السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-184-x
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٣٣
عليه وآله» قال : لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ، ولقد ضمّ ضمة اختلفت منها أضلاعه ، من أثر البول (١).
وذكر بعض أهل سعد : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال : إن سبب ضمة القبر له : «أنه كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير» (٢).
قال الأشخر اليمني : «قلت : في النفس من صحة هذا الحديث شيء» (٣).
ونقول :
١ ـ لو صح هذا الحديث لأمكن تحاشي ضمة القبر ، بأن يهتم المؤمنون بأمر الطهور من البول ؛ فلا يقصرون فيه ، وعلى هذا ، فلا يبقى مبرر لقوله «صلى الله عليه وآله» : لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد.
٢ ـ هذا .. ولا ندري ما هو الربط بين الطهور من البول ، وبين ضمة القبر!!
٣ ـ ثم أليس قد نجت فاطمة بنت أسد من ضمة القبر ، لأنه «صلى الله عليه وآله» ألبسها قميصه ، واضطجع في قبرها حسبما قدمناه في هذا الكتاب حين الكلام عن وفاتها «رحمها الله» مع أن سياق الكلام يشير إلى أنه لا ينجو من ضمة القبر أحد؟
٤ ـ ما معنى أن يضم سعد بن معاذ ضمة اختلفت منها أضلاعه ، مع
__________________
(١) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٨.
(٢) الروض الأنف ج ٣ ص ٢٨١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٨ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٧ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٠.
(٣) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٧.
أن عائشة تقول : إنها قالت : يا رسول الله ، ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر ، وضمته.
فقال : يا عائشة ، إن ضغطة القبر على المؤمن كضمة الأم يديها على رأس ابنها ، يشكو إليها الصداع (١).
٥ ـ بل إن سياق العبارات التي تقدمت يقتضي أن لا ينجو أحد من ضمة القبر حتى الأنبياء «عليهم السلام» ؛ لأنها تقول : لو نجا أحد لنجا سعد.
مع أنهم يقولون : خص «صلى الله عليه وآله» بأنه لا يضغط في قبره. وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام. ولم يسلم من الضغطة صالح ، ولا غيره سواهم ، وكذا ما في التذكرة للقرطبي إلا فاطمة بنت أسد ببركته «صلى الله عليه وآله» (٢).
النظرة الأخيرة :
«وجاءت أم سعد تنظر إليه في اللحد ، وقالت : أحتسبك عند الله. وعزاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قبره ، وجلس ناحية ، والمسلمون يردون التراب على القبر حتى سوّي ، ورش عليه الماء.
ثم وقف «صلى الله عليه وآله» فدعا ، ثم انصرف» (٣).
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٧.
(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥.
(٣) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٣ وراجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠. والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥.
الحزن على سعد :
قالت عائشة : «فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١).
قال علقمة : فقلن : أي أمه ، فكيف كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يصنع؟!
قالت : «كانت عينه لا تدمع على أحد. ولكنه كان إذا وجد ، فإنما هو آخذ بلحيته» (٢).
ونقول :
١ ـ نحن بدورنا لا نستطيع أن نقبل كلام عائشة هذا ، فقد تواتر النقل عنه «صلى الله عليه وآله» : أنه بكى في أكثر من مورد ، حين استشهاد أو موت بعض أصحابه ، مثل جعفر ، وحمزة ، وعثمان بن مظعون ، وزيد بن حارثة ، وعلى ولده إبراهيم ، وقد قال في مناسبة موت ولده : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب.
وقد قدمنا بعض الكلام في ذلك : في أواخر غزوة أحد في سياق الكلام عن استشهاد حمزة وقول النبي «صلى الله عليه وآله» : أما حمزة فلا بواكي له. فراجع.
__________________
(١) الآية ٢٩ من سورة الفتح.
(٢) راجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٣٨ وراجع : مسند أحمد ج ٦ ص ١٤٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٢٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٩٩ وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٥٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٣٨ وراجع : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٧٦.
٢ ـ إننا نذكر القارئ بما هو معروف عن عمر في تشدده بالمنع من البكاء على الأموات حينا ، وسماحه بذلك حتى لنفسه حينا آخر (١).
أم سعد تبكي ولدها وترثيه :
وقد قال النبي «صلى الله عليه وآله» لأم سعد : «ألا يرقأ دمعك ، ويذهب حزنك ، بأن ابنك أول من ضحك الله له ، واهتز له العرش» (٢)؟
ويلاحظ التعبير ب : «ضحك الله» الذي يشم منه رائحة التجسيم.
وعن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : انتهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأم سعد تبكي ، وتقول :
ويل أم سعد سعدا |
|
جلادة وحدّا |
فقال عمر بن الخطاب (رض) : مهلا يا أم سعد ، لا تذكري سعدا.
فقال النبي «صلى الله عليه وآله» : دعها يا عمر ، فكل باكية مكثرة إلا أم سعد ، ما قالت من خير فلم تكذب (٣).
وفي رواية ابن هشام :
ويل أم سعد سعدا |
|
صرامة وحدّا |
وسؤددا ومجدا |
|
وفارسا معدّا |
سد به مسدا |
|
يقدّ هاما قدّا |
__________________
(١) راجع هذا الكتاب ج ٦ ص ٢٦٦ و ٢٧٣.
(٢) تاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٧٠.
(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٢٧.
يقول رسول الله : كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ (١).
لكن رواية أخرى تعكس هذا المضمون ليفيد ضد المعنى.
فهي تقول : إن أم سعد كانت تبكي وتقول :
ويل أم سعد سعدا |
|
حزامة وجدّا |
فقيل لها : أتقولين الشعر على سعد؟!
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : دعوها فغيرها من الشعراء أكذب.
ونتوقف هنا أمام أمرين :
أولهما : موقف عمر من رثاء أم سعد لابنها العظيم.
فإن كان مراده النهي عن البكاء الذي تكرر منه أكثر من مرة ، رغم أنه هو نفسه يبكي ويأمر بالبكاء على بعض الناس ، ورغم نهي النبي «صلى الله عليه وآله» المتكرر له عن التعرض لمن يبكون موتاهم (٢) ،
إذا كان مراده ذلك : فإننا لا نستطيع قبوله منه هنا لأنه هو نفسه يبكي على سعد حسبما تقدم عن عائشة.
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٦٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٠ وبهجة المحافل وشرحه ج ١ ص ٢٧٧ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٥٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٥٠٠ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٨ و ١٨٩ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٤٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢٠ وفيه : أنه لما احتمل على نعشه بكت أمه ، وقالت : الخ .. وتاريخ الإسلام (المغازي) ص ٢٦٧ و ٢٦٨ وراجع ص ٢٦٩.
(٢) راجع : هذا الكتاب ج ٧ ص ٢٧٥ ـ ٢٨٣.
وإن كان مراده : أن لا تذكر أم سعد فضائل سعد ، وخصائصه الكريمة ، ولا تذكر الناس بها ،.
فلذلك يعني : أنه كان ينفس على سعد خصائصه ، ومزاياه تلك. وكان لا يحب أن يكون لأنصاري مقام رفيع كهذا ، حتى بعد موته ، وحتى لو كان شهيدا ، وفي سبيل الله؟!
وهذا الموقف أيضا غير مقبول منه ، لأن ذلك يخالف روح الإسلام ، ويتنافى مع صريح نصوصه.
ثانيهما : إن الرواية الأخيرة ، قد نسبت الكذب إلى أم سعد في شعرها ولكنها قالت : إن غيرها من الشعراء أكذب منها!!
وليت شعري أي كذب يوجد في شعر أم سعد. ألم يكن سعد بن معاذ يتحلى بتلك الخصال التي وصفته بها؟!
أم أن المقصود هو تزوير الحقيقة ، وتشويه صورة سعد ، الذي لم يكن يرتاح له المهاجرون وخصوصا قريش؟
وقد أثار حكمه حفيظة بعض الناس من قومه الأوس أيضا. وهم الذين وصفهم سعد بأنهم لا خير فيهم؟!
حسان يرثي سعدا وجماعة معه :
وقال حسان بن ثابت يبكي سعدا وجماعة ممن استشهد يوم بني قريظة :
ألا يا لقومي هل لما حم دافع |
|
وهل ما مضى من صالح العيش راجع |
تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت |
|
بنات الحشا وانهل مني المدامع |
صبابة وجد ذكرتني إخوة |
|
وقتلى مضى فيها طفيل ورافع |
ولحسان مقطوعات أخرى يهجو فيها بني قريظة ، فمن أرادها فليراجعها في مصادرها (٢). تآمر اليهود من جديد : وكان يهود بني النضير في خيبر ، ويهود خيبر ينتظرون نتائج حصار بني قريظة ، فبلغهم ما جرى عليهم ، فأنحوا باللائمة على حيي بن أخطب ، وبلغ النساء ، فشققن الجيوب ، وجززن الشعور ، وأقمن المآتم. وضوى إليهن نساء العرب. وفزعت اليهود إلى سلام بن مشكم ، وسألوه عن الرأي ، فقال لهم : محمد قد فرغ من يهود يثرب ، وهو سائر إليكم ، فنازل بساحتكم ، وصانع بكم ما صنع ببني قريظة. قالوا : فما الرأي؟ قال : نسير إليه بمن معنا من يهود خيبر ، فلهم عدد ، ونستجلب يهود تيماء ، وفدك ، ووادي القرى ، ولا نستعين بأحد من العرب ، فقد رأيتم في غزوة الخندق ما صنعت بكم العرب ، بعد أن شرطتم لهم تمر خيبر ، نقضوا ذلك __________________ (١) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٦ وسبل الهدى ج ٥ ص ٣٢ والإكتفاء ج ٢ ص ١٨٩ و ١٩٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٢٦٠. (٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٣٠ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٨٢ و ٢٨٦. |