة لم تكن للئيم ما تحت العمامة من سبط هند وابنها دون البتول ولا كرامة ، يسر ابن فاطمة للدين بتسمّيه وابن ميسون للدنيا تستهويه اعملوا فكل ميسّر لما خلق له ، فأما هذا فتحرّج وتأثم واما ذاك فتلجلج وتلعثم ، مشى الواحد الى نور يسعى بين يديه وعشى الثاني الى ضوء نار لا يغرو ما لديه ، يا ويح من وازى الكتاب فقال والدنيا أمامه : كانت بنو حرب فراعنة فذهب ابن بنت رسول الله ليخرجهم من العراق فانعكس الروم وحورب ولا فارس والروم. وعندما يصف الحادث المفجع لقتل سبط الرسول نحُسّ ان قلبه يكاد ينفطر من الأسى فيقول :

٧١

« عاشر محرم ابيحت الحرمات وافيضت على النور الظلمات ، فتفاقم الحادث وحمل على الطيبين الاخابث وضرب السبط على عاتقه ويسراه وما أجرأ من أسال دمه وأجراه ، ثم قتل بعقب كلكم ذبحا وغودر حتى العاديات ضبحا » ويضيف مشيرا في الاخير الى ان هذه الداهية كانت السبب في ادبار عز المسلمين « أيّة فتنة عمياء وداهية دهياء لا تقوم بها النوادب ولا تبلغ معشارها النوائب ، طاشت لها النهى وطارت واقبلت شهب الدجى وغارت ، لولاها ما دخل ذل على العرب ولا الف صيد الصقر بالحزب نسف النبع بالغرب فانظر الى ذوي الاستبصار خضع الرقاب نواكس الابصار.

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذلّ رقاب المسلمين فذلّتِ »

وفي الأخير يعود الى تأكيد الايمان بهم والتعلق بحبهم وتفضيلهم على أعدائهم يقول :

ما عذر لأمية وأبنائها في قتل العلوية وإفنائها أهم يقسمون رحمة ربك؟ كم دليل في غاية الوضوح على انهم كسفينة نوح من ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق ، ثم يحسبهم آل الطليق ويطاردهم آل الطريق. وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد. نساؤهم أيا من امية وسماؤهم أرض بني سمية.

من عصبة ضاعت دماء محمد وبنيه بين يزيدها وزيادها كان الحسين يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا ويزيد يتلف العمر تبريحا وعدوانا عمرك الله كيف يلتقيان (١).

وقد بقي لهذا الكتاب ونزعته الشيعية صدى انتقل الى المغرب وظل بها

__________________

١ ـ اعتمدنا فيما نقلناه مخطوطة كتاب ( درر السمط في أخبار السبط ) التي تهيأ للطبع بتحقيق الدكتور عبد السلام البهراس والاستاذ سعيد اعراب.

٧٢

زمنا طويلا فبعد ثلاثة قرون من تأليفه نعثر على شرح له لأحد المغاربة هو الفقيه الأديب سعيد الماغومي الملقب بوجمعة المولود سنة ٩٥٠ هـ ويعتبر هذا الشرح اليوم من المفقودات. غير أن ابن القاضي يخبرنا في كتابه درة الحجال انه كان موجوداً في خزانة المنصور السعدي بمدينة مراكش. وتظهر عناية ملوك المغرب بمثل هذه التآليف فيما قيل من أن شارح هذا الكتاب أخذ مكافأة على تأليفه وزنه ذهبا.

جاء في فوات الوفيات في ترجمة ابن الابار ما يلي :

محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي الكاتب الاديب المعروف بابن الادبار ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة عني الحديث وجال في الاندلس وكتب العالي والنازل وكان بصيرا بالرجال عالما بالتاريخ إما ما في العربية فقيها مفننا أخبارياً فصيحا له يد في البلاغة والانشاء كامل الرياسة اذا رياسة وافية وأبهة وتجمل وافر.

وله من المصنفات « تكملة الصلة » لابن بشكوال كتاب « تحفة القادم » وكتاب « ايماض البرق ».

قتل مظلوما بتونس على يد صاحبها لأنه تخيل منه الخروج وشق العصا وقيل : ان بعض اعدائه ذكره عند صاحب تونس انه الف تاريخا وأنه تكلم فيه في جماعة فلما طلب وأحس بالهلاك قال لغلامه : خذ البغلة وامض بها حيث شئت فهي لك وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة.

ومن شعره :

منظوم الخدّ مورده

يكسوني السقم مجرده

شفاف الدر له جسد

يأبى ما اودع مجسده

٧٣

في وجنته من نعمته

جمر بفؤادي موقده

ريم يرمى عن اكحله

زرقا تُصمى من يصمده

متداني الخطوة من ترف

اترى الأحجال تقعده

ولاه الحسن وامره

وأتاه السحر يؤيده

وقال ايضاً رحمه الله تعالى :

ونهر كما ذابت سبائك فضة

حكى بمحانيه انعطاف الاراقم

إذا الشفق استولى عليه احمراره

تراءى قضيباً مثل دامي الصوارم

وقال ايضا رحمه الله تعالى :

لم تدر ما خلّدت عيناك في خلدي

من الغرام ولا ما كابدت كبدي

افديك من رائد رام الدنو فلم

يسطعه من فرق في القلب متقد

خاف العيون فوافاني على عجل

معطلا جيده إلا من الجيد

عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها

من ذلك الشنب المعسول والبرد

حتى إذا غازلت اجفانه سِنَة

وصيّرته يد الصهباء طوع يدي

اردت توسيده خدي وقلت له

فقال كفك عندي أفضل الوسد

فبات في حرم لا غدر يذعره

وبتّ ظمآن لم اصدر ولم أرد

بدر ألمّ وبدر الأفق ممتحق

والجو مُحلو لك الأرجاء من جسدي

تحيّر الليل فيه أين مطلعه

أما درى الليل أن البدر طوع يدي

وترجم له الصفدي في الوافي بالوفيات فذكر جملة من مؤلفاته وروائع من اشعاره. كما ترجم له السيد الأمين في الأعيان.

٧٤

احمد بن صالح السنبلي

المتوفي ٦٦٤

قال في فوات الوفيات : فمن قوله ـ وقد وقع مطر كثير يوم عاشوراء :

يوم عاشوراء جادت بالحيا

سُحُبٌ تهطل بالدمع الهمول

عجباً حتى السماوات بكت

رُزء مولاي الحسين ابن البتول (١)

اقول وبهذه المناسبة ذكر العماد الاصفهاني الكاتب في ( خريدة القصر ) (٢) قول المهذب بن الزبير يرثي أحد الكبراء ، وقد نزل المطر عقب موته.

بنفسي مَن أبكى السماوات فقده

بغيث ظنناه نوال يمينه

فما استعبرت إلا أسى وتأسفاً

وإلا فماذا القطر في غير حينِه

__________________

١ ـ فوات الوفيات ج ١ ص ٨٣.

٢ ـ خريدة القصر ص ٢٢٢.

٧٥

احمد بن صالح السنبلي

قال ابن شاكر في فوات الوفيات ص ٨٣ من شعره في مكاري

هويتُه مكارياً

شرّد عن عيني الكرى

كأنه البدر ، فما

يَمّلُ من طول اسرى

وله في سيف الدين عامِل الجامع :

ربعُ المصالح دارس

لم يبق منه طائل

هيهات تعمر بقعة

والسيف فيها عامل

وله في زهر اللوز :

للوز زهر حسنه

يُصبى الى زمن التصابي

شكت الغصون من الشتا

فأعارها بيضَ الثياب

وكأنه عشق الربيع

فشاب من قبل الشباب

وشعره جيد وان كان من المقطعات ويدل مع قلّته على ذوق أصيل.

٧٦

ابو الحسين الجزار

المتوفي ٦٧٢

ويعود عاشورا ، يذكرني

رزء الحسين فليت لم يعُد

يا لبت عيناً فيه قد كحلت

بمسرّة لم تخل عن رمد

ويداً به لشماتة خضبت

مقطوعة من زندها بيدي

يوم سبيلي حين اذكره

ان لا يدور الصبر في خلدي

أما وقد قتل الحسين به

فابوا الحسين أحقّ بالكمد (١)

__________________

١ ـ عن نسمة السحر فيمن تشيع وشعر ـ مخطوط مكتبة كاشف الغطاء العامة.

٧٧

جمال الدين ابو الحسين يحى بن عبد العظيم الجزار المصري.

ولد سنة ٦٠١ وتوفي سنة ٦٧٢ وفي شذرات الذهب توفي في شوال سنة ٦٧٩ وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة.

وفي شذارت الذهب : الاديب الفاضل كان جزاراً ثم استرزق بالمدح وشاع شعره في البلاد وتناقلته الرواة.

جمع له الشيخ المعاصر الشيخ محمد السماوي رحمه‌الله من الشعر ديواناً يربو على الف ومائتين وخمسين بيتاً ، وله ارجوزة في ذكر من تولى مصر من الملوك والخلفاء وعما لها ذكرها له صاحب نسمة السحر.

قال ابن حجة في خزانة الادب : تعاهد هو والسراج الورّاق والحمامي وتطارحوا كثيراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية حتى انه قيل للسراج الوراق : لولا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك.

قال صاحب نسمة السحر : وكان من اهل مصر وله الشعر الجيد والنكت الدالة على خفة روحه ، وله مع سراج الدين عمر الوراق لطايف شعرية وكانا كنفس واحدة وشعرهما متشابه الا انه محكم.

قال السيد الأمين في الأعيان هذه قصيدة وجدها صاحب الطليعة في مجموعة حليّة.

حكم العيون على القلوب يجوز

ودواؤها من دائهن عزيز

كم نظرة نالت بطرف فاتر

ما لم ينَله الذابل المحزوز

٧٨

فحذار من تلك اللواحظ غرّة

فالسحر بين جفونها مركوز

يا ليت شعري والأماني ضلّة

والدهر يدرك طرفه ويجوز

هل لي روض تصرّم عمره

سبب فيرجع ما مضى فأفوز

وأزور من ألِفَ البعاد وحبّه

بين الجوانح والحشا مرزوز

ظبيٌ تناسب في الملاحة شخصه

فالوصف حين يطول فيه وجيز

والبدر والشمس المنيرة دونه

في الوصف حين يحرّر لتمييز

لولا تثنى خصره في ردفه

ما خلت إلا أنّه مغروز

تجفو غلالته عليه لطافة

فبحسنها من جسمه تطريز

مَن لي بدهرٍ كان لي بوصاله

سمحاً ووعدي عنده منجوز

والعيش مخضّر الجناب أنيقه

ولأوجه اللذات فيه بروز

والروض في حلل النبات كأنه

فرشت عليه دبابج وخزوز

والماء يبدو في الخليج كأنه

ظل لسرعة سيره محفوز

والزهر يوهم ناظريه إنما

ظهرت به فوق الرياض كنوز

فأقاحه ورق ومنثور الندى

درّ ونور بهاره ابريز

والغصن فيه تغازل وتمايل

وتشاغل وتراسل ورموز

وكأنما القمري ينشد مصرعاً

من كل بيت والحمام يجيز

وكأنما الدولاب زمر كلّما

غنّت وأصواب الدوالب شيز

وكأنما الماء المصفّق ضاحك

مستبشر ممّا أتى فيروز

يهنيك يا صهر النبي محمّد

يوم به للطيبين هزيز

أنت المقدّم في الخلافة مالها

عن نحو ما بك في الورى تبريز

صبّ الغدير على الألى جحدوا لظى

يوعى لها قبل القيام أزيز

إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو

لى للورى؟ فالهامز المهموز

لم يخش مولاك الجحيم فانّها

عنه إلى غير الوليّ تجوز

٧٩

أترى تمرّ به وحبّك دونه

عوذٌ ممانعة له وحروز

أنت القسيم غداً فلهذا يلتظي

فيها وهذا في الجنان يفوز

وذكر له ابن حجة قوله مؤرياً في صناعته :

الا قل للذي يسأ

ل عن قومي وعن أهلي

لقد تسأل عن قومٍ

كرام الفرع والأصل

تُرجّيهم بنو كلبٍ

وتخشاهم بنو عجل

ومثله قوله :

إني لمن معشر سفك الدماء لهم

داب وسل عنهم ان رمت تصديقي

تضيء بالدم إشراقاً عراصهم

فكلّ أيامهم أيام تشريق

ومثله قوله :

أصبحت لحاماً وفي البيت لا

اعرف ما رائحة اللحم

واعتضت من فقري ومن فاقتي

عن التذاذ الطعمِ بالشم

جهلته فقراً فكنتُ الذي

اضلّه الله على علم

وظريف قوله :

كيف لا اشكر الجزارة ما عشـ

ـتُ حفاظاً وارفض الآدابا

وبها صارت الكلاب ترجيّـ

ـني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ومثله قوله :

معشر ما جاءهم مسترفدُ

راح إلا وهو منهم معسر

أنا جزّار وهم من بقرٍ

ما رأوني قط إلا نفروا

٨٠