السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-188-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٣٩
وتثبيتا للعظمة» (١).
ويعدّ هذا من أسباب قوة الدعوة ، وثباتها ، وتعزيزها في وجدان الناس ، وفي عقولهم ، وفي حياتهم العملية أيضا ..
تفاوت مستويات الرسائل العربية :
وقد يلاحظ : أن كتب النبي «صلىاللهعليهوآله» ، ورسائله ، وعهوده ، وإقطاعاته ، تختلف وتتفاوت من حيث اشتمالها على الألفاظ الوحشية والغريبة فيها تارة ، وخلوها من ذلك أخرى ، ومن حيث سهولة التعبير وحزونته فيها ، وغير ذلك من خصوصيات ..
والسبب في ذلك هو : أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يكلم الناس ، ويكتب لهم على قدر عقولهم ، وحسبما ألفوه من لغاتهم ، ويصوغ لهم العبارات ، ويورد التراكيب وفق ما هو متداول فيما بينهم ، فأوجب ذلك اختلاف كلماته معهم ، ورسائله لهم ، من حيث وعورة الألفاظ وعذوبتها ، وسهولة التراكيب وتعقيدها. «اتساعا في الفصاحة ، واستحداثا للإلفة والمحبة ، فكان يخاطب أهل الحضر بكلام ألين من الدهن ، وأرق من المزن ، ويخاطب أهل البدو بكلام أرسى من الهضب ، وأرهف من القضب» (٢).
وكلا هذين النوعين من الكلام بليغ وفصيح ، فإن الغريب والوحشي لم يكن وحشيا ولا غريبا بالنسبة للذين خاطبهم به ، بل هو فصيح بالنسبة
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ١ ص ٨٤.
(٢) مكاتيب الرسول ج ١ ص ٨٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ٦١٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص.
إليهم ، بل هذا النمط هو أعلى درجات البلاغة والفصاحة عندهم.
بل قد يقال : إن ما ظهر في لهجات ولغات كثير من القبائل من هنات وهنات (١) كان يعدّ هو الفصاحة بعينها بالنسبة لتلك القبائل.
ولغة قريش فقط هي التي سلمت من أمثال هذه الهنات ، فكانت هي الأفصح ، والأجمل ، والأصفى ، وكان «صلىاللهعليهوآله» من قريش ، فكان «صلىاللهعليهوآله» أفصح العرب ، أو أفصح من نطق بالضاد حسبما روي عنه (٢).
الكتابة في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله :
لا ريب في أن الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة في أول البعثة النبوية الشريفة كانوا قليلين ..
ولكن توسع الإسلام ، خصوصا بعد الهجرة ، وظهور حاجة الناس في كثير من شؤون حياتهم وعلاقاتهم إلى القراءة والكتابة ، وتشجيع الإسلام على تعلّمها ، وقد بلغ النبي «صلىاللهعليهوآله» في حثه على كتابة العلم ،
__________________
(١) راجع : دائرة المعارف ج ٦ ص ٢٧٧ ـ ٢٨١ والوسيط في الأدب العربي.
(٢) راجع : الإختصاص ص ٨٣ وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ١٩٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ١٧٨ وشرح أصول الكافي ج ٩ ص ٣٢٢ ونور البراهين ج ١ ص ١٢٠ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٨١ وتذكرة الموضوعات ص ٨٧ وكشف الخفاء ج ١ ص ٢٠٠ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٤٢٩ وج ٢ ص ١٠٣ والقاموس المحيط ج ١ ص ٦ ومغني اللبيب ج ١ ص ١١٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ وغير ذلك.
وعلى كتابة القرآن ، والسنة ، الغاية ، ووافى على النهاية ، إلى حد أن جعل فداء الأسير في بدر ، هو أن يعلّم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة (١).
وكان «صلىاللهعليهوآله» أمر عبد الله بن سعيد بن العاص : أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة ، وكان محسنا (٢).
وقد ذكر العلامة الأحمدي «رحمة الله» في كتابه «مكاتيب الرسول» العديد ممن صرحوا : بأنهم كتبوا لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» في مختلف المجالات ، فلا بأس بمراجعة ذلك الكتاب.
لم يكن النبي صلىاللهعليهوآله يكتب بيده :
وكانت طريقته «صلىاللهعليهوآله» في كتابة رسائله وغيرها ، هي : أنه يملي ، والكاتب يكتب ، ولم نجد ما يدل على : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد كتب بيده إلا ما تقدم عن البراء بن عازب في قصة الحديبية ، حيث قال :
__________________
(١) التراتيب الإدارية ج ١ ص ٨٤ و ٤٩ عن المطالع النصرية للهوريني ، وعن السهيلي ، ومسند أحمد ج ١ ص ٢٤٧ والروض الأنف ج ٣ ص ٨٣ والإمتاع ص ١٠١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٣ وطبقات ابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ق ١ ص ١٤ ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (الحياة الدستورية) ص ٤٨ والبحار ج ١٩ ص ٣٥٥ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ١٤٠ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٩٦ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٩٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٥١٢.
(٢) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ١٧٤ والإصابة ج ١ ص ٣٤٤ عنه والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٢ ص ٣٧٢ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٧٥ وراجع : السنة قبل التدوين ص ٢٩٩ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ١٠٥ و ٣٩٤.
«فأخذ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وليس يحسن يكتب فكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الخ ..» (١).
وقد قالوا : إن الروايات الأخرى قد صرحت : بأن عليا «عليهالسلام» قد امتثل أمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وكتب ما أمر به.
فيكون المراد : أنه أمر عليا «عليهالسلام» بالكتابة ، فكتب ، وما فعله رسول الله «صلىاللهعليهوآله» هو : أنه محا الكلمة السابقة فقط.
ولكن ذلك لا يعني : أنه «صلىاللهعليهوآله» لم يكن يعرف القراءة والكتابة ، عن طريق التعليم الإلهي الموجب لظهور المعجزة له في ذلك .. كما أثبتناه في كتابنا «مختصر مفيد» (٢).
وكان عدم تصديه لكتابة رسائله وغيرها مراعاة للعرف السائد آنذاك ، ولذلك لم يكن الخلفاء بعده يتصدون للكتابة بأنفسهم أيضا ، بل كانوا يملون على الكاتب ، وهو يكتب .. إلا إذا كانت هناك ضرورة لتصديهم للكتابة بأنفسهم ..
__________________
(١) راجع : البحار ج ٢٠ ص ٣٧٢ و ٣٥٢ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٩٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٠٤ والأموال ص ١٥٨ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٣٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٥ وكنز العمال (ط الهند) ج ١٠ ص ٣٠٣ والمصنف لابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٤٣٥ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٨ ص ٩٣ و ٩٦ وصحيح البخاري ج ٤ ص ٧١ وج ٥ ص ٨٤ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٧٤ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٧٣ وشرح الشفاء للقاري ج ١ ص ٧٢٧ و ٧٢٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٤.
(٢) مختصر مفيد ج ١ ص ١١.
بداية كتب الرسول صلىاللهعليهوآله :
وقد زعموا : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان في مدة من الزمن يكتب : «باسمك اللهم».
ثم صار يكتب : «بسم الله».
ثم صار يكتب : «بسم الله الرحمن».
ثم صار يكتب : «بسم الله الرّحمن الرّحيم».
فقد روي عن الشعبي ، أنه قال :
كان أهل الجاهلية يكتبون : «باسمك اللهم».
فكتب النبي «صلىاللهعليهوآله» أول ما كتب : «باسمك اللهم» ، حتى نزلت : (.. بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ..) (١) ، فكتب : «بسم الله».
ثم نزلت : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ..) (٢). فكتب : «بسم الله الرحمن».
ثم أنزلت الآية التي في طس : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣). فكتب : «بسم الله الرّحمن الرّحيم» (٤).
__________________
(١) الآية ٤١ من سورة هود.
(٢) الآية ١١٠ من سورة الإسراء.
(٣) الآية ٢٠ من سورة النمل.
(٤) راجع : المصادر التالية : الدر المنثور ج ٥ ص ١٠٦ و ١٠٧ عن عبد الرزاق ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وأبي عبيد في فضائله ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبي داود في المراسيل ، وكنز العمال (ط الهند) ج ١٠ ص ١٩٤ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٥ والعقد الفريد ج ٤ ص ١٥٨ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٤٠ ـ
زاد في السيرة الحلبية بعد قوله : فكتب أول ما كتب : «باسمك اللهم وكتب ذلك في أربعة كتب» (١).
ونقول :
إننا بغض النظر عن الطعون التي ربما يشار إليها فيما يتعلق بالشعبي نفسه ، فضلا عمن يروي عنه ، وبقطع النظر عن أن الشعبي لم يكن حاضرا ولا ناظرا لما يجري في زمن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، نقول :
أولا : إن آية : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قد نزلت قبل سورة النمل ، وقبل آية : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ..) وقبل آية : (.. بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ..). بل هي قد بدأت تنزل مرة بعد أخرى من أول البعثة ، وإلى حين وفات النبي ، وكان «صلىاللهعليهوآله» ولم يزل منذ بعثه الله نبيا يصلي ويقرأ بفاتحة الكتاب ، المشتملة على آية : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
وقد ذكرنا في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم» : أن المروي عن
__________________
ومستدرك الوسائل ج ٨ ص ٤٣٢ و ٤٣٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠ وج ١ ص ٢٤٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٩٢ وج ١٣ ص ١٩٤ والوزراء والكتاب للجهشياري ص ١٣ و ١٤ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٦٣ والمصنف لابن أبي شيبة ج ١٤ ص ١٠٥ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٨ والمراسيل لأبي داود ص ٩٠ والتفسير الكبير للرازي ج ١ ص ٢٠٠ وروح المعاني ج ١ ص ٢٧ وثمرات الأوراق (بهامش المستطرف) ج ٢ ص ١٠٥ وعمدة القاري ج ٥ ص ٢٩١.
(١) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٧٦٩.
الإمام الصادق «عليهالسلام» (١) ، وعن ابن عباس ، وعثمان بن سعيد بن جبير :
أنهم كانوا لا يعرفون (أو كان النبي لا يعرف) انتهاء السورة السابقة ، وبدء السورة اللاحقة إلا بنزول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٢).
__________________
(١) تفسير العياشي ج ١ ص ١٩ ومصباح الفقيه (كتاب الصلاة) ص ٧٦ والبحار ج ٨٩ ص ٢٣٦ ونور الثقلين ج ١ ص ٦.
(٢) راجع : الدر المنثور ج ١ ص ٧ وج ٣ ص ٢٠٨ عن أبي داود ، والبزار ، والدار قطني في الإفراد ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في المعرفة ، وفي شعب الإيمان ، وفي السنن الكبرى ، وعن أبي عبيد ، والواحدي ، وفتح الباري ج ٩ ص ٣٩ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١٦ ونيل الأوطار ج ٢ ص ٢٢٨ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٢٣١ و ٢٣٢ وصححه على شرط الشيخين ، وتلخيص المستدرك للذهبي ، بهامشه ، وأسباب النزول للواحدي ص ٩ و ١٠ والسنن الكبرى ج ٢ ص ٤٢ و ٤٣ ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ، الجزء ٤ ص ٤٣٣ والإتقان ج ١ ص ٧٨ وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص ٥٦ و ٥٧ وراجع ص ٥٥ عن بعض من تقدم ، والجامع لأحكام القرآن ج ١ ص ٩٥ وعمدة القاري ج ٥ ص ٢٩٢ ونصب الراية ج ١ ص ٣٢٧ والمستصفى ج ١ ص ١٠٣ وفواتح الرحموت (بهامشه) ج ٢ ص ١٤ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٤ والتفسير الكبير ج ١ ص ٢٠٨ وغرائب القرآن بهامش الطبري ج ١ ص ٧٧ والمصنف للصنعاني ج ٢ ص ٩٢ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣١٠ وج ٢ ص ١٠٩ عن أبي داود ، والبزار ، وكنز العمال ج ٢ ص ٣٦٨ عن الدار قطني في الإفراد ، والتمهيد في علوم القرآن ج ١ ص ٢١٢ عن الحاكم واليعقوبي ، وسنن أبي داود ج ١ ص ٢٠٩ والمنتقى ج ١ ص ٣٨٠ وتبيين الحقائق ج ١ ص ١١٣ وكشف الأستار ج ٣ ص ٤٠ ومشكل الآثار ج ٢ ص ٥٣ والمراسيل لأبي داود السجستاني ص ٩٠ وأحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ١٥ وذكر أخبار إصبهان لأبي نعيم ج ٢ ص ٣٥٦ والمستدرك على الصحيحين ج ٢ ص ٦١١ والكامل لابن ـ
فلماذا عمل «صلىاللهعليهوآله» ، واستن بآية : (.. بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ..) واستن بآية : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ..) ولم يعمل ولم يستن ببسم الله الرحمن الرحيم التي رافقته في جميع السور منذ بعثته ، وإلى حين وفاته؟! ..
ثانيا : يضاف إلى ذلك : أن كتب الله تعالى كلها قد افتتحت بقوله تعالى : (بسم الله الرحمن الرحيم). وكانت هذه الكلمة أول كل كتاب نزل من السماء ، فلماذا لم يستن بها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كما استن بآية : (.. بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ..) ، وبغيرها من الآيات المتقدمة؟!
فراجع الحديث المروي عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «بسم الله الرّحمن الرّحيم : مفتاح كل كتاب» (١).
وعن الإمام الصادق «عليهالسلام» : ما أنزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته «بسم الله الرحمن الرحيم» (٢).
__________________
ـ عدي ج ٦ ص ٣٠٣٩ وج ٣ ص ١٠٣٩ والضعفاء الكبير للعقيلي ج ٢ ص ٣٥ والمعجم الكبير ج ١٢ ص ٨٢ والبيان في تفسير القرآن ص ٤٤٢ وعن فتح الباري ج ٩ ص ٣٥ وتفسير أبي حمزة الثمالي ص ١٠٦ والدر المنثور ج ١ ص ٧.
(١) كنز العمال (ط الهند) ج ١٠ ص ٤٩٣ والدر المنثور ج ١ ص ١٠ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٦ وميزان الحكمة ج ٢ ص ١٣٦٦ وج ٣ ص ٢٦٦٤ والجامع الصغير ج ١ ص ٤٨١ وشرح مسند أبي حنيفة ص ٥ وفيض القدير ج ٣ ص ٢٩٤ وفتح القدير ج ١ ص ١٩.
(٢) جامع أحاديث الشيعة ج ٥ ص ١١٦ و ١١٧ عن الكافي ، والمحاسن ، وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٠ ومستدرك الوسائل عن العياشي ، ونور الثقلين ج ١ ص ٦ ـ
وعن الإمام الباقر «عليهالسلام» : أول كل كتاب نزل من السماء : «بسم الله الرحمن الرحيم» (١).
ثالثا : ومع غض النظر عن هذا وذاك ، فإننا لم نجد هذه الكتب المبدوءة ب «باسمك اللهم». أو ب «بسم الله» أو ب «بسم الله الرحمن» رغم بحثنا عنها ، وما ادّعاه الحلبي ، لو صدقناه فيما ادّعاه ، لم نستطع أن نجد له شاهدا يثبته ، ولا مصداقا يمكن الاعتماد عليه ..
رابعا : قال العلامة الأحمدي «رحمهالله» : «أما ما نقل عنه «صلىاللهعليهوآله» من الكتب ، وليس فيها البسملة فمن آفات الرواة ، وتلخيص الناقلين ، وعدم اهتمامهم ببعض الأمور.
وأما ما أخرجه السيوطي من كتابه «صلىاللهعليهوآله» لأهل نجران ، فسيأتي الكلام عليه في ذكر وفد نجران. مع أن المنقول في جمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٧٦ عن صبح الأعشى ج ٦ ص ٣٨ و ٣٨١ هكذا : «بسم الله الرحمن الرحيم ، إله إبراهيم ..» الخ ..
وأضف إلى ما ذكرنا : ما سيأتي من أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله»
__________________
ـ وج ٢ ص ٢٣٨ عن العياشي ، والكافي ، والبرهان ج ١ ص ٤٢ والوسائل ج ٤ ص ٧٤٧ والبحار ج ٨٢ ص ٢٠ وج ٨٩ ص ٢٣٦ وج ٩٢ ص ٢٣٤ و ٢٣٦ وتفسير العياشي ج ١ ص ١٩ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٣١ ، وراجع : مكاتيب الرسول للأحمدي ج ١ ص ٥٦ وج ٣ ص ٥٠٥ و ٥٠٦ عن مصادر كثيرة.
(١) الكافي ج ٣ ص ٣١٣ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ٤ ص ٧٤٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٥٦ وتفسير نور الثقلين ج ١ ص ٦ وج ٣ ص ٨٤ وتفسير كنز الدقائق ج ١ ص ٣١.
كتب للداريين بمكة ، سنة خمس أو ست ، من البعثة ، أو قبلها ، وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم» انتهى (١).
البدء باسمه الشريف :
ويلاحظ : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان في كتبه يقدم اسمه الشريف موصوفا بوصف الرسالة أو النبوة ، فيكتب مثلا : من محمد رسول الله إلى فلان. أو من محمد النبي لفلان. أو هذا ما كتبه النبي محمد لفلان ..
ويصرح باسم المرسل إليه ، وربما وصفه : بأنه عظيم الروم مثلا ، أو صاحب مملكة كذا ، أو نحو ذلك.
وذلك ـ كما يقول العلامة الأحمدي «رحمهالله» ـ تعظيما منه للنبوة ، وترفيعا لمقام الرسالة .. إلى أن قال : إذ كما يجب على غيره أن يعظّم ساحتها المقدسة السامية ، يلزم على نفسه الكريمة أيضا أن يحفظها ويصونها ، وأن لا يضعها ولا يذلها.
ألا ترى : أنه يجب عليه «صلىاللهعليهوآله» أن يصلي على نفسه في الصلاة ، وأن يشهد لنفسه بالنبوة ، فيقول : أشهد أن محمدا عبده ورسوله ، واللهم صل على محمد وآل محمد.
وليس ترفيعا ، أو إكبارا ، أو إعظاما في الحقيقة ، بل هو وضع للشيء في موضعه (٢).
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٥ وج ٣ ص ٥٠٥ و ٥٠٩ والآحاد والمثاني ج ٥ ص ١٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٦٥.
(٢) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٧ و ٦٨.
وقد أغضب تقديمه اسمه الشريف على اسم المكتوب له ، كسرى ملك الفرس ، فمزق كتاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (١).
كما أن أخا قيصر ، أو ابن عمه أراد أن يخرق كتاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لنفس السبب ، فمنعه قيصر من ذلك ، وقال له :
«إنك أحمق صغير ، أتريد أن تمزق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟! ولعمري ، إن كان رسول الله لنفسه أحق أن يبدأ بها مني» (٢).
الحمد والتسليم :
وكان يكتب أيضا : «سلم أنت» أو «سلام عليك» أو «سلام على من آمن بالله».
وكان يكتب : «أحمد الله إليك» أو «أحمد إليك الله» أي أهدي إليك حمد الله. وكان ذلك تحية يكتبونه في افتتاح كتبهم (٣).
__________________
(١) المعجم الكبير ج ٤ ص ٢٢٥ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ١٥٣ وعن فتح الباري ج ٨ ص ١٦٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٨٥ و ٦٣٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٠٩ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٥٥٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٠٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٠٥ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٥٣.
(٢) مكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٩ والدر المنثور ج ٤ ص ١٥٦ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٠٨ وج ٨ ص ٢٣٦.
(٣) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٧ و ٦٨ وج ٢ ص ٣٧٣ و ٦٤٩ وج ٣ ص ٥٤٨ وأشار في هامشه إلى : التراتيب الإدارية ج ١ ص ١٣٧ و ١٣٨ عن صبح الأعشى ، وإكمال الدين ص ٥٧١ والغارات ج ١ ص ٢١٠ وكنز الفوائد ص ٢٤٩ والبحار ج ٢٢ ص ٨٧ وج ٥١ ص ٢٤٩ وعن ج ٧٤ ص ١٦٢ والمستدرك للحاكم ج ٣ ـ
وكذلك كان يكتب أمير المؤمنين علي «عليهالسلام» ، وأم سلمة في كتابها إلى عائشة حين نهتها عن الخروج قبل وقعة الجمل.
إتخاذ الخاتم :
ويقولون : إنه «صلىاللهعليهوآله» قد اتخذ الخاتم في سنة ست ، وبه ختم الكتب التي أرسلها إلى الملوك ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ..
وزعم المؤرخون : أنه «صلىاللهعليهوآله» لما أراد أن يكتب إلى الملوك ، قيل له : إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم ، أو مختوما. فصاغ النبي «صلىاللهعليهوآله» خاتما من ذهب. واقتدى به ذوو اليسار من أصحابه فصنعوا خواتيم من ذهب.
فلما لبس رسول الله «صلىاللهعليهوآله» خاتمه ، لبسوا أيضا خواتيمهم.
فجاء جبرئيل «عليهالسلام» من الغد ، وقال : لبس الذهب حرام لذكور أمتك. فطرح النبي «صلىاللهعليهوآله» خاتمه ، وطرح أصحابه أيضا خواتيمهم.
ثم اتخذ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» خاتما حلقته وفصّه من فضة ، ونقش فيه محمد رسول الله : محمد سطر. ورسول سطر. والله سطر. ونهى أن ينقش عليه أحد.
واقتدى به أصحابه ، فاتخذوا خواتيمهم من فضة (١).
__________________
ـ ص ٢٧٣ والمعجم الصغير ج ١ ص ١٥١ وكنز العمال ج ١٥ ص ٧٤٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٨٥ ومجمع البحرين ج ١ ص ٥٦٩.
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٢٩. وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٣٥٦ وج ٦ ص ٢ ـ
ونقول :
١ ـ إن اتخاذ الخاتم والختم في آخر الكتاب ، إنما هو من أجل المنع من الزيادة فيه.
كما أن ختمه بعد طيه وجعل الختم على شيء رطب من الطين ونحوه ، إنما هو من أجل أن لا يفضه حامله أو غيره ، ويطلع على ما فيه غير المكتوب إليه ، ولكي لا يزاد فيه ، ولا تحرّف بعض كلماته (١).
٢ ـ إن حديث : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد اتخذ أولا خاتما من ذهب. ولبسه حتى جاءه جبرئيل ، وأخبره أن الذهب حرام على ذكور الأمة .. لا يمكن قبوله.
أولا : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» لا يفعل شيئا من تلقاء نفسه.
فإن كان قد فعل ذلك حقا فلا بد أن يكون قد فعله عن أمر الله تعالى ، وبإذن منه ..
ثانيا : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يكن لينفق أموالا على خاتم له من ذهب ، وهو ما لا يقدم على اتخاذه إلا ذوو اليسار من أصحابه ، كما صرحت به الرواية ، بل كان يساوي نفسه في مأكله وملبسه ومشربه
__________________
ـ و ٣ و ٤ والبحار ج ٧ ص ٢٠٢ و ٢٠٤ وسنن أبي داود ج ٤ ص ٨٨ و ٨٩ والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ١٦٥ وعن فتح الباري ج ١٠ ص ٢٦٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٠ و ٢٤١ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج ٣ ص ٥٥ و ٥٦ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٧٩.
(١) راجع : الجامع الصغير للقيرواني ص ٢٨٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٠ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج ٣ ص ٥٥.
بالضعفاء منهم ، كما هو معلوم في سيرته ..
والصحيح : هو أنه اتخذ خاتما من فضة ، فاقتدى به من شاء من أصحابه.
النبي صلىاللهعليهوآله يؤرخ رسائله :
وقد ذكرنا في هذا الكتاب : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد وضع التاريخ الهجري ، وأنه كان يؤرخ به رسائله ، وغيرها ..
فراجع فصل : أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة ، لتجد صحة ما ذكرناه.
كتب دعوة لا كتب حرب :
إن الكتب التي أرسلها النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى الملوك قد تضمنت دعوتهم إلى توحيد الله تعالى وإلى الإسلام ..
ولم نجد فيها : أية إشارة إلى الحرب ، ولا إلى إلزامهم بالجزية لو امتنعوا من الإسلام .. وذلك لأن الهدف هو نشر الدين بإطلاق نداء الضمير ، والوجدان ، والفطرة ، والالتزام بحكم العقل ، وإتمام الحجة عليهم .. والقصد إنما هو إلى إسعاد الناس ، وتوجيههم نحو الحياة الكريمة والطيبة ، حيث العظمة والمجد ، والسؤدد ، من دون أن تكون هناك أي امتيازات ظالمة لأحد.
وليس القصد الاستيلاء على بلاد الناس ولا قهرهم ، أو إذلالهم ، أو أي نوع من أنواع الإيذاء لهم ..
من أجل ذلك نلاحظ : أن هؤلاء لم ينأوا في الأكثر بأنفسهم عن الإسلام ، بل قبله بعضهم ، وأجاب بعضهم بجواب لين ، ظهرت فيه أمارات التردد ، بسبب وساوس شيطانية ، ومخاوف غير واقعية على ملكهم
وسلطانهم ، أو على بعض امتيازاتهم فيه.
وما أشبه الليلة بالبارحة ، حيث كان المستضعفون في مكة قد قبلوا الإسلام في بدء الدعوة ، فلما عرف أسيادهم والمستكبرون من عظمائهم وأشرافهم بالأمر ، لاموهم على ذلك ، ومنعوهم منه ، وواجهوا من أصر على موقفه بالعنف والقسوة البالغة.
فقد ذكروا : أنه لما أظهر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» الإسلام أسلم أهل مكة كلهم ، وكانوا يجتمعون على الصلاة حتى ما يستطيع بعضهم أن يسجد من كثرة الزحام ، وضيق المكان ، حتى قدم رؤوس قريش : الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ـ بالطائف في أراضيهم ـ فقالوا : تدعون دين آبائكم؟! فكفروا (١).
وهذا بالذات ما جعل ملوك الأرض ـ باستثناء بعضهم ـ يواجهون دعوته «صلىاللهعليهوآله» لهم ، بمزيد من التروي ، والمرونة ، وأرسلوا إليه بكتب نضحت بالإكرام والإعظام ، وبعثوا إليه بالتحف والهدايا ، وقد قال قيصر لأخيه حين طلب منه أن يرمي الكتاب من يده : أترى أرمي كتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر؟!
وقد أسلم النجاشي ملك الحبشة.
والمنذر بن ساوى ملك البحرين.
__________________
(١) تاريخ يحيى بن معين ج ٣ ص ٥٣ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٩٠ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ١٨٨ ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٨٤ وعن فتح الباري ج ٢ ص ٤٥٥ والمعجم الكبير ج ٢٠ ص ٥ وكنز العمال ج ١ ص ٤١١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٧ ص ١٥٥ وعن الإصابة ج ٦ ص ٤٢.
وأسلم فروة عامل قيصر على عمّان .. فلما بلغ قيصر ذلك أخذه واستتابه ، فأبى ، فقتله.
وأسلم جيفر وعبد ابنا جلندى ، ملكا عمان.
وأسلم ضغاطر أسقف الروم بعد قراءة كتاب الرسول «صلىاللهعليهوآله» إلى قيصر.
وأجابه ملوك حمير ووفدوا عليه.
وأسلم أقيال حضرموت.
وأسلم عمال كسرى بالبحرين واليمن.
وقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي. فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ، ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجده بالساحر الضال ، ولا الكاهن الكذاب ، ووجدت معه آلة النبوة ، بإخراج الخبأ ، والإخبار بالنجوى ، وسأنظر.
وأعطاه أساقفة نجران الجزية.
وأجابه ملك أيلة ويهود مقنا ، إما بالإسلام ، أو الجزية (١).
حساسية مخاطبة الملوك :
إن مخاطبة الملوك في أي شأن من الشؤون ، حتى ما كان منها عاديا ومألوفا ، ليست على حد مخاطبة سائر الناس. بل هي محفوفة بالأخطار ، لا بد من حساب كل مفرداتها وفقراتها بدقة بالغة ، وبحساسية متناهية.
وذلك بسبب الأخلاق الخاصة التي يكتسبها هؤلاء الملوك من
__________________
(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ١ ص ١٨٩ و ١٩٠ وج ٢ ص ٤٢٢ ونصب الراية ج ٦ ص ٥٦٤ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٦٣.
الأجواء المحيطة بهم ، والتي يغذيها شعورهم بالعظمة ، وبالقوة ، بجميع مكوناتها ومظاهرها ، فيبتلون الملوك من خلال استمرار هذا الشعور بالبأو ، وبالكبر ، والاستعلاء ، والزهو ، وما إلى ذلك ..
يضاف إلى ذلك : أن شعورهم بعدم مسؤوليتهم عما يقومون به من تصرفات ، من شأنه أن يسهل عليهم البطش ، وتظهر عليهم الرعونة إلى حد الإفراط في اتخاذ القرارات المتهورة ضد الأشخاص ، والجماعات الصغيرة ، فيستضعفونها ، ويقهرونها بسلطانهم ويهيمنون عليها ببطشهم وجباريتهم.
ويتعاظم هذا الخطر ويبلغ أقصى مداه حينما يواجه هؤلاء الملوك دعوة إلى أمر قد يرون أنه يستبطن تقليص نفوذهم ، أو يحدّ من سلطانهم ، ويقلل إلى حد ما من هيبتهم ، أو يكسر من شوكتهم ، أو يقيد إطلاق يدهم في الأمور وفي التصرفات السلطانية ..
فإذا أحسوا بشيء من ذلك ، أو راودتهم شكوك ، أو حتى بعض الأوهام فيه ، فإن حرصهم على محو هذه الدعوة وكل من يقف وراءها من الوجود ، سيكون بلا حدود ، ولن تقيده قيود ، أو تحول دونه موانع أو سدود.
وهذا يعطي : أن دعوة الأنبياء والمصلحين من أتباعهم للملوك والجبارين في منتهى الصعوبة ، وغاية الدقة ، وأقصى درجات الحساسية ، وأن أي إخلال في ذلك يؤدي إلى حرمان هذا النوع من الناس الذين تتحكم فيهم تلك العاهات النفسية من الهداية ، كما أن ذلك يحركهم إلى حرمان غيرهم منها ، بما يثيرونه من أجواء مشحونة بالتحدي لا يجرؤ معها كثير من الناس على المبادرة بخطوة في هذا الاتجاه ؛ بسبب أخطار لا يملكون القدرة على دفعها عن أنفسهم ، ولا يستطيعون التحرز منها ، ولا يمكنهم تحملها.
رسائل النبي صلىاللهعليهوآله للملوك :
وإذا راجعنا نصوص الرسائل التي كتبها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى ملوك الأرض ، فإننا نجدها في غاية الدقة في مراعاة حالات أولئك الملوك ، فهي خالية عن أية إثارة لهم ، ولا تعطيهم أية فرصة للتخلص أو التملص من مسؤولية النظر في صحة ما يدعوهم إليه ، والتعاطي معه بمسؤولية ، وتعقل.
وإذا ما ظهر من بعض أولئك الجبابرة أي تصرف غير متوازن ، فإنما كان ذلك منه لاعتبارات اختلقها لنفسه ، انطلاقا من عدوانيته ، وانسجاما مع جباريته ، ومن دون أي مبرر وجده في طريقة تعاطي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» معه ، أو في المضامين التي وجدها في خطابه «صلىاللهعليهوآله» ، الذي أرسله إليه ..
ونحن من أجل وضوح ما نرمي إليه بصورة عملية ، نلقي نظرة على بعض تلك الرسائل ، مقتصرين على رسائله «صلىاللهعليهوآله» لأربعة منهم وهم :
١ ـ ملك الفرس.
٢ ـ ملك الروم.
٣ ـ ملك مصر.
٤ ـ ملك الحبشة.
الفصل الثاني :
كتاب النبي صلىاللهعليهوآله إلى كسرى