السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٢
١٠٦ ـ أن لا يذبح شيئا من الحيوان قد رباه (١).
١٠٧ ـ أن لا يذبح الحيوان الذي كان قد اقتناه (٢).
والفرق بين هذا وسابقه واضح ، فإن الإقتناء قد يحصل ، ولو لم يكن هناك تربية له ، لأن تربية الحيوان معناها : أن يكون قد أخذه منذ صغره ، وصار يرعاه إلى أن يكبر ، وأما الإقتناء : فهو شراء الحيوان والإحتفاظ به مدة من الزمن.
١٠٨ ـ أن لا يكون الذبح هو جزاء المملوك الصالح ، فلا يذبح الدابة إذا خدمت خدمة حسنة زمانا (٣).
__________________
(١) الوسائل ج ١٦ ص ٣٠٨ وج ١٠ ص ١٧٥ عن تهذيب الأحكام ، والكافي ، ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٦٩ ، ومجمع الفائدة ج ١١ ص ١٦٥ وج ٧ ص ٣١٥ والحدائق الناضرة ج ١٧ ص ٢١٣ ومستند الشيعة ج ١٢ ص ٣٦٩ ومسالك الأفهام ج ١٢ ص ٣٤ ومدارك الأحكام ج ٨ ص ٨٧ وذخيرة المعاد ج ٣ ص ٦٧٩ وجواهر الكلام ج ١٩ ص ٢٣٠ وج ٣٦ ص ٢٩٣ وجامع المدارك ج ٢ ص ٤٧٩ وفقه الصادق ج ١٢ ص ١٢٢ والكافي ج ٤ ص ٥٤٤ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٩٣ وتهذيب الأحكام ج ٥ ص ٤٥٢ وج ٩ ص ٨٣.
(٢) الفايق في غريب الحديث ج ٣ ص ٢٠٨ والجامع الصغير ج ٢ ص ٦٨٩ وكنز العمال ج ٤ ص ٩٨ وفيض القدير ج ٦ ص ٤٠٦ وشرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ٢٧٦ والكامل ج ٣ ص ١٣٥.
(٣) راجع : البحار ج ٦١ ص ١١٢ و ١٣٧ وج ١٧ ص ٤٠٢ عن الطبراني والثاقب في المناقب ص ٧٨ والعهود المحمدية ص ٣٩٦ وسبل الهدى والرشاد ج ١٢ ص ٤٠٥ وبصائر الدرجات ص ٣٧١ والإختصاص ص ٣٠٠.
١٠٩ ـ أن يجير الطير إذا استجار به ، فإذا دخل منزلك طائر فلا تذبحه (١).
١١٠ ـ أن لا يركلها برجله ليعجل خروج نفسها (٢).
١١١ ـ أن لا يحرك الذبيحة من مكانها حتى تفارق الروح (٣).
نهاية المطاف :
قد كان هذا الذي ذكرناه غيضا من فيض ، مما يمكن استخلاصه من النصوص المختلفة ، من ضوابط وأحكام ، ونصائح وتوجيهات ، تحدد نظرة الإسلام إلى المخلوقات ، وتبين طريقة التعامل معها في الحالات المختلفة ..
نسأل الله أن يوفق العاملين لاستخلاص ذلك كله من مصادره ، وعرضه بالطريقة اللائقة به ، ليكون ذلك طريقة عمل ، ونهج حياة ، وسبيل نجاة.
__________________
(١) الوسائل ج ١٦ ص ٢٤٨ وج ٢ ص ١٠١٢ ومختلف الشيعة ج ٨ ص ٢٩١ وكشف اللثام (ط ق) ج ٢ ص ٢٦٤ وإيضاح الفوائد ج ٤ ص ١٤٨ ومسالك الأفهام ج ١٢ ص ٤٥ والتحفة السنية ص ٣٠٥ والحدائق الناضرة ج ٥ ص ٦ ومستند الشيعة ج ١٥ ص ٢٨٠ وج ٣٦ ص ٣١٢ وتهذيب الأحكام ج ٩ ص ٨١ والفصول المهمة ج ٢ ص ٤٢٠ والبحار ج ٧٥ ص ١٠٩.
(٢) مختلف الشيعة ج ٨ ص ٣٠٢ وفتاوى ابن الجنيد ص ٣١٤.
(٣) مستند الشيعة ج ١٥ ص ٤٤٨ وروضة الطالبين ج ٢ ص ٤٧٦.
الفصل الرابع :
تعمد صنع المعجزة
تعمد صنع المعجزة :
قالوا : إنه لما بركت ناقة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» المسماة ب «القصواء» في ذلك المكان ، نزل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بأقصى الحديبية على ثمد (١) من ثمادها ظنون (٢) قليل الماء يتبرّض (٣) الناس ماءه تبرّضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه.
فاشتكى الناس إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قلة الماء ، وفي لفظ : «العطش» ، فانتزع سهما ، من كنانته ، فأمر به ، فغرز في الماء ، فجاشت بالرّواء حتى صدروا عنها بعطن (٤).
__________________
(١) الثمد : الماء القليل الذي لا مادة له.
(٢) الظنون : أي الشحيحة ، أو القليلة الماء.
(٣) يتبرّضون الماء : ينتظرون خروجه ، وهو قليل.
(٤) العطن : مبرك الإبل حول الماء ، والمراد : أنهم قد رووا ، أو رويت إبلهم حتى بركت حول الماء راجع : البحار ج ٢٠ ص ٣٣١ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٩ وعن صحيح البخاري ج ٣ ص ١٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢١٩ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٣٢ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٣ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ٢١٨ والمعجم الكبير ج ٢٠ ص ١٠ ـ
قال المسور : وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر.
قال محمد بن عمر : والذي نزل بالسهم ناجية بن الأعجم ـ رجل من أسلم ، ويقال : ناجية بن جندب وهو سائق بدن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وقد روي : أن جارية من الأنصار قالت لناجية وهو في القليب :
يا أيها الماتح دلوي دونكا |
|
إني رأيت الناس يحمدونكا |
يثنون خيرا ويمجدونكا |
فقال ناجية وهو في القليب :
قد علمت جارية يمانيه |
|
أني أنا الماتح واسمي ناجيه |
وطعنة ذات رشاش واهيه |
|
طعنتها تحت صدور العاديه (١) |
__________________
والفايق في غريب الحديث ج ١ ص ٣٠٠ وعن كنز العمال ج ١٠ ص ٤٩٠ وإرواء الغليل ج ١ ص ٥٥ وتفسير مجمع البيان ج ٩ ص ١٩٥ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٦٥ وجامع البيان ج ٢٦ ص ١٢٧ وزاد المسير ج ٧ ص ١٦٠ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٤ ص ٢١٢ والدر المنثور ج ٦ ص ٧٦ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٧ ص ٢٢٦ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٧٤ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ١٩٨ وج ٦ ص ١٠٦ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٠٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٣٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠ وج ٧ ص ٣٧٠ وج ٩ ص ٤٤٩.
(١) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٩١ والبحار ج ١٨ ص ٣٧ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٩ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٧٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠.
قال محمد بن عمر : حدثني الهيثم بن واقد ، عن عطاء بن مروان ، عن أبيه قال : حدثني أربعة عشر رجلا ممن أسلم من أصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : أنه ناجية بن الأعجم ، يقول : دعاني رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حين شكي إليه قلة الماء ، فأخرج سهما من كنانته ، ودفعه إليّ ، ودعا بدلو من ماء البئر ، فجئته به ، فتوضأ فمضمض فاه ، ثم مجّ في الدلو ـ والناس في حر شديد ـ وإنما هي بئر واحدة ، قد سبق المشركون إلى بلدح فغلبوا على مياهه ، فقال : «انزل بالدلو فصبها في البئر ، وأثر ماءها بالسهم». ففعلت ، فو الذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني ، وفارت كما تفور القدر ، حتى طمت واستوت بشفيرها ، يغترفون من جانبها حتى نهلوا من آخرهم.
وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين ، منهم عبد الله بن أبي.
فقال أوس بن خولى : ويحك يا أبا الحباب!! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه؟ أبعد هذا شيء؟
فقال : إني قد رأيت مثل هذا.
فقال أوس : قبحك الله ، وقبح رأيك!
فأقبل ابن أبي يريد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : «يا أبا الحباب : أنّى رأيت مثلما رأيت اليوم»؟
فقال : ما رأيت مثله قط.
قال : «فلم قلته»؟
فقال ابن أبي : يا رسول الله استغفر لي ، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : يا
رسول الله استغفر له ، فاستغفر له (١).
فقال عمر : ألم ينهك الله ـ يا رسول الله ـ أن تصلي عليهم أو تستغفر لهم؟!
فأعرض عنه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وأعاد عليه ، فقال له : «ويلك إني خيّرت فاخترت ، إن الله يقول : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ..) (٢).
فلما مات عبد الله ، جاء ابنه إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إن رأيت أن تحضر جنازته.
فحضر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وقام على قبره ، فقال له عمر : ألم ينهك الله أن تصلي على أحد منهم» (٣).
__________________
(١) تفسير القمي ج ١ ص ٣٠٢ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٢٤٨ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٣٥٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤١ وكتاب سليم بن قيس ص ٢٣٩ والبحار ج ٣٨ ص ٣٢٦.
وقد ورد : أنه لما أكثر عليه عمر بن الخطاب ، قال له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا ، وإني أؤمل أن يدخل في الإسلام بسببه كثير» ، فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج. (تفسير السراج المنير ج ١ ص ٦١٢ للخطيب الشربيني وأسباب النزول للواحدي ص ١٩٣ وروح المعاني للآلوسي ج ١٠ ص ١٥٤).
(٢) الآية ٨٠ من سورة التوبة.
(٣) تفسير الميزان ج ٩ ص ٣٥ وتفسير القمي ج ١ ص ٣٠٢ وتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٦٤ وكتاب سليم بن قيس ص ٢٣٩ والبحار ج ٢٢ ص ٩٧ وج ٣٠ ص ١٤٨ وج ٣١ ص ٦٣٣.
وروى ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر ، عن البراء بن عازب (رضياللهعنهما) قال : أنا نزلت بالسهم.
وروى أحمد ، والبخاري ، والطبراني ، والحاكم في الإكليل ، وأبو نعيم عن البراء بن عازب ، ومسلم عن سلمة بن الأكوع ، وأبو نعيم عن ابن عباس ، والبيهقي عن عروة ، قال البراء : كنا مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالحديبية أربع عشرة مائة ، ـ والحديبية : بئر ـ فقدمناها وعليها خمسون شاة ما ترويها فتبرضها ، فلم نترك فيها قطرة.
قال ابن عباس : وكان الحر شديدا ، فشكى الناس العطش ، فبلغ ذلك النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فأتاه ، فجلس على شفيرها ، ثم دعا ب «إناء».
وفي لفظ : ب «دلو» فتوضأ في الدلو ، ثم مضمض ودعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
قال البراء : ولقد رأيت آخرنا أخرج بثوب خشية الغرق ، حتى جرت نهرا (١).
وقال ابن عباس ، وعروة : ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها ، وهم جلوس على شفيرها.
وروى البخاري في المغازي ، وفي الأشربة ، عن جابر بن عبد الله ، عن سلمة بن الأكوع (رضياللهعنهما) قالا : عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» بين يديه ركوة.
وقال جابر في رواية : وقد حضر العصر ، وليس معنا ماء غير فضلة ،
__________________
(١) قال الصالحي الشامي : أخرجه البخاري ٧ / ٥٠٥ (٤١٥٠).
فجعل في إناء ، فأتي به رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فتوضأ منها ، ثم أقبل الناس نحوه ، فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «ما لكم»؟
قالوا : يا رسول الله ، ليس عندنا ماء نتوضأ به ، ولا نشرب إلا ما في ركوتك. فأفرغتها في قدح ، ووضع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يده في القدح ، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون ، فشربنا وتوضأنا.
فقال سالم بن أبي الجعد : فقلت لجابر : كم كنتم يومئذ؟
قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة (١).
__________________
(١) قال الصالحي الشامي : أخرجه البخاري في صحيحه الحديث رقم ٤١٥٢ وراجع فيما تقدم : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠ ـ ٤٢ وج ٩ ص ٤٤٨ والإصابة ج ٣ ص ٥٤١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١ و ١٢ والمنتظم ج ٣ ص ٢٦٨ ، والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ و ٢٧٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٢٤ و ٣٢٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢٦٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٨٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٣٦٧ و ٣٧٥ و ٣٧٦ و ٣٧٧ و ٣٧٨ و ٣٧٩ و ٣٨٠ و ٣٨١ و ٣٨٢ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٤ وعن صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٦ ونظم درر السمطين ص ٧١ وعن كنز العمال ج ١٢ ص ٣٦٧ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٢٩ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٢ وصحيح ابن خزيمة ج ١ ص ٦٦ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٤٨١ ودلائل النبوة ص ١٢١ وجامع البيان ج ٢٦ ص ٩٣ وجامع أحكام القرآن ج ١٦ ص ٢٧٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٦ ص ٤٣٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٥ وج ٦ ص ١٠٦ والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج ١ ص ٢٨٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٢٥. وراجع : نهاية الإرب ج ١٧ ص ٢٢٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٩٨.
قالوا : ولما ارتحلوا أخذ البراء بن عازب ذلك السهم ، فجف الماء (١).
ولنا مع ما تقدم عدة وقفات ، هي التالية :
النبي صلىاللهعليهوآله يصنع المعجزة :
قرأنا في النصوص السابقة :
أنه «صلىاللهعليهوآله» لا يكتفي بالدعاء ليزيد لهم ذلك الماء القليل. بل هو ينتزع سهما من كنانته ، ويطلب منهم أن يغرزوها في موضع خروج الماء. ثم تجري عملية غرزه ، على يد أحدهم ، الذي اعتبر ذلك بمثابة فضيلة له ، وأرادوا من التاريخ أن يسجلها له ..
وليكون ذلك تخليدا لهذه الكرامة الإلهية الظاهرة لرسوله الأكرم «صلىاللهعليهوآله» ..
واختيار هذه الطريقة في استنباط الماء له مراميه ودلالاته ، ولعل مما يشير إليه هو الأمور التالية :
١ ـ إنه يظهر بوضوح تام : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد تصدى للتصرف التكويني بصورة عملية ، بطريقة تدلل على أن ذلك من شؤونه وداخل تحت إرادته واختياره. وليس هو مجرد دعاء قد استجاب الله تعالى له في خصوص هذا المورد وانتهى الأمر .. وقد تكون هناك مصلحة في الاستجابة له في موضع آخر ومناسبة أخرى ، وقد لا تكون.
٢ ـ إن استمرار وجود السهم في البئر أمام أعين المستفيدين من مائه
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٩١ والبحار ج ١٨ ص ٣٨.
سوف يبقي القضية ماثلة أمام أعينهم ، وسيعطيهم ذلك النفحة الروحية الغامرة التي يحتاجون إليها ، خصوصا في هذا الأمر الذي سيواجهون فيه المفاجآت التي تمس غرورهم ، ويحتاجون في إعادة توازنهم الروحي إلى مثل تلك النفحات.
٣ ـ إن المعرفة الحسية تبقى أقوى تأثيرا في الناس العاديين ، من المعرفة التصورية ، خصوصا مع بقاء مكونات هذه المعرفة ماثلة للعيان مدة من الزمن. ومع اقترانها بحركات متنوعة ، وأعمال مختلفة ، وجهد جسدي لإنتاجها ، ولو من خلال الذين حملوا ذلك السهم ، ونزلوا به إلى البئر وغرسوه فيها ..
٤ ـ ويعزز هذا الأمر ويقويه ويرسخه في وجدان الناس ، السعي لتسجيل ذلك الحدث المرتبط بالغيب في الشعر العربي الذي يلامس مشاعر الإنسان وأحاسيسه ، حتى لو كان الذين يبذلون تلك المحاولة يريدون توظيفها في مجالات ، لا يحق لهم التعرض لها ، ولا المساس بها.
لا حاجة إلى التنازع :
قد رأينا : أن الروايات قد اختلفت في من نزل بالسهم إلى البئر ، هل هو البراء بن عازب ، أو ناجية بن الأعجم ، أو ناجية بن جندب ، أو خالد بن عبادة الغفاري؟
وقد لاحظنا : أن ثمة تسابقا في نسبة ذلك الأمر إلى هذا ، أو ذاك ،
وأنشدت أسلم أبياتا من الشعر ، نسبتها لناجية (١).
وزعمت أسلم أيضا : أن جارية من الأنصار قالت شعرا في ذلك (٢).
ولعل سبب هذا التسابق هو ظنهم : أن ذلك يتضمن إثبات فضيلة لفاعله. فأراد كل فريق أن يجر النار إلى قرصه ، وينسب الفضل إلى نفسه ..
غير أننا نتوقف هنا عند أمرين :
الأول : أن ثمة شكا كبيرا في صحة ما زعموه ، من نزول أي من الناس إلى تلك البئر.
فقد روي أيضا : أن الناس لما لم يبق في العين قطرة ـ وكان الحر شديدا ـ شكوا العطش ، فبلغ ذلك النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فأتى تلك البئر ، فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء أو بدلو ، فتوضأ فيه ، ثم مضمض ، ودعا ، ثم صبه فيها (٣).
__________________
(١) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٧٦.
(٢) الإصابة ج ٣ ص ٥٤١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٢٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٥ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٩١ والبحار ج ١٨ ص ٣٧.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤١ و ٧٣ و ٧٤ وج ٩ ص ٤٤٩ عن البخاري ، وأحمد ، والطبراني ، ومسلم ، وأبي نعيم ، والحاكم في الإكليل ، والبيهقي ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٨٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٣٧٥ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ والخرائج والجرائح ج ١ ص ١٢٣ ومناقب آل أبي
وفي نص آخر عن ناجية بن جندب : أنه «صلىاللهعليهوآله» نزل على الحديبية ، وهي تنزح ، فألقى فيها سهما أو سهمين من كنانته ، ثم بصق فيها ، ثم دعا فعادت عيونها (١).
وعن أوس بن خولي : توضأ في الدلو ، ثم أفرغه فيها ، وانتزع السهم ، ثم وضعه فيها.
وعن عروة : توضأ في الدلو ، وصبه في البئر ، ونزع سهما من كنانته ، فألقاه فيها ، ففارت (٢).
فذلك كله يدل على : أنه لم يرسل أحدا إلى البئر ، لا بالدلو ، ولا بالسهم ، بل هو «صلىاللهعليهوآله» الذي جاء إلى البئر ، وألقى فيها هذا ، وصب فيها ذاك ، وبصق فيها ..
الثاني : لنفترض صحة الرواية التي تقول : إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد كلف شخصا بأمر السهم والدلو.
__________________
طالب ج ١ ص ٩١ والبحار ج ١٨ ص ٣٧ وج ٢٠ ص ٣٤٦ و ٣٥٧ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ٢٣٠ وتفسير مجمع البيان ج ٩ ص ١٨٣.
(١) الإصابة ج ٣ ص ٥٤١ عن الحسن بن سفيان في مسنده ، وعن ابن مندة في المعرفة ، وابن السكن ، والطبراني ، والمصنف لابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥١٧ والمعجم الكبير ج ٢ ص ١٧٩ وعن كنز العمال ج ١٠ ص ٤٧٦ و ٤٧٧ وتاريخ الجرجاني ص ١٦٣.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٧٣ وج ٩ ص ٤٤٩ وراجع : المنتظم ج ٣ ص ٢٦٨ وجوامع السيرة النبوية ص ١٦٤ و ١٦٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ص ٣٧٦ و ٣٧٧ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ والبحار ج ١٨ ص ٣٧ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥.
إلا أننا نقول :
إن ذلك لا يحمل معه منح أي وسام أو فضيلة لذلك الشخص ، ولا يدل على الاعتراف له بشيء من الفضل والكرامة ، ما لم يصاحب ذلك إشارة أو دلالة أخرى تظهر هذه الخصوصية فيه ..
بل ربما يكون هناك من الدلالات ما يشير إلى : أن من كلفه النبي «صلىاللهعليهوآله» بذلك هو الذي يحتاج إلى تثبيت اليقين ، وإزالة الريب عن قلبه ..
وعلى هذا الأساس نقول :
إنه لا دليل على : أن من كلف بغرس السهم في البئر ، كان من هذا الفريق أو من ذاك ، حتى نجد شواهد أخرى تشير إلى ذلك.
مياه بلدح ، ومياه الحديبية :
ويظهر من النصوص السابقة : أن العيون الغزيرة والمياه الكثيرة قد كانت في بلدح ، حيث نزل المشركون .. أما الحديبية فكانت المياه شحيحة فيها ، وإنما هي بئر واحدة (١).
وما أشبه الليلة بالبارحة فإن المشركين في بدر ، كانوا على عيون الماء ، ولم يكن لدى المسلمين ماء .. وقد سقى الله المسلمين الماء بالمعجزة في بدر ، وفي الحديبية كان المشركون على العيون الغزيرة والعذبة .. والمسلمون كانوا بلا ماء ، فسقاهم الله تعالى بالمعجزة أيضا.
__________________
(١) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٣٧٦ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨٠ والبحار ج ٢٠ ص ٣٤٦ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥ ومجمع البيان ج ٩ ص ١٨٣.
ثم كانت النتائج بين بدر والحديبية متشابهة ، فقد نصر الله المسلمين فيهما معا ، وكان لهم في الحديبية أعظم الفتح. وهكذا كان الحال في بدر.
من الذي نزل بالسهم؟
وقد اختلفوا في الشخص الذي تولى مهمة غرس السهم في بئر الحديبية.
فالبراء بن عازب يقول : أنا نزلت بالسهم (١).
وروي : أن خالد بن عبادة الغفاري (٢) قال ذلك عن نفسه.
وروي : أن الذي نزل به هو ناجية بن الأعجم .. حسبما روي عنه أنه قاله (٣).
ورواية أخرى تقول : إنه ناجية بن جندب ، سائق بدن رسول الله «صلى
__________________
(١) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٥ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار إحياء التراث) ج ١ ص ٤٨٤ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤١ و ٧٣ والإصابة ج ٣ ص ٥٤١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢ وجوامع السيرة النبوية ص ١٦٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ قسم ٢ ص ٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ والسيرة النبوية لإبن هشام ج ٣ ص ٣٢٤ وأسد الغابة ج ١ ص ١٧٢ وج ٥ ص ٤ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١١٦ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٧٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٨٤ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠ و ٤١ وراجع ص ٤٠ والإصابة ج ٣ ص ٥٤١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٨٤ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ٣١٥ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٦٠٩.
الله عليه وآله» (١).
وقد يمكن ترجيح : أن يكون اسم الذي نزل إلى البئر هو ناجية وذلك استنادا إلى أبيات الشعر المتقدمة ، التي صرح فيها باسم ناجية ..
غير أننا نقول :
أولا : إن غاية ما يدل عليه هذا الشعر هو : أن الماتح للناس كان اسمه ناجية .. وقد يكون الماتح هو نفسه الذي نزل بالسهم ، وقد يكون الماتح شخصا ، والذي نزل بالسهم شخصا آخر.
غير أن مما لا شك فيه : أن ناجية كان في البئر حين قيل هذا الشعر ، وأنه قد كان ثمة حاجة إلى استخراج الماء من البئر ، قبل أن يفيض منه إلى خارجه.
ثانيا : إن ثمة تناقضا يثير الشبهة في صحة أصل نزولهم ، فالشعر يقول : إن ناجية بن جندب كان يمتح الماء للناس ، وكان الناس يمدحونه ويمجدونه على ذلك.
بينما رواية ناجية بن الأعجم تقول : إن الماء فاض ، حتى كاد يغمره قبل أن يتمكن من الخروج من البئر ، وصار الناس يفترقون من جانبها حتى نهلوا عن آخرهم .. فلم تكن هناك حاجة لوجود ماتح أصلا.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠ والإصابة ج ٣ ص ٥٤١ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٨٤ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٤٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٩ والجامع لأحكام القرآن ج ١٦ ص ٢٧٥ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٧٧٦ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١١٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٥ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥ والطبقات الكبرى ج ٤ ص ٣١٥.
كما أن رواية البراء قد صرحت : بأن البئر فاضت حتى جرت نهرا.
وقال بعضهم : إن وجه الجمع بين تلك الروايات المتناقضة في من نزل بالسهم ، هو : أنهم جميعا قد تعاونوا على ذلك (١).
إن صحة هذا الجمع تتوقف على الصعوبة البالغة في النزول إلى البئر ، بحيث يحتاج النازل إليها إلى مساعدة ، مع أنه لا دليل يثبت ذلك.
ولو فرضنا : صحة ذلك ، وأنهم عاونوا حامل السهم على النزول ، فهل يصح قول كل واحد منهم : إنه هو الذي نزل بالسهم؟! ..
أما قول الزرقاني : تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره. فهو غير ظاهر الوجه.
فما معنى هذا الكلام؟! أو ليست الحفرة كانت موجودة؟! وكانت بئرا واحدة ، حسبما صرحوا به؟! ..
أم أن تلك البئر كانت قد ردمت ، وكانت بحاجة إلى حفر جديد؟! فلماذا كان الناس حولها ويتبرضونها؟! ولماذا لم تصرح الروايات بغير تثوير موضع الماء بالسهم؟! ولماذا؟! ولماذا؟!
توضأ ، وتمضمض ، ثم مج في الدلو :
ثم إن الروايات قد ذكرت : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد توضأ ، ومضمض فاه ، ثم مج في الدلو ، وبعثها فصبت في البئر ، وأثير ماؤها
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٧٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٤٨٤ وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ١٨١ والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج ٢ ص ٢٠٦ وعن فتح الباري ج ٥ ص ٢٤٥.
بالسهم (١).
ونقول :
١ ـ إن في هذا الحديث تأكيدا على قداسة أشخاص اختارهم الله ، واصطفاهم ، واجتباهم ، وعلى أن لمباشرة هؤلاء الأشخاص للأشياء تأثيرا في نمائها ، وفي حلول البركة فيها ..
٢ ـ إن هذا الفعل من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يستبطن دعوة عفوية للناس إلى أن يكون كل همهم هو تزكية نفوسهم ، وتطهيرها ، لتكتسب طرفا من هذه القداسة ، التي يعلمون أنها وليدة ذلك الطهر ، ولو في بعض مراتبها .. وأنها صنيعة هذا القرب من الله ، ورهينة رضاه ..
٣ ـ هذا كله بالإضافة إلى ما أشرنا إليه مرات كثيرة من أن ظهور هذه المعجزات والكرامات هام جدا في الربط على قلوب المؤمنين ، وفي قطع دابر التسويلات الباطلة التي يثيرها المنافقون. ويخدعون بها الكثيرين من البسطاء الطيبين والغافلين أو من الهمج الرعاع الذين يميلون مع الريح ، ولا يميّزون الصحيح الصريح ، من المريض والقبيح ..
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤١ و ٧٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢ وجوامع السيرة النبوية ص ١٦٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٢٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣١٥ وراجع : كنز العمال (ط الهند) ج ١٠ ص ٣٠٣ و ٣٠٤ والبحار ج ١٨ ص ٣١ ـ ٣٨ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٩٠ والبداية والنهاية ج ٦ ص ١٦ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٨٨ وعن البخاري ج ٤ ص ٢٣٤ وج ٥ ص ١٥٦ وعن فتح الباري ج ٦ ص ٤٢٥ وعن السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢١٥.
والكلمة المنسوبة إلى ابن أبي في هذا الموقف وهي قوله : «قد رأيت مثل هذا» وجدت آذانا صاغية ، تلقفتها ، وتركت لها أثرا في قلوبهم ، ودمرت أو فقل اخترقت جدار السكينة في نفوسهم ..
إستغفار الرسول صلىاللهعليهوآله لابن أبي :
وعن استغفار الرسول الأكرم «صلىاللهعليهوآله» لابن أبي ، حين طلب منه أن يستغفر له ، نقول :
قد يقال : أنه لا يصح ، وذلك لما يلي :
أولا : إنه لا ريب في أن المنافق مشرك في واقعه وحقيقته ، فإن كان ابن أبي منافقا ، فالمفروض : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان عارفا به ، فكيف يستغفر له ، وقد أنزل الله النهي عن الإستغفار للمشركين ..
ثانيا : إنه حتى لو لم تكن آية النهي عن الإستغفار للمشركين قد نزلت آنئذ ، فإن المنع من ذلك كان ثابتا في دين الحنيفية ، التي كان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يتعبد بها ، فلم يكن يجوز له أن يفعل ذلك ، حتى لو كان ذلك المشرك غير مظهر لشركه ..
وقد قال تعالى مشيرا إلى ذلك : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١).
ثالثا : إنهم يزعمون : حسبما تقدم في الجزء السابق : أن النبي «صلى الله
__________________
(١) الآية ١١٤ من سورة التوبة.