السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-190-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٩
ونشير في هذه الرواية إلى أمرين :
الأول : تصريحها : بأن إجلاء اليهود كان رأيا من عمر ، وليس امتثالا لأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله». بل كان الدافع له هو ما فعلوه بولده.
ومن الواضح : أن ما فعلوه بابن عمر ليس مبررا كافيا لذلك ، فقد سبق لليهود أن قتلوا عبد الله بن سهل بخيبر ، فاتهمهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» والمسلمون بقتله ، فأنكروا ذلك ، فوداه «صلىاللهعليهوآله» ، ولم يخرجهم بسبب ذلك (١).
الثاني : أن ما نقله عمر لأحد بني الحقيق ، لم يكن هو المستند لإخراجهم ، بل هو صرح : بأن ذلك كان لرأي رآه بسبب ما فعلوه بولده ..
كما أن إخبار النبي «صلىاللهعليهوآله» هذا ليس فيه ما يدل على أنهم يخرجون بحق أو بغير حق ، ولا يفيد في تأييد هذا الإخراج ولا تفنيده ، ولعله لأجل ذلك لم يستطع أن يستند إليه الخليفة في تبرير ما يقدم عليه.
ه : وبعض المصادر : أضاف إلى ما صنعوه بابن عمر ، أنهم غشوا المسلمين (٢).
__________________
(١) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ وعمدة القاري ج ١٣ ص ٣٠٦ والإصابة ج ٢ ص ٣٢٢ وفيه : أن هذا الحديث موجود في الموطأ ، وأخرجه الشيخان في باب القسامة ، وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٩ و ١٨٠ ومستدرك الوسائل ج ١٨ ص ٢٦٨ والبحار ج ١٠١ ص ٤٠٤ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٩ ص ١١٤ والإكتفاء ج ٢ ص ٢٧٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧١٤ و ٧١٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٧ و ٥٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٦.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ و (ط دار إحياء التراث) ٢٢٧ وتاريخ الإسلام ـ
ولا ندري إن كان يقصد : أن غشهم هذا كان بفعل مستقل منهم ، أم أن ما فعلوه بابن عمر هو الدليل لهذا الغش ..
قال دحلان : «استمروا على ذلك إلى خلافة عمر. ووقعت منهم خيانة وغدر لبعض المسلمين ، فأجلاهم إلى الشام ، بعد أن استشار الصحابة في ذلك» (١).
وعبارة دحلان هذه ظاهرة في الإنطباق على قصة ابن عمر ، مما يعني : أنهم اعتبروا ذلك خيانة وغدرا ، وكفى بهذا مبررا لما صنعه بهم عمر بن الخطاب.
و : ومما يدل على أن إجلاءهم كان رأيا من الخليفة الثاني : ما رواه أبو داود وغيره ، عن ابن عمر ، عن أبيه ، أنه قال : أيها الناس ، إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان عامل يهود خيبر على أنّا نخرجهم إذا شئنا ، فمن كان له مال فليلحق به ، فإني مخرج يهود. فأخرجهم (٢).
__________________
للذهبي (المغازي) ص ٣٥٢ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠ وعمدة القاري ج ١٣ ص ٣٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٨ و ٣٧٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٣٨ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٦٠٩ وموارد الظمآن ص ٣١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٣ ..
(١) السيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٦١.
(٢) سنن أبي داود ج ٣ ص ١٥٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٠ و (ط دار إحياء التراث) ص ٢٢٨ وأشار إليه في فتح الباري ج ٥ ص ٢٤١ عن أبي يعلى ، والبغوي ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٠ وكنز العمال ج ٤ ص ٣٢٥ و (ط الرسالة) ص ٥٠٩ عن أبي داود ، والبيهقي ، وأحمد ، وراجع : المصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٣٥٩ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٥٦ والمحلى ج ٨ ص ٢٢٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٥٦.
ومعنى ذلك : أنه لم يكن يرى إخراجهم واجبا شرعيا ، كما أنه قد احتج لما يفعله باشتراط النبي «صلىاللهعليهوآله» إبقاءهم بالمشيئة حيث قال : «إذا شئنا» ولم يحتج لذلك بما ثبت له عنه «صلىاللهعليهوآله» ، من عدم بقاء دينين في أرض العرب.
مع أنه لو كان هذا هو السبب والداعي ، لكان الإحتجاج به أولى وأنسب.
ومما يؤيد ذلك ويعضده : أن اليهود حين اعترضوا عليه بقولهم : لم يصالحنا النبي «صلىاللهعليهوآله» على كذا وكذا؟؟
قال : بلى. على أن نقركم ما بدا لله ولرسوله ، فهذا حين بدا لي إخراجكم.
فأخرجهم (١).
ز : إنه قد أخرج نصارى نجران أيضا ، وأنزلهم ناحية الكوفة (٢).
ح : ذكرت بعض الروايات : أن السبب في إجلائهم هو استغناء المسلمين عنهم ، وليس تنفيذا لوصية النبي «صلىاللهعليهوآله» بإخراجهم.
يقول ابن سعد وغيره : إنه لما صارت خيبر في أيدي المسلمين ، لم يكن لهم من العمال ما يكفون عمل الأرض ، فدفعها النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى اليهود ، يعملونها على نصف ما يخرج منها.
فلم يزالوا على ذلك حتى كان عمر بن الخطاب ، وكثر في أيدي
__________________
(١) المصنف للصنعاني ج ٤ ص ١٢٥ وراجع تاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ١٧٨ وسيأتي الحديث بلفظ آخر بعد قليل تحت حرف : ط.
(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٨٣ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٢٢٢ وتاج العروس ج ٣ ص ٥٦ وعن تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٠٢ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج ٧ ص ١١٥.
المسلمين العمال ، وقووا على عمل الأرض ، فأجلى عمر اليهود إلى الشام ، وقسم الأموال بين المسلمين إلى اليوم (١).
وقريب من ذلك ذكره ابن سلام أيضا ، فراجع (٢).
وبعد أن ذكر العسقلاني هذه الرواية ، وذكر رواية عدم اجتماع دينين في جزيرة العرب ، ثم رواية البخاري عن فدع اليهود لعبد الله بن عمر ، قال :
«.. ويحتمل أن يكون كل هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم» (٣).
ونقول للعسقلاني : إنه احتمال غير وارد ، فإن ظاهر كل رواية : أن السبب في إخراجهم هو خصوص ما تذكره دون غيره ، ولا سيما حين يأتي التعليل في مقام الإحتجاج والإستدلال ، ودفع الشبهة ، من نفس ذلك الرجل الذي أخرجهم ، إذ كان بإمكانه أن يذكر الأسباب الثلاثة ، فإن ذلك آكد في الحجة ، وأولى في الإقناع.
ط : قولهم : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد أمر بإجلاء اليهود والنصارى من بلاد العرب ، وأنه قال : لا يجتمع ببلاد العرب دينان ، أو نحو ذلك.
ينافيه :
١ ـ قولهم : ـ حسبما روي عن سالم بن أبي الجعد ـ : «كان أهل نجران بلغوا أربعين ألفا ، وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين ، فتحاسدوا بينهم ، فأتوا عمر ، فقالوا :
__________________
(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١١٤ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠ وتاريخ المدينة ج ١ ص ١٨٨ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٤١٠.
(٢) الأموال ص ١٤٢ و ١٦٢ و ١٦٣ ونيل الأوطار ج ٨ ص ٢٠٩.
(٣) عن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٠.
إنا قد تحاسدنا بيننا ، فأجلنا.
وكان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد كتب لهم كتابا : أن لا يجلوا.
فاغتنمها عمر ، فأجلاهم الخ ..» (١).
فإننا نشك في صحة هذه الرواية ، لأن مجرد تحاسدهم ، لا يدعوهم إلى طلب الإجلاء هذا ، خصوصا مع ملاحظة النص التالي.
٢ ـ ورد في نص آخر : أن عمر إنما أخرج أهل نجران ، لأنهم أصابوا الربا في زمانه (٢).
٣ ـ وعن علي «عليهالسلام» : أنه نسب إجلاء أهل نجران إلى عمر أيضا فراجع (٣).
إلا أن يقال : إن نسبة ذلك إليه في قول أمير المؤمنين «عليهالسلام» لا يدل على عدم الأمر به من النبي «صلىاللهعليهوآله».
ي ـ عن ابن عمر : أن عمر أجلى اليهود من المدينة ، فقالوا : أقرنا النبي «صلىاللهعليهوآله» وأنت تخرجنا؟؟
قال : أقركم النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وأنا أرى أن أخرجكم ،
__________________
(١) كنز العمال ج ٤ ص ٣٢٢ و ٣٢٣ عن الأموال ، وعن البيهقي ، وابن أبي شيبة وراجع : هامش ص ١٤٤ من كتاب الأموال ، ونيل الأوطار ج ٨ ص ٢١٦ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٦٤.
(٢) الأموال ص ٢٧٤.
(٣) راجع : كتاب الخراج للقرشي ص ٢٣ وراجع : كنز العمال ج ١٢ ص ٦٠١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٤ ص ٣٦٤.
فأخرجهم من المدينة (١).
فلو أن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان قد أمر بإخراجهم لم ينسب عمر ذلك الإخراج إلى رأيه الشخصي ، مع اعترافه لهم بصحة ما نسبوه إليه «صلىاللهعليهوآله» على سبيل الاعتراض به على عمر ..
ك : يرد هنا سؤال ، وهو : لماذا يخرجهم من بلاد العرب ، ولا يخرجهم من بلاد المسلمين كلها؟؟ فهل لبلاد العرب خصوصية هنا؟؟ وما هي هذه الخصوصية سوى التعصب القومي ، والتمييز العنصري ، وتأكيد الشعور بالتفوق على الآخرين ، بلا مبرر ظاهر؟؟
ل : عن يحيى بن سهل بن أبي حثمة ، قال : أقبل مظهر بن رافع الحارثي إلى أبي بأعلاج من الشام ، عشرة ، ليعملوا في أرضه ، فلما نزل خيبر أقام بها ثلاثا ، فدخلت يهود للأعلاج ، وحرضوهم على قتل مظهر ، ودسوا لهم سكينين أو ثلاثا؟
فلما خرجوا من خيبر ، وكانوا بثبار ، وثبوا عليه ، فبعجوا بطنه ، فقتلوه. ثم انصرفوا إلى خيبر ، فزودتهم يهود وقوّتهم حتى لحقوا بالشام.
وجاء عمر بن الخطاب الخبر بذلك ، فقال : إني خارج إلى خيبر ، فقاسم ما كان بها من الأموال ، وحاد حدودها ، ومورف أرفها (٢) ، ومجل يهود عنها ، فإن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قال لهم :
__________________
(١) كنز العمال ج ٤ ص ٣٢٣ عن ابن جرير في التهذيب ، وتقدم نحوه عن المصنف للصنعاني ج ٤ ص ١٢٥.
(٢) الأرف : جمع أرفة ، وهي الحدود والمعالم. راجع : النهاية لابن الأثير ج ١ ص ٢٦ وكنز العمال (ط الرسالة) ج ٤ ص ٥١٠ وج ١٠ ص ٤٦١.
أقركم ما أقركم الله. وقد أذن الله في إجلائهم. ففعل ذلك بهم (١).
وهذا يدل على أن إخراج أهل خيبر لم يكن لأجل قول رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : لا يجتمع بأرض العرب دينان.
وذكر الواقدي : أن عمر خطب الناس ، فقال : أيها الناس ، إن اليهود فعلوا بعبد الله ما فعلوا ، وفعلوا بمظهر بن رافع ، مع عدوتهم على عبد الله بن سهل في عهد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، لا أشك أنهم أصحابه ، ليس لنا عدو هناك غيرهم ؛ فمن كان له هناك مال ؛ فليخرج ؛ فأنا خارج ، فقاسم ..
إلى أن قال : إلا أن يأتي رجل منهم بعهد ، أو بينة من النبي «صلىاللهعليهوآله» أنه أقره ، فأقره ..
ثم ذكر تأييد طلحة لكلام عمر ، ثم قول عمر له : من معك على مثل رأيك؟؟
قال : المهاجرون جميعا ، والأنصار. فسر بذلك عمر (٢).
ل : قال الحلبي الشافعي بعد ذكره رواية مصالحة النبي «صلىاللهعليهوآله» لهم ، وأنه «صلىاللهعليهوآله» قال لهم : على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم :
«أي وهذا يخالف ما عليه أئمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية ، أن يقول الإمام ، أو نائبه : أقركم ما شئنا ، بخلاف ما شئتم ، لأنه تصريح
__________________
(١) كنز العمال : ج ٤ ص ٣٢٤ و ٣٢٥ عن ابن سعد ، والمغازي للواقدي : ج ٢ ص ٧١٦ و ٧١٧ وفي السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٥٧ ، كما في مغازي للواقدي.
(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٧١٦ و ٧١٧.
بمقتضى العقد ؛ لأن لهم نبذ العقد ما شاؤوا.
وذكر أئمتنا : أنه يجوز منه «صلىاللهعليهوآله» ـ لا منا ـ أن يقول : أقررتكم ما شاء الله ؛ لأنه يعلم مشيئة الله دوننا» (١).
ونقول : إن ذلك محل نظر ؛ إذ :
١ ـ من الذي قال : إنه «صلىاللهعليهوآله» يعلم ـ في هذا المورد بخصوصه ـ مشيئة الله سبحانه؟؟ فلعل الله حجب عنه الغيب لمصلحة في البين.
وحتى لو كان الله سبحانه قد أطلع نبيه «صلىاللهعليهوآله» على مشيئته في هذا المورد بخصوصه أيضا ، فإن ظاهر الأمر هو : أنه «صلىاللهعليهوآله» إنما يتصرف وفق ظواهر الأمور .. ولو كان يستند في ذلك إلى خصوصية غيبية ، فاللازم هو أن يعلم الناس بذلك ، لكي لا يتابعوه في تصرفه هذا ، ولا يفهموا أن لهم الإقتداء به في ذلك أيضا.
٢ ـ لماذا لا يصح للنبي «صلىاللهعليهوآله» ، ولغيره أيضا أن يقول ذلك؟؟ أليس حكمهم الجلاء ، وقد عادت الأرض إليه «صلىاللهعليهوآله» ، لتكون خالصة له؟ فهو يزارعهم في ملكه ، وله أن يمنعهم من العمل والسكنى فيها متى شاء. إذ ليست الأرض لهم ، ليكون «صلىاللهعليهوآله» هو الذي ينتظر نقضهم للعهد ، كي تكون المشيئة إليهم في النقض وعدمه ، كما يريد هؤلاء أن يفهموا ، أو أن يدّعوا؟؟
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٧.
م : إن عمر إنما أجلاهم إلى أريحا وتيماء من جزيرة العرب (١).
وقد حاول الحلبي الشافعي الإدّعاء : بأن المقصود بجزيرة العرب : خصوص الحجاز ، وأن أريحا وتيماء ليستا من الحجاز.
ولعله استند في ذلك إلى : بعض النصوص التي عبرت بكلمة «الحجاز» بدل «جزيرة العرب» ، كما يفهم من كلامه ضمنا (٢).
ونقول :
أولا : إن الروايات متناقضة ، فبعضها قال : إنه «صلىاللهعليهوآله» أمر بإجلاء اليهود والنصارى.
وبعضها قال : المشركين.
وفي بعضها : لا يبقى دينان في جزيرة العرب.
وفي بعضها : اليهود.
وفي بعضها أنه قال : أخرجوا اليهود من الحجاز ، وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب (٣).
ومن جهة أخرى : فإن بعضها : ذكر الحجاز ، وبعضها ذكر جزيرة العرب ..
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٨ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠ وراجع : نيل الأوطار ج ٨ ص ٢٠٩ و ٢٢٢ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٤٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢٢٤ وشرح مسلم للنووي ج ١٠ ص ٢١٢ والمصنف للصنعاني ج ٦ ص ٥٥ وج ١٠ ص ٣٥٩.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٨.
(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٨ والأموال ص ١٤٢ و ١٤٣ و ١٤٤ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٠ و ٣٢١ وراجع مصادر الحديث ونصوصه في هوامش الصفحات المتقدمة.
وهذا الإختلاف يوجب ضعف الرواية إلى حد كبير. إذ لا شك في عدم صحة بعض نصوصها .. ولا مجال لتحديد الصحيح منها.
ثانيا : قال السمهودي : «لم ينقل أن أحدا من الخلفاء أجلاهم من اليمن ، مع أنها من الجزيرة» (١).
ثم قال : فدل على أن المراد الحجاز فقط.
وقال الشافعي : إنه لا يعلم أحدا أجلاهم من اليمن (٢).
ونقول :
بل دل ذلك على ضعف الرواية من الأساس ، لا سيما وأن عددا من الروايات يصرح : بأن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال : لا يبقين دينان بأرض العرب. وأرض العرب لا تختص بالحجاز كما هو معلوم.
ثالثا : إن تيماء من الحجاز أيضا ، قال ابن حوقل : بينها وبين أول الشام ثلاثة أيام (٣).
وهي تقع على ثماني مراحل من المدينة ، بينها وبين الشام ، وهي تعد من توابع المدينة (٤).
ومدين التي هي من أعراض المدينة تقع في محاذاة تبوك (٥) ، وتبوك أبعد من تيماء كما هو ظاهر.
__________________
(١) وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢١.
(٢) سبل السلام ج ٤ ص ٦٢.
(٣) صورة الأرض ص ٤١.
(٤) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٦٠ و ١١٦٤.
(٥) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٦٠ و ١٣٠٢ ومعجم البلدان ج ٣ ص ٢١١.
وآخر عمل المدينة «سرغ» ، بوادي تبوك ، على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة (١).
وقالوا عن سرغ : إنها أول الحجاز ، وآخر الشام (٢).
بل لقد قال الحرقي : تبوك وفلسطين من الحجاز (٣).
ولكن السمهودي قال : إن عمر «لم يخرج أهل تيماء ووادي القرى ، لأنهما داخلتان في أرض الشام.
ويرون : أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام» (٤).
ولكن السمهودي نفسه ينقل عن صاحب المسالك والممالك ، وعن ابن قرقول : أنهما عدّا وادي القرى من المدينة (٥).
كما أن ابن الفقيه عدّ دومة الجندل من أعمال المدينة ، ووادي القرى تقع فيها (٦).
وقال ياقوت وغيره : إن وادي القرى من أعمال المدينة أيضا (٧).
وعدها ابن حوقل وغيره من الحجاز (٨).
__________________
(١) راجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٦٠ و ١٢٣٣.
(٢) معجم البلدان ج ٣ ص ٢١١ ومراصد الإطلاع ج ٢ ص ٧٠٧.
(٣) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٨٤.
(٤) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٩.
(٥) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٨.
(٦) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢١٢ وراجع : ص ١٣٢٨.
(٧) راجع : مراصد الإطلاع ج ٣ ص ١٤١٧ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٣٤٥.
(٨) صورة الأرض ص ٣٨ ومسالك الممالك ص ١٩.
وبعد هذا : فإن كلام السمهودي يصبح متناقضا وغير واضح.
وإن كان يمكن الإعتذار عنه بأنه ينسب بعض ما يقوله لغيره ، وذلك لا يدل على رضاه وقبوله به.
ولكن هذا الاعتذار إنما يصح في بعض الموارد دون بعض ، مع ملاحظة : أننا لم نجده يعترض على ما ينقله عن الآخرين ، بل ظاهره : أنه مصدق له ، ومعترف به.
دعاوى لا تصح :
وقد حاول الحلبي هنا : أن يجعل من أسباب كثيرة سببا واحدا ، فوقع في التناقض والإختلاف ، فإنه بعد ما ذكر عزم عمر على إجلاء اليهود ، بسبب ما فعلوه بولده وبعبد الله بن سهل ، وبمظهر بن رافع ، قال :
«فلما أجمع الصحابة على ذلك ، أي على ما أراده سيدنا عمر ، جاءه أحد بني الحقيق فقال له : يا أمير المؤمنين الخ ..» ، فذكر القصة المتقدمة ، وأن عمر لم ينس قول النبي «صلىاللهعليهوآله» لابن أبي الحقيق حول خروجه ، وادّعى ابن أبي الحقيق أنها هزيلة من أبي القاسم.
ثم قال : «ثم بلغه : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال : لا يبقى دينان في جزيرة العرب ، ونصوصا أخرى تقدمت». ثم ذكر أن المراد بالجزيرة : خصوص الحجاز.
إلى أن قال : «ففحص عمر عن ذلك حتى تيقنه ، وثلج صدره ، فأجلى يهود خيبر ، أي وأعطاهم قيمة ما كان لهم من ثمر وغيره ، وأجلى يهود فدك ، ونصارى نجران ، فلا يجوز إقامتهم أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول
والخروج ، ولم يخرج يهود وادي القرى وتيماء ، لأنهما من أرض الشام ، لا من الحجاز» (١).
فهو يقول : إن عمر هو الذي عزم على إجلاء اليهود.
ثم يقول : إن الصحابة قد أجمعوا. ثم يذكر : أن عمر عرف بأوامر النبي «صلىاللهعليهوآله» حول اليهود بعد هذا العزم ، وبعد ذلك الإجماع ، فلما تيقنه وثلج صدره أجلاهم.
كما أنه يذكر العبارات المتناقضة حول جزيرة العرب والحجاز ، ويدّعي أن المقصود بالجزيرة هو خصوص الحجاز.
ولكنه يدّعي : أن تيماء ووادي القرى ليستا من الحجاز ، مع أن النصوص الجغرافية على خلاف ذلك ، حسبما أوضحناه.
ثم يذكر : أنه أعطاهم ثمن أموالهم ..
ولا ندري سبب فعله هذا ، إن كان إخراجهم بسبب نقضهم للعهد؟؟ فإن ناقض العهد لا يعطى ذلك ..
وأخيرا .. فإنه ادّعى : عدم جواز إقامتهم أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج ، فهل هذا الحكم مأخوذ من النبي «صلىاللهعليهوآله» ، أم أنه حكم سلطاني متأخر عن زمنه «صلىاللهعليهوآله»؟
ولا ندري ما الدليل المثبت لجواز إقامتهم هذين اليومين ـ يومي الدخول والخروج ـ بعد منعه «صلىاللهعليهوآله» لهم من البقاء في أرض العرب.
__________________
(١) راجع كلامه بطوله في : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٥٨.
إلى غير ذلك من الأسئلة التي يمكن استخلاصها من مجموع ما ذكرناه.
الرواية الأقرب إلى القبول :
ولعلنا لا نبعد كثيرا إذا قلنا : إن حديث «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» هو من أقوال عمر نفسه ، ثم نسب إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» من أجل تصحيح ما أقدم عليه من نقض عهد اليهود لأجل ابنه ، أو لغير ذلك من أسباب ، لم ير فيها النبي «صلىاللهعليهوآله» ما يوجب ذلك ، حسبما ألمحنا إليه ؛ فقد قال أبو عبيد الله القاسم بن سلام : «حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ومحمد بن عبيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : «أجلى عمر المشركين من جزيرة العرب».
وقال : «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان».
وضرب لمن قدم منهم أجلا ، قدر ما يبيعون سلعهم» (١) انتهى.
فترى في هذا الحديث : أنه نسب القول بعدم اجتماع دينين في جزيرة العرب إلى عمر نفسه من دون إشارة إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ولعل هذا هو الأوفق والأولى بالقبول.
ويؤيد ذلك : ما تقدم ، مما يدل على أن إجلاءهم كان رأيا من عمر ، فلا نعيد.
غير أن مما لا شك فيه هو : أن سبب إجلائهم كان شخصيا بحتا ، بادر
__________________
(١) الأموال ص ١٤٣.
إليه عمر على سبيل المجازاة لهم على ما ظنه عدوانا على ابنه ، مع أن طريقة عمل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» معهم قبل ذلك تدل على أن هذا العمل في غير محله. فلا يصح نسبته إلى نبي الله «صلىاللهعليهوآله».
وقد تتأكد وجهة النظر هذه إذا كانت الأرض التي فتحها الله على يد علي «عليهالسلام» ، وكذلك ما أفاءه الله تعالى سبحانه على نبيه «صلىاللهعليهوآله» ، مما فتح من غير قتال ، ليكون محاولة لتثبيت المزاعم : بأن النبي «صلىاللهعليهوآله» لا يورث؟؟
الفصل الثالث :
فدك وغصبها : أحداث وتفاصيل
أمط .. أمط :
لما فرغ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من خيبر عقد لواء ثم قال : من يقوم إليه ، فيأخذه بحقه ، وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك.
فقام الزبير إليه ، فقال : أنا.
فقال : أمط عنه.
ثم قام إليه سعد ، فقال : أمط عنه.
ثم قال : يا علي قم إليه فخذه.
فأخذه فبعث به إلى فدك فصالحهم على أن يحقن دماءهم ، فكانت حوائط فدك لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» خاصا خالصا.
فنزل جبرئيل فقال : إن الله عزوجل يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقه.
قال : يا جبرئيل ، ومن قرباي؟؟ وما حقها؟؟
قال : فاطمة ، فأعطها حوائط فدك ، وما لله ولرسوله فيها.
فدعا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فاطمة ، وكتب لها كتابا ، جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر ، وقالت : هذا كتاب رسول الله لي ولا بنيّ (١).
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ٢٢ و ٢٣ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٠٩ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٩١.
وعن أبي سعيد الخدري : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» أخذ الراية فهزها ثم قال : من يأخذ بحقها؟؟
فجاء فلان ، فقال : أنا.
فقال : أمط.
ثم جاء آخر فقال : أنا.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : أمط.
فعل ذلك مرارا بجماعة ..
ثم قال النبي «صلىاللهعليهوآله» : والذي كرم وجه محمد ، لأعطينها رجلا لا يفر.
هاك يا علي.
فانطلق ، وفتح الله خيبر على يديه.
وفي مسند أحمد : حتى فتح الله عليه خيبر وفدك ، وجاء بعجوتها وقديدها (١).
وفي مجمع الزوائد : ذكر أن الزبير طلبها أيضا (٢).
__________________
(١) راجع : تذكرة الخواص ص ٢٥ عن أحمد في الفضائل ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤ ومسند أحمد (ط دار صادر) ج ٣ ص ١٦ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٤ و ١٨٥ و (ط أخرى) ص ٢١١ و ٢١٢ وذخائر العقبى ص ٧٣ ـ ٧٥ والرياض النضرة ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٨٧ وشرح الأخبار ج ١ ص ٣٢١ والعمدة لابن البطريق ص ١٣٩ و ١٤٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ١٠٤ و ١٠٥ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٥٠٠ ونهج الإيمان ص ٣١٧ و ٣١٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٥٢.
(٢) مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤ والعمدة لابن البطريق ص ١٤٢ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٥٠٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ١٠٤ و ١٠٥.